وإن خير ما نوصي به إخواننا المجاهدين مبدأ كل عام هجري؛ تجديد النية ومراقبة الإخلاص وتقوية دوافعه في ...

وإن خير ما نوصي به إخواننا المجاهدين مبدأ كل عام هجري؛ تجديد النية ومراقبة الإخلاص وتقوية دوافعه في النفس، فإن الإخلاص أول منازل الطلب في العلم والعمل، وهو أول المدارج وأجمعها وأهمها، وهو للمجاهد حصن ونجاة، به تُنال الدرجات وتُحصل البركات وتُقبل الطاعات، بل هو ركن الدين وأصله لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، وتذكر أخي المجاهد أن أغلى ما يملكه العبد قلبه ووقته، فاعمر قلبك بالإخلاص واغمر وقتك بالعمل.

وليجدد كل مجاهد نيته وليشحذ همته وعزمه على مواصلة هذا الطريق المبارك الذي سارت فيه ركاب الأنبياء وتقاطرت عليه قوافل الشهداء، فاتَّبعوا سبيل ربهم ولم يحيدوا عنه وما استبدلوه بغيره من سبل الهوى والهوان، لا في شدة ولا في رخاء، بل لزموه في عسرهم ويسرهم حتى وصلوا إلى مبتغاهم ونصر الله بهم دينه وهزم عدوه وأعز ملته، وبقيت سيَرهم ماثلة للسائرين المقتفين.

ولقد اقتفى جنود الدولة الإسلامية هذا الفقه القرآني، واحتذوا هذا الهدي النبوي، واتبعوا النور الذي أُنزل معه، فأنارت دروبهم واستنارت بصائرهم، ومضوا على صراط ربهم نحو غايتهم التي خُلقوا لأجلها لا يلفتون وجوههم عنها، نحسبهم ولا نزكيهم، فكن أيها المسلم معهم لا عليهم، ولا تعْدُ عيناك عنهم، وجدِّد كما فعلوا مآثر الهجرة، ولا تجعلها مجرد ذكرى، فهي عبادة باقية ماضية مع الجهاد إلى يوم القيامة، قال تعالى، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 501
السنة السابعة عشرة - الخميس 1 المحرم 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
جدِّدوا الهجرة

جدِّدوا الهجرة
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 501 الافتتاحية: • جدِّدوا الهجرة من غفلة المسلمين في ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 501
الافتتاحية:

• جدِّدوا الهجرة

من غفلة المسلمين في هذا الزمان تضييع الأوقات والأزمان سدى بلا إعمار ولا اعتبار، فتمرُّ الذكرى بغير تذكُّر، والحوادث بغير تدبُّر، فلا اعتبار بانصراف الأيام والشهور، ولا اتعاظ بتصرُّم الأعوام والدهور، فقد طغت الغفلة وطالت الرقدة، وقست القلوب فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

والواجب على المسلم أن يعمر بالطاعة أوقاته، ويتزود من حياته لمماته، وأن يعتبر بتسارع الأزمان وسرعة انقضائها وجريانها فهي تجري إلى أجل مسمّى، وتوشك أن تتوقف فتشرق الشمس من مغربها وتُبدل الأرض غير الأرض والسماوات، فبادِروا عباد الله قبل أن تُبادروا، فإنه: (لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناه) [الترمذي]، فما بال الناس يعيشون اليوم وكأنهم لن يُسألوا، وكأنهم لن يُحاسبوا، وقد دُونت عليهم أعمالهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}، روى ابن أبي الدنيا عن الحسن قال: "لا يُلقى المؤمن إلا يُعاتب نفسه؛ ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟، والعاجز يمضي قُدُما لا يُعاتب نفسه"، وقال إبراهيم التيمي: "مثّلت نفسي في الجنة، آكل ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثّلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالِج سلاسلها وأغلالها؛ فقلت لنفسي: أيْ نفسي، أيّ شيء تريدين؟، قالت: أريد أن أردّ إلى الدنيا؛ فأعمل صالحا، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي". [محاسبة النفس]

فبادر أيها المسلم بالأعمال، وتزود من دنياك لآخرتك، وحاسب نفسك قبل أن تُحاسب، وتقلَّلْ من الدنيا وأثقالها؛ فإن الخيل لا تجري الغايات وهي بُدن، إنما تجري وهي ضُمر، فبادر وأسرع وحثَّ الخطى إلى مولاك، فإنَّ التؤدة خيرٌ في كل شيء إلا ما كان مِن أمر الآخرة، وإن خير الأعمال وأجلَّ الطاعات نصرة الدين والجهاد في سبيل الله وما اتصل به، فهو ذروة سنام الإسلام، وفرض الساعة وواجب العصر وأمان أمة الإيمان.

وإلى جانب الغفلة عن الاعتبار بتسارع الأزمان، هناك غفلة أخرى لا تقل خطورة هي الغفلة عن الاقتداء والاقتفاء، كغفلة الناس عن مقاصد الهجرة النبوية رغم تكرارها رأس كل عام، فلا يقتدون بأبطالها ولا يقتفون سيرها وأحداثها.

فكل عام هجري يأتي حاملا معه ذكرى الهجرة النبوية التي كانت علامة فارقة في تاريخ الإسلام، بل منها بدأ التأريخ للإسلام، فقد ذكر أهل السير أن الخليفة الفاروق عمر لم يؤرخ لمبدأ الإسلام من مَبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا حتى من مولده على شرف المناسبة، بل اختار الهجرة تأريخًا وتقويمًا لمبدأ الإسلام، وقد بيَّن علماؤنا الحكمة من ذلك الاختيار، قال ابن الأثير: "جمع عمر الناس للمشورة، فقال بعضهم: أرّخْ لمبعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال بعضهم: لمهاجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمر: بل نؤرخ لمهاجرة رسول الله، فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل؛ قاله الشعبي... وقال سعيد بن المسيب: جمع عمر الناس فقال: من أيّ يوم نكتب التاريخ؟ فقال عليّ: من يوم مهاجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفراقه أرض الشرك، ففعله عمر". [الكامل في التاريخ]

فعُلم مما تقدم أن الهجرة كانت نقطة تحوّل في تاريخ المسلمين غيرت مجرى التاريخ ووجه الأرض قاطبة، إذْ كانت فرقانا بين الحق والباطل، وكان بها قيام دولة الإسلام وجمع الكلمة ومفارقة الشرك جسدا وروحا، وبها عزّ جناب الإسلام وشُيد صرحه وغدا حاكما لا محكوما، فكانت الهجرة فتحا ربانيا نبويا في الحال والمآل.

ولذا حري بالمسلمين اليوم أن لا تكون الهجرة عندهم حدثا عابرا مرَّ من التاريخ بغير رجعة ولم يبق منه إلا الذكريات، بل يجب أن تكون الهجرة عندهم حركة متجددة مستمرة يهاجرون فيها من ديار الشرك إلى ديار الإسلام، ومن مواطن الذل إلى مواطن العز والنزال، يهاجرون بأرواحهم وأجسادهم من حيث لا يأمنون على دينهم إلى حيث يأمنون، يفارقون معسكرات الشرك إلى معسكرات التوحيد ويهجرون فيها الجاهلية إلى الإسلام.

فيا أيها الغافل القابع بين براثن الجاهلية تنبّه من رقدتك وتحرّر من أسرك فما زالت الهجرة ماضية، ويا أيها القاعد المتثاقل إلى الأرض انهض فما زال الجهاد ماضيا وأبوابه مشرعة، واحذر أن يفوتك الركب فتكون مع الخوالف، فإن الأزمان لا تشاوِر.
...المزيد

الصحيح في فَضل التَّسبيح ◾ التسبيح: هو تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن كل نقص وسوء كما قال الطبري: ...

الصحيح في فَضل التَّسبيح

◾ التسبيح: هو تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن كل نقص وسوء كما قال الطبري: "التنزيه له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك".

▪ (وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) مسلم

▪ (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) مسلم

▪ (لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) مسلم

▪ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ سُئِلَ أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ، أَوْ لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ) مسلم

▪ (كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ) مسلم

▪ (مَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) متفق عليه

▪ (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ) متفق عليه

▪ (أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) رواه مسلم
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500 مقتطفات نفيسة 47 (من كلام الشيخ المجاهد أبي حمزة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500

مقتطفات نفيسة 47
(من كلام الشيخ المجاهد أبي حمزة القرشي تقبله الله تعالى)

واعلموا أنّ العالم كلّه مقبلٌ على أمورٍ عظيمةٍ، وأنّ ما تشاهدونه اليوم ما هو إلا إرهاصاتٌ لتحوّلات كبرى، ستشهدها بلدان المسلمين في الفترة المقبلة، بإذن الله تعالى، وسيكون فيها فرصٌ أعظم من التي يسرها الله تعالى لكم قبل عقدٍ من الزمان في بعض البلدان التي شهدت من الأحداث ما تعرفون.

فأعدّوا للمرحلة القادمة ما تستطيعون من القوّة ومن رباط الخيل، وأرهبوا أعداء الله وأعداءكم، وآخرين من ورائهم لا تعلمونهم، الله سبحانه بهم خبيرٌ عليم.

ونوصيكم بالشّدّة على أعداء الله الكفرة، خاطبوهم بالسيوف المرهفات، وسعّروا الغزوات ولا توقفوا الغارات، ولا تتركوا يوماً يمر على المرتدّين وأسيادهم الصليبيين إلا وقد نغصتم فيه عيشهم.

فاكمنوا لهم في الطرقات، وأحرقوا أرتالهم بالعبوّات، ودمروا الحواجز والثّكنات، وليكن شعار أحدكم لا نجوت إن نجا عباد الطّواغيت.

وشمروا عن ساعد الجدّ، وواصلوا ليلكم بنهاركم، وابذلوا أغلى ما تملكون، الأنفس والمهج لإعلاء كلمة التّوحيد وقتال أعداء الملّة والدّين.
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500 مقتطفات نفيسة 47 (من كلام الشيخ المجاهد أبي حمزة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500

مقتطفات نفيسة 47
(من كلام الشيخ المجاهد أبي حمزة القرشي تقبله الله تعالى)

واعلموا أنّ العالم كلّه مقبلٌ على أمورٍ عظيمةٍ، وأنّ ما تشاهدونه اليوم ما هو إلا إرهاصاتٌ لتحوّلات كبرى، ستشهدها بلدان المسلمين في الفترة المقبلة، بإذن الله تعالى، وسيكون فيها فرصٌ أعظم من التي يسرها الله تعالى لكم قبل عقدٍ من الزمان في بعض البلدان التي شهدت من الأحداث ما تعرفون.

فأعدّوا للمرحلة القادمة ما تستطيعون من القوّة ومن رباط الخيل، وأرهبوا أعداء الله وأعداءكم، وآخرين من ورائهم لا تعلمونهم، الله سبحانه بهم خبيرٌ عليم.

ونوصيكم بالشّدّة على أعداء الله الكفرة، خاطبوهم بالسيوف المرهفات، وسعّروا الغزوات ولا توقفوا الغارات، ولا تتركوا يوماً يمر على المرتدّين وأسيادهم الصليبيين إلا وقد نغصتم فيه عيشهم.

فاكمنوا لهم في الطرقات، وأحرقوا أرتالهم بالعبوّات، ودمروا الحواجز والثّكنات، وليكن شعار أحدكم لا نجوت إن نجا عباد الطّواغيت.

وشمروا عن ساعد الجدّ، وواصلوا ليلكم بنهاركم، وابذلوا أغلى ما تملكون، الأنفس والمهج لإعلاء كلمة التّوحيد وقتال أعداء الملّة والدّين.
...المزيد

هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، ...

هديه صلى الله عليه وسلم في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه

كان صلى الله عليه وسلم أفصح خلق الله، وأعذبهم كلاما، وأسرعهم أداء، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه.

• كلامه معدود وسهل الفهم والحفظ

وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد، ليس بهذٍّ مسرع لا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي، قالت عائشة: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيّن فصل يحفظه من جلس إليه"، وكان كثيرا ما يعيد الكلام ثلاثا ليعقل عنه، وكان إذا سلم سلم ثلاثا.

• يتكلم بجوامع الكلم بلا فضول ولا تقصير

وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فصل لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كره الشيء عرف في وجهه، ولم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا.

• يضحك تبسما ويتعجب مما يُتعجب منه

وكان جل ضحكه التبسم، بل كله التبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله ويستغرب وقوعه ويستندر.

• يبكي رحمة وخشوعا وخشية لله وشوقا إليه

وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويسمع لصدره أزيز.

وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية.

ولما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال: (تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون)، وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض، وبكى لما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا}، وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ ويقول: (ألم تعِدْني أن لا تعذِّبَهُم وأنا فيهم، ألم تعِدْني أن لا تعذِّبَهُم وهم يستغفِرونَ)، وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته، وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل.

[زاد المعاد في هدي خير العباد]
...المزيد

في الشأن الدولي، أكّد طواغيت بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومعهم أمريكا على حق اليهود في الدفاع عن ...

في الشأن الدولي، أكّد طواغيت بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومعهم أمريكا على حق اليهود في الدفاع عن أنفسهم، جاء ذلك بعد موجة الأوهام التي تحدثت عن "قطيعة بين إسرائيل وأوروبا" بسبب حرب غزة!، تلك الأوهام التي لم يصدّقها ويتفاعل معها إلا "دراويش الإخوان" أشياع إيران.

فما جرى من اصطفاف أوروبا وأمريكا خلف اليهود في حربهم، يؤكد تصاعد سيطرة اليهود على المشهد الدولي، خصوصا بعد إسقاطهم "أذرع" إيران في لبنان وغزة وسوريا وصولا إلى "رؤوسها" في طهران وبرنامجها النووي الذي وضعته يهود على قائمة أهدافها منذ نشأته، واخترقته حتى نخاعه، واختارت الوقت المناسب لتحييده وضربه في مكامن قوته، كما لو أنه نشأ على عينها!

كل ما جرى يؤكد استمرار علوّ اليهود وتفرُّدهم في السيطرة، وتجاوزهم أمريكا وأوروبا اللتين لا تملكان سوى الإذعان لهم طوعا أو كرها سواء حكمهم "نتنياهو" أو أي نتن غيره، وهذا يدفعنا لتذكير القُراء بما سبق وطرقناه منذ الساعات الأولى لحرب غزة الجريحة، بأن من يقود أمريكا وأوروبا هم اليهود وليس العكس، وذلك عبر "لوبيّات" الاقتصاد والإعلام وغيرها، وهذا يناسب الطرح الشرعي الواقعي بوجوب قتال اليهود أينما حلوا وليس فقط داخل فلسطين، لأن وجودهم في فلسطين هو ثمرة جهودهم وأنشطتهم خارجها، ومن لم يدرك ذلك فقد ضلّ الطريق إلى القدس.

عودا على ذي بدء، إنّ اليهود والرافضة كفار أعداء للمسلمين، تحالفوا وتمالؤوا هم والصليبيون على حربنا بالأمس، واليوم خالف الله بين قلوبهم ومكر بهم فاشتعلت الحرب فيما بينهم، وبقدر ما تحتدم الحرب بين الطرفين؛ بقدر ما يربح المسلمون ويغنمون، لكن هذا لا يعفيهم من السعي الحثيث لامتلاك أسباب القوة التي تمكّنهم من مجابهة علو اليهود القادم وحقد الرافضة المزمن، ولينصرن الله من ينصره.


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 500
السنة السادسة عشرة - الخميس 23 ذو الحجة 1446 هـ

دولة فارس ودولة اليهود
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500 الافتتاحية: دولة فارس ودولة اليهود على مرّ التاريخ ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 500
الافتتاحية:

دولة فارس ودولة اليهود

على مرّ التاريخ كان اشتعال الحروب بين صفوف أهل الباطل يصبّ في مصلحة الحق، وكان المسلمون يدركون ذلك ويفرحون به ويستبشرون، لأن نصرة الحق كانت غايتهم ومقصدهم بل محور حياتهم، فحياتهم ومماتهم كانت لله وفي سبيل الله.

لكن في عصرنا الحالي حُرم الناس الهداية فتغيرت مواقفهم وتبدّلت مقاصدهم واضطربت موازينهم، ولم يعودوا يرون الحق حقا والباطل باطلا، كما لم يعد الحق غايتهم ومحور حياتهم، بل قدّموا عليه كثيرا من الغايات والمقاصد الوطنية والقومية، ومن نتائج ذلك؛ ما نراه اليوم من تأييد الكثيرين للمحور الإيراني الرافضي تحت ذريعة قتالهم لليهود وتمسُّحهم بفلسطين.

إنّ اصطفاف كثير من الناس خلف المعسكر الرافضي وتألمهم لألمه وحزنهم لمصابه، سببه الانحراف عن عقيدة التوحيد، والالتقاء مع الباطل في طرقاته والذوبان في معسكراته، فهؤلاء القوم قد أسلموا الرافضة وانخرطوا في محاورهم وصدّقوا وعودهم في الدفاع عن فلسطين، في حين أثبتت الحرب اليهودية الإيرانية بجولاتها الثلاث؛ أنّ إيران انطلقت في جميع ردودها العسكرية من مصلحتها الخاصة، فوعودها الكاذبة ثلاثا جاءت ردا على مقتل قادتها وضرب مقدراتها، ولم يكن للقدس أو لغزة فيها نصيب.

وعند التعمُّق أكثر في واقع أشياع إيران، نجد أنّ تقديس هؤلاء للمحور الإيراني؛ سببه تقديس القضية الفلسطينية وجعلها فوق مقام الإسلام لا تبعا له، إذْ أنه لمّا غاب ميزان الإسلام من حياة هؤلاء ونبذوا شريعة الله وراءهم ظهريًّا؛ اتخذوا موازين أخرى للحكم على الأشياء، ومن ذلك أنهم جعلوا قضية فلسطين ميزانا ومقياسا لتزكية الأفراد والجماعات بغضّ النظر عن دينهم أو مناهجهم، وبهذا المقياس الجاهلي الوطني حاز الرافضة على ولاء وتأييد هؤلاء الأشياع.

هذا هو الواقع الذي يطغى على مشهد الصراع اليهودي الرافضي اليوم، وهو نفس الواقع الذي طغى على القضية الفلسطينية منذ أول طلقة فيها، ولذلك لا تجد في قضية فلسطين قتيلا واحدا لم ينل مرتبة الشهادة، يستوي عندهم في ذلك المسلم والمرتد والكافر! بل حتى لو كان من "الجيش الأحمر الياباني" الذي كتبوا على قبور جنوده في جنوب لبنان "شهداء!".

أما الذين أنار الله بصيرتهم فأراهم الحق حقا والباطل باطلا؛ فإنهم يرون تدبير الله تعالى لأوليائه ومكره بأعدائه في مقتل قادة الفرس الإيرانيين الذين قادوا الحرب ضد المسلمين في العراق والشام بالتحالف مع الروم الصليبيين، ثم دارت الدائرة عليهم بعد أنْ تعدّوا حدود العتبة الدولية؛ فعادوا يُقتلون بنفس الطائرات الأمريكية التي شكّلت من قبل غطاءً جويا لحشودهم في الموصل وغيرها، والجزاء من جنس العمل.

إنّ التوصيف الدقيق للحرب الجارية بين اليهود والرافضة، أنها صراع بين مشروعين متنافسين في محاربة الإسلام؛ مشروع دولة اليهود الكبرى ومشروع دولة فارس الكبرى!، وكلاهما تحرّكه أطماعه وأحقاده في غزو بلادنا وتدنيس مقدساتنا، ولا عجب فالطرفان عدوان لدودان للإسلام وسجلاتهما تضج بذلك قديما وحديثا.

ولا يحق لأحد أن يخيّرنا بين معسكر اليهود ومعسكر الرافضة فهما سيّان لا يمكن المفاضلة بينهما، وليس أمام المسلم سوى الانحياز التام إلى معسكر الإسلام وقوامه التوحيد والجهاد، وإنّ فرحنا باقتتال اليهود والرافضة وخسائرهما المتبادلة في هذه الحرب، فرح مشروع بتضرُّر عدوين رئيسين للإسلام؛ أحدهما أشدّ كفرا والثاني أشدّ خطرا، ولا أدل على اشتداد خطر الرافضة من انخداع كثيرين من أهل القبلة بإيران ومحورها، في حين أنك لا تجد هذا الانخداع ولا عشر معشاره باليهود الكافرين.

ولو قتلت إيران آلاف اليهود فإن ذلك لا يجعلها وليًّا ولا حليفًا للمسلمين، لأنها دولة رافضية كافرة، محاربة لنا والغة في دمائنا، معادية لصحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، فبماذا اختلفوا عن اليهود الكافرين؟! وليدرك المسلمون أنّ من تحالف مع أمريكا في غزو بلادنا في العراق والشام، لن يحرر لهم فلسطين، ومن خان وخذل أذرعه الوظيفية في لبنان وسوريا وغزة تقديمًا لمصالحه القومية الفارسية، فهو لغيرهم أشدّ خيانة وخذلانا.

في الشأن الميداني العملياتي، يجب على المسلمين المسارعة إلى استغلال الفوضى الناجمة عن هذه الحروب، في مضاعفة الجهاد على كل الصُعد، في الإمداد والإسناد والإعداد والاستقطاب والتجنيد والتسليح، والحذر من تفويت الفرصة لأن السنن لا تحابي والنصر لا يأتي بالتمني، فخذوا بالأسباب واعقلوها وتوكلوا، فإنْ لم تبادروا بادر عدوكم.

فهذه الحروب والصراعات بين صفوف اليهود والرافضة والصليبيين، لن تتوقف كمّا ونوعا، فمسافات الأمان التي حرصوا على إبقائها فيما بينهم، قد تقلصت وبدأت دورة الصدامات فيما بينهم، فاضطربت علاقاتهم وتبعثرت تحالفاتهم، وانتقل شطر كبير من حروبهم إلى داخل معسكراتهم بعد أنْ كانت جميعها تطحن ديار المسلمين، وهذا خير لا يماري فيه مسلم.
...المزيد

فعلم أنه لا يجوز أن يسأل الميت شيئا: لا يطلب منه أن يدعو الله له ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يشكى إليه ...

فعلم أنه لا يجوز أن يسأل الميت شيئا: لا يطلب منه أن يدعو الله له ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يشكى إليه شـيء من مصائب الدنيا والدين؛ ولو جاز أن يشكى إليه ذلك في حياته؛ فإن ذلك في حياته لا يفضـي إلى الشـرك، وهذا يفضـي إلى الشـرك..
الثالثة: أن يقال: أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهي عنه".(32) انتهى كلامه رحمه الله.
ونكتفي بهذا القدر، ونسأل الله تعالى التوفيق والعون والسداد، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 101
الخميس 22 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقد رجح الإمام الطبري أن هذه الآية نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام، حيث قال بعدما ذكر أقوال السلف في ...

وقد رجح الإمام الطبري أن هذه الآية نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام، حيث قال بعدما ذكر أقوال السلف في سبب نزولها: "وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك: قول من قال: نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة".(26) انتهى كلامه رحمه الله.

وقال ابن أبي زَمَنِين رحمه الله -وهو من أئمة أهل السنة-: "هم قوم من المنافقين كانوا بالمدينة؛ فخرجوا منها إلى مكة، ثم خرجوا من مكة إلى اليمامة تجارا فـرتدوا عن الإسلام، وأظهروا ما في قلوبهم من الشـرك، فلقيهم المسلمون، فكانوا فيهم فئتين؛ أي فرقتين، فقال بعضهم: قد حلت دماؤهم؛ هم مشـركون مرتدون، وقال بعضهم: لم تحل دماؤهم؛ هم قوم عرضت لهم فتنة، فقال الله -تعالى-: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88]".(27) انتهى كلامه رحمه الله.

ورجح طائفة من العلماء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توقف في تكفير مانعي الزكاة في بادئ أمرهم، ولما بين له أبو بكر رضي الله عنه كفرهم وافقه، ولم يستتبه على توقفه فيهم؛ فقد صح عن عمر رضي الله عنه، أنه قال لأبي بكر رضي الله عنه في شأن "المرتدين": كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله ».(28)

* والحكم في هذه الحال: أن المتوقف لا يكفر ابتداء، بل يحكم عليه بالخطأ، وهذا الحكم مبني على أن التكفير من الأحكام الشـرعية، وأن حكم المجتهد المخطئ فيه كحكم غيره ممن أخطأ في المسائل الشـرعية، فإذا بينت له الأدلة وانقطع تأويله ثم توقف بعد ذلك فهو كافر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة: هو من أعظم أصول الإيمان وقواعد الدين والجاحد لها كافر بالاتفاق مع أن المجتهد في بعضها ليس بكافر بالاتفاق مع خطئه".(29) انتهى كلامه رحمه الله.
وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: "ثم لو قدر أن أحدا من العلماء توقف عن القول بكفر أحد من هؤلاء الجهال المقلدين للجهمية، أو الجهال المقلدين لعباد القبور، أمكن أن نعتذر عنه بأنه مخطئ معذور، ولا نقول بكفره لعدم عصمته من الخطأ، والإجماع في ذلك قطعي".(30) انتهى كلامه.

المرتبة الرابعة- من توقف فيمن وقع في كفر أو شـرك، وكان سبب توقفه غرضا شـرعيا مباحا، فمن ذلك:

1- من توقف فيمن وقع في نوع شـرك أو كفر مختلف في أنه مخرج من الملة؛ كترك الصلاة.

2- ومن ذلك من توقف فيمن انتسب للعلم الشـرعي بغرض الدفع عن تكفير علماء المسلمين.

وحكم المتوقف في هاتين الصورتين أنه مجتهد مأجور بإذن الله؛ إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: دفع التكفير عن علماء المسلمين وإن أخطئوا هو من أحق الأغراض الشـرعية؛ حتى لو فرض أن دفع التكفير عن القائل يعتقد أنه ليس بكافر حماية له، ونصـرا لأخيه المسلم: لكان هذا غرضا شـرعيا حسنا، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فيه فأخطأ فله أجر واحد". (31) انتهى كلامه.

* وههنا سؤال مهم، وهو: أين مرتبة المتوقف في عباد القبور من هذه المراتب؟

• والجواب أن مرتبة المتوقف في القبورية تختلف بحسب ظهور الشـرك أو الاعتقاد في صاحب القبر، ولا شك أن منها ما يماثل عبادة الأصنام أو يزيد عليها، ومنها ما هو دون ذلك، ومنها ما يقتصـر على الابتداع في الدين ولا يبلغ الشـرك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمراتب في هذا الباب ثلاث:

إحداها: أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول: يا سيدي فلان أغثني، أو أنا أستجير بك، أو أستغيث بك، أو انصـرني على عدوي، ونحو ذلك فهذا هو الشـرك بالله...

* وأعظم من ذلك أن يقول: اغفر لي وتب علي؛ كما يفعله طائفة من الجهال المشـركين..

* وأعظم من ذلك: أن يسجد لقبره ويصلي إليه، ويرى الصلاة أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص، والكعبة قبلة العوام..

* وأعظم من ذلك: أن يرى السفر إليه من جنس الحج، حتى يقول: (إن السفر إليه مرات يعدل حجة)، وغلاتهم يقولون: (الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة)، ونحو ذلك؛ فهذا شـرك بهم، وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه..

الثانية: أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا؛ كما تقول النصارى لمريم وغيرها؛ فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة...
...المزيد

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في طائفة من الباطنية: "وأما من قال: (لكلامهم تأويل يوافق ...

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في طائفة من الباطنية: "وأما من قال: (لكلامهم تأويل يوافق الشـريعة)؛ فإنه من رءوسهم وأئمتهم؛ فإنه إن كان ذكيا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله، وإن كان معتقدا لهذا باطنا وظاهرا فهو أكفر من النصارى؛ فمن لم يكفر هؤلاء، وجعل لكلامهم تأويلا، كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد".(15)
وقال أيضا رحمه الله: "وعنه -أي الإمام أحمد- في تكفير من لا يكفر روايتان؛ -يعني في تكفير من لم يكفر الجهمية- أصحهما لا يكفر".(16) انتهى كلامه.

وقال الإمام البخاري رحمه الله: "نظرت في كلام اليهود، والنصارى، والمجوس، فما رأيت قوما أضل في كفرهم منهم -يعني الجهمية-، وإني لأستجهل من لا يكفرهم، إلا من لا يعرف كفرهم".(17) انتهى كلامه رحمه الله.

والظاهر من قول الإمام البخاري أنه يذهب إلى عدم تكفير المتوقف في الجهمية؛ كإحدى الروايتين عن أحمد.

وقال المرداوي رحمه الله: "وذكر ابن حامد في أصوله كفر الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة، وقال: "من لم يكفر من كفرناه فسق وهجر، وفي كفره وجهان"، والذي ذكره هو وغيره من رواة المروذي، وأبي طالب، ويعقوب، وغيرهم: أنه لا يكفر -إلى أن قال:- وقال في إنكار المعتزلة استخراج قلبه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسـراء وإعادته: في كفرهم به وجهان، بناء على أصله في القدرية الذين ينكرون علم الله وأنه صفة له، وعلى من قال: لا أكفر من لا يكفر الجهمية".(18) انتهى كلامه رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير المرجئة والشيعة المفضلة -يعني الذين يفضلون عليا على سائر الصحابة بلا طعن فيهم- ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع -من هؤلاء وغيرهم- خلافا عنه أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه وعلى الشـريعة". (19) انتهى كلامه رحمه الله.

والقسم الثالث من المرتبة الثالثة: من كانت له أصول صحيحة فتأول؛ كما جاء في خطأ بعض الصحابة رضي الله عنهم في تكفير بعض المرتدين؛ حيث بين الله تعالى خطأ من توقف، ولم يحكم عليهم بكفر.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشـركون معهم يوم بدر، فأصيب بعضهم وقتل بعض، فقال المسلمون: "كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فـــاستغفروا لهم"، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97]، قال: فكتب إلي من بقي من المسلمين بهذه الآية، وأنه لا عذر لهم، قال: فخرجوا فلحقهم المشـركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} [العنكبوت: 10] الآية".(20)

وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله: "فأنزل الله هذه الآية، وبين فيها حكم هؤلاء المشـركين، وأنهم من أهل النار، مع تكلمهم بالإسلام".(21) انتهى كلامه.

وروي أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في تكفير بعض المرتدين، فلما بين الله تعالى كفر هؤلاء القوم لم يأمر من توقف فيهم بتجديد إسلامه.

فقد قال الله تعالى:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 88].

وصح في سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناس ممن كان معه، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، قال بعضهم: "نقتلهم"، وقال بعضهم: "لا".(22)

وصح عن مجاهد رحمه الله، أنه قال: "قوم خرجوا من مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون، ثم ارتدوا بعد ذلك، فـاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها، فـاختلف فيهم المؤمنون، فقائل يقول: "هم منافقون"، وقائل يقول: "هم مؤمنون"، فبين الله نفاقهم، فأمر بقتالهم".(23)

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شـيء، فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] الآية". (24)

وقال الإمام الطبري رحمه الله في تأويل قوله تعالى-: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88] قال: "يعني بذلك: والله ردهم إلى أحكام أهل الشـرك في إباحة دمائهم، وسبي ذراريهم".(25) انتهى كلامه رحمه الله.
...المزيد

وقال أيضا رحمه الله: "فشـرك عباد الأصنام والأوثان والشمس والقمر والكواكب خير من توحيد هؤلاء بكثير، ...

وقال أيضا رحمه الله: "فشـرك عباد الأصنام والأوثان والشمس والقمر والكواكب خير من توحيد هؤلاء بكثير، فإنه شـرك في الإلهية مع إثبات صانع العالم وصفاته وأفعاله وقدرته ومشيئته وعلمه بالكليات والجزئيات، وتوحيد هؤلاء تعطيل لربوبيته وإلهيته وسائر صفاته، وهذا التوحيد ملازم لأعظم أنواع الشـرك، ولهذا كلما كان الرجل أعظم تعطيلا كان أعظم شـركا".(4) انتهى كلامه رحمه الله.

بناء على ما سبق؛ سنذكر مراتب المتوقفين في المشـركين أو الكفار بناء على ظهور الأدلة على كفرهم وشهرتها، معتمدين على نصوص أهل العلم في ذلك:

المرتبة الأولى- من توقف فيمن علم كفره بالضـرورة من دين أهل الملل، فمن ذلك:
أولا: من توقف في إبليس أو فرعون أو مدع الإلهية لنفسه أو لغيره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تكفير من لم يكفر فرعون: "وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل؛ المسلمين واليهود والنصارى: أن فرعون من أكفر الخلق بـالله". (5) انتهى كلامه رحمه الله.
ثانيا: من توقف في عباد الأصنام، ولو انتسبوا للإسلام.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تكفير من صحح عبادة الأصنام: "ومن لم يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى؛ فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام".(6) انتهى كلامه.

وقال ابن الوزير الصنعاني رحمه الله: "ولا شك أن من شك في كفر عابد الأصنام وجب تكفيره، ومن لم يكفره، ولا علة لذلك إلا أن كفره معلوم من الدين ضـرورة".(7) انتهى كلامه.

وحكم المتوقف في هذه المرتبة الكفر، ولا يعذر بالجهل في ذلك كل من بلغته الحجة الرسالية.

المرتبة الثانية- من توقف فيمن علم كفرهم بالضـرورة من دين المسلمين خاصة؛ كمن توقف في اليهود والنصارى، أو كل من فارق دين الإسلام.

قال القاضـي عياض رحمه الله: "نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم".(8) انتهى كلامه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن لم يحرم التدين بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بدين اليهود والنصارى، بل من لم يكفرهم ويبغضهم فليس بمسلم بـاتفاق المسلمين". (9) انتهى كلامه.

وحكم المتوقف في هذه المرتبة الكفر، ولا يعذر بالجهل في ذلك كل من بلغته الحجة الرسالية.

المرتبة الثالثة- من توقف فيمن ينتسب للإسلام ووقع في شـرك أو كفر مجمع على كفر من وقع فيه، وهؤلاء على مراتب:

الأول من المرتبة الثالثة: من لم يكن له تأويل؛ فإنه إما أن يقتصـر على تبيين الحال له، وإما أن يقتصـر على تبيين حكم الشـرع فيهم، وإما أن تبين له حالهم ويبين له حكم الشـرع فيهم، وهذا بناء على ظهور الشـرك وظهور حال المتوقف فيهم؛ فإن توقف بعد ذلك فهو كافر، وأما إن كان حالهم ظاهرا، وحكم الشـرع فيهم ظاهرا؛ فيحكم بكفر المتوقف من غير تبيين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في طائفة من الباطنية: "ومن كان محسنا للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم: عرف حالهم؛ فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا ألحق بهم وجعل منهم".(10) انتهى كلامه.

* فـانظر هنا كيف اقتصـر شيخ الإسلام في تكفير المتوقف في هذه الطائفة على تعريفه بحالهم.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمهما الله في بعض مرتدي زمانه: "فإن كان شاكا في كفرهم أو جاهلا بكفرهم، بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك أو تردد، فإنه كافر بإجماع العلماء على: أن من شك في كفر الكافر فهو كافر".(11) انتهى كلامه رحمه الله.

* نلاحظ هنا أن الشيخ سليمان اشترط تبيين الحكم الشـرعي للمتوقف قبل تكفيره.

وقال الإمام أبو حاتم الرازي رحمه الله فيمن قال بخلق القرآن: "ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر، ومن كان جاهلا علم؛ فإن أذعن بالحق بتكفيره وإلا ألزم الكفر". (12) انتهى كلامه رحمه الله.

* في هذه الصورة اشترط أبو حاتم تعليم المتوقف قبل تكفيره.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الحلولية: "ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر؛ كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشـركين".(13) انتهى كلامه.

* أما في هذه الصورة فقد اشترط تعريف الحال والحكم الشـرعي معا.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "طائفة الدروز": "كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون؛ بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم". (14) انتهى كلامه.

* ونلاحظ في هذه الصورة أنه لم يشترط في تكفير المتوقف تبيين الحال، ولا تبيين الحكم؛ وذلك لظهور حال تلك الطائفة، وظهور الأدلة على كفرهم.

والقسم الثاني من المرتبة الثالثة: من كانت له أصول فاسدة فتأول؛ فيؤثر في الحكم عليه شدة ظهور كفر المعين أو الطائفة، ففي حال شدة ظهور الكفر يعتبر كافرا معاندا متسترا بتأويله، وفي حالات أخرى اختلف بين تفسيقه وتكفيره.
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً