لا أستطيع النوم بسبب التفكير في الموت

منذ 2021-02-28
السؤال:

السلام عليكم أنا عندي مشكلة من فترة طويلة وهيا إني أفكر بالموت كثير وأخاف منه وأفكر إنه بيجيني ملك الموت يأخذ روحي وبسبب ذلك لا استطيع النوم .. لازم أشغل شي بأذني قبل أنام عشان يسكت الأصوات والأفكار اللي براسي .. " مع العلم إني أصلي وأتوضى قبل أنام وأحاول أقرب من ربنا بالصلاة والقران والدعاء وجربت أشغل قران بإذني بس للأسف بدون نتيجة " ودي مشكلة مأزمنتني أتمنى تساعدوني .

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الخوف من الموت نافع لقلب، وهو تابع للخوف من الله تعالى؛ كما قال سبحانه: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونَ} [البقرة: 40]، ومدح سبحانَه من يخشاه وأثْنى عليهِم؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون: 57 - 61].

قال الحسن: "إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقة، وإنَّ المنافق جَمع إساءةً وأمنًا"؛ كما في "الزهد والرقائق: لابن المبارك.

غير أن الخوف الصحي هو ما حالَ بيْن صاحبِه وبين مَحارِم الله - عزَّ وجلَّ – بمعنى أنه يدفع صاحبه للعمل، ولا يزيد فيوقع صاحبه في اليأْس والقنوط، أو يثبطه عن العمل.

وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه – على ذلك فقال: "الخوف المحمود: ما حجَزك عن محارم الله".

وقال ابن القيم في "المدارج": "القلب في سيْرِه إلى الله - عزَّ وجلَّ - بمنزلة الطَّائِر، فالمحبَّة رأسُه، والخوف والرَّجاء جناحاه، فمتى سلِم الرَّأس والجناحان فالطَّير جيِّد الطيَران، ومتَى قطع الرَّأس مات الطَّائر، ومتَى فقد الجناحان فهو عرضةٌ لكلِّ صائد وكاسر، ولكنَّ السَّلف استحبُّوا أن يقوى في الصحَّة جناح الخوف على جناح الرَّجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرَّجاء على جناح الخوف".

والخوف من الموت هو حال كل المؤمنين، غير أن خوفهم منضبط بأن الله تعالى استأثر بعلمه، فلا يعلم أحد متى تقبض روحه حتى سيد ولد آدم؛ قال الله تعالى:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 188]، الله تعالى أخفى علم حلول الأجل؛ لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبرها، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]، وشبيه بها قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].

قال قتادة كما في "تفسير الطبري"(20/ 160): "أشياء من الغيب، استأثر الله بهنّ، فلم يطلع عليهنّ ملَكًا مقرّبًا، ولا نبيًا مرسلاً: {إنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة}، فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أيّ سنة، أو في أيّ شهر، أو ليل، أو نهار {ويُنزلُ الغَيْثَ}، فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أو نهارا ينزل؟ {وَيَعْلَمُ ما فِي الأرْحام}، فلا يعلم أحد ما فِي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟ {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، خير أم شرّ، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا؟ {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ}، ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض في بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك، لا يعلمه نبي بيقينِهِم أنَّ ما قَدَّرَهُ الله لا مَرَدَّ له، وأنه لا يصيبُهُ إلا ما كُتِبَ له، وأن رُوحه ستُقْبِضُ عند حُلُول أَجَلِهِ ولو كان في حصنٍ منيعٍ".

أسألُ اللهَ أن يُفَرِّجَ كربَكَ، وأن يُعَجِّلَ الخَلَاصَ لَكُمْ جَمِيعًا.

فأصدق اللجوء إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء، وأقبل على الله بالعبادة والطاعة، وتوكلت عليه، وقد قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

وحافظ على الفرائِض، وأعظمها الصَّلوات الخمْس، والصِّيام الواجب، وبرّ الوالدين، وصِلة الأرْحام، وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسُّنن والمستحبَّات، كالصَّلوات الرَّاتبة، وقيام الليل، والصَّدقة المستحبَّة، وقراءة القرآن، والتَّسبيح، والذِّكْر، ونحو ذلك.

 واصرف عن ذهنك ذكر الموت، كلما ألقى الشيطان في قلبك شيئًا منه اقطع الخطرة فهو أيسر عليك من معالجة الفكر بعد ذلك؛ لأن الخوف من الموت بالصورة التي ذكرت هو خوف مرضي، وهو محض وسوسة من الشيطان لفسد عليك حياتك، فاحذر من الاسترسال مع خطراته، وأكثر من قراءة القرآن بتدبر خصوصًا سورة (ق) فإن لها تأثير كبير في قمع الشيطان، وهي مجربة في ذلك،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 9
  • 2
  • 4,423

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً