صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].
...المزيد

(فـ) هل قائم لله في ليله * يسأله العتق من النار والمسلمة الحكيمة لا تضيِّع مثل هذه الأوقات ...

(فـ) هل قائم لله في ليله * يسأله العتق من النار
والمسلمة الحكيمة لا تضيِّع مثل هذه الأوقات المباركة فيما يضرها ولا ينفعها، بين تفريط وتقصير، إنه شهر القرآن يا أمة الله، والله تعالى يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، فوجب الاستكثار من كلام الله تعالى تلاوة وتدبرا، وها هم سلفنا الصالح -رحمهم الله- كانوا إذا دخل شهر رمضان تركوا الدروس وتفرّغوا للقرآن.

وإن كان قد فات المسلمة ما فاتها من هذا الشهر، فلا تقنط ولا تيأس ولتشمر الآن عن ساعد الجد في هذه الليالي المباركة، ولتتحرَّ ليلة القدر علَّ الله تعالى يبلغها إياها.

وعن عائشة قالت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

ونذكّر المسلمات بإخوان لهن على ثغور العز يرابطون، فالله الله في الدعاء لهم بالنصر والتمكين والثبات، والله الله في تحري مواطن إجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند الإفطار، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - العشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ
...المزيد

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف ...

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ


كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف فيها الحسنات، ويبارك الله تعالى فيها للمتعبدين والمتعبدات، وعلى قدر أهل التنفّل والتبتّل تأتي الأجور وتُرفع المنازل، ولعله من أكثر المواسم بركة للمسلم، وأعظمها خيرا العشر الأواخر من رمضان، ولقد اختلف أهل العلم في أفضل أيام السنة، فمن قائل أنها العشر الأواخر من رمضان، ومن قائل بأنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له تفصيل نفيس في المسألة حيث سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟،
فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة» [مجموع الفتاوى].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر» [رواه البخاري ومسلم].

وفي حديث آخر: قالت عائشة، رضي الله عنها: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم].

والعشر الأواخر من رمضان فيها ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، قال النووي: «قال العلماء: وإنّما سُمِّيت بذلك لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان: 4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 4-5] ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقيل: سُمِّيت بها لعظم قدرها وشرف أمرها، وأجمع من يُعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة».
عن أبي سلمة، قال: «تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- وكان لي صديقا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة فقلت له: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الوسطى من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إني أُريت ليلة القدر، وإني نسيتها أو أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر، وإني أُريت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليرجع)» [متفق عليه].

و (من كل وتر) أي: الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين. وقد قال بعض أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: (وإني نسيتها أو أنسيتها) محمول على كونه لو تذكرها وأخبر الناس عنها، فلربما قل اجتهادهم في العشر واقتصروا على إحياء تلك الليلة المعلومة بعينها، ولذلك أخفاها الله تعالى عن عباده كما أخفى ساعة الإجابة من يوم الجمعة وغيرها، والمأمور بقيامها هي جميع تلك الليالي العشر الفاضلة مع الاجتهاد في طلب ليلة القدر والعمل على إدراكها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]. والتحري أي الاجتهاد في الطلب، والحث على التقرب إلى الله في تلك العشر بالقيام والقرآن والدعاء.

وإن مما يستغرب منه المرء أن نجد كثيرا من النساء اليوم يفرطن في هذا الأجر العظيم، ويضيعن الأوقات الثمينة في هذا الموسم المبارك.
وأبرز مظاهر تضييع الأوقات في هذه الليالي المباركة الانشغال بالتحضيرات لاستقبال عيد الفطر، حيث تنصرف همم بعضهن إلى شراء الملابس وإعداد الأطعمة والحلويات والتحضير للزيارات والمعايدات.

وهذه الأمور وإن كانت مباحة، ولكن الانشغال بالمباحات عن المندوب إليها من العبادات تضييع لخير عظيم.

فنرى من تدمن على التجول في الأسواق في الليالي العشر الأواخر، لتشتري لنفسها أو لأطفالها الثياب، وما يحتاجه بيتها في العيد، فتقضي كل ليلة في السوق الساعات الطوال، ثم تعود في الليلة التالية لتبحث عن غرض آخر، أو قطعة أخرى من اللباس.

وهكذا تنقضي الليالي ليلة بعد ليلة فلا تشعر المسلمة إلا وقد انقضى رمضان، فتقعد متحسّرة على ما فاتها من ثواب القيام وتلاوة القرآن، هذا بالإضافة إلى ما نالته من إثم بكثرة نزولها للسوق لغير حاجة، وعدم طاعتها الأمر الشرعي بالقرار في البيت، وتعريض نفسها وغيرها للفتن والمعاصي.
فكيف يخفى على المسلمة دعاء جبريل -عليه السلام- وتأمين النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه: (أرغم الله أنف عبد -أو بَعُدَ- دخل رمضان فلم يغفر له) [رواه ابن خزيمة وابن حبّان]؟ بل كيف لا نجزع لمثل هذا فنشمّر ونشدّ الهمة علنا نرقع ما خرق صومنا الذي مضى في هذا الشهر الفضيل، ونلحق بركب العتقاء من النار.
...المزيد

أهم أحكام زكاة الفطر [2/2] -عمّن يخرجها المسلم: يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم ...

أهم أحكام زكاة الفطر

[2/2]

-عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.

- مقدارها:

مقدار زكاة الفطر صاع من طعام، لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام...» [متفق عليه]، والصاع المعتبر هو صاع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يساوي أربعة أمداد، والمد هو ما يملأ كفي الرجل المعتدل الكفين، قال ابن الأثير: «وقيل إن أصل المُد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما» [النهاية].

تنبيه: الوزن يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع، فعند إخراج الوزن لا بد من التأكد أنه يعادل ملء الصاع من النوع المخرج منه، فهو مثلا يعادل ثلاثة كيلو من الرز تقريبا، بينما يعادل كيلوين ونصف من الطحين... وهكذا.

- الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر:

يجوز إخراج زكاة الفطر من كل طعام يعد قوتا، أي يقتاته الناس، ولا يفسد بالادخار، وذلك لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- المتقدم: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب»، وتفسير الطعام هنا ببعض أنواعه لا يعني قصره على هذه الأنواع، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- فرض هذه الأنواع لأنها كانت قوت أهل المدينة، وعلى هذا يجوز إخراجها من كل ما يعد قوتا لأهل بلده من أرز أو دقيق أو تمر أو عدس أو فاصولياء... وليحرص المؤمن على أن تكون زكاة فطره من الجيد الطيب لا من شر الأصناف، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله) [رواه مسلم].

مصرف زكاة الفطر (لمن تدفع زكاة الفطر)

تصرف زكاة الفطر للمحتاجين (الفقراء والمساكين)، للحديث المذكور: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين»، قال ابن القيم: «وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم» [زاد المعاد].

ولا يجوز دفع زكاة الفطر لكافر أو مرتد أو عاص يستعين بها على معصيته، وعلى المسلم أن يتحرى من المساكين المستحقين لزكاة الفطر عائلات الشهداء والأسرى والمصابين، فلهؤلاء حق علينا، وهم أحق الناس بصدقاتنا، وهم يستحقونها من أكثر من وجه، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [سورة البقرة: 273]، فذكر الله تعالى مستحقي النفقات، ووصفهم بست صفات: أحدها الفقر، والثانية أنهم {أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: محبوسون بسبب الجهاد، والثالثة {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي: عاجزون عن الأسفار لطلب الرزق، والرابعة {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم، والخامسة {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ}، فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، والسادسة أنهم {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات [تيسير الكريم الرحمن].

ويجوز للمسلم أن يقوم بإخراج زكاة فطره بنفسه أو أن يوكل مسلما بإخراجها عنه أو أن يدفعها لديوان الزكاة ليقوم الإخوة هناك بتفريقها على مستحقيها، ولهذا أصل في الشرع، فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعين أبا هريرة –رضي الله عنه- ويرتبه على جمع زكاة فطر المسلمين وتفريقها على مساكين المسلمين [رواه البخاري]، وكذلك فعل الصحابة –رضي الله عنهم- من بعده.

نسأل الله تعالى أن يتقبل من المسلمين صيامهم وصدقاتهم وطهرهم وزكاتهم.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد

أهم أحكام زكاة الفطر [2/1] من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من ...

أهم أحكام زكاة الفطر

[2/1]
من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من التقصير في أدائها، ومن ذلك ما شرعه الله سبحانه لعباده الصائمين من زكاة الفطر، التي بها تطهيرٌ لنفس من صام رمضان، وكفارة لما ارتكبه من فحش الكلام، وجبرٌ لخاطر الفقير وإغناؤه عن السؤال يوم عيد الفطر... فما هي زكاة الفطر؟ وما حكمها؟ وما حكمة مشروعيتها؟ وما مقدارها؟ ومتى تُخرج؟ وعَمّن تُخرج؟ ومِمّن تُخرج؟ ولمن تُعطى؟

- تعريفها:

زكاة الفطر (أو ما يسمى الفطرة): هي صدقة تجب بالفطر من رمضان عند إتمام صيامه، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها.

- حكمها:

زكاة الفطر واجبة (فرض)، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» [رواه البخاري]، قال النووي: «أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر» [المجموع].
الحكمة من مشروعيتها

عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين» [حسن، رواه أبو داود وغيره] و»قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء، وهو الطعام الذي يؤكل» [عون المعبود]، وعن وكيع قال: «زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة» [المجموع للنووي]، وقال ابن قدامة: «والحكمة من مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث» [المغني].

- وقت إخراجها:

تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، ووقت دفعها له وقت استحباب ووقت جواز، فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد لأن النبي، صلى الله عليه وسلم «أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» [رواه البخاري ومسلم]، أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها قبل الفطر بيوم أو بيومين؛ ويحرّم تأخيرها لبعد صلاة العيد، قال ابن رسلان في تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد: «إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها» [عون المعبود]، ولا تبرأ ذمة مؤخرها، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [حسن، رواه أبو داود وغيره].

- على من تجب:

تجب زكاة الفطر على المسلم القادر، فلا تجب على الكافر، لأن زكاة الفطر قربة من القُرَب وطهرة للصائم من الرفث، وليس الكافر من أهلها، وإنما يعاقب على تركها في الآخرة، قال الشافعي: «وفي حديث نافع دلالة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرضها إلا على المسلمين، وذلك موافقة لكتاب الله -عز وجل- فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا للمسلمين» [الأم]، وتجب على القادر (المستطيع)، وبيّن النووي حد هذه القدرة بقوله: «المعسر لا فطرة عليه بلا خلاف... والاعتبار باليسار والإعسار بحال الوجوب، فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع، فهو موسر، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ولا يلزمه شيء في الحال» [المجموع].

- عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/2]


- مع الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا:

وعندما يسّر الله لأبي سهل الهجرة، ودخل أول بيت أقلَّه في الشام، خرّ لله ساجدا شاكرا، ثم شرع في نصرة دين الله، وبدأ بأحب عمل إلى قلبه، ألا وهو الدعوة إلى التوحيد والجهاد، فبعد أيام قلائل من هجرته، خطب خطبة الجمعة على أحد منابر ريف حلب الشمالي، فما أنهى خطبته حتى أبكى الحاضرين، وحرضهم على اللحاق بالمجاهدين، فنفع الله به من أول مسيره في الجهاد، وأقبل عليه كثير من الناس، ثم نشط بعدها في ريف حلب وأقام عدة دروس ودورات وندوات.

ثم يسر الله له أن يعمل في مجال تخصصه (التمريض)، أميراً على مجموعة طبية في أشد جبهات ولاية حلب في ذلك الحين حربا وقتالا، المعروفة باسم (دويرينة والسكك)، فكان مطبباً للقلوب والأبدان، يدعو المجاهدين ويعلمهم ويحرضهم ويفتيهم، ويطبب أبدانهم ويسعف مصابهم، ويرابط معهم في الثغور... كل ذلك في همة ونشاط وعزيمة وحركة دائمة، وبشاشة لائحة على وجهه لا تفارقه حتى في أشد الاوقات، مع مزاح قليل، لتطبيب قلب العليل.

برزت شخصية الشيخ أبي سهل الأردني بين إخوانه المجاهدين، بما حباه الله من ذكاء وفطنة وحسن تدبير وتواضع، فتدرج في التكاليف الملقاة على عاتقه، فعمل شوطاً في ولاية حلب كداعية وواعظ وخطيب، ثم مسؤول نقطة طبية في الثغر، ثم مسؤولاً عن مضافة كبيرة للجرحى، ثم عمل أميراً لمنطقة الراعي في ولاية حلب، بعد تطهيرها من الصحوات، جاء هذا بعد قطع شوط كبير من الجهاد والقتال في ولاية دمشق، ثم كُلِّف أميراً على منطقة أكبر في ولاية حلب، فطلب الإعفاء، خوفاً من ثقل المسؤولية، لكنّ أمراءه رفضوا ذلك، لحسن سيرته ومحبة المجاهدين له، وكُلِّف بعد ذلك، نائباً لوالي البركة، فكان نعم الأمير، ونعم الناصح المشير.

- ومن يتّق الله يجعل له مخرجا:

لم تكن الإمارة كبيرة على أبي سهل رغم صغر سنه، ولم يكن كبيرا عليها لتواضعه، وحسن خلقه، وكان أكثر ما تولّاه من جوانب الإمارة في الولاية متابعة المظالم، والحرص على إزالة الظلم عن كل مسلم، ورغم انشغاله بأعباء العمل الثقيلة لم يترك وظيفته الأساسية في الدعوة إلى الله، فلا يترك اجتماعا مع الأمراء أو الجنود إلا ويذكرهم بالله، ويلقي فيهم كلمة يحضهم فيها على التقوى والثبات على التوحيد، واستمر في الخطبة في المساجد والصلاة بالناس لينفعهم بما لديه من علم، ويؤنسهم بصوته الجميل العذب.

وكان آخر ما تحمّله من مسؤوليات تكليفه إدارة القاطع الشرقي لولاية البركة الممتد بين بلدتي الهول وتل حميس، الذي كان فيه في ذلك الوقت أهم جبهات القتال ضد التحالف الصليبي وملاحدة الأكراد، فعمل على إعادة تنظيم الصفوف بعد انحياز المجاهدين من منطقة تل حميس، والإشراف على التجهيز للعمليات العسكرية ضد المرتدين.

وفي الوقت الذي نشطت فيها سرايا الانغماسيين في تبييت ثكنات المرتدين بالإغارات الليلية وإثارة الرعب في صفوفهم، لم يكن لأبي سهل أن يتخلف عن إخوانه في ذلك، فأصرّ على المشاركة في الانغماس خلف خطوط العدو، والانغماس في ثكناتهم فكان له ما أراد.

وبعد أن تقدمت السرية التي كان ضمنها خلف خطوط دفاع المرتدين لمسافة طويلة سيرا على الأقدام، بدأت عملية التسلل إلى إحدى ثكناتهم، حيث اشتبك المجاهدون مع أحد كمائن الملاحدة التي نشروها خلف خطوطهم لتصيد الانغماسيين، فقتل المجاهدون الكثير من عناصر الكمين، وانسحبوا من المكان قبل أن تصل المؤازرات، فلمّا تفقد العائدون بعضهم بعضا افتقدوا أميرهم أبا سهل، ليتبين لهم بشهادة أحد الجرحى أنه قتل أثناء الالتحام مع الملاحدة باشتباك قريب، فتقبله الله مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

وبعد مقتله -تقبله الله- وصلت رسالة قديمة بخط يده إلى أحد إخوانه ممن رافقه في طريق الدعوة في الأردن، وفي طريق الهجرة إلى الدولة الإسلامية، يشكو إليه فيها ما حُمِّل من تكاليف الإمارة، وكان مما جاء فيها: «وإنّي ابتليت بأمر جلل، وأسأل الله أن يعينني، وأن يجعل لي مخرجا، وبإذن الله سأزورك في أقرب فرصة، وإن لم يقدّر الله اللقاء في الدنيا، فأسأل الله أن نلتقي في مقعد صدق عند مليك مقتدر».

- غزوة أبي سهل الأردني:

وتقديرا من إخوانه له، وإكراما لسيرته، فقد أطلقوا اسمه على واحدة من أكبر غزوات جيش الخلافة، وهي عملية اقتحام مدينة البركة العام الفائت، التي سُمِّيَت (غزوة الشيخ أبي سهل الأردني تقبله الله)، وقدّر الله أن يلحق فيها الكثير من إخوان أبي سهل به في تلك الغزوة المباركة.

نسأل الله أن يتقبل أخانا، وأن يلحقنا به، وأن يهيأ لنا من شباب الأردن الموحّدين من يتابعون السير على خطاه في الدعوة إلى التوحيد وجهاد الطواغيت وأذنابهم، إنه على ذلك قدير.

المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/1]

المدينة التي خرج منها الطيار الأردني المرتد معاذ الكساسبة، لقصف وحرب الدولة الإسلامية، خرج منها أبو سهل الأردني قبله بسنوات، نصرةً للدولة الإسلامية وحرباً على أعدائها، وإعداداً وتهيئةً لفتح الأردن والمضي إلى بيت المقدس، بإذن الله.
ولد الفارس الداعية السهل مع إخوانه، العسر على أعدائه، المحب لله (وهو اسم أبي سهل الحقيقي) في مدينة الكَرَك الأردنية عام 1411 هـ، في بيت أدب وخلق والتزام وحشمة، ونشأ -رحمه الله- في ظل هذا البيت نشأة حسنة صالحة.

كان ذكياً متفوقاً في دراسته، فتيسّر له أن درس التمريض في (جامعة مؤتة) في الكرك، وتخرّج في الكلية بتقدير جيد، وكان في ظل دراسته الثانوية والإعدادية يتعلم في البيت الصالح على يد أبيه وأصدقائه العلم الشرعي، ويكثر من سماع الأشرطة الدعوية.

وكانت عنده رغبة جامحة للدعوة إلى الله، حتى صار إماما وخطيبا، وداعيا شفوقا في قومه، وكان جلّ دعوته آنذاك في الترغيب بالجنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، والترهيب من النار والمعاصي وسوء الخلق.

كان محبوبا عند الخاصة والعامة، والقريب والغريب، حسن الخلق، رقيق القلب، سليم الصدر، سهل الشكيمة، صاحب حياء وأدب، محبا لإخوانه وخلوقا مع خلّانه، مشفقا على الفقير والمسكين والضعيف، معينا لأقاربه وأصحابه على نوائب الدهر، وذاع صيته بين الناس على ذلك.

- من ظلمات الجهميّة إلى ضياء التوحيد:

شاء الله أن تكون حياة أبي سهل الجامعية هي محطة تحوّل شخصيته، حيث وقع في فخاخ بعض مرجئة العصر وجهمية الزمان، بعد أن أحسن الظن بهم في أول الأمر لشدة تعلّقه بالسنة والأثر وحرصه على طلب العلم الشرعي، فصاحب بعضا من طلاب الجهمي الخبيث (مشهور حسن)، وشيخ الطاغوت ورأس الجهمية في الشام (علي بن حسن الحلبي)، أخزاه الله وأهلكه.

حتى قدّر الله هداية أبي سهل الأردني، وخروجه من أحضان الجهمية الجدد في الأردن، المتخفّين تحت ستار وشعار السلفية، وذلك بعد أن هيّأ له بعضا من أهل التوحيد وأنصار المجاهدين، فدلّوه على الطريق المستقيم، وبينوا له كذب أدعياء السلفية وضلالهم، وقد أثّر فيه كلامهم، وخاصة بعد أن حضر مناظرات بينهم وبين شيوخ التجهم والإرجاء، فطفق بعدها يبحث عن الحق ويلتمس الأدلة إلى أن هداه الله إلى ترك أولئك الضالين والتوبة عن سلوك طريقتهم المنحرفة.

-الصدع بالتوحيد والبراءة من الطاغوت وأهله:

بدأ أبو سهل الأردني يطلب التوحيد ويتعلم الولاء والبراء، ويدرس مسائل الأسماء والأحكام، وأصول الاعتقاد وفقه الجهاد، وشرع يأخذ الدين القويم بقوة، وبعد أن ثبت له بالأدلة الشرعية كفر طاغوت الأردن وجنوده وعساكره وشرطه وسائر أجهزته الأمنية، وسائر طواغيت العرب العملاء لليهود والصليبيين، المبدّلين لشرع الله المتين، صار يكفرهم ويبرأ منهم، ويعاديهم ويدعو إلى تكفيرهم وعداوتهم، بعد أن كان يسميهم ولاة أمر المسلمين ويعتقد طاعتهم بفعل تلبيس المضلّين.

وصار يدعو إلى التوحيد والكفر بالطاغوت، وكانت منطقته معروفة بكثرة انتساب أبنائها إلى الجيش والشرطة والمخابرات الأردنية، بل منهم من كانوا وزراء وضباطا «كبارا»، يستعين بهم طاغوت الأردن في محاربة الإسلام وحراسة اليهود، فكان -رحمه الله- يحذّر الناس من الدخول في هذه الردّة، ويناصح الجنود المرتدين ممن يعرفهم بذلك، حتى هدى الله على يديه وعلى أيدي إخوانه، أحد حراس اليهود من الجيش الأردني العميل المرتد، فترك هذا الجندي الجيش، وأعلن توبته، ونفر للجهاد مع الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية في العراق.

وقد كان أبو سهل الأردني، حريصا على هداية أهله وقومه ودعوتهم إلى التوحيد والجهاد، فيسر الله على يديه هداية أخيه الأكبر مهندس الكهرباء، فنفر بعده إلى الجهاد ولحقه إلى الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية على الرافضة في العراق أيضا، تقبله الله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 نعمة التمكين.. عضّوا عليها بالنواجذ بعد قرن من الزمن مَلأت فيه الأحزاب ...

صحيفة النبأ العدد 37
نعمة التمكين.. عضّوا عليها بالنواجذ


بعد قرن من الزمن مَلأت فيه الأحزاب والتنظيمات والفصائل المنتسبة للشريعة الدنيا ضجيجا بالحديث عن الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله، صرنا نراها اليوم تتهرب من هذه الغاية، بل وتعاديها، وتحارب من يقيمها ويدعو الناس إليها، بل وصار قادتهم لا يستحون من الجهر بأنهم لن يقيموا الشريعة حتى لو وصلوا إلى الحكم، أو مكّن الله لهم في الأرض، وصار بعضهم يجهر بأنهم سيقيمون أنظمة ديموقراطية شركية، ودولا مدنية علمانية.

وبعد سنوات طويلة من القتال بذلت فيها التنظيمات أثمانا كبيرة من دماء أنصارها وأعمارهم في سبيل إسقاط الأنظمة الطاغوتية، والوصول إلى الحكم محلها، وتحقيق التمكين في الأرض، باعتبار ذلك من المقدمات الضرورية لإقامة الدين، صار قادة الفصائل والأحزاب يعلنون على الملأ لأنصارهم وأعدائهم على حد سواء أنه لا ينبغي لهم أن يستولوا على حكم أي بلد من البلدان، ولا أن يظهروا تمكينهم في أي قطعة من الأرض يستولون عليها، ما يعني بالضرورة أن يلغوا النتيجة المرجوة وهي إقامة الدين، وذلك بزوال مقدماته التي سعوا لتحقيقها كما كانوا يزعمون، خوفا من إغضاب المشركين أو استفزاز المنافقين.

فوجدنا في التجارب من يقاتل لسنوات، وعند انتهاء المعارك يرضى بتسليم الحكم للعلمانيين، ويكون أقصى رجائه منهم أن يسمحوا له بالعيش في ظلّ قانونهم الجاهلي، فلا يؤذوه أو يقتلوه أو يسلموه لغيرهم من الطواغيت، فتنتهي حياته مشنوقا أو سجينا مؤبدا أو ذليلاً مدجّناً.

ووجدنا من يقاتل لسنوات، حتى إذا تمكّن في الأرض وأزال عنها طاغوتا، صار هو طاغوتا بوجهٍ جديد وذلك بامتناعه عن تحكيم الشريعة، وإبقائه على القوانين الوضعية، وحمايتها، وقتال من يجاهد لإزالتها، كحال مرتدّي الفصائل الممتنعة عن تحكيم الشريعة في بعض مناطق الشام، وحركة طالبان الوطنيّة في خراسان وحركة حماس الإخوانيّة المرتدّة في غزة.

ووجدنا من يقاتل لسنوات، فإذا زال حكم الشرك عن جزء من الأرض، ومكّنه الله منها، صار أقصى همّه ألّا يظهر عليه شيء من مظاهر التمكين، كي لا يُطالَب بإقامة الشريعة فيما تحت يده من بلادٍ أو عباد، فيدفعها للأيادي الخبيثة يحكمونها بقوانينهم المدنيّة «الديمقراطية» وأعرافهم القبلية الجاهلية وغيرها من شرائع الشرك، كما حدث مع قاعدة الظواهري في اليمن.

ومنهم من لم يتوقف عند هذا الحد بل تجاوزه بالسعي إلى إزالة حكم الله بقتاله الدولة الإسلامية، ومحاربتها لاستلاب الأرض منها، وإلحاقها بجملة ما يحكم بالقوانين الجاهلية، بل والاستعانة بالصليبيين وطواغيت العرب وإعانتهم لتحقيق هذا الغرض، كحال مرتدي الصحوات في الشام اليوم.

وقد منّ الله على الدولة الإسلامية أن أعرضت عن هذا كلّه، فهي تعلن في كل مناسبة أن الغاية من قتالها هو لتكون كلمة الله هي العليا، وأن جهادها للكفار والمنافقين لن يتوقف حتى يكون الدين كله لله، وتسعى جهدها لأن تكون ثمرة هذا القتال هو تحقيق التمكين في الأرض، لا طلبا لعلو فيه، أو سعيا لسلطان وجبروت، ولكن لأن إقامة الدين كاملا لا يكون إلا من خلاله.

وتبذل كل ما تملك للحفاظ على هذا التمكين لأن فيه حفظا للدين، ولسيادة حكم الله في الأرض، فإن اضطرت إلى المفاضلة بين خسارة الأرض أو التبديل وتغيير الدّين، فضّلت الثبات على الدين ولو انحازت من كل أرض، ولا يكلّف الله نفسا إلا وسعها.

إن الواجب المتحتم على كل المسلمين أن يجاهدوا لإزالة حكم الطواغيت من الأرض، وأن يسعوا إلى تحقيق التمكين ما وسعهم ذلك، وأن يحرصوا على أن لا يعود حكمها للطاغوت أياً كان شكله ووصفه، فلا يوقفوا قتالهم حتى يكون الدين كله لله، كاملا غير مجزوء ولا منقوص، وأن يكون عملهم هذا جزءا من جهاد المسلمين كلهم تحت راية الخلافة المباركة، فتصبح كل أرض يُمكَّن فيها للموحدين وتقام فيها أحكام الدين جزءا من دار الإسلام مهما تباعدت المسافات بينها، وتتبع لأمير واحد هو إمام المسلمين، وأن يدافعوا عن ذلك لأنه من نعم الله التي لا تعادلها نعمة في الدنيا، فإن زالت أرضٌ مِن يَدِهم أعادوا كَرَّة جهادهم حتى يستعيدوها ويقيموا الدين من جديد، ويستمروا على ذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك هي صفة الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، والعاقبة للمتقين.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ
...المزيد

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان [2/2] 4 . مقدار ما يُقرأ في كل ركعة: لم يرد في السنة عدد ...

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان
[2/2]

4 . مقدار ما يُقرأ في كل ركعة:

لم يرد في السنة عدد معين من آيات القرآن يُقرأ بها في قيام الليل، إلا أن هناك آثار يَستأنس بها المسلم في عبادته، فقد مر أن الصحابة كانوا يقرؤون فيها بالسور المئين التي تقارب المائة آية، وروي عن أبي عثمان: أن عمر -رضي الله عنه- جمع القرّاء في رمضان فأمر أخفهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، وأوسطهم خمسا وعشرين، وأثقلهم قراءة عشرين، وأمر عمر بن عبد العزيز القرّاء في رمضان أن يقوموا بست وثلاثين ركعة، ويوتروا بثلاث ويقرؤوا في كل ركعة عشر آيات» [مختصر قیام اللیل للمروزي].

5. الختم في التراويح والقراءة من المصحف فيه:

قال شيخ الاسلام ابن تيمية، رحمه الله: «وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجلّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله، فإن شهر رمضان فيه نزل القرآن وفيه كان جبريل يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن، (وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن)» [الفتاوى الكبرى]، ويجوز أن يُقرأ من المصحف في التراويح كما روي ذلك عن عائشة -رضي الله عنها- وغيرها من السلف، وسُئِل ابن شهاب -رحمه الله- عن الرجل يَؤُمُّ الناس في رمضان في المصحف، فقال: «ما زالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرؤون في المصاحف» [مختصر قیام اللیل للمروزي]، ويجوز أن يجتمع الناس عند ختم القرآن، قال النووي في آداب حملة القرآن: «يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا»، وقال: «وروى الدارمي وابن أبي داود بإسنادهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فاذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس فيشهد ذلك»، ولكن لم يثبت عن السلف الصالح حفلات الأناشيد والحلويات وغيرها من الأمور المستحدثة، التي يجب تجنبها، حتى لا يقع المرء في البدع.

6. بعض ما لا ينبغي في التراويح:

• تسريع الإمام في القراءة والصلاة بحيث لا يتمكن كثير من الناس -لا سيما المرضى وكبار السن- أن يفهموا ما يُتلى من القرآن أو أن يدركوا أركان الصلاة.

• خروج بعض الناس قبل إتمام التراويح، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ليلة) [أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما].

• من المنكرات أن يتخذها الناس محلا للمناظرات في ركعاتها، فترى من اتبع حديث عائشة -رضي الله عنها- يتهم من يصلي عشرين ركعة بالبدعة، ويتعصّب صاحب العشرين لعمله وكأنه محل إجماع، فيفوتهم خير كثير، ولو ردوا الأمر إلى السنة وفهم السلف لرضوا وعبدوا الله بما يحب.
خامسا: صور من قيام السلف الصالح، رحمهم الله
1 - عن عبد الله بن قيس قال: «دخلتُ على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقالت: يا عبد الله لا تَدَع قيام الليل، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى وهو قاعد» [رواه أبو داود].

2 - وعن أبي عثمان النهدي قال: «تضيفت أبا هريرة سبعة أيام -أي نزلت ضيفا عليه- فكان هو وزوجته وخادمه يقتسمون الليل ثلاثا؛ الزوجة ثلثا، وخادمه ثلثا، وأبو هريرة ثلثا» [رواه أحمد].

3 - وكان ابن مسعود -رضي اللهُ عنه- إذا هدأتِ العيونُ قام فيُسمعُ له دويٌّ كدويِّ النحلِ حتى يصبح.

4 - وعن نافعٍ أنّ ابن عمر -رضي الله عنهما- كلما استيقظ من الليل صلّى.

وذكر آثار السلف لا ينحصر في مثل هذا المقام.
إن ‏ رمضان شهر عظيم مبارك تُضاعف فيه الأجور، فعلى المسلمين عموما وعلى جنود الدولة خصوصا أن يتجهوا فيه إلى الله -عز وجل- بكل ما يستطيعون فعله من جهاد، وقيام، وتلاوة قرآن، ونفقة مال، فأبواب الخير كثيرة وغير محصورة.
نسأل الله تعالى أن يجعل شهر رمضان علينا باباً للمغفرة والعتق من النار، وأن يفتح لعباده المؤمنين البلاد وقلوب العباد، وأن يمكن لهم في الأرض، اللهم آمين.


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان
...المزيد

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان لله في أيامه مواسم أنعم بها على عباده المؤمنين، ليتقرّب ...

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان


لله في أيامه مواسم أنعم بها على عباده المؤمنين، ليتقرّب إليه محسنهم، ويتوب إليه مسيئهم، ويعود إليه مدبرهم، فهي سوق الرحمن، تُعرض فيه الجنة على المشمرين لها، ومن تلك المواسم الفضیلة التي منّ الله بها على المؤمنين في هذه الأمة شهر رمضان، حيث تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار، وتُصفّد فيه الشياطين، وينادي فيه منادٍ كل ليلة: يا باغي الخيرِ أقبلْ، ويا باغي الشرّ أقْصر، حتى ينقضي رمضان.

وإن من أهم الأعمال في هذا الشهر العظيم قيام لياليه، ومن أفضل ما تقام به ليالي رمضان المباركة الصلاة، التي تعرف عند المسلمين بصلاة التراويح، أو صلاة التهجد.

فالتهجد وقيام الليل وقيام رمضان والتراويح هي عدة أسماء لمسمى واحد، قال النووي: «والمرادُ بقيام رمضان صلاةُ التراويح» [شرح صحيح مسلم]، وقال الكرماني: «اتَّفَقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح» [فتح الباري].

1. تسميتها:

قال ابن حجر: «والتّراويح جمع تَرْويحة، وهي المرة الواحدة من الراحة، كتسليمة من السلام، سُمِّيَت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين» [فتح الباري].

2. حكمها:

قال ابن قدامة: «ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة، أول من سنها بقوله وفعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم» [المغني]، وقال النووي: «اتفق العلماء على استحبابها» [شرح صحيح مسلم].

3. عدد ركعاتها:

أما عدد ركعاتها فإن السنة الفعلية الواردة بأسانيد صحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمان ركعات، والوتر بعدها بثلاث أو خمس، وهو ما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة، كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ قالت: «ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة» [متفق عليه]. وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة» [رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح]. ولم يرد عنه -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح أكثر من هذا ولم يَجمع صحابتَه في المسجد للتراويح إلا ليلتين أو ثلاث، عن عائشة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما أصبح قال: قد رأيتُ الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفرض عليكم، قال: وذلك في رمضان) [أخرجه البخاري ومسلم].

وأما الزيادة على هذا المسنون فجائزة عند الأئمة، إن كان المصلي يصليها محققا للطمأنينة ولا يعتقد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى هذه الزيادة، والزيادة واردة عن الصحابة والسلف بأعداد مختلفة، فروي عن بعض الصحابة عشرين ركعة وعن بعض السلف ست وثلاثين وست وأربعين وغيرها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: «وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يُكره شيء من ذلك»، ثم يقول: «ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ» [مجموع الفتاوی].

وال‍ذی یتتبع السنة وأحوال السلف یتبین له أن عدد الركعات يختلف باختلاف تحمّل القيام، فمن يتحمّل طول القراءة فليصلِّ بإحدى عشر ركعة، وهو الأولى لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن يريد أن يستوعب الليل كله لكن شق عليه طول القيام فليصلِّ حسب حالته، كما روى السائب بن يزيد: «أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أُبيَّ بن كعب -رضي الله عنه- وتميما الداري -رضي الله عنه- أن يقوما للناس في رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر» [رواه أبو داود والنسائي وغيرهما] وعن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: «كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر» [رواه مالك]، أما التراويح المعتادة عند كثير من الناس اليوم أنهم يصلون 23 ركعة في 23 دقيقة، بعجلة ودون طمأنينة، فهي بدعة محضة ولم تثبت عن أحد من السلف، بل من فعل ذلك لم يفهم فقه السلف ولم يصب السنة.


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان
...المزيد

هذا غيض من فيض من بحر من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج المعددين، بعضهم عن جهل، وبعضهم عن لا ...

هذا غيض من فيض من بحر من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج المعددين، بعضهم عن جهل، وبعضهم عن لا مبالاة واستهانة بحقوق الزوجة، وبعضهم عن جبروت وغطرسة، فليتق الله كل زوج عدد أو يريد أن يعدد، وليذكر وقوفه بين يدي الله عز وجل، وليحاسِب نفسه قبل أن يحاسَب، فإما مثنى وثلاث ورباع تسعد القلب وترضي الرب، وإما {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.



◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ
...المزيد

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ [2/2] وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم ...

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ

[2/2]

وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم فقهاً، وللزكاة فقهاً، وللحج فقهاً... إلخ، فكما لا يمكن للمرء أن يزكي قبل أن يلم بشروط الزكاة وأركانها، لا يمكن لمن أراد أن يعدد أن يلج هذا الباب خالي الوفاض صفر اليدين من فقه التعدد، جاهلا بأبسط أحكامه!

وإن كثيرا من هؤلاء الرجال هم من أعانوا الشيطان على النساء، فأصبحن يجدن منافذ وأسبابا ليقفن في وجوه أزواجهن إن أرادوا التعدد، وساهم في التنفير بأفعاله من سنة هُجرت وكادت تموت، فغرتهم الدنيا وحسبوا أنهم لا يُسألون، وكما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن منكم لمنفرين) [رواه أحمد].

ولمثل هؤلاء نقول: على رسلكم فالأمر ليس كما تحسبون أو تظنون، فهلّا تريثتم وفكرتم وقدّرتم وزنتم ما أنتم عليه مقدمون بميزان الشرع؟ هلّا تفقّهتم وتعلّمتم كيف تعددون كما عدد النبي، صلى الله عليه وسلم؟

فمن هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يسبّع للبكر ويثلّث للثيب؛ عن أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما تزوج أم سلمة، أقام عندها ثلاثا، وقال: (إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك، سبعت لنسائي) [رواه مسلم]، بل إن من رحمته بنسائه ورفقه بهن، أنه ليلة بنى بأم المؤمنين زينب بنت جحش، رضي الله عنها، كما أخرج البخاري عن أنس، قال: «فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدتَ أهلك بارك الله لك. فتقرّى حُجَر نسائه كلهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة». والبعض اليوم يتزوج الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فيغيب عمَّن قبلها ما شاء الله دون إشارة أو أمارة، بل إن من الرجال من إذا عدد وجاء بالجديدة نسي القديمة والولد، إنها غيبوبة التجديد التي يدخلها أحيانا بعض الأزواج، ومن كان هذا حاله فلا يستفيق من غيبوبته غالبا إلا على أبواب المحكمة والدعوى خلع أو طلاق والله المستعان.

وما أكثر المستهينين بمسألة القسم بين الزوجات، فتجد أحدهم يطيل مع زوجة على حساب أخرى، أو قد يأخذ ليلة هذه ليهبها لتلك دون قضاء، متعللا بأمور كثيرة إن هي وزنت بميزان الشرع بان عوارها وزيفها، وقد أجمع أهل العلم على وجوب التسوية في القسم بين الزوجات؛ «قال أبو القاسم: وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم؛ لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا، وقد قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة النساء: 19]، وليس مع الميل معروف» [المغني].

كذلك بعض المعددين يأبى إلا أن يكون أذنا لإحدى زوجاته، ولكن أذن شر لا خير، فيظلم هذه على حساب تلك، وعندما تغيب تقوى الله ويحضر كيد النساء، وتصبح الزوجة لا همّ لها سوى افتعال المشاكل والتحريض على ضرتها وإيغار قلب الزوج عليها، بل أحيانا تطلب هذه الزوجة رقيقة الدين من زوجها أن يطلق ضرتها! نعم هكذا وبمنتهى الصراحة والبساطة، خاصة إذا كانت صاحبة أطفال منه فتجدها تزبد وترعد: «إما أنا وأطفالك أو هي»! وكم من زوج مسكين رضخ لمثل هذه وضحى بزوجته الثانية حتى لا يخسر عائلته الأولى، هكذا يزعم وهكذا يظن، ولو أنه اتقى ربه ورد ما تُنُوزِع فيه إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا إلى هوى زوجة متجبرة لجعل الله له مخرجا لا إثم فيه ولا عدوان.

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثيلات هذه الزوجة فقال: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها) [أخرجه الشيخان].

قال ابن عبد البر: «وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج»، أي أن هذه الزوجة تسعى لطلاق ضرتها ليصبح الزوج وما يملك ملكا لها وحدها، ويكأن العقد الذي ربط بينهما كان عقد تمليك لا عقد زواج.

وأيضا من فقه التعدد أن لا يُسكن الرجل زوجاته في حجرة واحدة، قال الحجاوي: «ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما»، وقال البهوتي: «لأن عليهما ضررا في ذلك، لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة» [الروض المربع].

وقال ابن قدامة في المغني: (فصل: ليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما): «وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما، صغيرا كان أو كبيرا؛ لأن عليهما ضررا؛ لما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة، وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى، أو ترى ذلك، فإن رضيتا بذلك جاز؛ لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه... وإن أسكنهما في دار واحدة، كل واحدة في بيت، جاز، إذا كان ذلك مسكن مثلها».
وعليه فلا يجمع الزوج نساءه في حجرة واحدة لتندلع الحروب بينهن ثم نقول التعدد أمر صعب والعدل مستحيل، لأن ما سلف ليس من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء، وليس من فقه التعدد في شيء.
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً