أخي المجاهد / إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ الحمد لله رب العالمين، وعده حقٌّ وأخباره صدقٌ ...

أخي المجاهد / إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ


الحمد لله رب العالمين، وعده حقٌّ وأخباره صدقٌ وأحكامه عدلٌ، والصلاة والسلام على أعلم الخلق بالله وأخشاهم وأتقاهم له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فقد أثنى الله -تعالى- على عباده المؤمنين الذين يصدِّقون كلامه ويوقنون بتحقق موعوده، لا يزولون عن هذا اليقين في السراء ولا في الضراء، بل لا تزيدهم المحن إلا إيماناً بالله وآياته ووعوده، وتسليماً لأمره وحكمته، ورضاً بقضائه وقدره.
كثيراً ما ترجو نفوسنا أن يأتي الفرج والنصر من الله بطريقة معينة وبأحداث محددة، ولكن {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]، فلله -تعالى- حِكم عظيمة قد يخفى علينا كثير منها.

لقد رجا المؤمنون من المهاجرين والأنصار أن يلقوا قافلة كفار قريش فيأخذوها سهلة بغير قتال، ويكون فيما يغتنمونه منها قوة لهم وبلاغ إلى حين، ولكن الله -تعالى- شاء وهو العليم الحكيم أن تنجو القافلة وتخرج قريش عازمة على قتال المسلمين بجيش يزيد على ثلاثة أضعاف عدد المجاهدين، طامعة في القضاء على الموحدين الذين بدأوا يُسقطون هيبة قريش ويجترئون عليها وعلى تجارتها، فكانت غزوة بدر الكبرى، التي قال الله عنها: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 7 - 8]، وقبل الغزوة قلَّل الله -تعالى- عدد الكفار في أعين المؤمنين ليتشجعوا على قتال الكفار ولا ترهبهم أعدادهم، وقلل عدد المؤمنين في أعين الكفار ليغريهم بقتال المؤمنين، قال تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ في أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الأنفال: 44]، فلما التحم الفريقان رأى الكفارُ المسلمين وكأنهم ضعف عدد الكفار، فتزلزل جيشهم وسقطت معنوياته، ووهنت قوته، ويئس من النصر، وأيَّد الله المؤمنين بنصره، قال تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].

وفي غزوة الأحزاب ابتلى الله -تعالى- المؤمنين ابتلاء شديداً لا يتوقعونه، فازدادوا إيماناً بتحقق وعد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بنصر المؤمنين واندحار الكافرين.

قال ابن إسحاق: "حدثني يزيد بن رومان في قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]، والجنود: قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة، وعن مجاهد: {إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: عيينة بن بدر في أهل نجد، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ}، قال أبو سفيان: وواجهتهم قريظة، وعن قتادة: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ} شخصت، وعن عكرمة: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}، قال: من الفزع، وعن الحسن: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، قال: ظنوناً مختلفة: ظنَّ المنافقون أن محمداً وأصحابه يُسْتَأْصَلُون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، وأن الله سيُظهر دين الإسلام على الأديان كلها ولو كره المشركون" انتهى كلامه بتصرف يسير.

لقد جاء نصر الله -تعالى- بكيفية عجيبة ظهرت فيها قدرة الله وقوته وعزته وحكمته ولطفه بالمؤمنين، قال تعالى: {وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ الله قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، وأيَّد الله –تعالى- المؤمنين بالنصر على يهود بني قريظة والإثخان فيهم، ومنَّ على المؤمنين بالغنائم الكبيرة التي أورثهم إياها من بني قريظة، قال تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الأحزاب: 26 - 27].

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن اللَّه معنا الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ...

إن اللَّه معنا


الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المعظم لربه حق التعظيم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان في طلب رضا ربهم المنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن أكثر الناس يحكمون على ظواهر الأمور ويغفلون عن الحقائق التي أخبرنا الله بها، فيرون الأعداء يفوقوننا في العدد والعتاد، ولا يستشعرون أن الله العظيم هو معنا، الذي إن أراد نصر أحد فلن يغلبه أحد، وإن خذل أحداً فلا ناصر له من بعد الله، يغفل الناس عن الحقيقة الكبرى أن الكفار شواذ عن باقي الخليقة في الإيمان بالله وتنزيهه عن العيوب والنقائص، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، فهذه المخلوقات العظيمة والكثيرة والمتنوعة كلها تُعظِّم الله وتخشع له وتسجد له وتُقِر له بالربوبية وبالألوهية وبأنه خالقها القيوم عليها، الذي لا قيام لها ولا بقاء إلا به، فنرى الكون وما فيه كله متناسقاً متشابهاً في عبادة الله، إلا هذه المخلوقات المهانة الخبيثة التي أبت عبادة الله والخضوع لأوامره، وظنَّت أنها تستطيع على ضعفها وذلتها إطفاء نور الله، فأي قوة لها أمام قوة الله؟ الذي أعطاها الحول والقوة، ويجري قضاؤه عليها رضيت أم كرهت.


• كل شيء يسبح الله ويحمده

لله -تعالى- المحامد كلها، فكل أسمائه محمودة وكل صفاته محمودة، وكل أفعاله وأحكامه محمودة، ولذلك حمد الله -تعالى- نفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].

ويحمده المطيعون من خلقه وينزهونه عن كل عيب ويقرون له بالكمال والجلال والجمال، ولهذا يجمعون بين تسبيح الله وحمده، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، كلهم على طاعته إلا كفار الإنس والجن، ومع ذلك فمن يأبى السجود لله طوعاً فهو يسجد له كرهاً، فتمضي عليه أحكام الله القدرية والجزائية شاء أم أبى، قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15].


• أساس الدين تعظيم الله

وعلى أساس تعظيم الله قام دين الإسلام وبعث الله رسله مبشرين ومنذرين، ومن أجل تعظيم الله -تعالى- قام الجهاد في سبيل الله لمحاربة من لم يقدروا الله حق قدره من الكفار والمشركين والمنافقين، الذين كفروا بالله وجحدوا نعمه أو نسبوها لغيره أو نسبوا لله الصاحبة والولد وادعوا أن لله شركاء في العبادة وأن هناك من يشفع عند الله بلا إذنه، وقام الجهاد لمحاربة الطواغيت الذين اعتدوا على أعظم حقوق الله، ونازعوا الله في حق التشريع والتحليل والتحريم الذي هو من خصائص الربوبية، ونتج عنها منازعة الله في حق الطاعة المطلقة وهي من خصائص الربوبية والألوهية، ولذلك فمعية الله وتأييده وتوفيقه إنما هي للمعظمين لله الذين أخلصوا له الدين، الذين يحبهم ويحبونه، الذين يوالون في الله ويعادون فيه، ويجاهدون لإرضائه غير مبالين بلوم اللائمين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


• لا تحزن إن الله معنا:

حفظ لنا القرآن العظيم مواقف عظيمة كثيرة، وكان منها هذا الموقف الخالد من عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أثناء هجرته إلى الله عز وجل، هاربا بدينه ودعوته، مطاردا من أهل مكة المشركين، فيلجأ إلى غار ثور ومكانه ليس على طريق المدينة، ولكنهم تتبعوا الآثار حتى وقفوا فوق باب الغار، حتى قال الصديق وهو خائف مهموم "لو أن أحداً من المشركين نظر إلى قدميه لأبصرنا"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل الله عليه السكينة، وهي الطمأنينة والشعور بالأمان والعناية الإلهية: (يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟) [رواه البخاري ومسلم].
وتذكر لنا كتب السير ومعاجم الصحابة قصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- الذي قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة بعد أن كان يطارد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- طامعاً في أن يحصل على جائزة المشركين إن هو أتى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حياً أو ميتاً: (كيف بك إِذا لَبستَ سِوارَيْ كسرى)، فلمّا أُتِيَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بسوارَيْ كسرى ومِنْطَقَتِهِ وتاجِه، دعا سراقة بن مالك، فألبسه إياهما.

وكان سراقة رجلا كثير شعر الساعدين، فقال له عمر: ارفع يديك، فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبها كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أَنا رَبُّ الناس، وألبسهما سراقةَ بن مالك بن جُعْشُم، أعرابي من بني مُدْلِج، ورفعَ لها عمرُ صوتَه.


• رُسل الله وهم يستشعرون معية الله:

لما أرسل الله عز وجل موسى -عليه السلام- إلى فرعون قال هو وأخوه هارون، عليهما السلام: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 45 - 46]، فوقف موسى -عليه السلام- أمام فرعون داعياً ومذكراً ومجادلاً بالحق، يجيب على أسئلة فرعون بالأدلة والبراهين، غير آبه لتهديدات فرعون الذي {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، ثم واعد فرعون وقومه يوم الزينة وهو يوم عيد لهم يجتمعون فيه بزينتهم مبتهجين، وهناك وقف الوقفة العظيمة أمام السحرة الذين {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116]، فألقى عصاه فالتقمت حبال السحرة وعصيهم، فآمنوا بالله وكفروا بفرعون، فهددهم الطاغوت بالقتل والتعذيب والتقطيع، فانتقل موسى -عليه السلام- إلى الذين آمنوا بالله يثبتهم ويُصبرهم ويدعوهم إلى التوكل على الله، {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84]، ويأمرهم موسى -عليه السلام- بالصلاة التي تعينهم على جميع أمورهم، ويبشرهم بموعود الله بالنجاة من فرعون وبالجنة لمن ثبت على دين الإسلام، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87].


• إن معي ربي سيهدين:

صبر موسى -عليه السلام- وقومه حتى جاء الفرج من الله –تعالى- لما أمرهم بالخروج من مصر ليلاً وأخبر نبيه -عليه السلام- أن فرعون سيتبعهم، وقد لحقهم بجنوده حتى ظن بنو إسرائيل أنه سيدركهم، فقد صاروا محاصرين بين البحر وبين جيش فرعون، قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61 - 62]، "كلا": كلمة نفي وزجر لهم أن يظنوا أن وعد الله لهم بالنجاة والنصر لا يتحقق، وأكد كلامه بـ "إن"، وأخبرهم بيقينه بأن الله معه ولن يتخلى عنه بل سيهديه للمخرج من هذا الموقف العصيب، فجاء الوحي سريعاً من الله -عز وجل- إلى عبده ورسوله المقرب إليه: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء: 63 - 66].

لقد أحسن رُسل الله وأنبياؤه وأتباعهم العمل، وصدَّقوا بموعود الله وأحسنوا ظنهم بالله، فلم يُخيِّب ربهم رجاءهم، بل كان معهم كما وعدهم بالتوفيق والهداية والتسديد والنصر على الكافرين، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن اللَّه معنا الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ...

إن اللَّه معنا


الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المعظم لربه حق التعظيم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان في طلب رضا ربهم المنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن أكثر الناس يحكمون على ظواهر الأمور ويغفلون عن الحقائق التي أخبرنا الله بها، فيرون الأعداء يفوقوننا في العدد والعتاد، ولا يستشعرون أن الله العظيم هو معنا، الذي إن أراد نصر أحد فلن يغلبه أحد، وإن خذل أحداً فلا ناصر له من بعد الله، يغفل الناس عن الحقيقة الكبرى أن الكفار شواذ عن باقي الخليقة في الإيمان بالله وتنزيهه عن العيوب والنقائص، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، فهذه المخلوقات العظيمة والكثيرة والمتنوعة كلها تُعظِّم الله وتخشع له وتسجد له وتُقِر له بالربوبية وبالألوهية وبأنه خالقها القيوم عليها، الذي لا قيام لها ولا بقاء إلا به، فنرى الكون وما فيه كله متناسقاً متشابهاً في عبادة الله، إلا هذه المخلوقات المهانة الخبيثة التي أبت عبادة الله والخضوع لأوامره، وظنَّت أنها تستطيع على ضعفها وذلتها إطفاء نور الله، فأي قوة لها أمام قوة الله؟ الذي أعطاها الحول والقوة، ويجري قضاؤه عليها رضيت أم كرهت.


• كل شيء يسبح الله ويحمده

لله -تعالى- المحامد كلها، فكل أسمائه محمودة وكل صفاته محمودة، وكل أفعاله وأحكامه محمودة، ولذلك حمد الله -تعالى- نفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].

ويحمده المطيعون من خلقه وينزهونه عن كل عيب ويقرون له بالكمال والجلال والجمال، ولهذا يجمعون بين تسبيح الله وحمده، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، كلهم على طاعته إلا كفار الإنس والجن، ومع ذلك فمن يأبى السجود لله طوعاً فهو يسجد له كرهاً، فتمضي عليه أحكام الله القدرية والجزائية شاء أم أبى، قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15].


• أساس الدين تعظيم الله

وعلى أساس تعظيم الله قام دين الإسلام وبعث الله رسله مبشرين ومنذرين، ومن أجل تعظيم الله -تعالى- قام الجهاد في سبيل الله لمحاربة من لم يقدروا الله حق قدره من الكفار والمشركين والمنافقين، الذين كفروا بالله وجحدوا نعمه أو نسبوها لغيره أو نسبوا لله الصاحبة والولد وادعوا أن لله شركاء في العبادة وأن هناك من يشفع عند الله بلا إذنه، وقام الجهاد لمحاربة الطواغيت الذين اعتدوا على أعظم حقوق الله، ونازعوا الله في حق التشريع والتحليل والتحريم الذي هو من خصائص الربوبية، ونتج عنها منازعة الله في حق الطاعة المطلقة وهي من خصائص الربوبية والألوهية، ولذلك فمعية الله وتأييده وتوفيقه إنما هي للمعظمين لله الذين أخلصوا له الدين، الذين يحبهم ويحبونه، الذين يوالون في الله ويعادون فيه، ويجاهدون لإرضائه غير مبالين بلوم اللائمين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


• لا تحزن إن الله معنا:

حفظ لنا القرآن العظيم مواقف عظيمة كثيرة، وكان منها هذا الموقف الخالد من عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أثناء هجرته إلى الله عز وجل، هاربا بدينه ودعوته، مطاردا من أهل مكة المشركين، فيلجأ إلى غار ثور ومكانه ليس على طريق المدينة، ولكنهم تتبعوا الآثار حتى وقفوا فوق باب الغار، حتى قال الصديق وهو خائف مهموم "لو أن أحداً من المشركين نظر إلى قدميه لأبصرنا"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل الله عليه السكينة، وهي الطمأنينة والشعور بالأمان والعناية الإلهية: (يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟) [رواه البخاري ومسلم].
وتذكر لنا كتب السير ومعاجم الصحابة قصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- الذي قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة بعد أن كان يطارد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- طامعاً في أن يحصل على جائزة المشركين إن هو أتى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حياً أو ميتاً: (كيف بك إِذا لَبستَ سِوارَيْ كسرى)، فلمّا أُتِيَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بسوارَيْ كسرى ومِنْطَقَتِهِ وتاجِه، دعا سراقة بن مالك، فألبسه إياهما.
...المزيد

قصة حديث (من غشَّ فليس منِّي) حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش معلوم مشهور بين ...

قصة حديث (من غشَّ فليس منِّي)

حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش معلوم مشهور بين الناس وهو قوله: (من غشَّ فليس منِّي)، وفي رواية: (ومن غشَّنا فليس منَّا)، وكلا الروايتين في صحيح مسلم.

وللحديث قصة تُبيِّنها الرواية ذاتها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على صُبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعُه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟)، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني) [رواه مسلم].

والمعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدخل يده في كومة طعام فوجد أسفله مبللا، مع أن ظاهره غير ذلك، ولما سأل صاحب الطعام عن الأمر أخبر بأن المطر نزل عليه، فأنكر عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله، وأعلمه أن عليه أن يظهر ذلك للناس ولا يخفي عيب بضاعته، وأعلمه بأن ذلك من الغش الذي مَنْ فَعَلَهُ، فليس من رسول الله، أي ليس على هدي رسول الله ونهجه.

وهذا الحديث يتحدث عن صورة من صور الغش -وما أعظم انتشارها- وللغش صور كثيرة، فهل يرضى من اتصف بهذه أن يقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست مني؟ إذن ليراجع كل امرئ نفسه، ويجدد التوبة لربه.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

بعد 40 شهراً من الانشغال عنها أمريكا تعود إلى خراسان من جديد لئن كان وجود أمريكا في خراسان ...

بعد 40 شهراً من الانشغال عنها
أمريكا تعود إلى خراسان من جديد


لئن كان وجود أمريكا في خراسان مصدر رعب حقيقي لكل من الصين وروسيا وإيران وباكستان، لما فيه من تهديدٍ لمصالح كلٍّ منها، التي قد تحدُّها السيطرة الأمريكية على جانب من جوانب حدودها، فإن هذه الدول كانت ولا تزال على يقين أن الوجود الأمريكي هنا ليس بدائم، وأن بالإمكان اقتلاعها منه تحت تأثير الخسائر المتزايدة والاستنزاف المستمر لاقتصادها وجيشها في هذه الحرب اللامنتهية.

ولذلك كان الخيار الاستراتيجي بالنسبة إليها، هو العمل بكل وسيلة على دفع أمريكا للخروج من أفغانستان، ولو عن طريق دعم حركة تزعم رغبتها بإقامة "إمارة إسلامية" وتحكيم الشريعة، خاصة أن هذه الحركة أكدت أن هذه "الإمارة" المأمولة بالنسبة لها، هي "إمارة وطنية" تلتزم بحدود "الوطن الأفغاني" الذي تُقرُّ الحركة بحدوده المتفق عليها مع الدول الكافرة، وكذلك فإنها تؤكد أن "تحكيمها للشريعة" سيكون تحكيما جزئيا، لا مكان فيه لأي من الأحكام التي تغضب دول الجوار الكافرة، بل ستقوم تعاملاتها معهم على "أصول الاحترام المتقابل، والمساواة، وعدم التدخل في الأمور الداخلية مع دول المنطقة والعالم المختلفة"، كما تردد حركة طالبان الوطنية في بياناتها ورسائلها إلى الدول الكافرة.

إن موقع أفغانستان المفصلي بين حدود ومناطق نفوذ أربع من الدول الكافرة التي تتنازع فيما بينها لمد هيمنتها في محيطها الإقليمي، يجعل مصلحة هذه الدول تجاهها تقوم على إخراج أمريكا منها، ثم وجود حكومة ضعيفة مرضي عنها فيها، بحيث تعود أفغانستان إلى مكانها الأصلي في النظام الدولي، كدولة حاجزة بين القوى المتصارعة، تؤدي سيطرة أي منها عليها إلى تهديد كبير للآخرين، قد يستدعي تدخلهم لإبعاد هذا الخطر، كما حدث عندما تجرأ الاتحاد السوفيتي على إدخال قواته إليها مطلع هذا القرن الهجري.

وليست أمريكا بالطبع غافلة عن جهود خصومها المبذولة لإخراجها من خراسان، كما أنها ليست غافلة عن الثروات البكر لأرضها، ولا مليارات الدولارات الممكن لشركاتها جنيها من المشروعات المستقبلية فيها، ولكنها رغم ذلك تجد نفسها مجبرة كل فترة لسحب جزء مهم من عديد جيشها وعدته في سبيل تدارك انهيار الأوضاع في مناطق أخرى لا تقل أهميتها عن خراسان، كما حدث مرتين على الأقل تجاه العراق؛ الأولى بعد معركة الفلوجة الثانية، حيث بات استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق مهددا، بفعل تجاوز خسائر الأمريكان لعتبة التحمل الأمريكية تحت عمليات المجاهدين المتتالية، والثانية عندما أوشك المجاهدون على إسقاط حكومتي بغداد وأربيل المرتدتين بعد سيطرتهم على الموصل، وفي الحالتين أضعفَ نقلُ الثقل إلى العراق قبضةَ الصليبيين في خراسان، واستفادت من ذلك حركة طالبان الوطنية في إعادة ترتيب صفوفها، وتوسيع نفوذها.

واليوم يخطط الجيش الأمريكي لإعادة تقوية جيشه في خراسان، حماية لوجوده في هذه المنطقة بالغة الأهمية من حيث الموقع والثروات، ووقاية للحكومة التي صنعها بيده كواجهة للحكم في كابل من الانهيار الذي ليست الضربات الكبرى التي وجهها لها جنود الخلافة خلال الأشهر الأخيرة بالدليل الوحيد على هشاشته.

ويأتي هذا بعد أن انشغلت القيادة الأمريكية الوسطى المخصصة لإدارة الحرب في بُلدان المسلمين لأكثر من 40 شهرا في قتال الدولة الإسلامية في ولايات العراق والشام وليبيا، الذي استنزف قسما كبيرا من إمكانيات الجيش الأمريكي في الحرب الجوية، والاستخبارات، والدعم للقوات المتحالفة معه.

وإن جنود الخلافة في ولاية خراسان يدركون -بفضل الله تعالى- العبء الملقى على عاتقهم، وحجم قوى الكفر التي ينبغي عليهم محاربتها والتصدي لها، وهم مستعدون -بإذن الله- لدفع الثمن المطلوب لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين.

وهم مستمرون -بحول الله- في قتال الجيوش الصليبية حتى هزيمتها، واستهداف حكومة كابل المرتدة، وأي حكومة طاغوتية ينالها بأسهم، حتى إسقاطها، ثم منع قيام أي حكومة تحكم بغير شريعة الله تعالى، أو تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، مع محاربة الطوائف الممتنعة عن تحكيم الشريعة، وعلى رأسها حركة طالبان المرتدة، وهم عازمون على مدِّ سلطان الشريعة إلى أي أرض يمكِّنهم الله من فتحها، غير عابئين بالحدود المصطنعة، ساعين إلى نصرة المسلمين المستضعفين، لإخراجهم من حكم الطواغيت، حتى لا تكون طاعتهم إلا لله، ولا يكون ولاؤهم لغير دين الإسلام، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد / استبشر بطريق الجهاد الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدىً ورحمةً للمؤمنين، والصلاة ...

أخي المجاهد / استبشر بطريق الجهاد


الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدىً ورحمةً للمؤمنين، والصلاة والسلام على نبيه نبي الرحمة ونبي الملحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن الله -تعالى- قد بشَّر عباده المؤمنين بشارات كثيرة تُقوِّي عندهم جانب الرجاء وترفع معنوياتهم، خاصة إذا واجهوا أعداءهم، فحين أمرهم -سبحانه- بالثبات في قتال عدوهم بشَّرهم بأنه مع الصابرين، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46]، وهي معية خاصة لأوليائه، تختلف عن المعية العامة لعموم خلقه بالعلم والإحاطة والقدرة عليهم، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، وأمر -تعالى- عباده بأن يستبشروا ببيعهم أنفسهم وأموالهم لله عز وجل، مقابل أن يدخلهم جنة الخلد، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]، وحتى حين يبتليهم الله -عز وجل- بأن ينال منهم الكفار بعض النيل بالقتل أو بالجراح أو الأسر، أمر -تعالى- المجاهدين بأن يستشعروا العلو على الكافرين ولا يضعفوا عن قتالهم ولا يحزنوا لما أصابهم، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، والمؤمن مبشر بالخير في السراء والضراء، إذا كان شاكراً لأنعم الله صابراً عند الابتلاء، قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمر المؤمن! إنّ أمره كلّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرا له) [رواه مسلم]، وكل ما يصيب المسلم من بلاء صغُر أو كبُر فهو سبب لتكفير سيئاته، قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كَفَّر الله بها من خطاياه) [رواه البخاري ومسلم].

وكل ما يعمله المؤمن من جهاد بالنفس والمال، وكل موطئ يطأه يغيظ الكفار وكل نيل يناله منهم، وكل أذى يصيبه، فهو مثاب على هذه الأعمال أعظم الثواب، فاحتسب الأجر أخي المجاهد في العسر واليسر، وأحسن ظنك بالله -تعالى- ولي المؤمنين، الذي أمرهم بجهاد أعدائه فاستجابوا، وأمرهم بتحكيم شريعته وعدم اتباع أهواء الناس فامتثلوا طالبين رضاه، خائفين من عذابه إن لم ينفروا لقتال أعدائه أو لم يحكِّموا شرعه، أبشر أخي المجاهد بكفاية الله للمتوكلين عليه المفوضين أمرهم إليه، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

هو أعلم بمن اتَّقَى كتب الله -تعالى- لدينه النصر والتأييد من عنده سبحانه، وجعل لذلك الأسباب من ...

هو أعلم بمن اتَّقَى

كتب الله -تعالى- لدينه النصر والتأييد من عنده سبحانه، وجعل لذلك الأسباب من عنده سبحانه، فهو ينصر دينه وعباده المؤمنين بما شاء وكيف شاء، فقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4]، وقال جل جلاله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31].

فمن تلك الجنود ما لا تخطئه العين، ومنها ما لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته ليطلعه عليه، ومن ذلك تأييد هذا الدين بأفراد وأقوام لا يُتوقع أن تكون منهم نصرة له، ولا أن يأتي النصر والمدد من قبلهم، ولكن الله الحكيم العليم، يسخِّرهم لخدمة هذا الدين، فيجعل على أيديهم من الفتح ما لا يكون على أيدي غيرهم، وقد لا يجعل لهؤلاء نصيبا من ثواب النصرة، لأنهم لم يحققوا شروط استحقاق الثواب الأخروي من الله سبحانه، وإن كان لا يبعد أن يثيبهم عليه شيئا من حطام الدنيا الذي يرجونه، ثم يأتون يوم القيامة وليس لهم جزاء يرجونه من رب العالمين.


• إنه من أهل النار:

في الصحيح، من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قوله: شهدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حُنَيْناً، فقال لرجل ممن يُدعى بالإسلام: (هذا من أهل النار)، فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله، الرجل الذي قلت له آنفا: (إنه من أهل النار)، فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إلى النار)، فكاد بعض المسلمين أن يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال: (الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله)، ثم أمر بلالاً فنادى في الناس: (أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن الله يُؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) [متفق عليه].

وفي هذا الحديث دليل واضح على ما أسلفنا من القول، فهذا الرجل الذي أحسن به الصحابة الظن، لحسن بلائه في القتال ضد أعداء الله، وهو من أعظم القربات إلى الله ولا شك، ثم تأتي الأخبار بموته على ذلك، فيكون ظاهره بذلك من الشهداء الذين ثبت أنهم من أصحاب الجنة، ثم يتعارض هذا كله مع شهادة النبي -عليه الصلاة والسلام- له بالنار، حتى يحسم رسول الله -تعالى- القضية، بتنبيه المسلمين إلى أمر هام، وهو أن الرجل وإن كان في عمله نصرة للدين وتأييد له، فإنه قد لا ينتفع من ذلك بشيء، ويكون ما أسلفه من خير فللإسلام والدين، وما فعله من شر فعلى نفسه.


• إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ:

وفي هذا الحديث السابق إشارة واضحة إلى خطأ من اعتمد في تزكية الناس تزكية مطلقة على بعض ما قاموا به من نصرة لهذا الدين، وحسن بلاء في الذود عنه، وتعرض للابتلاء من قبل أعدائه، إذ في النهاية المُعوَّل عليه في ذلك كله تقوى الله تعالى، كما قال سبحانه: {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، وقوله، جل جلاله: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ} [التوبة: 53]، وهذه التقوى التي هي الفيصل في قبول العمل مما لا يطلع عليه إلا هو، كما قال سبحانه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32].

وكذلك فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، ولا يعلم مآلات الناس وبِمَ يُختم لهم في هذه الحياة غيره سبحانه، وقد يصنع العبد من الأعمال الصالحة ما لو مات عليه لكان من أهل الجنة، لكونها مما يغفر الله بها خطاياه، ويكفِّر بها سيِّئاته، ويرفع بها درجاته، وهذا حال من أراد الله به خيرا من الناس، ولكن هناك أيضا من تطول به الحياة إلى أن ينكص على عقبيه، ويرتد على أدباره، فيضيع أجر ما عمل من عمل صالح، بوقوعه في كفرٍ يُحبط عمله كله مهما كان عظيما، فيجعله الله -تعالى- هباء منثورا، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) [رواه البخاري].

• لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناسَ:

إن ما ذكرناه آنفا من حسن الظن بالنفس أو بالغير بسبب بعض الأعمال الصالحة التي يُيَسرها الرب -جل جلاله- لعبيده، ويوفقهم إليها، ويعينهم عليها، لا يعني بحال أن ينقلب المرء إلى غلو في اتجاه مخالف، بأن يغمط الناس أعمالهم، وأن يتهمهم في نياتهم، فإن هذا ليس من سبيل المؤمنين في شيء، كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]، بل السنة بخلاف ذلك كليا، ومن يراجع علاقة النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الناس يجد هذا واضحا جليا، فقد كان منهجه في ذلك قوله: (لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناسَ) [رواه أحمد].

ولذلك نجد له مواقف كثيرة يشير فيها إلى حسن صنيع بعض صحابته الكرام، مُنبِّها إلى فضلهم في ذلك، ودالّاً الناس على اتباعهم في هذا العمل، ومحببا إليهم النشاط فيه، والإكثار منه، كما في قوله لسعد -رضي الله عنه- يوم أحد: (ارم سعد، فداك أبي وأمي) [رواه أحمد]، لما أعظم النكاية في المشركين بسهامه، وكما قال بعد موقعة أخرى مع المشركين: (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة) [رواه مسلم]، وقوله لعثمان -رضي الله عنه- لما بذل ألف دينار للإنفاق على جيش العسرة: (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم) [رواه الترمذي]، وقال لحسان بن ثابت -رضي الله عنه- لما ردَّ على قريش طعنهم في الله ورسوله: (هَجَاهُم حسان، فشفى، واشتفى) [رواه مسلم]، وشهد لأهل بدر أن لهم فضلا عن العالمين بقوله: (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) [رواه البخاري]، وغيره كثير في سنته، عليه الصلاة والسلام.


• وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ:

فالسنة في الأمر عند النظر في الأعمال الصالحة التي يقوم بها غيره، أن يشكره على هذه الأعمال، ويذكر فضله فيها إن تطلب الأمر، ما لم تخش الفتنة عليه أو على غيره بذلك، وأن يسعى الإمام أو من ينوب عنه إلى مكافأته عليه، وذلك كله دون أن يؤدي ذلك إلى غلو في محبة هذا الفاعل للخير أو تعظيمه، تُفضي إلى الفتنة به على الدين، فيصبح هذا العمل الصالح الذي قام به دَيناً على المسلمين لا يوفون حقه إلا أن يصيروا تبعا لهذا الفاعل للخير، ويكون منَّة عليهم لا يتحللون منها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، بل لله -تعالى- المنُّ في ذلك كله على العبد أن يسَّر له طريق الخير وأعانه عليه، كما قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].

ولا يتجرَّأن أحد فيستشهد بحديث (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم) في تزكية من يحبُّ من الناس بناء على فعل قام به، فإنه كلام في الخواتيم التي لا يعلمها إلا الله، وأما عثمان فإنه مشهود له بالجنة، شهد له بها من يتنزل عليه الوحي من فوق سبع سماوات، فأين من يدَّعي في نفسه شبها بالشاهد، أو فيمن يزكيه شبها بالمشهود له، هيهات.

وأما الإنسان ونفسه، فيحذر كل الحذر من أن يعجبه عمل صالح دلَّه الله عليه، ووفقه إليه، مهما عظمت قيمة هذا العمل في موازين الناس، وفي ميزان الله تعالى، وعليه أن ينسب الفضل في هذا العمل كله لله، جل جلاله، ويتخذه قربة منه، ووسيلة إليه، وإن كان هذا العمل فتحا من أعظم الفتوح ونصرا من أعظم الانتصارات، فلن يبلغ بحال فتح مكة وتطهير جزيرة العرب من الشرك، فلم يكن من أعظم الفاتحين -عليه الصلاة والسلام- ذلك اليوم، إلا أن يدخل المدينة متذللا لله العظيم، مسبحا له، مستغفرا لذنبه، كما أمره.

وليخش كل امرئ إن رأى من نفسه إعجابا بفعل قام به كان فيه نصر للدين، أو إعزاز لكلمة التوحيد، أن يكون حاله كذلك الرجل الفاجر، الذي منعه ضرره على نفسه أن ينتفع بشيء مما نفع به هذا الدين، وحكم عليه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه من أهل النار. نعوذ بالله أن نكون من أمثاله وسائرُ المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 117
الخميس 15 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

سبب نزول لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ...

سبب نزول
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ


قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].

والآية تتحدث عن الفرق العظيم بين المؤمن القاعد عن الجهاد في سبيل الله، والمجاهد بماله ونفسه، لكنها استثنت من هذا التفريق (أولي الضرر)، ولنزول هذا التفريق سبب بيَّنته الأحاديث.

فعن ابن شهاب قال: حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، قال: فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أملى عليه: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، قال: يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى، فأنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سُرِّي عنه فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [رواه البخاري].

وفي رواية أخرى عن أبي إسحاق عن البراء -رضي الله عنه- قال: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيدا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}.

ورغم عفو الله تعالى عن أولي الضرر، فإن ابن أم مكتوم رضي الله عنه، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أنزل الله تعالى بسبب قصته معه قوله: {عبس وتولى * أن جاءه الأعمى} [عبس: 1-2]، وأول المهاجرين إلى المدينة، وخليفة رسول الله على المدينة في غزوة بدر، رغم عذره، أبت نفسه إلا أن يطلب منازل المجاهدين، وأن تغبر قدمه في سبيل الله، فقد شهد له الصحابة أنه شارك في القادسية، عليه درع حصينة سابغة، ومعه الراية، كما جاءت بذلك الروايات.

فما للأصحاء يرضون بالقعود، ويزهدون بما أعده الله تعالى للمجاهدين في سبيله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 117
الخميس 15 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

أمريكا وشركاؤها المتشاكسون قبل أيام خرج وزير خارجية أمريكا ليعلن أن استمرار الوجود الأمريكي في ...

أمريكا وشركاؤها المتشاكسون


قبل أيام خرج وزير خارجية أمريكا ليعلن أن استمرار الوجود الأمريكي في الشام ضروري، لمنع "الدولة الإسلامية من الظهور مجددا"، وهو يقصد استعادتها للمناطق التي انحاز عنها جنودها خلال الفترة الماضية، مؤكدا أن الانسحاب الأمريكي من العراق كان هو السبب وراء ما كان، من انهيار للجيش الرافضي، وفتح من الله، منَّ به على جنود الدولة الإسلامية في نينوى وبقية أرض العراق.

وبحسب هذه العقيدة الجديدة، فإن الاعتماد على "الشركاء المحليين" لم يعد مجديا في منع المسلمين من إقامة دينهم، خاصة بعد أن أظهرت الوقائع أن هؤلاء "الشركاء" غير قادرين على حماية أنفسهم، وبالتالي، صار من الواجب على الجيش الأمريكي أن يقيم بالقرب من "شركائه" لا ليحميهم من هجوم المجاهدين عليهم وحسب، ولكن أيضا ليعلم "الشركاء" أن الطائرات الأمريكية الرابضة في ظهورهم، ليست فقط لتمهيد الأرض أمامهم إن أمروا بالتقدم، ولكنها أيضا جاهزة لإبادتهم بالنيران "الصديقة" والقصف "الخاطئ" إن فكروا بالهروب والانسحاب، كما حدث مرارا في معارك الموصل وغيرها من المعارك بين جنود الخلافة وأعدائهم من المشركين.

وكانت فكرة الاعتماد على "الشركاء" في الحرب ضد المجاهدين قد جاءت بعد خمس سنوات من العجز الأمريكي في حرب العراق، فكان أساس الخطة الجديدة يقوم على ضرورة جذب أطراف من العراق للمساهمة في هذه الحرب، سواء للدلالة على عورات المجاهدين، أو للقتال المباشر ضدهم لإخراجهم من المناطق التي يعجز الجيش الأمريكي عن دخولها إلى المناطق المفتوحة التي يسهل التوغل فيها أو تغطيتها من الجو، أو لمجرد إمساك الأرض التي سينسحب منها المجاهدون لمنعهم من العودة إليها، وكان أهم المدعوين إلى "الشراكة" في هذه الخطة، الميليشيات الرافضية، والفصائل المسلحة المرتدة، والمرتدون من العشائر.

ولما بدأ المجاهدون حملتهم الدموية لإبادة "شركاء" أمريكا، وقطف رؤوس أكابر المرتدين، لم تلتفت أمريكا لأخبار المذبحة التي بدأت تحل بـ "الشركاء المحليين"، ولا لتوصيات صاحب أمرهم (بترايوس) بضرورة أن تعقب مرحلة إخلاء الأرض من المجاهدين، مساع للحفاظ عليها، ومنعهم من العودة إلى السيطرة فيها، بل استعجلت الإدارة الأمريكية تحقيق حلم الانسحاب الآمن من العراق، تاركة "الشركاء" فريسة لكواتم الأمنيين وعبواتهم، ولأحزمة الاستشهاديين وعرباتهم، ومداهمات صيادي الصحوات وبَيَاتهم، لتنكسر -بفضل الله- شوكة "شركاء" أمريكا من الصحوات المرتدة، ويصبحوا مطاردين في الأرض التي تعهدوا لأمريكا بأن لا يطأها مجاهد، ولا ترفع في سمائها راية أنار سوادَ خامتها بياض شهادة التوحيد.

ولم يقتصر الفعل في إبادة الصحوات على أيدي الدولة الإسلامية، إذ كان لهؤلاء المرتدين منافسون أقوياء من "شركاء أمريكا" لا يقبلون لأنفسهم منافسا في هذا المجال، أو منازعا لهم على السلطة والمال، وهم الروافض، الذين حسدوا المرتدين المنتسبين إلى أهل السنة على حظوتهم لدى "شركائهم" الأمريكيين، فشنوا عليهم حرب استئصال، فمن لم يكن اسمه موجودا في قوائم القتل التي وضعتها "فرق الموت" الرافضية، وجد اسمه في قوائم المطلوبين للاعتقال تحت "المادة 4 إرهاب"، فإما أن يدخل سجون المالكي، أو يسعفه الهرب فيعيش منفيا حياة اللجوء في إحدى دول الجوار، وفي ظل هذا المتسع من الوقت، والتوفير في الجهد، الذي أوجده تنافس "شركاء أمريكا" وجد المجاهدون الفرصة سانحة للإجهاز عليهم، فمكَّنهم الله من الصحوات، وكادوا أن يكسروا شوكة الرافضة، لولا أن تداركتهم أمريكا وحلفاؤها، ويقضي الله أمرا كان مفعولا.

وهكذا أكد "شريك أمريكا" في خراسان، وطاغوت أفغانستان (أشرف غني) أن حكومته وجيشه سرعان ما سينهاران إذا ما قررت أمريكا الانسحاب من البلاد، محذرا إياهم من نموذج انهيار مماثل لما حل بـ "شركاء" آخرين لأمريكا على أيدي جنود الدولة الإسلامية، الذين بات لهم -بفضل الله- القدم الراسخة والقبضة القوية في أرض خراسان.

وكما أن "عقيدة بترايوس" التي كانت الأساس في تبني "الشركاء المحليين" لم توأد على أيدي المجاهدين فحسب، وإنما شارك في إهالة التراب عليها منافسون له داخل الإدارة الأمريكية، فإن أمريكا ستجبر على التخلي عن عقيدتها الجديدة، لا بهزيمة عملائها -الذين تسميهم "شركاء"- على أيدي جنود الخلافة فحسب، ولكن أيضا بسبب التنازع والصراع الوجودي بين عملاء أمريكا وحلفائها في كل مكان، وما الصراع بين مرتدي الترك ومرتدي الكرد، وبين طواغيت أفغانستان وباكستان عنا ببعيد، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 117
الخميس 15 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

حسن الخلق إن المنزلة العظيمة التي خصَّ الله -تعالى- بها صاحب الخلق الحسن، والمكافأة الكبيرة ...

حسن الخلق


إن المنزلة العظيمة التي خصَّ الله -تعالى- بها صاحب الخلق الحسن، والمكافأة الكبيرة التي أعدها الله له لَتجعلُنا متحفزين متنبهين لمعرفتها وسبل بلوغها، والسعي لتحقيق ذلك.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يُدخل الجنة؟ قال: (تقوى الله، وحسن الخلق)، قال: وما أكثر ما يُدخل النار؟ قال: (الأجوفان: الفم والفرج) [رواه البخاري في الأدب المفرد].

وعنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصلاة والصوم) [رواه الترمذي].

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله) [رواه أحمد].

وعن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا) [رواه الترمذي].

قال عبد الله بن المبارك واصفا حسن الخلق: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكفُّ الأذى.

وقال آخر: هو التحرز من الشح والبخل والغضب، والتشديد في المعاملات، والتحبب إلى الناس بالقول والفعل، والسماحة وترك التقاطع والهجران والتساهل في العقود.

والصبر والحلم والأناة والتواضع مقدمات لا غنى عنها للخلق الحسن، فإن لم يكن للمرء صبر على الأذى، وحلم على الإساءة، وتفكر في الأمور ونظر في عواقبها، وأناة في القيام بها فليس باستطاعته أن يكون من أصحاب الخلق الحسن.

وقال الطبري في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]: "أي افعل هذا الذي أمرتك به يا محمد من دفع سيئة المسيء إليك بإحسانك الذي أمرتك به إليه، فيصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة، كأنه من ملاطفته إياك وبرِّہ لك، وليٌّ لك من بني أعمامك، وقوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]. أي لا يُعطَى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا لله على المكاره، والأمور الشاقة، وذو حظ عظيم أي ذو جِدٍّ" [تفسير الطبري].

وفي تفسير قوله: {وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36]: "يقول -تعالى- وإما يُلقِيَنَّ الشيطان يا محمد في نفسك وَسوَسة من حديث النفس إرادة حملك على مجازاة المسيء بالإساءة، ودعائك إلى إساءته، فاستجر بالله واعتصم من خطواته، إن الله هو السميع لاستعاذتك منه واستجارتك به من نزغاته" [تفسير الطبري].

تذكر أخي أن الأخلاق الحسنة أمر يمكن اكتسابه بالتدرب، وهو يحتاج إلى النباهة وتجنب الغفلة، وإلى ضبط النفس، وكظم الغضب والابتعاد عنه ما أمكن، وإن أفضل ما يساعدك على ذلك الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند الغضب، أو تلقي الإساءة.

أخي المجاهد، إن أفضل وأتم تَمثُّلٍ بالخلق الحسن هو التمثل بأخلاق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وليكن هدفك الأول من التمثل بأخلاقه -صلى الله عليه وسلم- مرضاة الله تعالى، وتذكر أن الله -عز وجل- يرضى لك ذلك ويحبه، فأره منك ما يحب، وليكن الطمع فيما عند الله دافعا لك.

اعلم أخي المجاهد أن هذه المرتبة العظيمة التي خصَّ الله بها صاحب الخلق الحسن تستحق منك البذل والجهد والعناء في سبيل تحقيقها، فاستعن بالله وراقب أقوالك وأفعالك واحرص أن تكون على هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كي تكون من أقرب الناس منه مجلسا يوم القيامة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 117
الخميس 15 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 116 مقال: الحي القيوم الحمد لله رب العالمين، الذي منّ علينا فأخبرنا بأسمائه ...

صحيفة النبأ العدد 116
مقال: الحي القيوم

الحمد لله رب العالمين، الذي منّ علينا فأخبرنا بأسمائه وصفاته، ودلنا على كيفية تعظيمه وطلب مرضاته، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين الذي كان أعلم الناس بالله وأخشاهم وأتقاهم له، أما بعد...

فقد تكلمنا عن معرفة الله -جل وعلا- في الحلقة الماضية، وهذا شروع في بيان بعض أسماء وصفاته:

الحي القيوم: قال -سبحانه- واصفاً ذاته في أعظم آيات قرآنه (آية الكرسي): {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]، جاء في حديث أُبَيِّ بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم: (يا أبا المنذر، أتدري أَيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255] فضرب في صدري وقال: لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المنذر) [رواه مسلم].

ففي هذه الآية الكريمة وصف الله -سبحانه- نفسه العلية بأنه حي وقيوم، وهما كما قال ابن كثير، رحمه الله: "{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً، القيم لغيره... فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها ولا قوام لها بدون أمره"، وهو حي قيوم يدبر الأمور فلا تعتريه صفات النقص كالنوم أو النعاس المنافية لكونه قيوم مدبر لشؤون خلقه، وهو حي غني بنفسه لا يحتاج إلى أحد ويحتاج له كل أحد، سبحانه، {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 57 - 58]، كلنا عاجز ضعيف لولا إقامته لنا، وكلنا فقير لولا إغناؤه لنا، وكنا لا شيء فأخرجنا إلى الوجود وخلق أبانا آدم من الطين بيده وذرأ له ذريته من بعده، وقدرنا من أشرف الأجناس فامتنَّ علينا بأن فرض علينا عبادته وحبه وتعظيمه، لم يطلب منا رزقاً ولا هو بحاجة لشيء من عباداتنا ولا ننفعه طرفة عين -جل جلاله- وقد تلطف معنا غاية التلطف في الحديث القدسي فقال: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) [رواه مسلم].

وهو حي لا ينام ولا يسهو ولا يغفل طرفة عين عن تدبير عباده ورزقهم وإجابة دعائهم وتقبل عباداتهم -عزَّ وجلَّ- كما قال عنه رسوله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل وعمل الليل قبل عمل النهار) [رواه مسلم].

هو -سبحانه- القائم على كل نفس بما كسبت، يعلم سرها ونجواها، ويدبر أمورها ويربيها طوراً فطوراً، ويدلها -بفضله ورحمته- على طريق نجاتها، ثم يجازيها الجزاء الدائر بين العدل والفضل.

قال ابن القيم -رحمه الله- في النونية:

هذا وَمِنْ أوصافه القيّوم
والقيّوم في أوصافه أمران
إحداهما القيّوم قام بنفسه
والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره
والفقر من كلٍّ إليه الثّاني
والوصف بالقيّوم ذو شأن كذا
موصوفه أيضا عظيم الشانِ

و(الحي القيوم) (الحي) من له الحياة الكاملة العظيمة الجامعة لجميع معاني الذات، و(القيوم) الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع خلقه، وقام بتدبير جميع المخلوقات، فتدخل في هذا الاسم جميع صفات الأفعال الثابتة لله تعالى.

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 255]، خالق السماوات والأرض وما فيهما، ومالكهما وما فيهما، يتصرف فيها بما يشاء على مقتضى علمه، الذي وسع كل شيء وحكمته البالغة، لا شريك له في ملكه، ولا معاون له من خلقه، بل هو الذي يعينهم ويتولى أمورهم ويقضي حاجاتهم.

ثم تمَّم الله -عز وجل- آية الكرسي في شرحٍ بديعٍ لاسمه (الحي القيوم) واصفاً فقرنا إليه في الآخرة وحاجتنا إلى أن يقبل فينا شفاعة الشافعين المرضيين عنده عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، فهو -سبحانه- مالك الشفاعة، ويأذن لمن شاء بالشفاعة عنده لمن شاء، ولا يبتدئ الشافع إلا بعد إذنه، قال ابن تيمية رحمه الله: "قال أبو هريرة له، صلى الله عليه وسلم: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله... وحقيقتها أن الله -سبحانه- هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود" فالشافع والمشفوع له تحت أمر الله وإذنه!

ثم تمم {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255]، قال ابن كثير: "دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها كقوله إخباراً عن الملائكة: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله -عز وجل- وأطلعه عليه".

وتمم بيان عظمته وعظمة ملكه بذكر قيوميته وقيامه بأمور الخلق كلها: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255]، ثم بين أن كل هذا التدبير والتصريف للسماوات والأرض لا يتعبه طرفة عين {وَلَا يَئُودُهُ} [البقرة: 255]، أي لا يثقله {حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] "بل ذلك سهل عليه يسير لديه وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة إليه وهو الغني الحميد، الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر فوق عباده، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم، لا إله غيره ولا رب سواه" كما قال ابن كثير.

وللإيمان بهذين الاسمين العظيمين آثار على قلب المؤمن وأعماله، فمنها:

1- تعظيم الله -تعالى- ومحبته والتذلل له وإخلاص العمل له، واجتناب الشرك وجميع ما يسخطه، عز وجل.

2- التعلق والاستعانة بالله -عز وجل- الذي يدبر أمور جميع الخلائق، وقطع التعلق بالخلق والأسباب، مع عدم إهمال الأخذ بالأسباب الشرعية، فالله -تعالى- هو مسبب الأسباب، والأسباب لا توصل بنفسها بل بأمر الله عز وجل، والخلق لا يملك الواحد منهم لنفسه فضلاً عن غيره ضراً ولا نفعاً.

3- التوكل على الله -عز وجل- في جلب المنافع الدينية والدنيوية والأخروية، ودفع المضار في الدين والدنيا والآخرة، مع الثقة بالله -تعالى- في تحقيق ذلك، لأنه يعلم حاجات عبده، ويقدر على إصلاح شؤونه كلها، ولأنه -سبحانه- قد وعد عباده المؤمنين بأن يكفي من توكل عليه.

4- الزهد في الدنيا والسعي لإعمار الآخرة بطلب مرضاة الله وثوابه بالأعمال الصالحة، فالإنسان سيفنى وتفنى متع الحياة الدنيا، وما عند الله من الثواب والنعيم لمن عمل صالحاً هو الباقي.

فسبحان الله ما أعظم شأنه، وما أجهلنا حال عصيانه، وهو خالقنا ورازقنا ومالك رقابنا ونواصينا، وما أشد نُكراننا لجميله إذا تشبثنا بأموالنا وأولادنا، وقبل هذا وذاك أنفسنا ولم نبذلها فداً للدين.

يا حي يا قيوم أنت المرتجى
رزقا وعزاً دونه سنَحَارُ
خضعت لعزتك الخلائق كلها
أنت الكريم ودونك الإعسارُ
يا حي يا قيوم فاقبل عذرنا
من دون عفوك شَقْوة وخَسَارُ
سبحانه... سبحانه... سبحانه...

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 116
الجمعة 8 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

جنوب دمشق... فسطاطان لا ثالث لهما لقد أدرك طواغيت العالم منذ البداية فساد معدن الصحوات، وعلى ...

جنوب دمشق... فسطاطان لا ثالث لهما


لقد أدرك طواغيت العالم منذ البداية فساد معدن الصحوات، وعلى هذا الأساس كان التعامل معها.

فما أن ظهرت الجماعات المسلحة وانتشرت في الشام حتى بان جليا ضلال الهدف وضياع البوصلة، ولم تمض شهور قليلة حتى أضحت معظم تلك الجماعات تعمل كالعبيد لصالح هذه الدولة أو تلك، تمولها وتسيرها كيفما شاءت وارتأت.

ومناطق جنوب دمشق لم تكن استثناء، فقد سارت فصائلها على منهج إخوانهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، بل وزادوا عليهم.

فقد مرَّت على هذه المنطقة عشرات الفصائل والجيوش والفرق ذات الأسماء الرنانة الخاوية من مضمونها كما هو حال عقيدتها وهدفها، التي سرعان ما اضمحلت وانكشفت عمالة معظم قياداتها، وعاد المئات من عناصرها إلى حضن النصيرية طائعين خانعين أذلة كما كانوا سابقا، ومن تبقى منهم سارع إلى عقد الهدن والمصالحات مع النصيرية.

فقد كانت صحوات جنوب دمشق سباقة في هذا المضمار مفتتحة باكورته قبل نحو أربع سنوات من الآن، حينها خرج قادة الفصائل أفواجا إلى بيت الطاعة النصيري، يرافقهم رؤساء لجان المصالحة من مشايخ الردة الذين لبسوا على الناس دينهم وفتنوهم.

وإن كان شعار تلك المرحلة (وقف إطلاق النار مقابل دخول الطعام)، وهي الحجة التي بذريعتها سوَّغ قادة الفصائل لأنفسهم عقدها أمام عناصرهم وجمهورهم، وبأن هذه السياسة الشرعية من الحنكة ما يمكنهم -كما زعموا- من التقاط الأنفاس للكر مجددا على النصيرية.

ولكن يأبى الله إلا أن يفضحهم، فما هي إلا أيام حتى انكشفت تفاصيل ذلك الاتفاق، الذي يتدرج عبر مراحل تنتهي بعودة كافة عناصر الفصائل إلى صفوف الجيش النصيري، والشرط الأول والأخير بل ولبُّ هذا الاتفاق هو قتال المجاهدين.

ومع مرور الوقت تحول قادة الفصائل إلى تجار وأصحاب أموال مستغلين التسهيلات التي منحت لهم من قبل النظام للدخول بسياراتهم إلى دمشق، وإعفائهم من التفتيش عبر الحواجز، بالمقابل ثبَّت النظام أركانه داخل البلدات التي يحكمها صحوات الردة وهي (يلدا، وببيلا، وبيت سحم) بكافة المجالات الأمنية والتعليمية والخدمية والإدارية، وصارت له اليد الطولى والكلمة الفصل حتى في أدق التفاصيل اليومية.

في حين اقتصر عمل الفصائل على جني الدعم المالي المترتب عن قتال المجاهدين من جنود دولة الإسلام على حصون مخيم اليرموك وحي التضامن والحجر الأسود، إرضاء لسيدهم النصيري ولداعميهم في غرفة "موك".

ورغم عشرات المحاولات التي بذلها الصحوات لاقتحام مناطق المجاهدين، إلا أنهم كانوا في كل مرة يعودون مدحورين مثقلين بجراحهم بفضل الله، كما أن جنود الخلافة أجروا السيف على رقابهم، فلا يمر يوم أو يومان إلا ويُقتل أو يُصاب أحدهم بنيران المجاهدين، فمشهد تشييع الهلكى بات شبه يومي في بلداتهم، كما أن سيارات الإسعاف ما برحت تنقل مصابيهم إلى مشافي دمشق لتلقي العلاج.

واليوم تشهد مهزلة الصحوات آخر فصولها، خاصة بعد تيقن النصيرية أن لا طائل ولا فائدة ترجى من بقاء هذه الخراف السمان التي فشلت في المهمة الموكلة إليها وهي القضاء على المجاهدين أو التقدم على حسابهم، فهم خلال السنين الماضية عجزوا -بفضل الله- عن التقدم شبرا واحدا في أرض الخلافة، فكيف لهم بمدن وأحياء تحت سلطان الخلافة في جنوب دمشق؟!

فبالأمس وجه النظام النصيري عبر أدواته (لجان المصالحة) إنذارا أخيرا لكافة عناصر الصحوات وعوام الشباب في تلك البلدات، بالمفاضلة بين المغادرة إلى إدلب أو الانضمام إلى الجيش النصيري بشكل مباشر لقتال المجاهدين في جنوب دمشق، وفي هذا المقام لا يسع الفصائل إلا الإذعان والقبول بما قرر لها مسبقا.

ومع هذه الخطوة يكون انتهى رسميا دور الفصائل وافتضح أمرهم على رؤوس الأشهاد، مع تلاشي أكذوبة "الثورة" التي لطالما لبسوا على الناس دينهم بذريعة القتال تحت لوائها.

فيا جندي الفصائل ها هو جيش الخلافة وذاك جيش النصيرية، فسطاطان واضحان بيِّنان لا ثالث لهما، فاختر مع من تكون وأنقذ نفسك من ظلمات الردة والموت تحت لوائها، ولا تتعلق بحبال النصيرية أو تغتر بانتفاشهم الزائل قريبا بإذن الله، وما صولة التضامن عنك ببعيد.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 116
الجمعة 8 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً