حكم البقاء في السجد بعد صلاة الجمعة

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ

فإن الأمر في الآية الكريمة بالسعي في طلب المكاسب والتجارات للإباحة وليس للوجوب؛ لأنه أمر بعد الحظر وليس أمرًأ مطلقًا، فالشارع الحكيم قد نهى عن البيع للتفرغ لفريضة الجمعة، وللمبادرة بالسعي إليها، إهتمامًا بشأنها؛ كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة: 9]، فأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والتبكير إليها، من حين ينادى لها، وجعلها أهم الأشغال، ومن ثمّ نهي عن البيع بعد النداء، فلما قضيت الصلاة رخص سبحانه وتعالى في البيع والشراء والسعي في الأرض، وعاد البيع والشراء والسعي لحكمه الأول وهو الإباحة.

 وروى الطبري في تفسيره إنها رخصة عن مجاهد، وروى عن قال الضحاك قال: "هذا إذن من الله، فمن شاء خرج، ومن شاء جلس".

وجاء في "تفسير القرطبي" (18/ 108): "هذا أمر إباحة، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم، {  وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، أي من رزقه.

وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وقال جعفر ابن محمد في قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، إنه العمل في يوم السبب، وعن الحسن ابن سعيد بن المسيب: طلب العلم. وقيل: صلاة التطوع. وعن ابن عباس: لم يؤمروا بطلب شي من الدنيا، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة الأخ في الله تعالى.  

وجاء في "التفسير الوسيط" للواحدي (4/ 300): "هذا أمر إباحة، قال ابن عباس: إن شئت فاخرج، وإن شئت فصل إلى العصر، وإن شئت فاقعد.

وكذلك قوله: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]، إباحة لطلب الرزق بالتجارة بعد المنع بقوله: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمة: 9]". اهـ.

والحاصل أن الأمر في بعد الحظر يقتضي التخيير والإباحة؛ كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187]، وما أشبه ذلك.

وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: (قد كنت نهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا، وكل مسكر حرام)، فالأمر للإباحة، وقوله: وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فكلوا وادخروا"، إلى غير ذلك.

وعليه، فيجوز الجلوس في المسجد بعد الصلاة الجمعة إلى ما شاء الله، كما يجوز إتخاذ يوم الجمعة عطلة من العمل كما هو الحال في البلاد الإسلامية،، والله أعلم.