كيف نستقبل رمضان؟
يحلُّ علينا ضيفٌ عزيز، وزائرٌ عظيم، يُظِلُّنا مرةً كل سنة، ضيف حُقَّ لنا أن نستبشر به، ويهنِّئ بعضُنا بعضًا به، إنه شهرُ رمضان المبارك.
يحلُّ علينا ضيفٌ عزيز، وزائرٌ عظيم، يُظِلُّنا مرةً كل سنة، ضيف حُقَّ لنا أن نستبشر به، ويهنِّئ بعضُنا بعضًا به، إنه شهرُ رمضان المبارك، الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشِّر صحابتَه بقدومه، فيقول لهم: «أتاكم رمضانُ، شهرٌ مبارك، فرَضَ الله - عز وجل - عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرم»؛ (صحيح سنن النسائي).
فهنيئًا لمن أدرك رمضان، وبُشرى لمن بلَّغه اللهُ رمضانَ، قال ابن رجب: كيف لا يُبشَّر المؤمنُ بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغَلُّ فيه الشيطان؟! من أين يشبه هذا الزمانَ زمان؟!.
ولأن السَّلَف الصالح خَبَرُوا قيمة رمضان؛ فقد كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، ويسألون الله - تعالى - أن يعيشوا لرمضان المقبل، حتى يَعُبُّوا من الخير والفضل، قال مُعَلَّى بن الفضل: كانوا يدْعون الله ستةَ أشهر أن يبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبَّله منهم، وكان يحيى بن أبي كثير يقول: اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبَّلاً.
قال ابن رجب: بلوغُ شهر رمضان وصيامُه نعمةٌ عظيمة على مَن أقدره الله عليه، ويدلُّ عليه حديث الثلاثة الذين استُشهد اثنانِ منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فَرُئِي في النوم سابقًا لهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاةً، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده، إن بينهما لأبعدَ مما بين السماء والأرض»؛ (صحيح سنن ابن ماجه).
فمن فضْل الله عليك، ومحبتِه لك: أنْ نَسَأَ في حياتك، حتى تتزوَّد من خير رمضان هذه السنة؛ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، فلا يظفر بنعمة إدراك رمضان، والاغتراف من خيراته، إلا المبشَّرون برحمة الله.
فافرحْ بقدوم رمضان، واستعدَّ له بترك المعاصي، ومضاعفة القربات، والإخلاص في الطاعات، فكم من متشوفٍ إليه أقعده عن صيامه المرضُ! وكم من منتظِرٍ له باغتَهُ الموتُ وألمَّ به الأجل! فإن شخصًا واحدًا يموت في العالم كل نصف ثانية؛ أي: في نصف ساعة يموت قرابة 3600 شخص، وامرأة تموت كل دقيقة بسبب الحمل أو الولادة، ومتوسط العمر في بلدنا لا يزيد عن 25 %، ولا يعيش فوق الستين عندنا إلا 8 %، فهذه فرصتك في رمضان، حيث أخبر المعصوم - صلى الله عليه وسلم - بأنه إذا جاء «فتِّحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»؛ (متفق عليه)، وهو محمول على الحقيقة؛ ليعظم الرجاء، ويكثر العمل، وتقل المعاصي، وتحبس الشياطين عن أذى المؤمنين وإغوائهم.
فمن رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم فهو المحروم، ومن لم يتزود منه لآخرته فهو المذموم الملوم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعِد المنبرَ فقال: «آمين، آمين، آمين»، قيل: يا رسول الله، إنك صعِدتَ المنبر فقلت: ((آمين، آمين، آمين))؟ فقال: «إن جبريل - عليه السلام - أتاني فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار، فأبعده الله، فقلت: أمين، قال: ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فأبعده الله، قل: آمين، فقلت:آمين»؛ (صحيح الترغيب).
فاستجِب لنداء: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، كفاك ما ارتكبتَ في رجب فلم تتب، وما اقترفتَ في شعبان فلم تُقلع، فهذا رمضان فاتَّق الله.
يَا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ فِي رَجَبٍ ** حَتَّى عَصَى رَبَّهُ فِي شَهْرِ شَعْبَانِ
لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدَهُمَــــــــا ** فَلاَ تُصَيِّرْهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيَــــانِ
انظر إلى عظم هذه البشارات التي يحملها رمضان إلينا:
1- شهر القرآن الكريم: قال - تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، قال ابن كثير: يمدح - تعالى - شهرَ الصيام من بين سائر الشهور، بأنِ اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم.
2- قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ (متفق عليه)، فرمضانُ محرقةٌ للذنوب، ومطهرةٌ من الآثام؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر»؛ (مسلم).
قال القرطبي: قيل: إنما سمي رمضان؛ لأنه يَرمَض الذنوب؛ أي: يحرقها بالأعمال الصالحة.
3- رمضان عتق من النار: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله - تعالى - عتقاءَ في كل يوم وليلة، لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مستجابة»؛ صحيح الجامع، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله - تعالى - عند كل فطرٍ عتقاءَ من النار، وذلك في كل ليلة»؛ (صحيح الجامع).
4- تدريب على الإخلاص والبعد عن الرياء: يقول الله - تعالى - في الحديث القدسي: «يَتركُ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»؛ (البخاري).
ومعنى: الصوم لي أنه سرٌّ بين العبد وربه، لا يدخله الرياءُ؛ أي: لا تَدخله المُقاصَّةُ يوم القيامة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لكل عملٍ كفارةٌ، والصوم لي وأنا أجزي به»؛ (البخاري)، قال سفيان بن عيينة: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسِب الله - تعالى - عبدَه، ويؤدِّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمَّل الله - تعالى - ما بقي عليه من المظالم، ويُدخله بالصوم الجنة؛ ذكره البيهقي في الشعب.
فلا تعجب إذًا إذا علمتَ أن داود بن أبي هند: صام أربعين سنة، لا يَدري عنه أهلُه ولا أهلُ السوق، يحمل غذاءه معه، فيتصدق به، فيظن أهلُه أنه أكل في السوق، ويظن أهلُ السوق أنه أكل عند أهله.
إذا رأيتَ هلال رمضان، فادعُ بما سنَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: «اللهم أَهِلَّهُ علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله»؛ (صحيح سنن الترمذي).
احرص على تبييت نيَّة الصوم من الليل، وتناول السَّحور - ولو جرعةَ ماء - مع تأخيره إلى قبيل الفجر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «السَّحُور أَكْلُهُ بركة؛ فلا تَدَعوه ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جرعةً من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحرين»؛ (صحيح الجامع)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكلةُ السحر»؛ (مسلم).
ومن السنة أيضًا تعجيلُ الفطر بمجرد سماعك كلمة (الله أكبر) من الأذان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر»؛ (متفق عليه).
وادعُ عند إفطارك لنفسك بالفلاح، ولأبنائك وإخوانك بالصلاح، ولسائر المسلمين بالنصر والتمكين؛ فإن للصائم المخلص دعوةً لا تُردُّ؛ كما في الحديث: «ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر»؛ صحيح الجامع، وفي حديث: «دعوة المظلوم».
فإذا أفطرتَ فادعُ بما كان يدعو به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يقول: «ذهب الظمأُ، وابتلَّت العروقُ، وثبت الأجرُ إن شاء الله»؛ (صحيح سنن أبي داود).
- التصنيف:
- المصدر: