وفاة الأب بسبب انتظار موافقة شركة التأمين الطبية

منذ 2022-02-02
السؤال:

أصيب والدي بوعكة صحية فأسعفته الى المستشفى وتم تقديم الإسعافات الأولية في قسم الطوارئ على حسابي. طلب الأطباء نقل والدي الى العناية المركزة. ارسلنا طلب الى شركة التأمين وتأخر الرد 12 ساعة واتى بالرفض وطول هذه المدة كان والدي في غرفة الطوارئ. أدخلت والدي المريض الى العناية المركزة على حسابي وبعدها بست ساعات توفي والدي. قال الطبيب انه كان لديه اعتراض على إبقاء الوالد ١٢ ساعة في قسم الطوارئ لأن قسم العناية المركزة افضل وكأنه يلومني هل من إثم علي في وفاة الوالد رحمه الله. اشعر بالذنب لانتظار التأمين

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بأجل مُسمى، فلتصبِرْ ولْتحتسِبْ.

فمن المقرر عند كلَّ مسلم أن من مات فقد انقَضَى أجلُهُ المُسَمَّى، ومحالٌ تَقَدُّمُهُ، أو تَأَخُّرُهُ عن أجله ولو للحظة واحدة.

فجميع النفوس متعلِّقة بآجالها التي قدَّرها الله وقضاها، فمَن حُتِّم عليه بالقدر أن يموت ماتَ ولو بغير سبب نعلمه، ومَن قدَّر الله بقاءه لم يمتْ، حتى ولو أتاه من الأسباب كلُّ سبب لم يضرَّه ذلك قبل بلوغ أجله؛ كما قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، فهذا قدَرٌ قدَّره الله عز وجل، وحُكْمٌ حتْمٌ لا مَحيد عنه، ولا مَناص منه، ولا يكون شيءٌ إلا بقدر الله تعالى.

وتأمَّل - رعاك الله - ما أخبَرَنا الله تعالى به في كتابه الكريم عن قول المنافقين وظنِّهم الباطل، أنَّ الناس إن لم يَخرجوا للقتال ما قُتلوا؛ فقال الله سبحانه: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]... إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: 156]، فلو لم تكن ثَمَّ معركة، ولم يكنْ هناك قتالٌ أصلًا، لَخَرَج هؤلاء وماتوا في هذا المكان الذي ماتوا فيه؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قد قدَّر أن يموتوا في هذا المكان!

إذا علمتَ هذا، فاصبر، واحتسِبْ ما نَزَلَ بِكَ، فحتى لو كان الموافقة أتت في الموعد المطلوب لوقع ما قدره الله تعالى، فأرِحْ قلبك مِن (لو)، وارضَ بقضاء الله تعالى، فلا تقصير منك ولا تهاون، وقُلْ ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم: ((قدَرُ اللهِ، وما شاء فعل))، ودعْكَ من لو نفسك؛ فأنت لم تتعمَّد التقصير في العلاج، وإنَّما هو الشيطان يُلبِّس عليك ويُضخِّم لك الأمور ليحزنك، والمؤمِنُ مأْمُور عند المصائب أنْ يصبرَ ويُسَلِّمَ.

وكلام الطبيب خطأ محض، بل هو وَهْمٍ لا حقيقة له؛ فالموتُ لا يتأخَّر ولا يتقدَّم، فسَهمُ الله نافذ، وقدرُ الله ماضٍ، ولا يُؤخِّر الموت (لو) أو (لعل) أو (ربما)، فأَرِح نفسك مِن هذا العناء كله؛ فالله تعالى بيده الخَلق، وإليه يرجع الأمر، ولا يَحيا أحد ولا يموت غيره إلا بمشيئته وقدَره، ولا يُزاد في عُمرِ أحدٍ ولا يُنقَص منه شيء إلا بقضائه وقَدرِه، وقضاءُ الله نافذ في جميع خَلقِه؛ كما رُوِيَ في صحيح مسلم عن أم حبيبة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية"، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئًا قبل حله، أو يؤخر شيئًا عن حله، ولو كنتِ سألت الله أن يُعيذَك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر، كان خيرًا وأفضل))،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 2
  • 1,637

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً