يا حملة الراية هبوا إن أقصى ما يتمناه المشركون ويسعون جهدهم لتحقيقه أن يسقطوا راية التوحيد ثم لا ...

يا حملة الراية هبوا

إن أقصى ما يتمناه المشركون ويسعون جهدهم لتحقيقه أن يسقطوا راية التوحيد ثم لا يقوم أحد لرفعها من جديد ليحتشد حولها المجاهدون ويكملوا ما بدأه إخوانهم السابقون.

وطالما بقيت الراية الجامعة عالية خفاقة يرقبها الجنود فسيبقون متحلقين حولها يشدّ بعضهم أزر بعض ويسد بعضهم ثغرة بعض حتى يفتح الله عليهم، فإذا سقطت الراية غاب عن الأنظار الأمر الجامع لهم، وربما وهنت العزائم وظهرت الفرقة والتنازع بأن تهمّ بعض المجاهدين نفوسهم، ويسيؤوا بالله تعالى الظن، فيتشتت شملهم ويقوى عليهم عدوهم.

ولهذا كان حملة الراية من أهم مرتكزات الجماعة المسلمة في كل ملحمة من ملاحمها العظيمة، وكان القصد إليهم من العدو واستهدافهم بالقتل طلبا لإسقاط الراية التي يحملون أمرا ظاهرا لا يخفونه ولا يورّون عليه، ولهذا أيضا لا يرقى إلى شرف حملها إلا أولو العزمات من أتباع المرسلين الذين تهون عليهم نفوسهم في سبيل مرضات ربهم جلّ وعلا، فيرسخون في الصف رسوخ الجبال، ويثبت الله بهم جموع المسلمين أن تميد عند اشتداد الزلازل وعصف الريح.

وقد رأينا في تاريخ هذه الجماعة المباركة تأثير هذا النوع المميز من الرجال على أحداث الحرب بيننا وبين المشركين، حين استعلى طاغوت الصليبيين (بوش) بكبريائه معلنا النصر العظيم على أمة الإسلام بعد أن سلطه الله تعالى على أحد الطواغيت المتحكمين برقاب المسلمين، وظن المخدوع أن الأمر استتب له في الأرض، فخيب الله تعالى سعيه وأراه من جهاد المسلمين ما يكره، لما رفع راية التوحيد والجهاد نفر من المهاجرين والأنصار ودعوا المسلمين للقتال تحتها والاجتماع عليها، فاجتمع على الراية المسلمون من كل صوب، وأدوا ما عليهم من واجب النصرة والجهاد، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من استبقاه الله ليحمل الراية من بعد إخوانه فلا تقر عين المشركين برؤيتها وليس لها رجال يحملونها أو أبطال يذودون عنها.

فما كادوا يعلنون فرحهم بقتل الشيخ الزرقاوي تقبله الله حتى سخر الله من بعده رجالا حملوا الراية من بعده، فرفعها بهم مكانا أرفع، وجعلها بهم أنقى وأنصع، وصارت راية جامعة للمسلمين بعد أن كانت راية فصيل من الفصائل أو تنظيم من التنظيمات.

فلما قضى الشيخان اللذان ابتلاهما الله تعالى بحمل الراية وقد أدّوا ما عليهم -نحسبهم كذلك- وقد كان إخوانهم في ذلك الوقت في أضعف حال وقد غدرت بهم الصحوات، وتألبت عليهم الأحزاب، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فرح المشركون وقالوا: الآن، الآن، لا تحمل الراية من جديد...
فخيب الله ظنونهم وأضل سعيهم، وما هي إلى سُنيّات إلا وكانت الراية تخفق على سهول الشام وجبالها، بعد أن جالت في بوادي العراق وحواضرها، لما وجدت رجالا حملوها وعزموا أن ينصبوها في مقدم كل سرية تجاهد لإقامة دين الله، لا تشاركها راية عمية ولا تنازعها غاية جاهلية، فأثابهم الله في الدنيا نصرا أن زادهم فتحا وتمكينا ورفع بهم راية التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، راية خلافة على منهاج النبوة.

وإننا نظن أن عهد خداع المشركين لأنفسهم بإعلانهم إسقاط الراية قد ولى ولن يعود -بإذن الله- فقد علمتهم تجارب السنين الماضية أن في هذه الأمة في كل زمان من لا يرى في قضاء من قبله من حملة الراية إلا انتقال الواجب العيني إليه بحملها من بعدهم والحفاظ عليها عالية رفيعة كما يجب أن تكون، نقية كما كانت عندما تركها صاحبها عليه الصلاة والسلام، ويحفظها حتى يقضى ما عليه أو يسلمها إلى من هو أشد عزيمة في حملها والدفاع عنها.

فلييأس المشركون من حروبهم وحملاتهم، ولتيأس الشيع والأحزاب والفرق من مكرهم وغدراتهم، ولا يرقبوا صباحا لا تشرق فيه شمس الخلافة على أرض المسلمين، ولا يرقبوا مساء تغيب فيه راية العقاب عن سماء المجاهدين، فهيهات هيهات لما يوعدون.

وليستبشر المؤمنون بنصر الله لهم ما دام كل منهم يرى نفسه خالدا يحمل الراية من بعد زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم أجمعين، كلما سقط منهم سيد تحت الراية حملها عنه أخوه حتي ينفذوا أمر الله تعالى أو يهلكوا دون ذلك، وما بعد مؤتة إلا فتح مكة والقادسية واليرموك {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 167
الخميس 25 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

الملك نور الدين زنكي -رحمه الله- قَالَ ابْن الْأَثِير: وَكَانَ رَحمَهُ الله لا يفعل فعلا إلَّا ...

الملك نور الدين زنكي -رحمه الله-

قَالَ ابْن الْأَثِير: وَكَانَ رَحمَهُ الله لا يفعل فعلا إلَّا بنية حَسَنَة كَانَ بالجزيرة رجل من الصالحين كثير العِبَادَة والورع شَدِيد الِانْقِطَاع عَن النَّاس وَكَانَ نور الدين يكاتبه ويراسله ويرجع إلَى قَوْله ويعتقد فيه اعتقادا حسنا فَبَلغه أن نور الدين يدمن اللعب بالكرة فَكتب إِلَيْهِ يَقُولُ مَا كنت أظُنك تلهو وتلعب وتعذب الْخَيل لغير فَائِدَة دينية فكتب إِلَيْهِ نور الدِّينِ بِخَط يَده يَقُولُ وَالله ما يحملني على اللعب بالكرة اللهو والبطر إِنَّمَا نَحن في ثغر العدو قريب منا وبينما نحن جُلُوس إِذْ يَقع صَوت فنركب في الطلب وَلَا يمكننا أَيْضا مُلَازمَة الْجِهَادِ لَيْلًا وَنَهَارًا شتاء وصيفا إذْ لابد من الرَّاحَة للجند وَمَتى تركنَا الْخَيل على مرابطها صَارَت جماما لا قدرَة لَهَا على إدمان السير في الطلب وَلَا معرفَة لَهَا أَيْضا بِسُرْعَة الانعطاف في الكر والفر في المعركة فنحن نركبها ونروضها بِهَذَا اللعب فيذهب جمامها وتتعود سرعة الانعطاف والطَّاعَةِ لراكبها فِي الْحَرْب فَهَذَا وَاللهِ الَّذِي بَعَثَنِي على اللعب بالكرة.

قَالَ ابْنِ الْأَثِير : فَانْظُر إِلَى هَذَا الْملك المَعْدُوم النظير الَّذِي يقل في أصْحَاب الزوايا المنقطعين إِلَى الْعِبَادَة مثله فإن من يجئ إلَى اللّعب يَفْعَله بنية صَالِحَة حَتَّى يصير من أعظم الْعِبَادَات وأكبر القربات يقل فِي الْعَالم مثله وَفِيه دَلِيل على أنه كَانَ لَا يفعل شَيْئًا إِلَّا بَنية صَالِحَة وَهَذِهِ أفعال العلماء الصَّالِحين العاملين.


• المصدر: الروضتين في تاريخ الدولتين النورية والصلاحية
...المزيد

إلى أهل السنة في الشام ها قد رأيتم استبدال شرع ربّ البرية بعد محاربة الدولة الإسلامية، بالقوانين ...

إلى أهل السنة في الشام

ها قد رأيتم استبدال شرع ربّ البرية بعد محاربة الدولة الإسلامية، بالقوانين الوضعية والدساتير الشركية، أعلمتم الآن لماذا كنا ولم نزل نكفّر الصحوات والفصائل والجبهات ونحاربهم ويحاربوننا؟ ونخصهم بالذكر دون الملاحدة والنصيرية؛ لأنهم يحملون مسمَّيَاتٍ إسلامية، زعموا كاذبين بل راياتٍ عُمِّية، ألم يَكُن الفرقُ واضحًا بينَ مَن يستعينُ برب العالمين ويقاتل لإعلاء كلمة الله وتحكيم شريعته، وبين من يستعين بالبنتاغون ومرتدي الأتراك والصليبيين ويعلي في محاكمه كلمة الكفر بتحكيم القوانين؟ فوالله ما زاد الصحوات ذلك إلا هوانا وذلا، وما عدوا على أن يكونوا عند داعميهم سوى حذاء ونعل، تسلط قويهم على ضعيفهم وغنيهم على فقيرهم وتفاخر أشدهم كفرا وعمالةً على من لا يجد لذلك سبيلا ولم يلق له دليلا، وآخر المطاف بهم تلاعب الأتراك يسوقونهم سوق الدواب إلى ما تقتضيه مصالحهم.


فما أفلح - والله - ثيران الثورة، وكانوا أسوأ أهل قضية عرفهم التاريخ، وكل ذلك لأنهم وبكل وقاحةٍ حاربوا المسلمين ورفضوا تحكيم شرع رب العالمين، بعد أن رأوا الأدلة الواضحات والحجج البينات في صدق دعوة أهل الجهاد والثبات من أبناء دولة البطولات، فاستنكفوا واستكبروا أن يكونوا فيها جنودا وأن تحكمهم بشرع الله فيكونوا له سبحانه عبيدا، فأذاقهم الله ذلا لم يعرف له مثيل، وما قتالهم المزيف للملاحدة اليوم، إلا قوميات متعفنة ووطنيات مهترئة بسيوف غير مجترئة، تستقوي بأكف غير أهلها.

ولقد علم القاصي والداني أن دولة الإسلام قاتلت الملاحدة لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ربا ولا بمحمد الله نبيا ولا بالإسلام دينا، فكانت حربنا معهم مشهودة وما زالت، وإن لنا معهم أياما تسود فيها وجوههم وتسوء إن شاء الله؛

أما النصيرية الأنجاس فلقد ضربنا أعناقهم بالسيوف حتى انحنت، ونحرناهم بالسكاكين حتى ثلمت، ولم يبق لقتال النصيرية اليوم إلا مجاهدو الدولة الإسلامية -أعزها الله- يقاتلونهم في الصحاري والقفار ويطاردونهم من دار إلى دار ينغصون عليهم عيشهم ويشعلون عليهم تهدئتهم التي عقدوها مع باقي أعدائهم من حثالات الفصائل والأحزاب فيا أهل السنة في ربوع بلاد الشام أما ظهر لكم الحق بعد؟


• من كلمة الشيخ أبي عمر المهاجر -حفظه الله-  ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ‌﴾
...المزيد

إلى أهل السنة في الشام ها قد رأيتم استبدال شرع ربّ البرية بعد محاربة الدولة الإسلامية، بالقوانين ...

إلى أهل السنة في الشام

ها قد رأيتم استبدال شرع ربّ البرية بعد محاربة الدولة الإسلامية، بالقوانين الوضعية والدساتير الشركية، أعلمتم الآن لماذا كنا ولم نزل نكفّر الصحوات والفصائل والجبهات ونحاربهم ويحاربوننا؟ ونخصهم بالذكر دون الملاحدة والنصيرية؛ لأنهم يحملون مسمَّيَاتٍ إسلامية، زعموا كاذبين بل راياتٍ عُمِّية، ألم يَكُن الفرقُ واضحًا بينَ مَن يستعينُ برب العالمين ويقاتل لإعلاء كلمة الله وتحكيم شريعته، وبين من يستعين بالبنتاغون ومرتدي الأتراك والصليبيين ويعلي في محاكمه كلمة الكفر بتحكيم القوانين؟ فوالله ما زاد الصحوات ذلك إلا هوانا وذلا، وما عدوا على أن يكونوا عند داعميهم سوى حذاء ونعل، تسلط قويهم على ضعيفهم وغنيهم على فقيرهم وتفاخر أشدهم كفرا وعمالةً على من لا يجد لذلك سبيلا ولم يلق له دليلا، وآخر المطاف بهم تلاعب الأتراك يسوقونهم سوق الدواب إلى ما تقتضيه مصالحهم.


فما أفلح - والله - ثيران الثورة، وكانوا أسوأ أهل قضية عرفهم التاريخ، وكل ذلك لأنهم وبكل وقاحةٍ حاربوا المسلمين ورفضوا تحكيم شرع رب العالمين، بعد أن رأوا الأدلة الواضحات والحجج البينات في صدق دعوة أهل الجهاد والثبات من أبناء دولة البطولات، فاستنكفوا واستكبروا أن يكونوا فيها جنودا وأن تحكمهم بشرع الله فيكونوا له سبحانه عبيدا، فأذاقهم الله ذلا لم يعرف له مثيل، وما قتالهم المزيف للملاحدة اليوم، إلا قوميات متعفنة ووطنيات مهترئة بسيوف غير مجترئة، تستقوي بأكف غير أهلها.

ولقد علم القاصي والداني أن دولة الإسلام قاتلت الملاحدة لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ربا ولا بمحمد الله نبيا ولا بالإسلام دينا، فكانت حربنا معهم مشهودة وما زالت، وإن لنا معهم أياما تسود فيها وجوههم وتسوء إن شاء الله؛

أما النصيرية الأنجاس فلقد ضربنا أعناقهم بالسيوف حتى انحنت، ونحرناهم بالسكاكين حتى ثلمت، ولم يبق لقتال النصيرية اليوم إلا مجاهدو الدولة الإسلامية -أعزها الله- يقاتلونهم في الصحاري والقفار ويطاردونهم من دار إلى دار ينغصون عليهم عيشهم ويشعلون عليهم تهدئتهم التي عقدوها مع باقي أعدائهم من حثالات الفصائل والأحزاب فيا أهل السنة في ربوع بلاد الشام أما ظهر لكم الحق بعد؟


• من كلمة الشيخ أبي عمر المهاجر -حفظه الله-  ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ‌﴾
...المزيد

الدولة الإسلامية - هجمات المجاهدين ستستمر في منبج حتى تعود إلى حكم الشريعة (النبأ) تحاور أحد ...

الدولة الإسلامية - هجمات المجاهدين ستستمر في منبج حتى تعود إلى حكم الشريعة


(النبأ) تحاور أحد جنود المفارز الأمنية العاملة وتكشف حقيقة الوضع في المنطقة

اهتمام عالمي كبير بأخبار الهجوم الأخير لجنود الخلافة في منبج والذي استهدف تجمعا للصليبيين وحراسهم المرتدين يوم الأربعاء (10/جمادى الأولى) والذي أسفر -بحمد الله- عن مقتل وإصابة 9 من الجنود الأمريكيين، بالإضافة إلى 7 من المرتدين.

هذا الاهتمام كانت له أسباب عديدة تتعلق بزمان الهجوم ومكانه والهدف منه والجهة المنفذة له.

فمن حيث زمانها حدثت في وقت تزايد فيه الجدال حول مصير القوات الصليبية الموجودة في المنطقة بعد إعلان الجيش الأمريكي عزمه الخروج من المنطقة وإخلائها بعد انتهاء مهمته بإسناد حلفائه المرتدين في قتالهم للدولة الإسلامية.

ومن حيث مكانها وقعت داخل مدينة منبج التي باتت بؤرة للتنافس بين أطراف عديدة تسعى للسيطرة عليها في حال حدوث فراغ سببه انسحاب القوات الأمريكية منها.

ومن حيث الجهة المنفذة فإن إعلان الدولة الإسلامية تبنيها للهجوم أثار المزيد من الشكوك حول إعلان الطاغوت الأمريكي ترامب تمكن جيشه من هزيمتها والقضاء عليها.

ومن حيث الهدف من العملية فإن قضية استهداف الجيش الأمريكي بهجوم استشهادي وإيقاع مقتلة في عناصره أمر من شأنه أن يثير انتباه العالم، والأوساط الأمريكية خصوصا سواء منها المطالبة بالانسحاب من الحرب ضد الدولة الإسلامية أو المؤيدة لهذه الحرب.

ولاستطلاع الأحوال في منبج تواصلت (النبأ) مع أحد الإخوة المنضوين تحت المفارز الأمنية العاملة في المنطقة ليطلعنا على الوضع الذي تعيشه المدينة تحت حكم الصليبيين والمرتدين.


• تواجد القوات الصليبية في منبج

وأجاب الأخ على سؤالنا عن تواجد القوات الصليبية في المنطقة بأنها تنتشر في قواعد عسكرية صغيرة في المناطق المحيطة بمدينة منبج، وهناك 3 قواعد معروفة لهم هي قاعدة (العون) شمال المدينة والتي وضعت للفصل بين مرتدي الـ PKK ومرتدي الصحوات في منطقة جرابلس، وقاعدة (السعيدية) غرب منبج، وقاعدة (جامعة الاتحاد)، وهي على العموم قواعد صغيرة الحجم، الهدف منها إثبات الوجود الأمريكي في وجه الجيشين التركي والنصيري الطامعين بالسيطرة على منبج.

وأضاف الأخ بأن الصليبيين يتحركون بشكل مستمر بين هذه القواعد على شكل أرتال مكونة من 5-10 عربات مدرعة مرفقة بعدد من آليات الحراسة التابعة لمرتدي الـ PKK، وهم يدخلون إلى المدينة أحيانا بعربات (لاندكروزر) برفقة حراسات من المرتدين، ونادرا ما يظهرون خارج آلياتهم المصفحة.

أما مرتدو الـ PKK فبين -حفظه الله- أنهم يتحصنون في مقراتهم المحاطة بجدران إسمنتية داخل المدينة، ويفرضون طوقا أمنيا حولها مكونا من خندق عميق و 10 حواجز تفتيش على مداخلها، بالإضافة إلى انتشار كبير لعناصرهم في الشوارع الرئيسية والساحات العامة، وتغطية واسعة بكاميرات المراقبة لمختلف أجزائها.

وعن تطورات الأوضاع بعد قرار أمريكا الانسحاب من المنطقة أوضح الأخ أنهم لاحظوا خلال الفترة الماضية نشاطا في حركة الآليات الصليبية تقوم بنقل معدّات وتجهيزات القواعد باتجاه مناطق شرق الفرات، دون تأكيد على أن هذه التحركات هي جزء من خطة الانسحاب.


• ضباط من النظام النصيري

كما كشف عن تلقيهم معلومات عن دخول ضباط من جيش النظام النصيري عدّة مرات إلى مدينة منبج خلال الفترة الماضية، وعقدهم لقاءات مع قادة المرتدين، في الوقت الذي حشد فيه النظام قوات كبيرة تابعة له غرب المنطقة، قرب (العريمة) و(التايهة)، في حين أن مرتدي الجيش التركي والصحوات يحتشدون الآن شمال المدينة قرب (الدادات)، وكل من الطرفين يمنّي نفسه باستلام المدينة في حال حصول انسحاب أمريكي، وهو ما لم يتم حتى الآن.

• عمليات المجاهدين

وعن العمليات التي ينفذها جنود الخلافة في المنطقة قال بأنهم -والحمد لله- بدأوا بتنفيذ الهجمات ضد المرتدين منذ شهور، ومكنهم الله سبحانه من ضرب عدد من رؤوس المرتدين في المنطقة منهم قادة في الاستخبارات والمجلس العسكري والجمارك وما يسمونه الإدارة الذاتية التي يتحكمون من خلالها بأهالي المنطقة.

كما كشف عن محاولات عديدة قاموا بها من قبل لاستهداف القوات الصليبية في ريف منبج لم يكتب لها النجاح لأسباب مختلفة، حتى يسّر الله تنفيذ الهجوم الأخير في وسط المدينة ورغما عن إجراءاتهم الأمنية وتحصيناتهم ودروعهم وحراساتهم، شاكرا الله على ما أنعم به عليهم من ستر وحماية وإعانة.

وفي نهاية الاتصال بشر الأخ المسلمين عامة وجنود الخلافة خاصة بأن عملياتهم ستستمر -بإذن الله- في منبج وغيرها من الديار التي يحكمها المرتدون بغير شريعة الله، حتى تطهيرها من شركهم وإعادتها إلى حكم الشريعة وديار الإسلام.

ووجه رسالة إلى أهالي منبج يحذرهم فيها من الوقوع في الكفر والردّة بموالاة المرتدين عن طريق الانتساب إلى قواتهم أو الانضمام إلى أحزابهم ومنظماتهم أو المشاركة في المظاهرات والمسيرات الداعمة لهم أو تقديم المعلومات عن المجاهدين إليهم، وكذلك نبّه إلى خطورة المشاركة في انتخاباتهم ومجالسهم المحلية لما في ذلك من حكم بالكفر على من وقع فيه أو رضي عنه

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 165
الخميس 11 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

إن تنصروا الله ينصركم إن ترقب نصر الله تعالى لعباده المؤمنين هو عبادة من العبادات وطاعة من ...

إن تنصروا الله ينصركم

إن ترقب نصر الله تعالى لعباده المؤمنين هو عبادة من العبادات وطاعة من الطاعات، لأنه لا يكون إلا بإيمان العبد أن له ربّا ينصره، وأنه قادر على نصره، وأنه لا يستنصر بغيره سبحانه، وهذه كلها من صور التوحيد الذي هو أعظم ما يتقرب به العبد إلى مولاه.

ولكن الله الحكيم العليم جعل لكل شيء سببا، وجعل من أسباب النصر لعباده على أعدائه أن يقوموا بمدافعتهم وجهادهم، وجعل هذا الجهاد ذروة سنام الدين، وفيصلا في البراءة بين أهل الإيمان وأهل الإشراك، ورتّب عليه أعظم الأجر في الآخرة، وأعظم المطلوب من زينة الدنيا المغنم والعزّ والتمكين.

بل توعّد الله سبحانه من اقتصر على ترقّب النصر من الله سبحانه مع معصية أمره بالقعود عن طلب أسباب النصر بالجهاد والمدافعة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، واستبدال تشريفه من الله بالتكليف بإقامة دينه بآخرين يطيعون الله حق طاعته، فقال جل جلاله: {إلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 39].

وذكّر تعالى شأنه أن ترك العبد أسباب النصر، وإيكالها إلى الله تعالى وعباده المخلصين مع القعود عن أداء فريضة الله هو من أفعال القوم الذين غضب عليهم ربهم، وعاقبهم في الدنيا أن يتيهوا في الأرض، وحرمهم من تمكينه لهم في الأرض المباركة التي وعدهم بها إن نصروه وجاهدوا في سبيله، وذلك بعد أن قالوا لنبيهم :{ اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24]، فلما خلف من بعدهم خلف من الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم، قلّة مؤمنة صابرة مجاهدة لم تلتفت لفتن الطريق ولا لتخذيل المخذّلين أثابهم الله نصرا على عدوهم بأبسط الأسباب، حجر ألقاه فتى منهم أسقط الله به أعتى جبابرة الأرض، { فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة: 251].

وإننا نرى اليوم من أفعال عباد الله الموحدين في ديار الإسلام وخارجها ما يفرح أهل الإيمان ويغيظ أهل الكفر والعصيان، قلّة مؤمنة صابرة على أمر الله تقاتل دون آخر شبر من الأرض يحكم بشريعة الله، وتذود عن نفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وتطلب النّصر من الله بطاعته سبحانه في أمره لهم بالقتال في سبيله، يرجو كل منهم أن تكون رصاصة من رصاصاته حجر داود الذي نصر الله به الإسلام على قلّة وضعف في المسلمين.

وقد اهتزت الدنيا لخبر إقدام أسد من أسود الإسلام على مهاجمة دورية صليبية في منبج فتوسّط جنودها بسترته الناسفة وفجّرها فيهم ليمزّقهم إربا، وينصر بذلك دينه وإخوانه المرابطين على ضفاف الفرات.

ولم تكن هذه الهزّة لانكشاف خبر مقتل عدد من الصليبيين في الهجوم وحسب، كما في إعلان البنتاغون الذي زعم أنه أكبر هجوم تعرّضت له قواته منذ بدء حملتهم على الدولة الإسلامية، ولكن لأنه كشف حقيقة أن هذه الحرب الطويلة لم تتمكن من هزيمة الموحدين كما يزعم المشركون، وأن إرادة القتال والاستشهاد لا تزال متوقدة في نفوس أولياء الله، لم يطفئها قصف الطائرات ولا خسارة الأرض ولا خذلان المتخاذلين.

وإن أخشى ما يخشاه أعداء الله اليوم أن تشتعل في نفوس المؤمنين تلك الحماسة للانغماس في الصفوف وملاقاة الحتوف كما كانت عندما زاد في نفوسهم الإيمان ودفعهم للهجرة إلى دار الإسلام وحمل السلاح ذودا عن الدين وطلبا لمرضاة رب العالمين، إخوانا متحابين رؤفاء بالمؤمنين أشدّاء على الكافرين، ففتح الله لهم بذلك البلاد، وألّف عليهم قلوب العباد، فأقبلوا على جماعتهم لمجرد أن سمعوا صيحتهم أن حيّ على الجهاد.

وإن عدونا اليوم عازم على الرحيل مستعجل في أمر المعركة، ولذلك فهو يسعى لحسمها بأقل الوسائل تكلفة عليه، فتارة يعرض على المجاهدين الاستسلام، وتارة يزعم طلبهم فتح طريق إلى الصحراء، وتارة يلوّح بعصا التهديد والوعيد، وكلها أساليب جرّبها مع المجاهدين قديما في الموصل وسرت وماراوي وغيرها من الملاحم العظام.

وإن المجاهدين اليوم لا يلتفتون إلى هذه الأمور كلها، بل هم عازمون على طلب النصر من الله سبحانه بقتال عدوهم والنكاية فيه، وإن كان عدوهم يريد نفوسا فدونها نفوس المشركين، وإن كان يريد أرضا فلن ينالها إلا خرابا، ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 165
الخميس 11 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

مقال - الإبتلاء بالجوع الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، ...

مقال - الإبتلاء بالجوع

الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، والصلاة والسلام على من رفع الله به البشرية من ظلمات الجاهلية لأعلى القمم، وعلى آله وصحابته وجنده أهل الهمم، أما بعد :

قال الله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان2-3]
وعن أبي جحيفة، أنه تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا)، قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة. [الترمذي وابن ماجه].

نطرق في هذه السطور أسماع أهل اليقين الثابتين، وأصحاب الصبر والعزائم الذين لا تنزل عليهم نازلة إلا عاجلوها بحسن ظنهم برب العالمين، الذين يوطن سبحانه بالبلاء نفوسهم لتسموا وترتقي ولا تبالي بحطام دنيا زائلة ولا تلتفت لتخاذل المنهزمين المدبرين ومكر الكافرين.
قال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

"أي لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم، وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب". [تفسير الطبري]


• البلاء امتحان وتنقية للقلوب

فأقر الله البلاء على عباده وصفوة خلقه؛ لأجل امتحانهم وتنقية قلوبهم وانتشالها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فيجازيهم بما صبروا جنات وعيون وزوجات حسان وما تشتهي الأنفس من طيبات، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل لكل بلاء دواء ولكل ضيق مخرجا، وأسوق لكم ما ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن حاله صلى الله عليه وسلم في مأكله: "عن مسروق قال: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: «كل، فلقل ما أشبع من الطعام، ولو شئت أن أبكي لبكيت» قال: قلت: ومم ذاك؟ قالت: «أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، ما شبع في يوم مرتين من خبز بر حتى لحق بالله»" متفق عليه.

ما شبع بأبي وأمي من الخبز وهو أعز خلق الله على الله، فأي بساطة عاشها الحبيب، وأي قلة مرت عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وما جزع وما تملكه القنوط من فرج الله بل دعا إلى الله بأكمل صورة حتى أتاه اليقين، وسار على نهجه صحابته الكرام، فما مر بهم جوع وفاقة إلا زادتهم يقينا وتسليما وإصرارا على الاستمرار في الدرب الموصلة إلى موعود الله.

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: "كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت لخالتي: على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: الماء والتمر" [مسند أحمد].


• ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالجوع

وما هي إلا السنن أيها الموحدون، لا بد أن تمضي على أهل التوحيد في كل دولة، فتمر بهم البلايا والخطوب وتصيبهم الفاقة والجوع، فالصبر الصبر، والعزيمة العزيمة، والله لو نجا من الجوع والبلاء أحد لنجا منه حبيب الله وخليله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما ذكر عنه جابر بن عبد الله قال: "لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجيرا يقيم به صلبه من الجوع".

فانظر، كيف أن الله عزوجل قد أجرى الأقدار على رسوله صلى الله عليه وسلم، فمر بحالة الجوع الشديدة هذه، ثم جعله للمؤمنين أسوة حسنة بالصبر عليه، ولم تكن هذه طارئة أو مؤقتة بحياته -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان جل حياته صابرا على الجوع وشظف العيش بأبي هو وأمي، عن قتادة قال: "كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط"..

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي.

وهكذا تعلم صحابته الكرام الصبر في سبيل الله على الجوع من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: "رأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر (من نباتات البادية)، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة"..

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:
"والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..".

ويقول رضي الله عنه وأرضاه:
"لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع" [رواه البخاري].


• بالإيثار والصدقة تقوى الصفوف وتتآلف النفوس

واعلم أن الابتلاء طريق لابد أن يمر به أتباع الأنبياء، واعلم أنه بحسن الظن واليقين والتوكل على رب العالمين والطلب منه آناء الليل وأطراف النهار: يبدل الله الحال إلى غير حال وبالتراحم والإيثار والصدقة يقوي الله بعضنا بعضا ويجعل من هذه المحنة منحة وبشارة لمن صبر، وحسرة وندامة لمن انتكس وشك وفر، فكم أسرفنا في المأكل والمشرب وكنا لا نلقي بالا لما نرمي من طعام أو شراب.

فحلت حكمته سبحانه وتعالى علينا لنرجع ونتفكر ونتدبر فله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

فلنر الله عز وجل من أنفسنا خيرا، فهذه الدار دار ممر لا دار مقر، وإنما المؤمن فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، فلا نثقلها بما يلصقها بعالم الأرض بكثرة الشهوات والتفكر بالملذات، وإنما نلحقها بذاك العالم العلوي، ذلك العالم الذي أعده الله لمن آمن به وصدق بوعده الذي "فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" والذي لا ينال إلا بالمشقة والجهد والصبر في هذه الدنيا الفانية.

إن من تعلق قلبه بما عند الله وتيقن بعاقبة صبره على الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، من نعيم الآخرة المقيم: هان عليه ما يكابد في هذه الدنيا القصيرة الحقيرة، والتي لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين على أمره، وأن يوفينا أجرنا يوم القيامة بغير حساب.
والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 164
الخميس 4 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

مقال - الإبتلاء بالجوع الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، ...

مقال - الإبتلاء بالجوع

الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، والصلاة والسلام على من رفع الله به البشرية من ظلمات الجاهلية لأعلى القمم، وعلى آله وصحابته وجنده أهل الهمم، أما بعد :

قال الله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان2-3]
وعن أبي جحيفة، أنه تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا)، قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة. [الترمذي وابن ماجه].

نطرق في هذه السطور أسماع أهل اليقين الثابتين، وأصحاب الصبر والعزائم الذين لا تنزل عليهم نازلة إلا عاجلوها بحسن ظنهم برب العالمين، الذين يوطن سبحانه بالبلاء نفوسهم لتسموا وترتقي ولا تبالي بحطام دنيا زائلة ولا تلتفت لتخاذل المنهزمين المدبرين ومكر الكافرين.
قال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

"أي لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم، وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب". [تفسير الطبري]


• البلاء امتحان وتنقية للقلوب

فأقر الله البلاء على عباده وصفوة خلقه؛ لأجل امتحانهم وتنقية قلوبهم وانتشالها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فيجازيهم بما صبروا جنات وعيون وزوجات حسان وما تشتهي الأنفس من طيبات، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل لكل بلاء دواء ولكل ضيق مخرجا، وأسوق لكم ما ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن حاله صلى الله عليه وسلم في مأكله: "عن مسروق قال: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: «كل، فلقل ما أشبع من الطعام، ولو شئت أن أبكي لبكيت» قال: قلت: ومم ذاك؟ قالت: «أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، ما شبع في يوم مرتين من خبز بر حتى لحق بالله»" متفق عليه.

ما شبع بأبي وأمي من الخبز وهو أعز خلق الله على الله، فأي بساطة عاشها الحبيب، وأي قلة مرت عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وما جزع وما تملكه القنوط من فرج الله بل دعا إلى الله بأكمل صورة حتى أتاه اليقين، وسار على نهجه صحابته الكرام، فما مر بهم جوع وفاقة إلا زادتهم يقينا وتسليما وإصرارا على الاستمرار في الدرب الموصلة إلى موعود الله.

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: "كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت لخالتي: على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: الماء والتمر" [مسند أحمد].


• ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالجوع

وما هي إلا السنن أيها الموحدون، لا بد أن تمضي على أهل التوحيد في كل دولة، فتمر بهم البلايا والخطوب وتصيبهم الفاقة والجوع، فالصبر الصبر، والعزيمة العزيمة، والله لو نجا من الجوع والبلاء أحد لنجا منه حبيب الله وخليله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما ذكر عنه جابر بن عبد الله قال: "لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجيرا يقيم به صلبه من الجوع".

فانظر، كيف أن الله عزوجل قد أجرى الأقدار على رسوله صلى الله عليه وسلم، فمر بحالة الجوع الشديدة هذه، ثم جعله للمؤمنين أسوة حسنة بالصبر عليه، ولم تكن هذه طارئة أو مؤقتة بحياته -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان جل حياته صابرا على الجوع وشظف العيش بأبي هو وأمي، عن قتادة قال: "كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط"..

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي.

وهكذا تعلم صحابته الكرام الصبر في سبيل الله على الجوع من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: "رأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر (من نباتات البادية)، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة"..

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:
"والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..".

ويقول رضي الله عنه وأرضاه:
"لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع" [رواه البخاري].


• بالإيثار والصدقة تقوى الصفوف وتتآلف النفوس

واعلم أن الابتلاء طريق لابد أن يمر به أتباع الأنبياء، واعلم أنه بحسن الظن واليقين والتوكل على رب العالمين والطلب منه آناء الليل وأطراف النهار: يبدل الله الحال إلى غير حال وبالتراحم والإيثار والصدقة يقوي الله بعضنا بعضا ويجعل من هذه المحنة منحة وبشارة لمن صبر، وحسرة وندامة لمن انتكس وشك وفر، فكم أسرفنا في المأكل والمشرب وكنا لا نلقي بالا لما نرمي من طعام أو شراب.

فحلت حكمته سبحانه وتعالى علينا لنرجع ونتفكر ونتدبر فله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

فلنر الله عز وجل من أنفسنا خيرا، فهذه الدار دار ممر لا دار مقر، وإنما المؤمن فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، فلا نثقلها بما يلصقها بعالم الأرض بكثرة الشهوات والتفكر بالملذات، وإنما نلحقها بذاك العالم العلوي، ذلك العالم الذي أعده الله لمن آمن به وصدق بوعده الذي "فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" والذي لا ينال إلا بالمشقة والجهد والصبر في هذه الدنيا الفانية.

إن من تعلق قلبه بما عند الله وتيقن بعاقبة صبره على الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، من نعيم الآخرة المقيم: هان عليه ما يكابد في هذه الدنيا القصيرة الحقيرة، والتي لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين على أمره، وأن يوفينا أجرنا يوم القيامة بغير حساب.
والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 164
الخميس 4 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

مقال - الإبتلاء بالجوع الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، ...

مقال - الإبتلاء بالجوع

الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، والصلاة والسلام على من رفع الله به البشرية من ظلمات الجاهلية لأعلى القمم، وعلى آله وصحابته وجنده أهل الهمم، أما بعد :

قال الله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان2-3]
وعن أبي جحيفة، أنه تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا)، قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة. [الترمذي وابن ماجه].

نطرق في هذه السطور أسماع أهل اليقين الثابتين، وأصحاب الصبر والعزائم الذين لا تنزل عليهم نازلة إلا عاجلوها بحسن ظنهم برب العالمين، الذين يوطن سبحانه بالبلاء نفوسهم لتسموا وترتقي ولا تبالي بحطام دنيا زائلة ولا تلتفت لتخاذل المنهزمين المدبرين ومكر الكافرين.
قال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

"أي لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم، وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب". [تفسير الطبري]


• البلاء امتحان وتنقية للقلوب

فأقر الله البلاء على عباده وصفوة خلقه؛ لأجل امتحانهم وتنقية قلوبهم وانتشالها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فيجازيهم بما صبروا جنات وعيون وزوجات حسان وما تشتهي الأنفس من طيبات، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل لكل بلاء دواء ولكل ضيق مخرجا، وأسوق لكم ما ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن حاله صلى الله عليه وسلم في مأكله: "عن مسروق قال: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: «كل، فلقل ما أشبع من الطعام، ولو شئت أن أبكي لبكيت» قال: قلت: ومم ذاك؟ قالت: «أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، ما شبع في يوم مرتين من خبز بر حتى لحق بالله»" متفق عليه.

ما شبع بأبي وأمي من الخبز وهو أعز خلق الله على الله، فأي بساطة عاشها الحبيب، وأي قلة مرت عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وما جزع وما تملكه القنوط من فرج الله بل دعا إلى الله بأكمل صورة حتى أتاه اليقين، وسار على نهجه صحابته الكرام، فما مر بهم جوع وفاقة إلا زادتهم يقينا وتسليما وإصرارا على الاستمرار في الدرب الموصلة إلى موعود الله.

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: "كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت لخالتي: على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: الماء والتمر" [مسند أحمد].


• ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالجوع

وما هي إلا السنن أيها الموحدون، لا بد أن تمضي على أهل التوحيد في كل دولة، فتمر بهم البلايا والخطوب وتصيبهم الفاقة والجوع، فالصبر الصبر، والعزيمة العزيمة، والله لو نجا من الجوع والبلاء أحد لنجا منه حبيب الله وخليله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما ذكر عنه جابر بن عبد الله قال: "لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجيرا يقيم به صلبه من الجوع".

فانظر، كيف أن الله عزوجل قد أجرى الأقدار على رسوله صلى الله عليه وسلم، فمر بحالة الجوع الشديدة هذه، ثم جعله للمؤمنين أسوة حسنة بالصبر عليه، ولم تكن هذه طارئة أو مؤقتة بحياته -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان جل حياته صابرا على الجوع وشظف العيش بأبي هو وأمي، عن قتادة قال: "كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط"..

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي.

وهكذا تعلم صحابته الكرام الصبر في سبيل الله على الجوع من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: "رأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر (من نباتات البادية)، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة"..

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:
"والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..".

ويقول رضي الله عنه وأرضاه:
"لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع" [رواه البخاري].


• بالإيثار والصدقة تقوى الصفوف وتتآلف النفوس

واعلم أن الابتلاء طريق لابد أن يمر به أتباع الأنبياء، واعلم أنه بحسن الظن واليقين والتوكل على رب العالمين والطلب منه آناء الليل وأطراف النهار: يبدل الله الحال إلى غير حال وبالتراحم والإيثار والصدقة يقوي الله بعضنا بعضا ويجعل من هذه المحنة منحة وبشارة لمن صبر، وحسرة وندامة لمن انتكس وشك وفر، فكم أسرفنا في المأكل والمشرب وكنا لا نلقي بالا لما نرمي من طعام أو شراب.

فحلت حكمته سبحانه وتعالى علينا لنرجع ونتفكر ونتدبر فله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

فلنر الله عز وجل من أنفسنا خيرا، فهذه الدار دار ممر لا دار مقر، وإنما المؤمن فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، فلا نثقلها بما يلصقها بعالم الأرض بكثرة الشهوات والتفكر بالملذات، وإنما نلحقها بذاك العالم العلوي، ذلك العالم الذي أعده الله لمن آمن به وصدق بوعده الذي "فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" والذي لا ينال إلا بالمشقة والجهد والصبر في هذه الدنيا الفانية.

إن من تعلق قلبه بما عند الله وتيقن بعاقبة صبره على الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، من نعيم الآخرة المقيم: هان عليه ما يكابد في هذه الدنيا القصيرة الحقيرة، والتي لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين على أمره، وأن يوفينا أجرنا يوم القيامة بغير حساب.
والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 164
الخميس 4 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

مقال - الإبتلاء بالجوع الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، ...

مقال - الإبتلاء بالجوع

الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، والصلاة والسلام على من رفع الله به البشرية من ظلمات الجاهلية لأعلى القمم، وعلى آله وصحابته وجنده أهل الهمم، أما بعد :

قال الله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان2-3]
وعن أبي جحيفة، أنه تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا)، قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة. [الترمذي وابن ماجه].

نطرق في هذه السطور أسماع أهل اليقين الثابتين، وأصحاب الصبر والعزائم الذين لا تنزل عليهم نازلة إلا عاجلوها بحسن ظنهم برب العالمين، الذين يوطن سبحانه بالبلاء نفوسهم لتسموا وترتقي ولا تبالي بحطام دنيا زائلة ولا تلتفت لتخاذل المنهزمين المدبرين ومكر الكافرين.
قال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

"أي لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم، وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب". [تفسير الطبري]


• البلاء امتحان وتنقية للقلوب

فأقر الله البلاء على عباده وصفوة خلقه؛ لأجل امتحانهم وتنقية قلوبهم وانتشالها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فيجازيهم بما صبروا جنات وعيون وزوجات حسان وما تشتهي الأنفس من طيبات، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل لكل بلاء دواء ولكل ضيق مخرجا، وأسوق لكم ما ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن حاله صلى الله عليه وسلم في مأكله: "عن مسروق قال: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: «كل، فلقل ما أشبع من الطعام، ولو شئت أن أبكي لبكيت» قال: قلت: ومم ذاك؟ قالت: «أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، ما شبع في يوم مرتين من خبز بر حتى لحق بالله»" متفق عليه.

ما شبع بأبي وأمي من الخبز وهو أعز خلق الله على الله، فأي بساطة عاشها الحبيب، وأي قلة مرت عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وما جزع وما تملكه القنوط من فرج الله بل دعا إلى الله بأكمل صورة حتى أتاه اليقين، وسار على نهجه صحابته الكرام، فما مر بهم جوع وفاقة إلا زادتهم يقينا وتسليما وإصرارا على الاستمرار في الدرب الموصلة إلى موعود الله.

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: "كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت لخالتي: على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: الماء والتمر" [مسند أحمد].


• ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالجوع

وما هي إلا السنن أيها الموحدون، لا بد أن تمضي على أهل التوحيد في كل دولة، فتمر بهم البلايا والخطوب وتصيبهم الفاقة والجوع، فالصبر الصبر، والعزيمة العزيمة، والله لو نجا من الجوع والبلاء أحد لنجا منه حبيب الله وخليله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما ذكر عنه جابر بن عبد الله قال: "لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجيرا يقيم به صلبه من الجوع".

فانظر، كيف أن الله عزوجل قد أجرى الأقدار على رسوله صلى الله عليه وسلم، فمر بحالة الجوع الشديدة هذه، ثم جعله للمؤمنين أسوة حسنة بالصبر عليه، ولم تكن هذه طارئة أو مؤقتة بحياته -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان جل حياته صابرا على الجوع وشظف العيش بأبي هو وأمي، عن قتادة قال: "كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط"..

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي.

وهكذا تعلم صحابته الكرام الصبر في سبيل الله على الجوع من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: "رأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر (من نباتات البادية)، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة"..

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:
"والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..".

ويقول رضي الله عنه وأرضاه:
"لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع" [رواه البخاري].


• بالإيثار والصدقة تقوى الصفوف وتتآلف النفوس

واعلم أن الابتلاء طريق لابد أن يمر به أتباع الأنبياء، واعلم أنه بحسن الظن واليقين والتوكل على رب العالمين والطلب منه آناء الليل وأطراف النهار: يبدل الله الحال إلى غير حال وبالتراحم والإيثار والصدقة يقوي الله بعضنا بعضا ويجعل من هذه المحنة منحة وبشارة لمن صبر، وحسرة وندامة لمن انتكس وشك وفر، فكم أسرفنا في المأكل والمشرب وكنا لا نلقي بالا لما نرمي من طعام أو شراب.

فحلت حكمته سبحانه وتعالى علينا لنرجع ونتفكر ونتدبر فله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

فلنر الله عز وجل من أنفسنا خيرا، فهذه الدار دار ممر لا دار مقر، وإنما المؤمن فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، فلا نثقلها بما يلصقها بعالم الأرض بكثرة الشهوات والتفكر بالملذات، وإنما نلحقها بذاك العالم العلوي، ذلك العالم الذي أعده الله لمن آمن به وصدق بوعده الذي "فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" والذي لا ينال إلا بالمشقة والجهد والصبر في هذه الدنيا الفانية.

إن من تعلق قلبه بما عند الله وتيقن بعاقبة صبره على الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، من نعيم الآخرة المقيم: هان عليه ما يكابد في هذه الدنيا القصيرة الحقيرة، والتي لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين على أمره، وأن يوفينا أجرنا يوم القيامة بغير حساب.
والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 164
الخميس 4 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

مقال - الإبتلاء بالجوع الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، ...

مقال - الإبتلاء بالجوع

الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، والصلاة والسلام على من رفع الله به البشرية من ظلمات الجاهلية لأعلى القمم، وعلى آله وصحابته وجنده أهل الهمم، أما بعد :

قال الله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان2-3]
وعن أبي جحيفة، أنه تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا)، قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة. [الترمذي وابن ماجه].

نطرق في هذه السطور أسماع أهل اليقين الثابتين، وأصحاب الصبر والعزائم الذين لا تنزل عليهم نازلة إلا عاجلوها بحسن ظنهم برب العالمين، الذين يوطن سبحانه بالبلاء نفوسهم لتسموا وترتقي ولا تبالي بحطام دنيا زائلة ولا تلتفت لتخاذل المنهزمين المدبرين ومكر الكافرين.
قال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

"أي لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم، وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب". [تفسير الطبري]


• البلاء امتحان وتنقية للقلوب

فأقر الله البلاء على عباده وصفوة خلقه؛ لأجل امتحانهم وتنقية قلوبهم وانتشالها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فيجازيهم بما صبروا جنات وعيون وزوجات حسان وما تشتهي الأنفس من طيبات، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل لكل بلاء دواء ولكل ضيق مخرجا، وأسوق لكم ما ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن حاله صلى الله عليه وسلم في مأكله: "عن مسروق قال: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: «كل، فلقل ما أشبع من الطعام، ولو شئت أن أبكي لبكيت» قال: قلت: ومم ذاك؟ قالت: «أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، ما شبع في يوم مرتين من خبز بر حتى لحق بالله»" متفق عليه.

ما شبع بأبي وأمي من الخبز وهو أعز خلق الله على الله، فأي بساطة عاشها الحبيب، وأي قلة مرت عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وما جزع وما تملكه القنوط من فرج الله بل دعا إلى الله بأكمل صورة حتى أتاه اليقين، وسار على نهجه صحابته الكرام، فما مر بهم جوع وفاقة إلا زادتهم يقينا وتسليما وإصرارا على الاستمرار في الدرب الموصلة إلى موعود الله.

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: "كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت لخالتي: على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: الماء والتمر" [مسند أحمد].


• ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالجوع

وما هي إلا السنن أيها الموحدون، لا بد أن تمضي على أهل التوحيد في كل دولة، فتمر بهم البلايا والخطوب وتصيبهم الفاقة والجوع، فالصبر الصبر، والعزيمة العزيمة، والله لو نجا من الجوع والبلاء أحد لنجا منه حبيب الله وخليله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما ذكر عنه جابر بن عبد الله قال: "لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجيرا يقيم به صلبه من الجوع".

فانظر، كيف أن الله عزوجل قد أجرى الأقدار على رسوله صلى الله عليه وسلم، فمر بحالة الجوع الشديدة هذه، ثم جعله للمؤمنين أسوة حسنة بالصبر عليه، ولم تكن هذه طارئة أو مؤقتة بحياته -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان جل حياته صابرا على الجوع وشظف العيش بأبي هو وأمي، عن قتادة قال: "كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط"..

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي.

وهكذا تعلم صحابته الكرام الصبر في سبيل الله على الجوع من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: "رأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر (من نباتات البادية)، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة"..

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:
"والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..".

ويقول رضي الله عنه وأرضاه:
"لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع" [رواه البخاري].


• بالإيثار والصدقة تقوى الصفوف وتتآلف النفوس

واعلم أن الابتلاء طريق لابد أن يمر به أتباع الأنبياء، واعلم أنه بحسن الظن واليقين والتوكل على رب العالمين والطلب منه آناء الليل وأطراف النهار: يبدل الله الحال إلى غير حال وبالتراحم والإيثار والصدقة يقوي الله بعضنا بعضا ويجعل من هذه المحنة منحة وبشارة لمن صبر، وحسرة وندامة لمن انتكس وشك وفر، فكم أسرفنا في المأكل والمشرب وكنا لا نلقي بالا لما نرمي من طعام أو شراب.

فحلت حكمته سبحانه وتعالى علينا لنرجع ونتفكر ونتدبر فله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

فلنر الله عز وجل من أنفسنا خيرا، فهذه الدار دار ممر لا دار مقر، وإنما المؤمن فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، فلا نثقلها بما يلصقها بعالم الأرض بكثرة الشهوات والتفكر بالملذات، وإنما نلحقها بذاك العالم العلوي، ذلك العالم الذي أعده الله لمن آمن به وصدق بوعده الذي "فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" والذي لا ينال إلا بالمشقة والجهد والصبر في هذه الدنيا الفانية.

إن من تعلق قلبه بما عند الله وتيقن بعاقبة صبره على الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، من نعيم الآخرة المقيم: هان عليه ما يكابد في هذه الدنيا القصيرة الحقيرة، والتي لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين على أمره، وأن يوفينا أجرنا يوم القيامة بغير حساب.
والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 164
الخميس 4 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

مقال - الإبتلاء بالجوع الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، ...

مقال - الإبتلاء بالجوع

الحمد لله ذي الفضل وافر النعم، سريع الحساب على الكافرين شديد النقم، والصلاة والسلام على من رفع الله به البشرية من ظلمات الجاهلية لأعلى القمم، وعلى آله وصحابته وجنده أهل الهمم، أما بعد :

قال الله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } [الإنسان2-3]
وعن أبي جحيفة، أنه تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا)، قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة. [الترمذي وابن ماجه].

نطرق في هذه السطور أسماع أهل اليقين الثابتين، وأصحاب الصبر والعزائم الذين لا تنزل عليهم نازلة إلا عاجلوها بحسن ظنهم برب العالمين، الذين يوطن سبحانه بالبلاء نفوسهم لتسموا وترتقي ولا تبالي بحطام دنيا زائلة ولا تلتفت لتخاذل المنهزمين المدبرين ومكر الكافرين.
قال عز من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].

"أي لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم، وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب". [تفسير الطبري]


• البلاء امتحان وتنقية للقلوب

فأقر الله البلاء على عباده وصفوة خلقه؛ لأجل امتحانهم وتنقية قلوبهم وانتشالها من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، فيجازيهم بما صبروا جنات وعيون وزوجات حسان وما تشتهي الأنفس من طيبات، ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أنه جعل لكل بلاء دواء ولكل ضيق مخرجا، وأسوق لكم ما ترويه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن حاله صلى الله عليه وسلم في مأكله: "عن مسروق قال: دخلت على عائشة، فدعت لي بطعام فقالت: «كل، فلقل ما أشبع من الطعام، ولو شئت أن أبكي لبكيت» قال: قلت: ومم ذاك؟ قالت: «أذكر الحال التي فارق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا، ما شبع في يوم مرتين من خبز بر حتى لحق بالله»" متفق عليه.

ما شبع بأبي وأمي من الخبز وهو أعز خلق الله على الله، فأي بساطة عاشها الحبيب، وأي قلة مرت عليه صلوات ربي وسلامه عليه، وما جزع وما تملكه القنوط من فرج الله بل دعا إلى الله بأكمل صورة حتى أتاه اليقين، وسار على نهجه صحابته الكرام، فما مر بهم جوع وفاقة إلا زادتهم يقينا وتسليما وإصرارا على الاستمرار في الدرب الموصلة إلى موعود الله.

وعن عروة، عن عائشة أنها قالت: "كان يمر بنا هلال وهلال ما يوقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال: قلت لخالتي: على أي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: على الأسودين: الماء والتمر" [مسند أحمد].


• ابتلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بالجوع

وما هي إلا السنن أيها الموحدون، لا بد أن تمضي على أهل التوحيد في كل دولة، فتمر بهم البلايا والخطوب وتصيبهم الفاقة والجوع، فالصبر الصبر، والعزيمة العزيمة، والله لو نجا من الجوع والبلاء أحد لنجا منه حبيب الله وخليله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما ذكر عنه جابر بن عبد الله قال: "لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجدته قد وضع بينه وبين إزاره حجيرا يقيم به صلبه من الجوع".

فانظر، كيف أن الله عزوجل قد أجرى الأقدار على رسوله صلى الله عليه وسلم، فمر بحالة الجوع الشديدة هذه، ثم جعله للمؤمنين أسوة حسنة بالصبر عليه، ولم تكن هذه طارئة أو مؤقتة بحياته -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان جل حياته صابرا على الجوع وشظف العيش بأبي هو وأمي، عن قتادة قال: "كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفا مرققا، حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط"..

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي.

وهكذا تعلم صحابته الكرام الصبر في سبيل الله على الجوع من نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: "رأيتنا نغزو وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر (من نباتات البادية)، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة"..

وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول:
"والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع..".

ويقول رضي الله عنه وأرضاه:
"لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع" [رواه البخاري].


• بالإيثار والصدقة تقوى الصفوف وتتآلف النفوس

واعلم أن الابتلاء طريق لابد أن يمر به أتباع الأنبياء، واعلم أنه بحسن الظن واليقين والتوكل على رب العالمين والطلب منه آناء الليل وأطراف النهار: يبدل الله الحال إلى غير حال وبالتراحم والإيثار والصدقة يقوي الله بعضنا بعضا ويجعل من هذه المحنة منحة وبشارة لمن صبر، وحسرة وندامة لمن انتكس وشك وفر، فكم أسرفنا في المأكل والمشرب وكنا لا نلقي بالا لما نرمي من طعام أو شراب.

فحلت حكمته سبحانه وتعالى علينا لنرجع ونتفكر ونتدبر فله وحده الأمر من قبل ومن بعد.

فلنر الله عز وجل من أنفسنا خيرا، فهذه الدار دار ممر لا دار مقر، وإنما المؤمن فيها كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها، فلا نثقلها بما يلصقها بعالم الأرض بكثرة الشهوات والتفكر بالملذات، وإنما نلحقها بذاك العالم العلوي، ذلك العالم الذي أعده الله لمن آمن به وصدق بوعده الذي "فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" والذي لا ينال إلا بالمشقة والجهد والصبر في هذه الدنيا الفانية.

إن من تعلق قلبه بما عند الله وتيقن بعاقبة صبره على الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، من نعيم الآخرة المقيم: هان عليه ما يكابد في هذه الدنيا القصيرة الحقيرة، والتي لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين على أمره، وأن يوفينا أجرنا يوم القيامة بغير حساب.
والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 164
الخميس 4 جمادى الأولى 1440 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً