الدولة الإسلامية - قصة شهيد:
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره الشهرة والسمعة، حتى أن عددا من الأعمال العسكرية ضد المرتدين لم يُعلم منفذها إلا بعد مقتله من مقربين منه في أرض الجهاد خارج ولاية سيناء، ولم يعرف المرتدون حتى الآن من نفذها.
هو الأخ الناصح والصديق المشفق والخِل الرقيق،المسارع في الخيرات، "أبو عبد الله الطبيب"، كان أكبر همه إرضاء الله تعالى.
قليل الطعام والكلام، كثير الذكر، بسيط الملبس متشبها بالسلف، إذ كان له ثوبان يغسل أحدهما ويلبس الآخر، وكان من أصحاب الإيثار، رحمه الله، فهو يُهدي أحب ما عنده لإخوانه ويرضى بالقليل، فلله دره وعلى الله أجره، وكنتَ إذا رأيته وسط إخوانه لا تعرف من الطبيب ومن الممرِّض، فهو تارة يعالج ويطبب، وتارة يذكِّر بالله -تعالى- ويحرض، يذكر إخوانه بأن يتعلقوا بالله -تعالى- فهو الذي بيده الشفاء، ولا يتعلقوا بالطبيب أو بالدواء، وتارة يجهز الطعام أو يرتب المكان أو يُطْعِمُ بعض إخوانه المرضى بنفسه، ولقد كان لوجوده وسط الجرحى أثر كبير في سرعة الشفاء بإذن الله، وكان يجهِّز الملصقات الدعوية ويضعها في أماكن تواجد المصابين أمام أعينهم ليجعلهم على ارتباط بالله طيلة الوقت.
وكان -تقبله الله- مجازاً برواية حفص عن عاصم، رحمهما الله، فكان يُعلّم إخوانه القرآن، ولقد انتدبه إخوانه ليكمل طلب العلم بالموازاة مع عمله فاجتهد في ذلك، ولقد كانت له أبحاث في بعض المسائل الخاصة بعمله، ولم يكن يحب الجدال، ويكره النزاع والشقاق ويحب الألفة والاتفاق في غير معصية الله تعالى.
وكان مثالاً للسمع والطاعة وفق الكتاب والسنة فبالرغم من حبه للقتال وحرصه عليه، إلا أنه لما تم تكليفه بأمر المرضى بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك، فكان أميراً لمركز الصحة وقتها، ومن مواقف سمعه وطاعته أن هناك طريقا تمنع فيها إضاءة النور للسيارات وكانت هذه الطريق جديدة عليه ولا يحفظ تضاريسها مثل باقي الإخوة، فامتثل للأمر، فانحرفت السيارة به لتطأ على حجر ضخم على جانب الطريق فهرع إليه بعض الإخوة لمساعدته وتعجبوا أن السيارة لم تنقلب ولم يمسه -بفضل الله- أذى، ففرح الإخوة بنجاته وبلطف الله به.
أما عن توفيق الله -تعالى- له في عمله، فقد كان شعاره ولسان حاله ومقاله قول الله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88]، فلقد قام هذا الأخ الطبيب بعمليات جراحية مع أنه ليس جراحاً، إلا أنه طبيب عنده معلومات عامة في غير تخصصه، ولكن ليست بالحرفية التي تؤهله لمثل هذه الجراحات التي لها من الخطورة ما لها أثناء تنفيذها وبعد تنفيذها، ولكننا كنا نرى بركات من الله -تعالى- تتنزل على المريض بالصبر وسرعة الشفاء وعلى الطبيب بالتوفيق والتسديد حتى أنه كان يتعجب من ذلك ويقول إنها بركة الجهاد في بلاد الشام.
فلقد أجرى عملية بتر ذراع من فوق المرفق، وبتر في رجل شخص كُسر فخذه وحوضه، وكذلك قام على عدد من الكسور منها كسور خطيرة تحتاج لتجهيزات كبيرة، ومعلوم خطورة هذه الحالات وكيفية متابعتها في بيئة ملوثة بعيدة عن التعقيم فقيرة لأقل التجهيزات، وكان -تقبله الله- كثيرا ما يُردد: "مجبر أخاك لا بطل"، ويقول: "لو تم إعمال المعايير الطبية على أعمالنا هذه ربما منعوني من مزاولة المهنة؛ فلقد خرقنا كل المحاذير الطبية وتعاملنا بعشوائية مجبرين مضطرين، ولكن الله على كل شىء قدير".
ومن الحالات اللطيفة التي وفق الله -تعالى- أخانا فيها أن أحد الإخوة أصيب في حادث سيارة مما جعله يضغط بأسنانه على لسانه وكاد أن ينقطع فذهب إليه لإسعافه، وكان يظن أن الأمر نزيف داخلي، فالدم يخرج من فمه وبعد أن فتح فم الأخ المصاب علم بأن في لسانه قطع كبير، فاللسان مُتدلٍّ ولم تبق إلا قطعة صغيرة جداً من اللحم تمسك اللسان ببعضه، فأخرج -تقبله الله- خيوطه بعد تفتيش دقيق لحقيبته بابتسامة علت على وجهه وبعد أن انتهى من الأمر، سأله الإخوة عن ابتسامته فقال: "إن اللسان يحتاج لخيط معين وبالأمس احتجت لمثله فلم أجده وفتشت في حقيبتي على أنني لن أجده لأنني بحثت كثيرا عليه بالأمس، ولكن عندما وجدته اليوم سررت كثيرا، وكأن الله -تعالى- أعماني عنه بالأمس حيث لم يكن ضرورياً ووجدته اليوم لضرورته فالحمد لله، ولم أقم بعمل غرز للسان من قبل وكنت خائفا من أن أتسبب بأذى للأخ، ولكن الله وفقني والحمد لله"، ولقد شُفي الأخ وأكل وشرب وتكلم في فترة وجيزة جداً ولله الفضل والمنة.
كان ناصحاً بضوابط السنة قليل الغضب إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى، صابراً محتسباً، يحب النصح.
ولقد كان شديد التأثير بإخوانه، فقد كانوا في حياته كالأبناء يحتمون بوالدهم ولا يحملون هماً، ويعتمدون على تواجده بينهم ويهرعون إليه إذا قابلتهم معضلة، وكان يربيهم ويزرع فيهم التوكل على الله، وإنكار الذات وإرجاع كل نجاح وتوفيق لله عز وجل وحده،فلما قُتل -تقبله الله- تحولوا إلى شعلة من النشاط وكأنهم كلهم أبو عبد الله، كان دمه نور ونار وما هو إلا قليل حتى اصطفاهم الله –تعالى- إثر قصف يهودي أثناء انحيازهم لأحد المناطق ببعض المصابين لعلاجهم.
أما عن مقتله -تقبله الله- فلقد قُتل في قصف يهودي وهو في زيارة طبية لإحدى السرايا المقاتلة، هو ومرافقه حيث باغتتهم الطائرات المسيَّرة اليهودية وظلت تحوم فوقهم واتبعها قصف للمقاتلات اليهودية للموقع، فتقبل الله إخواننا نحسبهم والله حسيبهم من الشهداء.
أما عن زوجته وابنه فقد نفروا من بعده، وكان فرحاً جداً بوصولهم إليه، وكان يتمنى تربية ولده في ديار الإسلام، وكان حريصاً على أن يمتد سلطان المجاهدين إلى كل ربوع الأرض لِيعم الخير البلاد والعباد.
وبقيت زوجه فترة لم تعلم بمقتله، فلما أخبرت به حمدت الله واسترجعت واستبشرت واحتسبته عند الله عز وجل، وقالت: "وهل كنا ننتظر غير ذلك؟"، وفرحت أنه نال ما تمنى، وكانت نيتها إكمال وصيته ببقائها في ديار الإسلام وتربية ولدها في كنف المجاهدين، وشاء الله -تعالى- أمراً آخر، إذ لم تنتصف عدة أختنا حتى جاء أمر الله، فقُتلت وولدها على يد اليهود، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، فلله درك يا أبا عبد الله وعلى الله أجرك.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
الدولة الإسلامية - قصة شهيد: أبو عبد الله الطبيب كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً ...
الدولة الإسلامية - قصة شهيد:
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره ...المزيد
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره ...المزيد
الدولة الإسلامية - قصة شهيد: أبو عبد الله الطبيب كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً إذا ...
الدولة الإسلامية - قصة شهيد:
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره الشهرة والسمعة، حتى أن عددا من الأعمال العسكرية ضد المرتدين لم يُعلم منفذها إلا بعد مقتله من مقربين منه في أرض الجهاد خارج ولاية سيناء، ولم يعرف المرتدون حتى الآن من نفذها.
هو الأخ الناصح والصديق المشفق والخِل الرقيق،المسارع في الخيرات، "أبو عبد الله الطبيب"، كان أكبر همه إرضاء الله تعالى.
قليل الطعام والكلام، كثير الذكر، بسيط الملبس متشبها بالسلف، إذ كان له ثوبان يغسل أحدهما ويلبس الآخر، وكان من أصحاب الإيثار، رحمه الله، فهو يُهدي أحب ما عنده لإخوانه ويرضى بالقليل، فلله دره وعلى الله أجره، وكنتَ إذا رأيته وسط إخوانه لا تعرف من الطبيب ومن الممرِّض، فهو تارة يعالج ويطبب، وتارة يذكِّر بالله -تعالى- ويحرض، يذكر إخوانه بأن يتعلقوا بالله -تعالى- فهو الذي بيده الشفاء، ولا يتعلقوا بالطبيب أو بالدواء، وتارة يجهز الطعام أو يرتب المكان أو يُطْعِمُ بعض إخوانه المرضى بنفسه، ولقد كان لوجوده وسط الجرحى أثر كبير في سرعة الشفاء بإذن الله، وكان يجهِّز الملصقات الدعوية ويضعها في أماكن تواجد المصابين أمام أعينهم ليجعلهم على ارتباط بالله طيلة الوقت.
وكان -تقبله الله- مجازاً برواية حفص عن عاصم، رحمهما الله، فكان يُعلّم إخوانه القرآن، ولقد انتدبه إخوانه ليكمل طلب العلم بالموازاة مع عمله فاجتهد في ذلك، ولقد كانت له أبحاث في بعض المسائل الخاصة بعمله، ولم يكن يحب الجدال، ويكره النزاع والشقاق ويحب الألفة والاتفاق في غير معصية الله تعالى.
وكان مثالاً للسمع والطاعة وفق الكتاب والسنة فبالرغم من حبه للقتال وحرصه عليه، إلا أنه لما تم تكليفه بأمر المرضى بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك، فكان أميراً لمركز الصحة وقتها، ومن مواقف سمعه وطاعته أن هناك طريقا تمنع فيها إضاءة النور للسيارات وكانت هذه الطريق جديدة عليه ولا يحفظ تضاريسها مثل باقي الإخوة، فامتثل للأمر، فانحرفت السيارة به لتطأ على حجر ضخم على جانب الطريق فهرع إليه بعض الإخوة لمساعدته وتعجبوا أن السيارة لم تنقلب ولم يمسه -بفضل الله- أذى، ففرح الإخوة بنجاته وبلطف الله به.
أما عن توفيق الله -تعالى- له في عمله، فقد كان شعاره ولسان حاله ومقاله قول الله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88]، فلقد قام هذا الأخ الطبيب بعمليات جراحية مع أنه ليس جراحاً، إلا أنه طبيب عنده معلومات عامة في غير تخصصه، ولكن ليست بالحرفية التي تؤهله لمثل هذه الجراحات التي لها من الخطورة ما لها أثناء تنفيذها وبعد تنفيذها، ولكننا كنا نرى بركات من الله -تعالى- تتنزل على المريض بالصبر وسرعة الشفاء وعلى الطبيب بالتوفيق والتسديد حتى أنه كان يتعجب من ذلك ويقول إنها بركة الجهاد في بلاد الشام.
فلقد أجرى عملية بتر ذراع من فوق المرفق، وبتر في رجل شخص كُسر فخذه وحوضه، وكذلك قام على عدد من الكسور منها كسور خطيرة تحتاج لتجهيزات كبيرة، ومعلوم خطورة هذه الحالات وكيفية متابعتها في بيئة ملوثة بعيدة عن التعقيم فقيرة لأقل التجهيزات، وكان -تقبله الله- كثيرا ما يُردد: "مجبر أخاك لا بطل"، ويقول: "لو تم إعمال المعايير الطبية على أعمالنا هذه ربما منعوني من مزاولة المهنة؛ فلقد خرقنا كل المحاذير الطبية وتعاملنا بعشوائية مجبرين مضطرين، ولكن الله على كل شىء قدير".
ومن الحالات اللطيفة التي وفق الله -تعالى- أخانا فيها أن أحد الإخوة أصيب في حادث سيارة مما جعله يضغط بأسنانه على لسانه وكاد أن ينقطع فذهب إليه لإسعافه، وكان يظن أن الأمر نزيف داخلي، فالدم يخرج من فمه وبعد أن فتح فم الأخ المصاب علم بأن في لسانه قطع كبير، فاللسان مُتدلٍّ ولم تبق إلا قطعة صغيرة جداً من اللحم تمسك اللسان ببعضه، فأخرج -تقبله الله- خيوطه بعد تفتيش دقيق لحقيبته بابتسامة علت على وجهه وبعد أن انتهى من الأمر، سأله الإخوة عن ابتسامته فقال: "إن اللسان يحتاج لخيط معين وبالأمس احتجت لمثله فلم أجده وفتشت في حقيبتي على أنني لن أجده لأنني بحثت كثيرا عليه بالأمس، ولكن عندما وجدته اليوم سررت كثيرا، وكأن الله -تعالى- أعماني عنه بالأمس حيث لم يكن ضرورياً ووجدته اليوم لضرورته فالحمد لله، ولم أقم بعمل غرز للسان من قبل وكنت خائفا من أن أتسبب بأذى للأخ، ولكن الله وفقني والحمد لله"، ولقد شُفي الأخ وأكل وشرب وتكلم في فترة وجيزة جداً ولله الفضل والمنة.
كان ناصحاً بضوابط السنة قليل الغضب إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى، صابراً محتسباً، يحب النصح.
ولقد كان شديد التأثير بإخوانه، فقد كانوا في حياته كالأبناء يحتمون بوالدهم ولا يحملون هماً، ويعتمدون على تواجده بينهم ويهرعون إليه إذا قابلتهم معضلة، وكان يربيهم ويزرع فيهم التوكل على الله، وإنكار الذات وإرجاع كل نجاح وتوفيق لله عز وجل وحده،فلما قُتل -تقبله الله- تحولوا إلى شعلة من النشاط وكأنهم كلهم أبو عبد الله، كان دمه نور ونار وما هو إلا قليل حتى اصطفاهم الله –تعالى- إثر قصف يهودي أثناء انحيازهم لأحد المناطق ببعض المصابين لعلاجهم.
أما عن مقتله -تقبله الله- فلقد قُتل في قصف يهودي وهو في زيارة طبية لإحدى السرايا المقاتلة، هو ومرافقه حيث باغتتهم الطائرات المسيَّرة اليهودية وظلت تحوم فوقهم واتبعها قصف للمقاتلات اليهودية للموقع، فتقبل الله إخواننا نحسبهم والله حسيبهم من الشهداء.
أما عن زوجته وابنه فقد نفروا من بعده، وكان فرحاً جداً بوصولهم إليه، وكان يتمنى تربية ولده في ديار الإسلام، وكان حريصاً على أن يمتد سلطان المجاهدين إلى كل ربوع الأرض لِيعم الخير البلاد والعباد.
وبقيت زوجه فترة لم تعلم بمقتله، فلما أخبرت به حمدت الله واسترجعت واستبشرت واحتسبته عند الله عز وجل، وقالت: "وهل كنا ننتظر غير ذلك؟"، وفرحت أنه نال ما تمنى، وكانت نيتها إكمال وصيته ببقائها في ديار الإسلام وتربية ولدها في كنف المجاهدين، وشاء الله -تعالى- أمراً آخر، إذ لم تنتصف عدة أختنا حتى جاء أمر الله، فقُتلت وولدها على يد اليهود، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، فلله درك يا أبا عبد الله وعلى الله أجرك.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
أبو عبد الله الطبيب
كانت حياته قرآناً وسنةً.. وبذلاً وإيثاراً
إذا رأيته حسبته من زمن آخر، حمل القرآن في صدره، فانعكس على أقواله وأفعاله، أحب الخفاء والخلوة وكره الشهرة والسمعة، حتى أن عددا من الأعمال العسكرية ضد المرتدين لم يُعلم منفذها إلا بعد مقتله من مقربين منه في أرض الجهاد خارج ولاية سيناء، ولم يعرف المرتدون حتى الآن من نفذها.
هو الأخ الناصح والصديق المشفق والخِل الرقيق،المسارع في الخيرات، "أبو عبد الله الطبيب"، كان أكبر همه إرضاء الله تعالى.
قليل الطعام والكلام، كثير الذكر، بسيط الملبس متشبها بالسلف، إذ كان له ثوبان يغسل أحدهما ويلبس الآخر، وكان من أصحاب الإيثار، رحمه الله، فهو يُهدي أحب ما عنده لإخوانه ويرضى بالقليل، فلله دره وعلى الله أجره، وكنتَ إذا رأيته وسط إخوانه لا تعرف من الطبيب ومن الممرِّض، فهو تارة يعالج ويطبب، وتارة يذكِّر بالله -تعالى- ويحرض، يذكر إخوانه بأن يتعلقوا بالله -تعالى- فهو الذي بيده الشفاء، ولا يتعلقوا بالطبيب أو بالدواء، وتارة يجهز الطعام أو يرتب المكان أو يُطْعِمُ بعض إخوانه المرضى بنفسه، ولقد كان لوجوده وسط الجرحى أثر كبير في سرعة الشفاء بإذن الله، وكان يجهِّز الملصقات الدعوية ويضعها في أماكن تواجد المصابين أمام أعينهم ليجعلهم على ارتباط بالله طيلة الوقت.
وكان -تقبله الله- مجازاً برواية حفص عن عاصم، رحمهما الله، فكان يُعلّم إخوانه القرآن، ولقد انتدبه إخوانه ليكمل طلب العلم بالموازاة مع عمله فاجتهد في ذلك، ولقد كانت له أبحاث في بعض المسائل الخاصة بعمله، ولم يكن يحب الجدال، ويكره النزاع والشقاق ويحب الألفة والاتفاق في غير معصية الله تعالى.
وكان مثالاً للسمع والطاعة وفق الكتاب والسنة فبالرغم من حبه للقتال وحرصه عليه، إلا أنه لما تم تكليفه بأمر المرضى بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك، فكان أميراً لمركز الصحة وقتها، ومن مواقف سمعه وطاعته أن هناك طريقا تمنع فيها إضاءة النور للسيارات وكانت هذه الطريق جديدة عليه ولا يحفظ تضاريسها مثل باقي الإخوة، فامتثل للأمر، فانحرفت السيارة به لتطأ على حجر ضخم على جانب الطريق فهرع إليه بعض الإخوة لمساعدته وتعجبوا أن السيارة لم تنقلب ولم يمسه -بفضل الله- أذى، ففرح الإخوة بنجاته وبلطف الله به.
أما عن توفيق الله -تعالى- له في عمله، فقد كان شعاره ولسان حاله ومقاله قول الله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88]، فلقد قام هذا الأخ الطبيب بعمليات جراحية مع أنه ليس جراحاً، إلا أنه طبيب عنده معلومات عامة في غير تخصصه، ولكن ليست بالحرفية التي تؤهله لمثل هذه الجراحات التي لها من الخطورة ما لها أثناء تنفيذها وبعد تنفيذها، ولكننا كنا نرى بركات من الله -تعالى- تتنزل على المريض بالصبر وسرعة الشفاء وعلى الطبيب بالتوفيق والتسديد حتى أنه كان يتعجب من ذلك ويقول إنها بركة الجهاد في بلاد الشام.
فلقد أجرى عملية بتر ذراع من فوق المرفق، وبتر في رجل شخص كُسر فخذه وحوضه، وكذلك قام على عدد من الكسور منها كسور خطيرة تحتاج لتجهيزات كبيرة، ومعلوم خطورة هذه الحالات وكيفية متابعتها في بيئة ملوثة بعيدة عن التعقيم فقيرة لأقل التجهيزات، وكان -تقبله الله- كثيرا ما يُردد: "مجبر أخاك لا بطل"، ويقول: "لو تم إعمال المعايير الطبية على أعمالنا هذه ربما منعوني من مزاولة المهنة؛ فلقد خرقنا كل المحاذير الطبية وتعاملنا بعشوائية مجبرين مضطرين، ولكن الله على كل شىء قدير".
ومن الحالات اللطيفة التي وفق الله -تعالى- أخانا فيها أن أحد الإخوة أصيب في حادث سيارة مما جعله يضغط بأسنانه على لسانه وكاد أن ينقطع فذهب إليه لإسعافه، وكان يظن أن الأمر نزيف داخلي، فالدم يخرج من فمه وبعد أن فتح فم الأخ المصاب علم بأن في لسانه قطع كبير، فاللسان مُتدلٍّ ولم تبق إلا قطعة صغيرة جداً من اللحم تمسك اللسان ببعضه، فأخرج -تقبله الله- خيوطه بعد تفتيش دقيق لحقيبته بابتسامة علت على وجهه وبعد أن انتهى من الأمر، سأله الإخوة عن ابتسامته فقال: "إن اللسان يحتاج لخيط معين وبالأمس احتجت لمثله فلم أجده وفتشت في حقيبتي على أنني لن أجده لأنني بحثت كثيرا عليه بالأمس، ولكن عندما وجدته اليوم سررت كثيرا، وكأن الله -تعالى- أعماني عنه بالأمس حيث لم يكن ضرورياً ووجدته اليوم لضرورته فالحمد لله، ولم أقم بعمل غرز للسان من قبل وكنت خائفا من أن أتسبب بأذى للأخ، ولكن الله وفقني والحمد لله"، ولقد شُفي الأخ وأكل وشرب وتكلم في فترة وجيزة جداً ولله الفضل والمنة.
كان ناصحاً بضوابط السنة قليل الغضب إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى، صابراً محتسباً، يحب النصح.
ولقد كان شديد التأثير بإخوانه، فقد كانوا في حياته كالأبناء يحتمون بوالدهم ولا يحملون هماً، ويعتمدون على تواجده بينهم ويهرعون إليه إذا قابلتهم معضلة، وكان يربيهم ويزرع فيهم التوكل على الله، وإنكار الذات وإرجاع كل نجاح وتوفيق لله عز وجل وحده،فلما قُتل -تقبله الله- تحولوا إلى شعلة من النشاط وكأنهم كلهم أبو عبد الله، كان دمه نور ونار وما هو إلا قليل حتى اصطفاهم الله –تعالى- إثر قصف يهودي أثناء انحيازهم لأحد المناطق ببعض المصابين لعلاجهم.
أما عن مقتله -تقبله الله- فلقد قُتل في قصف يهودي وهو في زيارة طبية لإحدى السرايا المقاتلة، هو ومرافقه حيث باغتتهم الطائرات المسيَّرة اليهودية وظلت تحوم فوقهم واتبعها قصف للمقاتلات اليهودية للموقع، فتقبل الله إخواننا نحسبهم والله حسيبهم من الشهداء.
أما عن زوجته وابنه فقد نفروا من بعده، وكان فرحاً جداً بوصولهم إليه، وكان يتمنى تربية ولده في ديار الإسلام، وكان حريصاً على أن يمتد سلطان المجاهدين إلى كل ربوع الأرض لِيعم الخير البلاد والعباد.
وبقيت زوجه فترة لم تعلم بمقتله، فلما أخبرت به حمدت الله واسترجعت واستبشرت واحتسبته عند الله عز وجل، وقالت: "وهل كنا ننتظر غير ذلك؟"، وفرحت أنه نال ما تمنى، وكانت نيتها إكمال وصيته ببقائها في ديار الإسلام وتربية ولدها في كنف المجاهدين، وشاء الله -تعالى- أمراً آخر، إذ لم تنتصف عدة أختنا حتى جاء أمر الله، فقُتلت وولدها على يد اليهود، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، فلله درك يا أبا عبد الله وعلى الله أجرك.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 106 الافتتاحية: أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة منذ أن ...
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 106
الافتتاحية:
أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة
منذ أن خلق الله -سبحانه- الخلق، أخذ منهم الميثاق على أنفسهم أن يعبدوه سبحانه، ولا يشركوا به شيئا، وأشهدهم على ذلك، وهو يعلم -جل جلاله- أنهم سينسون هذا الميثاق الذي واثقهم به، ولذلك أرسل إليهم الرسل تترى، وأنزل عليهم الكتب، ليذكرهم بما عاهدوا الله عليه من قبل، وخُلق الإنسان نسيّاً.
وهكذا الإنسان في كل حاله، يعوزه التذكير دوما بربه جلّ وعلا، فينتفع بهذه الذكرى من فتح الله بصيرته وأنار قلبه، ويتولى عنها من أضله الله بسوء عمله، وكتب عليه أنه من أصحاب السعير، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 9 - 15].
فالمؤمن يجري عليه من الأمور والأحداث ما ينسيه ذكر ربه، والخوف منه سبحانه، فيقع فيما نهى عنه وحذره منه، ولكن الفرق بينه وبين الكافر والمنافق أنه إذا ذُكِّر ذكر، فتاب وأناب، واسترجع واستغفر، مهما ابتعد عن طريق الطاعة، وسبيل النجاة، فيعود مجددا لإيمانه، نادما على ما فاته من خير في فترة ذهوله وانشغاله بما يضر ولا ينفع.
وهكذا المجاهد في سبيل الله تعالى، قد يضعف إيمانه، بسبب انشغال قلبه بما يرد عليه من شهوات وشبهات، فتستقوي عليه شياطين الإنس والجان، يُنسونه ذكر ربه جل وعلا، ويلقون عليه من الأراجيف ما يزلزلون به قلبه، بل وينسونه حقيقة نفسه، وغايته التي خرج من أجلها مقاتلا أعداء الله في سبيل الله، حتى يصيبه الوهن، ويصبح أعداؤه أعظم هيبة وخشية لديه من الله سبحانه، ويتجه إلى مهاوٍ سحيقة من الشرك إن لم يتداركه الله برحمته، وينقذه منها قبل أن يزول إيمانه كله، فيتوب عليه، ويكفّر عنه الذنوب والخطايا، ويعينه على تجديد إيمانه، فيزداد بذلك ثباتا على أمر الله، ويقينا بموعود الله، ويرزقه بذلك الانتصار على نفسه الأمارة بالسوء، قبل أن ينصره على أعدائه ممن يقاتله على دينه، أو يخذّله عن طاعة ربّه.
وهذا الأمر قد يطرأ حتى على أفاضل الناس إيمانا، وأتقاهم لله، وأعظمهم له خشية ورهبة، مثلما يطرأ على من ظلم نفسه من أهل الإيمان، فيكون الفرق بين الفريقين بمقدار الابتعاد عن جادة الصواب حين النسيان، وبسرعة الاستجابة لأمر الله -سبحانه- حين الذكرى.
وإن مما يصبّر النفس على ما نمرّ به اليوم من أحداث وفتن، وما نراه من نسيان بعض من أهل الإيمان والهجرة والجهاد لأمر ربهم، وغاية جهادهم، وانشغالهم عن طاعة ربهم بما أهمّهم من أمر أنفسهم، أن هذا الأمر قد طرأ بعض منه على خير هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشواهد من هذا كثيرة، في أحد والخندق وحنين وغيرها.
وكان الدواء لهذا المرض من الله -سبحانه- ورسوله الكريم، وبعض من أفاضل صحابته، بتذكيرهم بأمر الله تعالى لهم بالجهاد والرباط والصبر والمصابرة، وتذكيرهم بما عاهدوا الله عليه من الثبات، وما سعوا إليه من منازل في الجنة.
فكان مشهد أنس بن النضر -رضي الله عنه- وهو يحرض إخوانه -فيما روي عنه- على متابعة جهادهم الذي قعدوا عنه في أُحُد لما صدَّقوا أراجيف الكفار والمنافقين وقولهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد قتل، فصاح فيهم: "فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتل.
وكان مشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يدعو أصحابه الذين انخذلوا عنه، وهربوا من النزال في حنين، وهو يذكرهم بما سبق وعاهدوا الله عليه تحت الشجرة، في بيعة الرضوان، يوم أن وضعوا أيديهم على يده معاهدين له أن لا يفروا من قتال، وأمر عمه العباس -رضي الله عنه- أن يدعوهم بذلك: (أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة) [رواه مسلم]، فما كان شأنهم حين تذكروا إلا أن قالوا: "لبيك، لبيك"، وعاوَدوا قتالهم حتى فتح الله عليهم.
فيا جنود الدولة الإسلامية،الله الله في أنفسكم، والله الله في إيمانكم وهجرتكم وجهادكم، والله الله في دماء المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم.
اذكروا أمر الله -تعالى- لكم، واذكروا ما عاهدتم الله عليه، واذكروا ما أعدَّ الله -تعالى- من أجر عظيم لأهل الجهاد والرباط، والبذل والاستشهاد، وما توعّد به من نكص على عقبيه، وتولى عن طاعته، قال تعالى: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
*المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
الافتتاحية:
أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة
منذ أن خلق الله -سبحانه- الخلق، أخذ منهم الميثاق على أنفسهم أن يعبدوه سبحانه، ولا يشركوا به شيئا، وأشهدهم على ذلك، وهو يعلم -جل جلاله- أنهم سينسون هذا الميثاق الذي واثقهم به، ولذلك أرسل إليهم الرسل تترى، وأنزل عليهم الكتب، ليذكرهم بما عاهدوا الله عليه من قبل، وخُلق الإنسان نسيّاً.
وهكذا الإنسان في كل حاله، يعوزه التذكير دوما بربه جلّ وعلا، فينتفع بهذه الذكرى من فتح الله بصيرته وأنار قلبه، ويتولى عنها من أضله الله بسوء عمله، وكتب عليه أنه من أصحاب السعير، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 9 - 15].
فالمؤمن يجري عليه من الأمور والأحداث ما ينسيه ذكر ربه، والخوف منه سبحانه، فيقع فيما نهى عنه وحذره منه، ولكن الفرق بينه وبين الكافر والمنافق أنه إذا ذُكِّر ذكر، فتاب وأناب، واسترجع واستغفر، مهما ابتعد عن طريق الطاعة، وسبيل النجاة، فيعود مجددا لإيمانه، نادما على ما فاته من خير في فترة ذهوله وانشغاله بما يضر ولا ينفع.
وهكذا المجاهد في سبيل الله تعالى، قد يضعف إيمانه، بسبب انشغال قلبه بما يرد عليه من شهوات وشبهات، فتستقوي عليه شياطين الإنس والجان، يُنسونه ذكر ربه جل وعلا، ويلقون عليه من الأراجيف ما يزلزلون به قلبه، بل وينسونه حقيقة نفسه، وغايته التي خرج من أجلها مقاتلا أعداء الله في سبيل الله، حتى يصيبه الوهن، ويصبح أعداؤه أعظم هيبة وخشية لديه من الله سبحانه، ويتجه إلى مهاوٍ سحيقة من الشرك إن لم يتداركه الله برحمته، وينقذه منها قبل أن يزول إيمانه كله، فيتوب عليه، ويكفّر عنه الذنوب والخطايا، ويعينه على تجديد إيمانه، فيزداد بذلك ثباتا على أمر الله، ويقينا بموعود الله، ويرزقه بذلك الانتصار على نفسه الأمارة بالسوء، قبل أن ينصره على أعدائه ممن يقاتله على دينه، أو يخذّله عن طاعة ربّه.
وهذا الأمر قد يطرأ حتى على أفاضل الناس إيمانا، وأتقاهم لله، وأعظمهم له خشية ورهبة، مثلما يطرأ على من ظلم نفسه من أهل الإيمان، فيكون الفرق بين الفريقين بمقدار الابتعاد عن جادة الصواب حين النسيان، وبسرعة الاستجابة لأمر الله -سبحانه- حين الذكرى.
وإن مما يصبّر النفس على ما نمرّ به اليوم من أحداث وفتن، وما نراه من نسيان بعض من أهل الإيمان والهجرة والجهاد لأمر ربهم، وغاية جهادهم، وانشغالهم عن طاعة ربهم بما أهمّهم من أمر أنفسهم، أن هذا الأمر قد طرأ بعض منه على خير هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشواهد من هذا كثيرة، في أحد والخندق وحنين وغيرها.
وكان الدواء لهذا المرض من الله -سبحانه- ورسوله الكريم، وبعض من أفاضل صحابته، بتذكيرهم بأمر الله تعالى لهم بالجهاد والرباط والصبر والمصابرة، وتذكيرهم بما عاهدوا الله عليه من الثبات، وما سعوا إليه من منازل في الجنة.
فكان مشهد أنس بن النضر -رضي الله عنه- وهو يحرض إخوانه -فيما روي عنه- على متابعة جهادهم الذي قعدوا عنه في أُحُد لما صدَّقوا أراجيف الكفار والمنافقين وقولهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد قتل، فصاح فيهم: "فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتل.
وكان مشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يدعو أصحابه الذين انخذلوا عنه، وهربوا من النزال في حنين، وهو يذكرهم بما سبق وعاهدوا الله عليه تحت الشجرة، في بيعة الرضوان، يوم أن وضعوا أيديهم على يده معاهدين له أن لا يفروا من قتال، وأمر عمه العباس -رضي الله عنه- أن يدعوهم بذلك: (أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة) [رواه مسلم]، فما كان شأنهم حين تذكروا إلا أن قالوا: "لبيك، لبيك"، وعاوَدوا قتالهم حتى فتح الله عليهم.
فيا جنود الدولة الإسلامية،الله الله في أنفسكم، والله الله في إيمانكم وهجرتكم وجهادكم، والله الله في دماء المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم.
اذكروا أمر الله -تعالى- لكم، واذكروا ما عاهدتم الله عليه، واذكروا ما أعدَّ الله -تعالى- من أجر عظيم لأهل الجهاد والرباط، والبذل والاستشهاد، وما توعّد به من نكص على عقبيه، وتولى عن طاعته، قال تعالى: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
*المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 106 الافتتاحية: أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة منذ أن ...
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 106
الافتتاحية:
أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة
منذ أن خلق الله -سبحانه- الخلق، أخذ منهم الميثاق على أنفسهم أن يعبدوه سبحانه، ولا يشركوا به شيئا، وأشهدهم على ذلك، وهو يعلم -جل جلاله- أنهم سينسون هذا الميثاق الذي واثقهم به، ولذلك أرسل إليهم الرسل تترى، وأنزل عليهم الكتب، ليذكرهم بما عاهدوا الله عليه من قبل، وخُلق الإنسان نسيّاً.
وهكذا الإنسان في كل حاله، يعوزه التذكير دوما بربه جلّ وعلا، فينتفع بهذه الذكرى من فتح الله بصيرته وأنار قلبه، ويتولى عنها من أضله الله بسوء عمله، وكتب عليه أنه من أصحاب السعير، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 9 - 15].
فالمؤمن يجري عليه من الأمور والأحداث ما ينسيه ذكر ربه، والخوف منه سبحانه، فيقع فيما نهى عنه وحذره منه، ولكن الفرق بينه وبين الكافر والمنافق أنه إذا ذُكِّر ذكر، فتاب وأناب، واسترجع واستغفر، مهما ابتعد عن طريق الطاعة، وسبيل النجاة، فيعود مجددا لإيمانه، نادما على ما فاته من خير في فترة ذهوله وانشغاله بما يضر ولا ينفع.
وهكذا المجاهد في سبيل الله تعالى، قد يضعف إيمانه، بسبب انشغال قلبه بما يرد عليه من شهوات وشبهات، فتستقوي عليه شياطين الإنس والجان، يُنسونه ذكر ربه جل وعلا، ويلقون عليه من الأراجيف ما يزلزلون به قلبه، بل وينسونه حقيقة نفسه، وغايته التي خرج من أجلها مقاتلا أعداء الله في سبيل الله، حتى يصيبه الوهن، ويصبح أعداؤه أعظم هيبة وخشية لديه من الله سبحانه، ويتجه إلى مهاوٍ سحيقة من الشرك إن لم يتداركه الله برحمته، وينقذه منها قبل أن يزول إيمانه كله، فيتوب عليه، ويكفّر عنه الذنوب والخطايا، ويعينه على تجديد إيمانه، فيزداد بذلك ثباتا على أمر الله، ويقينا بموعود الله، ويرزقه بذلك الانتصار على نفسه الأمارة بالسوء، قبل أن ينصره على أعدائه ممن يقاتله على دينه، أو يخذّله عن طاعة ربّه.
وهذا الأمر قد يطرأ حتى على أفاضل الناس إيمانا، وأتقاهم لله، وأعظمهم له خشية ورهبة، مثلما يطرأ على من ظلم نفسه من أهل الإيمان، فيكون الفرق بين الفريقين بمقدار الابتعاد عن جادة الصواب حين النسيان، وبسرعة الاستجابة لأمر الله -سبحانه- حين الذكرى.
وإن مما يصبّر النفس على ما نمرّ به اليوم من أحداث وفتن، وما نراه من نسيان بعض من أهل الإيمان والهجرة والجهاد لأمر ربهم، وغاية جهادهم، وانشغالهم عن طاعة ربهم بما أهمّهم من أمر أنفسهم، أن هذا الأمر قد طرأ بعض منه على خير هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشواهد من هذا كثيرة، في أحد والخندق وحنين وغيرها.
وكان الدواء لهذا المرض من الله -سبحانه- ورسوله الكريم، وبعض من أفاضل صحابته، بتذكيرهم بأمر الله تعالى لهم بالجهاد والرباط والصبر والمصابرة، وتذكيرهم بما عاهدوا الله عليه من الثبات، وما سعوا إليه من منازل في الجنة.
فكان مشهد أنس بن النضر -رضي الله عنه- وهو يحرض إخوانه -فيما روي عنه- على متابعة جهادهم الذي قعدوا عنه في أُحُد لما صدَّقوا أراجيف الكفار والمنافقين وقولهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد قتل، فصاح فيهم: "فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتل.
وكان مشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يدعو أصحابه الذين انخذلوا عنه، وهربوا من النزال في حنين، وهو يذكرهم بما سبق وعاهدوا الله عليه تحت الشجرة، في بيعة الرضوان، يوم أن وضعوا أيديهم على يده معاهدين له أن لا يفروا من قتال، وأمر عمه العباس -رضي الله عنه- أن يدعوهم بذلك: (أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة) [رواه مسلم]، فما كان شأنهم حين تذكروا إلا أن قالوا: "لبيك، لبيك"، وعاوَدوا قتالهم حتى فتح الله عليهم.
فيا جنود الدولة الإسلامية،الله الله في أنفسكم، والله الله في إيمانكم وهجرتكم وجهادكم، والله الله في دماء المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم.
اذكروا أمر الله -تعالى- لكم، واذكروا ما عاهدتم الله عليه، واذكروا ما أعدَّ الله -تعالى- من أجر عظيم لأهل الجهاد والرباط، والبذل والاستشهاد، وما توعّد به من نكص على عقبيه، وتولى عن طاعته، قال تعالى: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
*المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
الافتتاحية:
أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة
منذ أن خلق الله -سبحانه- الخلق، أخذ منهم الميثاق على أنفسهم أن يعبدوه سبحانه، ولا يشركوا به شيئا، وأشهدهم على ذلك، وهو يعلم -جل جلاله- أنهم سينسون هذا الميثاق الذي واثقهم به، ولذلك أرسل إليهم الرسل تترى، وأنزل عليهم الكتب، ليذكرهم بما عاهدوا الله عليه من قبل، وخُلق الإنسان نسيّاً.
وهكذا الإنسان في كل حاله، يعوزه التذكير دوما بربه جلّ وعلا، فينتفع بهذه الذكرى من فتح الله بصيرته وأنار قلبه، ويتولى عنها من أضله الله بسوء عمله، وكتب عليه أنه من أصحاب السعير، قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 9 - 15].
فالمؤمن يجري عليه من الأمور والأحداث ما ينسيه ذكر ربه، والخوف منه سبحانه، فيقع فيما نهى عنه وحذره منه، ولكن الفرق بينه وبين الكافر والمنافق أنه إذا ذُكِّر ذكر، فتاب وأناب، واسترجع واستغفر، مهما ابتعد عن طريق الطاعة، وسبيل النجاة، فيعود مجددا لإيمانه، نادما على ما فاته من خير في فترة ذهوله وانشغاله بما يضر ولا ينفع.
وهكذا المجاهد في سبيل الله تعالى، قد يضعف إيمانه، بسبب انشغال قلبه بما يرد عليه من شهوات وشبهات، فتستقوي عليه شياطين الإنس والجان، يُنسونه ذكر ربه جل وعلا، ويلقون عليه من الأراجيف ما يزلزلون به قلبه، بل وينسونه حقيقة نفسه، وغايته التي خرج من أجلها مقاتلا أعداء الله في سبيل الله، حتى يصيبه الوهن، ويصبح أعداؤه أعظم هيبة وخشية لديه من الله سبحانه، ويتجه إلى مهاوٍ سحيقة من الشرك إن لم يتداركه الله برحمته، وينقذه منها قبل أن يزول إيمانه كله، فيتوب عليه، ويكفّر عنه الذنوب والخطايا، ويعينه على تجديد إيمانه، فيزداد بذلك ثباتا على أمر الله، ويقينا بموعود الله، ويرزقه بذلك الانتصار على نفسه الأمارة بالسوء، قبل أن ينصره على أعدائه ممن يقاتله على دينه، أو يخذّله عن طاعة ربّه.
وهذا الأمر قد يطرأ حتى على أفاضل الناس إيمانا، وأتقاهم لله، وأعظمهم له خشية ورهبة، مثلما يطرأ على من ظلم نفسه من أهل الإيمان، فيكون الفرق بين الفريقين بمقدار الابتعاد عن جادة الصواب حين النسيان، وبسرعة الاستجابة لأمر الله -سبحانه- حين الذكرى.
وإن مما يصبّر النفس على ما نمرّ به اليوم من أحداث وفتن، وما نراه من نسيان بعض من أهل الإيمان والهجرة والجهاد لأمر ربهم، وغاية جهادهم، وانشغالهم عن طاعة ربهم بما أهمّهم من أمر أنفسهم، أن هذا الأمر قد طرأ بعض منه على خير هذه الأمة، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشواهد من هذا كثيرة، في أحد والخندق وحنين وغيرها.
وكان الدواء لهذا المرض من الله -سبحانه- ورسوله الكريم، وبعض من أفاضل صحابته، بتذكيرهم بأمر الله تعالى لهم بالجهاد والرباط والصبر والمصابرة، وتذكيرهم بما عاهدوا الله عليه من الثبات، وما سعوا إليه من منازل في الجنة.
فكان مشهد أنس بن النضر -رضي الله عنه- وهو يحرض إخوانه -فيما روي عنه- على متابعة جهادهم الذي قعدوا عنه في أُحُد لما صدَّقوا أراجيف الكفار والمنافقين وقولهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد قتل، فصاح فيهم: "فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم استقبل القوم فقاتل حتى قُتل.
وكان مشهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يدعو أصحابه الذين انخذلوا عنه، وهربوا من النزال في حنين، وهو يذكرهم بما سبق وعاهدوا الله عليه تحت الشجرة، في بيعة الرضوان، يوم أن وضعوا أيديهم على يده معاهدين له أن لا يفروا من قتال، وأمر عمه العباس -رضي الله عنه- أن يدعوهم بذلك: (أي عبّاس نادِ أصحاب السَّمُرة) [رواه مسلم]، فما كان شأنهم حين تذكروا إلا أن قالوا: "لبيك، لبيك"، وعاوَدوا قتالهم حتى فتح الله عليهم.
فيا جنود الدولة الإسلامية،الله الله في أنفسكم، والله الله في إيمانكم وهجرتكم وجهادكم، والله الله في دماء المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم.
اذكروا أمر الله -تعالى- لكم، واذكروا ما عاهدتم الله عليه، واذكروا ما أعدَّ الله -تعالى- من أجر عظيم لأهل الجهاد والرباط، والبذل والاستشهاد، وما توعّد به من نكص على عقبيه، وتولى عن طاعته، قال تعالى: {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].
*المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 106
الخميس 27 صفر 1439 هـ ...المزيد
السمع والطاعة 2 الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله ...
السمع والطاعة 2
الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد...
إن السمع والطاعة كما ذكرنا هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع، وإن مفارقة الجماعة محرمة كما بَيَّنَّا، وإن فيها هلاك المرء وفساد دينه، وإن الصبر على الأمير واجب وإن صدر منه ما يُكره، وسنبين في هذه المقالة بعض المسائل المهمة المتعلقة بها، كمن تجب لهم الطاعة وحدودها.
من تجب لهم الطاعة:
تجب الطاعة لمن وُلِّي أمرا من أمور المسلمين، سواء كان خليفة أو واليا أو أمير حرب أو سرية أو نحوه... قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميرِي فقد أطاعَنِي، ومن عصى أميري فقد عصانِي) ]متفق عليه[. وفي هذا دليل على أن الطاعة واجبة لكل من ولَّاه الله أمرا من أمور المسلمين.
معنى الأثرة:
وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- البيعة من الصحابة واشترط عليهم أمورا، قال عبادة بن الصامت: "دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان" ]رواه البخاري[.
قال القاضي في شرح الحديث: "أي عاهدناه بالتزام السمع في حالتي الشدة والرخاء وتارتي الضراء والسراء، وإنما عبَّر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة أو للإيذان بأنه التزم لهم أيضا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا، والمنشط والمكره مفعلان من النشاط والكراهة للمحل أي فيما فيه نشاطهم وكراهتهم، أو الزمان أي في زماني انشراح صدورهم وطيب قلوبهم وما يضاد ذلك، (وعلى أثرة) بفتحتين اسم من "أثَرَ" بمعنى اختار أي على اختيار شخص علينا بأن نؤثره على أنفسنا، كذا قيل، والأظهر أن معناه على الصبر إيثار الأمراء أنفسهم علينا، وحاصله أن (على أثرة) ليست بصلة للمبالغة بل متعلق مقدر أي بايعناه على أن نصبر على أثرة علينا".
وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- قال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟" فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم". ]رواه مسلم[. والمراد بقوله أي اسمعوا قولا وأطيعوا فعلا، فإن عليهم ما حُمِّلوا من العدل وإعطاء الرعية حقهم، وعليكم ما حُمِّلتم من الطاعة والصبر على البلية، وقد ورد هذا في قوله تعالى: }قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{ ]النور: 54[، ومعناه أنه يجب على كل أحد ما كلف به، وليس على الأمراء إلا ما حمَّلهم الله وكلفهم به من العدل والقسط، فإن لم يقوموا بذلك فعليهم الوزر والوبال، وأما الرعية فعليهم ما كُلِّفوا به من السمع والطاعة وأداء الحقوق، فإذا قاموا بما عليهم آتاهم الله -تعالى- أجورهم وأثابهم.
حدود الطاعة:
وتجب طاعة الأمراء ما لم تكن في معصية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنهم -أي أهل السنة والجماعة- لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله. فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله" ]منهاج السنة[.
وقد خرجت طائفة من أهل الشام زمن الأمويين يرون الطاعة المطلقة للإمام، يقول ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الطائفة: "وأما غالية الشام أتباع بني أمية فكانوا يقولون: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات، وربما قالوا: إنه لا يحاسبه، ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك العلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود؟ وقد قال له: }يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{ ]ص: 26[، وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني في موعظته المشهورة فذكر له هذه الآية"، ثم بيَّن -رحمه الله تعالى- ضلالهم فقال: "لكن غلط من غلط منهم من جهتين، من جهة: أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة، ويقولون: إن الله أمر بطاعتهم، والثانية: قول من قال منهم: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات".
عظم أمر الإمارة:
وإن أمر الإمارة عظيم خطير، وإنها لا يقوى عليها إلا خيرة الرجال، ولذلك لم يعط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإمارة من طلبها منه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه- وسلم أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: "أمِّرنا يا رسول الله"، وقال الآخر مثله، فقال: (إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه) ]رواه البخاري[.
وإن الإمارة خزي وعار يوم القيامة لمن لم يقم بحقها، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) ]رواه البخاري[.
قال النووي: "هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، ألا تستعملني؟" قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) ]رواه مسلم[.
وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) ]رواه مسلم[.
فعلى من وُلِّي من أمر المسلمين شيئا الرفق بهم، والاجتهاد في قضاء حاجاتهم، فإنما هو راع وهم رعيته، وإنما هو مسؤول عنهم يوم القيامة، فعليه أن يجتنب مسالك الشيطان، ألا يستزله، فإن الشيطان إليه أقرب.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد...
إن السمع والطاعة كما ذكرنا هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع، وإن مفارقة الجماعة محرمة كما بَيَّنَّا، وإن فيها هلاك المرء وفساد دينه، وإن الصبر على الأمير واجب وإن صدر منه ما يُكره، وسنبين في هذه المقالة بعض المسائل المهمة المتعلقة بها، كمن تجب لهم الطاعة وحدودها.
من تجب لهم الطاعة:
تجب الطاعة لمن وُلِّي أمرا من أمور المسلمين، سواء كان خليفة أو واليا أو أمير حرب أو سرية أو نحوه... قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميرِي فقد أطاعَنِي، ومن عصى أميري فقد عصانِي) ]متفق عليه[. وفي هذا دليل على أن الطاعة واجبة لكل من ولَّاه الله أمرا من أمور المسلمين.
معنى الأثرة:
وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- البيعة من الصحابة واشترط عليهم أمورا، قال عبادة بن الصامت: "دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان" ]رواه البخاري[.
قال القاضي في شرح الحديث: "أي عاهدناه بالتزام السمع في حالتي الشدة والرخاء وتارتي الضراء والسراء، وإنما عبَّر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة أو للإيذان بأنه التزم لهم أيضا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا، والمنشط والمكره مفعلان من النشاط والكراهة للمحل أي فيما فيه نشاطهم وكراهتهم، أو الزمان أي في زماني انشراح صدورهم وطيب قلوبهم وما يضاد ذلك، (وعلى أثرة) بفتحتين اسم من "أثَرَ" بمعنى اختار أي على اختيار شخص علينا بأن نؤثره على أنفسنا، كذا قيل، والأظهر أن معناه على الصبر إيثار الأمراء أنفسهم علينا، وحاصله أن (على أثرة) ليست بصلة للمبالغة بل متعلق مقدر أي بايعناه على أن نصبر على أثرة علينا".
وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- قال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟" فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم". ]رواه مسلم[. والمراد بقوله أي اسمعوا قولا وأطيعوا فعلا، فإن عليهم ما حُمِّلوا من العدل وإعطاء الرعية حقهم، وعليكم ما حُمِّلتم من الطاعة والصبر على البلية، وقد ورد هذا في قوله تعالى: }قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{ ]النور: 54[، ومعناه أنه يجب على كل أحد ما كلف به، وليس على الأمراء إلا ما حمَّلهم الله وكلفهم به من العدل والقسط، فإن لم يقوموا بذلك فعليهم الوزر والوبال، وأما الرعية فعليهم ما كُلِّفوا به من السمع والطاعة وأداء الحقوق، فإذا قاموا بما عليهم آتاهم الله -تعالى- أجورهم وأثابهم.
حدود الطاعة:
وتجب طاعة الأمراء ما لم تكن في معصية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنهم -أي أهل السنة والجماعة- لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله. فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله" ]منهاج السنة[.
وقد خرجت طائفة من أهل الشام زمن الأمويين يرون الطاعة المطلقة للإمام، يقول ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الطائفة: "وأما غالية الشام أتباع بني أمية فكانوا يقولون: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات، وربما قالوا: إنه لا يحاسبه، ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك العلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود؟ وقد قال له: }يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{ ]ص: 26[، وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني في موعظته المشهورة فذكر له هذه الآية"، ثم بيَّن -رحمه الله تعالى- ضلالهم فقال: "لكن غلط من غلط منهم من جهتين، من جهة: أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة، ويقولون: إن الله أمر بطاعتهم، والثانية: قول من قال منهم: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات".
عظم أمر الإمارة:
وإن أمر الإمارة عظيم خطير، وإنها لا يقوى عليها إلا خيرة الرجال، ولذلك لم يعط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإمارة من طلبها منه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه- وسلم أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: "أمِّرنا يا رسول الله"، وقال الآخر مثله، فقال: (إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه) ]رواه البخاري[.
وإن الإمارة خزي وعار يوم القيامة لمن لم يقم بحقها، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) ]رواه البخاري[.
قال النووي: "هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، ألا تستعملني؟" قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) ]رواه مسلم[.
وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) ]رواه مسلم[.
فعلى من وُلِّي من أمر المسلمين شيئا الرفق بهم، والاجتهاد في قضاء حاجاتهم، فإنما هو راع وهم رعيته، وإنما هو مسؤول عنهم يوم القيامة، فعليه أن يجتنب مسالك الشيطان، ألا يستزله، فإن الشيطان إليه أقرب.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
السمع والطاعة 2 الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله ...
السمع والطاعة 2
الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد...
إن السمع والطاعة كما ذكرنا هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع، وإن مفارقة الجماعة محرمة كما بَيَّنَّا، وإن فيها هلاك المرء وفساد دينه، وإن الصبر على الأمير واجب وإن صدر منه ما يُكره، وسنبين في هذه المقالة بعض المسائل المهمة المتعلقة بها، كمن تجب لهم الطاعة وحدودها.
من تجب لهم الطاعة:
تجب الطاعة لمن وُلِّي أمرا من أمور المسلمين، سواء كان خليفة أو واليا أو أمير حرب أو سرية أو نحوه... قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميرِي فقد أطاعَنِي، ومن عصى أميري فقد عصانِي) ]متفق عليه[. وفي هذا دليل على أن الطاعة واجبة لكل من ولَّاه الله أمرا من أمور المسلمين.
معنى الأثرة:
وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- البيعة من الصحابة واشترط عليهم أمورا، قال عبادة بن الصامت: "دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان" ]رواه البخاري[.
قال القاضي في شرح الحديث: "أي عاهدناه بالتزام السمع في حالتي الشدة والرخاء وتارتي الضراء والسراء، وإنما عبَّر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة أو للإيذان بأنه التزم لهم أيضا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا، والمنشط والمكره مفعلان من النشاط والكراهة للمحل أي فيما فيه نشاطهم وكراهتهم، أو الزمان أي في زماني انشراح صدورهم وطيب قلوبهم وما يضاد ذلك، (وعلى أثرة) بفتحتين اسم من "أثَرَ" بمعنى اختار أي على اختيار شخص علينا بأن نؤثره على أنفسنا، كذا قيل، والأظهر أن معناه على الصبر إيثار الأمراء أنفسهم علينا، وحاصله أن (على أثرة) ليست بصلة للمبالغة بل متعلق مقدر أي بايعناه على أن نصبر على أثرة علينا".
وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- قال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟" فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم". ]رواه مسلم[. والمراد بقوله أي اسمعوا قولا وأطيعوا فعلا، فإن عليهم ما حُمِّلوا من العدل وإعطاء الرعية حقهم، وعليكم ما حُمِّلتم من الطاعة والصبر على البلية، وقد ورد هذا في قوله تعالى: }قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{ ]النور: 54[، ومعناه أنه يجب على كل أحد ما كلف به، وليس على الأمراء إلا ما حمَّلهم الله وكلفهم به من العدل والقسط، فإن لم يقوموا بذلك فعليهم الوزر والوبال، وأما الرعية فعليهم ما كُلِّفوا به من السمع والطاعة وأداء الحقوق، فإذا قاموا بما عليهم آتاهم الله -تعالى- أجورهم وأثابهم.
حدود الطاعة:
وتجب طاعة الأمراء ما لم تكن في معصية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنهم -أي أهل السنة والجماعة- لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله. فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله" ]منهاج السنة[.
وقد خرجت طائفة من أهل الشام زمن الأمويين يرون الطاعة المطلقة للإمام، يقول ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الطائفة: "وأما غالية الشام أتباع بني أمية فكانوا يقولون: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات، وربما قالوا: إنه لا يحاسبه، ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك العلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود؟ وقد قال له: }يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{ ]ص: 26[، وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني في موعظته المشهورة فذكر له هذه الآية"، ثم بيَّن -رحمه الله تعالى- ضلالهم فقال: "لكن غلط من غلط منهم من جهتين، من جهة: أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة، ويقولون: إن الله أمر بطاعتهم، والثانية: قول من قال منهم: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات".
عظم أمر الإمارة:
وإن أمر الإمارة عظيم خطير، وإنها لا يقوى عليها إلا خيرة الرجال، ولذلك لم يعط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإمارة من طلبها منه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه- وسلم أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: "أمِّرنا يا رسول الله"، وقال الآخر مثله، فقال: (إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه) ]رواه البخاري[.
وإن الإمارة خزي وعار يوم القيامة لمن لم يقم بحقها، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) ]رواه البخاري[.
قال النووي: "هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، ألا تستعملني؟" قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) ]رواه مسلم[.
وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) ]رواه مسلم[.
فعلى من وُلِّي من أمر المسلمين شيئا الرفق بهم، والاجتهاد في قضاء حاجاتهم، فإنما هو راع وهم رعيته، وإنما هو مسؤول عنهم يوم القيامة، فعليه أن يجتنب مسالك الشيطان، ألا يستزله، فإن الشيطان إليه أقرب.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد...
إن السمع والطاعة كما ذكرنا هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع، وإن مفارقة الجماعة محرمة كما بَيَّنَّا، وإن فيها هلاك المرء وفساد دينه، وإن الصبر على الأمير واجب وإن صدر منه ما يُكره، وسنبين في هذه المقالة بعض المسائل المهمة المتعلقة بها، كمن تجب لهم الطاعة وحدودها.
من تجب لهم الطاعة:
تجب الطاعة لمن وُلِّي أمرا من أمور المسلمين، سواء كان خليفة أو واليا أو أمير حرب أو سرية أو نحوه... قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميرِي فقد أطاعَنِي، ومن عصى أميري فقد عصانِي) ]متفق عليه[. وفي هذا دليل على أن الطاعة واجبة لكل من ولَّاه الله أمرا من أمور المسلمين.
معنى الأثرة:
وقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- البيعة من الصحابة واشترط عليهم أمورا، قال عبادة بن الصامت: "دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان" ]رواه البخاري[.
قال القاضي في شرح الحديث: "أي عاهدناه بالتزام السمع في حالتي الشدة والرخاء وتارتي الضراء والسراء، وإنما عبَّر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة أو للإيذان بأنه التزم لهم أيضا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا، والمنشط والمكره مفعلان من النشاط والكراهة للمحل أي فيما فيه نشاطهم وكراهتهم، أو الزمان أي في زماني انشراح صدورهم وطيب قلوبهم وما يضاد ذلك، (وعلى أثرة) بفتحتين اسم من "أثَرَ" بمعنى اختار أي على اختيار شخص علينا بأن نؤثره على أنفسنا، كذا قيل، والأظهر أن معناه على الصبر إيثار الأمراء أنفسهم علينا، وحاصله أن (على أثرة) ليست بصلة للمبالغة بل متعلق مقدر أي بايعناه على أن نصبر على أثرة علينا".
وعن سلمة بن يزيد الجعفي -رضي الله عنه- قال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟" فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم". ]رواه مسلم[. والمراد بقوله أي اسمعوا قولا وأطيعوا فعلا، فإن عليهم ما حُمِّلوا من العدل وإعطاء الرعية حقهم، وعليكم ما حُمِّلتم من الطاعة والصبر على البلية، وقد ورد هذا في قوله تعالى: }قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{ ]النور: 54[، ومعناه أنه يجب على كل أحد ما كلف به، وليس على الأمراء إلا ما حمَّلهم الله وكلفهم به من العدل والقسط، فإن لم يقوموا بذلك فعليهم الوزر والوبال، وأما الرعية فعليهم ما كُلِّفوا به من السمع والطاعة وأداء الحقوق، فإذا قاموا بما عليهم آتاهم الله -تعالى- أجورهم وأثابهم.
حدود الطاعة:
وتجب طاعة الأمراء ما لم تكن في معصية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنهم -أي أهل السنة والجماعة- لا يجوزون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله أطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله. فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله" ]منهاج السنة[.
وقد خرجت طائفة من أهل الشام زمن الأمويين يرون الطاعة المطلقة للإمام، يقول ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الطائفة: "وأما غالية الشام أتباع بني أمية فكانوا يقولون: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات، وربما قالوا: إنه لا يحاسبه، ولهذا سأل الوليد بن عبد الملك عن ذلك العلماء فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم داود؟ وقد قال له: }يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{ ]ص: 26[، وكذلك سؤال سليمان بن عبد الملك عن ذلك لأبي حازم المدني في موعظته المشهورة فذكر له هذه الآية"، ثم بيَّن -رحمه الله تعالى- ضلالهم فقال: "لكن غلط من غلط منهم من جهتين، من جهة: أنهم كانوا يطيعون الولاة طاعة مطلقة، ويقولون: إن الله أمر بطاعتهم، والثانية: قول من قال منهم: إن الله إذا استخلف خليفة تقبَّل منه الحسنات وتجاوز له عن السيئات".
عظم أمر الإمارة:
وإن أمر الإمارة عظيم خطير، وإنها لا يقوى عليها إلا خيرة الرجال، ولذلك لم يعط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإمارة من طلبها منه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه- وسلم أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: "أمِّرنا يا رسول الله"، وقال الآخر مثله، فقال: (إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه) ]رواه البخاري[.
وإن الإمارة خزي وعار يوم القيامة لمن لم يقم بحقها، فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) ]رواه البخاري[.
قال النووي: "هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولا سيما لمن كان فيه ضعف، وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل، فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلا وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار، ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها".
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، ألا تستعملني؟" قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) ]رواه مسلم[.
وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) ]رواه مسلم[.
فعلى من وُلِّي من أمر المسلمين شيئا الرفق بهم، والاجتهاد في قضاء حاجاتهم، فإنما هو راع وهم رعيته، وإنما هو مسؤول عنهم يوم القيامة، فعليه أن يجتنب مسالك الشيطان، ألا يستزله، فإن الشيطان إليه أقرب.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
الإيمان بالقدر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما ...
الإيمان بالقدر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
قال ابن عباس، رضي الله عنه: "القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضا للتوحيد، ومن وحَّد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها".
القدر من الأمور العظيمة التي لا تسير حياة المرء سيرا سليما إلا بالإيمان به، فإن له آثاراً عظيمة تدفع المسلم للعمل والكدِّ لمصلحة آخرته ودنياه، وبالتصوُّر الخاطئ عن القضاء والقدر يتخبط المرء بين التواكل الذي هو في حقيقته عجز، وبين التوكل على النفس المبالغ فيه، الذي فيه هلاك المرء.
والمؤمن بإيمانه بالقدر شجاع مقدام، لِيَقينه أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله، ويتحقق في قلبه قول الله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وهو أيضا جسور على الصعاب والأخطار، يُحقق أمر الله بفعل أسبابه وينتظر الموعود، فهو محسن ظنه بالله، فإذا لم يأت الموعود فهو صابر محتسب، لأنه يعلم أن الله قدَّر عليه المصيبة وأمره بالصبر.
وقبل هذا وذاك، هو وجل يخاف من الله ويحذر سوء الخاتمة، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لأنه اعتراض على التقدير وسوء أدب مع الحكيم الخبير، ولأن الله هو الذي أعطى، فيدعوه ويطلب منه.
في كتاب مبين...
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: "وقد قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدَّر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون" [تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد].
إن كل عمل يعمله ابن آدم في كتاب، وكل مصيبة أو نعمة فإنها في كتاب، والنصر والخسارة في كتاب، والهمُّ والحَزَن في كتاب، والإيمان والكفر في كتاب، بل حركة الطير في السماء والسمك في الماء في كتاب، بل ما يحصل في أعماق البحار وفي ظلمات الأرض وتغيرات الثمار في كتاب، كما قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]، فكل مقادير الخلائق كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)"، [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، وعن علي بن أبي طالب أنه ذُكر عنده القدر يوما، فأدخل أصبعيه السبابة والوسطى في فيه فرقم بهما في باطن يده، فقال: "أشهد أن هاتين الرقمتين كانتا في أم الكتاب".
عِلْم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون
والله عالم بكل ما كان وما سيكون، فالله يعلم ما ستصير إليه الأمور، والذي لم يكن لو كان كيف سيكون، ولعل ما يحصل للمسلم من نكبات ومصائب فيه الخير له في دينه ودنياه، كما قال -تعالى- عن المنافقين الذين لم يخرجوا في غزوة تبوك: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47]، فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا، وقال عن المعرضين عن اتباع الحق: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، لذا فلا تحزن لتخاذل من تخاذل وانتكاس من انتكس، فمصيبته على نفسه، فلا نصر بيده ولا هزيمة، ثم لا تعلم ما يحدث لو جلس في صفوف المجاهدين، فقد يُخذِّل ويُرجف، وقبل كل هذا لعله من المنافقين الذين يتنزل النصر بخروجهم.
الرضا بالقدر
وعليك بالصبر إذا أصابتك المصيبة أو حل بك الداء أو نزلت بك اللأواء أو تلف الزرع أو فقدتَ القريب أو انتصر العدو أو أُسرت أو كُسرت، فاصبر وروِّض نفسك بالإيمان بالقضاء والقدر وقل: "قدَّر الله وما شاء فعل"، واعلم أن صبرك واجب، وأن تقنطك وقولك: "ليته لم يحدث، ولو أنني فعلت كذا ما كان كذا" اعتراض على القدر، ففي الحديث: (وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) [رواه مسلم]، وكما قال عبد الله بن مسعود: "لأن أعض على جمرة وأقبض عليها حتى تبرد في يدي، أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن".
والله يريد من المسلم طاعته وينهاه عن معصيته، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، فلا يترك الطاعة ويفعل المعصية ويقول بلسانه دون قبله: قدر الله وما شاء فعل! بل الله أقدره وخلق له مشيئة يشاء بها ما يريد، كما قال ابن تيمية: "ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها -مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء- أن العباد لهم مشيئة وقدرة يفعلون بمشيئتهم وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه، مع قولهم إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله، كما قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 54-56]".
ولا يُقبل من المسلم التشبهُ بالمشركين الذين قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، فاحتجوا على ذنبهم أن الله قدَّره عليهم! بل هذا خلل في العقل كما قال ابن تيمية: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر الملل وسائر العقلاء، فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المُحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول".
حِكَم الله
إن الله له حكمة بالغة في كل شيء قدَّره وخلقه، ومن ذلك هداية من هدى للإسلام والسنة، وإضلال من أضل بالكفر والبدعة كما قال تعالى: {مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، ولكن لم يشأ لحكمة أرادها، ومن الحِكَم: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25].
فعل الأسباب
أمر الله -عز وجل- بفعل الأسباب فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، هذا في طلب الآخرة، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وهذا في طلب المعيشة، وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وهذا في فعل أسباب النصر، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فإن تأخَّر شيء مع فعل أسبابه الواجبة فالأمر أمر الله والخلق خلقه له الحكمة في كل ذلك، وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- عمَّن يترك ما أُمر به متكلا على أن كل شيء مقدر ومكتوب: "وكان قوله ذلك بمنزلة من يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، فإن كان الله قضى بالشبع والري حصل وإلا لم يحصل، أو يقول: لا أجامع امرأتي فإن كان الله قضى لي بولد فإنه يكون! وكذا من غلط فترك الدعاء أو ترك الاستعانة والتوكل ظانا أن ذلك من مقامات الخاصة ناظرا إلى القدر، فكل هؤلاء جاهلون ضالون" [مجموع الفتاوى]، ولا تعتقد بحال أن ترك الأسباب من التوكل، فعلى المرء أن يسعى في مصالح دنياه، فإن أتت الأمور على ما يريد حَمِد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد فلعله خير كما قال ابن مسعود: "إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار" قال: "فيصرفه الله عز وجل".
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
قال ابن عباس، رضي الله عنه: "القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضا للتوحيد، ومن وحَّد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها".
القدر من الأمور العظيمة التي لا تسير حياة المرء سيرا سليما إلا بالإيمان به، فإن له آثاراً عظيمة تدفع المسلم للعمل والكدِّ لمصلحة آخرته ودنياه، وبالتصوُّر الخاطئ عن القضاء والقدر يتخبط المرء بين التواكل الذي هو في حقيقته عجز، وبين التوكل على النفس المبالغ فيه، الذي فيه هلاك المرء.
والمؤمن بإيمانه بالقدر شجاع مقدام، لِيَقينه أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله، ويتحقق في قلبه قول الله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وهو أيضا جسور على الصعاب والأخطار، يُحقق أمر الله بفعل أسبابه وينتظر الموعود، فهو محسن ظنه بالله، فإذا لم يأت الموعود فهو صابر محتسب، لأنه يعلم أن الله قدَّر عليه المصيبة وأمره بالصبر.
وقبل هذا وذاك، هو وجل يخاف من الله ويحذر سوء الخاتمة، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لأنه اعتراض على التقدير وسوء أدب مع الحكيم الخبير، ولأن الله هو الذي أعطى، فيدعوه ويطلب منه.
في كتاب مبين...
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: "وقد قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدَّر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون" [تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد].
إن كل عمل يعمله ابن آدم في كتاب، وكل مصيبة أو نعمة فإنها في كتاب، والنصر والخسارة في كتاب، والهمُّ والحَزَن في كتاب، والإيمان والكفر في كتاب، بل حركة الطير في السماء والسمك في الماء في كتاب، بل ما يحصل في أعماق البحار وفي ظلمات الأرض وتغيرات الثمار في كتاب، كما قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]، فكل مقادير الخلائق كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)"، [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، وعن علي بن أبي طالب أنه ذُكر عنده القدر يوما، فأدخل أصبعيه السبابة والوسطى في فيه فرقم بهما في باطن يده، فقال: "أشهد أن هاتين الرقمتين كانتا في أم الكتاب".
عِلْم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون
والله عالم بكل ما كان وما سيكون، فالله يعلم ما ستصير إليه الأمور، والذي لم يكن لو كان كيف سيكون، ولعل ما يحصل للمسلم من نكبات ومصائب فيه الخير له في دينه ودنياه، كما قال -تعالى- عن المنافقين الذين لم يخرجوا في غزوة تبوك: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47]، فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا، وقال عن المعرضين عن اتباع الحق: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، لذا فلا تحزن لتخاذل من تخاذل وانتكاس من انتكس، فمصيبته على نفسه، فلا نصر بيده ولا هزيمة، ثم لا تعلم ما يحدث لو جلس في صفوف المجاهدين، فقد يُخذِّل ويُرجف، وقبل كل هذا لعله من المنافقين الذين يتنزل النصر بخروجهم.
الرضا بالقدر
وعليك بالصبر إذا أصابتك المصيبة أو حل بك الداء أو نزلت بك اللأواء أو تلف الزرع أو فقدتَ القريب أو انتصر العدو أو أُسرت أو كُسرت، فاصبر وروِّض نفسك بالإيمان بالقضاء والقدر وقل: "قدَّر الله وما شاء فعل"، واعلم أن صبرك واجب، وأن تقنطك وقولك: "ليته لم يحدث، ولو أنني فعلت كذا ما كان كذا" اعتراض على القدر، ففي الحديث: (وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) [رواه مسلم]، وكما قال عبد الله بن مسعود: "لأن أعض على جمرة وأقبض عليها حتى تبرد في يدي، أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن".
والله يريد من المسلم طاعته وينهاه عن معصيته، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، فلا يترك الطاعة ويفعل المعصية ويقول بلسانه دون قبله: قدر الله وما شاء فعل! بل الله أقدره وخلق له مشيئة يشاء بها ما يريد، كما قال ابن تيمية: "ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها -مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء- أن العباد لهم مشيئة وقدرة يفعلون بمشيئتهم وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه، مع قولهم إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله، كما قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 54-56]".
ولا يُقبل من المسلم التشبهُ بالمشركين الذين قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، فاحتجوا على ذنبهم أن الله قدَّره عليهم! بل هذا خلل في العقل كما قال ابن تيمية: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر الملل وسائر العقلاء، فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المُحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول".
حِكَم الله
إن الله له حكمة بالغة في كل شيء قدَّره وخلقه، ومن ذلك هداية من هدى للإسلام والسنة، وإضلال من أضل بالكفر والبدعة كما قال تعالى: {مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، ولكن لم يشأ لحكمة أرادها، ومن الحِكَم: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25].
فعل الأسباب
أمر الله -عز وجل- بفعل الأسباب فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، هذا في طلب الآخرة، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وهذا في طلب المعيشة، وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وهذا في فعل أسباب النصر، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فإن تأخَّر شيء مع فعل أسبابه الواجبة فالأمر أمر الله والخلق خلقه له الحكمة في كل ذلك، وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- عمَّن يترك ما أُمر به متكلا على أن كل شيء مقدر ومكتوب: "وكان قوله ذلك بمنزلة من يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، فإن كان الله قضى بالشبع والري حصل وإلا لم يحصل، أو يقول: لا أجامع امرأتي فإن كان الله قضى لي بولد فإنه يكون! وكذا من غلط فترك الدعاء أو ترك الاستعانة والتوكل ظانا أن ذلك من مقامات الخاصة ناظرا إلى القدر، فكل هؤلاء جاهلون ضالون" [مجموع الفتاوى]، ولا تعتقد بحال أن ترك الأسباب من التوكل، فعلى المرء أن يسعى في مصالح دنياه، فإن أتت الأمور على ما يريد حَمِد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد فلعله خير كما قال ابن مسعود: "إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار" قال: "فيصرفه الله عز وجل".
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
الإيمان بالقدر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما ...
الإيمان بالقدر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
قال ابن عباس، رضي الله عنه: "القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضا للتوحيد، ومن وحَّد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها".
القدر من الأمور العظيمة التي لا تسير حياة المرء سيرا سليما إلا بالإيمان به، فإن له آثاراً عظيمة تدفع المسلم للعمل والكدِّ لمصلحة آخرته ودنياه، وبالتصوُّر الخاطئ عن القضاء والقدر يتخبط المرء بين التواكل الذي هو في حقيقته عجز، وبين التوكل على النفس المبالغ فيه، الذي فيه هلاك المرء.
والمؤمن بإيمانه بالقدر شجاع مقدام، لِيَقينه أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله، ويتحقق في قلبه قول الله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وهو أيضا جسور على الصعاب والأخطار، يُحقق أمر الله بفعل أسبابه وينتظر الموعود، فهو محسن ظنه بالله، فإذا لم يأت الموعود فهو صابر محتسب، لأنه يعلم أن الله قدَّر عليه المصيبة وأمره بالصبر.
وقبل هذا وذاك، هو وجل يخاف من الله ويحذر سوء الخاتمة، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لأنه اعتراض على التقدير وسوء أدب مع الحكيم الخبير، ولأن الله هو الذي أعطى، فيدعوه ويطلب منه.
في كتاب مبين...
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: "وقد قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدَّر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون" [تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد].
إن كل عمل يعمله ابن آدم في كتاب، وكل مصيبة أو نعمة فإنها في كتاب، والنصر والخسارة في كتاب، والهمُّ والحَزَن في كتاب، والإيمان والكفر في كتاب، بل حركة الطير في السماء والسمك في الماء في كتاب، بل ما يحصل في أعماق البحار وفي ظلمات الأرض وتغيرات الثمار في كتاب، كما قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]، فكل مقادير الخلائق كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)"، [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، وعن علي بن أبي طالب أنه ذُكر عنده القدر يوما، فأدخل أصبعيه السبابة والوسطى في فيه فرقم بهما في باطن يده، فقال: "أشهد أن هاتين الرقمتين كانتا في أم الكتاب".
عِلْم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون
والله عالم بكل ما كان وما سيكون، فالله يعلم ما ستصير إليه الأمور، والذي لم يكن لو كان كيف سيكون، ولعل ما يحصل للمسلم من نكبات ومصائب فيه الخير له في دينه ودنياه، كما قال -تعالى- عن المنافقين الذين لم يخرجوا في غزوة تبوك: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47]، فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا، وقال عن المعرضين عن اتباع الحق: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، لذا فلا تحزن لتخاذل من تخاذل وانتكاس من انتكس، فمصيبته على نفسه، فلا نصر بيده ولا هزيمة، ثم لا تعلم ما يحدث لو جلس في صفوف المجاهدين، فقد يُخذِّل ويُرجف، وقبل كل هذا لعله من المنافقين الذين يتنزل النصر بخروجهم.
الرضا بالقدر
وعليك بالصبر إذا أصابتك المصيبة أو حل بك الداء أو نزلت بك اللأواء أو تلف الزرع أو فقدتَ القريب أو انتصر العدو أو أُسرت أو كُسرت، فاصبر وروِّض نفسك بالإيمان بالقضاء والقدر وقل: "قدَّر الله وما شاء فعل"، واعلم أن صبرك واجب، وأن تقنطك وقولك: "ليته لم يحدث، ولو أنني فعلت كذا ما كان كذا" اعتراض على القدر، ففي الحديث: (وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) [رواه مسلم]، وكما قال عبد الله بن مسعود: "لأن أعض على جمرة وأقبض عليها حتى تبرد في يدي، أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن".
والله يريد من المسلم طاعته وينهاه عن معصيته، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، فلا يترك الطاعة ويفعل المعصية ويقول بلسانه دون قبله: قدر الله وما شاء فعل! بل الله أقدره وخلق له مشيئة يشاء بها ما يريد، كما قال ابن تيمية: "ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها -مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء- أن العباد لهم مشيئة وقدرة يفعلون بمشيئتهم وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه، مع قولهم إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله، كما قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 54-56]".
ولا يُقبل من المسلم التشبهُ بالمشركين الذين قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، فاحتجوا على ذنبهم أن الله قدَّره عليهم! بل هذا خلل في العقل كما قال ابن تيمية: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر الملل وسائر العقلاء، فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المُحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول".
حِكَم الله
إن الله له حكمة بالغة في كل شيء قدَّره وخلقه، ومن ذلك هداية من هدى للإسلام والسنة، وإضلال من أضل بالكفر والبدعة كما قال تعالى: {مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، ولكن لم يشأ لحكمة أرادها، ومن الحِكَم: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25].
فعل الأسباب
أمر الله -عز وجل- بفعل الأسباب فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، هذا في طلب الآخرة، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وهذا في طلب المعيشة، وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وهذا في فعل أسباب النصر، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فإن تأخَّر شيء مع فعل أسبابه الواجبة فالأمر أمر الله والخلق خلقه له الحكمة في كل ذلك، وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- عمَّن يترك ما أُمر به متكلا على أن كل شيء مقدر ومكتوب: "وكان قوله ذلك بمنزلة من يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، فإن كان الله قضى بالشبع والري حصل وإلا لم يحصل، أو يقول: لا أجامع امرأتي فإن كان الله قضى لي بولد فإنه يكون! وكذا من غلط فترك الدعاء أو ترك الاستعانة والتوكل ظانا أن ذلك من مقامات الخاصة ناظرا إلى القدر، فكل هؤلاء جاهلون ضالون" [مجموع الفتاوى]، ولا تعتقد بحال أن ترك الأسباب من التوكل، فعلى المرء أن يسعى في مصالح دنياه، فإن أتت الأمور على ما يريد حَمِد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد فلعله خير كما قال ابن مسعود: "إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار" قال: "فيصرفه الله عز وجل".
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد..
قال ابن عباس، رضي الله عنه: "القدر نظام التوحيد، فمن وحَّد الله ولم يؤمن بالقدر كان كفره بالقضاء نقضا للتوحيد، ومن وحَّد الله وآمن بالقدر كان العروة الوثقى لا انفصام لها".
القدر من الأمور العظيمة التي لا تسير حياة المرء سيرا سليما إلا بالإيمان به، فإن له آثاراً عظيمة تدفع المسلم للعمل والكدِّ لمصلحة آخرته ودنياه، وبالتصوُّر الخاطئ عن القضاء والقدر يتخبط المرء بين التواكل الذي هو في حقيقته عجز، وبين التوكل على النفس المبالغ فيه، الذي فيه هلاك المرء.
والمؤمن بإيمانه بالقدر شجاع مقدام، لِيَقينه أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله، ويتحقق في قلبه قول الله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]، وهو أيضا جسور على الصعاب والأخطار، يُحقق أمر الله بفعل أسبابه وينتظر الموعود، فهو محسن ظنه بالله، فإذا لم يأت الموعود فهو صابر محتسب، لأنه يعلم أن الله قدَّر عليه المصيبة وأمره بالصبر.
وقبل هذا وذاك، هو وجل يخاف من الله ويحذر سوء الخاتمة، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لأنه اعتراض على التقدير وسوء أدب مع الحكيم الخبير، ولأن الله هو الذي أعطى، فيدعوه ويطلب منه.
في كتاب مبين...
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: "وقد قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، قدَّر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم، وكتب ذلك، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة، فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء، وقدرته على كل شيء، ومشيئته لكل ما كان، وعلمه بالأشياء قبل أن تكون، وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون" [تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد].
إن كل عمل يعمله ابن آدم في كتاب، وكل مصيبة أو نعمة فإنها في كتاب، والنصر والخسارة في كتاب، والهمُّ والحَزَن في كتاب، والإيمان والكفر في كتاب، بل حركة الطير في السماء والسمك في الماء في كتاب، بل ما يحصل في أعماق البحار وفي ظلمات الأرض وتغيرات الثمار في كتاب، كما قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]، فكل مقادير الخلائق كتبها الله قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)"، [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]، وعن علي بن أبي طالب أنه ذُكر عنده القدر يوما، فأدخل أصبعيه السبابة والوسطى في فيه فرقم بهما في باطن يده، فقال: "أشهد أن هاتين الرقمتين كانتا في أم الكتاب".
عِلْم الله بما لم يكن لو كان كيف يكون
والله عالم بكل ما كان وما سيكون، فالله يعلم ما ستصير إليه الأمور، والذي لم يكن لو كان كيف سيكون، ولعل ما يحصل للمسلم من نكبات ومصائب فيه الخير له في دينه ودنياه، كما قال -تعالى- عن المنافقين الذين لم يخرجوا في غزوة تبوك: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة: 47]، فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا، وقال عن المعرضين عن اتباع الحق: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]، لذا فلا تحزن لتخاذل من تخاذل وانتكاس من انتكس، فمصيبته على نفسه، فلا نصر بيده ولا هزيمة، ثم لا تعلم ما يحدث لو جلس في صفوف المجاهدين، فقد يُخذِّل ويُرجف، وقبل كل هذا لعله من المنافقين الذين يتنزل النصر بخروجهم.
الرضا بالقدر
وعليك بالصبر إذا أصابتك المصيبة أو حل بك الداء أو نزلت بك اللأواء أو تلف الزرع أو فقدتَ القريب أو انتصر العدو أو أُسرت أو كُسرت، فاصبر وروِّض نفسك بالإيمان بالقضاء والقدر وقل: "قدَّر الله وما شاء فعل"، واعلم أن صبرك واجب، وأن تقنطك وقولك: "ليته لم يحدث، ولو أنني فعلت كذا ما كان كذا" اعتراض على القدر، ففي الحديث: (وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) [رواه مسلم]، وكما قال عبد الله بن مسعود: "لأن أعض على جمرة وأقبض عليها حتى تبرد في يدي، أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن".
والله يريد من المسلم طاعته وينهاه عن معصيته، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، فلا يترك الطاعة ويفعل المعصية ويقول بلسانه دون قبله: قدر الله وما شاء فعل! بل الله أقدره وخلق له مشيئة يشاء بها ما يريد، كما قال ابن تيمية: "ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها -مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء- أن العباد لهم مشيئة وقدرة يفعلون بمشيئتهم وقدرتهم ما أقدرهم الله عليه، مع قولهم إن العباد لا يشاؤون إلا أن يشاء الله، كما قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 54-56]".
ولا يُقبل من المسلم التشبهُ بالمشركين الذين قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 148]، فاحتجوا على ذنبهم أن الله قدَّره عليهم! بل هذا خلل في العقل كما قال ابن تيمية: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين وسائر الملل وسائر العقلاء، فإن هذا لو كان مقبولا لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال وسائر أنواع الفساد في الأرض ويحتج بالقدر، ونفس المُحتج بالقدر إذا اعتدي عليه واحتج المعتدي بالقدر لم يقبل منه بل يتناقض، وتناقض القول يدل على فساده، فالاحتجاج بالقدر معلوم الفساد في بدائه العقول".
حِكَم الله
إن الله له حكمة بالغة في كل شيء قدَّره وخلقه، ومن ذلك هداية من هدى للإسلام والسنة، وإضلال من أضل بالكفر والبدعة كما قال تعالى: {مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39]، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، ولكن لم يشأ لحكمة أرادها، ومن الحِكَم: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الحديد: 25].
فعل الأسباب
أمر الله -عز وجل- بفعل الأسباب فقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، هذا في طلب الآخرة، وقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، وهذا في طلب المعيشة، وقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، وهذا في فعل أسباب النصر، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فإن تأخَّر شيء مع فعل أسبابه الواجبة فالأمر أمر الله والخلق خلقه له الحكمة في كل ذلك، وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- عمَّن يترك ما أُمر به متكلا على أن كل شيء مقدر ومكتوب: "وكان قوله ذلك بمنزلة من يقول: أنا لا آكل ولا أشرب، فإن كان الله قضى بالشبع والري حصل وإلا لم يحصل، أو يقول: لا أجامع امرأتي فإن كان الله قضى لي بولد فإنه يكون! وكذا من غلط فترك الدعاء أو ترك الاستعانة والتوكل ظانا أن ذلك من مقامات الخاصة ناظرا إلى القدر، فكل هؤلاء جاهلون ضالون" [مجموع الفتاوى]، ولا تعتقد بحال أن ترك الأسباب من التوكل، فعلى المرء أن يسعى في مصالح دنياه، فإن أتت الأمور على ما يريد حَمِد الله، وإن أتت على خلاف ما يريد فلعله خير كما قال ابن مسعود: "إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار" قال: "فيصرفه الله عز وجل".
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
قصة شهيد: أسد من أسود الصحراء أبو طلحة العلقاوي -تقبله الله- تنكيل بالصليبيين الأمريكيين ...
قصة شهيد:
أسد من أسود الصحراء
أبو طلحة العلقاوي -تقبله الله-
تنكيل بالصليبيين الأمريكيين واغتيال للروافض والصحوات
إن الابتلاءات والمحن تسفر عن معادن الناس، وكلما عظم الابتلاء عظمت الرجال، رجال أعلنوا موقفهم من الكفر العالمي وأتباعه بكل وضوح، وشنُّوا هجماتهم على أرتاله التي قدم بها إلى أراضيهم، وأقسموا أن لن يناموا على ضيم، وأن موعدهم روما، فكانت هممهم عالية ونفوسهم أبية.
بدأت القصة في الوقت الذي تحقق للعالم الكفري حلمه ببلوغه قمة الحضارة -بحسب زعمه- وإنطواء دوله وقاداته كلهم تحت ما يسمى بالنظام العالم الجديد، وارتباط دول العالم أجمع بهذا النظام الشيطاني الكفري سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعسكريا ربطا وثيقا، وبينما هم في أوج هذه القوة وهذا الترابط، خرجت ثلة بأرض الرافدين أعلنت موقفها تجاه هذ الحلف بكل وضوح كما أراد الله وكما فعل نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان على رأس هذه الثلة أمير الاستشهاديين، الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
وأكثر ما فاجأ هذا النظام العالمي الخبيث نقاء منهج هذه الثلة ووضوح إعلانها وإلحاق أفعالها بأقوالها، فشمر الشجعان ونهض الأسود والتحق الركب بالركب عبر مجاميع قتالية كل منها ينهش من جسد العدو المغتصب جزءاً، ومن هؤلاء الأسود البطل المجاهد "أبو طلحة العلقاوي"، تقبله الله.
بداية الطريق:
ومع دخول القوات الصليبية الأمريكية الغازية أرض العراق عام 1424 هـ، انبرى البطل أبو طلحة لهم مع عدد صغير من إخوانه بعد أن اشترى كل منهم سلاحا بماله الخاص، ولم يرضوا القعود والهوان، فأعملوا فيهم قتلا وتشريدا إلى أن يسر الله -تعالى- للمخلصين إعلان دولة العراق الإسلامية، فكان من أول المبايعين لأميرها الأول أمير الاستشهاديين الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
كان -تقبله الله- طويل القامة قوي الجسد نبيها صبورا كريما، لينا على إخوانه شديدا على أعدائه، بسيطا يعتمد على نفسه بشكل كبير، يحب خدمة إخوانه، انحدر من أسرة كريمة عُرفت بصيد الأسماك في مدينة حديثة، وعند دخول الغزاة الصليبيين بلده، أقسم أن يجعل ليلهم نهارا ونهارهم نارا، فهبَّ مع اثنين من رفاقه وبدؤوا العمل، إذ كان دخول الأمريكان الصليبيين أكبر محرض له على الجهاد، وكان حينها لم يتجاوز الـ 23 من عمره.
وبدأ العمل يكبر والضرر ضد القوات الصليبية يعظم، وباتت دماؤهم تسيل ومركباتهم تحترق وبدأت كذلك ضريبة الجهاد تعظم حتى وصل ضرر الغزاة إلى أهله وإخوانه فحاولوا ثنيه عن الطريق، فأقسم لهم إن حدثه أحد في هذا الشأن أو حاول رده عن الطريق أن يقتله، عندها استشعر إخوانه حرص هذا الشاب الغيور على الجهاد، وبعد أشهر، ولما رأى الإخوة أفعال أخيهم الحميدة الأبيّة، وتضحيته في سبيل أمته والذود عن أهله، انضم إليه أحد إخوانه، وما هي إلا أشهر أخرى حتى انضم اثنان آخران، فباتت العائلة كلها مجاهدة ومناصرة للمجاهدين.
قراءة القرآن، وتقوى الله وصوم الاثنين والخميس والذكر وصلاة النافلة، كل ذلك كان زاده وأنيسه أينما حل وارتحل، عاش أغلب أيامه في الصحراء حيث جعل منها منطلق عملياته، فكانت عرينه التي يهاب الغزاة الاقتراب منه.
سجون وابتلاءات:
كان للسجن نصيب من حياة هذا البطل، حيث سجن 3 مرات، هرب بالمرة الأولى وبقي في المرة الثانية أكثر من عام دون أن يتعرفوا على شخصيته أو يكتشفوا هويته، مع شبه يقينهم أنه الشخص المطلوب، ولكن حفظ الله له وثباته وعدم اعترافه جعلهم في حيرة من أمره فأطلقوا سراحه، وكانوا قد ألقوا القبض عليه بإنزال نفذوه على بيته فاقتادوه مع زوجته التي أطلقوا سراحها بعد ضربها والتحقيق معها لعدة ساعات، وظل عندهم في سجن "بوكا" ما يقارب 14 شهرا، بتهمة ضرب رتل للغزاة الصليبيين.
لقد كان لهذه الفترة من حياة أبي طلحة الأثر الكبير في نفسه وثباته على جهاده، فلقد علم داخل السجن ما يقاسيه إخوانه وأدرك أنهم لا يلاقون ما يلاقون إلا بسبب أمر عظيم جدا، وفي السجن تعرض لتعذيب شديد فقد على إثره ذاكرته، فلم يتعرف على أبنائه وزوجته بعد خروجه وبقي فاقدا لذاكرته ما يقارب 40 يوما، ثم بدأت تعود إليه شيئا فشيئا.
لم يكلّ أو يملّ، وكان في كل مرة يسجن فيها يعود للعمل فور خروجه، فلم تكسِر عزيمته المعتقلات، ولم يوهن نفسه التعذيب والتحقيقات رغم قساوتها.
حديثة وسدها وشوارعها خير شاهد:
كثيرة هي العمليات التي نفذها بمفرده أو بمشاركة إخوانه ضد الصليبيين الأمريكيين، فسدُّ حديثة وطرقها وشوارع بروانة يشهدون على ذلك، ففي صباح أحد الأيام السود على الأمريكيين في شارع بروانة، كمن أخونا أبو طلحة في السوق بعد أن أعلنوا حالة الطوارئ، وبعد اقتراب دورية راجلة صليبية من مخبئه خرج أمامهم مكبرا بصوت عال لا يبعد عنهم سوى أمتار قليلة، فأصابت الجنود حالة من الخوف خلعت قلوبهم فسقط بعضهم أرضا من الرعب ورمى بعضهم بسلاحه ورفع يديه، وفتح بعضهم النار بشكل عشوائي على بعض، وفرّ الآخرون، ففتح نيرانه عليهم وأردى أكثر من 7 منهم قتلى دون أن يصاب بمكروه.
وفي عام 1428 هـ، علم بقدوم رتل إلى بروانة، فكمن للصليبيين، وأقسم هو وإخوانه ألا يتركوا أحدا من الرتل يخرج حيا، ففخخوا الطريق وتناولوا أسلحتهم وربضوا كالأسود الجائعة، وما إن قدم الرتل حتى انفجرت بهم العبوات وبدأت القذائف والطلقات تنهش لحومهم، فقتلوا 18 صليبيا أمريكيا بينهم 4 ضباط.
وفي واحدة من العمليات البسيطة -حسب قوله نقلا عمن عرفوه- اعتاد الصليبيون في مراقبتهم للسد على خروج الدبابة منه نهارا وعودتها إليه ليلا، ففي أحد الأيام زرع عبوته قبل مجيء الدبابة، وعند قدومها فجَّرها عليهم، بفضل الله.
وتمضي الأيام تلو الأيام، ليصبح اسم أبي طلحة مؤرقا للصليبيين، وليصبح أحد أهم المطلوبين لديهم لما نالهم من أذى على يديه.
كان بطلنا أبو طلحة ذا قلب صلب لا يعرف التردد والخوف، ويتجلى ذلك واضحا في اصطياد للصحوات ورؤوسهم، فكان يهوى دخول منازلهم وخطفهم والتحقيق معهم والحصول على معلومات حول الجواسيس والعملاء، ثم الذهاب لخطف الآخرين وقتلهم.
وفي إحدى الليالي، جاءته معلومة عن عميل من الصحوات له تواصل مع العديد من رؤوس الصحوات والروافض، فعزم على خطف هذا العميل وتمكن من ذلك بفضل الله، وأتى به إلى عرينه وحبسه ببئر قديم حتى حصل منه على معلومات كثيرة بوقت قصير، ووضع بطلُنا قائمة بأسماء العملاء وأماكن سكنهم ومناطق تواجدهم، وبدأ بالعمل على هذه القائمة حتى مكَّنه الله -تعالى- من قتل معظم الأهداف التي رتبها بقائمته بحسب الأهمية.
لطف من الله ورعاية:
وفي إحدى الليالي، سمع برتل صغير للصليبيين الأمريكان على طريق (بيجي - حديثة)، مؤلف من 5 آليات، فأعد العدة واشتبك معهم برفقة إخوانه، فقتلوا وأصابوا عددا من الكفار وهرب بعضهم، فغنم من الرتل أسلحة متوسطة وذخائر، ومسدسين وجوازي سفر وبطاقات لأمريكيين، وذهب بها باتجاه بيته ولم يكن يعلم بأن طائرة استطلاع تراقبه، ووضع السلاح في سيارة رباعية الدفع كانت مركونة أمام البيت لنقله إلى مكان آخر، ووضع فوقها سعف النخيل، وما هي إلا ساعة حتى طُوِّق منزله عدد كبير من الجنود ترافقهم الهمرات والمركبات العسكرية، وكانت الطائرات الحوامة تحلق فوقهم، وكان برفقته أخوان من الجزيرة العربية.
الأطفال نيام، والأخوان في غرفة الاستقبال، وأبو طلحة موجود بغرفة الأطفال، فما كان منه إلا أن باعد بين فرش الصغار، واستلقى بين اثنين منها، فدخل الأمريكيون الصليبيون وأعوانهم المرتدون الغرفة، فلم يلاحظوا سوى الأطفال النائمين، وقيدوا أخاه الكبير الذي كان بالبيت، وضربوه بغية إخبارهم عن مكان الأسلحة، فأنكر علمه بالأمر، وقال: "لا يوجد بالبيت سوى أطفالي الصغار وزوجتي"، وخلال انشغالهم بأخيه، قامت أمه -رحمها الله- بإخراج الأخوين من الباب الخلفي لغرفة الاستقبال وخبأتهما خلف عباءتها، ونجاهما الله من الأسر، ولم يدخل أحد من الصليبيين إلى غرفة الاستقبال التي كانت مليئة بالسلاح، ولم ير أحد منهم السلاح الذي كان بالسيارة تحت السعف رغم اقترابهم منها وبحثهم بشكل سريع فيها.
وفي عام 1429 هـ وأثناء ركوبه سيارة رباعية الدفع في منطقة "المدهم" برفقة ابنه ذي الأعوام الست، تبعته طائرة الأباتشي واستهدفته بسلاح رشاش، فأُصيب إصابة بسيطة برأسه بينما لم يصب ابنه أذى سوى بعض شظايا الزجاج المتطاير من السيارة بفضل الله، وتمكن -رحمه الله- من النجاة بدخوله مزرعة نخيل كانت قريبة منه.
صبر واحتساب:
ولقد لاقت زوجه الصبور ما لاقت من الأذى، سواء من أهلها أو من الغزاة الصليبيين أو الصحوات المرتدين، فلقد كان أهلها من الصحوات، وكانوا كثيرا ما يزجرونها ويضايقونها إذا وضعها عندهم وذهب، ويرفضون حتى تقديم شيء من المساعدة لها، وكان -تقبله الله- يغيب عنها الأشهر الطويلة، حتى أنه غاب 14 شهرا في أحد المرات، لم يتمكن خلالها من زيارتها أو رؤيتها، وبعد هذه المدة تواصل معها والتقى بها وجلس معها يومين، ثم أوصاها بأبنائه وبنفسها خيرا وبتقوى الله.
وفي يوم من أيام رمضان، لم يكن في بيته شيء للإفطار، فأخبرته زوجته بذلك وأن الأطفال لم يأكلوا شيئا من الصباح، وأنهم لا يملكون خبزا، فأجابها بأن الله سيرزقهم إن شاء الله، وبعد ساعتين تقريبا، قصدت بيت الجيران لتأتي منهم بقليل من الخبز، وأثناء توجهها إليهم أصاب قدمها مكروه، فرجعت، وإذ بطارق ينادي أبا طلحة، فإذا بهم بعض المجاهدين، فسألوه إن كان بحاجة إلى شيء، فقال: "لا أحتاج سوى الخبز"، فانصرفوا عنه وأحضروا الطعام والخبز، وعلموا بفراستهم وبمعرفتهم بأخلاقه وعفة نفسه أن لا طعام ببيته.
وفي أحد أيام رمضان كذلك، وأثناء تواجده في الصحراء، بقي أبو طلحة 3 أيام دون إفطار، حيث أنه لم يعلم بمكانه أحد ولم يكن لديه مركبة يتنقل بها.
وحانت ساعة الوداع:
وفي أحد الأيام من عام 1432 هـ، كانت المنية بانتظار أبي طلحة العلقاوي تقبله الله، وكانت نهاية مشرفة له، أودت بحياة العديد من الصليبيين والصحوات والروافض المرتدين الذين حاولوا أسره وفك أسيرهم.
حيث أقدم أبو طلحة على خطف شخصية حكومية رافضية بارزة، واقتاده إلى منزل مهجور في الصحراء، وشك الصحوات المرتدون بأمره، فبلغوا أسيادهم، وجاء جيش كامل لاستنقاذ عميلهم، وخاض الأسد مع أخوين فقط حربا استمرت 3 أيام، قُتل خلالها الأسير الرافضي، وارتقى بطلنا مع أخويه إلى الرفيق الأعلى بعد قصف البيت بالطائرات، بعد تأكد المرتدين من مقتل ذلك الرافضي الوضيع، وخسر المرتدون العشرات من عناصرهم وسمع القريب والبعيد بهذه المعركة التي تناقلها أهالي المنطقة لأشهر طويلة، والتي كانت حديث المجالس، والتي كانت خاتمة مسك لبطل أذاق الصليبيين الأمريكيين المر الزؤام لسنوات طوال وأذاق أعوانهم المرتدين طعم الكواتم والمفخخات.
وبعد مقتله -تقبله الله- أسروا 5 من إخوانه، ورفضوا تسليم جثته لأهله، وكذلك رفضوا إطلاق سراح إخوانه إلا بعد دفع 45 مليون دينار عراقي، وسيارتين وقطعة أرض بمدينة حديثة، فدفع أهله للروافض الملاعين ما طلبوه، فسلموهم جثته الطاهرة بعد 13 يوما، ولم تكن قد تغيرت، وأفرجوا عن 4 من إخوانه وبقي الخامس مسجونا لسنوات.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
أسد من أسود الصحراء
أبو طلحة العلقاوي -تقبله الله-
تنكيل بالصليبيين الأمريكيين واغتيال للروافض والصحوات
إن الابتلاءات والمحن تسفر عن معادن الناس، وكلما عظم الابتلاء عظمت الرجال، رجال أعلنوا موقفهم من الكفر العالمي وأتباعه بكل وضوح، وشنُّوا هجماتهم على أرتاله التي قدم بها إلى أراضيهم، وأقسموا أن لن يناموا على ضيم، وأن موعدهم روما، فكانت هممهم عالية ونفوسهم أبية.
بدأت القصة في الوقت الذي تحقق للعالم الكفري حلمه ببلوغه قمة الحضارة -بحسب زعمه- وإنطواء دوله وقاداته كلهم تحت ما يسمى بالنظام العالم الجديد، وارتباط دول العالم أجمع بهذا النظام الشيطاني الكفري سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعسكريا ربطا وثيقا، وبينما هم في أوج هذه القوة وهذا الترابط، خرجت ثلة بأرض الرافدين أعلنت موقفها تجاه هذ الحلف بكل وضوح كما أراد الله وكما فعل نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان على رأس هذه الثلة أمير الاستشهاديين، الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
وأكثر ما فاجأ هذا النظام العالمي الخبيث نقاء منهج هذه الثلة ووضوح إعلانها وإلحاق أفعالها بأقوالها، فشمر الشجعان ونهض الأسود والتحق الركب بالركب عبر مجاميع قتالية كل منها ينهش من جسد العدو المغتصب جزءاً، ومن هؤلاء الأسود البطل المجاهد "أبو طلحة العلقاوي"، تقبله الله.
بداية الطريق:
ومع دخول القوات الصليبية الأمريكية الغازية أرض العراق عام 1424 هـ، انبرى البطل أبو طلحة لهم مع عدد صغير من إخوانه بعد أن اشترى كل منهم سلاحا بماله الخاص، ولم يرضوا القعود والهوان، فأعملوا فيهم قتلا وتشريدا إلى أن يسر الله -تعالى- للمخلصين إعلان دولة العراق الإسلامية، فكان من أول المبايعين لأميرها الأول أمير الاستشهاديين الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
كان -تقبله الله- طويل القامة قوي الجسد نبيها صبورا كريما، لينا على إخوانه شديدا على أعدائه، بسيطا يعتمد على نفسه بشكل كبير، يحب خدمة إخوانه، انحدر من أسرة كريمة عُرفت بصيد الأسماك في مدينة حديثة، وعند دخول الغزاة الصليبيين بلده، أقسم أن يجعل ليلهم نهارا ونهارهم نارا، فهبَّ مع اثنين من رفاقه وبدؤوا العمل، إذ كان دخول الأمريكان الصليبيين أكبر محرض له على الجهاد، وكان حينها لم يتجاوز الـ 23 من عمره.
وبدأ العمل يكبر والضرر ضد القوات الصليبية يعظم، وباتت دماؤهم تسيل ومركباتهم تحترق وبدأت كذلك ضريبة الجهاد تعظم حتى وصل ضرر الغزاة إلى أهله وإخوانه فحاولوا ثنيه عن الطريق، فأقسم لهم إن حدثه أحد في هذا الشأن أو حاول رده عن الطريق أن يقتله، عندها استشعر إخوانه حرص هذا الشاب الغيور على الجهاد، وبعد أشهر، ولما رأى الإخوة أفعال أخيهم الحميدة الأبيّة، وتضحيته في سبيل أمته والذود عن أهله، انضم إليه أحد إخوانه، وما هي إلا أشهر أخرى حتى انضم اثنان آخران، فباتت العائلة كلها مجاهدة ومناصرة للمجاهدين.
قراءة القرآن، وتقوى الله وصوم الاثنين والخميس والذكر وصلاة النافلة، كل ذلك كان زاده وأنيسه أينما حل وارتحل، عاش أغلب أيامه في الصحراء حيث جعل منها منطلق عملياته، فكانت عرينه التي يهاب الغزاة الاقتراب منه.
سجون وابتلاءات:
كان للسجن نصيب من حياة هذا البطل، حيث سجن 3 مرات، هرب بالمرة الأولى وبقي في المرة الثانية أكثر من عام دون أن يتعرفوا على شخصيته أو يكتشفوا هويته، مع شبه يقينهم أنه الشخص المطلوب، ولكن حفظ الله له وثباته وعدم اعترافه جعلهم في حيرة من أمره فأطلقوا سراحه، وكانوا قد ألقوا القبض عليه بإنزال نفذوه على بيته فاقتادوه مع زوجته التي أطلقوا سراحها بعد ضربها والتحقيق معها لعدة ساعات، وظل عندهم في سجن "بوكا" ما يقارب 14 شهرا، بتهمة ضرب رتل للغزاة الصليبيين.
لقد كان لهذه الفترة من حياة أبي طلحة الأثر الكبير في نفسه وثباته على جهاده، فلقد علم داخل السجن ما يقاسيه إخوانه وأدرك أنهم لا يلاقون ما يلاقون إلا بسبب أمر عظيم جدا، وفي السجن تعرض لتعذيب شديد فقد على إثره ذاكرته، فلم يتعرف على أبنائه وزوجته بعد خروجه وبقي فاقدا لذاكرته ما يقارب 40 يوما، ثم بدأت تعود إليه شيئا فشيئا.
لم يكلّ أو يملّ، وكان في كل مرة يسجن فيها يعود للعمل فور خروجه، فلم تكسِر عزيمته المعتقلات، ولم يوهن نفسه التعذيب والتحقيقات رغم قساوتها.
حديثة وسدها وشوارعها خير شاهد:
كثيرة هي العمليات التي نفذها بمفرده أو بمشاركة إخوانه ضد الصليبيين الأمريكيين، فسدُّ حديثة وطرقها وشوارع بروانة يشهدون على ذلك، ففي صباح أحد الأيام السود على الأمريكيين في شارع بروانة، كمن أخونا أبو طلحة في السوق بعد أن أعلنوا حالة الطوارئ، وبعد اقتراب دورية راجلة صليبية من مخبئه خرج أمامهم مكبرا بصوت عال لا يبعد عنهم سوى أمتار قليلة، فأصابت الجنود حالة من الخوف خلعت قلوبهم فسقط بعضهم أرضا من الرعب ورمى بعضهم بسلاحه ورفع يديه، وفتح بعضهم النار بشكل عشوائي على بعض، وفرّ الآخرون، ففتح نيرانه عليهم وأردى أكثر من 7 منهم قتلى دون أن يصاب بمكروه.
وفي عام 1428 هـ، علم بقدوم رتل إلى بروانة، فكمن للصليبيين، وأقسم هو وإخوانه ألا يتركوا أحدا من الرتل يخرج حيا، ففخخوا الطريق وتناولوا أسلحتهم وربضوا كالأسود الجائعة، وما إن قدم الرتل حتى انفجرت بهم العبوات وبدأت القذائف والطلقات تنهش لحومهم، فقتلوا 18 صليبيا أمريكيا بينهم 4 ضباط.
وفي واحدة من العمليات البسيطة -حسب قوله نقلا عمن عرفوه- اعتاد الصليبيون في مراقبتهم للسد على خروج الدبابة منه نهارا وعودتها إليه ليلا، ففي أحد الأيام زرع عبوته قبل مجيء الدبابة، وعند قدومها فجَّرها عليهم، بفضل الله.
وتمضي الأيام تلو الأيام، ليصبح اسم أبي طلحة مؤرقا للصليبيين، وليصبح أحد أهم المطلوبين لديهم لما نالهم من أذى على يديه.
كان بطلنا أبو طلحة ذا قلب صلب لا يعرف التردد والخوف، ويتجلى ذلك واضحا في اصطياد للصحوات ورؤوسهم، فكان يهوى دخول منازلهم وخطفهم والتحقيق معهم والحصول على معلومات حول الجواسيس والعملاء، ثم الذهاب لخطف الآخرين وقتلهم.
وفي إحدى الليالي، جاءته معلومة عن عميل من الصحوات له تواصل مع العديد من رؤوس الصحوات والروافض، فعزم على خطف هذا العميل وتمكن من ذلك بفضل الله، وأتى به إلى عرينه وحبسه ببئر قديم حتى حصل منه على معلومات كثيرة بوقت قصير، ووضع بطلُنا قائمة بأسماء العملاء وأماكن سكنهم ومناطق تواجدهم، وبدأ بالعمل على هذه القائمة حتى مكَّنه الله -تعالى- من قتل معظم الأهداف التي رتبها بقائمته بحسب الأهمية.
لطف من الله ورعاية:
وفي إحدى الليالي، سمع برتل صغير للصليبيين الأمريكان على طريق (بيجي - حديثة)، مؤلف من 5 آليات، فأعد العدة واشتبك معهم برفقة إخوانه، فقتلوا وأصابوا عددا من الكفار وهرب بعضهم، فغنم من الرتل أسلحة متوسطة وذخائر، ومسدسين وجوازي سفر وبطاقات لأمريكيين، وذهب بها باتجاه بيته ولم يكن يعلم بأن طائرة استطلاع تراقبه، ووضع السلاح في سيارة رباعية الدفع كانت مركونة أمام البيت لنقله إلى مكان آخر، ووضع فوقها سعف النخيل، وما هي إلا ساعة حتى طُوِّق منزله عدد كبير من الجنود ترافقهم الهمرات والمركبات العسكرية، وكانت الطائرات الحوامة تحلق فوقهم، وكان برفقته أخوان من الجزيرة العربية.
الأطفال نيام، والأخوان في غرفة الاستقبال، وأبو طلحة موجود بغرفة الأطفال، فما كان منه إلا أن باعد بين فرش الصغار، واستلقى بين اثنين منها، فدخل الأمريكيون الصليبيون وأعوانهم المرتدون الغرفة، فلم يلاحظوا سوى الأطفال النائمين، وقيدوا أخاه الكبير الذي كان بالبيت، وضربوه بغية إخبارهم عن مكان الأسلحة، فأنكر علمه بالأمر، وقال: "لا يوجد بالبيت سوى أطفالي الصغار وزوجتي"، وخلال انشغالهم بأخيه، قامت أمه -رحمها الله- بإخراج الأخوين من الباب الخلفي لغرفة الاستقبال وخبأتهما خلف عباءتها، ونجاهما الله من الأسر، ولم يدخل أحد من الصليبيين إلى غرفة الاستقبال التي كانت مليئة بالسلاح، ولم ير أحد منهم السلاح الذي كان بالسيارة تحت السعف رغم اقترابهم منها وبحثهم بشكل سريع فيها.
وفي عام 1429 هـ وأثناء ركوبه سيارة رباعية الدفع في منطقة "المدهم" برفقة ابنه ذي الأعوام الست، تبعته طائرة الأباتشي واستهدفته بسلاح رشاش، فأُصيب إصابة بسيطة برأسه بينما لم يصب ابنه أذى سوى بعض شظايا الزجاج المتطاير من السيارة بفضل الله، وتمكن -رحمه الله- من النجاة بدخوله مزرعة نخيل كانت قريبة منه.
صبر واحتساب:
ولقد لاقت زوجه الصبور ما لاقت من الأذى، سواء من أهلها أو من الغزاة الصليبيين أو الصحوات المرتدين، فلقد كان أهلها من الصحوات، وكانوا كثيرا ما يزجرونها ويضايقونها إذا وضعها عندهم وذهب، ويرفضون حتى تقديم شيء من المساعدة لها، وكان -تقبله الله- يغيب عنها الأشهر الطويلة، حتى أنه غاب 14 شهرا في أحد المرات، لم يتمكن خلالها من زيارتها أو رؤيتها، وبعد هذه المدة تواصل معها والتقى بها وجلس معها يومين، ثم أوصاها بأبنائه وبنفسها خيرا وبتقوى الله.
وفي يوم من أيام رمضان، لم يكن في بيته شيء للإفطار، فأخبرته زوجته بذلك وأن الأطفال لم يأكلوا شيئا من الصباح، وأنهم لا يملكون خبزا، فأجابها بأن الله سيرزقهم إن شاء الله، وبعد ساعتين تقريبا، قصدت بيت الجيران لتأتي منهم بقليل من الخبز، وأثناء توجهها إليهم أصاب قدمها مكروه، فرجعت، وإذ بطارق ينادي أبا طلحة، فإذا بهم بعض المجاهدين، فسألوه إن كان بحاجة إلى شيء، فقال: "لا أحتاج سوى الخبز"، فانصرفوا عنه وأحضروا الطعام والخبز، وعلموا بفراستهم وبمعرفتهم بأخلاقه وعفة نفسه أن لا طعام ببيته.
وفي أحد أيام رمضان كذلك، وأثناء تواجده في الصحراء، بقي أبو طلحة 3 أيام دون إفطار، حيث أنه لم يعلم بمكانه أحد ولم يكن لديه مركبة يتنقل بها.
وحانت ساعة الوداع:
وفي أحد الأيام من عام 1432 هـ، كانت المنية بانتظار أبي طلحة العلقاوي تقبله الله، وكانت نهاية مشرفة له، أودت بحياة العديد من الصليبيين والصحوات والروافض المرتدين الذين حاولوا أسره وفك أسيرهم.
حيث أقدم أبو طلحة على خطف شخصية حكومية رافضية بارزة، واقتاده إلى منزل مهجور في الصحراء، وشك الصحوات المرتدون بأمره، فبلغوا أسيادهم، وجاء جيش كامل لاستنقاذ عميلهم، وخاض الأسد مع أخوين فقط حربا استمرت 3 أيام، قُتل خلالها الأسير الرافضي، وارتقى بطلنا مع أخويه إلى الرفيق الأعلى بعد قصف البيت بالطائرات، بعد تأكد المرتدين من مقتل ذلك الرافضي الوضيع، وخسر المرتدون العشرات من عناصرهم وسمع القريب والبعيد بهذه المعركة التي تناقلها أهالي المنطقة لأشهر طويلة، والتي كانت حديث المجالس، والتي كانت خاتمة مسك لبطل أذاق الصليبيين الأمريكيين المر الزؤام لسنوات طوال وأذاق أعوانهم المرتدين طعم الكواتم والمفخخات.
وبعد مقتله -تقبله الله- أسروا 5 من إخوانه، ورفضوا تسليم جثته لأهله، وكذلك رفضوا إطلاق سراح إخوانه إلا بعد دفع 45 مليون دينار عراقي، وسيارتين وقطعة أرض بمدينة حديثة، فدفع أهله للروافض الملاعين ما طلبوه، فسلموهم جثته الطاهرة بعد 13 يوما، ولم تكن قد تغيرت، وأفرجوا عن 4 من إخوانه وبقي الخامس مسجونا لسنوات.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
قصة شهيد: أسد من أسود الصحراء أبو طلحة العلقاوي -تقبله الله- تنكيل بالصليبيين الأمريكيين ...
قصة شهيد:
أسد من أسود الصحراء
أبو طلحة العلقاوي -تقبله الله-
تنكيل بالصليبيين الأمريكيين واغتيال للروافض والصحوات
إن الابتلاءات والمحن تسفر عن معادن الناس، وكلما عظم الابتلاء عظمت الرجال، رجال أعلنوا موقفهم من الكفر العالمي وأتباعه بكل وضوح، وشنُّوا هجماتهم على أرتاله التي قدم بها إلى أراضيهم، وأقسموا أن لن يناموا على ضيم، وأن موعدهم روما، فكانت هممهم عالية ونفوسهم أبية.
بدأت القصة في الوقت الذي تحقق للعالم الكفري حلمه ببلوغه قمة الحضارة -بحسب زعمه- وإنطواء دوله وقاداته كلهم تحت ما يسمى بالنظام العالم الجديد، وارتباط دول العالم أجمع بهذا النظام الشيطاني الكفري سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعسكريا ربطا وثيقا، وبينما هم في أوج هذه القوة وهذا الترابط، خرجت ثلة بأرض الرافدين أعلنت موقفها تجاه هذ الحلف بكل وضوح كما أراد الله وكما فعل نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان على رأس هذه الثلة أمير الاستشهاديين، الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
وأكثر ما فاجأ هذا النظام العالمي الخبيث نقاء منهج هذه الثلة ووضوح إعلانها وإلحاق أفعالها بأقوالها، فشمر الشجعان ونهض الأسود والتحق الركب بالركب عبر مجاميع قتالية كل منها ينهش من جسد العدو المغتصب جزءاً، ومن هؤلاء الأسود البطل المجاهد "أبو طلحة العلقاوي"، تقبله الله.
بداية الطريق:
ومع دخول القوات الصليبية الأمريكية الغازية أرض العراق عام 1424 هـ، انبرى البطل أبو طلحة لهم مع عدد صغير من إخوانه بعد أن اشترى كل منهم سلاحا بماله الخاص، ولم يرضوا القعود والهوان، فأعملوا فيهم قتلا وتشريدا إلى أن يسر الله -تعالى- للمخلصين إعلان دولة العراق الإسلامية، فكان من أول المبايعين لأميرها الأول أمير الاستشهاديين الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
كان -تقبله الله- طويل القامة قوي الجسد نبيها صبورا كريما، لينا على إخوانه شديدا على أعدائه، بسيطا يعتمد على نفسه بشكل كبير، يحب خدمة إخوانه، انحدر من أسرة كريمة عُرفت بصيد الأسماك في مدينة حديثة، وعند دخول الغزاة الصليبيين بلده، أقسم أن يجعل ليلهم نهارا ونهارهم نارا، فهبَّ مع اثنين من رفاقه وبدؤوا العمل، إذ كان دخول الأمريكان الصليبيين أكبر محرض له على الجهاد، وكان حينها لم يتجاوز الـ 23 من عمره.
وبدأ العمل يكبر والضرر ضد القوات الصليبية يعظم، وباتت دماؤهم تسيل ومركباتهم تحترق وبدأت كذلك ضريبة الجهاد تعظم حتى وصل ضرر الغزاة إلى أهله وإخوانه فحاولوا ثنيه عن الطريق، فأقسم لهم إن حدثه أحد في هذا الشأن أو حاول رده عن الطريق أن يقتله، عندها استشعر إخوانه حرص هذا الشاب الغيور على الجهاد، وبعد أشهر، ولما رأى الإخوة أفعال أخيهم الحميدة الأبيّة، وتضحيته في سبيل أمته والذود عن أهله، انضم إليه أحد إخوانه، وما هي إلا أشهر أخرى حتى انضم اثنان آخران، فباتت العائلة كلها مجاهدة ومناصرة للمجاهدين.
قراءة القرآن، وتقوى الله وصوم الاثنين والخميس والذكر وصلاة النافلة، كل ذلك كان زاده وأنيسه أينما حل وارتحل، عاش أغلب أيامه في الصحراء حيث جعل منها منطلق عملياته، فكانت عرينه التي يهاب الغزاة الاقتراب منه.
سجون وابتلاءات:
كان للسجن نصيب من حياة هذا البطل، حيث سجن 3 مرات، هرب بالمرة الأولى وبقي في المرة الثانية أكثر من عام دون أن يتعرفوا على شخصيته أو يكتشفوا هويته، مع شبه يقينهم أنه الشخص المطلوب، ولكن حفظ الله له وثباته وعدم اعترافه جعلهم في حيرة من أمره فأطلقوا سراحه، وكانوا قد ألقوا القبض عليه بإنزال نفذوه على بيته فاقتادوه مع زوجته التي أطلقوا سراحها بعد ضربها والتحقيق معها لعدة ساعات، وظل عندهم في سجن "بوكا" ما يقارب 14 شهرا، بتهمة ضرب رتل للغزاة الصليبيين.
لقد كان لهذه الفترة من حياة أبي طلحة الأثر الكبير في نفسه وثباته على جهاده، فلقد علم داخل السجن ما يقاسيه إخوانه وأدرك أنهم لا يلاقون ما يلاقون إلا بسبب أمر عظيم جدا، وفي السجن تعرض لتعذيب شديد فقد على إثره ذاكرته، فلم يتعرف على أبنائه وزوجته بعد خروجه وبقي فاقدا لذاكرته ما يقارب 40 يوما، ثم بدأت تعود إليه شيئا فشيئا.
لم يكلّ أو يملّ، وكان في كل مرة يسجن فيها يعود للعمل فور خروجه، فلم تكسِر عزيمته المعتقلات، ولم يوهن نفسه التعذيب والتحقيقات رغم قساوتها.
حديثة وسدها وشوارعها خير شاهد:
كثيرة هي العمليات التي نفذها بمفرده أو بمشاركة إخوانه ضد الصليبيين الأمريكيين، فسدُّ حديثة وطرقها وشوارع بروانة يشهدون على ذلك، ففي صباح أحد الأيام السود على الأمريكيين في شارع بروانة، كمن أخونا أبو طلحة في السوق بعد أن أعلنوا حالة الطوارئ، وبعد اقتراب دورية راجلة صليبية من مخبئه خرج أمامهم مكبرا بصوت عال لا يبعد عنهم سوى أمتار قليلة، فأصابت الجنود حالة من الخوف خلعت قلوبهم فسقط بعضهم أرضا من الرعب ورمى بعضهم بسلاحه ورفع يديه، وفتح بعضهم النار بشكل عشوائي على بعض، وفرّ الآخرون، ففتح نيرانه عليهم وأردى أكثر من 7 منهم قتلى دون أن يصاب بمكروه.
وفي عام 1428 هـ، علم بقدوم رتل إلى بروانة، فكمن للصليبيين، وأقسم هو وإخوانه ألا يتركوا أحدا من الرتل يخرج حيا، ففخخوا الطريق وتناولوا أسلحتهم وربضوا كالأسود الجائعة، وما إن قدم الرتل حتى انفجرت بهم العبوات وبدأت القذائف والطلقات تنهش لحومهم، فقتلوا 18 صليبيا أمريكيا بينهم 4 ضباط.
وفي واحدة من العمليات البسيطة -حسب قوله نقلا عمن عرفوه- اعتاد الصليبيون في مراقبتهم للسد على خروج الدبابة منه نهارا وعودتها إليه ليلا، ففي أحد الأيام زرع عبوته قبل مجيء الدبابة، وعند قدومها فجَّرها عليهم، بفضل الله.
وتمضي الأيام تلو الأيام، ليصبح اسم أبي طلحة مؤرقا للصليبيين، وليصبح أحد أهم المطلوبين لديهم لما نالهم من أذى على يديه.
كان بطلنا أبو طلحة ذا قلب صلب لا يعرف التردد والخوف، ويتجلى ذلك واضحا في اصطياد للصحوات ورؤوسهم، فكان يهوى دخول منازلهم وخطفهم والتحقيق معهم والحصول على معلومات حول الجواسيس والعملاء، ثم الذهاب لخطف الآخرين وقتلهم.
وفي إحدى الليالي، جاءته معلومة عن عميل من الصحوات له تواصل مع العديد من رؤوس الصحوات والروافض، فعزم على خطف هذا العميل وتمكن من ذلك بفضل الله، وأتى به إلى عرينه وحبسه ببئر قديم حتى حصل منه على معلومات كثيرة بوقت قصير، ووضع بطلُنا قائمة بأسماء العملاء وأماكن سكنهم ومناطق تواجدهم، وبدأ بالعمل على هذه القائمة حتى مكَّنه الله -تعالى- من قتل معظم الأهداف التي رتبها بقائمته بحسب الأهمية.
لطف من الله ورعاية:
وفي إحدى الليالي، سمع برتل صغير للصليبيين الأمريكان على طريق (بيجي - حديثة)، مؤلف من 5 آليات، فأعد العدة واشتبك معهم برفقة إخوانه، فقتلوا وأصابوا عددا من الكفار وهرب بعضهم، فغنم من الرتل أسلحة متوسطة وذخائر، ومسدسين وجوازي سفر وبطاقات لأمريكيين، وذهب بها باتجاه بيته ولم يكن يعلم بأن طائرة استطلاع تراقبه، ووضع السلاح في سيارة رباعية الدفع كانت مركونة أمام البيت لنقله إلى مكان آخر، ووضع فوقها سعف النخيل، وما هي إلا ساعة حتى طُوِّق منزله عدد كبير من الجنود ترافقهم الهمرات والمركبات العسكرية، وكانت الطائرات الحوامة تحلق فوقهم، وكان برفقته أخوان من الجزيرة العربية.
الأطفال نيام، والأخوان في غرفة الاستقبال، وأبو طلحة موجود بغرفة الأطفال، فما كان منه إلا أن باعد بين فرش الصغار، واستلقى بين اثنين منها، فدخل الأمريكيون الصليبيون وأعوانهم المرتدون الغرفة، فلم يلاحظوا سوى الأطفال النائمين، وقيدوا أخاه الكبير الذي كان بالبيت، وضربوه بغية إخبارهم عن مكان الأسلحة، فأنكر علمه بالأمر، وقال: "لا يوجد بالبيت سوى أطفالي الصغار وزوجتي"، وخلال انشغالهم بأخيه، قامت أمه -رحمها الله- بإخراج الأخوين من الباب الخلفي لغرفة الاستقبال وخبأتهما خلف عباءتها، ونجاهما الله من الأسر، ولم يدخل أحد من الصليبيين إلى غرفة الاستقبال التي كانت مليئة بالسلاح، ولم ير أحد منهم السلاح الذي كان بالسيارة تحت السعف رغم اقترابهم منها وبحثهم بشكل سريع فيها.
وفي عام 1429 هـ وأثناء ركوبه سيارة رباعية الدفع في منطقة "المدهم" برفقة ابنه ذي الأعوام الست، تبعته طائرة الأباتشي واستهدفته بسلاح رشاش، فأُصيب إصابة بسيطة برأسه بينما لم يصب ابنه أذى سوى بعض شظايا الزجاج المتطاير من السيارة بفضل الله، وتمكن -رحمه الله- من النجاة بدخوله مزرعة نخيل كانت قريبة منه.
صبر واحتساب:
ولقد لاقت زوجه الصبور ما لاقت من الأذى، سواء من أهلها أو من الغزاة الصليبيين أو الصحوات المرتدين، فلقد كان أهلها من الصحوات، وكانوا كثيرا ما يزجرونها ويضايقونها إذا وضعها عندهم وذهب، ويرفضون حتى تقديم شيء من المساعدة لها، وكان -تقبله الله- يغيب عنها الأشهر الطويلة، حتى أنه غاب 14 شهرا في أحد المرات، لم يتمكن خلالها من زيارتها أو رؤيتها، وبعد هذه المدة تواصل معها والتقى بها وجلس معها يومين، ثم أوصاها بأبنائه وبنفسها خيرا وبتقوى الله.
وفي يوم من أيام رمضان، لم يكن في بيته شيء للإفطار، فأخبرته زوجته بذلك وأن الأطفال لم يأكلوا شيئا من الصباح، وأنهم لا يملكون خبزا، فأجابها بأن الله سيرزقهم إن شاء الله، وبعد ساعتين تقريبا، قصدت بيت الجيران لتأتي منهم بقليل من الخبز، وأثناء توجهها إليهم أصاب قدمها مكروه، فرجعت، وإذ بطارق ينادي أبا طلحة، فإذا بهم بعض المجاهدين، فسألوه إن كان بحاجة إلى شيء، فقال: "لا أحتاج سوى الخبز"، فانصرفوا عنه وأحضروا الطعام والخبز، وعلموا بفراستهم وبمعرفتهم بأخلاقه وعفة نفسه أن لا طعام ببيته.
وفي أحد أيام رمضان كذلك، وأثناء تواجده في الصحراء، بقي أبو طلحة 3 أيام دون إفطار، حيث أنه لم يعلم بمكانه أحد ولم يكن لديه مركبة يتنقل بها.
وحانت ساعة الوداع:
وفي أحد الأيام من عام 1432 هـ، كانت المنية بانتظار أبي طلحة العلقاوي تقبله الله، وكانت نهاية مشرفة له، أودت بحياة العديد من الصليبيين والصحوات والروافض المرتدين الذين حاولوا أسره وفك أسيرهم.
حيث أقدم أبو طلحة على خطف شخصية حكومية رافضية بارزة، واقتاده إلى منزل مهجور في الصحراء، وشك الصحوات المرتدون بأمره، فبلغوا أسيادهم، وجاء جيش كامل لاستنقاذ عميلهم، وخاض الأسد مع أخوين فقط حربا استمرت 3 أيام، قُتل خلالها الأسير الرافضي، وارتقى بطلنا مع أخويه إلى الرفيق الأعلى بعد قصف البيت بالطائرات، بعد تأكد المرتدين من مقتل ذلك الرافضي الوضيع، وخسر المرتدون العشرات من عناصرهم وسمع القريب والبعيد بهذه المعركة التي تناقلها أهالي المنطقة لأشهر طويلة، والتي كانت حديث المجالس، والتي كانت خاتمة مسك لبطل أذاق الصليبيين الأمريكيين المر الزؤام لسنوات طوال وأذاق أعوانهم المرتدين طعم الكواتم والمفخخات.
وبعد مقتله -تقبله الله- أسروا 5 من إخوانه، ورفضوا تسليم جثته لأهله، وكذلك رفضوا إطلاق سراح إخوانه إلا بعد دفع 45 مليون دينار عراقي، وسيارتين وقطعة أرض بمدينة حديثة، فدفع أهله للروافض الملاعين ما طلبوه، فسلموهم جثته الطاهرة بعد 13 يوما، ولم تكن قد تغيرت، وأفرجوا عن 4 من إخوانه وبقي الخامس مسجونا لسنوات.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
أسد من أسود الصحراء
أبو طلحة العلقاوي -تقبله الله-
تنكيل بالصليبيين الأمريكيين واغتيال للروافض والصحوات
إن الابتلاءات والمحن تسفر عن معادن الناس، وكلما عظم الابتلاء عظمت الرجال، رجال أعلنوا موقفهم من الكفر العالمي وأتباعه بكل وضوح، وشنُّوا هجماتهم على أرتاله التي قدم بها إلى أراضيهم، وأقسموا أن لن يناموا على ضيم، وأن موعدهم روما، فكانت هممهم عالية ونفوسهم أبية.
بدأت القصة في الوقت الذي تحقق للعالم الكفري حلمه ببلوغه قمة الحضارة -بحسب زعمه- وإنطواء دوله وقاداته كلهم تحت ما يسمى بالنظام العالم الجديد، وارتباط دول العالم أجمع بهذا النظام الشيطاني الكفري سياسيا وأمنيا واقتصاديا وعسكريا ربطا وثيقا، وبينما هم في أوج هذه القوة وهذا الترابط، خرجت ثلة بأرض الرافدين أعلنت موقفها تجاه هذ الحلف بكل وضوح كما أراد الله وكما فعل نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان على رأس هذه الثلة أمير الاستشهاديين، الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
وأكثر ما فاجأ هذا النظام العالمي الخبيث نقاء منهج هذه الثلة ووضوح إعلانها وإلحاق أفعالها بأقوالها، فشمر الشجعان ونهض الأسود والتحق الركب بالركب عبر مجاميع قتالية كل منها ينهش من جسد العدو المغتصب جزءاً، ومن هؤلاء الأسود البطل المجاهد "أبو طلحة العلقاوي"، تقبله الله.
بداية الطريق:
ومع دخول القوات الصليبية الأمريكية الغازية أرض العراق عام 1424 هـ، انبرى البطل أبو طلحة لهم مع عدد صغير من إخوانه بعد أن اشترى كل منهم سلاحا بماله الخاص، ولم يرضوا القعود والهوان، فأعملوا فيهم قتلا وتشريدا إلى أن يسر الله -تعالى- للمخلصين إعلان دولة العراق الإسلامية، فكان من أول المبايعين لأميرها الأول أمير الاستشهاديين الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله.
كان -تقبله الله- طويل القامة قوي الجسد نبيها صبورا كريما، لينا على إخوانه شديدا على أعدائه، بسيطا يعتمد على نفسه بشكل كبير، يحب خدمة إخوانه، انحدر من أسرة كريمة عُرفت بصيد الأسماك في مدينة حديثة، وعند دخول الغزاة الصليبيين بلده، أقسم أن يجعل ليلهم نهارا ونهارهم نارا، فهبَّ مع اثنين من رفاقه وبدؤوا العمل، إذ كان دخول الأمريكان الصليبيين أكبر محرض له على الجهاد، وكان حينها لم يتجاوز الـ 23 من عمره.
وبدأ العمل يكبر والضرر ضد القوات الصليبية يعظم، وباتت دماؤهم تسيل ومركباتهم تحترق وبدأت كذلك ضريبة الجهاد تعظم حتى وصل ضرر الغزاة إلى أهله وإخوانه فحاولوا ثنيه عن الطريق، فأقسم لهم إن حدثه أحد في هذا الشأن أو حاول رده عن الطريق أن يقتله، عندها استشعر إخوانه حرص هذا الشاب الغيور على الجهاد، وبعد أشهر، ولما رأى الإخوة أفعال أخيهم الحميدة الأبيّة، وتضحيته في سبيل أمته والذود عن أهله، انضم إليه أحد إخوانه، وما هي إلا أشهر أخرى حتى انضم اثنان آخران، فباتت العائلة كلها مجاهدة ومناصرة للمجاهدين.
قراءة القرآن، وتقوى الله وصوم الاثنين والخميس والذكر وصلاة النافلة، كل ذلك كان زاده وأنيسه أينما حل وارتحل، عاش أغلب أيامه في الصحراء حيث جعل منها منطلق عملياته، فكانت عرينه التي يهاب الغزاة الاقتراب منه.
سجون وابتلاءات:
كان للسجن نصيب من حياة هذا البطل، حيث سجن 3 مرات، هرب بالمرة الأولى وبقي في المرة الثانية أكثر من عام دون أن يتعرفوا على شخصيته أو يكتشفوا هويته، مع شبه يقينهم أنه الشخص المطلوب، ولكن حفظ الله له وثباته وعدم اعترافه جعلهم في حيرة من أمره فأطلقوا سراحه، وكانوا قد ألقوا القبض عليه بإنزال نفذوه على بيته فاقتادوه مع زوجته التي أطلقوا سراحها بعد ضربها والتحقيق معها لعدة ساعات، وظل عندهم في سجن "بوكا" ما يقارب 14 شهرا، بتهمة ضرب رتل للغزاة الصليبيين.
لقد كان لهذه الفترة من حياة أبي طلحة الأثر الكبير في نفسه وثباته على جهاده، فلقد علم داخل السجن ما يقاسيه إخوانه وأدرك أنهم لا يلاقون ما يلاقون إلا بسبب أمر عظيم جدا، وفي السجن تعرض لتعذيب شديد فقد على إثره ذاكرته، فلم يتعرف على أبنائه وزوجته بعد خروجه وبقي فاقدا لذاكرته ما يقارب 40 يوما، ثم بدأت تعود إليه شيئا فشيئا.
لم يكلّ أو يملّ، وكان في كل مرة يسجن فيها يعود للعمل فور خروجه، فلم تكسِر عزيمته المعتقلات، ولم يوهن نفسه التعذيب والتحقيقات رغم قساوتها.
حديثة وسدها وشوارعها خير شاهد:
كثيرة هي العمليات التي نفذها بمفرده أو بمشاركة إخوانه ضد الصليبيين الأمريكيين، فسدُّ حديثة وطرقها وشوارع بروانة يشهدون على ذلك، ففي صباح أحد الأيام السود على الأمريكيين في شارع بروانة، كمن أخونا أبو طلحة في السوق بعد أن أعلنوا حالة الطوارئ، وبعد اقتراب دورية راجلة صليبية من مخبئه خرج أمامهم مكبرا بصوت عال لا يبعد عنهم سوى أمتار قليلة، فأصابت الجنود حالة من الخوف خلعت قلوبهم فسقط بعضهم أرضا من الرعب ورمى بعضهم بسلاحه ورفع يديه، وفتح بعضهم النار بشكل عشوائي على بعض، وفرّ الآخرون، ففتح نيرانه عليهم وأردى أكثر من 7 منهم قتلى دون أن يصاب بمكروه.
وفي عام 1428 هـ، علم بقدوم رتل إلى بروانة، فكمن للصليبيين، وأقسم هو وإخوانه ألا يتركوا أحدا من الرتل يخرج حيا، ففخخوا الطريق وتناولوا أسلحتهم وربضوا كالأسود الجائعة، وما إن قدم الرتل حتى انفجرت بهم العبوات وبدأت القذائف والطلقات تنهش لحومهم، فقتلوا 18 صليبيا أمريكيا بينهم 4 ضباط.
وفي واحدة من العمليات البسيطة -حسب قوله نقلا عمن عرفوه- اعتاد الصليبيون في مراقبتهم للسد على خروج الدبابة منه نهارا وعودتها إليه ليلا، ففي أحد الأيام زرع عبوته قبل مجيء الدبابة، وعند قدومها فجَّرها عليهم، بفضل الله.
وتمضي الأيام تلو الأيام، ليصبح اسم أبي طلحة مؤرقا للصليبيين، وليصبح أحد أهم المطلوبين لديهم لما نالهم من أذى على يديه.
كان بطلنا أبو طلحة ذا قلب صلب لا يعرف التردد والخوف، ويتجلى ذلك واضحا في اصطياد للصحوات ورؤوسهم، فكان يهوى دخول منازلهم وخطفهم والتحقيق معهم والحصول على معلومات حول الجواسيس والعملاء، ثم الذهاب لخطف الآخرين وقتلهم.
وفي إحدى الليالي، جاءته معلومة عن عميل من الصحوات له تواصل مع العديد من رؤوس الصحوات والروافض، فعزم على خطف هذا العميل وتمكن من ذلك بفضل الله، وأتى به إلى عرينه وحبسه ببئر قديم حتى حصل منه على معلومات كثيرة بوقت قصير، ووضع بطلُنا قائمة بأسماء العملاء وأماكن سكنهم ومناطق تواجدهم، وبدأ بالعمل على هذه القائمة حتى مكَّنه الله -تعالى- من قتل معظم الأهداف التي رتبها بقائمته بحسب الأهمية.
لطف من الله ورعاية:
وفي إحدى الليالي، سمع برتل صغير للصليبيين الأمريكان على طريق (بيجي - حديثة)، مؤلف من 5 آليات، فأعد العدة واشتبك معهم برفقة إخوانه، فقتلوا وأصابوا عددا من الكفار وهرب بعضهم، فغنم من الرتل أسلحة متوسطة وذخائر، ومسدسين وجوازي سفر وبطاقات لأمريكيين، وذهب بها باتجاه بيته ولم يكن يعلم بأن طائرة استطلاع تراقبه، ووضع السلاح في سيارة رباعية الدفع كانت مركونة أمام البيت لنقله إلى مكان آخر، ووضع فوقها سعف النخيل، وما هي إلا ساعة حتى طُوِّق منزله عدد كبير من الجنود ترافقهم الهمرات والمركبات العسكرية، وكانت الطائرات الحوامة تحلق فوقهم، وكان برفقته أخوان من الجزيرة العربية.
الأطفال نيام، والأخوان في غرفة الاستقبال، وأبو طلحة موجود بغرفة الأطفال، فما كان منه إلا أن باعد بين فرش الصغار، واستلقى بين اثنين منها، فدخل الأمريكيون الصليبيون وأعوانهم المرتدون الغرفة، فلم يلاحظوا سوى الأطفال النائمين، وقيدوا أخاه الكبير الذي كان بالبيت، وضربوه بغية إخبارهم عن مكان الأسلحة، فأنكر علمه بالأمر، وقال: "لا يوجد بالبيت سوى أطفالي الصغار وزوجتي"، وخلال انشغالهم بأخيه، قامت أمه -رحمها الله- بإخراج الأخوين من الباب الخلفي لغرفة الاستقبال وخبأتهما خلف عباءتها، ونجاهما الله من الأسر، ولم يدخل أحد من الصليبيين إلى غرفة الاستقبال التي كانت مليئة بالسلاح، ولم ير أحد منهم السلاح الذي كان بالسيارة تحت السعف رغم اقترابهم منها وبحثهم بشكل سريع فيها.
وفي عام 1429 هـ وأثناء ركوبه سيارة رباعية الدفع في منطقة "المدهم" برفقة ابنه ذي الأعوام الست، تبعته طائرة الأباتشي واستهدفته بسلاح رشاش، فأُصيب إصابة بسيطة برأسه بينما لم يصب ابنه أذى سوى بعض شظايا الزجاج المتطاير من السيارة بفضل الله، وتمكن -رحمه الله- من النجاة بدخوله مزرعة نخيل كانت قريبة منه.
صبر واحتساب:
ولقد لاقت زوجه الصبور ما لاقت من الأذى، سواء من أهلها أو من الغزاة الصليبيين أو الصحوات المرتدين، فلقد كان أهلها من الصحوات، وكانوا كثيرا ما يزجرونها ويضايقونها إذا وضعها عندهم وذهب، ويرفضون حتى تقديم شيء من المساعدة لها، وكان -تقبله الله- يغيب عنها الأشهر الطويلة، حتى أنه غاب 14 شهرا في أحد المرات، لم يتمكن خلالها من زيارتها أو رؤيتها، وبعد هذه المدة تواصل معها والتقى بها وجلس معها يومين، ثم أوصاها بأبنائه وبنفسها خيرا وبتقوى الله.
وفي يوم من أيام رمضان، لم يكن في بيته شيء للإفطار، فأخبرته زوجته بذلك وأن الأطفال لم يأكلوا شيئا من الصباح، وأنهم لا يملكون خبزا، فأجابها بأن الله سيرزقهم إن شاء الله، وبعد ساعتين تقريبا، قصدت بيت الجيران لتأتي منهم بقليل من الخبز، وأثناء توجهها إليهم أصاب قدمها مكروه، فرجعت، وإذ بطارق ينادي أبا طلحة، فإذا بهم بعض المجاهدين، فسألوه إن كان بحاجة إلى شيء، فقال: "لا أحتاج سوى الخبز"، فانصرفوا عنه وأحضروا الطعام والخبز، وعلموا بفراستهم وبمعرفتهم بأخلاقه وعفة نفسه أن لا طعام ببيته.
وفي أحد أيام رمضان كذلك، وأثناء تواجده في الصحراء، بقي أبو طلحة 3 أيام دون إفطار، حيث أنه لم يعلم بمكانه أحد ولم يكن لديه مركبة يتنقل بها.
وحانت ساعة الوداع:
وفي أحد الأيام من عام 1432 هـ، كانت المنية بانتظار أبي طلحة العلقاوي تقبله الله، وكانت نهاية مشرفة له، أودت بحياة العديد من الصليبيين والصحوات والروافض المرتدين الذين حاولوا أسره وفك أسيرهم.
حيث أقدم أبو طلحة على خطف شخصية حكومية رافضية بارزة، واقتاده إلى منزل مهجور في الصحراء، وشك الصحوات المرتدون بأمره، فبلغوا أسيادهم، وجاء جيش كامل لاستنقاذ عميلهم، وخاض الأسد مع أخوين فقط حربا استمرت 3 أيام، قُتل خلالها الأسير الرافضي، وارتقى بطلنا مع أخويه إلى الرفيق الأعلى بعد قصف البيت بالطائرات، بعد تأكد المرتدين من مقتل ذلك الرافضي الوضيع، وخسر المرتدون العشرات من عناصرهم وسمع القريب والبعيد بهذه المعركة التي تناقلها أهالي المنطقة لأشهر طويلة، والتي كانت حديث المجالس، والتي كانت خاتمة مسك لبطل أذاق الصليبيين الأمريكيين المر الزؤام لسنوات طوال وأذاق أعوانهم المرتدين طعم الكواتم والمفخخات.
وبعد مقتله -تقبله الله- أسروا 5 من إخوانه، ورفضوا تسليم جثته لأهله، وكذلك رفضوا إطلاق سراح إخوانه إلا بعد دفع 45 مليون دينار عراقي، وسيارتين وقطعة أرض بمدينة حديثة، فدفع أهله للروافض الملاعين ما طلبوه، فسلموهم جثته الطاهرة بعد 13 يوما، ولم تكن قد تغيرت، وأفرجوا عن 4 من إخوانه وبقي الخامس مسجونا لسنوات.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
نهاية صحوات الشام لا تزال الطوائف المرتدة الممتنعة عن تحكيم شرع الله -تعالى- تنحدر أكثر في مهاوي ...
نهاية صحوات الشام
لا تزال الطوائف المرتدة الممتنعة عن تحكيم شرع الله -تعالى- تنحدر أكثر في مهاوي الردة طمعاً في نيل بعض المناصب، أو السيطرة على أرض توشك أن تضيع من أيديهم، وخصوصا إن كانوا من أولئك الذين يتصالحون مع "حكومات ما بعد الثورة"، ويحترمون "شركاء الوطن"، فيسالمون العلمانيين ودعاة الديموقراطية والحكومات "المدنية"، ويسمحون لهم بأن يحكموا بشريعة الطاغوت، ويضعونهم واجهة لهم للبقاء خلف ظهورهم خوفا من بطش الصليبيين.
لقد اعتاد هؤلاء المنتكسون أن يضربوا خباء ذلهم وسط هؤلاء النتنى من العلمانيين والديمقراطيين كما فعلوا من قبل في اليمن وليبيا ومالي، فتركوا الحكم لإدارات "مدنية" تَتَّبع شريعة الطاغوت، فكانوا أنصارا لشريعة الطاغوت لا لشريعة ربهم الذي خلقهم، وهكذا هم قد ارتقوا على دماء المغفلين من أتباعهم المرتدين، ثم ما طار طائرهم حتى وقع تحت أقدام أرباب الإدارات "المدنية" الكفرية التي تحكم بغير ما أنزل الله، قال الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ ]محمد: 25 - 28[.
إن هؤلاء هم أهل النفاق الذين يتظاهرون بالإسلام وإرادة تحكيم الشريعة، في الوقت الذي يقولون فيه للمرتدين المنسلخين عن دينهم بالكلية سنطيعكم في بعض أمركم الذي أنتم عليه، والله -تعالى- يعلم ما هم عليه من معصيته ومعصية رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهو ما ظهر علانية، حيث قبل المرتدون من صحوات الردة بحكومة "مدنية"، وأسلموها زمام الأمور، وزعموا أنها مستقله عنهم، في الوقت الذي يعلمون فيه أنه لا بقاء لهذه الواجهة الشكلية من بقاء من دون دعمهم وحمايتهم لها ساعة من نهار، فيكونون بذلك حماة لكل الكفر الذي ستقوم به، ولكل المنكرات التي ستأمر بها وتشيعها في البلاد.
ورغم أن تقديم هذه الحكومة، والتعهد بحمايتها وإنفاذ أحكامها، هدفه الأساس الحصول على المزيد من الرضا من الدول الكافرة، وإقناعهم بأن فصائل الصحوات بكل أطيافها مطيعة للمشركين في الأمر كله، أو في كثير منه على الأقل، وهو ما تبدي الدول الصليبية الكافرة بعض الرضا عنه، في الوقت الذي تطلب فيه المزيد من الإثباتات من المرتدين على ولائهم لأعداء الله، وبرائتهم من دينه، وذلك إلى حين تأمين البدائل الأشد كفرا وعداءً للإسلام وأهله.
وهذا الحال هو الذي صارت إليه صحوات الردة في العراق من قبل، ممن كان يدعي السعي لتحكيم الشريعة، فإذا بهم يعززون شريعة الطاغوت ويذوبون في كيانه، وهذه صحوات الشام قد سارت على نهج من سلفهم من صحوات العراق، ليذوبوا في الكيانات الديموقراطية المرتدة، ويحسبوا أنهم أذكياء يستطيعون المطاولة والبقاء.
وعن هذا تكلم الشيخ المجاهد أبو محمد العدناني -تقبله الله- محذرا إياهم قائلا: "ولئن تظنوا أنكم أدهى من شياطين أمريكا وأذكى من مخابرات الشرق والغرب، فاعتبروا بأشياعكم في العراق، وقد كانوا أدهى منكم وأشد بأساً، لقد جربوا مشروعكم الفاشل، وسلكوا طريقكم المسدود، ولقد دعمهم آل سلول وغيرهم من حكومات الخليج أكثر مما يدعمونكم، وبكل ما أوتوا من مال وإعلام وفتاوى، فأين آل مصيرهم؟ وكيف أضحت جماعاتهم وفصائلهم؟ لقد تشتتت وتبددت".
هذا هو حصاد من سلك سبيل المجرمين، وحاد عن الصراط المستقيم، واتبع خطوات الشياطين، أما حصاد الموحدين في دولة الإسلام فإنه يزداد وينمو كلما هبت رياح الابتلاءات، ويقوى بنيانه بعد ضعف ويشتد بعد لين، لأن أساسه كلمة التوحيد، وهو الأصل الثابت الذي لا يزول ما بُني عليه، ليس كمن بنى بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
لا تزال الطوائف المرتدة الممتنعة عن تحكيم شرع الله -تعالى- تنحدر أكثر في مهاوي الردة طمعاً في نيل بعض المناصب، أو السيطرة على أرض توشك أن تضيع من أيديهم، وخصوصا إن كانوا من أولئك الذين يتصالحون مع "حكومات ما بعد الثورة"، ويحترمون "شركاء الوطن"، فيسالمون العلمانيين ودعاة الديموقراطية والحكومات "المدنية"، ويسمحون لهم بأن يحكموا بشريعة الطاغوت، ويضعونهم واجهة لهم للبقاء خلف ظهورهم خوفا من بطش الصليبيين.
لقد اعتاد هؤلاء المنتكسون أن يضربوا خباء ذلهم وسط هؤلاء النتنى من العلمانيين والديمقراطيين كما فعلوا من قبل في اليمن وليبيا ومالي، فتركوا الحكم لإدارات "مدنية" تَتَّبع شريعة الطاغوت، فكانوا أنصارا لشريعة الطاغوت لا لشريعة ربهم الذي خلقهم، وهكذا هم قد ارتقوا على دماء المغفلين من أتباعهم المرتدين، ثم ما طار طائرهم حتى وقع تحت أقدام أرباب الإدارات "المدنية" الكفرية التي تحكم بغير ما أنزل الله، قال الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ ]محمد: 25 - 28[.
إن هؤلاء هم أهل النفاق الذين يتظاهرون بالإسلام وإرادة تحكيم الشريعة، في الوقت الذي يقولون فيه للمرتدين المنسلخين عن دينهم بالكلية سنطيعكم في بعض أمركم الذي أنتم عليه، والله -تعالى- يعلم ما هم عليه من معصيته ومعصية رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهو ما ظهر علانية، حيث قبل المرتدون من صحوات الردة بحكومة "مدنية"، وأسلموها زمام الأمور، وزعموا أنها مستقله عنهم، في الوقت الذي يعلمون فيه أنه لا بقاء لهذه الواجهة الشكلية من بقاء من دون دعمهم وحمايتهم لها ساعة من نهار، فيكونون بذلك حماة لكل الكفر الذي ستقوم به، ولكل المنكرات التي ستأمر بها وتشيعها في البلاد.
ورغم أن تقديم هذه الحكومة، والتعهد بحمايتها وإنفاذ أحكامها، هدفه الأساس الحصول على المزيد من الرضا من الدول الكافرة، وإقناعهم بأن فصائل الصحوات بكل أطيافها مطيعة للمشركين في الأمر كله، أو في كثير منه على الأقل، وهو ما تبدي الدول الصليبية الكافرة بعض الرضا عنه، في الوقت الذي تطلب فيه المزيد من الإثباتات من المرتدين على ولائهم لأعداء الله، وبرائتهم من دينه، وذلك إلى حين تأمين البدائل الأشد كفرا وعداءً للإسلام وأهله.
وهذا الحال هو الذي صارت إليه صحوات الردة في العراق من قبل، ممن كان يدعي السعي لتحكيم الشريعة، فإذا بهم يعززون شريعة الطاغوت ويذوبون في كيانه، وهذه صحوات الشام قد سارت على نهج من سلفهم من صحوات العراق، ليذوبوا في الكيانات الديموقراطية المرتدة، ويحسبوا أنهم أذكياء يستطيعون المطاولة والبقاء.
وعن هذا تكلم الشيخ المجاهد أبو محمد العدناني -تقبله الله- محذرا إياهم قائلا: "ولئن تظنوا أنكم أدهى من شياطين أمريكا وأذكى من مخابرات الشرق والغرب، فاعتبروا بأشياعكم في العراق، وقد كانوا أدهى منكم وأشد بأساً، لقد جربوا مشروعكم الفاشل، وسلكوا طريقكم المسدود، ولقد دعمهم آل سلول وغيرهم من حكومات الخليج أكثر مما يدعمونكم، وبكل ما أوتوا من مال وإعلام وفتاوى، فأين آل مصيرهم؟ وكيف أضحت جماعاتهم وفصائلهم؟ لقد تشتتت وتبددت".
هذا هو حصاد من سلك سبيل المجرمين، وحاد عن الصراط المستقيم، واتبع خطوات الشياطين، أما حصاد الموحدين في دولة الإسلام فإنه يزداد وينمو كلما هبت رياح الابتلاءات، ويقوى بنيانه بعد ضعف ويشتد بعد لين، لأن أساسه كلمة التوحيد، وهو الأصل الثابت الذي لا يزول ما بُني عليه، ليس كمن بنى بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
نهاية صحوات الشام لا تزال الطوائف المرتدة الممتنعة عن تحكيم شرع الله -تعالى- تنحدر أكثر في مهاوي ...
نهاية صحوات الشام
لا تزال الطوائف المرتدة الممتنعة عن تحكيم شرع الله -تعالى- تنحدر أكثر في مهاوي الردة طمعاً في نيل بعض المناصب، أو السيطرة على أرض توشك أن تضيع من أيديهم، وخصوصا إن كانوا من أولئك الذين يتصالحون مع "حكومات ما بعد الثورة"، ويحترمون "شركاء الوطن"، فيسالمون العلمانيين ودعاة الديموقراطية والحكومات "المدنية"، ويسمحون لهم بأن يحكموا بشريعة الطاغوت، ويضعونهم واجهة لهم للبقاء خلف ظهورهم خوفا من بطش الصليبيين.
لقد اعتاد هؤلاء المنتكسون أن يضربوا خباء ذلهم وسط هؤلاء النتنى من العلمانيين والديمقراطيين كما فعلوا من قبل في اليمن وليبيا ومالي، فتركوا الحكم لإدارات "مدنية" تَتَّبع شريعة الطاغوت، فكانوا أنصارا لشريعة الطاغوت لا لشريعة ربهم الذي خلقهم، وهكذا هم قد ارتقوا على دماء المغفلين من أتباعهم المرتدين، ثم ما طار طائرهم حتى وقع تحت أقدام أرباب الإدارات "المدنية" الكفرية التي تحكم بغير ما أنزل الله، قال الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ ]محمد: 25 - 28[.
إن هؤلاء هم أهل النفاق الذين يتظاهرون بالإسلام وإرادة تحكيم الشريعة، في الوقت الذي يقولون فيه للمرتدين المنسلخين عن دينهم بالكلية سنطيعكم في بعض أمركم الذي أنتم عليه، والله -تعالى- يعلم ما هم عليه من معصيته ومعصية رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهو ما ظهر علانية، حيث قبل المرتدون من صحوات الردة بحكومة "مدنية"، وأسلموها زمام الأمور، وزعموا أنها مستقله عنهم، في الوقت الذي يعلمون فيه أنه لا بقاء لهذه الواجهة الشكلية من بقاء من دون دعمهم وحمايتهم لها ساعة من نهار، فيكونون بذلك حماة لكل الكفر الذي ستقوم به، ولكل المنكرات التي ستأمر بها وتشيعها في البلاد.
ورغم أن تقديم هذه الحكومة، والتعهد بحمايتها وإنفاذ أحكامها، هدفه الأساس الحصول على المزيد من الرضا من الدول الكافرة، وإقناعهم بأن فصائل الصحوات بكل أطيافها مطيعة للمشركين في الأمر كله، أو في كثير منه على الأقل، وهو ما تبدي الدول الصليبية الكافرة بعض الرضا عنه، في الوقت الذي تطلب فيه المزيد من الإثباتات من المرتدين على ولائهم لأعداء الله، وبرائتهم من دينه، وذلك إلى حين تأمين البدائل الأشد كفرا وعداءً للإسلام وأهله.
وهذا الحال هو الذي صارت إليه صحوات الردة في العراق من قبل، ممن كان يدعي السعي لتحكيم الشريعة، فإذا بهم يعززون شريعة الطاغوت ويذوبون في كيانه، وهذه صحوات الشام قد سارت على نهج من سلفهم من صحوات العراق، ليذوبوا في الكيانات الديموقراطية المرتدة، ويحسبوا أنهم أذكياء يستطيعون المطاولة والبقاء.
وعن هذا تكلم الشيخ المجاهد أبو محمد العدناني -تقبله الله- محذرا إياهم قائلا: "ولئن تظنوا أنكم أدهى من شياطين أمريكا وأذكى من مخابرات الشرق والغرب، فاعتبروا بأشياعكم في العراق، وقد كانوا أدهى منكم وأشد بأساً، لقد جربوا مشروعكم الفاشل، وسلكوا طريقكم المسدود، ولقد دعمهم آل سلول وغيرهم من حكومات الخليج أكثر مما يدعمونكم، وبكل ما أوتوا من مال وإعلام وفتاوى، فأين آل مصيرهم؟ وكيف أضحت جماعاتهم وفصائلهم؟ لقد تشتتت وتبددت".
هذا هو حصاد من سلك سبيل المجرمين، وحاد عن الصراط المستقيم، واتبع خطوات الشياطين، أما حصاد الموحدين في دولة الإسلام فإنه يزداد وينمو كلما هبت رياح الابتلاءات، ويقوى بنيانه بعد ضعف ويشتد بعد لين، لأن أساسه كلمة التوحيد، وهو الأصل الثابت الذي لا يزول ما بُني عليه، ليس كمن بنى بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
لا تزال الطوائف المرتدة الممتنعة عن تحكيم شرع الله -تعالى- تنحدر أكثر في مهاوي الردة طمعاً في نيل بعض المناصب، أو السيطرة على أرض توشك أن تضيع من أيديهم، وخصوصا إن كانوا من أولئك الذين يتصالحون مع "حكومات ما بعد الثورة"، ويحترمون "شركاء الوطن"، فيسالمون العلمانيين ودعاة الديموقراطية والحكومات "المدنية"، ويسمحون لهم بأن يحكموا بشريعة الطاغوت، ويضعونهم واجهة لهم للبقاء خلف ظهورهم خوفا من بطش الصليبيين.
لقد اعتاد هؤلاء المنتكسون أن يضربوا خباء ذلهم وسط هؤلاء النتنى من العلمانيين والديمقراطيين كما فعلوا من قبل في اليمن وليبيا ومالي، فتركوا الحكم لإدارات "مدنية" تَتَّبع شريعة الطاغوت، فكانوا أنصارا لشريعة الطاغوت لا لشريعة ربهم الذي خلقهم، وهكذا هم قد ارتقوا على دماء المغفلين من أتباعهم المرتدين، ثم ما طار طائرهم حتى وقع تحت أقدام أرباب الإدارات "المدنية" الكفرية التي تحكم بغير ما أنزل الله، قال الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ ]محمد: 25 - 28[.
إن هؤلاء هم أهل النفاق الذين يتظاهرون بالإسلام وإرادة تحكيم الشريعة، في الوقت الذي يقولون فيه للمرتدين المنسلخين عن دينهم بالكلية سنطيعكم في بعض أمركم الذي أنتم عليه، والله -تعالى- يعلم ما هم عليه من معصيته ومعصية رسوله، صلى الله عليه وسلم، وهو ما ظهر علانية، حيث قبل المرتدون من صحوات الردة بحكومة "مدنية"، وأسلموها زمام الأمور، وزعموا أنها مستقله عنهم، في الوقت الذي يعلمون فيه أنه لا بقاء لهذه الواجهة الشكلية من بقاء من دون دعمهم وحمايتهم لها ساعة من نهار، فيكونون بذلك حماة لكل الكفر الذي ستقوم به، ولكل المنكرات التي ستأمر بها وتشيعها في البلاد.
ورغم أن تقديم هذه الحكومة، والتعهد بحمايتها وإنفاذ أحكامها، هدفه الأساس الحصول على المزيد من الرضا من الدول الكافرة، وإقناعهم بأن فصائل الصحوات بكل أطيافها مطيعة للمشركين في الأمر كله، أو في كثير منه على الأقل، وهو ما تبدي الدول الصليبية الكافرة بعض الرضا عنه، في الوقت الذي تطلب فيه المزيد من الإثباتات من المرتدين على ولائهم لأعداء الله، وبرائتهم من دينه، وذلك إلى حين تأمين البدائل الأشد كفرا وعداءً للإسلام وأهله.
وهذا الحال هو الذي صارت إليه صحوات الردة في العراق من قبل، ممن كان يدعي السعي لتحكيم الشريعة، فإذا بهم يعززون شريعة الطاغوت ويذوبون في كيانه، وهذه صحوات الشام قد سارت على نهج من سلفهم من صحوات العراق، ليذوبوا في الكيانات الديموقراطية المرتدة، ويحسبوا أنهم أذكياء يستطيعون المطاولة والبقاء.
وعن هذا تكلم الشيخ المجاهد أبو محمد العدناني -تقبله الله- محذرا إياهم قائلا: "ولئن تظنوا أنكم أدهى من شياطين أمريكا وأذكى من مخابرات الشرق والغرب، فاعتبروا بأشياعكم في العراق، وقد كانوا أدهى منكم وأشد بأساً، لقد جربوا مشروعكم الفاشل، وسلكوا طريقكم المسدود، ولقد دعمهم آل سلول وغيرهم من حكومات الخليج أكثر مما يدعمونكم، وبكل ما أوتوا من مال وإعلام وفتاوى، فأين آل مصيرهم؟ وكيف أضحت جماعاتهم وفصائلهم؟ لقد تشتتت وتبددت".
هذا هو حصاد من سلك سبيل المجرمين، وحاد عن الصراط المستقيم، واتبع خطوات الشياطين، أما حصاد الموحدين في دولة الإسلام فإنه يزداد وينمو كلما هبت رياح الابتلاءات، ويقوى بنيانه بعد ضعف ويشتد بعد لين، لأن أساسه كلمة التوحيد، وهو الأصل الثابت الذي لا يزول ما بُني عليه، ليس كمن بنى بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم، والله لا يهدي القوم الظالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 105
الخميس 20 صفر 1439 هـ ...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00
يتبقى على
15
ربيع الأول
1447
الفجر 00:00 | الظهر 00:00 | العصر 00:00 | المغرب 00:00 | العشاء 00:00 |