ضابط الاستحلال والتوبة

منذ 2020-04-19
السؤال:

كيف يكون الاستحلال هل لا يكون الا بالقلب، ومن فعل المعصية عالما بحرمتها ولكن قال: انه اسرف على نفسه في المعاصي فلن تقف على هذا الذنب، وهل من استحل شيئا يستلزم الكفاره، هل لا يصح اسلامه الا باخراج الكفارة؟ ام يصح ويبقي عليه الكفارة؟ ارجو الرد افادكم الله؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن لفظ الاستحلال، إنما يستعمل في الأصل فيمن اعتقد الشيء حلالاً، ويطلق عند الفقهاء على من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال، ولا فرق في ذلك بين كبيرة وصغيرة، مثل السرقة وقذف المؤمنين والكذب والغيبة والزنا، إلى غير ذلك مما عُلِم أن الله حرمها، فمن فعل شيئًا من المحرمات مستحلاً كفر بإجماع المسلمين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 521-522): "إن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافر بالاتفاق؛ فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها بغير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية، أو لخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ما حرمه الله ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم ويعاند المحرم، فهذا أشد كفرًا ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو إتباعًا لغرض النفس، وحقيقته كفر هذا؛ لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقرُّ بذلك ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع". اهـ.

وقال في "مجموع الفتاوى" (20/ 90-91): "أنه قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة- أنهم لا يكفرون أحدًا من أهل القبلة بذنب ولا يخرجونه من الإسلام بعمل إذا كان فعلاً منهيًا عنه؛ مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر؛ ما لم يتضمن ترك الإيمان، وأما إن تضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به مثل: الإيمان بالله وملائكته؛ وكتبه ورسله؛ والبعث بعد الموت؛ فإنه يكفر به وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة وعدم تحريم الحرمات الظاهرة المتواترة.

فإن قلت فالذنوب تنقسم إلى ترك مأمور به وفعل منهي عنه، قلت: لكن المأمور به إذا تركه العبد: فإما أن يكون مؤمنًا بوجوبه؛ أو لا يكون، فإن كان مؤمنًا بوجوبه تاركًا لأدائه، فلم يترك الواجب كله، بل أدى بعضه وهو الإيمان به، وترك بعضه وهو العمل به.

وكذلك المحرم إذا فعله؛ فإما أن يكون مؤمنًا بتحريمه أو لا يكون، فإن كان مؤمنًا بتحريمه فاعلاً له، فقد جمع بين أداء واجب وفعل محرم، فصار له حسنة وسيئة والكلام إنما هو فيما لا يعذر بترك الإيمان بوجوبه وتحريمه من الأمور المتواترة وأما من لم يعتقد ذلك فيما فعله أو تركه بتأويل أو جهل يعذر به؛ فالكلام في تركه هذا الاعتقاد كالكلام فيما فعله أو تركه بتأويل أو جهل يعذر به". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فإن من أسرف على نفسه في المعاصي حتى قال لن تقف على هذا الذنب! لا يعتبر مستحلاً ما دام يعتقد تحريم الحرمات الظاهرة المتواترة، ولكن يخشى عليه ألا يوفق للتوبة أو يحال بينه وبينها، فيجب عليه الإسراع بالتوبة النصوح، ويعزم على عدم العود،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 3
  • 8,224

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً