ثروة المسلم
إن الوقت هو ثروة المسلم الحقيقية والمسلم الناجح هو الذي يقدر هذه الثروة حق قدرها فيسعى لاستثمارها بالطاعات وفعل الخيرات. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3]. قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى: "أقسم الله تعالى بالعصر، الذي هو الليل والنهار، محل أفعال العباد وأعمالهم. {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} الخسار مراتب متعددة متفاوتة قد يكون خسارًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض، ولهذا عمم الله تعالى الخسار لكل إنسان، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} إلا من اتصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر الله تعالى بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به. والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله سبحانه وحق عباده ، الواجبة والمستحبة. والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه. والتواصي بالصبر على طاعة الله الملك، وعن معصية الله العظيم، وعلى أقدار الله تعالى المؤلمة. فبالأمرين الأولين، يكمل الإنسان نفسه، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح [العظيم].." انتهى بتصرف يسير من (تفسير السعدي). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: "وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لو تدبر الناس هذه السورة ، لوسعتهم" انتهى من (تفسير ابن كثير).
إن استثمار الوقت في رضا الله سبحانه يجهز المسلم للإجابة عن أسئلة عظيمة يوم القيامة. فعن عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وماذا عمل فيما علم» (الترمذي: 2422 ). وعن عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» (البخاري: 6412). وفي شرح الحديث الشريف قال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله تعالى : " فكأنه صلى الله عليه وسلم قال : هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي : فقد غُبن صاحبُهما فيهما ، أي : باعهما ببخس لا تحمد عاقبته ، فإن الإنسان إذا لم يعمل الطاعة في زمن صحته : ففي زمن المرض بالطريق الأولى ، وعلى ذلك حكم الفراغ أيضاً ، فيبقى بلا عمل ، خاسراً ، مغبوناً .هذا وقد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش ، وبالعكس ، فإذا اجتمعا في العبد ، وقصَّر في نيل الفضائل : فذلك هو الغبن له كل الغبن ، وكيف لا والدنيا هي سوق الأرباح ، وتجارات الآخرة " انتهى بتصرف يسير. (عمدة القاري : 23 / 31 ).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن أفضل العبادة : العمل على مرضاة الرب في كل وقت ، بما هو مقتضى ذلك الوقت ، ووظيفته" (مدارج السالكين : 1 / 88 ) . ولذا فعلى كل مسلم الحرص على سبل الصلاح وعدم تضييع الوقت في اللهو والجدال حتى يكون من الفائزين. وخير موعظة لاستثمار الوقت أن يعلم المسلم مقدار الحسرة يوم القيامة على ضياع الفرص للتزود بالحسنات والتي قد تكون سببا في دخوله الجنة وتجنبه عذاب الجحيم. نسأل الله الكريم أن يجنبنا والمسلمين الخسارة في الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
- التصنيف:
- المصدر: