أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا • إن الهوان والذل الذي أصاب المسلمين سببه هجرهم مصدر عزتهم ...

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا

• إن الهوان والذل الذي أصاب المسلمين سببه هجرهم مصدر عزتهم وهدايتهم، هجرهم كتاب ربهم، ليس هجر قراءته والترنم به وحفظه وتدشين الحلقات لذلك، بل هجر العمل به وتطبيقه هجر اليقين بوعده وما جاء به، هجر نقله من السطور والصدور إلى أرض الواقع، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قاتِلوهُم يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ بِأَيديكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنينَ﴾، فهو سبحانه لم يقل: هادنوهم! ولم يقل: سالموهم! بل قال: { قَاتِلُوهُم }، وعاتب الله المسلمين كثيرا بقوله: ﴿أَلا تُقاتِلونَ قَومًا نَكَثوا أَيمانَهُم وَهَمّوا بِإِخراجِ الرَّسولِ وَهُم بَدَءوكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخشَونَهُم فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخشَوهُ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾، وساءلهم أكثر من مرة: { وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَ ٰ⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا }

[ إفتتاحية النبأ - 461 ]
...المزيد

مَقَامَاتُ اليَقين • سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رَحمَهُ الله: عن قوله تعالى {حق ...

مَقَامَاتُ اليَقين

• سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية رَحمَهُ الله: عن قوله تعالى {حق اليقين} و {عين اليقين} و {علم اليقين} فما معنى كل مقام منها؟ وأي مقام أعلى؟ فأجاب:

للناس في هذه الأسماء مقالات معروفة

▪️ علم اليقين
ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنظر

▪️ عين اليقين
ما شاهده وعاينه بالبصر

▪️ حق اليقين
ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاعتبار

والناس فيما أخبروا به من أمر الآخرة على ثلاث درجات

▪️ إحداها:
العلم بذلك؛ لما أخبرتهم الرسل وما قام من الأدلة على وجود ذلك

▪️ الثانية: إذا عاينوا ما وعدوا به من الثواب والعقاب والجنة والنار

▪️ والثالثة: إذا باشروا ذلك؛ فدخل أهل الجنة الجنة؛ وذاقوا ما كانوا يوعدون، ودخل أهل النار النار وذاقوا ما كانوا يوعدون فَالنَّاسُ فِيمَا يُوجَدُ فِي الْقُلُوبِ وَفِيمَا يُوجَدُ خَارِجَ الْقُلُوبِ عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَاتِ الثَّلَاث

- [مجموع الفتاوى] لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-


▫️المصدر: إنفوغرافيك النبأ - مَقَامَاتُ اليَقين
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 465
الخميس 14 ربيع الآخر 1446 هـ
...المزيد

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض أمر الله -تعالى- عباده بالحفاظ على أنفسهم من كل ما يؤذيها ويَضر بها، ...

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض

أمر الله -تعالى- عباده بالحفاظ على أنفسهم من كل ما يؤذيها ويَضر بها، وحثهم على الطيبات وحرم عليهم الخبائث والأرجاس التي تضر بعقولهم أو أبدانهم، وأرسل نبيَّه بذلك المنهج الرباني المتكامل الذي شمل أمور الدين والدنيا، فزخرت السنة بأنواع من المنح الربانية التي تقي المسلم في بدنه وعقله، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، قال الطبري رحمه الله: "وقوله: ويُحل لهم الطيبات: وذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي. ويحرم عليهم الخبائث وذلك لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله".

الصحة نعمة مغبون فيها كثير من الناس
ومن عظيم ما أنعم الله به -سبحانه- على خلقه هو نعمة تمام الصحة التي لا يعرفها إلا من يفقدها، ولو فقدها لدفع كل ما يملك ليعالج نفسه ويسترجع صحته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد دلت السنة على نعمة الصحة فيما رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره من أهل السنن، وهو قوله، صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده، عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا)، وكذلك ما رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، قال ابن بطال -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث الجليل: "معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مَكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على ألا يُغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرّط في ذلك فهو المغبون".

- تحريم إتلاف النفوس:

ومن عجيب أمر بعض الناس أنهم يسعون لإتلاف صحتهم بما حرم الله -تعالى- من الموبقات والخبائث بأيديهم، مثل السجائر وغيرها من المسكرات التي تعطل العقل وتغيبه بنسب متفاوتة وتضر بالجسد ضررا عظيما، فتلك وغيرها من المحرمات هي قتل بطيء وإهلاك للبدن وقد نهى الله –تعالى- عن قتل النفس فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وهكذا جاءت الشريعة الغراء بصيانة الدين والنفس، ولأجل الدين ترخُص النفس بالجهاد في سبيل الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وأما ما عدا ذلك فلا يجوز للمسلم أن يُلحق الضرر ببدنه أو يفعل ما يضر بصحته مهما كانت الأسباب، وقد روى الحاكم في مستدركه عن جابر أن رجلا من قوم الطفيل بن عمرو الدوسي هاجر مع الطفيل فمرض الرجل، قال: فضجر فجاء إلى قرن فأخذ مشقصا فقطع رواجبه فمات، فرآه الطفيل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي إنا لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك، قال: فقصها الطفيل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم وليديه فاغفر، ورفع يديه)، فهذا الرجل لم يقصد قتل نفسه ولكنه فعل فعلا أدى إلى قتله، وغفر الله له بسبب هجرته كما هو ظاهر الحديث من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- له، وتأمل ما قيل له: إنَّا لا نصلح منك ما أفسدت، فهذا الجسد لا يُتلف إلا في مرضاة الله وطاعته لا بهوى النفس وملذاتها ودوافعها.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض أمر الله -تعالى- عباده بالحفاظ على أنفسهم من كل ما يؤذيها ويَضر بها، ...

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض

أمر الله -تعالى- عباده بالحفاظ على أنفسهم من كل ما يؤذيها ويَضر بها، وحثهم على الطيبات وحرم عليهم الخبائث والأرجاس التي تضر بعقولهم أو أبدانهم، وأرسل نبيَّه بذلك المنهج الرباني المتكامل الذي شمل أمور الدين والدنيا، فزخرت السنة بأنواع من المنح الربانية التي تقي المسلم في بدنه وعقله، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، قال الطبري رحمه الله: "وقوله: ويُحل لهم الطيبات: وذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي. ويحرم عليهم الخبائث وذلك لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله".

الصحة نعمة مغبون فيها كثير من الناس
ومن عظيم ما أنعم الله به -سبحانه- على خلقه هو نعمة تمام الصحة التي لا يعرفها إلا من يفقدها، ولو فقدها لدفع كل ما يملك ليعالج نفسه ويسترجع صحته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد دلت السنة على نعمة الصحة فيما رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره من أهل السنن، وهو قوله، صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده، عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا)، وكذلك ما رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، قال ابن بطال -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث الجليل: "معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مَكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على ألا يُغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرّط في ذلك فهو المغبون".

- تحريم إتلاف النفوس:

ومن عجيب أمر بعض الناس أنهم يسعون لإتلاف صحتهم بما حرم الله -تعالى- من الموبقات والخبائث بأيديهم، مثل السجائر وغيرها من المسكرات التي تعطل العقل وتغيبه بنسب متفاوتة وتضر بالجسد ضررا عظيما، فتلك وغيرها من المحرمات هي قتل بطيء وإهلاك للبدن وقد نهى الله –تعالى- عن قتل النفس فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وهكذا جاءت الشريعة الغراء بصيانة الدين والنفس، ولأجل الدين ترخُص النفس بالجهاد في سبيل الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وأما ما عدا ذلك فلا يجوز للمسلم أن يُلحق الضرر ببدنه أو يفعل ما يضر بصحته مهما كانت الأسباب، وقد روى الحاكم في مستدركه عن جابر أن رجلا من قوم الطفيل بن عمرو الدوسي هاجر مع الطفيل فمرض الرجل، قال: فضجر فجاء إلى قرن فأخذ مشقصا فقطع رواجبه فمات، فرآه الطفيل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي إنا لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك، قال: فقصها الطفيل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم وليديه فاغفر، ورفع يديه)، فهذا الرجل لم يقصد قتل نفسه ولكنه فعل فعلا أدى إلى قتله، وغفر الله له بسبب هجرته كما هو ظاهر الحديث من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- له، وتأمل ما قيل له: إنَّا لا نصلح منك ما أفسدت، فهذا الجسد لا يُتلف إلا في مرضاة الله وطاعته لا بهوى النفس وملذاتها ودوافعها.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

عِتْقُ الرِّقَابِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الحكم الجبري إلى نور ...

عِتْقُ الرِّقَابِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ

الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الحكم الجبري إلى نور خلافة على المنهاج النبوي، والحمد لله الذي أقر بالشريعة عيون الموحدين، وأغاظ رؤوس الكفر والمنافقين، والحمد لله الذي أحيى بالصادقين سننا مهجورة، لم تكن لتعود إلا بصوارم الطائفة المنصورة، والصلاة والسلام على صاحب السيرة المحمودة المشهورة، أما بعد:

فإنه لمّا كان السبي والاسترقاق، من الأمور المشروعة بدليل القرآن والسنة والاتفاق، شُرع في مقابل ذلك العتق، والعتق شرعا هو تحرير وتخليص رقبة مملوك -ذكرا كان أم أنثى- من الرق.

وهو من أعظم القربات وأجل الطاعات؛ قال الله عز وجل: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13]؛ قال الإمام الطبري، رحمه الله تعالى: "وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة؟

ثم بيَّن جلّ ثناؤه له ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ، وأسر العبودة". [جامع البيان].

- كفارة للذنوب:

وقد جعل الله -عز شأنه- العتق كفارة للقتل الخطأ فقال سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وكفارة للظِّهار فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وكفارة لمن حنث في يمينه فقال، عز من قائل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، كما جعل الله -تعالى- العتق كفارة لإتيان الزوجة في نهار رمضان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت. قال: (وما شأنك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (تستطيع تعتق رقبة؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟) قال: لا. قال: (اجلس) فجلس، فأُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر -والعرق: المِكْتل الضخم- قال: (خذ هذا فتصدق به) قال: أعلى أفقر منا؟ فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، قال: (أطعمه عيالك) [متفق عليه].

قال الإمام ابن قدامة، رحمه الله تعالى: "والعتق من أفضل القرب إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان، وجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فكاكاً لمعتقه من النار، ولأن فيه تخليصا للآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكنه من التصرف في نفسه ومنافعه، على حسب إرادته واختياره" [المغني].

- فضل من أعتق رقبة مسلمة:

وقد نُقل الإجماع على استحباب العتق والندب إليه، قال الإمام ابن هبيرة، رحمه الله تعالى: "اتفقوا على أن العتق من القرب المندوب إليها" [اختلاف الأئمة العلماء].

والسنة النبوية تزخر بالأحاديث المبينة لفضل العتق، الحاثة عليه المرغبة فيه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار، حتى فرجه بفرجه) [متفق عليه].

وعن أبي أمامة، وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أيما امرئ مسلم، أعتق امرأ مسلما، كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة، أعتقت امرأة مسلمة، كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوا منها) [أخرجه الترمذي].

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال: (لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة). فقال: يا رسول الله، أوليستا بواحدة؟ قال: (لا، إنّ عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من الخير) [أخرجه أحمد].

هذا وقد كان العتق من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ قال الماوردي، رحمه الله تعالى: "وأعتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمان، وشقران، وثوبان، وزيد بن حارثة، واشترى أبو بكر -رضي الله عنه- بلالاً وكان يُعذَّب على الإسلام فأعتقه لوجه الله تعالى، فقال فيه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: بلال سيدنا وعتيق سيدنا).
ثم قال، رحمه الله: (وقد أعتق عمر، وعثمان، وعلي -رضوان الله عليهم- عبيدا وإماء، وكذلك أهل الثروة من الصحابة -رضي الله عنهم- في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعده، فدل على فضل العتق) [الحاوي الكبير].

- ممّا تحبّون..:

وإنا في هذا المقام ندل أصحاب الرقاب من مالكين ومالكات على تجارة قد تنجيهم من النار، ألا وهي العتق بل وعتق أفضل ما يملكون، إذ إن أفضل الرقاب أغلاها بدليل حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (سألت النبي، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها) [متفق عليه]، والله -عز وجل- يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، نعم مما تحبون وتشتهون، لا مما تزهدون فيه وتزدرون، فكلما كانت الرقبة غالية على أهلها، ثمينة مرتفعا سعرها، كان أجر معتقها أعظم عند الله تعالى، لأنه بعتقها يكون قد آثر ما عند الله من أجر على ما في هذه الدنيا من خير.

إنها النار يا عباد الله وتالله إن عتق عضو واحد من أن تلفحه ريح جهنم أعظم من الدنيا وما فيها، فسارعوا إلى الخيرات قبل الممات والفوات، واعملوا ليوم يقول فيه المجرمون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].

كما ولا ينتظرن مؤمن فطن مجيء الموت حتى يعتق مملوكا أو مملوكة، كأن يُصاب مالكٌ بإصابة يوقن بهلاكه منها فيعتق حينها ما يملك، فإن ذلك وإن جاز بشروطه إلا أن أجره قليل مقارنة بمن يعتق رقبة وهو موفور الصحة والعافية؛ عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الذي يعتق عند الموت كالذي يهدي بعدما يشبع) [أخرجه النسائي والطبراني].

وأخيرا: ننبه إلى أن العتق المندوب إنما يكون لمن حسن إسلامه، وغلب على الظن ثباته على الدين، أمَّا من خُشي عليه الفتنة، والرجوع إلى دار الكفر، فلا يُشرع عتقُه في الشريعة، بل يحرم سدا للذريعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


- المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

عِتْقُ الرِّقَابِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الحكم الجبري إلى نور ...

عِتْقُ الرِّقَابِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ
الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الحكم الجبري إلى نور خلافة على المنهاج النبوي، والحمد لله الذي أقر بالشريعة عيون الموحدين، وأغاظ رؤوس الكفر والمنافقين، والحمد لله الذي أحيى بالصادقين سننا مهجورة، لم تكن لتعود إلا بصوارم الطائفة المنصورة، والصلاة والسلام على صاحب السيرة المحمودة المشهورة، أما بعد:
فإنه لمّا كان السبي والاسترقاق، من الأمور المشروعة بدليل القرآن والسنة والاتفاق، شُرع في مقابل ذلك العتق، والعتق شرعا هو تحرير وتخليص رقبة مملوك -ذكرا كان أم أنثى- من الرق.
وهو من أعظم القربات وأجل الطاعات؛ قال الله عز وجل: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13]؛ قال الإمام الطبري، رحمه الله تعالى: "وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة؟
ثم بيَّن جلّ ثناؤه له ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ، وأسر العبودة". [جامع البيان].
- كفارة للذنوب:
وقد جعل الله -عز شأنه- العتق كفارة للقتل الخطأ فقال سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وكفارة للظِّهار فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وكفارة لمن حنث في يمينه فقال، عز من قائل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، كما جعل الله -تعالى- العتق كفارة لإتيان الزوجة في نهار رمضان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت. قال: (وما شأنك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (تستطيع تعتق رقبة؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟) قال: لا. قال: (اجلس) فجلس، فأُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر -والعرق: المِكْتل الضخم- قال: (خذ هذا فتصدق به) قال: أعلى أفقر منا؟ فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، قال: (أطعمه عيالك) [متفق عليه].

قال الإمام ابن قدامة، رحمه الله تعالى: "والعتق من أفضل القرب إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان، وجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فكاكاً لمعتقه من النار، ولأن فيه تخليصا للآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكنه من التصرف في نفسه ومنافعه، على حسب إرادته واختياره" [المغني].
- فضل من أعتق رقبة مسلمة:
وقد نُقل الإجماع على استحباب العتق والندب إليه، قال الإمام ابن هبيرة، رحمه الله تعالى: "اتفقوا على أن العتق من القرب المندوب إليها" [اختلاف الأئمة العلماء].
والسنة النبوية تزخر بالأحاديث المبينة لفضل العتق، الحاثة عليه المرغبة فيه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار، حتى فرجه بفرجه) [متفق عليه].
وعن أبي أمامة، وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أيما امرئ مسلم، أعتق امرأ مسلما، كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة، أعتقت امرأة مسلمة، كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوا منها) [أخرجه الترمذي].
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال: (لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة). فقال: يا رسول الله، أوليستا بواحدة؟ قال: (لا، إنّ عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من الخير) [أخرجه أحمد].
هذا وقد كان العتق من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ قال الماوردي، رحمه الله تعالى: "وأعتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمان، وشقران، وثوبان، وزيد بن حارثة، واشترى أبو بكر -رضي الله عنه- بلالاً وكان يُعذَّب على الإسلام فأعتقه لوجه الله تعالى، فقال فيه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: بلال سيدنا وعتيق سيدنا).
ثم قال، رحمه الله: (وقد أعتق عمر، وعثمان، وعلي -رضوان الله عليهم- عبيدا وإماء، وكذلك أهل الثروة من الصحابة -رضي الله عنهم- في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعده، فدل على فضل العتق) [الحاوي الكبير].
- ممّا تحبّون..:
وإنا في هذا المقام ندل أصحاب الرقاب من مالكين ومالكات على تجارة قد تنجيهم من النار، ألا وهي العتق بل وعتق أفضل ما يملكون، إذ إن أفضل الرقاب أغلاها بدليل حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (سألت النبي، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها) [متفق عليه]، والله -عز وجل- يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، نعم مما تحبون وتشتهون، لا مما تزهدون فيه وتزدرون، فكلما كانت الرقبة غالية على أهلها، ثمينة مرتفعا سعرها، كان أجر معتقها أعظم عند الله تعالى، لأنه بعتقها يكون قد آثر ما عند الله من أجر على ما في هذه الدنيا من خير.

إنها النار يا عباد الله وتالله إن عتق عضو واحد من أن تلفحه ريح جهنم أعظم من الدنيا وما فيها، فسارعوا إلى الخيرات قبل الممات والفوات، واعملوا ليوم يقول فيه المجرمون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].
كما ولا ينتظرن مؤمن فطن مجيء الموت حتى يعتق مملوكا أو مملوكة، كأن يُصاب مالكٌ بإصابة يوقن بهلاكه منها فيعتق حينها ما يملك، فإن ذلك وإن جاز بشروطه إلا أن أجره قليل مقارنة بمن يعتق رقبة وهو موفور الصحة والعافية؛ عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الذي يعتق عند الموت كالذي يهدي بعدما يشبع) [أخرجه النسائي والطبراني].
وأخيرا: ننبه إلى أن العتق المندوب إنما يكون لمن حسن إسلامه، وغلب على الظن ثباته على الدين، أمَّا من خُشي عليه الفتنة، والرجوع إلى دار الكفر، فلا يُشرع عتقُه في الشريعة، بل يحرم سدا للذريعة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


- المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

المتحاكمون إلى الطواغيت قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله ...

المتحاكمون إلى الطواغيت

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 60 - 62]:
"إن من عرف أن لا إله إلا الله فلا بد من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موارد النزاع فقد كذب في شهادته.

ولما كان التوحيد مبنيا على الشهادتين إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى لتلازمهما وكان ما تقدم من هذا الكتاب [يعني كتاب التوحيد لجده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله] في معنى شهادة أن لا إله إلا الله التي تتضمن حق الله على عباده، نبه في هذا الباب على معنى شهادة أن محمدا رسول الله التي تتضمن حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنها تتضمن أنه عبد لا يُعبد، ورسول صادق لا يكذب، بل يطاع ويتبع، لأنه المبلِّغ عن الله تعالى، فله -عليه الصلاة والسلام- منصب الرسالة والتبليغ عن الله، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، إذ هو لا يحكم إلا بحكم الله، ومحبته على النفس والأهل والمال والوطن، وليس له من الإلهية شيء، بل هو عبد الله ورسوله، كما قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].

ومن لوازم ذلك متابعته وتحكيمه في موارد النزاع، وترك التحاكم إلى غيره، كالمنافقين الذي يدَّعون الإيمان به ويتحاكمون إلى غيره، وبهذا يتحقق العبد بكمال التوحيد وكمال المتابعة، وذلك هو كمال سعادته، وهو معنى الشهادتين، إذا تبين هذا فمعنى الآية المترجم لها: إن الله -تبارك وتعالى- أنكر على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر المصنف في سبب نزولها: قال ابن القيم: "والطاغوت كل من تعدى به حده، من الطغيان، وهو مجاوزة الحد"، فكل ما تحاكم إليه متنازعان غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو طاغوت، اذ قد تعدى به حده، ومن هذا كل من عبد شيئا دون الله، فإنما عبد الطاغوت وجاوز بمعبوده حده، فأعطاه العبادة التي لا تنبغي له، كما أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت، وتأمل تصديره -سبحانه- الآية، منكرا لهذا التحكيم على من زعم أنه قد آمن بما أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى من قبله، ثم هو مع ذلك يدعو إلى تحكيم غير الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويتحاكم إليه عند النزاع، وفي ضمن قوله {يَزْعُمُونَ}، نفي لما زعموه من الإيمان، ولهذا لم يقل: ألم تر إلى الذين آمنوا، فإنهم لو كانوا من أهل الإيمان حقيقة لم يريدوا أن يتحاكموا الى غير الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فيهم {يَزْعُمُونَ} فإن هذا إنما يقال -غالبا- لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب أو مُنزَّل منزلة الكاذب، لمخالفته لمُوجِبها وعمله بما ينافيها، قال ابن كثير: "والآية ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ههنا، وقوله تعالى: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت، وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان، مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم اليه، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله، وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}، أي: لأن إرادة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الشيطان، وهو إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وفي الآية دليل على أن ترك التحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما سوى الكتاب والسنة: من الفرائض، وأن المتحاكم إليه غير مؤمن، بل ولا مسلم.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}، أي إذا دعوا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله والى الرسول أعرضوا إعراضا مستكبرين، كما قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48]، قال ابن القيم: "هذا دليل على أن من دُعي الى تحكيم الكتاب والسنة فلم يقبل وأبى ذلك أنه من المنافقين، و{يَصُدُّونَ} هنا لازم لا متعد، هو بمعنى يُعرضون، لا بمعنى يمنعون غيرهم، ولهذا أتى مصدره على صدود، ومصدر المتعدي صدا"، فإذا كان المعرض عن ذلك قد حكم الله -سبحانه- بنفاقهم، فكيف بمن ازداد إلى إعراضه منعَ الناس من تحكيم الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما، بقوله وعمله وتصانيفه، ثم يزعم مع ذلك أنه إنما أراد الإحسان والتوفيق؛ الإحسان في فعله ذلك والتوفيق بين الطاغوت الذي حكَّمه وبين الكتاب والسنة؟
قلت: وهذا حال كثير ممن يدعي العلم والإيمان في هذه الأزمان، إذا قيل لهم تعالوا نتحاكم الى ما أنزل الله والى الرسول {رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: 5]، ويعتذرون أنهم لا يعرفون ذلك ولا يعقلون، {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].

وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، قال ابن كثير: "أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في المصائب بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك"، وقال ابن القيم: "قيل المصيبة فضيحتهم، إذا أُنزل القرآن بحالهم ولا ريب أن هذا أعظم المصيبة والإضرار، فالمصائب التي تصيبهم بما قدمت أيديهم في أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعظمها مصائب القلب والدين، فيُرى المعروف منكرا، والهدى ضلالا، والرشاد غيا، والحق باطلا، والصلاح فسادا، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قبله، وهو الطبع الذي أوجبه مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحكيم غيره، قال سفيان الثوري: في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، قال: هي أن تطبع على قلوبهم".

وقوله تعالى: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، قال ابن كثير: "أي: يعتذرون ويحلفون إن أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة".

وقال غيره: "{إِلَّا إِحْسَانًا}، أي: لا إساءة، و{وَتَوْفِيقًا} أي: بين الخصمين، ولم نرد مخالفة لك، ولا تسخطا لحكمك"". [من كتاب: تيسير العزيز الحميد، باختصار]


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

المتحاكمون إلى الطواغيت قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله ...

المتحاكمون إلى الطواغيت

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 60 - 62]:
"إن من عرف أن لا إله إلا الله فلا بد من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موارد النزاع فقد كذب في شهادته.

ولما كان التوحيد مبنيا على الشهادتين إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى لتلازمهما وكان ما تقدم من هذا الكتاب [يعني كتاب التوحيد لجده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله] في معنى شهادة أن لا إله إلا الله التي تتضمن حق الله على عباده، نبه في هذا الباب على معنى شهادة أن محمدا رسول الله التي تتضمن حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنها تتضمن أنه عبد لا يُعبد، ورسول صادق لا يكذب، بل يطاع ويتبع، لأنه المبلِّغ عن الله تعالى، فله -عليه الصلاة والسلام- منصب الرسالة والتبليغ عن الله، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، إذ هو لا يحكم إلا بحكم الله، ومحبته على النفس والأهل والمال والوطن، وليس له من الإلهية شيء، بل هو عبد الله ورسوله، كما قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].

ومن لوازم ذلك متابعته وتحكيمه في موارد النزاع، وترك التحاكم إلى غيره، كالمنافقين الذي يدَّعون الإيمان به ويتحاكمون إلى غيره، وبهذا يتحقق العبد بكمال التوحيد وكمال المتابعة، وذلك هو كمال سعادته، وهو معنى الشهادتين، إذا تبين هذا فمعنى الآية المترجم لها: إن الله -تبارك وتعالى- أنكر على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر المصنف في سبب نزولها: قال ابن القيم: "والطاغوت كل من تعدى به حده، من الطغيان، وهو مجاوزة الحد"، فكل ما تحاكم إليه متنازعان غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو طاغوت، اذ قد تعدى به حده، ومن هذا كل من عبد شيئا دون الله، فإنما عبد الطاغوت وجاوز بمعبوده حده، فأعطاه العبادة التي لا تنبغي له، كما أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت، وتأمل تصديره -سبحانه- الآية، منكرا لهذا التحكيم على من زعم أنه قد آمن بما أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى من قبله، ثم هو مع ذلك يدعو إلى تحكيم غير الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويتحاكم إليه عند النزاع، وفي ضمن قوله {يَزْعُمُونَ}، نفي لما زعموه من الإيمان، ولهذا لم يقل: ألم تر إلى الذين آمنوا، فإنهم لو كانوا من أهل الإيمان حقيقة لم يريدوا أن يتحاكموا الى غير الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فيهم {يَزْعُمُونَ} فإن هذا إنما يقال -غالبا- لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب أو مُنزَّل منزلة الكاذب، لمخالفته لمُوجِبها وعمله بما ينافيها، قال ابن كثير: "والآية ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ههنا، وقوله تعالى: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت، وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان، مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم اليه، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله، وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}، أي: لأن إرادة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الشيطان، وهو إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وفي الآية دليل على أن ترك التحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما سوى الكتاب والسنة: من الفرائض، وأن المتحاكم إليه غير مؤمن، بل ولا مسلم.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}، أي إذا دعوا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله والى الرسول أعرضوا إعراضا مستكبرين، كما قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48]، قال ابن القيم: "هذا دليل على أن من دُعي الى تحكيم الكتاب والسنة فلم يقبل وأبى ذلك أنه من المنافقين، و{يَصُدُّونَ} هنا لازم لا متعد، هو بمعنى يُعرضون، لا بمعنى يمنعون غيرهم، ولهذا أتى مصدره على صدود، ومصدر المتعدي صدا"، فإذا كان المعرض عن ذلك قد حكم الله -سبحانه- بنفاقهم، فكيف بمن ازداد إلى إعراضه منعَ الناس من تحكيم الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما، بقوله وعمله وتصانيفه، ثم يزعم مع ذلك أنه إنما أراد الإحسان والتوفيق؛ الإحسان في فعله ذلك والتوفيق بين الطاغوت الذي حكَّمه وبين الكتاب والسنة؟
قلت: وهذا حال كثير ممن يدعي العلم والإيمان في هذه الأزمان، إذا قيل لهم تعالوا نتحاكم الى ما أنزل الله والى الرسول {رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: 5]، ويعتذرون أنهم لا يعرفون ذلك ولا يعقلون، {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].

وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، قال ابن كثير: "أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في المصائب بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك"، وقال ابن القيم: "قيل المصيبة فضيحتهم، إذا أُنزل القرآن بحالهم ولا ريب أن هذا أعظم المصيبة والإضرار، فالمصائب التي تصيبهم بما قدمت أيديهم في أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعظمها مصائب القلب والدين، فيُرى المعروف منكرا، والهدى ضلالا، والرشاد غيا، والحق باطلا، والصلاح فسادا، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قبله، وهو الطبع الذي أوجبه مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحكيم غيره، قال سفيان الثوري: في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، قال: هي أن تطبع على قلوبهم".

وقوله تعالى: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، قال ابن كثير: "أي: يعتذرون ويحلفون إن أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة".

وقال غيره: "{إِلَّا إِحْسَانًا}، أي: لا إساءة، و{وَتَوْفِيقًا} أي: بين الخصمين، ولم نرد مخالفة لك، ولا تسخطا لحكمك"". [من كتاب: تيسير العزيز الحميد، باختصار]


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة - دين ملفق في خدمة منهج ضال: ومنذ ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

- دين ملفق في خدمة منهج ضال:

ومنذ بداية ظهور فرقة الشيعة وحتى ما نراه اليوم من شرك طوائفهم المختلفة وكفرها، غيّر علماء السوء الذين يتبعونهم دين الإسلام الذي زعموا أول الأمر أنهم حريصون على حفظه ووقايته من الانحراف الذي ادعوا وجوده، وأضافوا عليه الكثير من أديان أهل الكتاب والوثنيين، وأنكروا منه كل ما لا يوافق هواهم ومنهجهم، وكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، من الآثار ما ملؤوا به المجلدات وخدعوا به السذج الأغرار، وحتى القرآن الكريم لم يسلم من كفرهم وتشكيكهم، فزعموا أن فيه زيادة ونقصانا، لما وجدوا أن آياته تعارض ما يزعمون من الدين.

ولعزل منهجهم عن منهج أهل السنة والجماعة بالكلية، طفقوا يدورون على الفرق المنحرفة، والأديان الباطلة، ليختاروا من كلٍّ منها ما يمكن أن ينبني على أصولهم الفاسدة من العقائد والأحكام، حتى لفقوا لأنفسهم دين الرفض الذي يخالف دين الإسلام بالكلية.

ومن يرجع لتاريخ فرق الشيعة يجد أنها ما زالت منذ عهدها الأول مستمرة في العمل لإقامة ما يزعمون أنه الدولة الإسلامية، وإدخال الناس في دينهم الباطل الذي يزعمون أنه الدين الذي نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وورث تبليغه للناس أئمتهم الغائبون، ولا يعلم إلا الله -تعالى- عدد من قُتل من أتباع ملتهم ومن المسلمين في سبيل غاياتهم تلك في حروبهم التي لم تتوقف ضد المسلمين خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

فهكذا نشأ دين الرفض كلّه من أصل فاسد ونظرية فاسدة في الإصلاح، رأوها ضرورية لتحقيق العدل الذي يزعمون السعي إليه، والإصلاح الذي يكذبون في ادعاء طلبه، أخذها بعض الشيعة الأوائل من دين اليهود، أو أدخلها في أذهانهم يهودي كابن سبأ، باعتقادهم وصاية علي بن أبي طالب على الدين من بعد انقطاع الوحي، كما كان يوشع بن نون وصيا على بني إسرائيل من بعد موسى، عليه السلام، وتطوّرت هذه الفكرة على مدى القرون الطويلة، وما جرى فيها من صراعات بين فرق الشيعة وأعدائهم، ومن نزاعات بين فرق الشيعة أنفسهم، ومن تبديل وتغيير في دينهم على أيدي علماء السوء المشرعين لهم من دون الله، حتى تكوَّن من كل ذلك هذا المزيج النجس من العقائد الذي نراه اليوم عند فرق الشيعة المختلفة.

- تنظيمات وفصائل على خطى الرافضة:

فهذا التطور البعيد الأمد لدين الرافضة يقدّم لنا نموذجا حيا لما يمكن أن تصل إليه الدعوات إلى إقامة الدولة الإسلامية إن سلكت سبلا تنحرف عن الصراط المستقيم، وجعلت من تلك السبل واجبا حتميا على الناس سلوكه لإقامة الدين، فكانت نهايتهم أن بدَّلوا الدين ليتوافق مع تلك السبل التي ابتدعوها.

وهذا ما نجد كثيرا من الدعوات تسير عليه اليوم في طريقها المزعوم لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، فالانحرافات التي بدأت في أول الطريق لم تلبث أن انجلت اليوم عن ابتعادٍ كبيرٍ عن منهاج النبوة، بل ومحاربة لهذا المنهاج الذي رضيه الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
وسنسعى -بإذن الله- فيما يأتي من حلقات هذه السلسلة إلى ضرب أمثلة أكثر لتوضيح هذه الفكرة، وصولا إلى بيان مآلات سبل الضالين، مقارنة مع منهاج النبوة الذي تسير عليه الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله تعالى.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة - دين ملفق في خدمة منهج ضال: ومنذ ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

- دين ملفق في خدمة منهج ضال:

ومنذ بداية ظهور فرقة الشيعة وحتى ما نراه اليوم من شرك طوائفهم المختلفة وكفرها، غيّر علماء السوء الذين يتبعونهم دين الإسلام الذي زعموا أول الأمر أنهم حريصون على حفظه ووقايته من الانحراف الذي ادعوا وجوده، وأضافوا عليه الكثير من أديان أهل الكتاب والوثنيين، وأنكروا منه كل ما لا يوافق هواهم ومنهجهم، وكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، من الآثار ما ملؤوا به المجلدات وخدعوا به السذج الأغرار، وحتى القرآن الكريم لم يسلم من كفرهم وتشكيكهم، فزعموا أن فيه زيادة ونقصانا، لما وجدوا أن آياته تعارض ما يزعمون من الدين.

ولعزل منهجهم عن منهج أهل السنة والجماعة بالكلية، طفقوا يدورون على الفرق المنحرفة، والأديان الباطلة، ليختاروا من كلٍّ منها ما يمكن أن ينبني على أصولهم الفاسدة من العقائد والأحكام، حتى لفقوا لأنفسهم دين الرفض الذي يخالف دين الإسلام بالكلية.

ومن يرجع لتاريخ فرق الشيعة يجد أنها ما زالت منذ عهدها الأول مستمرة في العمل لإقامة ما يزعمون أنه الدولة الإسلامية، وإدخال الناس في دينهم الباطل الذي يزعمون أنه الدين الذي نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وورث تبليغه للناس أئمتهم الغائبون، ولا يعلم إلا الله -تعالى- عدد من قُتل من أتباع ملتهم ومن المسلمين في سبيل غاياتهم تلك في حروبهم التي لم تتوقف ضد المسلمين خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

فهكذا نشأ دين الرفض كلّه من أصل فاسد ونظرية فاسدة في الإصلاح، رأوها ضرورية لتحقيق العدل الذي يزعمون السعي إليه، والإصلاح الذي يكذبون في ادعاء طلبه، أخذها بعض الشيعة الأوائل من دين اليهود، أو أدخلها في أذهانهم يهودي كابن سبأ، باعتقادهم وصاية علي بن أبي طالب على الدين من بعد انقطاع الوحي، كما كان يوشع بن نون وصيا على بني إسرائيل من بعد موسى، عليه السلام، وتطوّرت هذه الفكرة على مدى القرون الطويلة، وما جرى فيها من صراعات بين فرق الشيعة وأعدائهم، ومن نزاعات بين فرق الشيعة أنفسهم، ومن تبديل وتغيير في دينهم على أيدي علماء السوء المشرعين لهم من دون الله، حتى تكوَّن من كل ذلك هذا المزيج النجس من العقائد الذي نراه اليوم عند فرق الشيعة المختلفة.

- تنظيمات وفصائل على خطى الرافضة:

فهذا التطور البعيد الأمد لدين الرافضة يقدّم لنا نموذجا حيا لما يمكن أن تصل إليه الدعوات إلى إقامة الدولة الإسلامية إن سلكت سبلا تنحرف عن الصراط المستقيم، وجعلت من تلك السبل واجبا حتميا على الناس سلوكه لإقامة الدين، فكانت نهايتهم أن بدَّلوا الدين ليتوافق مع تلك السبل التي ابتدعوها.

وهذا ما نجد كثيرا من الدعوات تسير عليه اليوم في طريقها المزعوم لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، فالانحرافات التي بدأت في أول الطريق لم تلبث أن انجلت اليوم عن ابتعادٍ كبيرٍ عن منهاج النبوة، بل ومحاربة لهذا المنهاج الذي رضيه الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
وسنسعى -بإذن الله- فيما يأتي من حلقات هذه السلسلة إلى ضرب أمثلة أكثر لتوضيح هذه الفكرة، وصولا إلى بيان مآلات سبل الضالين، مقارنة مع منهاج النبوة الذي تسير عليه الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله تعالى.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة لإقامة الدين، وتحقيق العدل بين الناس الذي فرضه الله -تعالى- على خلقه، وجعل تحكيم شريعته شرطا له، وبغياب هذا الدين، وبتحكيم غير شريعة الله -سبحانه- يطغى الكفر، ويسود الظلم، ولعلاج ذلك يلجأ الناس إلى مسالك شتى، فمنهم من يرى أن إقامة الدين إضافة إلى كونها واجبا شرعيا، فإنها تتضمن تحقيق العدل، وهم المسلمون لرب العالمين، ومنهم من يسعى لإقامة كل ما يحسبه عدلا بأي طريق كانت، ولأسباب دنيوية محضة، وهم المفسدون من دعاة الإصلاح في كل ملّة ودين باطل.

إذ يتساوى البشر جلهم برغبتهم في إقامة العدل داخل المجتمعات التي يحيون فيها، ويرون في ذلك وسيلة لتجنيبهم ظلم الآخرين لهم، وفتح المجال أمامهم ليحيوا حياتهم الدنيوية بأمان أكبر، وسعادة أكثر، ولذلك نرى كثرة ما كتبه الفلاسفة والمتكلمون من الجاهليين في مسائل الحكم، لكونه وسيلة لإقامة العدل، وسعادة البشر، وظهرت مصطلحات كثيرة تحوم حول "الحكم العادل" و"المدينة الفاضلة" التي يحلم الناس بوجودها والعيش فيها، وقد قام عدد لا يحصى من الثورات والحروب في الأمم المختلفة لتحقيق هذه الغايات.
فبإغفال الناس للمنهج الذي بيّنه لهم خالقهم -جلّ وعلا- لتحقيق العدل فيما بينهم، وتحصيل السعادة في الدارين، لا يلبثون أن يختلفوا فيما بينهم، وأن يظهر فيهم الأئمة المضلون الذين يزعم كل منهم أنه وحده من يعرف الطريق لتحقيق العدل، وأنه وحزبه هم الوحيدون الذين بإمكانهم إقامته في الأرض، وعندما تتصارع رؤاهم حول العدل الذي يزعمون مع رؤى غيرهم ومصالحهم، لا يبقى إلا السلاح حكما بينهم، إذ لا أصل متفق عليه بينهم يرجعون إليه لحسم التنازع.

- قالوا إنّما نحن مصلحون:

وعلى هذا يسير الكثيرون ممن يزعمون اتّباع أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- ممن ترك السنة وسار على طريق الهوى والبدعة، فضلَّ عن الصراط المستقيم، واتبع كلٌّ منهم سبيلا من السبل، عليه شيطان يدعو إلى النار، وكلٌّ منهم يدّعي أنه وريث علم النبوة، وحامي حمى الشريعة، وكلٌّ منهم يؤمل أتباعه بأنه سيعيد الدين إلى ما كان عليه في حياة أنبيائهم، بل وسيحقق لهم ما لم يتحقق لأولئك الأنبياء من الظفر والتمكين، وتحكيم الكتاب وإقامة الدين، وفي المحصلة ظهرت فيهم الفرق المتعددة؛ ففي النصارى إحدى وسبعون فرقة، وفي اليهود ثنتان وسبعون، ليتبعهم من يزعمون الانتساب إلى أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فينقسموا بدورهم إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها على ضلالة إلا فرقة تسير على منهاج النبوة، على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام.

ومن يرجع إلى تاريخ كثير من تلك الفرق يجد أن مبدأ الانحراف في مناهج كثير منها، الذي قادها إلى الخروج عن الدين بالكلية إنما هو مناداتهم بالعودة إلى منهاج النبوة مع بنائهم دعاواهم على أصول فاسدة، وسعيهم في إقامة دولة تختلف كثيرا عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما برحوا يزداد بهم الانحراف، ويبتعد بهم سبيلهم عن الصراط المستقيم، وهم يزيدون على دينهم وينقصون بما يخدم منهجهم الضال، حتى باتت أديانهم المختلفة شيئا مختلفا عن دين الإسلام الذي خرجوا بادئ الأمر يطلبون إعادته لما كان عليه السلف الأول.

- الرافضة.. تاريخ طويل من الضلال:

فالرافضة -إن صدق عدُّهم من أولى الفرق ظهورا- هم استمرار للانحراف الذي بدأ عند بعض الناس بتعصبهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادهم أنه لن يعيد الدين إلى ما كان عليه قبل انقطاع الوحي، ولن يحفظه إلى يوم القيامة إلا رجال من آل النبي وذريته، فظهرت في الشيعة عقيدة الوصاية على الدين التي حصروها بعلي، رضي الله عليه، وخرجوا بكذبةٍ مفادها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نصّ عليه خليفة من بعده، وأظهروا بدعة تفضيله على الصحابة وخاصة الشيخين، ثم تطوّر بهم الأمر إلى الغلو في علي بل إلى تأليهه في حياته وبعد موته، وأصبحت مسألة إمامة أهل البيت أصلا في دينهم، فلا يرون طريقا لإصلاح الدين إلا أن تكون إمامة الدين لواحد من أبناء فاطمة، رضي الله عنها.

وهذا الاتجاه البدعي في الإصلاح المزعوم -الذي ألزموا به أنفسهم- ذهب بهم في كل مرة يموت فيها إمامهم المنصوب إلى القول برجعته، أو إنكار موته، بل ووصل بهم الأمر إلى أن ينسبوا لأحد أئمتهم ابنا لم يكن له، وذلك لما وصلت سلسلة الإمامة التي تنتقل حلقاتها من الآباء إلى الأبناء إلى طريق مسدود، عندما انعدمت سلالة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، فخرجوا بكذبة الإمام الثاني عشر الذي أسموه (محمد المهدي بن الحسن العسكري)، ليواروا سوءة ضلالهم في مسألة الوصاية، بأن خلت الأرض من وصي يحقق شروطهم النَسبيّة والشرعية، واخترعوا قصة غيبته في سرداب سامراء إلى آخر الزمان ليستمر منهجهم البدعي الشركي الضال، زاعمين ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
لقراءة المقال، تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة لإقامة الدين، وتحقيق العدل بين الناس الذي فرضه الله -تعالى- على خلقه، وجعل تحكيم شريعته شرطا له، وبغياب هذا الدين، وبتحكيم غير شريعة الله -سبحانه- يطغى الكفر، ويسود الظلم، ولعلاج ذلك يلجأ الناس إلى مسالك شتى، فمنهم من يرى أن إقامة الدين إضافة إلى كونها واجبا شرعيا، فإنها تتضمن تحقيق العدل، وهم المسلمون لرب العالمين، ومنهم من يسعى لإقامة كل ما يحسبه عدلا بأي طريق كانت، ولأسباب دنيوية محضة، وهم المفسدون من دعاة الإصلاح في كل ملّة ودين باطل.

إذ يتساوى البشر جلهم برغبتهم في إقامة العدل داخل المجتمعات التي يحيون فيها، ويرون في ذلك وسيلة لتجنيبهم ظلم الآخرين لهم، وفتح المجال أمامهم ليحيوا حياتهم الدنيوية بأمان أكبر، وسعادة أكثر، ولذلك نرى كثرة ما كتبه الفلاسفة والمتكلمون من الجاهليين في مسائل الحكم، لكونه وسيلة لإقامة العدل، وسعادة البشر، وظهرت مصطلحات كثيرة تحوم حول "الحكم العادل" و"المدينة الفاضلة" التي يحلم الناس بوجودها والعيش فيها، وقد قام عدد لا يحصى من الثورات والحروب في الأمم المختلفة لتحقيق هذه الغايات.
فبإغفال الناس للمنهج الذي بيّنه لهم خالقهم -جلّ وعلا- لتحقيق العدل فيما بينهم، وتحصيل السعادة في الدارين، لا يلبثون أن يختلفوا فيما بينهم، وأن يظهر فيهم الأئمة المضلون الذين يزعم كل منهم أنه وحده من يعرف الطريق لتحقيق العدل، وأنه وحزبه هم الوحيدون الذين بإمكانهم إقامته في الأرض، وعندما تتصارع رؤاهم حول العدل الذي يزعمون مع رؤى غيرهم ومصالحهم، لا يبقى إلا السلاح حكما بينهم، إذ لا أصل متفق عليه بينهم يرجعون إليه لحسم التنازع.

- قالوا إنّما نحن مصلحون:

وعلى هذا يسير الكثيرون ممن يزعمون اتّباع أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- ممن ترك السنة وسار على طريق الهوى والبدعة، فضلَّ عن الصراط المستقيم، واتبع كلٌّ منهم سبيلا من السبل، عليه شيطان يدعو إلى النار، وكلٌّ منهم يدّعي أنه وريث علم النبوة، وحامي حمى الشريعة، وكلٌّ منهم يؤمل أتباعه بأنه سيعيد الدين إلى ما كان عليه في حياة أنبيائهم، بل وسيحقق لهم ما لم يتحقق لأولئك الأنبياء من الظفر والتمكين، وتحكيم الكتاب وإقامة الدين، وفي المحصلة ظهرت فيهم الفرق المتعددة؛ ففي النصارى إحدى وسبعون فرقة، وفي اليهود ثنتان وسبعون، ليتبعهم من يزعمون الانتساب إلى أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فينقسموا بدورهم إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها على ضلالة إلا فرقة تسير على منهاج النبوة، على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام.

ومن يرجع إلى تاريخ كثير من تلك الفرق يجد أن مبدأ الانحراف في مناهج كثير منها، الذي قادها إلى الخروج عن الدين بالكلية إنما هو مناداتهم بالعودة إلى منهاج النبوة مع بنائهم دعاواهم على أصول فاسدة، وسعيهم في إقامة دولة تختلف كثيرا عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما برحوا يزداد بهم الانحراف، ويبتعد بهم سبيلهم عن الصراط المستقيم، وهم يزيدون على دينهم وينقصون بما يخدم منهجهم الضال، حتى باتت أديانهم المختلفة شيئا مختلفا عن دين الإسلام الذي خرجوا بادئ الأمر يطلبون إعادته لما كان عليه السلف الأول.

- الرافضة.. تاريخ طويل من الضلال:

فالرافضة -إن صدق عدُّهم من أولى الفرق ظهورا- هم استمرار للانحراف الذي بدأ عند بعض الناس بتعصبهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادهم أنه لن يعيد الدين إلى ما كان عليه قبل انقطاع الوحي، ولن يحفظه إلى يوم القيامة إلا رجال من آل النبي وذريته، فظهرت في الشيعة عقيدة الوصاية على الدين التي حصروها بعلي، رضي الله عليه، وخرجوا بكذبةٍ مفادها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نصّ عليه خليفة من بعده، وأظهروا بدعة تفضيله على الصحابة وخاصة الشيخين، ثم تطوّر بهم الأمر إلى الغلو في علي بل إلى تأليهه في حياته وبعد موته، وأصبحت مسألة إمامة أهل البيت أصلا في دينهم، فلا يرون طريقا لإصلاح الدين إلا أن تكون إمامة الدين لواحد من أبناء فاطمة، رضي الله عنها.

وهذا الاتجاه البدعي في الإصلاح المزعوم -الذي ألزموا به أنفسهم- ذهب بهم في كل مرة يموت فيها إمامهم المنصوب إلى القول برجعته، أو إنكار موته، بل ووصل بهم الأمر إلى أن ينسبوا لأحد أئمتهم ابنا لم يكن له، وذلك لما وصلت سلسلة الإمامة التي تنتقل حلقاتها من الآباء إلى الأبناء إلى طريق مسدود، عندما انعدمت سلالة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، فخرجوا بكذبة الإمام الثاني عشر الذي أسموه (محمد المهدي بن الحسن العسكري)، ليواروا سوءة ضلالهم في مسألة الوصاية، بأن خلت الأرض من وصي يحقق شروطهم النَسبيّة والشرعية، واخترعوا قصة غيبته في سرداب سامراء إلى آخر الزمان ليستمر منهجهم البدعي الشركي الضال، زاعمين ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
لقراءة المقال، تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
8 رجب 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً