إلى ملحمة دابق الكبرى (١/٣) لما ابتُلي المؤمنون بمرضى القلوب والمرجفين في المدينة، وزاغت ...

إلى ملحمة دابق الكبرى

(١/٣)
لما ابتُلي المؤمنون بمرضى القلوب والمرجفين في المدينة، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر يوم الأحزاب، وظُنّت بالله الظنون المختلفة، كما أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن البصري -رحمه الله- في تأويل قوله سبحانه: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، قال: «ظنون مختلفة: ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يُستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق أنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون»، ثم قال {الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، كما أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن قتادة -رحمه الله- في تأويلها، قال: «قال ذلك أُناس من المنافقين: قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم وقد حُصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا»...
حينها -في شدّة البأس والضر- علم المؤمنون أن نصر الله قريب، كما أخرج الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، قال: «ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأوّل المؤمنون ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما».

فالمؤمنون يتذكرون آيات الله -جل وعلا- وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في خنادقهم، ويتأوّلون ما فيها من الأخبار والعلامات على بلاياهم، لا تُبعدهم الزلازل والشدائد عن تدبّر آيات الله والحكمة، بل تزيدهم في جهادهم واجتهادهم صبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، وتصديقا بتحقيق ما وعدهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بينما يرتاب المنافقون ومرضى القلوب فيستهزئون بوعد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويطعنون فيه، ويغتر الكفرة والطواغيت بجبروتهم وكبريائهم، ظانين {بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}، أن العزيز الحكيم -سبحانه وتعالى- سيخذل دينه وأولياءه، بل ويظهر أعداءه وكلمتهم، حتى يكون الدين كله لغيره أبدا، تعالى الله عن ظن الجاهلين علوا كبيرا، وإنما يستدرجهم الله من حيث لا يعلمون، فيجتهدون في تحقيق مكر الله بهم، والعاقبة الآجلة {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].
ومن ذلك أن عُبّاد الصليب وأولياءهم (الأتراك والصحوات) حشدوا في ريف حلب الشمالي معلنين دابق هدفهم الأكبر، زاعمين أن تدنيسها بأقدامهم النجسة وراياتهم الرجسة سيكون انتصارا معنويا عظيما على الدولة الإسلامية، ظانين أن جنودها لا يميّزون بين «معركة دابق الصغرى» وملحمة دابق الكبرى، وعليه، إذا انحازت عن دابق - ثبت الله جنود الخلافة فيها- لم تكن حاملة راية العقاب المنتصرة في الملاحم، ليتركها جندها بعد الانحياز زمرا زمرا.

ولم يعلم عُبّاد الصليب وأولياؤهم المرتدون -وأنّى لهم ذلك- أن ملحمة دابق الكبرى تسبقها أحداث عظام من علامات الساعة الصغرى يعلمها المؤمنون المرابطون في خنادقهم، وهي ما أخبر بها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سُبُوا منا [وفي رواية: سَبَوا منا] نقاتلهم؛ فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا؛ فيقاتلونهم، فينهزم ثلث، لا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم! فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فأمّهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته) [رواه مسلم].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 50
الخميس 12 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

https://e.top4top.io/p_3339dcabh7.jpg زودياك قررررررو اميرات(1) زود1 ملكنا انهم عل مشارف ...

https://e.top4top.io/p_3339dcabh7.jpg
زودياك قررررررو اميرات(1)
زود1 ملكنا انهم عل مشارف قلعه
زود2 11
زود3 وجريب برنامج
.....................................
1/وروا عن رجالي انسان ولست حيوان ودارالكتروني ... وتبعه ابو شنون ... والحكم... وبيهقي... ومحاسبي... ...المزيد

https://f.top4top.io/p_33389vd0x3.jpeg لم تكن اميره بل اثنان من عاءله فروزينا ملكيه ...

https://f.top4top.io/p_33389vd0x3.jpeg

لم تكن اميره بل اثنان من عاءله فروزينا ملكيه
قالت صغرا وماء يجري تحتها بامرها ليس ماء مضلما لكنه من كهف يمين والجوف منه عدن الجنه خضراء لا تبلا
وتابعت كبرا(1) بيدها تستعرض فتحركت بحار شمال
......................
1/ يرويه جريب ستلو عن رجالي في صغرا 77 فقط /3 عند داراكتروني في اسواق محليه واقتصاد وتابعه ابو شانون والحكم في محرفه وقال حكم عرفت اسواق نشاطا
...المزيد

لما وجد الفارس تايشينغلش(1) الفرسان3 بوءساء في طريقه للسحار زودياك(3) ... ...

لما وجد الفارس تايشينغلش(1) الفرسان3 بوءساء في طريقه للسحار زودياك(3)
... ..........................
1/ رواه حكم في محرفه وابو شانون في شعراء ( 111/1)

الكتاب: مجلة المنار (كاملة 35 مجلدا)المؤلف: مجموعة من المؤلفين، محمد رشيد بن علي رضا (المتوفى: ...

الكتاب: مجلة المنار (كاملة 35 مجلدا)المؤلف: مجموعة من المؤلفين، محمد رشيد بن علي رضا (المتوفى: 1354هـ) وغيره من كتاب المجلة[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع](رقم الجزء، هو رقم المجلد. ورقم الصفحة، هي الصفحة التي يبدأ عندها المقال في المجلد المطبوع)بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيلالكاتب: محمد رشيد رضا__________حجة الإسلامأبو حامد الغزاليإن سيرة عظماء الرجال، أكبر عون على تربية الأجيال، وقد كان الإمام أبوحامد محمد الغزالي من علماء الإسلام المصلحين في أصول الإسلام وفروعه وآدابهاعترف له بذلك العلماء، وعدوه من المجددين المشار إليهم بحديث: (إن الله -تعالى - يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) رواه أبوداود، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في المعرفة من حديث أبي هريرة، وعلمعليه في الجامع الصغير بالصحة. وسيأتي ذكر شيء من أقوال الفقهاء والمؤرخينوالصوفية فيه. لذلك هممت منذ سنين بأن أكتب في المنار شيئًا عن الرجال العظام،أبدأ فيه بملخص سيرته في المنار، ولم أوفق إلى ذلك قبل اليوم. وأرجو أن يكونفيما أكتبه الآن عبرة لأولي الألباب.أصله ومنشؤههو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد، لم أر أحدًا ذكر له أكثر من ثلاثة آباءوأسماؤهم عربية. ولكن نسبه لا يعرف منها، فهو إما من العرب الذين تغلغلوا فيبلاد الفرس من أول الفتح الإسلامي. وإما من الفرس الذين غلبت عليهم الأسماءالعربية؛ لعراقتهم في الإسلام. وإنك لتجد كثيرًا ممن يتكلمون في التاريخ،يجزمون بنسب العلماء الذين نشئوا ببلاد الفرس في الإسلام، فيقولون: إنهم منالفرس، وإن فلانًا فارسي الأصل والمنشأ، حتى إن منهم من يعد أصحاب الأنسابالعربية المعروفة من الفرس، كصاحب القاموس وصاحب الأغاني وأضرابهم.ومن أسباب هذا الغلط فيما أرى؛ اشتهار قول ابن خلدون: إن أكثر علماء الملةمن العجم، وهو مخطئ فى هذا الحكم، ومخطئ فيما علله به. والصواب أن علماءالإسلام الذين نبغوا في بلاد الفرس وغيرها من بلاد الأعاجم، منهم العربي كمنذكرنا آنفًا، ومنهم العجمي كسيبويه، ومنهم المجهول نسبه كأبي حامد الغزالي ,فيتوقف في مثله حتى يظهر الدليل، وقد يستدل على أنه من سلالة عربية بما يأتي فيفصل اشتغاله بالعلم من بلاغته، مع قلة ممارسته للفنون العربية.أما ما ينسب إليه الغزالي , فقد اختلف فيه وفي ضبطه، هل هو بالتخفيف أوالتشديد؟ وقد جاء في ترجمة أبي حامد لشارح الإحياء في ذلك ما نصه:(قال صاحب تحفة الإرشاد نقلاً عن الإمام النووي في دقائق الروضة: التشديدفي الغزالي، هو المعروف الذي ذكره ابن الأثير، وبلغنا أنه قال: منسوب إلىغزالة - بتخفيف الزاي - قرية من قرى طوس , قلت: وهكذا ذكره النوويأيضًا في التبيان.وقال الذهبي في العبر , وابن خلكان في التاريخ: عادة أهل خوارزم وجرجانيقولون القصاري والحياري بالياء فيهما، فنسبوه للغزل وقالوا: الغزالي، ومثلذلك الشحامي.وأشار لذلك ابن السمعاني أيضًا وأنكر التخفيف، وقال: سألت أهلطوس عن هذه القرية فأنكروها. وزيادة هذه الياء، قالوا: للتأكيد. وفي تقرير بعضشيوخنا: للتمييز بين المنسوب إلى نفس الصنعة , وبين المنسوب إلى من كانتصنعته كذلك.وهذا ظاهر في الغزالي فإنه لم يكن ممن يغزل الصوف ويبيعه. وإنماهي صنعة والده وجده.ولكن في المصباح للفيومي ما يؤيد التخفيف، وأَنَّ غزالة قرية بطوس، وإليهانسب الإمام أبو حامد. قال: أخبرني بذلك الشيخ مجد الدين بن محمد أبي الطاهرشروان شاه بن أبي الفضائل فخراور بن عبيد الله بن ست المنا بنت أبي حامد الغزاليببغداد سنة عشر وسبعمائة، وقال لي: أخطأ الناس في تثقيل جدنا، وإنما هومخفف. وقال الشهاب الخفاجي في آخر شرح الشفاء: ويقال: إنه منسوب إلى غزالةابنة كعب الأحبار , وهذا إن صح فلا محيد عنه. والمعتمد الآن عند المتأخرينمن أئمة التاريخ والأنساب , أن القول قول ابن الأثير أنه بالتشديد) .ولد أبو حامد في مدينة طوس من عمل خراسان سنة 450 قال ابن السبكي فيطبقات الشافعية الكبرى: وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس، فلماحضرته الوفاة وصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له متصوف من أهل الخير، وقالله: إن لي لتأسفًا عظيمًا على تعلم الخط وأشتهي استدراك ما فاتني في وَلَدَيَّ هذينفعلمهما ولا عليك أن تنفد في ذلك جميع ما أخلفه لهما.فلما مات أقبل الصوفي على تعليمهما إلى أن فني ذلك النزر اليسير الذي خلفهلهما أبوهما، وتعذر على الصوفي القيام بقوتها، فقال لهما: اعلما أني قد أنفقتعليكما ما كان لكما، وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي، فأواسيكما به،وأصلح ما أرى لكما أن تلجئا إلى مدرسة، فإنكما من طلبة العلم فيحصل لكما قوتيعينكما على وقتكما. ففعلا ذلك، وكان هو السبب في سعادتهما وعلو درجتهما , وكانالغزالي يحكي ذلك ويقول: (طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله) اهـ.فأنت ترى أن الغزالي نشأ فقيرًا، وكذلك أكثر النابغين في الأمم والعصورالتي لا إلزام فيها بالتعليم والتربية، يخرجون من بيوت الفقراء، أو من هم علىمقربة منهم. والأغنياء يشغلهم الترف والنعيم عن الجد والاجتهاد في العلم، لا سيمافي تلك الأزمنة التي كان فيها طلب العلم لا يتم إلا بالرحلة إلى العلماء المشهورين،كما ترى فيما يلي، وناهيك بما كان في طي المسافات من المشاق.طلب الغزالي للعلمقرأ في صباه طرفًا من فقه الشافعية على أحمد بن محمد الراذكاني في بلده(طوس) ثم سافر إلى الإمام أبي نصر الإسماعيلي في جرجان، وعلق عنه كتابالتعليقة وعاد إلى طوس. قال الإمام أسعد الميهني: فسمعته يقول: قطعت عليناالطريق، وأخذ العيارون جميع ما معي ومضوا، فتبعتهم فالتفت إليَّ مقدمهم، وقال:ارجع ويحك وإلا هلكت، فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه، أن تردعلي تعليقتي فقط، فما هي بشيء تنتفعون به. فقال لي: وما هي تعليقتك؟ فقلت: كتب في تلك المخلاة، هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها. فضحك وقال:كيف تدعي أنك عرفت علمها , وقد أخذناها منك، فتجردت من معرفتها، وبقيتبلا علم؟ ؟ثم أمر بعض أصحابه فسلم إليَّ المخلاة، قال الغزالي: هذا مستنطق أنطقه اللهليرشدني به في أمري، فلما وافيت طوس، أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتىحفظت جميع ما علقته , وصرت بحيث لو قطع على الطريق، لم أتجرد من علمي.قال التاج السبكي: وقد روى هذه الحكاية عن الغزالي أيضًا الوزير نظام الملك.أقول: - وفيها من العبرة لمثل طلاب الأزهر- أَنَّ هذا الإمام العظيم ما وصلإلى ما وصل إليه إلا بعد أن جعل قصده في طلب العلم أن يكون العلم صفة منصفاته، لا أن يفهم ما يأخذه عن العلماء إذا هو قرأه فقط، فينبغي لكل طالب علمأن يتلقى العلم؛ لأجل أن يكون له فيه حكم ورأي، ولا يكتفي بأن يكون راويًالأقوال العلماء ولو مع الفهم؛ لأن من يفهم علم غيره، لا يعد هو عالمًا إلا إذا هوأشرب العلم، وصل له فيه فهم خاص، يقدر على الاستدلال عليه، ودفع معارضةالمخالفين عنه، وصار بحيث لو رجع عنه من نقل عنه لا يرجع هو.قال السبكي: ثم إن الغزالي قَدِم نيسابور ولازم إمام الحرمين، وَجَدَّ واجتهدحتى برع على يديه في مذهب الشافعي، والخلاف والجدل والأصلين والمنطق ,وقرأ الحكمة والفلسفة، وأحكم كل ذلك، وفهم كلام أرباب هذه العلوم وتصدى للردعليهم وإبطال دعاويهم، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها،وأجاد وضعها وترصيفها، كذا نقل النقلة عنه وأنا لم أر له مصنفًا في أصول الدينبعد شدة الفحص، إلا أن يكون قواعد العقائد وعقائد صغرى (كذا) .أقول: وفاته كتاب الاقتصاد في الاعتقاد. وظاهر قوله: (وقرأ الحكمةوالفلسفة) أنه لم يقرأها على إمام الحرمين، وهو كذلك كما يعلم من كتابه (المنقذمن الضلال) وفيه أنه صنف كتبًا في الكلام، وستأتي عبارته فيه.وقال الزبيدي في ترجمته: بعد أن ذكر من مشايخه بطوس أحمد بن محمدالراذكاني، وفي جرجان أبا نصر الإسماعيلي، وفي نيسابور إمام الحرمين وشيخهفي التصوف. (ومن مشايخه أيضًا يوسف السجاج، وفي الحديث أبو سهل محمدابن أحمد بن عبيد الله الحفصي المروزي، والحاكم أبو الفتح نصر بن علي بن أحمدالحاكمي الطوسي، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الخواري خوار طبران،ومحمد بن يحيى بن محمد السجاعي الزوزني، والحافظ أبو الفتيان عمر بن أبيالحسن الرواسي الدهستاني، ونصر بن إبراهيم المقدسي على قول الذهبي، وقالغيره: لم يدركه، فهؤلاء شيوخه في العلوم الثلاثة: يعني الفقه والتصوف والحديثأقول: وهؤلاء الكثيرون الذين سمع منهم الحديث، إنما سمعه منهم في آخر أمرهبعد أن رجع من سياحاته، ثم قال الزبيدي: ولم أطلع على أسماء شيوخه الذين قرأعليهم في الكلام أو الجدل، فإن عثرت على شيء بعد ذلك، ألحقت به إن شاء اللهتعالى. وأما علوم الفلسفة: فلا شيخ له فيها، كما صرح بذلك في كتابه (المنقذ منالضلال) اهـ.أقول: إنه أخذ الكلام والخلاف عن إمام الحرمين؛ لأنه كان من المبرزينفيهما، وما كان للزبيدي أن يغفل عن ذلك. ولم يذكروا شيوخه في الفنون العربية:كالنحو والصرف والبيان والأدب، ويحتمل أنه أخذ عن الراذكاني مع الفقه شيئًا منمباديها، واعتمد بعد ذلك فيها على اشتغاله بنفسه، فقد قال عبد الغافر الفارسيخطيب نيسابور وكان من معاصريه: إنه كان مما يعترض به عليه وقوع خلل منجهة النحو، يقع في أثناء كلامه، وروجع فيه، فأنصف من نفسه، واعترف بأنهما مارس ذلك الفن، واكتفى منه بما يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلفالخطب، ويشرح الكتب بالعبارات التي تُعجِز الأدباء والفصحاء عن أمثالها، وأذنللذين يطالعون كتبه، فيعثرون على خلل فيها من جهة اللفظ أن يصلحوه، ويعذروهفما كان قصده إلا المعاني وتحقيقها، دون الألفاظ وتلفيقها. اهـ كلام عبد الغافر.ونحن نرى أن كلامه في كتبه أعلى من كلام أقرانه أسلوبًا، وأحسن بيانًا،وأشد تأثيرًا، كما نجد فهمه للكلام العربي أدق من أفهامهم، وذلك منتهى المقصد منالفنون العربية كلها. فإذا كان الوصول إلى هذا المقصد ممكنًا مع الإقلال منالاشتغال بالنحو، فلماذا يضيِّع العاقل الوقت الطويل في قراءة الكفراوي والشيخخالد , والأزهرية والقطر والشذور وابن عقيل والأشموني وحواشي هذه الكتب، على أن كتابًا منها يكفي الطالب ما لا بد منه من النحو.ولعل من فهم الشذور أو ابن عقيل يكون أعلم من الغزالي بنفس النحو، فعليه أنيفكر في الطريقة التي يكون بها مع ذلك مثل الغزالي , أو على مقربة منه في فهمالكلام العربي، الذي وضع النحو لضبطه وللإتيان بالكلام البليغ منه قولاً وكتابةً،ولذلك طريق غير كثرة مزاولة كتب النحو التي يضعف مثلها ملكة اللسان، كما قالابن خلدون، فليفكر في ذلك طلاب الأزهر الأذكياء، لا سيما من كان منهم عربياللسان، يسهل عليه فهم الكتب البليغة في الأدب والتاريخ وغير ذلك بالممارسة قبلتلقي الفنون، فإن كاتب هذه السطور، قرأ كثيرًا من هذه الكتب قبل طلب العلم،ومنها كتاب إحياء علوم الدين لصاحب السيرة.ولكن هذا لا يتيسر للأعاجم. وقد يستدل بهذا على أن الغزالي من عشيرة عربيةبقيت محافظة على أصل لغتها، إلا ما لا تخلو عنه طبيعة المخالطة للأعاجم منالتحريف والدخيل؛ إلا أن يقال: لغة الفرس كافة كانت قد تحولت عربية في ذلكالعهد، وصار العارف بالفارسية يتلقاها بالتعلم، وهذا ما ينكره كثير من العارفينمنهم صاحبنا الدكتور محمد مهدي خان فإنه يقول: إن لغة العامة هناك في القرنالرابع والخامس كانت الفارسية.وقد كان الغزالي يعرف الفارسية وألف فيها ولو كان فارسي الأصل وهو منالعامة، لكانت لغته الأصلية ومثله، لا يصير بليغًا بالعربية إلا بعد اشتغال بالفنونطويل، فبلاغته وفصاحته وسلامة عبارته من العجمة على كونه مع العامة، يرجحكونه عربي الأصل، فهذا ما رأينا أن نبينه من سيرة حجة الإسلام في تلقي العلموالعبرة فيها للطالبين.تخرجه وتصدِّيه للإفادةقلنا: إنه اشتغل أولاً بطوس وكانت مدينة آهلة بالعلم والعلماء في الجملة، وكانيومئذ مراهقًا، ثم في جرجان وكانت فوق طوس في العلم والعمران، ثم فيالمدرسة النظامية بنيسابور أعظم معاهد العلم في خراسان، وما زال فيها يختلف إلىدروس إمام الحرمين علامة ذلك العصر الزاهر، حتى تخرج به واشتهر، وقد قيل:إن شيخه كان يجد منه شيئًا في نفسه، وإن كان يفتخر به في الملأ كما سيأتي.ولما توفي إمام الحرمين سنة 478، خرج الغزالي إلى العسكر وهي محلة بالقرب مننيسابور، كان يقيم فيها نظام الملك الوزير؛ نصير العلم وكعبة العلماء، فحل منمجلس الوزير محل القبول.قال معاصره أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي خطيب نيسابورفي ذلك: محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي حجة الإسلام والمسلمين، إمامأئمة الدين، لم تر العيون مثله لسانًا وبيانًا، ونطقًا وخاطرًا وذكاءً وطبعًا، أخذطرفًا في صباه بطوس من الفقه على الإمام أحمد الراذكاني , ثم قدم نيسابور مختلفًاإلى درس إمام الحرمين في طائفة من الشبان من طوس، وجد واجتهد، حتى تخرجفي مدة قريبة وبز الأقران وحمل القرآن، وصار أنظر أهل زمانه، وأوحد أقرانه،في أيام إمام الحرمين.وكان الطلبة يستفيدون منه، ويدرس لهم ويرشدهم، ويجتهد في نفسه. وبلغالأمر به إلى أن أخذ في التصنيف. وكان الإمام مع علو درجته وسمو عبارتهوسرعة جريه في النطق والكلام، لا يصغي نظره إلى الغزالي سرًّا؛ لإربائه عليهفي سرعة العبارة وقوة الطبع، ولا يطيب له تصديه للتصانيف، وإن كان متخرجًا بهمنتسبًا إليه كما لا يخفى من طبع البشر. ولكنه يظهر التبجح به، والاعتداد بمكانهظاهرًا خلاف ما يضمره.(ثم بقي كذلك إلى انقضاء أيام الإمام، فخرج من نيسابور وصار إلىالعسكر , واحتل من مجلس نظام الملك محل القبول، وأقبل عليه الصاحب؛ لعلودرجته، وظهور اسمه، وحسن مناظرته، وجري عبارته، وكانت تلك الحضرةمحط رحال العلماء، ومقصد الأئمة والفصحاء، فوقعت للغزالي اتفاقات حسنة منالاحتكاك بالأئمة وملاقاة الخصوم اللُّد، ومناظرة الفحول، ومناقدة الكبار، وظهراسمه في الآفاق، وارتفق لذلك أكمل الارتفاق حتى أدت الحال به إلى أن رسمللمصير إلى بغداد؛ للقيام بتدريس المدرسة الميمونة النظامية بها، فصار إليها،وأعجب الكل تدريسه ومناظرته، وما لقي مثل نفسه، وصار بعد إمامة خراسان إمامالعراق.ثم نظر في علم الأصول، وكان قد أحكمها فصنف فيه تصانيف، وجددالمذهب في الفقه فصنف فيه تصانيف، وسبك الخلاف فجدد فيه أيضًا تصانيف،وعلت حشمته ودرجته في بغداد، حتى كانت تغلب حشمة الأكابر والأمراء ودارالخلافة، فانقلب الأمر من وجه إلى آخر) اهـ.المراد من كلام عبد الغافر هنا؛ ومنه تعلم أن رياسة العلوم الظاهرة، قدانتهت إليه في سن الشباب , حتى كان يوصف بحجة الإسلام وإمام أئمة العصر،وهو لم يشتغل بالتلقي عن العلماء إلا بضع سنين.أقول: إنه تخرج في بضع سنين، أخذًا مما مرَّ من أنه لم يطلب العلم من أولسن التمييز، بل بعد عجز الوصي عليه وعلى أخيه من النفقة عليهما، ومن قولهفي أول كتابه المنقذ من الضلال: (ولم أزل منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرينإلى الآن، وقد أنافت السن على الخمسين، أقتحم لجة هذا البحر) ... إلخ ماسيأتي، وقد علم من كلام معاصره عبد الغافر، ومن كلام غيره من المؤرخين، أنهتخرج في عهد أستاذه إمام الحرمين في مدة قليلة، وقد توفي إمام الحرمين سنة478، وكانت سن الغزالي 28 سنة؛ أي: إنه كان متخرجًا قبل ذلك.غرضنا من هذا التحقيق؛ تنبيه طلاب العلم إلى مسألة أرجو انتفاع أذكيائهمبها، وهي أن طول مدة الاشتغال بالتلقي والتحصيل قلما تأتي بفائدة، بل هيعنوان البلادة، وخمود الذهن، وخمول النفس، ودليل على فساد التعليم، وأكثرالنابغين من العلماء والحكماء لم يقيموا في معاهد التعليم، والتلقي زمنًا طويلاً. وقدقرر هذه الحقيقية الفيلسوف سبنسر وقد كان الأستاذ الإمام بعد سنوات قليلة، يحضردروس بعض العلماء في علم، وبيده كتاب في علم آخر، يطالع فيه.تربية الغزالي لنفسه وتفلسفه وتصوفهالعلوم والفنون في نفسها صناعات وآلات، يستعان بها على إصلاح اللسانوالعمل والنفس والعقل، فمن طلب فنًّا منها، كان له في طلبه ثلاثة مقاصد:(أحدها) : أن يعرف الفن بحسب ما قاله الواضعون له، والمصنفون فيه،اتباعًا لهم وتقليدًا.(ثانيها) : أن يعرفه كما عرفه الواضعون بمآخذه ودلائله، بحيث يكون له فيهرأي وحكم، لا يبالي فيه وافق الواضعين أو خالفهم، وإنما يتحرى فيه ما يراهصوابًا.(ثالثها) : أن يعرفه؛ ليستعمله فيما وضع له، ويجعله وسيلة للعمل. وهذاالأخير يجتمع مع كل من الأول والثاني، وقد يوجدان بدونه ويوجد ألوف منالصنف المعروف عندنا بصنف العلماء، قرؤوا الفنون العربية والشرعية وبعضالعقلية بالقصد الأول، ووجد كثيرون قرؤوها بالقصد الثاني، وما كان المحصلونلثمراتها من الآخرين فضلاً عن الأولين إلا الأقلين، فكم من عالم بمسائل النحووالبلاغة واسع الاطلاع، لم يصلح لسانه ولا قلمه فهو عاجز عن الإتيان بالكلامالصحيح، بله البليغ الفصيح. وكم من عالم بأحكام الحلال والحرام، والفضائلوالرذائل، فاسد الأخلاق، مرتكب للمحرمات. وكم من عالم بقوانين المنطق بعجزعن تحديد حقيقية، وإقامة البرهان على عقيدة. وكم من بارع بصناعة الحجة،نحرير في علم الكلام، وهو فاسد الاعتقاد، أو منطو على الإلحاد، وإن لنا فيسيرة حجة الإسلام، أكبر حجة على هؤلاء الأقوام.شرع أبو حامد في طلب العلم على طريقة أهل المقصد الأول؛ أعنيالمقلدين، فأرشده رئيس العيارين الذين نهبوه منصرفه من جرجان إلى الطريقةالثانية؛ طريقة الاستقلال، فلم يلبث أن صار إمامًا في زمن قصير؛ لأن المستقلبنظره، يُحَصِّلُ في سنة ما لا يحصله المقلد الذي يأخذ كل ما يلقى إليه بالتسليم فيسنين كثيرة.وما كل أحد كالغزالي ترشده كلمة يلفظها قاطع الطريق إلى مثل هذه الحقيقةالتي يجهلها أكثر المشتغلين بالعلم. وإنما يسترشد الناس بالحكمة على قدر استعدادهموكان استعداد الغزالي في الذروة العليا، وقد يقرأ سيرته هذه بطولها وتفاصيلهاكثيرون من طلاب العلم في الأزهر وغيره، ثم لا يخرجون من ظلمات التقليد إلىنور الاستقلال لضعف استعدادهم.لم يرض أبو حامد من العلم بالمقصد الثاني، الذي لا يعلو به صاحبه عنمرتبة الصناع، بل حاول في كل علم قرأه الوصول إلى غايته، والتحقق بحقيقته،فكما كان بالعلوم العربية كاتبًا بليغًا وخطيبًا مفوهًا، وبعلوم الكلام والفقه والخلافحجة على الخصم وركنًا للمذهب، أراد أن يكون هو في نفسه على يقين من كل مايعتقد، وأن يكون عمله ثمرة علمه، فربى نفسه لذلك تربية خاصة، ومثل هذا لايأتي بمعرفة المسائل والدلائل فقط، بل لابد فيه من التربية والمجاهدة، وهاك ماكتبه عن نفسه في ذلك ملخصًا من كتابه (المنقذ من الضلال) ، قال بعد البسملةوالحمدلة والتصلية.(أما بعد سألتني أيها الأخ في الدين: أن أبث إليك غاية العلوم وأسرارها،وغائلة المذاهب وأغوارها، وأحكي لك ما قاسيته في استخلاص الحق من بيناضطراب الفرق مع تباين المذاهب والطرق، وما استجرأت عليه من الارتفاع عنحضيض التقليد إلى يفاع الاستبصار، وما استفدته أولاً من علم الكلام، وما احتويتهثانيًا من طرق أهل التعليم القاصرين لدرك الحق على تقليد الإمام، وما ازدريته ثالثًامن طرق التفلسف، وما ارتضيته آخرًا من طريقة التصوف، وما انجلى لي فيتضاعيف تفتيشي عن أقاويل الخلق، من لباب الحق، وما صرفني عن نشر العلمببغداد مع كثرة الطلبة، وما دعاني إلى معاودتي بنيسابور بعد طول المدة، فابتدرتلإجابتك إلى مطلبك، بعد الوقوف على صدق رغبتك، وقلت مستعينًا بالله ومتوكلاًعليه، ومستوفقًا منه، وملتجئًا إليه.اعلموا أحسن الله إرشادكم، وألان للحق قيادكم، أن اختلاف الخلق فيالأديان والملل، ثم اختلاف الأمة في المذاهب على كثرة الفرق، وتباين الطرق،بحر عميق غرق فيه الأكثرون، وما نجا منه إلا الأقلون، وكل فريق يزعم أنهالناجي و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (المؤمنون: 53) وهو الذي وعدنا به سيدالمرسلين؛ وهو الصادق المصدوق حيث قال: (ستفترق أمتي ثلاثًا وسبعين فرقةالناجية منها واحد) [1] فقد كاد ما وعد أن يكون.ولم أزل من عنفوان شبابي، وقد أنافت السن على الخمسين، أقتحم لجة هذاالبحر العميق اقتحام الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمةوأتهجم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة،وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لاأغادر باطنيًّا إلا وأحب أن أطلع على بطانته، ولا ظاهريًّا إلا وأريد أن أعلم حاصلظهارته، ولا فلسفيًّا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلمًا إلا وأجتهد فيالاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيًّا إلا وأحرص على العثور على سرصفوته، ولا متعبدًا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته ولا زنديقًا معطلاً إلاوأتجسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته، في تعطيله وزندقته.وقد كان التعطش إلى حقائق الأمور دأبي وديدني، من أول أمري، وريعانعمري، غريزة وفطرة من الله وضعتا في جبلتي، لا باختياري وحيلتي حتىانحلت عني رابطة التقليد، وانكسرت على (كذا) العقائد الموروثة، على قربعهد بسن الصبا، إذا رأيت صبيان النصارى، لا يكون لهم نشوء إلا على التنصروصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على النهود، وصبيان المسلمين لا نشوء لهم إلاعلى الإسلام، وسمعت الحديث المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حيث قال: (كل مولود يولد على فطرة الإسلام، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أويمجسانه) فتحرك باطني إلى طلب حقيقة الفطرة الأصلية وحقيقة العقائد العارضةبتقليد الوالدين والأستاذين، والتمييز بين هذه التقليدات، وأوائلها تلقينات، وفيتمييز الحق منها عن الباطل اختلافات.فقلت في نفسي أولاً: إنما مطلوبي العلم بحقائق الأمور، فلابد من طلب العلمبحقائق الأمور، فلابد من طلب حقيقة العلم ما هي، فظهر لي أن العلم اليقيني هوالذي ينكشف فيه المعلوم انكشافًا لا يبقي معه ريب، ولا يقارنه إمكان الغلط والوهمولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنًا لليقينمقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه مثلاً مَنْ يقلب الحجر ذهبًا والحية ثعبانًا لم يورثذلك شكًّا وإنكارًا، فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة، فقال لي قائل:(لا بل الثلاثة أكثر؛ بدليل أني أقلب هذه العصا ثعبانًا) ، وشاهدت ذلك منه، لمأشك بسببه في معرفتي، ولم يحصل لي منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه. فأماالشك فيما علمته فلا.ثم علمت أن كل ما لا أعلمه على هذا الوجه، ولا أتيقنه هذا النوع من اليقين،فهو علم لا ثقة به ولا أمان معه، فليس لعلم يقيني.القول في مداخل السفسطة وجحد العلوم(ثم فتشت من علومي، فوجدت نفسي عاطلاً من علم موصوف بهذه الصفةإلا في الحسيات والضروريات، فقلت: الآن بعد حصول اليأس لا مطمع فياقتباس المشكلات إلا من الجليات، وهي الحسيات والضروريات، فلابد من إحكامهاأولاً؛ لأتبين أن ثقتي بالمحسوسات، وأماني من الغلط في الضروريات من جنسأماني الذي كان من قبل في التقليديات، ومن جنس أمان أكثر الخلق في النظريات،أم هو أمان محقق لا غدر فيه ولا غاية له؟ فأقبلت بجد بليغ، أتأمل فيالمحسوسات والضروريات وأنظر، هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها؟ فانتهى بيطول التشكك إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضًا، وأخذيتسع هذا الشك فيها، ويقول: من أين الثقة بالمحسوسات، وأقواها حاسة البصروهي تنظر إلى الظل فتراه واقفًا غير متحرك، ونحكم بنفي الحركة، ثم بالتجربةوالمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه يتحرك، وأنه لم يتحرك بغتة ودفعة، بل علىالتدريج ذرة ذرة، حتى لم تكن له حالة وقوف. وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيرًافي مقدار دينار، ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار.هذا وأمثاله من المحسوسات، يحكم فيها حاكم الحس بأحكامه، ويكذبه حاكمالعقل، ويخونه تكذيبًا لا سبيل إلى مدافعته. فقلت: قد بطلت الثقة بالمحسوساتأيضًا، فلعله لا ثقة إلا بالعقليات التي هي من الأوليات، كقولنا: العشرة أكثر منالثلاثة، والنفي والإثبات لا يجتمعان في الشيء الواحد، والشيء الواحد لا يكونحادثًا وقديمًا، موجودًا معدومًا، واجبًا محالاً.فقالت المحسوسات: بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات،وقد كنت واثقًا بي، فجاء حاكم العقل فكذبني، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر علىتصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكمًا آخر، إذا تَجَلَّى كذب العقل في حكمه،كما تَجَلَّى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه، وعدم تجلي ذلك الإدراك لا يدل علىاستحالته، فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً، وأيدت أشكالها بالمنام، وقالت: أماتراك تعتقد في النوم أمورًا، وتتخيل أحوالاً، وتعتقد لها ثباتًا واستقرارًا، ولا تشكفي تلك الحالة فيها، ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصلوطائل، فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك بحس أو عقل هو حقبالإضافة إلى حالتك؟ لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إلى يقظتك،كنسبة يقظتك إلى منامك، وتكون يقظتك نومًا بالإضافة إليها، فإذا وردت تلك الحالةتيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها، أو لعل تلك الحالة مايدعيها الصوفية أنها حالتهم؛ إذ يزعمون أنهم يشاهدون في أحوالهم , إذا غاصوا فيأنفسهم وغابوا عن حواسهم أحوالاً لا توافق هذه المعقولات، ولعل تلك الحالة هيالموت؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) [*]فلعل الحياة الدنيا نوم بالإضافة إلى الآخرة، فإذا مات المرء، ظهرت له الأشياءعلى خلاف ما شاهده لآنٍ، ويقال له عند ذلك: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَحَدِيدٌ َ} (ق: 22) .فلما خطرت هذه الخواطر انقدحت في النفس، فحاولت لذلك علاجًا فلميتيسر، إذا لم يكن دفعه إلا بالدليل، ولم يمكن نصب دليل إلا من تركيب العلومالأولية، فإذا لم تكن مُسلَّمة لم يكن تركيب الدليل، فأعضل هذا الداء ودام قريبًا منشهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق والمقال حتىشفى اللهُ - تعالى - من ذلك المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال،ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقًا بها على أمن ويقين، ولم يكن ذلك بنظمدليل وترتيب كلام، بل بنور قذفه الله - تعالى - في الصدر وذلك النور [2] هو مفتاحأكثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المجردة، فقد ضيق رحمة اللهالواسعة، ولما سئل رسول الله - عليه السلام - عن الشرح ومعناه في قوله تعالى:{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلام} (الزمر: 22) قال: (هو نور يقذفه الله- تعالى - في القلب) ، فقيل: وما علامته؟ فقال: (التجافي عن دار الغرور،والإنابة إلى دار الخلود) [3] وهو الذي قال عليه السلام فيه: (إن الله تعالى خلقالخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره) [4] فمن ذلك النور ينبجس من الجودالإلهي في بعض الأحايين، ويجب الترصد له كما قال عليه السلام: (إنلربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) [5] .(والمقصود من هذه الحكايات أن يعمل كمال الجد في الطلب، حتى ينتهي إلىطلب ما لا يطلب، فإن الأوليات ليست مطلوبة فإنها حاضرة، والحاضر إذا طلب فُقِدواختفى، ومن طلب ما لا يطلب، فلا يتهم بالتقصير في طلب ما يطلب.القول في أصناف الطالبين(ولما شفاني الله - تعالى - من هذا المرض (أي: مرض السفسطة)بفضله، وسعة جوده، انحصرت أصناف الطالبين (أي: للحق في الاعتقاد) فيأربع فرق:المتكلمون: وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر.والباطنية: وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم، والمخصوصون بالاقتباس منالإمام المعصوم.والفلاسفة: وهم يزعمون أنهم أصحاب المنطق والبرهان.والصوفية: وهم يدعون أنهم خواص الحضرة , وأهل المشاهدة والمكاشفة.فقلت في نفسي: الحق لا يعدو أصحاب هذه الأصناف الأربعة، فهؤلاء همالسالكون سبل طلب الحق، فإن شاء الحق عنهم فلا يبقى في درك الحق مطمع؛ إذلا مطمع في الرجوع إلى التقليد بعد مفارقته؛ إذ من شرط المقلد أن لا يعلم أنه مقلدفإذا علم ذلك انكسرت زجاجة تقليده، وهو شعب لا يرأب، وشعث لا يلم بالتلفيقوالتأليف، إلا أن يذاب بالنار، ويستأنف لها صيغة أخرى مستجدة. فابتدرتلسلوك هذه الطرق، واستقصاء ما عند هذه الفرق، مبتدئًا بعلم الكلام، ومثنيًابطريق الفلسفة، ومثلثًا بتعليمات الباطنية، ومربعًا بطريق الصوفية.هذا ما كتبه الإمام الغزالي عن نفسه، بعد أن تلقى ما شاء الله من العلم بطريقالتقليد زمنًا، وبطريق الاستقلال زمنًا آخر. وقد ذكر بعد ما تقدم فصلاً في مقصودعلم الكلام، وأنه حصله وعقله، وطالع كتب المحققين فيه، وصنف فيه ما شاء أنيصنف، قال: فصادفته علمًا وافيًا بمقصوده غير واف بمقصودي، وبيَّن أنمقصود علم الكلام حفظ عقيدة أهل السنة، وحراستها عن تشويش أهل البدعة، وأنالمتكلمين اعتمدوا على مقدمات تسلموها من خصومهم، وألجأوهم إلى التسليم بها،وهي التقليد أو الإجماع، أو مجرد القبول من القرآن أو الأخبار. قال: (وكان أكثرخوضهم في استخراج مناقضات الخصوم، ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم. وهذا قليلالنفع في جنب من لا يسلم سوى الضروريات شيئًا أصلاً، فلم يكن الكلام في حقيكافيًا، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيًا، نعم لما نشأت صنعة الكلام، وكثرالخوض فيه، وطالت المدة، وتشوف المتكلمون إلى مجاوزة الذب عن السنةبالبحث عن حقائق الأمور، وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض وأحكامها.ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم، لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى، فلميحصل منه ما يمحو بالكلية ظلمات الحيرة في اختلافات الخلق ولا أبعد أن يكونحصل ذلك لغيري، بل لست أشك في حصول ذلك لطائفة. ولكن حصولاً مشوبًابالتقليد في بعض الأمور التي ليست من الأوليات. والغرض الآن حكاية حالي، لاالإنكار على من استشفى به؛ فإن أدوية الشفاء تختلف باختلاف الداء، وكم من دواءينتفع به مريض ويستضر به آخر؟) اهـ.القول في الفلسفةثم تكلم عن الفلسفة وما يذم منها، ويكفر منتحله، وما ليس كذلك قال: (ثمإني ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة، وعلمت يقينًا أنه لا يقف علىفساد نوع من العلوم من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصلالعلم، ثم يزيد عليه ويجاوز درجته، فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم منغور وغائلةٍ. فإذ ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقًّا، ولم أر أحدًا من علماءالإسلام صرف عنايته وهمته إلى ذلك، ولم يكن في كتب المتكلمين من كلامهم، حيثاشتغلوا بالرد عليهم، إلا كلمات معقدة مبددة ظاهرة التناقض والفساد لا يظن الاغتراربها بغافل عامي، فضلاً عمن يدعي دقائق العلوم، فعلمت أن رد المذهب قبل فهمه،والاطلاع على كنهه رمي في عماية.فشمرت عن ساق الجد في تحصيل ذلك العلم من الكتب بمجرد المطالعة،من غير استعانة بأستاذ، وأقبلت على ذلك في أوقات فراغي من التصنيفوالتدريس في العلوم الشرعية، وأنا ممنون بالتدريس والإفادة لثلاث مائة نفر منالطلبة ببغداد، فأطلعني الله - سبحانه - بمجرد المطالعة في هذه الأوقات المختلسةعلى منتهى علومهم في أقل من سنتين، ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمهقريبًا من سنة، أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره حتى اطلعت على ما فيه منخداع وتلبيس، وتحقيق وتخييل اطلاعًا لم أشك فيه.ثم ذكر أصناف الفلاسفة، وأنواع علومهم من: رياضيات ومنطقياتوطبيعيات وإلهيات وسياسيات وخلقيات، وبَيَّنَ رأيه فيها وسنذكره. وانتقل من ذلكإلى الكلام في مذهب الباطنية.مذهب التعليم وغائلتهقال: (ثم إني لما فرغت من علم الفلسفة، وتحصيله وتفهيمه وتزييف مايزيف منه، علمت أن ذلك أيضًا غير واف بكمال الغرض، وأن العقل ليس مستقلاًّبالإحاطة بجميع المطالع، ولا كاشفًا للغطاء عن جميع المعضلات، وكان قد نبتتنابتة التعليمية، وشاع بين الخلق تحديهم بمعرفة معنى الأمور من جهة الإمامالمعصوم القائم بالحق، عَنَّ لي أن أبحث عن مقالتهم؛ لأطلع على ما في كتبهم. ثماتفق أن ورد عليّ أمر جازم من حضرة الخلافة بتصنيف كتاب يكشف عن حقيقةمذهبهم، فلم يسعني مدافعته، وصار ذلك مستحثا من خارج ضميمة للباعث الأصليمن الباطن.فابتدأت بطلب كتبهم وجمع مقالاتهم، وكان قد بلغني كلماتهم المستحدثة التيولدتها خواطر أهل العصر، لا على المنهاج المعهود من سلفهم، فجمعت تلكالكلمات، ورتبتها ترتيبًا محكمًا مقارنًا للتحقيق، واستوفيت الجواب عنها، حتىأنكر بعض أهل الحق مني مبالغتي في تقرير حجتهم، وقال: هذا سعي لهم فإنهمكانوا يعجزون عن نصرة مذهبهم؛ لمثل هذه الشبهات، لولا تحقيقك لها وترتيبكإياها. وهذا الإنكار من وجه حق.فلقد أنكر أحمد بن حنبل على الحارث المحاسبي تصنيفه في الرد على المعتزلة،فقال الحارث: الرد على البدعة فرض. فقال أحمد: نعم، ولكن حكيت شبهتهم أولاًثم أجبت عنها، فلم تأمن أن يطالع الشبهة من تعلق بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب،ولا يفهم كنهه. وما ذكره أحمد حق. ولكن في شبهة لم تنتشر، ولم تشتهر. أما إذاانتشرت، فالجواب عنها واجب، ولا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية. نعم ينبغي أن لايتكلف لهم شبهة، لم تتكلف. ولم أتكلف أنا ذلك، بل كنت قد سمعت تلك الشبهة منواحد من أصحابي المختلفين إليَّ بعد أن كان قد التحق بهم، وانتحل مذهبهم،وحكى أنهم يضحكون على تصانيف المصنفين في الرد عليهم، فإنهم لم يفهموا بُعدحجتهم فلذلك أوردتها؛ لئلا يظن بي أني - وإن سمعتها - لم أفهمها، فلذلك قررتها.والمقصود أني قررت شبهتهم إلى أقصى الإمكان، ثم أظهرت فسادها، ثمبين ذلك ملخصًا في عدة صفحات، وليس بيان ذلك من مقصدنا، إنما المقصد سيرةهذا الإمام وبيان كيفية تربيته لنفسه وثمرة ذلك فيها، وفيما قصد إليه من الإصلاح.القول في طريق الصوفية(ثم إني لما فرغت من هذه العلوم، أقبلت بهمتي على طريق الصوفية،وعلمت أن طريقتهم، إنما تتم بعلم وعمل، وكان حاصل علمهم قطع عقبات النفسوالتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل بها إلى تخلية القلبعن غير الله تعالى، وتحليته بذكر الله، وكان العلم أيسر عليَّ من العمل، فابتدأتبتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم، مثل قوت القلوب لأبي طالب المكي رحمه الله،وكتب الحارث المحاسبي، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد والشبلي وأبي يزيدالبسطامي وغير ذلك من كلام مشايخهم، حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية،وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقتهم بالتعلم والسماع، وظهر لي أن أخصخواصهم، ما لم يمكن الوصول إليه بالتعلم، بل بالذوق والحال وتبدل الصفات،فكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع، وأسبابهما وشروطهما، وبين أنيكون صحيحًا وشبعانًا، وبين أن يعرف حد السكر، وأنه عبارة عن حالة تحصلمن استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكر، وبين أن يكون سكرانًا،بل السكران لا يعرف حد السكر، وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء.والصاحي يعرف حد السكر وأركانه، وما معه من السكر شيء. والطبيب فيحالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها، وهو فاقد للصحة. فكذلك فرقبين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها، وبين أن يكون حالك الزهدوعزوف النفس عن الدنيا، فعلمت يقينًا أنهم أرباب أحوال، لا أصحاب أقوال، وأنَّما يمكن تحصيله بطريق العلم قد حصلته، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماعوالتعلم، بل بالذوق والسلوك، وكان قد حصل معي من العلوم التي مارستها،والمسالك التي سلكتها في التفتيش عن صنفي العلوم: الشرعية والعقلية، إيمان يقينيبالله وبالنبوة وباليوم الآخر، فهذه الأصول الثلاثة من الإيمان، كانت رسخت فينفسي، لا بدليل معين مجرد، بل بأسباب وقرائن وتجاريب، لا تدخل تحت الحصرتفاصيلها، وكان قد ظهر عندي أنه لا مطمع لي في سعادة الآخرة إلا بالتقوى، وكفالنفس عن الهوى، وأن رأس ذلك كله قطع علاقة القلب عن الدنيا بالتجافي عن دارالغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، وأن ذلكلا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال، والهرب عن الشواغل والعلائق.ثم لاحظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانبولاحظت أعمالي وأحسنها التدريس والتعليم، فإذا أنا فيها مقبل على علوم غيرمهمة ولا نافعة في طريق الآخرة، ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غيرخالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه، وانتشار الصيت،فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني قد أشفيت على النار إن اشتغل بتلافيالأحوال، فلم أزل أتفكر فيه مدة، وأنا بعد على مقام الاختيار أصمم العزم علىالخروج من بغداد، ومفارقة تلك الأحوال يومًا وأحل العزم يومًا، وأُقدم فيه رجلاً،وأؤخر عنه أخرى.لا تصفو لي رغبة في طلب الآخرة بكرة، إلا ويحمل عليها جند الشهوة حملةفيفترها عشية، فصارت شهوات الدنيا تجاذبني سلاسلها إلى المقام ومنادي الإيمانينادي: الرحيل الرحيل، فلم يبق من العمر إلا قليل، وبين يديك السفر الطويل،وجميع ما أنت فيه من العمل والعلم رياء وتخييل، فإن لم تستعد الآن للآخرة فمتىتستعد، وإن لم تقطع الآن فمتى تقطع، فبعد ذلك تنبعث الداعية، وينجزم العزم علىالهرب والفرار، ثم يعود الشيطان، ويقول: هذه حالة عارضة وإياك أن تطاوعها؛فإنها سريعة الزوال، وإن أذعنت لها، وتركت هذا الجاه العريض والشأن المنظومالخالي عن التكدير والتنغيص، والأمر المسلم الصافي عن منازعة الخصوم، ربماألفت إليه نفسك، ولا يتيسر لك المعاودة، فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا،ودواعي الآخرة قريبًا من ستة أشهر أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربع مائة , وفيهذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار إذ قفل الله على لساني حتى أعتقلعن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يومًا واحدًا؛ تطييبًا للقلوب المختلفة،وكان لا ينطق لساني بكلمة، ولا أستطيعها ألبتة، ثم أورثت هذه العقلة في اللسانحزنًا في القلب، بطل معه قوة الهضم، وقرم الطعام والشراب، فكان لا ينساغ ليشربة، ولا تنهضم لقمة، وتعدى إلى ضعف القوى، حتى قطع الأطباء طمعهم عنالعلاج، وقالوا: أمر نزل بالقلب ومنه سرى إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج، إلابأن يتروح السر عن الهم الملم: ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري،التجأت إلى الله - تعالى - التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي {يُجِيبُالمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهَ} (النمل: 62) وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمالوالأهل والولد والأصحاب، وأظهرت عزم الخروج إلى مكة، وأنا أوري في نفسيسفر الشام؛ حذرًا من أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمي في المقامبالشام، فتلطفت بلطائف الحيل في الخروج من بغداد على عزم أن لا أعاودها أبدًا،واستهدفت لائمة أهل العراق كافة؛ إذ لم يكن فيهم من يجوز أن يكون الإعراضعما كنت فيه سببا دينيًّا؛ إذ ظنوا أن ذلك هو المنصب الأعلى في الدين وكان ذلكمبلغهم من العلم، ثم ارتبك الناس في الاستنباطات، وظن من بعد عن العراقأن ذلك كان لاستشعار من جهة الولاة. وأما من قرب من الولاة، فكان يشاهدإلحاحهم في التعلق بي، والإنكار علي، وإعراضي عنهم وعن الالتفات إلىقولهم. فيقولون: هذا أمر سماوي، وليس له سبب إلا عين أصابت أهل الإسلاموزمرة العلم.ففارقت بغداد، وفرقت ما كان معي من المال، ولم أدخر إلا قدر الكفاف،وقوت الأطفال؛ ترخصًا بأن مال العراق مرصد للمصالح؛ لكونه وقفًا علىالمسلمين، فلم أر في العالم ما يأخذه العالم لعياله أصلح منه، ثم دخلت الشام،وأقمت به قريبًا من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة والرياضة والمجاهدة؛اشتغالاً بتزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، وتصفية القلب لذكر الله تعالى، كما كنتحصلته من علم الصوفية، فكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق أصعد منارة المسجدطول النهار، وأغلق بابها على نفسي، ثم دخلت منها إلى بيت المقدس، أدخل كليوم الصخرة، وأغلق بابها على نفسي، ثم تحركت فيَّ داعية فريضة الحج،والاستمداد من بركات مكة والمدينة، وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدالفراغ من زيارة الخليل - صلوات الله عليه - فسرت إلى الحجاز.ثم جذبتني الهمم، ودعوات الأطفال إلى الوطن، فعاودته بعد أن كنت أبعدالخلق عن الرجوع إليه، وآثرت العزلة أيضًا؛ حرصًا على الخلوة، وتصفية القلبللذكر وكانت حوادث الزمان، ومهمات العيال، وضرورات المعاش، تغير في وجهالمراد، وتشوش صفوة الخلوة، وكان لا يصفو الحال إلا في أوقات متفرقة. لكني معذلك لا أقطع طمعي منها، فتدفعني عنها العوائق، وأعود إليها.ودمت على ذلك مقدار عشر سنين، وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمورلا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره؛ لينتفع به أني علمت يقينًا أنالصوفية هم السالكون لطريق الله - تعالى - خاصة، وأن سيرتهم أحسنالسير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقلالعقلاء، وحكم الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء؛ ليغيرواشيئًا من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلاً وإنجميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليسوراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به، وبالجملة فماذا يقول القائلونفي طريقة طهارتها، وهي أول شروطها تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى.ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة، استغراق القلب بالكلية بذكر الله.وآخرها الفناء بالكلية في الله.وهذا آخرها بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها،وهي على التحقيق أول الطريقة، وما قبل ذلك كالدهليز للسالك إليه، ومن أولالطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات، حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكةوأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتًا، ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال منمشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق، ولا يحاول معبر أنيعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح، لا يمكنه الاحتراز عنه، وعلى الجملةينتهي الأمر إلى قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول , وطائفة الاتحاد , وطائفةالوصول , وكل ذلك أخطاء وقد بينا وجه الخطأ فيه في كتاب المقصد الأقصى، بلالذي لابسته تلك الحالة لا ينبغي أن يزيد على أن يقول (شعر) :وكان ما كان مما لست أذكره ... فَظُنَّ خيرًا ولا تسأل عن الخبروبالجملة فمن لم يرزق منه شيئًا بالذوق، فليس يدرك من حقيقة النبوة إلاالاسم، وكرامات الأولياء على التحقيق بدايات الأنبياء، وكان ذلك أول حال رسولالله - عليه السلام - حين أقبل إلى جبل حراء حين كان يخلو فيه بربه ويتعبد، حتىقالت العرب: إن محمداً عشق ربه، وهذه حالة يتحققها بالذوق من يسلك سبيلها،فمن لم يرزق الذوق، فيتيقنها بالتجربة والتسامع إن أكثر معهم الصحبة، حتى يفهمذلك بقرائن الأحوال يقينًا، فمن جالسهم استفاد منهم هذا الإيمان، فهم القوم لا يشقىجليسهم، ومن لم يرزق صحبتهم، فيعلم إمكان ذلك يقينًا بشواهد البراهين على ماذكرناه في كتاب عجائب القلب من كتب إحياء علوم الدين، والتحقيق بالبرهان علموملابسة , عين تلك الحالة ذوق، والقبول من التسامع والتجربة بحسن الظن إيمانفهذه ثلاث درجات: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11) ، ووراء هؤلاء قوم جهال، هم المنكرون لأصل ذلك، المتعجبونمن هذا الكلام، يستمعون ويسخرون، ويقولون: العجب إنهم كيف يهذون، وفيهم قالالله تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَمَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (محمد:16) . اهـ المراد من كلامه.أقول: هذا ما رأينا أن نبين به كيفية نشأة هذا الإمام، وطلبه للعلم وتربيتهلنفسه، وإننا نحكي فيما يلي ذلك أثر هذا التعليم والتربية , وما استقر عليه رأيالرجل في العلم والدين.(لها بقية)((يتبع بمقال تالٍ))__________(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم بألفاظ مختلفة.(*) قال في الدرر المنتثرة: هو من كلام علي رضي الله عنه.(2) سنتكلم عن هذا النور في موضع آخر بما يزيده تألقا.(3) رواه الحاكم والبيهقي في الشعب، وابن مردويه من حديث ابن مسعود بلفظ آخر في أوله، وهو أنهم سألوه - صلى الله عليه وسلم - عند تلاوة الآية، كيف انشراح الصدر؟ فقال: (إذا دخل النور القلب انشرح له وانفسح) ، قالوا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ فقال: (الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور) ، وهو في الظاهر خلاف الآية فافهم.(4) رواه أحمد والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو، وعلم له في الجامع الصغير بالصحة وتتمته: (فمن أصابه ذلك النور يومئذٍ اهتدى، ومن أخطأه ضل) .(5) رواه الطبراني عن ابن عباس بسند ضعيف.(10/502)الصفحة السابقة   ||   الصفحة التاليةبداية الكتاب    ||   محرك البحث TwitterFacebookWhatsAppTelegramGoogle GmailEmailSMSPrint ...المزيد

وَصفُ الجَنَّةِ 2 • فوا عجبا لها كيف نام طالبها؟! وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها؟! وكيف طاب العيش في ...

وَصفُ الجَنَّةِ 2

• فوا عجبا لها كيف نام طالبها؟! وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها؟! وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟! وكيف قرّ للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها؟! وكيف قرّت دونها أعين المشتاقين؟! وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين؟! وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين؟! وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين؟!

- وإنْ سألتَ عن سَعَتِها: فأدنى أهلِها يسير في مُلكِه وسُرُرِه وقصورِه وبَساتينِه مسيرة ألفي عام

- وإنْ سألتَ عن خيامها وقبابِها: فالخيمة الواحدة مِن دُرَّة مُجوَّفة طُولُها ستون مِيلًا من تلك الخيام

- وإنْ سألتَ عن عَلاليها وجواسِقِها: فهي غُرَفٌ مِن فوقِها غُرَفٌ مَبنِيَّة تجري من تحتِها الأنهار

- وإنْ سألتَ عن ارتفاعِها: فانْظُر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار

- وإنْ سألتَ عن لِباس أهلِها: فهو الحرير والذهب

- وإنْ سألتَ عن فُرُشِها: فبَطائنُها من إستبرَق مفروشة في أعلى الرتَب

- وإنْ سألتَ عن أرائكِها: فهي الأسِرَّة عليها البَشخانات وهي الحجال مُزَرَّرة بأزرار الذهب فما لها من فروج ولا خِلال

- وإنْ سألتَ عن وُجوه أهلِها وحُسْنِهم: فعَلى صورة القمر

- وإنْ سألتَ عن أسنانِهم: فأبناءُ ثلاثة وثلاثين على صورة آدم - عليه السلام - أبي البَشَر

- وإنْ سألتَ عن سَماعِهم: فغِناءُ أزواجِهم من الحُور العِين وأعلى منه سَماعُ أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما سَماعُ خِطابِ ربِّ العالمين

- وإنْ سألتَ عن حُلِيِّهم وشارتِهم: فأساوِر الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التِّيجان

- وإنْ سألتَ عن غلمانِهم: فوِلْدانٌ مُخلَّدون، كأنهم لؤلؤٌ مكنون

- وإنْ سألتَ عن عرائِسِهم وأزواجِهم: فهُنَّ الكواعب الأتراب اللاتي جَرى في أعضائِهن ماءُ الشباب

- [حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح] لابن القيم - رحمه الله -

• إنفوغرافيك صحيفة النبأ العدد "458" الخميس 25 صفر 1446 هـ
...المزيد

جهادٌ في أوروبا! • شرعًا وواقعًا ويقينًا، لا توجد قوة بشرية في الأرض قادرة على منع المسلم من ...

جهادٌ في أوروبا!

• شرعًا وواقعًا ويقينًا، لا توجد قوة بشرية في الأرض قادرة على منع المسلم من ممارسة فريضة الجهاد وإرهاب الكافرين والثأر لإخوانه المسلمين، وقد رأينا كيف فعل "السكين" ومن قبله "الفأس" ومن قبله "الدهس" برعايا ألمانيا وغيرها من الدول الصليبية، وما زلنا ننتظر من أبناء الإسلام أنْ يكرروا ضرباتهم ويعمّقوها ويتقصدوا اليهود وكُنسهم وأحياءهم وحاناتهم بالقتل والحرق شفاء لصدور المؤمنين.

وختامًا وتحريضًا وإلهامًا، نلفت عناية شباب المسلمين الغيارى، بأنّ أكثر عمليات القتل رعبًا وأطولها مدةً في تاريخ أوروبا وأمريكا والتي أرهقت وكالات التحقيق الصليبية، كانت أدواتها سكينا أو مطرقة وربما أقل، وقد استغرق التحقيق فيها سنوات وتعاقب عليها أجيال من المحققين والضباط، فلتكن أنت أيها المسلم هذا الفاعل ولكن في سبيل الله جهادًا وقتالًا وإرهابًا لرعايا النصارى واليهود، وإرهاقًا لدوائرهم الحكومية وأجهزتهم الأمنية خصوصًا في أوروبا وأمريكا، كن أنت أيها المجاهد "رجل المطرقة" الذي يفتك بفرائسه ويهشّم جماجمهم دون أن يترك خلفه أي أثر يدل عليه، ليس حرصا على الحياة ولكن ليتسنى له تكرار العملية مرات ومرات حتى يرتوي من د.مهم، كن أنت ذلك البطل الذي يتمتع بخفة في قطع أوردة فرائسه بسكينه وتسكين حركتهم إلى الأبد بكل هدوء، ولا يُبقي خلفه في مسرح الهجوم سوى الموت والرعب زيادة، كن أنت ذلك البطل القادم، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}.

• مقتطف من إفتتاحية النبأ العدد "458"
بعنوان: جهادٌ في أوروبا!
الخميس 25 صفر 1446 هـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
25 شعبان 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً