الكمال الإلهي
يسعى الإنسان دومًا لبلوغ درجة الكمال، ويطمح للمزيد من المكتسبات المادية والمعنوية أملًا في نيل الأفضل والأعلى، ذاك المخلوق ذي القدرات المعجزة هو ذاته الذي يعترف لنفسه بافتقاره ونقصانه واحتياجه -مهما فاقت قدراته، وليس أدل على ذلك من طلبه المزيد والمزيد، فكل طالب هو محتاج، وكل طامح فهو مفتقِر. ثم تُحَدِّثُهُ فطرته بوجود الإله المتصف بصفات الكمال والجمال والجلال، "فالإقرار بالخالق وكماله، يكون فطريًا ضروريًا في حقّ من سلمت فطرته، بل هذا المعنى مستقر في فطر الناس، بل هم مفطورون عليه، فإنهم كما أنهم مفطورون على الإقرار بالخالق، فإنهم مفطورون على أنه أجلّ وأكبر، وأعلى وأعلم وأعظم وأكمل من كل شىء."
وبعد مقارنات بدهية يقر عقله بأن الكمال لله وحده وأن افتقار البشرية واحتياجها لابد أن يكون وراءه غنيٌ كاملٌ في غناه، قادرٌ كمُلت قدرته، وحكمته، وعدله، "فالكمال ثابت لله تعالى بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية".
"كما أن الكمال ثابت -لله تعالى- شرعًا، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية، بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى يستحقه بنفسه المقدسة. وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه؛ فثبوت الحياة يستلزم نفي الموت، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز، -فهو سبحانه متصف- بصفات الكمال، موصوف بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، منزَّهٌ عن الموت والجهل والعجز والصَّمَم والعمى والبكَم. وهو سبحانَه لا مِثلَ له في شيء من صفاتِ الكمال، وهو منزَّهٌ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ، فإنه قدُّوس، سَلامٌ يمتنع عليه النقائصُ والعيوب بوجهٍ من الوجوه.
وقد ثبت لفظ "الكامل" فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1، 2] أن "الصمد" هو المستحق للكمال، وهو السيد الذي كمل في سُؤْدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكم الذي قد كمل في حكمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الشريف الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه وتعالى".
روابط ذات صلة:
فَصــل في إثبات صفات الكمال لله
الكمال المطلق في الأسماء والصفات لله تعالى