الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • أخذ الغنيمة من غير غلول حلال، لكنه ينقص الأجر: قال ...

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة

• أخذ الغنيمة من غير غلول حلال، لكنه ينقص الأجر:

قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أُحلّت لي الغنائم، ولم تَحِلَّ لنبي كان قبلي) [صحيح، رواه أحمد وغيره]، فالغنيمة مال طيب، لكنّ أخذها ينقص أجر المجاهد في سبيل الله، وذلك ثابت بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجّلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) [رواه مسلم]، قال النووي: «وأما معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجّلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة» [شرح صحيح مسلم].

الغلول من أسباب هزيمة المسلمين:

ليس الغلول سببا لهلاك الغال فحسب، وإنما هو سبب من أسباب هزيمة المسلمين أمام عدوهم أيضا! فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: «ما ظهر الغلول في قوم قط، إلا ألقي في قلوبهم الرعب» [موطأ مالك]، قال الزرقاني في شرحه للموطأ: «وذلك معاملة لهم بالنقيض، لأنهم لما أخذوا المال بغير حق خافوا، فلما خافوا دخل الرعب في قلوبهم من عدوهم، فجبنوا عن لقائهم، فظهر العدو عليهم، وذلك عامّ في من غل، ومن لم يغل ولم ينكر على الغال مع القدرة على الإنكار» اهـ.

لذا كان خليفة المسلمين أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحذر جنوده وأمراءه من معصية الغلول خشية الهزيمة، كما فعل مع يزيد بن أبي سفيان -رضي الله عنه- الذي أمّره على جيش عظيم وأرسله لفتح الشام وشيّعه بنفسه ماشيا، وأوصاه من بين ما أوصاه قائلا: «واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر» [الكامل في التاريخ لابن الأثير].

اللهم طهر صفوف المجاهدين من الغلول، وأخرج حب الدنيا وزخرفها من قلوبهم، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
...المزيد

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • حكم الغلول: الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول ...

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة

• حكم الغلول:

الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونقل الإمام النووي إجماع الفقهاء على أن الغلول كبيرة من الكبائر [عمدة القاري شرح صحيح البخاري].

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]، وهذه الآية نزلت في قطيفة (نوع من الثياب) فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال المنافقون: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، مخبرا أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يُتّهم بالغلول، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشرّ العيوب، وقد صان الله سبحانه أنبياءه -صلوات الله وسلامه عليهم- عن كل ما يدنسهم. ثم ذكر -سبحانه- الوعيد على من غلّ، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأتي به حامله على ظهره، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، قبل أن يحاسبه على خيانته، وفي ذلك تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه [تفسيرا: الطبري والشوكاني].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا) [متفق عليه].

وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: افتتحنا خيبر وغنمنا، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم؛ فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر -لا يُدرَى من رماه- حتى أصابه، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلى والذي نفسي بيده إن الشملة (وهي نوع من الثياب) التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين (الشراك: سير النعل الذي يكون على ظهر القدم) فقال: يا رسول الله، هذا شيء كنت أصبته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) [متفق عليه].

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول من البعير قَرَدَةً -قطعة من وبر البعير مما يُنْسَل منه- فجعل بين إصبعيه ثم قال: (يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار) [صحيح، رواه ابن ماجة وغيره].

ما يترتب على الغال في الدنيا:

تبين آنفا أن جزاء الغال في الآخرة هو النار إذا لم يتب ويتحلل مما اقترفه، أما في الدنيا فلا يخلو الغال من إحدى حالتين:

الأولى: أن يتوب من ذنبه قبل اكتشاف غلوله وقبل رفع أمره إلى السلطان، ويشترط لقبول توبته عندئذ أن يعيد ما غله لبيت مال المسلمين، ولا يحق للغال أن يتصدق بما غله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) [رواه مسلم]، علاوة على ذلك فإن عائدية هذا المال لبيت مال المسلمين.

الحالة الثانية: إن لم يتب الغال من ذنبه، ولم يرجع ما غله لبيت مال المسلمين ووصل أمره للأمير، فللأمير تعزيره بأشد العقوبات، بعد إلزامه برد ما غله أو رد قيمته [المبسوط للسرخسي]، كما أن للإمام تحريق متاع الغال زيادة في النكاية به وردعا لغيره، والتحريق يكون للمتاع لا لما غله من الغنائم [المغني لابن قدامة].

ومن العقوبات التي تلحق الغال غير التائب ترك الصلاة عليه من قبل إمام المسلمين، فعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي بخيبر، وأنه ذُكِر لرسول الله ليصلي عليه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (صلوا على صاحبكم)، فتغيرت وجوه القوم لذلك! فلما رأى الذي بهم قال: (إن صاحبكم غل في سبيل الله)، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود، ما يساوي درهمين [صحيح، رواه أحمد وغيره].

ومن العقوبات أيضا عدم إلحاق اسم الشهيد بمن قُتل وثبت عليه غلول، فعن عمر -رضي الله عنه- قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها) [رواه مسلم]، قال النووي: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كلا)، زجر ورد لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد، ومن فوائد الحديث أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل إذا قتل [شرح صحيح مسلم].

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
...المزيد

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ...

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة

• الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الأموال السلطانية -التي يتولى السلطان جمعها وتقسيمها- ثلاثة أصناف: الغنيمة والصدقة والفيء، فأما الصدقات فمعروفة، وأما الفيء فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال، وأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بعد قتالهم، فإذا كان الإمام -أو من يخوّله الإمام- هو الذي يتولى جمع الغنائم والأفياء وتقسيمها، لم يجز لأحد أن يأخذ منها شيئا دون إذن الإمام، وإلا كان ما أخذه غلولا [السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لشيخ الإسلام ابن تيمية].

تعريف الغُلول:

الغُلول لغة: الخيانة، يقال: غَلَّ يَغُلُّ غُلولاً فهو غَالٌّ، وكل من خان في شيء خفية فقد غل [النهاية في غريب الحديث]، وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة: أي مجعول فيها غُل، والغُل: هو طوق من حديد يُجعل في العنق وتجمع معه اليدان [مختار الصحاح]، «وأصل الغلول الخيانة مطلقا، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة» [شرح صحيح مسلم للنووي].

أما شرعا: فالغلول هو أخذ شيء من الغنيمة أو الفيء -قل أو كثر- خفية قبل القسمة وبدون إذن الأمير المخول بالغنائم.



حكم الغلول:

الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونقل الإمام النووي إجماع الفقهاء على أن الغلول كبيرة من الكبائر [عمدة القاري شرح صحيح البخاري].

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]، وهذه الآية نزلت في قطيفة (نوع من الثياب) فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال المنافقون: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، مخبرا أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يُتّهم بالغلول، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشرّ العيوب، وقد صان الله سبحانه أنبياءه -صلوات الله وسلامه عليهم- عن كل ما يدنسهم. ثم ذكر -سبحانه- الوعيد على من غلّ، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأتي به حامله على ظهره، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، قبل أن يحاسبه على خيانته، وفي ذلك تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه [تفسيرا: الطبري والشوكاني].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا) [متفق عليه].

وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: افتتحنا خيبر وغنمنا، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم؛ فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر -لا يُدرَى من رماه- حتى أصابه، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلى والذي نفسي بيده إن الشملة (وهي نوع من الثياب) التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين (الشراك: سير النعل الذي يكون على ظهر القدم) فقال: يا رسول الله، هذا شيء كنت أصبته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) [متفق عليه].

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول من البعير قَرَدَةً -قطعة من وبر البعير مما يُنْسَل منه- فجعل بين إصبعيه ثم قال: (يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار) [صحيح، رواه ابن ماجة وغيره].

ما يترتب على الغال في الدنيا:

تبين آنفا أن جزاء الغال في الآخرة هو النار إذا لم يتب ويتحلل مما اقترفه، أما في الدنيا فلا يخلو الغال من إحدى حالتين:

الأولى: أن يتوب من ذنبه قبل اكتشاف غلوله وقبل رفع أمره إلى السلطان، ويشترط لقبول توبته عندئذ أن يعيد ما غله لبيت مال المسلمين، ولا يحق للغال أن يتصدق بما غله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) [رواه مسلم]، علاوة على ذلك فإن عائدية هذا المال لبيت مال المسلمين.

الحالة الثانية: إن لم يتب الغال من ذنبه، ولم يرجع ما غله لبيت مال المسلمين ووصل أمره للأمير، فللأمير تعزيره بأشد العقوبات، بعد إلزامه برد ما غله أو رد قيمته [المبسوط للسرخسي]، كما أن للإمام تحريق متاع الغال زيادة في النكاية به وردعا لغيره، والتحريق يكون للمتاع لا لما غله من الغنائم [المغني لابن قدامة].

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
...المزيد

بعد القضاء على ملوك الطوائف المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس • وفي الرابع عشر من شوال لعام ...

بعد القضاء على ملوك الطوائف
المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس

• وفي الرابع عشر من شوال لعام 501 هـ بدأ المرابطون حصارهم لمدينة أقليش ذات الحصون العالية المنيعة، فدب الرعب في قلوب الصليبيين، ففتح المرابطون مدينة أقليش بالتكبير بعد يوم واحد من حصارها في الخامس عشر من شوال، تحصنت فلول الصليبيين الهاربة من أسياف المرابطين في قلعة أقليش وبعثوا رسالة استنجاد مستعجلة إلى حامل الصليب ألفونسو السادس، الذي كان قد بلغ الثمانين من عمره، ولم يعد قادرا على قيادة الحملات الصليبية بنفسه كما كان في شبابه، فأرسل عشرات الآلاف من نخبة جيشه يقودهم قائده العسكري العام إلبار هانس وولي عهده سانشو بن ألفونسو ذو الأحد عشر عاما.

بلغ القائد تميم بن يوسف نبأ خروج جيوش الصليبيين لنجدة أقليش، ففكر في العودة خوفا على أرواح المسلمين الذين معه، فقد كان عدد جنوده قليلا مقارنة بجيوش الصليبيين (مسلم واحد يقابله 15 صليبي)، إلا أن من حسنات أمراء المرابطين أن كل حاشيتهم وبطانتهم من العلماء والصالحين، رهبان الليل فرسان النهار، فقام بعضهم وشجعوا تميماً على القتال وذكّروه بعظم معصية التولي يوم الزحف والانسحاب من وجه الصليبيين، وأخبروه أن النصر من الله إن هو صدق، فثبّت الله -عز وجل- القائد تميمًا بن يوسف، وقد كان لكلام صالحي العلماء غاية الأثر في تثبيته وإقناعه بلقاء الصليبيين في أقليش.

وفي السادس عشر من شوال لعام 501 هـ التقى الصفان، وكان عدد الصليبيين يفوق الثلاثين ألفا، بينما عدد المسلمين لا يتعدى الـ 2300 رجل، لم يخرجهم من ديارهم إلا نية صادقة في إعلاء كلمة لا إله إلا الله.

بدأت المعركة بهجوم خاطف قام به المسلمون، ساعات قليلة كانت كفيلة بحسم المعركة لصالح الإسلام وأهله بتأييد الله ونصره، أما نتائج المعركة، «فقد ذكر مؤرخو المغرب الإسلامي أن عدد قتلى الصليبيين في المعركة تجاوز ثلاثة وعشرين ألفا، بينهم ولي العهد المدلل سانشو ابن الملك ألفونسو السادس، وعشرات من القساوسة والأساقفة والنبلاء»، كما أن الكونتات (علية القوم في المجتمع الأوروبي الإقطاعي) السبعة الذين صاحبوا ولي العهد في الحملة فروا هاربين إلى حصن بلنشون القريب من أرض المعركة، فتبعتهم سرية من فرسان المسلمين، وقتلتهم كلهم.

وكما في معركة الزلّاقة، حيث كان للعلماء والشيوخ حضور بارز في القتال حين التحام الصفوف واصطكاك السيوف، كان لهم دور أيضا في معركة أقليش تحريضا وقتالا، فقد حضر المعركة كثير من علماء المغرب والأندلس، وقد رزق الله بعضهم الشهادة، كما نحسب.

غالبا ما تذكر معركة أقليش في التاريخ باسم «الزلّاقة الثانية»، أما ولي العهد سانشو بن ألفونسو فله قصة عجيبة، فأمه -واسمها زائدة- كانت جارية في قصور بني العباد، أُعجب بها المأمون بن المعتمد بن عباد، وعندما قضى المرابطون على ملوك الطوائف وهاجموا بني العباد في إشبيلية، هربت ومعها ولداها -حفيدا المعتمد- إلى الصليبيين، فأقامت بين أظهر المشركين، ثم تنصرت وارتدت عن الإسلام ودخلت دين الصليب، فتزوجها ألفونسو، وأنجبت منه سانشو هذا، الذي بقر المرابطون بسمهرياتهم بطنه في معركة أقليش.

مات حامل الصليب ألفونسو كمدا على قتل المرابطين ابنه الوحيد سانشو

حزن ألفونسو حزنا شديدا لمقتل ابنه الوحيد سانشو على يد أعدائه التاريخيين (المرابطين)، ومات بعد 20 يوما من موقعة أقليش كمدا وحزنا، فمن نجا من سيوف المرابطين ورماحهم، مات قهرا وغما من أخبارهم وفعالهم.

توالت انتصارات المرابطين في الأندلس، المرابطين الذين صدقوا الله، فصدقهم الله، المرابطين الذين نصروا الله ودينه وشريعته، فنصرهم الله ومكّن لهم في الأرض، ففي عام 509 هـ فتح الله عز وجل لقوات المرابطين البحرية جزر البليار فطهروها من دنس الصليب وعُبّاده، بعد أن ضيعها ملوك الطوائف وسلموها للصليبيين، وتخاذلوا عن الدفاع عنها، وما بذلوا جهدا لاسترجاعها.

ما انتصر المسلمون في الأندلس إلا بعد تحكيم شرع الله وتوحيد الصف والالتفاف حول راية الخلافة القرشية، وقد أذلهم الله وسلط عليهم شرار خلقه يوم عاشوا حياة الفسق والمجون، وداهنوا الصليبيين ووالوهم، فهذا التاريخ، وذي دروسه، فهل من معتبر؟!

هذا وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

■ المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

من التاريخ:
بعد القضاء على ملوك الطوائف
المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس
...المزيد

بعد القضاء على ملوك الطوائف المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس • وصلنا في العدد السابق إلى ...

بعد القضاء على ملوك الطوائف
المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس

• وصلنا في العدد السابق إلى قضاء يوسف بن تاشفين -رحمه الله تعالى- على ملوك الطوائف في الأندلس، بعد أن تيقن من رِدّة فريق منهم وبغي فريق آخر، ورأينا كيف أنه بعد أن ضم الأندلس، سارع متواضعا مطيعا أمر الله ورسوله، إلى بيعة الخليفة القرشي العباسي في بغداد، وذكرنا أن المعتمد بن عباد الذي قال كلمته الشهيرة «لأن أكون راعي إبل في صحراء المغرب عند ابن تاشفين، خير من أن أكون راعي خنازير عند ألفونسو» لم يعمل بحكمته، وارتمى في حضن الصليبيين يبتغي عندهم العزة، فأذله الله، واستعان بهم لقتال المسلمين بعد أن كان له باع في قتالهم بالأمس القريب، وكان يصول بفرسه في جموعهم يطاعنهم يوم الزلّاقة، فمن دروس التاريخ أن العبرة بمن صدق، لا بمن سبق.

بعد أن استتبت الأوضاع السياسية والعسكرية في الأندلس لدولة المرابطين، كان أول ما أمر به ابن تاشفين -رحمه الله تعالى- تنظيم الجيش ورسم الخطط الحربية وإنفاذ السرايا والبعوث، فتقدمت جيوش المرابطين -التي تتشكل أساسا من متطوعين- على كل الجبهات، حتى وصلوا حدود مدن فرنسا الصليبية، وحاولوا مرارا فتح مدينة طليطلة إلا أن قدر الله عز وجل كان أن تبقى المدينة بيد الصليبيين، مع أنهم حرروا -بفضل الله- أغلب ريف المدينة.

في سنة 498 هـ، هاجم الصليبيون يقودهم حامل صليبهم ألفونسو السادس أرياف إشبيلية بجيش قوامه 3500 فارس صليبي، فعاثوا في بلاد المسلمين فسادا وسبوا النساء والذراري، فتصدى لهم أمير المرابطين على إشبيلية حينئذ، ودحرهم المرابطون بفضل الله تعالى، وقتلوا منهم ما يزيد على الـ 2000 من جنود الصليب، وأثناء انشغال المرابطين برد عادية الصليبيين، مرض القائد يوسف بن تاشفين مرض موته، حتى قبض البارئ روحه في الأول من شهر محرم عام 500 هـ، بعد أن عاش عمره كله في الجهاد وخدمة الإسلام والمسلمين

أيقن المرابطون أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم فكانت معركة أقليش

خلف الأمير يوسف من بعده في الحكم ولده علي بن يوسف، الذي ما إن أكمل ترتيب شؤون دولته الداخلية حتى أعطى أوامره لأخيه تميم بن يوسف بأن يستأنف الجهاد ضد الصليبيين في الأندلس، إعزازا للتوحيد، ونكاية في الكفر والتنديد، وما هو إلا عام واحد على موت ابن تاشفين، حتى أكمل ولداه علي وتميم السير على دربه وخطاه، فخرج تميم بن يوسف من مدينة غرناطة في العشر الأواخر من شهر رمضان لعام 501 هـ، قاصدا ملاقاة الصليبيين وحربهم، وقد علم المرابطون أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، فلم يكتفوا بالدفاع عن مدن وأحواز الأندلس، بل طرقوا أبواب الدول الصليبية يطلبون نزال جيوشها، وقد انضم لجيش المرابطين الآلاف من المجاهدين المتطوعين من أهالي الأندلس، الذين لمسوا العز تحت حكم المرابطين جنود الخلافة القرشية، وقد عاشوا -في زمن غير بعيد- الذل والهوان أيام حكم الطوائف، التي والى أغلب ملوكها الصليبيين، واصطفوا في صفهم ضد بني جلدتهم

واصل جيش المرابطين زحفه إلى أن وصل إلى بلدة أقليش الحصينة، حيث ظن الصليبيون أن حصون البلدة مانعتهم من أمر الله عز وجل، ونسوا أنهم سينازلون قوما لو أرادوا خلع الجبال لخلعوها بحول الله وقوته

وفي الرابع عشر من شوال لعام 501 هـ بدأ المرابطون حصارهم لمدينة أقليش ذات الحصون العالية المنيعة، فدب الرعب في قلوب الصليبيين، ففتح المرابطون مدينة أقليش بالتكبير بعد يوم واحد من حصارها في الخامس عشر من شوال، تحصنت فلول الصليبيين الهاربة من أسياف المرابطين في قلعة أقليش وبعثوا رسالة استنجاد مستعجلة إلى حامل الصليب ألفونسو السادس، الذي كان قد بلغ الثمانين من عمره، ولم يعد قادرا على قيادة الحملات الصليبية بنفسه كما كان في شبابه، فأرسل عشرات الآلاف من نخبة جيشه يقودهم قائده العسكري العام إلبار هانس وولي عهده سانشو بن ألفونسو ذو الأحد عشر عاما.

بلغ القائد تميم بن يوسف نبأ خروج جيوش الصليبيين لنجدة أقليش، ففكر في العودة خوفا على أرواح المسلمين الذين معه، فقد كان عدد جنوده قليلا مقارنة بجيوش الصليبيين (مسلم واحد يقابله 15 صليبي)، إلا أن من حسنات أمراء المرابطين أن كل حاشيتهم وبطانتهم من العلماء والصالحين، رهبان الليل فرسان النهار، فقام بعضهم وشجعوا تميماً على القتال وذكّروه بعظم معصية التولي يوم الزحف والانسحاب من وجه الصليبيين، وأخبروه أن النصر من الله إن هو صدق، فثبّت الله -عز وجل- القائد تميمًا بن يوسف، وقد كان لكلام صالحي العلماء غاية الأثر في تثبيته وإقناعه بلقاء الصليبيين في أقليش.

وفي السادس عشر من شوال لعام 501 هـ التقى الصفان، وكان عدد الصليبيين يفوق الثلاثين ألفا، بينما عدد المسلمين لا يتعدى الـ 2300 رجل، لم يخرجهم من ديارهم إلا نية صادقة في إعلاء كلمة لا إله إلا الله.

■ المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

من التاريخ:
بعد القضاء على ملوك الطوائف
المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس
...المزيد

خنساوات الخلافة آيات في الصبر • الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ...

خنساوات الخلافة آيات في الصبر

• الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فعن أبي وجزة، عن أبيه، قال: (حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السُلَمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين.

واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة.

فخرج بنوها قابلين لنصحها، عازمين على قولها... فقاتلوا حتى قُتلوا، فبلغها الخبر فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/1829].

ولقد كنا نحسب أن زمان الخنساء قد ولّى، وأن الأرحام قد عقمت عن إنجاب مثيلاتها من بعدها، حتى عادت دولة الإسلام، عادت بمجاهديها وأمهاتهم، بشهدائها وخنساواتهم.

خنساوات الخلافة، آيات في الصبر والاحتساب، نساء بهمم رجال، يأتيها خبر ارتقاء فلذة كبدها، فتخر لله ساجدة شاكرة، وكأنه قد زُفَّ إلى عروس، وإن أنت زرتها لتعزيها، فلن ترى من الحزن شيئا سوى عينٍ باكية، ولسانٍ لا يفتر عن الحمد والشكر، تروم تصبيرها فتصبرك وهي تحدثك عمّن هم أحياء عند ربهم يرزقون، عن حواصل الطير، والحور والشفاعة، من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، قد تذكر شهيدها -كما نحسبه والله حسيبه- فتذرف العين شوقا إليه وهي تتذكر بره بها، ممازحته، كلماته، حركاته، سكناته وكيف ودّعها عند آخر لقاء!

تقول إحدى الخنساوات وهي أمٌ لشهيدين -بإذن الله تعالى- متذكرة يوم فارقها أحدهما: لقد وصل إلى الباب وقبل أن يدلف منه خارج البيت نظر وقال: (أمي... القرآن القرآن)، ثم خرج ولم يعد، أفلا تحزن على مثل هذا؟!

إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى
وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف

والعجب ممن قدّمت ثلاثة وأربعة وخمسة، جميعهم قتلوا تحت هذه الراية، راية الحق، راية الدولة الإسلامية، ولا زالت تلك الخنساء تنتظر بيع بقية أبنائها بل وأحفادها.

ثم إن أغلب خنساوات هذه الدولة المباركة لسن من طالبات العلم، بل هن من عوام المسلمين، ولكنها الفطرة السليمة، التي علّمتها وبمنتهى اليسر: (لله ما أعطى ولله ما أخذ)، لا تجادل في أمر الله، ولا تعقّب على حكمه، بل منهن من تجهّز جعبة فلذة كبدها وسلاحه بنفسها، لترسله إلى حتفه، إنها الفطرة التي لم تعانِ مما يعانيه كثير من حاملي العلم وحاملاته، من لوثة إرجاء، أو سرورية، أو أشعرية، أو صوفية أو غير ذلك من أوبئة الشراك والشباك.

فشتّان شتّان بين الخنساء (بنت عمرو) التي باعت بنيها لله تعالى، وبين خُناس (بنت مالك) التي قتّرت على ابنها مصعب بن عمير وضيقت عليه لما أسلم وسار على طريق الحق.

فلله در كل صابرة محتسبة، لله در كل من لم تتصدق بدرهم ولا دينار ولكنها تصدقت بدماء وأشلاء أحب الناس إلى قلبها، ربح البيع أم الشهيد!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
خنساوات الخلافة آيات في الصبر
...المزيد

دروس العراق والشام في الولايات الليبية وخراسان • بعد انطلاق الجهاد في الشام حاول بعض المنحرفين ...

دروس العراق والشام في الولايات الليبية وخراسان

• بعد انطلاق الجهاد في الشام حاول بعض المنحرفين أن يسوّقوا انحرافاتهم تحت عنوان مخادع هو «عدم تكرار أخطاء العراق»، زاعمين أن إعلان الدولة الإسلامية كان فيه خطأ كبير، وأن الشام تختلف في واقعها عن العراق، وبالتالي لا يمكن أن تتكرر فيها الأحداث التي جرت في العراق، من صحوات وانحرافات وما شابه.

ثم مرت السنون لتثبت أن الدولة الإسلامية لم تخطئ بإعلانها في العراق أولا، ثم امتدادها إلى الشام ثانيا، فهي بذلك قد أقامت الواجب الشرعي، وحفظت الجهاد من أن يقطف ثمرته الانتهازيون من مشركي الديموقراطية، ومرتدي الفصائل العميلة، وأن ما جرى في العراق من أحداث تكرر في الشام، وإن كان ثمة اختلاف بسيط في المظهر تفرضه طبائع المعركتين.

فقد كان من ثمرات دروس العراق، التي كلفت الدولة الإسلامية سنوات من القتال مع الصحوات والرافضة، أن تمكنت -بفضل الله- من حسم معركة صحوات الشام خلال شهور قليلة، وهيأت نفسها فورا لاستقبال الحملة الصليبية التي كان قدومها مؤكدا بعد فشل الصحوات، ومع إعلان الخلافة وامتداد الدولة الإسلامية إلى مشارق الأرض ومغاربها، كان لابد أن يضع جنودها دروس العراق والشام نصب أعينهم وهم ينطلقون في جهادهم لأعداء الله، فيجعلون التوحيد أصلا لكل أعمالهم، وجهاد الكفار والمنافقين منهجا لحياتهم، وتحكيم شرع الله في أرضه غاية عظمى لا يمكن التنازل عنها في حال من الأحوال، فَوَقاهم الله بذلك مسايرة الفصائل في انحرافاتها، والوقوع ضحية لغدر الكفار والمرتدين ما تمسكوا بهذه الثوابت، كما أن الصليبيين الذين يديرون المعركة ضد الدولة الإسلامية ينقلون تجاربهم من ساحة إلى أخرى في حربهم عليها.

فبعد الخسائر الكبيرة التي دفعوها ثمنا لتدخلهم المباشر في العراق، ونجاح مشروع الصحوات في إضعاف دولة العراق الإسلامية، حاولوا تكرار التجربة في الشام، لكن الدولة الإسلامية نجحت في العراق والشام -بفضل الله- في إفشال مشروع الصحوات باكرا بما امتلكته من خبرات وبما تعلمته من عِبَر في العراق، وبعدما حققت لهم تجربة الدعم الجوي للمرتدين العاملين على الأرض من الرافضة وعلمانيي الكرد بعض النجاح في الحرب على الدولة الإسلامية في ولايات العراق والشام، انطلقوا يعملون على تعميم التجربة في ساحات أخرى للقتال ضدها.

فأعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها خطة حربهم على جنود الخلافة في ولاية خراسان، بتقديم الدعم المادي والغطاء الجوي لمرتدي الجيش الأفغاني، وسارعوا إلى إطلاق مشروع مشابه في الولايات الليبية، وذلك بسبب تمكن الدولة الإسلامية هناك -بفضل الله- من تجاوز مرحلة الصحوات، فأعلن الطاغوت (خليفة حفتر) قرين الهالك القذافي، عن حملة عسكرية كبيرة ضد جنود الدولة الإسلامية في الولايات الليبية، وذلك بدعم مباشر من الصليبيين في أمريكا وأوروبا، وتمويل من طواغيت الدول العربية، وبمشاركة كبيرة لكتائب من جيش الهالك القذافي الذي أعيد بناؤه لمثل هذه المهمة.

إن تورط الولايات المتحدة وحلفائها من الصليبيين والطواغيت في ساحة قتال جديدة ضد الدولة الإسلامية، سيؤدي -بإذن الله- إلى المزيد من تشتيت جهدها وقواتها، وإلى تحميلهم المزيد من الأعباء المالية، التي يحاولون قدر استطاعتهم التخفيف منها في ظل الأزمات الاقتصادية الراهنة، وفي النهاية لن يحقق لهم الاستثمار في هذه المشاريع أي عائد يذكر، وسيتحقق فيهم قول الله عز وجل: (فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ).

إن دولة الخلافة قد استفادت -بفضل الله- من دروسها وتجاربها، فعضت بالنواجذ على شرع ربها، وعلمت أن التقوى والصبر هما عماد مقاومة مكر وكيد الكافرين، وأن إقامة الدين كاملا غير منقوص هو أقوى الحصون في وجه هجماتهم وغاراتهم، وأن الدولة الإسلامية باقية ببقاء الدين الذي قامت عليه، والذي تكفّل الله -عز وجل- بحفظه، وأنه لن ينقص منها إلا بمقدار ما ينقص من هذا الدين في بنيانها.

كما علمتها التجارب السالفة أن أي مشروع معادٍ قد يؤخر مسيرة الخلافة الإسلامية قليلا ولكن لن يوقفها بإذن الله، وأن تكرار الأعداء تجاربهم يقلل من تأثيرها على هذه المسيرة، وأن الفترة اللازمة للقضاء على المشاريع المعادية تنخفض، وتكاليفه تقل كلما كانت التجربة أكثر تكرارا.

وعلى أعدائها أيضا أن يتّعظوا من تجاربهم، ويتذكروا أن الفشل الذي لازمهم في تجاربهم الماضية، لن يفارقهم -بإذن الله- في تجاربهم الباقية، والعاقبة للمتقين.

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

المقال الافتتاحي:
دروس العراق والشام في الولايات الليبية وخراسان
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 469 - الافتتاحية, استعمل متصفح التور لتجنب الطاغوت واعوانه قبل الدخول لرابط ...

صحيفة النبأ العدد 469 - الافتتاحية, استعمل متصفح التور لتجنب الطاغوت واعوانه قبل الدخول لرابط الصحيفة كاملة :
https://archive.org/details/469_nabaa

*ويكأنه لا يفلح الكافرون - الافتتاحية
أسرفٌ السياسيون في الحديث عن التغيّرات المرتقبة بعد تولي الطاغوت ترامب للحكم, بنبرة توحي وكأنَّ العالم يخضع لسيطرته وتصرّفه المطلق» إنهم يتحدثون عنه بنزعة هوس جنونية كما لو أنّه المديّر المسيّر لشؤون الخلق هذه ليست مبالغة في الوصف إنها فقط توصيف للواقم بدون تحفظات

لقد سادت حالة من "التهافت المحموم" على عتبات الانتخابات الأمريكية من جميع الشرائح والفئات كل يتهيأ ويستعد ويعدّل مساراته ويطوّع سياسته ارتهانا لسياسة الطاغوت القادم بدءا بحكومة قطر الثى سبقت نظيراتها "الخليجية المطبّعة" في تجديد قرابين الطاعة استرضاء لترامب؍ مرورا بربيبتها "طالبان" التي عبرت عن أملها في "فتح فصل جدومن العلاقات" مع إدارته، وليس انتهاء بمواقف حكومات وطواغيت تركيا ومصر والسعودية والإمارات والأردن وغيرهم من الحلفاء والشركاء والفرقاء.
إن الخشية والرهبة والرغبة التي أبداها الكثيرون تجاه الطاغوت ترامب بعد فوزه بالحكم، وكأنه الملك المتصرّف بالكون؛ تعكس عمق الجاهلية التي يعيشها العالم؛ ولو قدر هۆلاء الله-تعالى- حق قدره; لما غرّهم فوز ترامب ولا أبهرهم ولا أرهبهم, لكن لما خلت قلويهم من محبة الله تعالى وخشيته ورهبته وتعظيمه؛ امتلآأت بخشية ورهبة وتعظيم غيره من الأنذاد.
لقد غاب عن هؤلاء أن الطاغوت الأمريكي كغيره مخلوق لا يملك أن يقوم من مقامه أو يحرّك عضوا من أعضائه إلا بإذن الله» ولو شاء سيحانه لألحقه بسلفه الغاير من طواغيت الكفر كالنمرود وقارون وفرعون وغيرهم ممن طغوا وبغواء ولكنها حكمة الله تعالى في إمهال هؤلاء واستدراجهم قال تعالى:
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ} يعني تصرّفهم في الأرض وعلّوهم وزهوهم فيهاء فإنما هو إمهال: واستدراج من الله لهم وقد بين الإمام الطبري الحكمة من هذا "الإمهال" رغم شركهم وطغيانهم فقال: "حتى يبلغ الكتاب أجله ولتحق عليهم كلمة العذاب وليبلغوا بمعصيتهم ربهم المقدار الذي كتبه لهم من العقاب ولتتكامل حجج الله عليهم"
وإن المتأمل في النسخ الغابرة من ترامب كقارون مثلا الذي جمع من الكنوز ما تنوء بحمل مفاتيحها العصبة القوية من الرجال ومع ذلك لما طغى وتكبر كانت عاقبته: [فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ] فما أغنى عنه ملكه ولا حكمه؛ ولم يقدر أنْ ينصر نفسه. ولا أَنْ ينصره غيره.
إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى التمعن والتدبر في قصص الغابرين ممن شابهوا أو فاقوا ترامب في الكفر والأشر والبطر والغرور ليدركوا أن عاقبة الكفر والتجبر ثابتة، كما أن عاقبة الإيمان والخضوع لله تعالى ثابتة.
كما يبنغي للمسلم أن يزيد يقينه بهزيمة الكافرين وزوال ملكهم وسقوط عروشهم وقد أمر الله تعالى نبيه أن يقول لليهود بعد بدر لما تفاخروا بقوتهم: [قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ] وهذا هو موقف المسلم من الكفر وأربابه في كل زمان فقولا لترامب :وإدارته ستغلبون
وتحشرون إلى جهنم قولوا لنتنياهو وجيشه ستغلبون وتحشرون إلى جهنم، قولوا للخميني وقطعانه ويوتين وفيالقه ستغلبون وتحشرون إلى جهنم هذا أمر الله تعالى وحكمه ووعده فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
بهذه النفسية الإيمانية ينبغي للمؤمن أن يحياء هكذا يستعلي المؤمن بإيمانه على أمم الكفر والباطل والواجب على دعاة التوحيد وطلابه أن يغرسوا هذه المعاني في نفوس العامة وأن يقرعوها في مسامعهم ويقدّموا بين أيديهم آي القرآن ونصوصه البينة القاطعة. فلقد أهمل الناس القرآن تدبرا ويقينا كما عطلوه حكما وتشريعا.
على الصعيد السياسيء تردّد كثيرا أن تولي ترامب للحكم؛ سيعرّي الديمقراطية الأمريكية!! وهل بقي فيها شيئا مستورا ليتعرى؟! بل متى كانت مستورة أصلا؟! ثم إن الديمقراطية الأمريكية أو اليهودية؛ الغربية أو الشرقية. سواء حكما ووصفا والتفريق بينها استحسان لبعضها وهي شر مطلقء وهل كل شرور الدنيا إلا بسبب هذه الديمقراطية ومفرزاتها من المناهج الكفرية الأرضية؟!
من زاوية أخرى, يُلاحظ أن كثيرا من السياسيين شخصنوا القضية مع ترامب. حتى صوروا للناس أن المشكلة في شخصية ترامب "المزاجية" وعقليته "التجارية" وليست في الإدارة الأمريكية الصليبية وعداوتها للإسلام، ولذلك رهنت بعض "حركات التحرّر الوطني" موقفها من ترامب بموقفه من قضيتها! ونسيت أن "صفقة القرن" التى كانت "خطة في عهد ترامب صارت "واقعا" في عهد بايدن، وجهلت أن تغيِّر الرؤساء والإدارات الأمريكية "جمهورية أو ديمقراطية". "يمينية أو يسارية" لا يغّير من "ثوابتها" بشأن الحرب على الإسلام.
في رصد حركة الشعوب فإِنّ انتخاب ترامب مجدداء رئيسا لأمريكا رغم سوء سمعته وسابقته يعكس بالضرورة حقيقة الشعب الأمريكي الصليبي وشعوب النصارى التي تؤيد الحرب على الإسلام وتصوّت بقوة لمن يوغل في ذلك أكثر.
أما موقف الدولة الإسلامية من الانتخابات الأمريكية. فهو الموقف ذاته في كل مرة، لآنه أيا يكن "الفائز" فيها فهو لا شك كافر "صليبي" او "صليبي يهودي" لن يتوانى في حرب الإسلام، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدولة الإسلامية فما فعله ترامب إبان فترة حكمه الأولى،
استمر خلفه بايدن في فعله. فحربهم ضد المجاهدين لم تتوقف يوما ولذلك لن يختلف الأمر بالنسبة لمجاهد في خندقه أو مرابط على ثغره فالعدى هو العدى والحرب في الحرب والجهاد هو الجهاد، والله الناصر والمعين.
بقى أنْ نذكّر ترامب أنه أنهى رئاسته الأولى ٠‏ بزعم القضاء على الدولة الإسلامية ثم ها هو يعود مجددا محملا بإرث من الفشل والكذب معا، فشل في إيقاف جهاد الدولة الإسلامية، وكذب في مزاعم القضاء عليها حتى إنه "أعلن عن هزيمتها نحو 16 مرة خلال 99 .يوما فقط!" وها قد عاد لفترة رئاسية ثانية وما زالت بلاده وقواتة منهمكة فى الحرب ضد الدولة الإسلامية وطائرات بلاده وأجهزة مخابراته تطير ذهابا وإيابا بين العراق والشام وغيرها خشية المجاهدين، وإدارته عاجزة عن وقف خطرهم في خراسان رغم تفاني "الإمارة". وحلفاؤه وخصومه على حد سواء غارقين في أدغال الولايات الإفريقية، وما زال للحرب بقية وفصول فليتهياً المجاهدون لها كما ينبغي [وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ].
- كلمات البحث يرجى التجاهل #
صحيفة النبأ , افتتاحية النبا , افتتاحية النبأ , العدد , 0-500 , 469 , ٤٦٩ , ٠-٥٠٠ ,
المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 469
...المزيد

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • أخذ الغنيمة من غير غلول حلال، لكنه ينقص الأجر: قال ...

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة

• أخذ الغنيمة من غير غلول حلال، لكنه ينقص الأجر:

قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أُحلّت لي الغنائم، ولم تَحِلَّ لنبي كان قبلي) [صحيح، رواه أحمد وغيره]، فالغنيمة مال طيب، لكنّ أخذها ينقص أجر المجاهد في سبيل الله، وذلك ثابت بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجّلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم) [رواه مسلم]، قال النووي: «وأما معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم أو سلم ولم يغنم، وأن الغنيمة هي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجّلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة» [شرح صحيح مسلم].

الغلول من أسباب هزيمة المسلمين:

ليس الغلول سببا لهلاك الغال فحسب، وإنما هو سبب من أسباب هزيمة المسلمين أمام عدوهم أيضا! فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: «ما ظهر الغلول في قوم قط، إلا ألقي في قلوبهم الرعب» [موطأ مالك]، قال الزرقاني في شرحه للموطأ: «وذلك معاملة لهم بالنقيض، لأنهم لما أخذوا المال بغير حق خافوا، فلما خافوا دخل الرعب في قلوبهم من عدوهم، فجبنوا عن لقائهم، فظهر العدو عليهم، وذلك عامّ في من غل، ومن لم يغل ولم ينكر على الغال مع القدرة على الإنكار» اهـ.

لذا كان خليفة المسلمين أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحذر جنوده وأمراءه من معصية الغلول خشية الهزيمة، كما فعل مع يزيد بن أبي سفيان -رضي الله عنه- الذي أمّره على جيش عظيم وأرسله لفتح الشام وشيّعه بنفسه ماشيا، وأوصاه من بين ما أوصاه قائلا: «واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر» [الكامل في التاريخ لابن الأثير].

اللهم طهر صفوف المجاهدين من الغلول، وأخرج حب الدنيا وزخرفها من قلوبهم، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
...المزيد

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • حكم الغلول: الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول ...

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة

• حكم الغلول:

الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونقل الإمام النووي إجماع الفقهاء على أن الغلول كبيرة من الكبائر [عمدة القاري شرح صحيح البخاري].

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]، وهذه الآية نزلت في قطيفة (نوع من الثياب) فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال المنافقون: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، مخبرا أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يُتّهم بالغلول، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشرّ العيوب، وقد صان الله سبحانه أنبياءه -صلوات الله وسلامه عليهم- عن كل ما يدنسهم. ثم ذكر -سبحانه- الوعيد على من غلّ، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأتي به حامله على ظهره، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، قبل أن يحاسبه على خيانته، وفي ذلك تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه [تفسيرا: الطبري والشوكاني].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا) [متفق عليه].

وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: افتتحنا خيبر وغنمنا، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم؛ فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر -لا يُدرَى من رماه- حتى أصابه، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلى والذي نفسي بيده إن الشملة (وهي نوع من الثياب) التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين (الشراك: سير النعل الذي يكون على ظهر القدم) فقال: يا رسول الله، هذا شيء كنت أصبته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) [متفق عليه].

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول من البعير قَرَدَةً -قطعة من وبر البعير مما يُنْسَل منه- فجعل بين إصبعيه ثم قال: (يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار) [صحيح، رواه ابن ماجة وغيره].

ما يترتب على الغال في الدنيا:

تبين آنفا أن جزاء الغال في الآخرة هو النار إذا لم يتب ويتحلل مما اقترفه، أما في الدنيا فلا يخلو الغال من إحدى حالتين:

الأولى: أن يتوب من ذنبه قبل اكتشاف غلوله وقبل رفع أمره إلى السلطان، ويشترط لقبول توبته عندئذ أن يعيد ما غله لبيت مال المسلمين، ولا يحق للغال أن يتصدق بما غله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) [رواه مسلم]، علاوة على ذلك فإن عائدية هذا المال لبيت مال المسلمين.

الحالة الثانية: إن لم يتب الغال من ذنبه، ولم يرجع ما غله لبيت مال المسلمين ووصل أمره للأمير، فللأمير تعزيره بأشد العقوبات، بعد إلزامه برد ما غله أو رد قيمته [المبسوط للسرخسي]، كما أن للإمام تحريق متاع الغال زيادة في النكاية به وردعا لغيره، والتحريق يكون للمتاع لا لما غله من الغنائم [المغني لابن قدامة].

ومن العقوبات التي تلحق الغال غير التائب ترك الصلاة عليه من قبل إمام المسلمين، فعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي بخيبر، وأنه ذُكِر لرسول الله ليصلي عليه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (صلوا على صاحبكم)، فتغيرت وجوه القوم لذلك! فلما رأى الذي بهم قال: (إن صاحبكم غل في سبيل الله)، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز اليهود، ما يساوي درهمين [صحيح، رواه أحمد وغيره].

ومن العقوبات أيضا عدم إلحاق اسم الشهيد بمن قُتل وثبت عليه غلول، فعن عمر -رضي الله عنه- قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها) [رواه مسلم]، قال النووي: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (كلا)، زجر ورد لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد، ومن فوائد الحديث أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل إذا قتل [شرح صحيح مسلم].

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
...المزيد

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ...

الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة

• الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الأموال السلطانية -التي يتولى السلطان جمعها وتقسيمها- ثلاثة أصناف: الغنيمة والصدقة والفيء، فأما الصدقات فمعروفة، وأما الفيء فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال، وأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بعد قتالهم، فإذا كان الإمام -أو من يخوّله الإمام- هو الذي يتولى جمع الغنائم والأفياء وتقسيمها، لم يجز لأحد أن يأخذ منها شيئا دون إذن الإمام، وإلا كان ما أخذه غلولا [السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لشيخ الإسلام ابن تيمية].

تعريف الغُلول:

الغُلول لغة: الخيانة، يقال: غَلَّ يَغُلُّ غُلولاً فهو غَالٌّ، وكل من خان في شيء خفية فقد غل [النهاية في غريب الحديث]، وسميت غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة: أي مجعول فيها غُل، والغُل: هو طوق من حديد يُجعل في العنق وتجمع معه اليدان [مختار الصحاح]، «وأصل الغلول الخيانة مطلقا، ثم غلب اختصاصه في الاستعمال بالخيانة في الغنيمة» [شرح صحيح مسلم للنووي].

أما شرعا: فالغلول هو أخذ شيء من الغنيمة أو الفيء -قل أو كثر- خفية قبل القسمة وبدون إذن الأمير المخول بالغنائم.



حكم الغلول:

الغلول حرام، وخيانة، وموجب من موجبات دخول النار، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونقل الإمام النووي إجماع الفقهاء على أن الغلول كبيرة من الكبائر [عمدة القاري شرح صحيح البخاري].

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]، وهذه الآية نزلت في قطيفة (نوع من الثياب) فُقدت من مغانم القوم يوم بدر، فقال المنافقون: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، مخبرا أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يُتّهم بالغلول، لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشرّ العيوب، وقد صان الله سبحانه أنبياءه -صلوات الله وسلامه عليهم- عن كل ما يدنسهم. ثم ذكر -سبحانه- الوعيد على من غلّ، فقال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يأتي به حامله على ظهره، فيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، قبل أن يحاسبه على خيانته، وفي ذلك تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه [تفسيرا: الطبري والشوكاني].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا) [متفق عليه].

وعنه -رضي الله عنه- أنه قال: افتتحنا خيبر وغنمنا، ثم انصرفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم؛ فبينما هو يحط رحل رسول الله إذ جاءه سهم عائر -لا يُدرَى من رماه- حتى أصابه، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلى والذي نفسي بيده إن الشملة (وهي نوع من الثياب) التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا)، فلما سمع الناس بذلك جاء رجل بشراك أو بشراكين (الشراك: سير النعل الذي يكون على ظهر القدم) فقال: يا رسول الله، هذا شيء كنت أصبته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (شراك أو شراكان من نار) [متفق عليه].

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول من البعير قَرَدَةً -قطعة من وبر البعير مما يُنْسَل منه- فجعل بين إصبعيه ثم قال: (يا أيها الناس، إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار) [صحيح، رواه ابن ماجة وغيره].

ما يترتب على الغال في الدنيا:

تبين آنفا أن جزاء الغال في الآخرة هو النار إذا لم يتب ويتحلل مما اقترفه، أما في الدنيا فلا يخلو الغال من إحدى حالتين:

الأولى: أن يتوب من ذنبه قبل اكتشاف غلوله وقبل رفع أمره إلى السلطان، ويشترط لقبول توبته عندئذ أن يعيد ما غله لبيت مال المسلمين، ولا يحق للغال أن يتصدق بما غله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) [رواه مسلم]، علاوة على ذلك فإن عائدية هذا المال لبيت مال المسلمين.

الحالة الثانية: إن لم يتب الغال من ذنبه، ولم يرجع ما غله لبيت مال المسلمين ووصل أمره للأمير، فللأمير تعزيره بأشد العقوبات، بعد إلزامه برد ما غله أو رد قيمته [المبسوط للسرخسي]، كما أن للإمام تحريق متاع الغال زيادة في النكاية به وردعا لغيره، والتحريق يكون للمتاع لا لما غله من الغنائم [المغني لابن قدامة].

■ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

مقال:
الغلول من الغنيمة من أسباب الهزيمة
...المزيد

بعد القضاء على ملوك الطوائف المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس • وفي الرابع عشر من شوال لعام ...

بعد القضاء على ملوك الطوائف
المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس

• وفي الرابع عشر من شوال لعام 501 هـ بدأ المرابطون حصارهم لمدينة أقليش ذات الحصون العالية المنيعة، فدب الرعب في قلوب الصليبيين، ففتح المرابطون مدينة أقليش بالتكبير بعد يوم واحد من حصارها في الخامس عشر من شوال، تحصنت فلول الصليبيين الهاربة من أسياف المرابطين في قلعة أقليش وبعثوا رسالة استنجاد مستعجلة إلى حامل الصليب ألفونسو السادس، الذي كان قد بلغ الثمانين من عمره، ولم يعد قادرا على قيادة الحملات الصليبية بنفسه كما كان في شبابه، فأرسل عشرات الآلاف من نخبة جيشه يقودهم قائده العسكري العام إلبار هانس وولي عهده سانشو بن ألفونسو ذو الأحد عشر عاما.

بلغ القائد تميم بن يوسف نبأ خروج جيوش الصليبيين لنجدة أقليش، ففكر في العودة خوفا على أرواح المسلمين الذين معه، فقد كان عدد جنوده قليلا مقارنة بجيوش الصليبيين (مسلم واحد يقابله 15 صليبي)، إلا أن من حسنات أمراء المرابطين أن كل حاشيتهم وبطانتهم من العلماء والصالحين، رهبان الليل فرسان النهار، فقام بعضهم وشجعوا تميماً على القتال وذكّروه بعظم معصية التولي يوم الزحف والانسحاب من وجه الصليبيين، وأخبروه أن النصر من الله إن هو صدق، فثبّت الله -عز وجل- القائد تميمًا بن يوسف، وقد كان لكلام صالحي العلماء غاية الأثر في تثبيته وإقناعه بلقاء الصليبيين في أقليش.

وفي السادس عشر من شوال لعام 501 هـ التقى الصفان، وكان عدد الصليبيين يفوق الثلاثين ألفا، بينما عدد المسلمين لا يتعدى الـ 2300 رجل، لم يخرجهم من ديارهم إلا نية صادقة في إعلاء كلمة لا إله إلا الله.

بدأت المعركة بهجوم خاطف قام به المسلمون، ساعات قليلة كانت كفيلة بحسم المعركة لصالح الإسلام وأهله بتأييد الله ونصره، أما نتائج المعركة، «فقد ذكر مؤرخو المغرب الإسلامي أن عدد قتلى الصليبيين في المعركة تجاوز ثلاثة وعشرين ألفا، بينهم ولي العهد المدلل سانشو ابن الملك ألفونسو السادس، وعشرات من القساوسة والأساقفة والنبلاء»، كما أن الكونتات (علية القوم في المجتمع الأوروبي الإقطاعي) السبعة الذين صاحبوا ولي العهد في الحملة فروا هاربين إلى حصن بلنشون القريب من أرض المعركة، فتبعتهم سرية من فرسان المسلمين، وقتلتهم كلهم.

وكما في معركة الزلّاقة، حيث كان للعلماء والشيوخ حضور بارز في القتال حين التحام الصفوف واصطكاك السيوف، كان لهم دور أيضا في معركة أقليش تحريضا وقتالا، فقد حضر المعركة كثير من علماء المغرب والأندلس، وقد رزق الله بعضهم الشهادة، كما نحسب.

غالبا ما تذكر معركة أقليش في التاريخ باسم «الزلّاقة الثانية»، أما ولي العهد سانشو بن ألفونسو فله قصة عجيبة، فأمه -واسمها زائدة- كانت جارية في قصور بني العباد، أُعجب بها المأمون بن المعتمد بن عباد، وعندما قضى المرابطون على ملوك الطوائف وهاجموا بني العباد في إشبيلية، هربت ومعها ولداها -حفيدا المعتمد- إلى الصليبيين، فأقامت بين أظهر المشركين، ثم تنصرت وارتدت عن الإسلام ودخلت دين الصليب، فتزوجها ألفونسو، وأنجبت منه سانشو هذا، الذي بقر المرابطون بسمهرياتهم بطنه في معركة أقليش.

مات حامل الصليب ألفونسو كمدا على قتل المرابطين ابنه الوحيد سانشو

حزن ألفونسو حزنا شديدا لمقتل ابنه الوحيد سانشو على يد أعدائه التاريخيين (المرابطين)، ومات بعد 20 يوما من موقعة أقليش كمدا وحزنا، فمن نجا من سيوف المرابطين ورماحهم، مات قهرا وغما من أخبارهم وفعالهم.

توالت انتصارات المرابطين في الأندلس، المرابطين الذين صدقوا الله، فصدقهم الله، المرابطين الذين نصروا الله ودينه وشريعته، فنصرهم الله ومكّن لهم في الأرض، ففي عام 509 هـ فتح الله عز وجل لقوات المرابطين البحرية جزر البليار فطهروها من دنس الصليب وعُبّاده، بعد أن ضيعها ملوك الطوائف وسلموها للصليبيين، وتخاذلوا عن الدفاع عنها، وما بذلوا جهدا لاسترجاعها.

ما انتصر المسلمون في الأندلس إلا بعد تحكيم شرع الله وتوحيد الصف والالتفاف حول راية الخلافة القرشية، وقد أذلهم الله وسلط عليهم شرار خلقه يوم عاشوا حياة الفسق والمجون، وداهنوا الصليبيين ووالوهم، فهذا التاريخ، وذي دروسه، فهل من معتبر؟!

هذا وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

■ المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ - العدد 20
السنة السابعة - الثلاثاء 21 جمادى الأول 1437 هـ

من التاريخ:
بعد القضاء على ملوك الطوائف
المرابطون يواصلون الجهاد في الأندلس
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
24 جمادى الأولى 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً