المتحاكمون إلى الطواغيت قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله ...

المتحاكمون إلى الطواغيت

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 60 - 62]:
"إن من عرف أن لا إله إلا الله فلا بد من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موارد النزاع فقد كذب في شهادته.

ولما كان التوحيد مبنيا على الشهادتين إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى لتلازمهما وكان ما تقدم من هذا الكتاب [يعني كتاب التوحيد لجده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله] في معنى شهادة أن لا إله إلا الله التي تتضمن حق الله على عباده، نبه في هذا الباب على معنى شهادة أن محمدا رسول الله التي تتضمن حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنها تتضمن أنه عبد لا يُعبد، ورسول صادق لا يكذب، بل يطاع ويتبع، لأنه المبلِّغ عن الله تعالى، فله -عليه الصلاة والسلام- منصب الرسالة والتبليغ عن الله، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، إذ هو لا يحكم إلا بحكم الله، ومحبته على النفس والأهل والمال والوطن، وليس له من الإلهية شيء، بل هو عبد الله ورسوله، كما قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].

ومن لوازم ذلك متابعته وتحكيمه في موارد النزاع، وترك التحاكم إلى غيره، كالمنافقين الذي يدَّعون الإيمان به ويتحاكمون إلى غيره، وبهذا يتحقق العبد بكمال التوحيد وكمال المتابعة، وذلك هو كمال سعادته، وهو معنى الشهادتين، إذا تبين هذا فمعنى الآية المترجم لها: إن الله -تبارك وتعالى- أنكر على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر المصنف في سبب نزولها: قال ابن القيم: "والطاغوت كل من تعدى به حده، من الطغيان، وهو مجاوزة الحد"، فكل ما تحاكم إليه متنازعان غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو طاغوت، اذ قد تعدى به حده، ومن هذا كل من عبد شيئا دون الله، فإنما عبد الطاغوت وجاوز بمعبوده حده، فأعطاه العبادة التي لا تنبغي له، كما أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت، وتأمل تصديره -سبحانه- الآية، منكرا لهذا التحكيم على من زعم أنه قد آمن بما أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى من قبله، ثم هو مع ذلك يدعو إلى تحكيم غير الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويتحاكم إليه عند النزاع، وفي ضمن قوله {يَزْعُمُونَ}، نفي لما زعموه من الإيمان، ولهذا لم يقل: ألم تر إلى الذين آمنوا، فإنهم لو كانوا من أهل الإيمان حقيقة لم يريدوا أن يتحاكموا الى غير الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فيهم {يَزْعُمُونَ} فإن هذا إنما يقال -غالبا- لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب أو مُنزَّل منزلة الكاذب، لمخالفته لمُوجِبها وعمله بما ينافيها، قال ابن كثير: "والآية ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ههنا، وقوله تعالى: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت، وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان، مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم اليه، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله، وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}، أي: لأن إرادة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الشيطان، وهو إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وفي الآية دليل على أن ترك التحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما سوى الكتاب والسنة: من الفرائض، وأن المتحاكم إليه غير مؤمن، بل ولا مسلم.
وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}، أي إذا دعوا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله والى الرسول أعرضوا إعراضا مستكبرين، كما قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48]، قال ابن القيم: "هذا دليل على أن من دُعي الى تحكيم الكتاب والسنة فلم يقبل وأبى ذلك أنه من المنافقين، و{يَصُدُّونَ} هنا لازم لا متعد، هو بمعنى يُعرضون، لا بمعنى يمنعون غيرهم، ولهذا أتى مصدره على صدود، ومصدر المتعدي صدا"، فإذا كان المعرض عن ذلك قد حكم الله -سبحانه- بنفاقهم، فكيف بمن ازداد إلى إعراضه منعَ الناس من تحكيم الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما، بقوله وعمله وتصانيفه، ثم يزعم مع ذلك أنه إنما أراد الإحسان والتوفيق؛ الإحسان في فعله ذلك والتوفيق بين الطاغوت الذي حكَّمه وبين الكتاب والسنة؟
قلت: وهذا حال كثير ممن يدعي العلم والإيمان في هذه الأزمان، إذا قيل لهم تعالوا نتحاكم الى ما أنزل الله والى الرسول {رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: 5]، ويعتذرون أنهم لا يعرفون ذلك ولا يعقلون، {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].

وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، قال ابن كثير: "أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في المصائب بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك"، وقال ابن القيم: "قيل المصيبة فضيحتهم، إذا أُنزل القرآن بحالهم ولا ريب أن هذا أعظم المصيبة والإضرار، فالمصائب التي تصيبهم بما قدمت أيديهم في أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعظمها مصائب القلب والدين، فيُرى المعروف منكرا، والهدى ضلالا، والرشاد غيا، والحق باطلا، والصلاح فسادا، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قبله، وهو الطبع الذي أوجبه مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحكيم غيره، قال سفيان الثوري: في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، قال: هي أن تطبع على قلوبهم".

وقوله تعالى: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، قال ابن كثير: "أي: يعتذرون ويحلفون إن أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة".

وقال غيره: "{إِلَّا إِحْسَانًا}، أي: لا إساءة، و{وَتَوْفِيقًا} أي: بين الخصمين، ولم نرد مخالفة لك، ولا تسخطا لحكمك"". [من كتاب: تيسير العزيز الحميد، باختصار]


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة - دين ملفق في خدمة منهج ضال: ومنذ ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

- دين ملفق في خدمة منهج ضال:

ومنذ بداية ظهور فرقة الشيعة وحتى ما نراه اليوم من شرك طوائفهم المختلفة وكفرها، غيّر علماء السوء الذين يتبعونهم دين الإسلام الذي زعموا أول الأمر أنهم حريصون على حفظه ووقايته من الانحراف الذي ادعوا وجوده، وأضافوا عليه الكثير من أديان أهل الكتاب والوثنيين، وأنكروا منه كل ما لا يوافق هواهم ومنهجهم، وكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، من الآثار ما ملؤوا به المجلدات وخدعوا به السذج الأغرار، وحتى القرآن الكريم لم يسلم من كفرهم وتشكيكهم، فزعموا أن فيه زيادة ونقصانا، لما وجدوا أن آياته تعارض ما يزعمون من الدين.

ولعزل منهجهم عن منهج أهل السنة والجماعة بالكلية، طفقوا يدورون على الفرق المنحرفة، والأديان الباطلة، ليختاروا من كلٍّ منها ما يمكن أن ينبني على أصولهم الفاسدة من العقائد والأحكام، حتى لفقوا لأنفسهم دين الرفض الذي يخالف دين الإسلام بالكلية.

ومن يرجع لتاريخ فرق الشيعة يجد أنها ما زالت منذ عهدها الأول مستمرة في العمل لإقامة ما يزعمون أنه الدولة الإسلامية، وإدخال الناس في دينهم الباطل الذي يزعمون أنه الدين الذي نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وورث تبليغه للناس أئمتهم الغائبون، ولا يعلم إلا الله -تعالى- عدد من قُتل من أتباع ملتهم ومن المسلمين في سبيل غاياتهم تلك في حروبهم التي لم تتوقف ضد المسلمين خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

فهكذا نشأ دين الرفض كلّه من أصل فاسد ونظرية فاسدة في الإصلاح، رأوها ضرورية لتحقيق العدل الذي يزعمون السعي إليه، والإصلاح الذي يكذبون في ادعاء طلبه، أخذها بعض الشيعة الأوائل من دين اليهود، أو أدخلها في أذهانهم يهودي كابن سبأ، باعتقادهم وصاية علي بن أبي طالب على الدين من بعد انقطاع الوحي، كما كان يوشع بن نون وصيا على بني إسرائيل من بعد موسى، عليه السلام، وتطوّرت هذه الفكرة على مدى القرون الطويلة، وما جرى فيها من صراعات بين فرق الشيعة وأعدائهم، ومن نزاعات بين فرق الشيعة أنفسهم، ومن تبديل وتغيير في دينهم على أيدي علماء السوء المشرعين لهم من دون الله، حتى تكوَّن من كل ذلك هذا المزيج النجس من العقائد الذي نراه اليوم عند فرق الشيعة المختلفة.

- تنظيمات وفصائل على خطى الرافضة:

فهذا التطور البعيد الأمد لدين الرافضة يقدّم لنا نموذجا حيا لما يمكن أن تصل إليه الدعوات إلى إقامة الدولة الإسلامية إن سلكت سبلا تنحرف عن الصراط المستقيم، وجعلت من تلك السبل واجبا حتميا على الناس سلوكه لإقامة الدين، فكانت نهايتهم أن بدَّلوا الدين ليتوافق مع تلك السبل التي ابتدعوها.

وهذا ما نجد كثيرا من الدعوات تسير عليه اليوم في طريقها المزعوم لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، فالانحرافات التي بدأت في أول الطريق لم تلبث أن انجلت اليوم عن ابتعادٍ كبيرٍ عن منهاج النبوة، بل ومحاربة لهذا المنهاج الذي رضيه الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
وسنسعى -بإذن الله- فيما يأتي من حلقات هذه السلسلة إلى ضرب أمثلة أكثر لتوضيح هذه الفكرة، وصولا إلى بيان مآلات سبل الضالين، مقارنة مع منهاج النبوة الذي تسير عليه الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله تعالى.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة لإقامة الدين، وتحقيق العدل بين الناس الذي فرضه الله -تعالى- على خلقه، وجعل تحكيم شريعته شرطا له، وبغياب هذا الدين، وبتحكيم غير شريعة الله -سبحانه- يطغى الكفر، ويسود الظلم، ولعلاج ذلك يلجأ الناس إلى مسالك شتى، فمنهم من يرى أن إقامة الدين إضافة إلى كونها واجبا شرعيا، فإنها تتضمن تحقيق العدل، وهم المسلمون لرب العالمين، ومنهم من يسعى لإقامة كل ما يحسبه عدلا بأي طريق كانت، ولأسباب دنيوية محضة، وهم المفسدون من دعاة الإصلاح في كل ملّة ودين باطل.

إذ يتساوى البشر جلهم برغبتهم في إقامة العدل داخل المجتمعات التي يحيون فيها، ويرون في ذلك وسيلة لتجنيبهم ظلم الآخرين لهم، وفتح المجال أمامهم ليحيوا حياتهم الدنيوية بأمان أكبر، وسعادة أكثر، ولذلك نرى كثرة ما كتبه الفلاسفة والمتكلمون من الجاهليين في مسائل الحكم، لكونه وسيلة لإقامة العدل، وسعادة البشر، وظهرت مصطلحات كثيرة تحوم حول "الحكم العادل" و"المدينة الفاضلة" التي يحلم الناس بوجودها والعيش فيها، وقد قام عدد لا يحصى من الثورات والحروب في الأمم المختلفة لتحقيق هذه الغايات.
فبإغفال الناس للمنهج الذي بيّنه لهم خالقهم -جلّ وعلا- لتحقيق العدل فيما بينهم، وتحصيل السعادة في الدارين، لا يلبثون أن يختلفوا فيما بينهم، وأن يظهر فيهم الأئمة المضلون الذين يزعم كل منهم أنه وحده من يعرف الطريق لتحقيق العدل، وأنه وحزبه هم الوحيدون الذين بإمكانهم إقامته في الأرض، وعندما تتصارع رؤاهم حول العدل الذي يزعمون مع رؤى غيرهم ومصالحهم، لا يبقى إلا السلاح حكما بينهم، إذ لا أصل متفق عليه بينهم يرجعون إليه لحسم التنازع.

- قالوا إنّما نحن مصلحون:

وعلى هذا يسير الكثيرون ممن يزعمون اتّباع أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- ممن ترك السنة وسار على طريق الهوى والبدعة، فضلَّ عن الصراط المستقيم، واتبع كلٌّ منهم سبيلا من السبل، عليه شيطان يدعو إلى النار، وكلٌّ منهم يدّعي أنه وريث علم النبوة، وحامي حمى الشريعة، وكلٌّ منهم يؤمل أتباعه بأنه سيعيد الدين إلى ما كان عليه في حياة أنبيائهم، بل وسيحقق لهم ما لم يتحقق لأولئك الأنبياء من الظفر والتمكين، وتحكيم الكتاب وإقامة الدين، وفي المحصلة ظهرت فيهم الفرق المتعددة؛ ففي النصارى إحدى وسبعون فرقة، وفي اليهود ثنتان وسبعون، ليتبعهم من يزعمون الانتساب إلى أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فينقسموا بدورهم إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها على ضلالة إلا فرقة تسير على منهاج النبوة، على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام.

ومن يرجع إلى تاريخ كثير من تلك الفرق يجد أن مبدأ الانحراف في مناهج كثير منها، الذي قادها إلى الخروج عن الدين بالكلية إنما هو مناداتهم بالعودة إلى منهاج النبوة مع بنائهم دعاواهم على أصول فاسدة، وسعيهم في إقامة دولة تختلف كثيرا عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما برحوا يزداد بهم الانحراف، ويبتعد بهم سبيلهم عن الصراط المستقيم، وهم يزيدون على دينهم وينقصون بما يخدم منهجهم الضال، حتى باتت أديانهم المختلفة شيئا مختلفا عن دين الإسلام الذي خرجوا بادئ الأمر يطلبون إعادته لما كان عليه السلف الأول.

- الرافضة.. تاريخ طويل من الضلال:

فالرافضة -إن صدق عدُّهم من أولى الفرق ظهورا- هم استمرار للانحراف الذي بدأ عند بعض الناس بتعصبهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادهم أنه لن يعيد الدين إلى ما كان عليه قبل انقطاع الوحي، ولن يحفظه إلى يوم القيامة إلا رجال من آل النبي وذريته، فظهرت في الشيعة عقيدة الوصاية على الدين التي حصروها بعلي، رضي الله عليه، وخرجوا بكذبةٍ مفادها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نصّ عليه خليفة من بعده، وأظهروا بدعة تفضيله على الصحابة وخاصة الشيخين، ثم تطوّر بهم الأمر إلى الغلو في علي بل إلى تأليهه في حياته وبعد موته، وأصبحت مسألة إمامة أهل البيت أصلا في دينهم، فلا يرون طريقا لإصلاح الدين إلا أن تكون إمامة الدين لواحد من أبناء فاطمة، رضي الله عنها.

وهذا الاتجاه البدعي في الإصلاح المزعوم -الذي ألزموا به أنفسهم- ذهب بهم في كل مرة يموت فيها إمامهم المنصوب إلى القول برجعته، أو إنكار موته، بل ووصل بهم الأمر إلى أن ينسبوا لأحد أئمتهم ابنا لم يكن له، وذلك لما وصلت سلسلة الإمامة التي تنتقل حلقاتها من الآباء إلى الأبناء إلى طريق مسدود، عندما انعدمت سلالة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، فخرجوا بكذبة الإمام الثاني عشر الذي أسموه (محمد المهدي بن الحسن العسكري)، ليواروا سوءة ضلالهم في مسألة الوصاية، بأن خلت الأرض من وصي يحقق شروطهم النَسبيّة والشرعية، واخترعوا قصة غيبته في سرداب سامراء إلى آخر الزمان ليستمر منهجهم البدعي الشركي الضال، زاعمين ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
لقراءة المقال، تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 69 المقال الافتتاحي: إيران وشجرة الرفض الخبيثة إن الإسلام يعلو في الأرض، ...

صحيفة النبأ العدد 69
المقال الافتتاحي:
إيران وشجرة الرفض الخبيثة

إن الإسلام يعلو في الأرض، وتُعظّم شعائره، وتقام حدوده عندما تحميه دولة تقوم على أساسه، وترفع رايته، ويجاهد أمراؤها وجنودها في سبيله، كالدول الإسلامية التي قام عليها الأنبياء كداود وسليمان ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ومن بعدهم من تبعهم بإحسان وسار على منهاجهم، كالخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، وكذلك الدول التي أقامها أتباعهم من أهل التوحيد والسنة في الأزمنة المتعاقبة، وصولا إلى هذه الدولة الإسلامية، وإلى دولة عبد الله المهدي وأخيه عيسى المسيح عليه السلام، فهي كلها من الأسباب التي هيَّأها الله تعالى لنشر دينه، ودخول الناس فيه، قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة الـنصر: 1-3].

وأما أديان الجاهلية فتظهر كذلك، ويكثر أتباعها، وتعلو أحكامها، وتعظم شعائرها عندما تقوم على حفظها والدعوة إليها دول جاهلية، فتقوى بها تلك الأديان الباطلة بمقدار قوة الدول الكافرة القائمة عليها وذلك بتقدير العليم الحكيم، وقد رأينا ذلك في انتشار النصرانية بسلطان روما والقسطنطينية، وانتشار الشيوعية بسلطان الاتحاد السوفيتي، وانتشار الديموقراطية بسلطان أمريكا ودول أوروبا.

ولكن الفارق هو أن الإسلام دين الله الذي تكفَّل بحفظه، وتجديده بمن شاء من عباده، بينما ملل الشرك لا تكاد تنقضّ دولها، حتى تُجتثَّ عقائدها معها، وينقرض أتباعها، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 24 - 26].

وكذلك وجدنا أهل الرفض لا يظهر دينهم إلا عندما تظهر لهم دولة تنشر باطلهم، وتحمي شركهم، وتبني لهم الأوثان من قبور ومقامات ليعبدوها من دون الله، فتجبر المسلمين على الخضوع لهذا الإفك، بل والدخول فيه، كما كان من قبل في عهد دولة بني عبيد الله القداح المسمّاة بالفاطمية، ودولة القرامطة الباطنية، ودولة إسماعيل الصفوي، ودولة الخميني وأتباعه في إيران، فعُلُوُّ الروافض في الأرض اليوم، وإظهارهم شركهم، ونزعهم التقية، ما هو إلا نتيجة من نتائج قيام دولة الطاغوت الخميني وأتباعه في إيران.

وقد رأينا في التاريخ مرارا أنه ما إن تسقط دولة الرافضة حتى يسهل اقتلاع دينهم من الأرض، كما حدث عندما زال حكم بني عبيد الله القداح عن مصر والمغرب، فلم يبق في تلك المناطق من يُظهر دين الرافضة، رغم حكمهم لتلك البقاع لأكثر من قرنين من الزمن، اجتهدوا خلالها في نشر شركهم وبدعهم، وإدخال الناس في دينهم الباطل، فلما أزال الله سلطانهم، محى آثارهم، ولم يبق منها إلا بعض البدع التي ورثها عنهم مشركو الصوفية القبوريين.

وإن شوكة الرافضة في الأرض اليوم لن تنكسر إلا بفتح فارس من جديد، وتطهيرها من دنس شركهم، وإخضاع تلك الأرض لشريعة رب العالمين، كما فعل سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، ففي إيران اليوم أئمة الرفض، الذين يخططون، ويديرون كل المشروع الرافضي في العالم، ويمولونه، ويدعمونه بكل ما استطاعوا، وما بقية الروافض في العالم بأحزابهم وميليشياتهم إلا أدوات بيد أئمة الكفر في إيران.

وإننا على يقين من نصر الله لنا عليهم، ومن فتح الله لنا ديارهم، ومن تمكينه لنا من أرضهم، ومن إعانته لنا في إقامة دينه وتحكيم شرعه في أهل فارس من جديد، ومن توفيقه لنا بأن نُعلِّم التوحيد في قم وطهران، بعد أن نطهرها من الشرك وأهله، بإذن الله تعالى.

فيا أتباع ملّة إبراهيم في بلاد فارس، عليكم بأئمة الشرك في دولة إيران الرافضية، ويا أهل التوحيد في كل مكان عليكم بالرافضة المشركين وإخوانهم، صولوا عليهم، وحاربوا طواغيتهم، وانقضوا بنيان دولتهم الكافرة، وخرِّبوا معابدهم العامرة، وأروا الله فيهم ما يرضيه عنكم، ولا تلقوا السيوف من أيديكم حتى تروا رايات التوحيد في أرضهم، وحتى تحكِّموا شرع الله في ديارهم، والله ينصركم، ويهديكم، ويفتح لكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

تَصريحاتٌ وشِعارتٌ خُلبية في هذا الصدد، نستذكر التصريحات والشعارات الخلبية التي كان يطلقها قادة ...

تَصريحاتٌ وشِعارتٌ خُلبية

في هذا الصدد، نستذكر التصريحات والشعارات الخلبية التي كان يطلقها قادة النظام السوري الجديد في مرحلة "اللاوعي الثوري"، والتهديدات الجوفاء بقتال اليهود ونصرة فلسطين وغيرها من الشعارات التي يتقاسمها كل الطواغيت العرب، في حين لما وصل هؤلاء إلى سدة الحكم تنكّروا لشعاراتهم وأصبحوا يبررون ذلك بعقد مقارنات بين "عقلية الثورة" و "عقلية الدولة" وكأنهما خصمان! فإن كان هؤلاء قد خلعوا لباس الثورة عند أول عتبة قصر رئاسي ولجوه تحت أجنحة الطائرات الصليبية، أتراهم يتمسكون بالشريعة وهم يرونها عائقا ومانعا دون هذه القصور؟!

وفورا يتبادر إلى ذهن القارئ موقف هؤلاء وغيرهم المزاود على الدولة الإسلامية فيما يتعلق بقتال اليهود، مع أنها لم تكن على تماس مع الحدود اليهودية إلا في ساحة واحدة وعن بعد، بذلت فيها وسعها، فتحالفت ضدها كل الأطراف بمن فيهم "المقاومة" التي تعاونت لحماية "الأمن القومي المصري!" الذي يخنقها اليوم حماية لـ "الأمن القومي اليهودي!".

بينما يقف اليوم جيش النظام السوري الجديد موقف سلفه النصيري على طول الحد الجنوبي مع يهود وهو لا يفكر مجرد تفكير أن يمارس "حقه" في رد أي اعتداء عسكري على أراضيه التي باتت مستقرا للقوات اليهودية الغازية تدخل وتخرج على مرأى جنود الجولاني، بينما يكتفي النظام الثوري ببيانات "الإدانة" تماما كما كان يفعل نظام "ما قبل الثورة".

افتتاحية النبأ "الجولاني بين جدارين!" 488
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

مقدمة في الطب النبوي [٢/٢] - لا عدوى ولا صفر: ويمتاز الطب النبوي بالإرشادات النبوية للوقاية من ...

مقدمة في الطب النبوي
[٢/٢]
- لا عدوى ولا صفر:

ويمتاز الطب النبوي بالإرشادات النبوية للوقاية من الأمراض المعدية، التي هي في حقيقتها لا تؤثر إلا بإذن الله تعالى، وفيها منهج متوازن للتعامل مع مثل هذه الأمراض، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا صفر، ولا هامة) فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل، تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيُجربها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟). فالبعير الأول الذي بدأت منه العدوى كيف أصيب بالمرض؟ وهذا السؤال سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي قال إن البعير الأجرب عندما يخالط الإبل تصاب كلها بالجرب، وهو يأخذ بالظاهر كعادة أهل الجاهلية الذين لا ينظرون لمشيئة الله تعالى في تقدير الأمراض والأسقام لحكمة هو يعلمها، فجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أساس المرض ليس عدوى وإنما هو بتقدير الله تعالى، وكذلك العدوى من مريض لمصح، لا تكون إلا بإذن الله تعالى ليطمئن المسلم إذا خالط مريضا وهو لا يدري، فيعلق حصول العدوى بمشيئة الرب -جل وعلا- وتطمئن نفسه، ويعتقد أن الله -تعالى- ابتلاه بالمرض ليَحط من خطاياه كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية، وهذا هو الأصل الذي قرره النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك احتمالية حصول عدوى من بعض الأمراض وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- لمثل هذه الإرشادات.

وهو منهج وسط بين أهل الجاهلية الذين يرون الأمراض معدية بذاتها دون النظر لمشيئة الله تعالى، وبين من ينظر للمسألة على أنها علمية بحتة لا تقبل الاستثناء وحاصلة بالتجربة والبرهان، فالمنهج النبوي هو تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى ونفي حدوث العدوى إلا بأمره مع إمكانيتها والتحذير منها، ولذلك أمر باتخاذ الأسباب الوقائية حين مشاهدة المرض الذي ظاهره أنه معدٍ، كما جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، كذلك ما رواه الإمام البخاري بسنده قال حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، قال: سمعت أسامة بن زيد، يحدث سعدا، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) فقلت: أنت سمعته يحدث سعدا، ولا ينكره؟ قال: نعم.

- الشفاء من الله:

وأما إذا وقع المرض فإنه مع اختلاف العلماء حول مسألة التداوي فإن المُحصِّلة هي ما بين موجب وبين قائل بالندب، وهذا الأمر يتعلق بنية المتداوي بأن يعتقد أن العلاج هو سببٌ خَلَقه الله تعالى له، وأن الشفاء ليس في العلاج ذاته، بل هو محض منة الله -تعالى- كما قال إمام الموحدين نبي الله إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 80 – 81].

ولذلك ترى كثيرا من الناس يتعلق قلبه بالسبب دون خالق السبب وهذا أمر خطير يُدخله في الشرك وينفي سلامة توكل القلب على الله تعالى، فالله -سبحانه وتعالى- خالق كل شي وخالق الأسباب والمسببات، ولا بد من الأخذ بالأسباب المشروعة لعلاج مسببات المرض، وكلها من خلق الله تعالى وتدور في مشيئته ومقتضيات حكمته، فقد أورد ابن أبي شيبة في مصنفه حديثا رواه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء).

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: "وإذا قدّر للعبد خيرا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدّره الله بأسباب يسوق المقادير إلى المواقيت فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات، ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع".

فهذه نماذج من سنته -عليه الصلاة والسلام- في مسائل المرض والشفاء، سنتوسع فيها بإذن الله ضمن حلقات من هذه السلسلة، نسأل الله أن ييسر لنا إتمامها، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك وأهله، والحمد لله رب العالمين.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاُ.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

مقدمة في الطب النبوي الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، ويُنزل بمن يشاء البلاء، والصلاة ...

مقدمة في الطب النبوي

الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، ويُنزل بمن يشاء البلاء، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ماحي الشرك والشقاء، وعلى آله الأنقياء وصحبه الأصفياء وبعد:

فإن شريعة الرحمن جاءت بأحكام عظيمة تحفظ للمسلم دينه ونفسه ونسله وماله وعقله، فالخالق أعلم بصنعه وخلقه وما ينفعهم في دينهم وأنفسهم ودنياهم، فجرت أحكام الله تعالى بنواهٍ واضحة تقطع الأسباب التي تضر بتلك المقاصد، وجاءت الشريعة بنهج قويم يمنع حدوث كل ما يمس دين المسلم، مثل سد ذرائع الشرك للوقاية من خسارة الدين والخلود في النار، وكذلك اجتناب أسباب الزنى مثل النظرة والخلوة وغيرها لاجتناب الوقوع في الزنى الذي يضر بحفظ النسل، وكذلك جاءت الشريعة على سبيل الإرشاد والتعليم لاتخاذ الأسباب لحفظ النفس من التلف والضرر.

فدلت السنة النبوية على عادات وعلاجات وقائية في مرحلة ما قبل المرض، وعلاجية إذا ما وقع، وقد كتب أهل العلم كتبا في هذا الموضوع، لحاجة الناس للوقاية والعلاج لحفظ أنفسهم من الضرر.

- المنهج الوقائي في الطب النبوي:

ومِن المنهج الوقائي -مثلا- هو التوجيهات النبوية حول عدم الإكثار من الطعام الذي يسبب الكثير من الأمراض مثل السكر وضغط الدم وغيرها من الأمراض القلبية، إذ جاء في سنن البيهقي وابن ماجة قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي، لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)، وعلّق ابن القيم على هذا الحديث في كتابه الطب النبوي: "ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع. فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن هذا إذا كان دائما أو أكثريا".

كذلك تظهر صورة الوقاية جلية في قوله، صلى الله عليه وسلم: (من تصبّح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر) [رواه الشيخان]. وهذه وقاية عجيبة من بلاءين كبيرين لا يتفطن لهما المسلم الغافل.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

الزهد في الدنيا من منهج السلف لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- سيد العبّاد والزهّاد، يأتيه ...

الزهد في الدنيا من منهج السلف

لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- سيد العبّاد والزهّاد، يأتيه جبريل مرسلاً من لدن رب العباد، فيخيِّره بين أن يُبعث نبيا ملكا أو نبيا عبدا فيختار الثانية، ويرد مفاتيح خزائن الدنيا الفانية، فذاق وأهله من صنوف الفاقة والخصاصة، وعاش الكفاف مع خيرة الأصحاب، وهم الذين ملكوا الأرض وخضعت لهم الرقاب.

وإننا في أيامنا هذه وبعد أن فُتحت الدنيا علينا، بتنا نفتقد تلك الروح، روح الرعيل الأول من الزاهدين، الذين لم تخدعهم الدنيا ببريقها، وفطنوا إلى أن السلامة منها ترك ما فيها.

والمتأمل في حال بعض النساء اليوم، يرى منهن ترفا زائدا، وحرصا على الدنيا وقاذوراتها، إذا تسوَّقن بَالَغن وأسرفن، وإذا طلبن من الزوج أجهدن وأتعبن، وإذا تأخر عنهن لقلة ذات اليد، تذمَّرن واشتكين، وربما دفعن به إلى السلف والدَّين، فيريق ماء وجهه بين الرجال، ويشقى بين الناس بكثرة السؤال.

كانت إحدى نساء السلف تشيّع زوجها يوميا إلى باب البيت لتوصيه قبل خروجه بأن يتقي الله فيما يطعمهم، همها الحلال والحرام! وبعض نساء اليوم توصله إلى الباب مذكرة إياه بقائمة المشتريات التي لا تنتهي، ولا شأن لها بكيف، ولا من أين سيلبيها لها زوجها!

تجد إحداهن لا همَّ لها من الدنيا سوى مأكلها وملبسها، إذا أكلت استكثرت، وإذا لبست افتخرت، وإذا جلست لتحدث، فعن الطعام واللباس وقصات الشعر وألوانه، وقد كان من دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم: (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) [رواه الترمذي].

فيا أخت الإسلام ويا حفيدة عائشة، عائشة التي كان درعها مرقَّعا، هلُمِّي بنا نسرح بالخيال قليلا في خير البيوتات وأشرفها وأطيبها، حسبا ونسبا ودينا وصلاحا، وعفافا وغنى وتقى، إنها بيوتات نبيك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

لقد كانت حجرات صغيرة، بسيطة متواضعة، لا تكاد في مساحتها تكفي الاثنين، وأما فراشه الذي كان ينام عليه، فتصفه لنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: كان فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أَدَما، حشوه ليف) [متفق عليه]، والأدم: الجلد المدبوغ، والليف ليف النخل.

ويسرد لنا الفاروق عمر -رضي الله عنه- حديثا طويلا جاء فيه: "فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع على حصير، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: (ما يبكيك يا ابن الخطاب) قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: (يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟)، قلت: بلى..." [رواه مسلم].
وأما مطعمه وأهلِه -صلوات ربنا وسلامه عليهم- فقد كان يمر الهلال والهلال ولا توقد في بيوته نار، وكان أكثر عيشهم على الأسودين؛ التمر والماء، بل تصف عائشة -رضي الله عنها- ما كان يصلهم أحيانا من لحم فتقول: "اللحيم" كناية عن قلته!
قال الطبري، رحمه الله تعالى: "في اختيار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخيار السلف من الصحابة والتابعين شظف العيش، والصبر على مرارة الفقر والفاقة ومقاساة خشونة خَشِن الملابس والمطاعم على خفض ذلك ودعَته، وحلاوة الغنى ونعيمه، ما أبان عن فضل الزهد فى الدنيا وأخذ القوت والبُلغة خاصة، وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يطوي الأيام، ويعصِب على بطنه الحجر من الجوع؛ إيثاراً منه لشظف العيش والصبر عليه، مع علمه بأنه لو سأل ربه أن يسيِّر له جبال تهامة ذهباً وفضةً لفعل، وعلى هذه الطريقة جرى الصالحون".

وبالله عليك يا مسلمة تأملي في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- حيث تقول: "قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه، فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه" [أخرجه أبو داود]، يا سبحان الله! لقد كانت الواحدة من نساء خير القرون لربما لا تملك غير ثوب واحد، فيه تحيض وفيه تطهر، ونساء أمتنا اليوم تكاد بيوتهن تلفظ ما فيها من لباس وزينة!

وقد تقول قائلة: لا أراكم إلا تحرّمون ما أحل الله الذي يحب أن يرى أثر نعمته على عبده!
نقول حينها: معاذ الله تعالى أن نحرّم طيِّباته على عبيده، ولكن هي دعوة للتطبع بطباع خير الخلق، والزهد حلية المؤمن الحق، من صغرت الدنيا في عينه وعظمت الآخرة في قلبه.والله -عز وجل- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده لا أثر الإسراف والتبذير، ولا أن يرى زوجات يرهقن كواهل أزواجهن بطلب كلِّ ما يشتهينه وإن تعذر عليهم توفير ذلك.

وإنا إذ ندعو النساء إلى التحلي بهذه الحلية الطيبة، لا يفوتنا أيضا في هذا المقام أن نحذِّر من مغبة الشح والبخل على الأهل.

فعلى الزوج المسلم أن ينفق على أهله وبنيه بالمعروف دون إفراط أو تفريط، ولينفق ذو سعة من سعته، فيبلغ بذلك منازل الكرام دون أن يكون أخا للشيطان، فلا يكوننَّ ذا مال ثم يقتر على أهله تقتيرا، وليحتسب الأجر على كل لقمة يضعها في فيِّ أهله، وعلى كل سرور يدخله على قلوبهم، والله من وراء القصد، كما لا يكوننَّ ذا حاجة ثم يكلف نفسه ما لا يطيق إرضاء لزوجة لا تراعي حاله، ولا ترحم ضعفه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

قاتلوا أئمة الكفر حملة إعلامية جديدة ضد علماء السوء أعلن ديوان الإعلام المركزي في الدولة ...

قاتلوا أئمة الكفر
حملة إعلامية جديدة ضد علماء السوء

أعلن ديوان الإعلام المركزي في الدولة الإسلامية عن حملة إعلامية جديدة، تستهدف التحريض على قتل المرتدين من علماء السوء أسوة بغيرهم من المشركين والمرتدين.

وتبنى الديوان أمر الله تعالى (قاتلوا أئمة الكفر) شعارا للحملة، في إشارة إلى العلماء الموالين للكفار، الذين يفتون للناس بخلاف ما أنزل الله، ويحرفون الكلام عن مواضعه، ويدعون الناس إلى النار، بفتاواهم التي يصدرونها نصرة لأوليائهم من الصليبيين والطواغيت.

وشارك في الحملة عدد من المكاتب الإعلامية لولايات الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى عدد كبير من الأنصار، نجحوا من خلالها -بفضل الله- في نشر الكثير من الرسائل الدعوية والتحريضية، وإيصالها إلى الملايين من المتلقين، رغم الحملة الشرسة ضد إعلام الدولة الإسلامية.

فقد نشر المكتب الإعلامي لولاية نينوى إصدارا مرئيا حمل عنوان (عملاء لا علماء) يظهر حقيقة علماء السوء وخيانتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، ويقدم مقارنة بينهم وبين بعض العلماء العاملين من المجاهدين في سبيل الله، الذي أكرموا العلم بالعمل، وصدقوا حسن الأقوال بطيب الفعال، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

كما تضمن الإصدار مشاهد حية من المعارك الجارية بين المجاهدين وأعدائهم المشركين في أحياء الموصل الشرقية، حيث يعمل المسلمون بما علموه من دينهم، فيجاهدون أعداء الله، ويستجيبون في قتالهم لهم لأمر الله، لا كعلماء السوء الذين يتباهون بكثرة ما حفظوا من المتون وقرؤوا من الكتب، ولا يخجلون من تركهم للعمل، وبخلهم بالبذل في سبيل الله.

وحث إصدار (عملاء لا علماء) المسلمين في كل مكان على استهداف المرتدين من علماء السوء، وخاصة الموالين للطواغيت والصليبيين منهم، والتقرب إلى الله بقتلهم.

وفي إصدار مرئي آخر نشره المكتب الإعلامي لولاية الخير حمل عنوان (قاتلوا أئمة الكفر) جرى التركيز أكثر على بيان أوجه كفر وردة بعض علماء السوء، ممن يساندون الحملة الصليبية ضد الدولة الإسلامية، ويحرضون الناس على قتالها في صفوف جيوش الطواغيت، وتحت راية الصليب، ويصرحون بمحبتهم للمشركين، واحترامهم لقوانينهم الشركية، وتوليهم لهم ضد الموحدين من جنود الدولة الإسلامية.

كما أضاء الإصدار على جوانب ممّا جناه بيع علماء السوء دينهم للطواغيت بالثمن البخس، من خلال تراكم أموال السحت التي يجنونها من إضلال الناس وتحريفهم للدين، حتى بلغت أرصدة بعضهم مئات الملايين من الدولارات، وكذلك تحصيلهم على رضا الصليبيين والطواغيت، ونيلهم للشهرة من خلال فضائيات المشركين ووسائل إعلامهم.
ونبه الإصدار إلى ضرورة أن يدفع علماء السوء هؤلاء ثمن خيانتهم لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يعاقبوا على ردتهم عن دين الإسلام بالقتل، إلا أن يتوبوا ويصلحوا ويبينوا كما أمر الله تعالى.

ووصلت رسائل الحملة -ولله الحمد- إلى ملايين المتابعين رغم التضييق الشديد الذي قامت به مخابرات الصليبيين والطواغيت على إصداراتها المنشورة في شبكة الإنترنت، وظهر الكثير من علماء السوء المرتدين ليدفعوا عن أنفسهم ما أثبت بحقهم من كفر وردة، زاعمين كما إخوانهم المنافقون في كل زمان أنهم ما أرادوا إلا إصلاحا، مصرين في الوقت نفسه على أفعالهم الكفرية، مجدّدين الولاء لطواغيتهم وإخوانهم من المشركين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

أخي المسلم لنبيّن لك المزيد عن علماء السوء
ولمشاهدة الإصدارات التي ذُكرت في المقال أعلاه
تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

قصة شهيد: أبو نذير العراقي شابت لحيته في طاعة الله (٢/٢) خرج من السجن بعد 7 سنين، بعد أن ...

قصة شهيد:
أبو نذير العراقي
شابت لحيته في طاعة الله
(٢/٢)

خرج من السجن بعد 7 سنين، بعد أن دفع أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبله الله- الغالي والنفيس من الأموال، لإنقاذه وإخوانه من الأسر، فنجاه الله تعالى من 18 حكما بالإعدام أصدرتها ضده محاكم المرتدين، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) [رواه الترمذي]، فخرج من محبسه، ليلتحق بالدولة الإسلامية، ويبايع أمير المؤمنين الشيخ أبا بكر البغدادي، حفظه الله، ويعود إلى مربع صباه، وساحة جهاده في ولاية الأنبار، أميرا عسكريا لجنود الدولة الإسلامية في الولاية، تحت إمرة الشيخ أبي إسماعيل، تقبله الله، ولم يطل به الأمر إذ سرعان ما أعاد المرتدون اعتقاله بعد أن دلّهم عليه جاسوس في إحدى السيطرات التي كان عليه عبورها في غرب الولاية، ليمكث في السجن سنة أخرى، عاد بعدها إلى إخوانه في معسكرات الصحراء وهم يعدّون العدة لإطلاق مرحلة جديدة من مراحل الجهاد في العراق، وهي السيطرة على المدن.

فشارك -تقبله الله- إخوانه في عدة غزوات، أشهرها غزوة كبيسة، لينزل بعدها معهم مقتحما مدينة الرمادي وجزيرتها، ويمكّنهم الله من السيطرة على أجزاء واسعة منها، ويخوض مع جملة من الأبطال كأبي تراب الأنصاري، وأبو وهيب الفهداوي، وأبو محمود الفرّاج، وأبو أحمد الزعيم، وغيرهم من أبطال الجهاد تقبلهم الله، ملحمة من ملاحم الجهاد الكبرى، بثباتهم في مساحة ضيقة من الأرض، أمامهم عدوهم، والنهر من خلفهم، لأكثر من 17 شهرا، دَمَّروا فيها جيش الروافض تدميرا، وأجبروهم -بفضل الله- على هيكلة عشرة من الفرق العسكرية التي تمزقت في قاطع الرمادي وقاطعي جزيرة الرمادي وجزيرة الخالدية، قبل أن يأذن الله بالفتح المبين، الذي سبقه بفترة مقتل والي الأنبار الشيخ المجاهد أبي مهند السويداوي، تقبله الله.

كُلِّف الشيخ أبو نذير بولاية الأنبار رغم تهربه منها، فأكمل معركة الرمادي، حتى فتحها الله على يديه وإخوانه، وأغاظ بهم ملل الكفر كلها، فهربت حشود المرتدين من أمامهم لا تلوي على شيء، في ظل عجز أوليائهم من الصليبيين عن نجدتهم، وتقديم العون لهم.

وبعد انقشاع غبار معركة الرمادي عن فتح وتمكين، انتُدب -رحمه الله- للعمل في ولاية الجزيرة، نائبا لواليها، ثم أميرا عسكريا لجنود الدولة الإسلامية في أرضها، ثم اختير عضوا في هيئة الحرب لجيش الخلافة، فصال وجال في ربوع ولايات العراق المختلفة، ليعود مرّة أخرى إلى ولاية الأنبار، بعد انحياز المجاهدين من مدنها، ويبدأ وإخوانه من جديد معارك الصحراء التي خاضوها قبل سنين، فكانت الصولات الكثيرة على ثكنات المرتدين وأرتالهم، فشارك فيها تخطيطا وإعدادا وتنفيذا، حتى كان في طليعة القوة التي دخلت مدينة الرطبة في الهجوم الذي شنه جنود الخلافة عليها مع بدايات الحملة على الموصل.

مع اشتداد المعارك في الموصل دعي إليها مع ثلة من إخوانه، فلبوا الأمر، واستجابوا للنداء، وصحبه في رحلته الأخيرة الأخ أبو عبد الرحمن النمراوي (عبود الشيشاني) تقبله الله، وما إن وصل المدينة واستلم تكليفه بإدارة أحد قواطع المعارك فيها، حتى نزل في يومه الأول يتجول في قاطعه سيرا على الأقدام، ويطوف على جنوده بلحيته البيضاء وابتسامته اللطيفة، ثم مضى في ترتيب القاطع وتنظيم صفوف المقاتلين، ليبدأ بهم قصة جديدة من قصص البطولات التي سطرها مرارا في سني حياته، ويحيي ملاحم الرمادي في أحياء الموصل وأزقتها، ويسقي مرتدي سوات -بفضل الله- كأسا جديدا من العلقم قد سقاهم أضعافها قبل ذلك، وبقي على ذلك حتى قدّر الله له القتل، فيتمزق جسده الذي أفناه في جهاد أعداء الله، وتتخضب لحيته التي شابت في طاعة الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

قصة شهيد: أبو نذير العراقي شابت لحيته في طاعة الله لا تظهر معادن الرجال إلا بنار الفتن، ...

قصة شهيد:
أبو نذير العراقي
شابت لحيته في طاعة الله

لا تظهر معادن الرجال إلا بنار الفتن، والاحتكاك بالتجارب الصعبة، والابتلاءات الشديدة، فأما ما اختلط جوهره فإن الشوائب التي فيه توهنه أمام الابتلاءات، وتكشف رداءته أمام النار، وأمّا ما صفا وحسنت صياغته فإنه لا يزيد بالفتن والابتلاءات إلا حسن مظهر، وصلابة جوهر، وهكذا هم الموحّدون، لا تزيدهم المحن والابتلاءات إلا إيمانا، يظهر بهاؤه في حسن أخلاقهم وطيب معشرهم وكلامهم، وحسن أعمالهم، فلا يخرج أحدهم من فتنة إلا وقد زادته إيمانا، وأضافت على سيرته العطرة، صفحات جديدة من المجد، تبقى مآثر لمن بعده من أجيال الموحّدين.

ومنهم الشيخ المجاهد أبو نذير العراقي، عبد الوهاب محمود فرحان الكبيسي، تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

فارس من فرسان الأنبار، وكاسر من كواسرها، ولد في هيت، وتربّى في مساجدها، وأحبه أهلها منذ شبابه الأول لما رأوه من حسن سيرته، وسعيه في إعانة الناس أيام الحصار الذي فرضه الصليبيون، واستفاد منه طاغوت البعث وزبانيته في التسويق لمظلوميتهم، وهم يعيشون رغد العيش في قصورهم، تاركين للناس الجوع، وآلام الحصار.

كَفَر بالبعث وعقائده مذ تعلم التوحيد، وأحبّ الجهاد ورغب فيه، فيسّره الله له مع بدايات الغزو الأمريكي للعراق، في زمرة من الموحّدين بدأت تعد العدة لقتال الصليبيين، والحرب بينهم وبين مرتدي البعث لمّا تضع أوزارها بعد، فهيؤوا الشباب، وجمعوا السلاح، وخبؤوه تحسبا لانطلاق الجهاد الحقيقي بعد انكسار راية البعث الجاهلية، ليرفعوا راية واضحة نقية، يجاهد المسلمون تحتها على بينة.

وما إن أعلن الأحمق المطاع بوش انتصار جيشه في العراق حتى بدأت أصداء الهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية في مناطق مختلفة من البلاد تنتشر، تقوم بها مجاميع من المجاهدين متفرقة متباعدة، فكلٌ يقاتل في بساتين قريته، أو شوارع مدينته، وما لبثت تلك المجاميع أن تشكلت من جديد على هيئة سرايا وكتائب مختلفة الأهداف والعقائد، فكان مآل أبي نذير إلى إحدى عصائب الموحّدين، في سرايا الأهوال، فصاول المشركين في صفوفها على امتداد أرض الأنبار، وأنكى في أعداء الله تحت لوائها، وصاحب خيرة القادة والأمراء من المجاهدين الأوائل، من أمثال الشيخ أبي عمر البغدادي، والشيخ أبي يعقوب المصري، والشيخ أبي الزهراء العيساوي، وغيرهم من الأفذاذ الأبطال، تقبلهم الله.

ولما كان تأسيس قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، نصرة للمجاهدين في خراسان، وسعيا لتوحيد صفوف المسلمين، ودفعا لتصحيح العقيدة والمنهج، كان الشيخ أبو نذير من فرسانها المبرزين، وصناديدها المشتهرين، فلا يشارك في غزوة إلا ويتقدم الصفوف، ويثخن في الأعداء، هو وخله الشهم أبو نور الأنباري (محمود عبد الكريم)، تقبله الله، حتى كان إقدامه وحسن بلائه سببا في منعه من تنفيذ العملية الاستشهادية التي تقدم لطلبها، وحرص على تنفيذها، لما رآه أمراؤه من فائدة وجوده بين إخوانه في ساحات المعارك.

أسره الصليبيون في بغداد، وهو مرسل من إخوانه لأداء واجب هناك، أثناء التحضير لغزوة كبيرة كان هدفها اقتحام معسكر هيت، ثم السيطرة على قاعدة عين الأسد قرب حديثة، ولكن شاء الله أن يكتشف الصليبيون مخطط الغزوة عن طريق جواسيسهم ويداهموا مضافات المجاهدين في المنطقة، فقُتل الكثير من المجاهدين في تلك الاشتباكات، وأُسر آخرون، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.

كان سجن بوكا بالنسبة إليه محطة ابتلاء جديدة، زاد فيها بريق معدنه الأصيل، وصَلُب عوده الشديد، فتفرغ لتعليم إخوانه القرآن الكريم، وثبته الله في وجه المشركين، فكان يتصدّى لهم، ويعتز عليهم، ولا يريهم منه ما يُفرح قلوبهم به وبإخوانه شماتة وسخرية، ولم يفتّ من عضده مقتل اثنين من أشقائه المجاهدين في مدينة الرمادي في الأيام الأول لقيام دولة الإسلام، بل صبر واحتسب، وزاد تشوقا للخروج من محبسه لملاقاة الصليبيين في ساحات المعارك.

وكذلك لم ينجح عملاء الصليبيين من مرتدي الحكومة الرافضية في كسر شموخه، ولا توهين عزيمته، فشهدت على رسوخ إيمانه وصدق جهاده زنازين سجن مكافحة الإرهاب في الأنبار، وسجانوها، فلم يروا منه ثغرة يمكنهم التسلل منها لإذلاله وإخضاعه، بل عاملهم بمقتضى دينه، شديدا عليهم في الله، مظهرا دينه وتوحيده، مترفعا عن سفاسفهم ومغرياتهم، فلما عرفوا قوة تأثيره على إخوانه وشدّه من عزائمهم، تعمدوا نقله إلى زنازين المجرمين والسرّاق، فسار فيهم بسنة إمامه يوسف، عليه السلام، يدعوهم إلى الله، ويرغبهم في التوحيد، ويحذرهم من الشرك والمعاصي، حتى تاب على يديه خلق كثير من العصاة والمرتدين، وهداهم الله إلى التوحيد والعمل الصالح، ورزقهم الجهاد في سبيله لما خرجوا من السجن، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين لا يخفي مرتدو "درع الفرات" من الجيش التركي، وفصائل ...

وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين

لا يخفي مرتدو "درع الفرات" من الجيش التركي، وفصائل الصحوات، هدفهم الحقيقي من وراء هجومهم على الدولة الإسلامية، ألا وهو إزالة حكم الله من الأرض، وإعادة المناطق التي تحت سيطرتها إلى حكم الجاهلية، من خلال المحاكم الوضعية الشركية، بمختلف أنواعها وأسمائها، وبمختلف القوانين الجاهلية التي تستند إليها.

ولكن خفي على كثير من الناس حقيقة أنهم في سبيل تحقيق هدفهم ذاك مستعدون لتدمير كل شيء، وقتل كل إنسان موجود في هذه الأرض، حتى لو كان من السكان الذين يزعمون السعي لتحريرهم من فرائض الدين وحاكمية الشريعة، وقد تبدى ذلك نظريا بإعلانهم المستمر أن كل منطقة يهاجمونها "منطقة عسكرية"، تمهيدا لقصفها بكل ما بأيديهم من سلاح وعتاد، ثم توضحت حقيقة هذا الأمر جلية في كل قرية أو بلدة استعصت عليهم في الريفين الشمالي والشرقي لولاية حلب، من خلال القصف العشوائي المدمّر من مدفعية الجيش التركي المرتد وطيرانه، بمؤازرة طيران الصليبيين الروس والأمريكيين، غير مبالين بأعداد الضحايا من الأهالي التي تزداد بالعشرات كل يوم.

كما خفي على كثير من الناس أن أولئك المرتدين مستعدون في سبيل تحقيق هدفهم للتعاون مع أي جهة كانت في قتال الدولة الإسلامية، ولو كانت هذه الجهة هي النظام النصيري المجرم الذي زعموا لسنين عداوته، أو الجيش الصليبي الروسي الذي ما زال يقصف أهالي الشام الذين زعموا لسنين أنهم خرجوا لنصرتهم ولرفع الظلم عنهم، فضلا عن أمريكا الصليبية التي كانت في نظرهم -قبل سنوات- شيطانا أكبر تنصب اللعنات على كل من يضع يده في يدها.

كما خفي عليهم أن كثيرا من تلك الدموع التي ذرفت خلال السنوات الماضية على أهالي الشام الذين يقتلهم قصف الجيش النصيري وحلفائه من الروافض والصليبيين الروس، ويدمر مدنهم وقراهم، وتلك النداءات المستمرة لنصرتهم ووقف قتلهم وتدمير منازلهم على رؤوسهم، وكانت موجَّهة من قبل الطواغيت وأوليائهم من الفصائل والأحزاب المرتدة، إنما كان هدفها تحريض الناس على عدو محدد هو النظام النصيري وحلفاؤه الروافض والروس، لا التحريض ضد كل من يقتل المسلمين في الشام ويهدم المنازل والمساجد فوق رؤوسهم ورؤوس أطفالهم.

لقد كشفت المعارك الدائرة في مدينة الباب بين أولياء الرحمن من جنود الدولة الإسلامية، وأولياء الشيطان من مرتدي الجيشين التركي والنصيري، وفصائل الصحوات والميليشيات الرافضية، ومن ورائهم الصليبيون الروس والأمريكيون، وأولياؤهم من علماء السوء، وأدعياء الجهاد، والأحزاب والتنظيمات، كشفت كل تلك الحقائق، لتستبين لكل ذي عينين طبيعة أولئك المرتدين الممتنعين عن أحكام الشريعة، واستعدادهم لأن يفعلوا من الجرائم ما يوازي أو يزيد عن جرائم الصليبيين والروافض والنصيرية في حربهم على الإسلام، وأن عداءهم الفعلي لأهل التوحيد وشريعة الإسلام يفوق بمراحل ما يزعمونه من عداء لمن يقتلهم ويغتصب نساءهم من اليهود والصليبيين والروافض والنصيرية.

لقد أصاب مدينة الباب وغيرها من المناطق التي عجز مرتدو "درع الفرات" عن اقتحامها، دمار لم تشهده أي مدينة في الشام على أيدي الروافض والنصيريين، وقُتل من أهاليها المسلمين المئات نتيجة القصف المستمر الذي يمد به المشركون والمرتدون بعضهم بعضا.

وتعاون على تدميرها أصناف شتى من أعداء الإسلام كانوا يظهرون العداء فيما بينهم، كمرتدي الصحوات والميليشيات الرافضية، والجيشين التركي والنصيري، والجيشين الصليبيين الأمريكي والروسي، في مشهد من مشاهد تولي المشركين لبعضهم بعضا على أهل الإسلام لم يسبق له مثيل.

وسكت علماء السوء، وأدعياء الجهاد، لما وجدوا أن من يقصف الباب ويقتل أهلها المسلمين هو طاغوت الإخوان المرتدين الجديد أردوغان، وإخوانه من مرتدي الصحوات، وتغافلوا عن مشاركة النصيريين والروافض والصليبيين الروس في الحملة على الباب لما وجدوا أن من يتصدى لهم هم جنود الدولة الإسلامية، بل وحرّضوا إخوانهم المرتدين على المشاركة في "درع الفرات" لما وجدوا الرضا عن المرتدين المشاركين فيها من أسيادهم الطواغيت، وأسياد أسيادهم الصليبيين.

إن ملحمة الباب اليوم التي ثبت فيها أسود جيش الخلافة -بفضل الله- ثبات الجبال، أحدثت نكاية عظيمة في المرتدين لا في أجسادهم وعددهم، وسمعة جيوشهم فحسب، بل بافتضاح أمر كثير من فرقهم التي كانت تزعم الانتساب إلى الإسلام، والحرص على دماء المسلمين، والسعي في نصرتهم.

وهكذا يصنع ثبات المجاهدين في كل مكان أمام أعدائهم، بإذن الله، يفضح سرائرهم، ويظهر معايبهم، فيكون الثبات في قتالهم خير وسيلة للدعوة إلى سبيل الله، وتعرية سبيل المجرمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً