كيف يمكنني أن أنصح أمي؟

منذ 2018-06-02

أمي تقيم الليل وتقرأ القرءان كثيرًا ، لكنها تقطع رحمها لأتفه الأسباب وأبسط الاختلافات.

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله،

أمي تقيم الليل وتقرأ القرءان كثيرًا ، لكنها تقطع رحمها لأتفه الأسباب وأبسط الاختلافات، كما أنها لا تسامح بسهولة، وفي كثير من الأحيان تسيطر عليها الغيرة والحسد، فتتسبب بمشاكل مع الأهل والأقارب. أنا أخشى عليها أن تذهب أعمالها حسرات، كما أني مشفق عليها مما تحمله لأنه لا يمكن للإنسان أن يعيش في سعادة وراحة وقلبه به حسد أو غيرة.

جزاكم الله خيرًا شيوخنا الأفاضل.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:                                    

فلا شك الأم من أحق الناس بالبر والنصح، الشفقة والإحسانَ إليها، وبذل الوسع والطاقة للنجاة بها من عذاب الله – تعالى، وهذا يتطلب صبرًا، واستخدم شتى وسائل الإقناع، فإن منعهما من المعصية من البر بها ومن نصرهما، كما في الحديث: «لينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا، فلينهه فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا، فلينصره»؛ رواه مسلم.

ولا شك أن قطع الرحم من أكبر الكبائر؛ قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22، 23].

وكذلك شدة الخصومة ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ»، والألد هو لمولع بالخصومة والماهر بها، والشديد غيه، مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه؛ لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، (الخصم) الحاذق بالخصوم.

 هذا؛ وسأذكر بعض النقاط تصلح في نصح الوالدين عمومًا:

أولا: الإخلاص لله - عز وجل – في النصح، فلا يكون ذلك حمية لأي شيء سوى لله - عز وجل - فإن الكلمة الصادقة يأبى الله أن يجعلها إلا أن تدخل القلب، كما قال عامر بن عبد القيس - رحمه الله تعالى -: "الكلمة إذا خرجت من القلب، وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان، لم تتجاوز الآذان"

ثانيً: الرفق بها والإحسان إليها، مع انتقاء أفضل الكلمات، والالتزام بقول الله - تعالى -: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24]، ففضل الأم ومنزلتها، توجب المحبة والإحسان والقرب، كما توجب توكيد حق النصح والبر.

 ثالثًا: وضع الآية الكريمة أما العين، والعمل من تقتضيه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24]؛ أي: إذا وصلت إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواها، ويحتاج للطف بها، والإحسان إليها، {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، وهذا أدنى مراتب الأذى، نبه به – سبحانه - على ما سواه من معاني الأذى؛ من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، {وَلا تَنْهَرْهُمَا}؛ فلا تزجريها، وتكلميها كلامًا خشنًا، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، باستعمال الألفاظ التي تحباها، في تأدب، وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبها، وتطمئن به نفوسها، ولا يخفى عليك أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، والعوائد والأزمان، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، فتواضعي ذلًّا لها، ورحمة بها، واحتسابًا للأجر الجزيل من الشكور الجواد الكريم، {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا}، فادعي لها بحسن الخاتمة والرحمة، والتوفيق للتوبة. 

رابعًا: بذل الوسع من أجل أن التأسي بخليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام -  حنوه بأبيه، وشفقته عليه وكان مشركًا -عند دعوته إياه - قال الله – تعالى -: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 41-47]

 خامسًا: تجنبي  الطرق الاستفزازية، والألفاظ القاسية أو المحرجة؛ قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (2 / 58):

"فصل في أمر الوالدين بالمعروف ونهيهما عن المنكر، قال أحمد - في رواية يوسف بن موسى -: يأمر أبويه بالمعروف، وينهاهما عن المنكر، وقال - في رواية حنبل -: إذا رأى أباه على أمر يكرهه، يعلمه بغير عنف ولا إساءة، ولا يغلظ له في الكلام، وإلا، تركه، وليس الأب كالأجنبي.

سادسًا: الحرص على اختيار الوقت المناسب للنصيحة، والذي تكون فيه والدتك هادئة ومهيئة للسماع والاستجابة.

سابعًا: الاستعانة بمن لهم عندها مكانة، ويرجى أن يكون لقوله تأثير عليها من أهل، وأصدقاء.

ثامنًا: الاستعانة بمن بيده قلوب العباد، ومن يرجى منه الخلاص - سبحانه وتعالى ودعاؤه بصدق وإخلاص، أن يهديها لأحسن الخلاق، وأن يصرف عنها سيئها.

هذا؛ والله أعلم.   

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 17,116

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً