هل تصح ولاية الفاسق في الزواج؟
ولاية الفاسق في النكاح صحيحة.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد اختلف العلماء في ولاية الفاسق، فذهب الحنفية والمالكية في المشهور عندهم، وهو وجه عند الشافعية، ورواية في مذهب الحنابلة كما في "الإنصاف" (8/ 74) للمرداوي- إلى عدم اشتراط العدالة في الولي، وأنه يجوز ولاية الفاسق في النكاح؛ واحتجوا بقوله بعموم قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32].
قال في "بدائع الصنائع" (2/ 239):
"ولنا عموم قوله تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]، وقوله - صلى الله عليه وسلم – "زوجوا بناتكم الأكفاء"، من غير فصل، ولنا إجماع الأمة أيضًا؛ فإن الناس عن آخرهم عامهم وخاصهم من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا يزوجون بناتهم من غير نكير من أحد، خصوصًا: الأعراب والأكراد والأتراك، ولأن هذه ولاية نظر، والفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر، ولا في الداعي إليه وهو الشفقة، وكذا لا يقدح في الوراثة فلا يقدح في الولاية كالعدل، ولأن الفاسق من أهل الولاية على نفسه فيكون من أهل الولاية على غيره كالعدل، ولأنه من أهل أحد نوعي الولاية وهو ولاية الملك حتى يزوج أمته؛ فيكون من أهل النوع الآخر". اهـ.
وقال ابن قدامة في كتابه "المغني" (7/ 22):"لأنه يلي نكاح نفسه، فتثبت له الولاية على غيره، كالعدل، ولأن سبب الولاية القرابة، وشرطها النظر، وهذا قريب ناظر، فيلي كالعدل". اهـ.
وقال في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 256) - في معرض ذكر للقول الثاني للشافعية الموافق لقول الحنفية والمالكية -:
"..... لأن الفسقة لم يمنعوا من التزويج في عصر الأولين، وصححه الشيخ عز الدين وعلله بأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي، وأفتى الغزالي بأنه إن كان لو سلب الولاية لانتقلت إلى حاكم فاسق ولي وإلا فلا، قال: ولا سبيل إلى الفتوى بغيره، إذ الفسق قد عم البلاد والعباد.
قال المصنف –يقصد: النووي -: وهذا الذي قاله حسن، وينبغي العمل به، واختاره ابن الصلاح في فتاويه". اهـ.
والقول الثاني: أنه يشترط العدالة في ولاية النكاح، وأن ولاية الفاسق باطلة، وهو الأظهر عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة وغير المشهور عند المالكية؛ واحتجوا بحديث " لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان"، واجيب بأن الحديث ضعيف، وعلى فرض صحته فلا حجة فيه؛ لأن الفاسق مرشد أيضًا؛ لأنه يرشد غيره لوجود آلة الإرشاد - وهو العقل - فكان هذا نفي الولاية للمجنون، وبه نقول: إن المجنون لا يصلح وليًا؛ كما قال الكاساني الحنفي، في "بدائع الصنائع".
إذا تقرر هذا؛ فولاية الفاسق في النكاح صحيحة؛ للأدلة والسابقة،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: