إلى ملحمة دابق الكبرى
(١/٣)
لما ابتُلي المؤمنون بمرضى القلوب والمرجفين في المدينة، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر يوم الأحزاب، وظُنّت بالله الظنون المختلفة، كما أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن الحسن البصري -رحمه الله- في تأويل قوله سبحانه: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، قال: «ظنون مختلفة: ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يُستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق أنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون»، ثم قال {الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، كما أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن قتادة -رحمه الله- في تأويلها، قال: «قال ذلك أُناس من المنافقين: قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم وقد حُصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا»...
حينها -في شدّة البأس والضر- علم المؤمنون أن نصر الله قريب، كما أخرج الطبري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، قال: «ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، فلمّا مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأوّل المؤمنون ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما».
فالمؤمنون يتذكرون آيات الله -جل وعلا- وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- في خنادقهم، ويتأوّلون ما فيها من الأخبار والعلامات على بلاياهم، لا تُبعدهم الزلازل والشدائد عن تدبّر آيات الله والحكمة، بل تزيدهم في جهادهم واجتهادهم صبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، وتصديقا بتحقيق ما وعدهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بينما يرتاب المنافقون ومرضى القلوب فيستهزئون بوعد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويطعنون فيه، ويغتر الكفرة والطواغيت بجبروتهم وكبريائهم، ظانين {بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}، أن العزيز الحكيم -سبحانه وتعالى- سيخذل دينه وأولياءه، بل ويظهر أعداءه وكلمتهم، حتى يكون الدين كله لغيره أبدا، تعالى الله عن ظن الجاهلين علوا كبيرا، وإنما يستدرجهم الله من حيث لا يعلمون، فيجتهدون في تحقيق مكر الله بهم، والعاقبة الآجلة {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].
ومن ذلك أن عُبّاد الصليب وأولياءهم (الأتراك والصحوات) حشدوا في ريف حلب الشمالي معلنين دابق هدفهم الأكبر، زاعمين أن تدنيسها بأقدامهم النجسة وراياتهم الرجسة سيكون انتصارا معنويا عظيما على الدولة الإسلامية، ظانين أن جنودها لا يميّزون بين «معركة دابق الصغرى» وملحمة دابق الكبرى، وعليه، إذا انحازت عن دابق - ثبت الله جنود الخلافة فيها- لم تكن حاملة راية العقاب المنتصرة في الملاحم، ليتركها جندها بعد الانحياز زمرا زمرا.
ولم يعلم عُبّاد الصليب وأولياؤهم المرتدون -وأنّى لهم ذلك- أن ملحمة دابق الكبرى تسبقها أحداث عظام من علامات الساعة الصغرى يعلمها المؤمنون المرابطون في خنادقهم، وهي ما أخبر بها الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سُبُوا منا [وفي رواية: سَبَوا منا] نقاتلهم؛ فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا؛ فيقاتلونهم، فينهزم ثلث، لا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم! فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- فأمّهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته) [رواه مسلم].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 50
الخميس 12 محرم 1438 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-11
إلى ملحمة دابق الكبرى (١/٣) لما ابتُلي المؤمنون بمرضى القلوب والمرجفين في المدينة، وزاغت ...
إلى ملحمة دابق الكبرى
(١/٣)
لما ابتُلي المؤمنون بمرضى القلوب والمرجفين في المدينة، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر يوم الأحزاب، وظُنّت بالله الظنون المختلفة، كما أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن ...المزيد
(١/٣)
لما ابتُلي المؤمنون بمرضى القلوب والمرجفين في المدينة، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر يوم الأحزاب، وظُنّت بالله الظنون المختلفة، كما أخرج الطبري وابن أبي حاتم عن ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-11
تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال في الآونة الأخيرة تزاحمت تقارير مراكز الاستخبارات ...
تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال
في الآونة الأخيرة تزاحمت تقارير مراكز الاستخبارات الصليبية المموهة، في التحذير من خطر تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال، وأنها توسعت وتمددت وعززت من ...المزيد
في الآونة الأخيرة تزاحمت تقارير مراكز الاستخبارات الصليبية المموهة، في التحذير من خطر تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال، وأنها توسعت وتمددت وعززت من ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-12
أهمية معرفة شهادة أن لا إله إلا الله (قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله): اعلم رحمك ...
أهمية معرفة شهادة أن لا إله إلا الله
(قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله):
اعلم رحمك الله أن فرض معرفة شهادة أن لا إله إلا الله قبل فرض الصلاة والصوم؛ فيجب على العبد أن يبحث عن معنى ذلك أعظم ...المزيد
(قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله):
اعلم رحمك الله أن فرض معرفة شهادة أن لا إله إلا الله قبل فرض الصلاة والصوم؛ فيجب على العبد أن يبحث عن معنى ذلك أعظم ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-13
أرملة شهيد بإذن الله • إن الشهادة في سبيل الله لهي أقصى الطلب ومنتهى الأرب، يجدّ لنيلها ...
أرملة شهيد بإذن الله
• إن الشهادة في سبيل الله لهي أقصى الطلب ومنتهى الأرب، يجدّ لنيلها الجادون، ويبذل لها أرواحهم الباذلون، ومن منا لا يشتاق لشهادة تغسل الذنب وترضي الرب؟ غير أنه ومع عظم أمر ...المزيد
• إن الشهادة في سبيل الله لهي أقصى الطلب ومنتهى الأرب، يجدّ لنيلها الجادون، ويبذل لها أرواحهم الباذلون، ومن منا لا يشتاق لشهادة تغسل الذنب وترضي الرب؟ غير أنه ومع عظم أمر ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-13
• كم من مقاتل مأواه في النار؟ وكم من مجاهد في سبيل الله كما يبدو للناس، ويُقتل على ذلك، ولكن ...
• كم من مقاتل مأواه في النار؟
وكم من مجاهد في سبيل الله كما يبدو للناس، ويُقتل على ذلك، ولكن مأواه النار عياذا بالله؟ وليس أدل على ذلك من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث قال: لما كان يوم خيبر، ...المزيد
وكم من مجاهد في سبيل الله كما يبدو للناس، ويُقتل على ذلك، ولكن مأواه النار عياذا بالله؟ وليس أدل على ذلك من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث قال: لما كان يوم خيبر، ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-13
مشاهد من حرص الصحابة على نيل الشهادة (٢/٢) • أبو عقيل -رضي الله عنه- يزحف جريحاً لقتال ...
مشاهد من حرص الصحابة على نيل الشهادة
(٢/٢)
• أبو عقيل -رضي الله عنه- يزحف جريحاً لقتال المرتدين
وانظر إلى يوم اليمامة إلى الذين دافعوا عن الدين ما دام في جسدهم عرق ينبض حتى قُتلوا شهداء، قال جعفر ...المزيد
(٢/٢)
• أبو عقيل -رضي الله عنه- يزحف جريحاً لقتال المرتدين
وانظر إلى يوم اليمامة إلى الذين دافعوا عن الدين ما دام في جسدهم عرق ينبض حتى قُتلوا شهداء، قال جعفر ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-13
مشاهد من حرص الصحابة على نيل الشهادة (١/٢) علم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أن الجنة ...
مشاهد من حرص الصحابة على نيل الشهادة
(١/٢)
علم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أن الجنة سلعة الله الغالية، وعلموا أن ثمنها لا يَقدر عليه إلا من شمَّر عن ساق الاجتهاد، فبحثوا عن كل طريق فيه ...المزيد
(١/٢)
علم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أن الجنة سلعة الله الغالية، وعلموا أن ثمنها لا يَقدر عليه إلا من شمَّر عن ساق الاجتهاد، فبحثوا عن كل طريق فيه ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-18
ولا تهنوا في ابتغاء القوم لا يكفّ المشركون من أهل الكتاب ولا المرتدون من أذنابهم وحلفائهم عن نشر ...
ولا تهنوا في ابتغاء القوم
لا يكفّ المشركون من أهل الكتاب ولا المرتدون من أذنابهم وحلفائهم عن نشر الأكاذيب عن الأعداد المهولة من جنود الدولة الإسلامية الذين يزعمون قتلهم في المعارك أو عبر القصف ...المزيد
لا يكفّ المشركون من أهل الكتاب ولا المرتدون من أذنابهم وحلفائهم عن نشر الأكاذيب عن الأعداد المهولة من جنود الدولة الإسلامية الذين يزعمون قتلهم في المعارك أو عبر القصف ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-24
كيف بهم غدًا مع غربة الدين وخروج الدجال؟ وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال ...
كيف بهم غدًا مع غربة الدين وخروج الدجال؟
وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال وقد استتبت له الأمور ودانت له شياطين الإنس والجن، وجاء فأطعم الناس وقد جاعوا وسقاهم وقد قنطوا، ...المزيد
وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال وقد استتبت له الأمور ودانت له شياطين الإنس والجن، وجاء فأطعم الناس وقد جاعوا وسقاهم وقد قنطوا، ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-24
كيف بهم غدًا مع غربة الدين وخروج الدجال؟ وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال ...
كيف بهم غدًا مع غربة الدين وخروج الدجال؟
وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال وقد استتبت له الأمور ودانت له شياطين الإنس والجن، وجاء فأطعم الناس وقد جاعوا وسقاهم وقد قنطوا، ...المزيد
وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال وقد استتبت له الأمور ودانت له شياطين الإنس والجن، وجاء فأطعم الناس وقد جاعوا وسقاهم وقد قنطوا، ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-24
كيف بهم غدًا مع غربة الدين وخروج الدجال؟ وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال ...
كيف بهم غدًا مع غربة الدين وخروج الدجال؟
وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال وقد استتبت له الأمور ودانت له شياطين الإنس والجن، وجاء فأطعم الناس وقد جاعوا وسقاهم وقد قنطوا، ...المزيد
وكيف بهم غدا مع غربة الدين واندثار العلم، فخرج الدجال وقد استتبت له الأمور ودانت له شياطين الإنس والجن، وجاء فأطعم الناس وقد جاعوا وسقاهم وقد قنطوا، ...المزيد
يوسف عبد الله
التدوينات
منذ 2025-03-24
ابتزاز الصليبيين لطالبان امتحاناً لردتهم وإنّ التلويح الصليبي بفرض عقوبات على بعض قادة طالبان ...
ابتزاز الصليبيين لطالبان امتحاناً لردتهم
وإنّ التلويح الصليبي بفرض عقوبات على بعض قادة طالبان رغم كل قرابين الطاعة التي ذبحوها على النُّصب الأمريكية، هو أمر متوقع في سياق الابتزاز والضغط المتواصل، ...المزيد
وإنّ التلويح الصليبي بفرض عقوبات على بعض قادة طالبان رغم كل قرابين الطاعة التي ذبحوها على النُّصب الأمريكية، هو أمر متوقع في سياق الابتزاز والضغط المتواصل، ...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00
يتبقى على
5
ربيع الآخر
1447
الفجر 00:00 | الظهر 00:00 | العصر 00:00 | المغرب 00:00 | العشاء 00:00 |