سوريا الحرة وسوريا الأسد! • هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه ...

سوريا الحرة وسوريا الأسد!

• هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه الفصائل في "سوريا الحرة؟" إن قلتَ الشريعة، فأنتَ لا تعرف الثورة! أو لا تعرف الشريعة! وإن قلت "مجلس انتقالي" و "دستور وطني"، فمع من كانت مشكلة "الثوار" إذن؟ مع عائلة الأسد؟! في السياسة البغيضة لا يمكن فهم الأحداث خارج نطاقها الزماني والمكاني، والتصعيد الأخير من قبل الصحوات، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الزماني بعد "اتفاق لبنان" وتولد رغبة دولية بإخراج إيران من المشهد السوري، وكذلك بعد تعثر الحوار السياسي بين الأسد وأتاتورغان، ما دفع الأخير إلى مخاطبة الأسد وحلفائه من خلف لثام الفصائل وبياناتهم السياسية، وعبر فوّهات بنادقهم المأجورة.

كما لا يمكن فهم هذا التصعيد بمعزل عن سياقه المكاني ممثلا بالشمال السوري الذي تريد تركيا اقتطاع جزء منه منطقة عازلة تحمي حدودها وتمكنها من إعادة النازحين إليها.

معلوم أن "التحالف الدولي" الذي تديره أمريكا، تشارك فيه تركيا كبيدق رئيس، وتدير بدورها بيادق أصغر، تتنافس فيما بينها في كسب رضا الراعي الدولي أو المشغل الإقليمي، ويحاول كل بيدق أن يقدّم نفسه فاتحا "محررا" للسوريين، وسياسيا "متحررا" للداعمين.

إنها حرب بالوكالة بين "البيادق التركية" التي تحرك تركيا بعضها، وتغض الطرف عن بعضها، وبين "الأذرع الإيرانية" لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولة "أستانا" أو "الدوحة" أو أي طاولة ترسم خارطة "سوريا المستقبل".

"سوريا المستقبل" أو "الحرة" التي تسعى الصحوات إليها، سبق أن جلاها قادة الدولة الإسلامية في خطاباتهم قبل سنوات طويلة، واليوم تظهر معالمها الجاهلية واضحة في بيانات الهيئات المرتدة التي طغت عليها لغة الطمأنة
للنظام الدولي، و "التعايش" مع "الأقليات" الوثنية والباطنية كالعلوية والإسماعيلية والإيزيدية!، ناهيك عن النصرانية، بل ذهبت هيئات الردة أبعد من ذلك عندما خاطبت روسيا الصليبية بصفتها "شريكا محتملا في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة!" وخاطبت الحكومة العراقية الرافضية بلغة "التفاهم والتعاون الأخوي!".

إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى.

بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم

ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها.

ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين).


◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472
الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
...المزيد

جرائم تركيا • أيها الموحدون.. لقد دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم فاستعينوا بالله ...

جرائم تركيا

• أيها الموحدون.. لقد دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم فاستعينوا بالله واغزوها واجعلوا أمنها فزعا ورخاءها هلعا ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة.

من كلمة صوتية بعنوان: {هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} لأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله

* حكومة علمانية كافرة

• فتح معبر لدعم الــ𝑃𝐾𝐾 المرتدين في كوباني

• اعتقال المجاهدين وتسليمهم لحكومات الطواغيت

• عضو في حلف الناتو

• فتح قاعدة إنجرليك للتحالف الصليبي

• دعم البيشمركة المرتدين

• دعم الحكومة الرافضية في العراق

• قصف المسلمين في حلب

• دعم الحملة الصليبية على العراق والشام

• دعم الحملة الصليبية على خراسان

إنفوغرافيك النبأ ربيع الأول 1438 هـ
...المزيد

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/١٢/٢🌃 من التوفيق التفرقة بين أعمال البر المتكررة كسنن الصلوات والرواتب والصدقات ...

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/١٢/٢🌃
من التوفيق التفرقة بين أعمال البر المتكررة كسنن الصلوات والرواتب والصدقات مثلا وأعمال البر النادرة كعشر ذي الحجة وصيام عرفة وعاشوراء وصلاة العيدين وخطبتيه' والخسوف والخسوف وعشر رمضان؛ والأضحية؛ فهذه عبادات بعضها قد ياتيك في العام مرة واحدة او مرتين
🔻 🔻 🔻
فالعمل الذي لا ياتي عليك في السنة إلا مرة أو مرتين من الحرمان تركه بحجة أنه سنة وليس بواجب؛ بل ينبغي اغتنامه وجعله في صحيفتك واعتباره كنزا وقعت عليه تورده صحائف الآخرة
🔻 🔻 🔻
قسم الله تعالى عباده لثلاثة اقسام ظالم نفسه ومقتصد وسابق للخيرات؛ وهذا الثالث قسم حافظ على الفرائض وأكثر من النوافل؛ فانظر كيف ختم الله تعالى الاية بمدحه وحده ذالك "هو الفضل الكبير"
https://t.me/azzadden
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [4/4] التحريض على أخذ أموال الكفار وجهادهم بها لما ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)

[4/4]
التحريض على أخذ أموال الكفار وجهادهم بها
لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كانت الغنائم مصدر رزقه، وهي أفضل الرزق، فالمال الذي يؤخذ من الكفار بالقوة أكثر طهراً ونقاء مما يُحصَّل بغير ذلك، قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69].

قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: "والراجح أن أحلَّها الكسب الذي جُعل منه رزق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو كسب الغانمين وما أبيح لهم على لسان الشارع، وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره، وأثني على أهله ما لم يُثن على غيرهم؛ ولهذا اختاره الله لخير خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقول: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبَد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري)، وهو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله، وجعل أحب شيء إلى الله، فلا يقاومه كسب غيره، والله أعلم" [زاد المعاد].

وبعض الناس اليوم قد لا يعجبهم استنزاف أموال الكفار بالقوة ويظنون أن الأموال التي يحصلون عليها مقابل الأعمال الأخرى أحل وأطهر، وهذا غير صحيح، فأطيب الحلال بنص القرآن هو الغنيمة، وهذه الأموال خلقها الله لبني آدم ليستعينوا بها على طاعته وعبادته، فمن استعان بها على الكفر بالله والشرك به سلَّط الله عليه المسلمين، فانتزعوها منه وأعادوها إلى من هم أولى بها، وهم أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته، ولهذا سمي الفيء فيئاً لرجوعه إلى من كان أحق به ولأجله خُلق.

ويجب على كل موحد أن يوسع دائرة جهاده، فحرب المال والاقتصاد من أكبر ميادين الجهاد كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في كثير من غزواته حيث أخذ أموال الكفار وأتلف ممتلكاتهم التي يعتمدون عليها في محاربته، ولا شك أن الكفار اليوم يحركون جيوشهم وطاقاتهم بأموالهم، فيجب على الموحدين أن يجدوا ويبتكروا أساليب لإضعاف اقتصاد الكفار وسلب أموالهم أو إتلافها، وينبغي على المسلمين، وخاصة الذين يعيشون في ديار الكفار ولا يجدون طريقا للهجرة أن يفعلوا فعل الصحابي أبي بصير -رضي الله عنه- بمشركي مكة، ولا شك أن استهلاك أموال الكفار له تأثير كبير على حربنا اليوم معهم.

وكذلك التخريب العام لديارهم، يضعف شوكة العدو ويضر اقتصاده. قال أبو يوسف: "ولا بأس بإحراق حصونهم بالنار، وإغراقها بالماء، وتخريبها وهدمها عليهم، ونصب المنجنيق عليها؛ لقوله تبارك وتعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 69]، ولأن كل ذلك من باب القتال؛ لما فيه من قهر العدو وكبتهم وغيظهم، ولأن حرمة الأموال لحرمة أربابها، ولا حرمة لأنفسهم حتى يقتلوا، فكيف لأموالهم؟" [بدائع الصنائع].

وكذلك فإن هذه الأموال قد تنفع الجهاد إن هي استعملت في سبيل الله، فيأخذ الموحد من الكافر الحربي لتمويل هجرة المسلمين إلى ولايات الخلافة، أو لتمويل من يجاهد الكفار، وكم من مسلم أخَّر هجرته مضطراً للعمل عند الكافرين حتى يكسب المال الكافي لهجرته، والله المستعان، وهكذا يستعمل الموحد المجاهد أموال الكفار لشراء الأسلحة والمعدات اللازمة للقيام بالصولات والعمليات الجهادية في عقر دار العدو.

فيا أيها الموحد في ديار الكافرين كن مثل أبي جندل، رضي الله عنه، ولا تتردد في أخذ أموال الكفار الحربيِّين إما بالغلبة والقهر وإما بالاختلاس والاحتيال، وتأمل قول الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في المسلم الذي دخل دار الحرب: "وكذلك لو سرق أنفسهم أو أولادهم أو قهرهم بوجه من الوجوه، فإن نفوس الكفار المحاربين وأموالهم مباحة للمسلمين فإذا استولوا عليها بطريق مشروع ملكوها" [مجموع الفتاوى]، وهذا فيما يَخص خطف أطفالهم فما بالك بسلب أموالهم.

ولا تنس أن حربهم على الدولة الإسلامية قائمة على المال فأخلص نيتك وتوكل على الله ولا تشاور أحدا في سلب أموالهم، امض على بركة الله، فإن الاحتطاب من أموال الكفار يضعفهم ويهدد أمنهم وأمن اقتصادهم، ويقوي المؤمنين، ويجرئهم، ويُعدُّهم لما هو أكبر من الاحتطاب، وهذا من أوجه الجهاد المهجورة في هذا الزمان، إلا عند ثلة من الصادقين وقليل ما هم.

نسأل الله أن يفتح لعباده المجاهدين ويشفي صدور الموحدين، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [3/4] • التأشيرة والإذن بدخول دار الحرب لا يعصِمان ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)

[3/4]
• التأشيرة والإذن بدخول دار الحرب لا يعصِمان دماء وأموال الكفار

إن الأصل في دماء أهل الحرب وأموالهم الحل وعدم العصمة، فإذا تنازعنا في صورة ما هل هي أمان أم لا، وتكافأت الأدلة أو تقاربت، نرجع إلى الأصل القاضي بحل دماء وأموال الكفار، إلا إن وجد دليل يدعم مانعا معتبراً، لأن الإجماع يقين، والاختلاف شك، فلا يُرفع اليقين بالشك؛ والتأمين مانع مشكوك فيه، والشك في المانع لا يلغي الحكم الثابت بالسبب المعلوم، ولا شك أنه تجوز مخادعة الكفار في الحرب، ويكون ذلك بالكذب وبالألفاظ المحتملة غير الصريحة.

والخلاصة: أن المال إذا زالت عصمته بكفر المالك مثل مال الحربي جاز الاستيلاء عليه بكل الطرق الممكنة، وهذا لا خلاف فيه في الأصل إلا أن يؤمَّن عليه، ويجوز للمسلم أن يحتال في اختلاس الأموال من الكفار في ديارهم.

ولم يثبت بدليل شرعي ولا عرفي أن التأشيرة عهد أو أمان للكفار على دمائهم أو أموالهم، بل هي إذن بدخول الدار، والإذن بالدخول لا يعد أمانا لأهل الدار، وأن الإذن للدخول من طرف لا يصير أماناً من الطرف الآخر.

قال ابن أبي زيد القيرواني: "وإن ذكروا للملك إسلامهم فقال أنتم آمنون، ولم يؤمِّنوه هم ولا قالوا له شيئاً، ولا فشا هذا بالبلد حتى يعرف أهل البلد أنهم في أمان، فلهؤلاء أن يقتلوا ويأخذوا ما شاؤوا، وكذلك لو قال لهم: أمنتكم فالحقوا بأرض الإسلام، فلم يقولوا له شيئاً، فلهم أيضاً ما أمكنهم من قتل أو غيره ويخرجون من بلد الحرب... وقال بعض أهل العراق: وإن دخل مسلم أرض الحرب بلا أمان فقال: أنا منكم، أو قال: جئت أقاتل معكم، فتركوه فله أن يأخذ من أموالهم، فيأخذ ما أمكنه ويقتل من أمكنه، وليس الذي قال بأمان منه لهم" [النوادر والزيادات].

ومن دخل دار الحرب بأوراق مزورة أو صحيحة تُثبت ديانته ومعلوماته الشخصية، جاز له الفتك بهم وأخذ مالهم إن تيسر له ذلك، لأن هذا ليس بأمان ولا في معنى التأمين، فقد انتسب عمرو بن أمية إلى قبيلة بني بكر وقدَّم لأحد المشركين معلومات مضللة خدعه بها، حتى ظن أنه مشرك واطمأن له، فلما نام قتله، وهي كما في [تاريخ الطبري]: "وأقبلتُ أمشي، حتى إذا أشرفتُ على الغليل، غليل ضجنان، دخلتُ غاراً فيه، ومعي قوسي وأسهمي، فبينا أنا فيه إذ دخل عليَّ رجل من بني الديل بن بكر، أعور طويل يسوق غنما له، فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من بني بكر، قال: وأنا من بني بكر، ثم أحد بني الديل ثم اضطجع معي فيه، فرفع عقيرته يتغنى ويقول:
ولست بمسلم ما دمت حيا
ولست أدين دين المسلمينا

فقلت: سوف تعلم! فلم يلبث الأعرابي أن نام وغط، فقمت إليه فقتلته أسوأ قتلة قتلها أحدٌ أحداً، قمت إليه فجعلت سِيَة قوسي في عينه الصحيحة، ثم تحاملت عليها حتى أخرجتها من قفاه".

فالوثائق المزورة إن كانت تثبت أن حاملها من أهل تلك الديار فلا يعدُّ ذلك أمانا للكفار، لا عرفاً ولا شرعاً.

وإن كانت الوثائق تثبت أنه من غير أهل الدار لكنه مأذون بالدخول على مقتضى الوثائق المزورة فلا يعد هذا تأميناً منه لهم، فإنه من خدع الحرب، وليس بأشد من صنع الصحابي محمد بن مسلمة وحزبه، بل إن زوجة كعب بن الأشرف حذرته وقالت إنها تسمع صوتا يقطر دما فأجابها كما عند البخاري: "إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة"، ورضيعي أي أخي من الرضاعة، ولم تكن هذه المكانة منه أمانا له، ويشبه ذلك الانتساب إلى دار الحرب أو إلى قوم كفار أو اللجوء إلى دارهم أو المبيت عندهم، فلا يعد تأمينا من جهة المسلم لمن في تلك الدول الكافرة، والمبيت مع من يراد اغتيالهم لا يعد تأميناً كما فعل الصحابي عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله [باب: قتل المشرك النائم]، وأخرج في هذا الباب حديثا عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رهطا من الأنصار إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم".

فدخول المجاهد عن طريق اللجوء إلى دار الحرب هو مثيل فعل الصحابة، ما لم يتضمن الإقرار بشروط كفرية.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [2/4] عقد الأمان لا خلاف في أن دار الحرب دار ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)

[2/4]
عقد الأمان
لا خلاف في أن دار الحرب دار إباحة، وأن دماء أهل الحرب وأموالهم غير معصومة، وأن عقد الذمة أو الأمان هو ما يمنع سفكها، وأما المعاهَدون الذين بينهم وبين المسلمين عهد من أمان أو هدنة، فمتى تحققت شروط تلك العهود وجب الوفاء بها، وهذا إجماع لا خلاف فيه.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من قتل مُعاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما) [رواه البخاري].

وأمان المسلم للكافر مُلزم للمسلمين أن يكفُّوا أيديهم عنه كما في الحديث المتفق عليه أن علياً -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ذِمَّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل).

وكذلك ما جاء عن علي -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ألا لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) [رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي].

قال ابن هشام: "وحدثني أبو عبيدة، أن أبا العاص بن الربيع لما قدم من الشام ومعه أموال المشركين، قيل له: هل لك أن تُسلم وتأخذ هذه الأموال، فإنها أموال المشركين؟ فقال أبو العاص: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي" [سيرة ابن هشام].
وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أنه كان قد صحب قوماً في الجاهلية، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام أقبلُ، وأما المال فلستُ منه في شيء" [رواه البخاري].

قال الإمام ابن القيم، رحمه الله: "وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمغيرة: (أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء) دليل على أن مال المشرك المعاهَد معصوم، وأنه لا يُملك بل يرد عليه؛ فإن المُغيرة كان قد صحبهم على الأمان ثم غدر بهم وأخذ أموالهم، فلم يتعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- لأموالهم ولا ذبَّ عنها، ولا ضمنها لهم؛ لأن ذلك كان قبل إسلام المغيرة" [زاد المعاد في هدي خير العباد].

فمن أمَّن الكفار على أموالهم بألفاظ الأمان الصريحة فيجب عليه الوفاء لهم.

• لا ينعقد الأمان إلا بلفظ صريح
إن عقد الأمان للكفار لا ينعقد إلا بلفظ صريح غير محتمل، أما إذا كان اللفظ محتملا فلا أمان للكفار، وهذا هو فعل عبد الله بن أُنيس ومحمد بن مسلمة، رضي الله عنهما، فإن محمد بن مسلمة لم يؤمِّن كعب بن الأشرف بل أوهمه أنه كره العيش مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وخادعه بذلك، وقد استأذن من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقول شيئا، وأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ومما قال كما في صحيح البخاري: "إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك. قال [أي كعب بن الأشرف]: وأيضا والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه"، فقوله عنَّانا معناه أن الصحابة -رضي الله عنهم- بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحمل ما يلقون بعد البيعة، فهم يعلمون ما ينتظرهم من البلاء والجهد والعناء في سبيل الله، ولكنه خادعه بهذا اللفظ، وطلب منه حاجته لكي يطمئن إليه ثم يقتله.

وكذلك قول عبد الله بن أُنيس -رضي الله عنه- لخالد الهذلي: "بلغني أنك تجمع لهذا الرجل، فجئتك في ذاك" [رواه ابن خزيمة في صحيحه وأحمد في مسنده]، فكلامه محتمل، هل يقصد في "ذاك" نصرته أم قتله؟ وعلى هذا فالمخادعة بالأفعال والأقوال ثم القتل أو الاستيلاء على الأموال لا يعد غدراً، إذا لم تكن صريحة في التأمين.

فالتأمين تعاهد وتعاقد بين طرفين، بين المُؤَمِّن والمستأمِن بألفاظ واضحة صريحة، لا بأفعال وأقوال توهم المخاطب بالأمان.

والتأمين بالألفاظ الصريحة ليس فيه اختلاف بين الفقهاء، وأما الألفاظ غير الصريحة فقد اختُلف فيها، ومن العلماء من عد بعض الأفعال أو الأقوال من الأمان، ومنهم من لم يعدها منه، ولا غرابة أن تجد أحد علماء المسلمين يُدخل مسألة ما تحت خانة الغدر، بينما يُدرجها آخر في باب الخداع ومكائد الحرب.

وبالجملة: فإن المسائل الجزئية التي تدخل تحت الأمان غير الصريح لا يشملها ضابط معين متفق عليه، ولا يخفى أن إدخال الجزئيات تحت أصل معين هو من موارد الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، فلا ينبغي التعنُّت في ذلك.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (2) [1/4] تكلمنا -بفضل الله- في القسم الأول من هذه ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب
مسائل وأحكام (2)

[1/4]
تكلمنا -بفضل الله- في القسم الأول من هذه المقالة عن بعض أحكام الأموال التي تؤخذ من أهل الحرب، وبيّنّا حكم أموال الكفار المحاربين، وفرّقنا بين ما يؤخذ منها على وجه الفيء والغنيمة، وما يؤخذ منها على وجه التلصص والاحتيال، وذكرنا مذاهب الفقهاء في تخميس الأموال التي يحتطبها المسلمون من الكفار في دار الحرب.

ونتابع في هذا القسم -بإذن الله- الحديث في هذا الباب، لنتكلم في مسائل تخميس الغنيمة والفيء، ونبيّن حقيقة الأمان الذي يعطيه المسلم للكافر، ويمنعه من أخذ ماله، ونرد على شبهات أهل الضلال في هذا الباب، سائلين المولى -عز وجل- الهداية والسداد.

التقسيم فيما أُخذ من أهل الحرب:

الغنيمة:
قال الله تعالى: {واعلمُوا أنّما غنمتُم من شيءٍ فأنّ للّه خُمُسهُ وللرّسُول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كُنتُم آمنتُم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفُرقان يوم التقى الجمعان واللّهُ على كُلّ شيءٍ قديرٌ} [الأنفال: 41].
فالأخماس الأربعة من الغنيمة هي للمجاهدين الغانمين، والخمس المتبقي هو للأصناف المذكورة في آية الغنيمة في سورة الأنفال، وهذا الخمس المتبقي يقسم على خمسة أسهم، قال الإمام أحمد، رحمه الله: "خُمس الله والرسول واحدة، ولذي القربى سهم، وهم قرابة النبي، صلى الله عليه وسلم؛ وهم بنو هاشم وبنو المطلب، لم يقسمه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا فيهم، لليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم" [مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله بن أحمد].

مصرف سهم الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم
يُصرف سهم الله والرسول صلى الله عليه وسلم -على الأصح- في الخيل والسلاح ومصالح المسلمين، قال ابن قدامة: "إنما أضافه الله -تعالى- إلى نفسه وإلى رسوله، ليُعلم أن جهته جهة المصلحة، وأنه ليس بمختص بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيسقط بموته" [المغني].

الفيء:
بيّن الله -سبحانه وتعالى- المواضع التي يُصرف فيها الفيء في سورة الحشر: {ما أفاء اللّهُ على رسُوله من أهل القُرى فللّه وللرّسُول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل كي لا يكُون دُولةً بين الأغنياء منكُم وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُم عنهُ فانتهُوا واتّقُوا اللّه إنّ اللّه شديدُ العقاب * للفُقراء المُهاجرين الّذين أُخرجُوا من ديارهم وأموالهم يبتغُون فضلًا من اللّه ورضوانًا وينصُرُون اللّه ورسُولهُ أُولئك هُمُ الصّادقُون * والّذين تبوّءُوا الدّار والإيمان من قبلهم يُحبُّون من هاجر إليهم ولا يجدُون في صُدُورهم حاجةً ممّا أُوتُوا ويُؤثرُون على أنفُسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يُوق شُحّ نفسه فأُولئك هُمُ المُفلحُون * والّذين جاءُوا من بعدهم يقُولُون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقُونا بالإيمان ولا تجعل في قُلُوبنا غلًّا للّذين آمنُوا ربّنا إنّك رءُوفٌ رحيمٌ} [الحشر: 7 - 10].

واختلف أهل العلم هل يُخمّس الفيء أو لا يُخمّس، وسبب الخلاف هو أن الآية السابعة من سورة الحشر ذكرت الأصناف ذاتها التي ذكرها الله -تعالى- في آية الغنيمة في سورة الأنفال، فأخذ فريق بظاهر الآية مع العلم أن الله -تعالى- لم يذكر الخمس كما ذكره في آية الأنفال، وفريق ذهبوا إلى قول عمر -رضي الله عنه- لما قرأ قول الله -تعالى- في الآيات المذكورة أعلاه: "هذه استوعبت المسلمين"، فذكر هذه الأصناف على وجه الاستيعاب لا على وجه تخصيص هؤلاء المذكورين في الآية السابعة من سورة الحشر بخمس الفيء.
قال ابن قدامة: "وظاهر المذهب أنه لا يُخمّس، لقول الله تعالى: {وما أفاء اللّهُ على رسُوله منهُم فما أوجفتُم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ} [الحشر: 6]... الآيات. فجعله كله لجميع المسلمين. قال عمر -رضي اللّه عنه- لما قرأها: هذه استوعبت المسلمين، ولئن عشت ليأتين الراعي -وهو بسرو حمير- نصيبُه منها لم يعرق فيها جبينه" [الكافي في فقه الإمام أحمد].

وذهب ابن قدامة إلى أن الفيء يُخمّس، فخمس الفيء لمن ذكر الله -تعالى- في آية الغنيمة في سورة الأنفال وآية الفيء في سورة الحشر، والأخماس الأربعة المتبقية من الفيء لجميع المسلمين على الترتيب الذي ذكره في كتاب الكافي فقال: "يبدأ فيه بالأهم فالأهم، وأهم المصالح كفاية أجناد المسلمين بأرزاقهم، وسد الثغور بمن فيه كفاية، وكفايتهم بأرزاقهم، وبناء ما يحتاج إلى بنائه منها، وحفر الخنادق، وشراء ما يحتاج إليه من الكراع والسلاح، ثم الأهم فالأهم من عمارة القناطر والطرق والمساجد، وكري الأنهار، وسد البثوق، وأرزاق القضاة، والأئمة، والمؤذنين، ومن يحتاج إليه المسلمون، وكل ما يعود نفعه إلى المسلمين، ثم ما فضل قسمه على المسلمين، لما ذكرنا من الآية، وقول عمر، رضي اللّه عنه" [الكافي في فقه الإمام أحمد].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

أدلة وجوب إقامة الإمامة العظمى الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار، والصلاة والسلام على نبيه ...

أدلة وجوب إقامة الإمامة العظمى

الحمد لله الذي يخلق ما يشاء ويختار، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القرار، أما بعد...

فقد تحدثنا في المقالات الماضية عن أهمية الإمامة العظمى لقيادة المسلمين وإصلاح دينهم ودنياهم، وفي هذه المقالة نتناول -إن شاء الله- الأدلة الشرعية الموجبة لإقامة الإمامة العظمى والخلافة الراشدة، المتمسكة بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في سياسة أمة الإسلام.

أولاً: الأدلة من القرآن الكريم

- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]. أخرج الطبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "[أولو الأمر] هم الأمراء"، ثم قال الطبري: أَوْلَى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: "هم الأمراء والولاة فيما كان لله طاعة وللمسلمين مصلحة"، وقال ابن كثير: "الظاهر -والله أعلم- أن الآية عامة في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء".

ووجه الاستدلال بهذه الآية هو أن الله -سبحانه- أوجب على المسلمين طاعة أولي الأمر منهم وهم الأئمة، والأمر بالطاعة دليل على وجوب نصب ولي الأمر، لأن الله -تعالى- لا يأمر بطاعة من لا وجود له، ولا يفرض طاعة من يُندَب وجوده، فالأمر بطاعته يقتضي الأمر بإيجاده، فدل على أن تنصيب إمام للمسلمين واجب عليهم.

- ومن الأدلة أيضاً قول الله -تعالى- مخاطباً الرسول، صلى الله عليه وسلم: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48]، وقوله –تعالى- في الآية التي تليها: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49].

فهذا الأمر من الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يحكم بين المسلمين بما أنزل الله أي بشرعه، والخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- خطاب لأمته ما لم يرد دليل على التخصيص، كما هو الحال هنا، فيكون خطابا للمسلمين جميعا بإقامة الحكم بما أنزل الله إلى يوم القيامة، ولا تكون إقامة الحكم والسلطان إلا بإقامة الإمامة، لأن ذلك من أعمالها ولا يمكن القيام به على الوجه الأكمل إلا عن طريقها، فتكون جميع الآيات الآمرة بالحكم بما أنزل الله دالة على وجوب نصب إمام يتولى ذلك.

- ومن الأدلة كذلك قول الله، تبارك وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].

فمهمة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- أن يقيموا العدل بين الناس وفقا لما أنزل في الكتاب، وأن ينصروا ذلك بالقوة، وهذا لا يحصل لأتباع الرسل إلا بتنصيب إمام يقيم فيهم العدل، وينظم جيوشهم الناصرة لدين الله، قال الإمام ابن تيمية، رحمه الله: "ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بتولية ولاة أمور عليهم، وأمر ولاة الأمور أن يردوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، وأمرهم بطاعة ولاة الأمور في طاعة الله تعالى" [مجموع الفتاوى].

- ومن أدلة القرآن أيضا آيات الحدود والقصاص وجمع الزكاة ونحوها من الأحكام التي هي في الأصل من أعمال الإمام ثم من ينوب عن الإمام، فجميع الآيات التي نزلت بتشريع الأحكام التي تتعلق بالإمامة وشؤونها دلت على أن قيام الإمامة الشرعية وقيام الدولة الإسلامية هي من أساسيات وضروريات الشريعة الإسلامية.


ثانياً: الأدلة من السنة

أ- الأدلة من السنة القولية:
جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تدل على وجوب نصب الإمام، ومنها:
1) ما رواه عبدُ الله بنُ عمرَ -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من خلع يداً من طاعةٍ لقي الله يوم القيامة ولا حُجَّة له، ومن مات وليس في عُنقه بيعةٌ مات مِيتَة جاهليَّة) [صحيح مسلم]، أي: طاعة الإمام والبيعة له، وهذا بيِّن الدلالة على وجوب نصب الإمام والسمع والطاعة له، لأنه إذا كانت البيعة واجبة في عنق المسلم، والبيعة لا تكون إلا لإمام، فنصب الإمام واجب، وكذلك الاستمرار في طاعته وعدم الخروج عليه وعدم نزع اليد من طاعته.

2) ومنها أيضا الحديث المشهور في السنن عن العرباض بن سارية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) [رواه أبو داود والترمذي].وقد تواتر عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم بايعوا أبا بكر -رضي الله عنه- بالخلافة بعد لحاق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى، ثم استخلف أبو بكر عمرَ، رضي الله عنهما، ثم جعل عُمَرُ أمر الخلافة في ستة هم خيار الصحابة فاختاروا من بينهم عثمانَ، رضي الله عنهم أجمعين، ثم بعد استشهاده بايعوا عليا -رضي الله عنه- بالخلافة، فهذه سنتهم -رضي الله عنهم- في الخلافة، وعدم التهاون في إقامتها، فوجب الاقتداء بهم في ذلك كما أمر النبي، صلى الله عليه وسلم.

وكذلك الأحاديث الدالة على وجوب طاعة الحكام فيما لا معصية فيه، وأحاديث البيعة والأمر بالوفاء بها للأول فالأول، وحرمة الخروج على أئمة المسلمين، والحث على ضرب عنق من جاء ينازع الإمام الحق،كل هذه الأحاديث تقتضي وجود الإمام المسلم، فدلّ ذلك على وجوب تنصيبه، بل وأنه لا صلاح لحياة المسلمين إلا بإمام شرعي لهم.

ب- سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الفعلية في إقامة الإمامة العظمى:

منذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- وآمن به من علم اللهُ فيهم الخير العظيم، كان صحبه الكرام يأتمرون بأمره ويطيعونه ليس في العبادات فحسب، بل كان هو مرجعهم في تنظيم أمور الدعوة والتعامل مع الكفار، وكل ما يستجد من أمور كالهجرة إلى الحبشة ثم المدينة، وكون مكة لم تكن دار تمكين فلم يكن معنى ذلك أن يعيش المسلمون بلا إمارة تدير ما استطاعت من أمور حياتهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين إماماً معلماً وأباً شفيقاً.

ولما هيأ الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- من ينصرون دينه من أهل المدينة ويمنعونه كما يمنعون أهليهم وأبناءهم، وبايعوه على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وكان للأنصار قوة ومنعة في دارهم، حينذاك هاجر إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقام حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين ودارهم على ساقه، واكتمل بناء دار الإسلام بالنبي الإمام -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الأبرار.

وبالإضافة إلى أدلة الكتاب والسنة، فإن إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على نصب الإمام، وحرصهم على ذلك وتقديمه على واجب دفن النبي عليه الصلاة والسلام بعد موته، واستمرارهم على هذا الإجماع، بنصبهم للإمام تلو الإمام، هو دليل أيضا على هذا الواجب المتعين على المسلمين.

ووجوب الإمامة شرعا من أكثر الأمور التي اتفق عليها علماء أهل السنة عبر العصور، ولم يخالف فيها إلا أهل البدع والضلال، الذين لا يعتد بمخالفتهم، والحمد لله رب العالمين.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 90 قصة شهيد: أبو أيمن العراقي رجل بأمة من ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 90
قصة شهيد:

أبو أيمن العراقي
رجل بأمة من الرجال
[4/4]
• في ولاية الخير

دخل مجاهدو الساحل وأميرهم الشيخ أبو أيمن العراقي في قتال الصحوات فور وصولهم إلى المنطقة الشرقية، ووقع على عاتقهم عبء مهاجمة الصحوات من جهة البادية الشامية، في حين تولى مجاهدو ولاية البركة والرقة والخير، جبهات القتال من جهة الجزيرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، فكانت غزواتهم المباركة على مناطق كباجب والشولة غرب مدينة الخير وغيرها من المناطق، التي كانت درتها غزوة البوكمال، التي كانت من أهم وأكبر عمليات الالتفاف في ذلك الحين.

إذ هاجم مجاهدو الدولة الإسلامية آخر نقطة في مؤخرة مناطق أعدائهم، التي تبعد عن جبهات القتال الرئيسية قرب مدينة الخير أكثر من 80 كم، ليضربوا جنود الصحوات داخل مدينة البوكمال في هجوم مفاجئ من جهة الصحراء، نجح خلاله المجاهدون في السيطرة على أجزاء واسعة من المدينة، وقُتل عدد كبير من الصحوات المرتدين، ثم الانحياز والعودة مرة ثانية إلى الصحراء، لتقليل الخسائر في صفوف المجاهدين، بعد أن استنفر المرتدون كل قواتهم في ولاية الخير لاستعادة ما خسروه في المدينة، فأجبرتهم الغزوة، رغم عدم تحقيقها الهدف الرئيسي لها والمتمثل في السيطرة على مدينة البوكمال، على حشد قوات كبيرة في مناطقهم المختلفة خوفا من هجمات مفاجئة جديدة من جهة الصحراء.

وفي هذه الأثناء فتح الله مدينة الموصل لعباده المجاهدين، وسقطت منطقة الحدود كلها، فاستغل جنود الدولة الإسلامية الفرصة مجددا لتنفيذ هجوم جديد على مدينة البوكمال قاد أبو أيمن العراقي أحد محاوره، لتفتح المدينة بفضل الله، وينتهي أمر الصحوات في ولاية الخير بين يوم وليلة، وكذلك أمر ربنا عز وجل، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.

وعُيِّن الشيخ أبو أيمن العراقي واليا على الخير، خلفا للشيخ أبي عمر الرفدان -تقبله الله- الذي انتدب للعمل في ولايات العراق، فكَرَّس جهده الجهيد على تنقية الولاية من فلول الصحوات المختبئين، ثم القضاء على فتنة المرتدين في منطقة الشعيطات شرق الولاية، الذين غدروا بجنود الدولة الإسلامية بعد أن طلبوا الصلح، ليستقر أمر ولاية الخير -بفضل الله- وتنقطع آمال الصحوات المرتدين بتعكير أجوائها، والتغرير بالناس للخروج على الدولة الإسلامية.

• نهاية الرحلة.. في الموصل

بعد شهور من إدارته لولاية الخير، جاء الأمر بنقله إلى ولاية شمال بغداد، فما كان منه إلا أن يسمع ويطيع لأمرائه، فانتقل إليها، ليجاهد على أرضها جنديا من جنود الدولة الإسلامية، فلم يطل به الزمن أن اختير أميرا لأحد قواطع العمل فيها، ثم أميرا عسكريا لكل جنود الخلافة فيها، ثم واليا على ولاية شمال بغداد، وبقي فيها حتى انحاز بجنوده منها إلى ولاية الفلوجة، ليصاب هناك بشظية من قذيفة هاون انفجرت على مقربة منه بينما كان يتفقد جنوده على جبهة القتال، ليعود إلى الموصل جريحا، حتى تماثل للشفاء بعد أشهر طويلة، ويعود إلى ساحات الجهاد من جديد، أميرا لاستخبارات ديوان الجند، حيث قُتل -تقبله الله- بغارة صليبيَّة استهدفته في مدينة الموصل، لتنتهي رحلة جهاده في المدينة التي بدأت فيها.

فتقبلك الله يا أبا أيمن، يا أمني الموصل، وأمير الساحل، وأسد البادية، والشهيد في سبيل الله، كما نحسبك والله حسيبك، ولا نزكي على الله أحدا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 90
الخميس 26 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
2 رجب 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً