مقطع قصير : النصيحة للأئمة
هذه النصيحة، شروطها وأنواعها
وهذا ما ذَكَرَهُ النبي عليه الصلاة والسلام في قوله، قال: <<النصيحة لأَئِمَّة المسلمين وعامَّتِهِم>> (صحيح مسلم [55]).
الأئِمَّة: تأتي في كلام الله -جل وعلا- وكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
يُرادُ بذلك: مَن وَلِيَ أمرًا مِن أمور المسلمين، ومَلَكَ زِمَام الأمر.
الأمر في ذاته يُراد به شريعة الله -عز وجل- وحُكمِه -سبحانه وتعالى-، فمَن كان بصيرًا بذلك، مُبَلِّغًا لأمر الله -جل وعلا-، حاكِمًا لأمر الله -سبحانه وتعالى- فيتوجَّهُ إليه الخِطَاب.
ولهذا الله -جل وعلا- يقول في كتابه العظيم: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء من الآية:59] أي: مِن المسلمين الذين أقاموا أقاموا دين الله -سبحانه وتعالى-.
ولهذا نَجِد في كلام الفُقَهَاء مِن السَّلَف، في تفسير قول الله -جل وعلا-: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} أنَّ منهم مَن يقول: الفُقَهَاء. ومنهم مَن يقول: الأُمَراء والسَّلَاطين.
مما يدل على وجود الاشتراك في هذا.
وهذا مِن المسائل المهمة التي ينبغي الإشارة إليها:
أنَّ (أُولِي الأمر) إذا أُطْلِقَت في كلام الله -عز وجل- فإنها أَوَّل ما تَتَبَادر إلى العلماء، ثم تَتَوجَّه بعد ذلك إلى السَّلاطين الذين مَلَكُوا زِمام الأمور، باعتبار أنَّ الأصل أنه لا يَتَولَّى أحدٌ وِلايةً مِن الولايات العامة إلا وهو عالِمٌ بما تَوَلَّى.
وذلك مثلًا: (بالوِلاية العامة) عالِمٌ بأحكامها، عالِمٌ كذلك أيضًا بالأمر المُتَعدِّي مِن مصالح الناس في دينهم ودنياهم، فالأصل في ذلك أنه يكون عالِمًا مُتَبَصِّرًا بهذه الأحكام.
ولهذا تَوجَّه الخِطَاب إلى أُولِي الأمر، وجاء في بعض السِّيَاقات في قول الله -جل وعلا-: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء من الآية:83] الذي يستنبط هو العالم، الذي يُدرِك الأدلة ويَعرف سياقاتها، حينئذٍ يستطيع أنْ يستنبط.
هذا الأمر كان في الصدر الأول: لا يَتولَّى وِلايةً إلا مَن كان عالِمًا مُتَبَصِّرًا بأحكام الله -عز وجل-، حينئذٍ جَمَعَ بين الأمرين.
فلهذا كثيرٌ مِن السَّلَف -كما جاء عن عبد الله بن عبَّاس، ومُجاهِد بن جابر، وسعيد بن جُبَيْر، وغيرهم مِن المُفَسِّرين- حينما يقولون المُراد بذلك: هم الفقهاء؛ لأنهم مُبَرِّزين، لابُدَّ أنْ يكونوا أصحاب وِلاية وحُكُم.
إما أنْ يكون وِلاية عامة، أو وِلاية دون ذلك مِن أمور القضاء، وكذلك الوِلاية الصُّغرَى مِن أمور الوِلايات المالية والجِبَاية، وغير ذلك عالِمًا بها.
ولهذا عمر بن الخطاب -عليه رضوان الله تعالى- يقول (كما جاء في الترمذي وغيره) قال: لا يَبِعْ في سُوقِنا إلا مَن فَقُهَ في ديننا.
يعني المُمَارسات مهما كانت صغيرة لابُدَّ أنْ يكون عالِمًا بها.
لهذا نقول: الوِلايات مُتعدِّدة.
الأصل أنه لا يَتَوَلَّى الإنسان وِلايةً إلا وهو عالِمٌ بها.
وِفْقَ ما يُريد هو، أو ما يُريد الله؟.
وِفْقَ ما يُريد الله -جَلَّ في عُلاه-، ليس ما يُريده الإنسان؛ حتى لا تَتَشَاحَن النُّفوس ويقع في ذلك شيء مِن المَظَالِم.
إذا وَقَعَ في ذلك شيء مِن المَظَالِم: تأتي حينئذٍ باب النصيحة، وكذلك أيضًا الإصلاح؛ حتى يتبادل الناس مثل هذا الأمر، وهذا الدَّوْر بإصلاحِ ما فَسَدَ مِن أحوال الناس.
ولهذا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: <<النصيحة لأئمة المسلمين وعامَّتِهِم>> (صحيح مسلم [55]).
المُراد بذلك: إذا وَقَعَ شيءٌ مِن الخلل، أو النسيان، أو الجهل، أو أيضًا المُعَانَدَة والمُكَابَرَة، أنْ يُقام بإصلاح هذا الأمر.
وهي مِن الأمور أيضًا المهمة في حياة الأُمَّة.
- التصنيف:
- المصدر: