لا تلتفت للوراء (١/٢) إن الطريق إلى إقامة دين الله في الأرض، طريق شاق يقتضي الصبر والمصابرة ...

لا تلتفت للوراء
(١/٢)

إن الطريق إلى إقامة دين الله في الأرض، طريق شاق يقتضي الصبر والمصابرة والمرابطة، ويستوجب توطين النفس على وعورته والابتلاء فيه، ولا بد لسالكيه أن يصيبهم ما أصاب الأنبياء من القتل والجرح والقرح، وما أصاب خاتمهم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام من صنوف العذاب والنكال، وتلك سيرهم حافلة بالبأساء والضراء والزلزلة قبل أن يتنزل عليهم نصر الله.

وليعلم المسلم أنه لا تلازم بين الحق والسلامة الدنيوية، وأنه لا تعارض بين الوعد بالنصر والقتل الذي يطلبه المجاهدون ويطلبهم، دليل ذلك قوله تعالى في حق الأنبياء وأتباعهم: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، فالنصرة في الدنيا قد تأتي في حياة الأنبياء كما فعل بإهلاك الأمم المكذبة وإنجاء الأنبياء، وقد تتأخر إلى بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم كما بينه الإمام الطبري وغيره.

وإن من أكثر الأمور المشاهدة المعلومة التي قررها القرآن الكريم وكررها كثيرا، زوال الدنيا وسرعة انقضائها {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}، فكيف لعاقل أن يجعل ما يصيبه فيها من الفتنة بالسراء أو الضراء ميزانا؟

بل إن من الجهل وضعف اليقين انتظار النعيم فيها والتحسر على الفائت منها، وإن من أعظم ثمرات الإيمان، أن لا يعبأ المسلم بما أصابه فيها من لأواء ما دام يحدوه حادي اليقين بوعد الله تعالى بجنة عرضها السماوات والأرض، لا يَلفتهُ عنها سراء ولا ضراء، أرأيت لو أن عبدا عاش حياته مؤمنا مهاجرا مطاردا معذبا، ثم خُتم له بالحسنى وبُشّر بطوبى، هل يضيره كل ما أصابه قبلها؟ فهذا مثل المؤمن.

وإن المتفكر في هذا ليزول عجبه لما يصيب المؤمنين الثابتين على منهاج النبوة في عصرنا، مما أصاب مَن هو خير منهم من الأنبياء والأولياء، تحقيقا لسنة الله تعالى في خلقه: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، إنها سنة الابتلاء التي لم تخطئ عبدا، تمحيصا للمؤمنين وتنقية لصفوفهم، واستدراجا ومحقا للكافرين.

ومن المعلوم أن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لدعوة الخلق إلى التوحيد وإقامة الحجة عليهم، ومن لوازم ذلك وجود المكذبين والمعاندين الذين لم يخل منهم عصر ولم يسلم منهم نبي ولا رسول كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وقال سبحانه: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}، ولذلك كان لزاما على أتباع الرسل أن يحتملوا ما يصيبهم في طريق التوحيد ويصبروا عليه، وأن يمضوا فيه قدما، لا يردهم عنه ضعف ولا وهن، ولا يثنيهم خوف ولا حزن.

فإن الأمر متعلق بتبليغ الرسالة الربانية التي لأجلها خلق الله الخلق، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، ولم يك في حسابات الأنبياء والمرسلين -وحاشاهم- أن ينالوا بعملهم هذا لعاعة دنيوية أو يقصدوا سلامة بدنية، فهذا نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في مسند الإمام أحمد: (والله إني لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله له حتى يظهره الله له أو تنفرد هذه السالفة) يعني بذلك الموت! فتأمل كيف جعل المضي في دعوته وجهاده كلَّ همه وغاية مراده ولو قتل في سبيل ذلك، وقد مضى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك صادقا ثابتا فسال دمه وكسرت رباعيته ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه وجرح إصبعه فواسى نفسه وهون عليه ذلك أنه في سبيل الله كما في البخاري عن جندب بن سفيان، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في بعض المشاهد، وقد دميت إصبعه، فقال: (هل أنت إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ).

وإن من أهم الدروس والعبر التي تتجلى في سير الابتلاء، أن ما أصاب الأنبياء والرسل وأتباعهم لم يكن خذلانا من الله لهم! ولا نصرا لأعدائهم، ولا هو خسارة ولا فشلا؛ بل هو من الابتلاء والامتحان لرفع الدرجات، وهو للكافرين إمهال واستدراج ليستحقوا به أشد العذاب، بسبب كفرهم وحربهم للتوحيد وصدهم عن سبيل الله تعالى.

ومما يستفاد من سير الأنبياء في المحنة والابتلاء، أن بقاء العقائد مقدم على بقاء الأرواح، وإن جلّت هذه الأرواح وعظمت مكانتها كأرواح الأنبياء والرسل عليهم السلام، فكيف بمن هم دونها في القدر والمكانة؟ بل إن أرواح المؤمنين يعظم قدرها بقدر اتصافها والتصاقها بما كان عليه أنبياء الله ورسله، وبهذا فضّل الله المجاهدين على القاعدين ورفعهم درجات.



المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 487
السنة السادسة عشرة - الخميس 20 رمضان 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
لا تلتفت للوراء

لقراءة الافتتاحية كاملة.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC111ART
...المزيد

ALSAQRI FOUNDATION ALSAQARY FOUNDATION ALSAQRI FOUNDATION FOR MILITARY SCIENCES ALSAQRI ...

ALSAQRI FOUNDATION

ALSAQARY FOUNDATION

ALSAQRI FOUNDATION FOR MILITARY SCIENCES

ALSAQRI FOUNDATION FOR MILITARY SCIENCES

مؤسسة الصقري للعلوم الحربية

مؤسسة الصقري للعلوم العسكرية

لقد جءتنم. شيءا. ادا. تكاد. سماوات. تخر. وتنشق. الارض مطارده. المخلوق شرا. ...

لقد جءتنم. شيءا. ادا. تكاد. سماوات. تخر.
وتنشق. الارض
مطارده. المخلوق شرا. وضريبه. في دينار. وتملك نفسه. وبيته

وما كنت. لديهم. اذ. اجمعوا. امرهم. وهم يمككرون. 201 ا34. م45. ا56. ل67 طلع ...

وما كنت. لديهم. اذ. اجمعوا. امرهم. وهم يمككرون. 201
ا34. م45. ا56. ل67
طلع بريقل. مريقل. الف ممدوده ف56

ربنا. اخرجنا2. من. هذه. قريه1. ضالم. 3 اهلها. في. سوله. وماعون. وفي. دينار ...

ربنا. اخرجنا2. من. هذه. قريه1. ضالم. 3 اهلها.
في. سوله. وماعون. وفي. دينار واحد
..........
نار. جهتم. اشد. سبعين. من. ناركم هذه

نفس شيء. ل3 صدق. زر. ابن حبيش. لا. تبلينا. يا. عبد. ملك. بوستي ...

نفس شيء. ل3
صدق. زر. ابن حبيش.
لا. تبلينا. يا. عبد. ملك. بوستي كونت. وهو ارفق لنا. لا. حسد. ولا نا،ر.
...........مركبة تنقين خاصه..........

دول الكفر على طريقة عاد وفرعون وثمود • غرور أمم الكفر واستكبارها في هذا العصر، أوصلها إلى تبنّي ...

دول الكفر على طريقة عاد وفرعون وثمود

• غرور أمم الكفر واستكبارها في هذا العصر، أوصلها إلى تبنّي طريقة فرعون وعاد وثمود وأضرابهم من أمم الكفر البائدة، حتى قالوا مقولتهم: "مَن أشدّ منا قوة؟" ولكن بألفاظ وعبارات عصرية مختلفة، من قبيل "الدول الكبرى" و"القوى العظمى" وغير ذلك من ألفاظ وأوصاف التفخيم والتبجيل لدولهم وجيوشهم، فتستروا خلف هذه الألفاظ يتحدّون العزيز القهّار سبحانه.


[ إفتتاحية النبأ - وجعلنا لمهلكهم موعدا - العدد: 444 ]

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111art
...المزيد

إنَّ لها ما بعدها - بإذن الله تعالى - • ويا جنود الإسلام وأنصار الخلافة في كل مكان، كثفوا ...

إنَّ لها ما بعدها - بإذن الله تعالى -

• ويا جنود الإسلام وأنصار الخلافة في كل مكان، كثفوا الضربات تلو الضربات واجعلوا مراكز إعلام أهل الكفر ودور حربهم الفكرية ضمن الأهداف، فمن لكعب بن الأشرف وحمالة الحطب، من لعلماء السوء ودعاة الشر والفتنة، فواصلوا جهادكم وعملياتكم المباركة، وإياكم أن يهنأ الصليبيون والمرتدون في عقر دارهم بلذيذ عيش وطيب مقام، وإخوانكم يذوقون القصف والقتل والدمار.


[ الشيخ المجدد: أمير المؤمنين أبي بكر الحسيني البغدادي - تقبله الله تعالى - ]
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
4 شوال 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً