وحدة الأمة الإسلامية

منذ 21 ساعة

ما ارتكبت الأمة الإسلامية مضرةً أعظمَ من مضرة التفريق والتنافر، وما ذلَّت من مذلَّة أدهى من التكفير والتناحر، وأهلها قد وقعوا في التشرذم والتشاحن، هدفهم واحد؛ أن يكون جمعُ المسلمين شتى، وأمرُهم ملتبسًا، وموقفهم متخاذلًا.

وحدة الأمة الإسلامية

واقع الأمة اليوم:

ما ارتكبت الأمة الإسلامية مضرةً أعظمَ من مضرة التفريق والتنافر، وما ذلَّت من مذلَّة أدهى من التكفير والتناحر، وهي تعيش على هامش الحياة، تستغيث بالأغيار، وتستعين بالأشرار والكفار، منقسمةً إلى شتى القطعات والسلطات، مسلوبة الإرادة، موكولة الحاجات، تستند في المعايش والطاقات إلى غيرها، وأهلها قد وقعوا في التشرذم والتشاحن، لا همَّ لهم إلا تفريق الصفوف، وإيغار القلوب، وبث بذور الخلافات، وإشعال نيران العداوات، هدفهم واحد؛ أن يكون جمعُ المسلمين شتى، وأمرُهم ملتبسًا، وموقفهم متخاذلًا.

 

فإننا – معشرَ المسلمين – في هذا الزمن العصيب بحاجة ماسَّة إلى الاتحاد والتآلف، وإذ دعوت إلى الوحدة، فإنما أدعو إلى وحدة في الأصول والعقيدة، وحدة في السياسة والزعامة، وحدة في الشعائر الدينية، أما الفروع الفقهية والجزئيات، فلا أدعو إلى توحيدها؛ لأن اختلافها رحمة، ولأنها سُنة ماضية، لا مفرَّ منها؛ إذ الناس ينظرون إلى الدين بعدسات عقولهم، ويتفكرون فيه بمناهج أفهامهم، فتتولد بذلك الآراء المختلفة، وتنشأ الاجتهادات المتعددة، لكن لا ينبغي لهذه الاختلافات أن تكون بابًا للخصام أو نافذةً للصدام، فإن الفروع الفقهية اختلف فيها الصحابة والتابعون، ومنها نشأت المذاهب الأربعة والمدارس الفقهية، فكانت الأمة بذلك معمولةً بجميع الأحاديث؛ إذ لا يكاد يوجد حديث إلا وعمِل به فريق، وبفضل هذا الاختلاف الفقهي ارْتَتَقَ الخلل، وسُدت الثغرات، وتوفرت الرخص في المسائل الشاقة؛ قال عمر بن عبدالعزيز: "ما يسرني لو أن أصحاب محمدٍ لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصةٌ."

 

الوحدة في ظل القرآن:

إن وحدة الأمة وائتلافها فريضة شرعية، وضرورة اجتماعية، وركن متين لإقامة الدين؛ وقد نزل فيها من الله القول المبين: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، وأمر الله المسلمين قاطبةً بالتمسك بحبله المتين، ونهاهم عن التفرق؛ فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

 

وجعل الفرقة والتنازع من علامات المشركين، الذين اتبعوا الأهواء وسلكوا السبل المعوجَّة؛ فقال: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31، 32]، وأخبرنا أن الخلاف والتنازع مدعاة للفشل والضعف والهوان؛ فقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، ولو تأملنا في القرآن، لوجدنا أن الوحدة لا تقل أهميةً عن الفرائض، بل إنها مقدمة على كثير منها؛ إذ بها يثبت الدين، وتعلو كلمة المسلمين.

 

ماذا خسرت الأمة بفقدان الوحدة؟

لم تضعف الدولة العباسية إلا حين تفرقت دولها وتشظَّت سلطاتها، ولم تسقط الحضارة الإسلامية في الأندلس إلا حين أشعل حكَّامها الحروب الأهلية، وانشغلوا بالمناصب، وتنازعوا على الرواتب، وركضوا خلف المكاسب، وساقوا الآمال وراء الأموال، وتفاخروا بألقاب الأقيال، ولم تنحدر الخلافة العثمانية إلا بالخلافات الشخصية، وإيقاد الصليبيين نار الفتن والثورات، وإغراء زعماء الأمة بالانعزال عن خلافتهم.

 

الوحدة ضالَّة الأُمَّة:

فإننا - معشر المسلمين - في هذه المرحلة الحرجة، في أشد الحاجة إلى وحدة جامعة، وخلافة على منهاج النبوة، ومرجع واحد، ودولة واحدة، وإمام واحد، يقود الأمة بحكم الله، ويرعى حقوق العباد، ويقيم العدل بين الغني والفقير، ويذود عن بيضة الدين وحرماته، فلا يكون الفضل إلا بالتقوى؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].

 

فإن الوحدة سبب العزة والرفعة، وأساس القوة والمنعَة، فالعيدان إذا اجتمعت عزَّ كسرها، وإذا تفرَّقت سهُل تكسُّرها، وقد صاغ الشاعر هذا المعنى في أبيات بليغة؛ فقال:

إن القداحَ إذا اجتمعن فرامَهـــا   **   بالكسر ذو حنق وبطش يدِ 

عزَّت فلم تُكسر وإن هي بُدِّدت   **   فالوهن والتكسير للمبــــددِ 

 

____________________________________________________
الكاتب: أنيس أحمد غوائي

  • 2
  • 0
  • 52

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً