كيفية التوبة النصوح
فسبيل التوبة مفتوح دائمًا لكل من قصده، وأحسن الفرار إلى الله والهرب إليه منطرحًا على بابه متضرعًا متذللاً متضرعًا، خاشعًا باكيًا آسفًا، متذكرًا عطفه وبره ولطفه ورحمته ورأفته وإحسانه وجوده وكرمه مع غناه وقدرته.
نفسى اتوب توبه نصوحه من المعاصى والزنوب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان، أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهي مشتقة من النصح والنصيحة، هي الخالصة التي لا غش فيها.
والتوبة من أجل وأحب الطاعات إلى الله تعالى، وهو سبحانه يفرح بتوبة عبده أعظم من فرح هذا الواجد لراحلته في الأرض المهلكة، بعد اليأس منها، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة)، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده).
فالعفو والمغفرة والرحمة أحب إليه سبحانه من الانتقام، والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.
وخلق الله عباده على صفات وهيئات وأحوال تقتضي أن يذنبوا ويتوبوا إليه ويستغفروه ويطلبوا عفوه ومغفرته؛ وقد كما روى مسلم (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم).
قال الإمام ابن القيم: "فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي فلمن يغفر وعلى من يتوب وعمن يعفو ويسقط حقه ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه وهو واسع المغفرة فكيف يعطل هذه الصفة أم كيف يتحقق بدون ما يغفر ومن يغفر له ومن يتوب وما يتاب عنه" شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 223)
وقد ذكر رحمه الله أكثر من ثلاثين وجها من حكمة تخلية الله بين العبد وبين الذنب وإقداره عليه وتهيئتة أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله، كما في كتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين، وكذلك كلامه على منزلة التوبة في كتابه "مدارج السالكين".
والحاصل أن كل من ابتلي بشيء من المعاصي ثم وفقه الله تعالى للتوبة تاب الله عليه، وبدل سيئاته حسنات، مهما كان ذنبه، ومهما عظم جرمه، كما قال سبحانه: ({وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 - 70].
وقال – تعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة هود: 114،115].
أرشدنا رسول الله للتوبة والاستتار بستر الله حتى من أقبح الفواحش؛ ففي صحيح مسلم جاء " ماعز " يقول للنبي صلى الله عليه وسلم " طهرني "، قال له: (ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه) .
ونصح بذلك الصديق الأكبر أبو بكر الصديق والفاروق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: قالا له: "تب إلى الله. واستتر بستر الله. فإن الله يقبل التوبة عن عباده"
فسبيل التوبة مفتوح دائمًا لكل من قصده، وأحسن الفرار إلى الله والهرب إليه منطرحًا على بابه متضرعًا متذللاً متضرعًا، خاشعًا باكيًا آسفًا، متذكرًا عطفه وبره ولطفه ورحمته ورأفته وإحسانه وجوده وكرمه مع غناه وقدرته.
وأكمل الناس أكملهم توبة؛ فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق وأكملهم توبة، وأكثرهم استغفارًا ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)، وقال صلى الله عليه وسلم : (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)؛ رواه مسلم، وعن ابن عمر قال: (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)، رواه الترمذي وقال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل واستغفروه فإني أتوب إلى الله وأستغفره كل يوم مائة مر) رواه أحمد والأحاديث في هذا المعنى الشريف أكثر من أن يحاط بها،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: