الدولة الإسلامية - قصة شهيد: أقدم على عمليتين استشهاديتين ولم يُكتب له تنفيذ أيٍّ منهما أبو ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد:

أقدم على عمليتين استشهاديتين ولم يُكتب له تنفيذ أيٍّ منهما

أبو الخير القرشي:
حافظٌ لكتاب الله.. رفيعُ الأخلاق.. شديدُ الحياء.. سخيٌّ


أقدم على عمليته الاستشهادية مرتين ولكن الله -تعالى- لم يكتب له تنفيذها، وكان رحيله عندما شارك في توثيق عملية انغماسية ضد أولياء الشيطان في منطقة "شبام" في اليمن، فلما اشتد الأمر على إخوانه، وضع آلة التصوير التي يستخدمها جانبا، وقذف بنفسه إلى مجموعة الانغماسيِّين، وبايعهم على الموت في سبيل الله، ونكل بالمرتدين، إلى أن قُتل، تقبله الله.

كان رفيع الأخلاق، سامي الروح، سخياً كريماً، كثير التصدق، كثير الصمت، شديد الحياء، شديد التواضع، هادئا، نصوحا، مُتقنا لكتاب الله، مكثرا لقراءته، حافظا له، جاهد بماله ونفسه إلى أن لقي ربه، نحسبه والله حسيبه.

سأله أحد إخوانه يوما عن أمنيته فأجاب: رؤية وجه ربي الكريم، ومرافقة نبيه، صلى الله عليه وسلم، والفوز بالفردوس الأعلى.

إنه أبو الخير القرشي، من مدينة الحديدة غربي اليمن، ولد في أبها، ونشأ وترعرع في الرياض بنجد، وقُتل ولم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره.

• نشأته وشبابه:

نشأ في بيت صلاح وتقى، لكن ألهته الملهيات التي أضاعت كثيراً من الشباب، أحب الألعاب القتالية وتمرس بها، وكادت تودي به لولا أن صرفه الله عنها، ثم شُغل بمُلهٍ آخر وهو عالم كرة القدم حتى أنه احترفها، وعُرض عليه أن يلعب في أحد الأندية الخليجية، وصرفه الله مرة أخرى عنها، لم يكن بعيدا عن طريق الصلاح والصالحين، حيث كان ملتزما بحلقات القرآن الكريم، وبفضل الله -سبحانه- ثم بفضل أحد رفاقه الذين كانوا معه في الحلقة التزم فارسنا، وجَدَّ في حفظ كتاب الله، ثم بعد فترة من الالتزام والعكوف عليه حفظه بحمد الله، فأصبح مدرساً في إحدى الحلقات وإماما لأحد المساجد، وما زال رفيقه -الذي كان له الفضل بعد الله في هدايته- سببا في إرشاده إلى طريق الحق، طريق الجهاد والموحدين.

• قصة نفيره:

بعد أن أرشده صديقه إلى هذا الطريق وبعد مرور فترة من حياته، سافر رفيقه إلى ماليزيا ليتخصص في مجال الحاسوب، ورغم انشغاله في أمور الدراسة، إلا أنه ما فتئ ينسق ويبحث عن طريق يوصله لديار الإسلام، فمنَّ الله عليه أن وجد طريقاً لأرض الشام، ولكن الطواغيت المرتدين عرقلوا عليه طريق هجرته، وكان هذا الأمر في ظاهره شرَّاً، ولكنه في باطنه يحمل الخير الكثير، فكأنما أراد الله لهما وجهةً أخرى لتكون منطلق حياتهما الجهادية، فتم التنسيق والتخطيط للهجرة البديلة، حتى التقيا في ولاية صنعاء ثم اتجها نحو ولاية اللواء الأخضر (مدينة إب)، منطلق الموحدين آنذاك.

ثم بعد ذلك، انتقل فارسنا مع المجاهدين إلى ولاية شبوة، وأُمِّر على إحدى المضافات هناك، فلم يزده ذلك إلا تواضعا وتحملاً للمسؤولية، فكان يوزع المهام بين الإخوة ولا ينسى نفسه وهو أحرصهم على الخدمة، فكان لذلك الأثر الكبير على إخوانه، ومن المواقف التي حصلت أنه رسم جدولاً لعمل الإخوة في المطبخ، فاعترض الإخوة على هذا الجدول، كل منهم يريد أن يستأثر بالأجر في خدمة إخوانه، حتى رُفع ذلك إلى الأخ المسؤول ليفصل فيها.

ومما امتاز به الحرص على الجانب التوعوي للإخوة، فكان يُدرِّسهم في المضافةِ القرآنَ الكريم، ويعطيهم المواعظ الهامة وينصحهم ويبذل لهم مما منَّ الله به عليه في هذا الباب.

وأثناء وجوده في ولاية شبوة كُلِّف من قِبل الإخوة بالتدريب في أحد معسكرات الخلافة، حيث أنه كان يتمتع ببنية جسدية رياضية، فكان نِعم المدرب والمربي، تقبله الله.

• العمليتان الاستشهاديتان:

ثم عجِل إلى الله، كما نحسبه والله حسيبه، وطلب من الإخوة أن ينفذ عملية استشهادية ضد الحوثة المشركين، فوافق الإخوة على طلبه، وعندما أعدُّوا له السيارة، قدَّر الله لها أن تنفجر بسبب خلل فني قبل وقت العملية، فما يئس فارسنا وأراد الثانية، فجهَّز الإخوة له السيارة الثانية، ثم ركب فارسنا جواده وانطلق به مقبلا غير مدبر يبتغي القتل في سبيل الله مظانه، فقدر الله له تأخير أجله فلم يُوَفَّق بإيجاد هدفه، فانتظر يومين عسى الله أن ييسر له مبتغاه، حتى عاد فارسنا والحزن يعصر فؤاده، بعد أن ودع صحبه وأحبابه ليعيش معهم مرة أخرى.

• لكلِّ أجلٍ كتابٌ:

تعلم فارسنا من هذا الدرس الكبير أن الإنسان له أجل محتوم ويوم معلوم، وأن عمله في الدنيا زادٌ له يوم النعيم، فلم يكل أو ييأس، ولم يقعد لكونه استشهاديا وينتظر موعد عمليته، بل كان يحرض الاستشهاديين، وكان أكثرهم خدمة لإخوانه، ويُجدُّ ويجتهد حتى يتقبله الله، فبدأ العمل في مجال الإعلام.

انتقل فارسنا لولاية حضرموت، والتحق بالمجال الإعلامي فاختير إعلامياً ميدانياً، ولزم ذلك أن ينتدبه الاخوة ليأخذ دورة عسكرية لما يتطلب ذلك من لياقة ومرونة.

وكما يحكي إخوانه الذين رافقوه في الرحلة إلى المعسكر أنه كان مؤنساً لهم في الطريق، ينشد لهم بعض الأبيات المحرضة، ويسليهم ويذهب عنهم عناء الطريق، مضيفا أنه كان مشجعاً لإخوانه رافعا لهممهم، وكان نشيطاً في أول الصفوف، فكلفه الإخوة بإمارة إحدى السرايا.

• رحيله (تقبله الله):

كان -تقبله الله- قد أمضى ليله في تلاوة القرآن والدعاء والقيام، ثم صلى فجر صبيحة ذلك اليوم بإخوانه واستعانوا بالله ثم انطلقوا لغزوتهم.

قسمهم القائد العسكري إلى سريتين: سرية تغزو منطقة "سر" والأخرى منطقة "شبام"، وانطلق فارسنا مع سرية شبام "إعلامياً ميدانياً"، ويُذكِّر إخوانه بالله ويحرضهم ويحثهم على الإثخان في أعداء الله.

وأثناء تصويره للمعارك بين جند الرحمن وجند الشيطان، انطلق فارسنا مع الإخوة الانغماسيين ليصورهم، فانغمس الموحدون في أوكار المرتدين، وأثخنوا فيهم القتل والجراح، ثم انحازوا إلى موقع آخر قريب من المرتدين بعدما وصلت تعزيزاتهم، فاشتد الأمر على الإخوة، فأعطى فارسنا آلة التصوير التي كانت معه لأحد الإخوة وصاح بإخوانه يثبتهم ويشد من أزرهم، ثم قال: "لنتبايع على الموت"، فتبايعوا جميعا على الموت وانغمسوا، فخرج أحد المرتدين من مخبئه فانبرى له فارسنا فقتله، ثم انغمس فيهم وتقدم، لينال ما تمناه مقبلاً غير مدبر، تقبله الله.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 121
الخميس 13 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

• سبب نزول (آية التيمم) قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ ...

• سبب نزول (آية التيمم)

قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43].

قال ابن كثير في تفسيره: "ومن عفوه عنكم وغفره لكم أن شرع التيمم، وأباح لكم فعل الصلاة به إذا فقدتم الماء توسعة عليكم ورخصة لكم".

وأما سبب نزول آية التيمم، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا في البيداء -أو بذات الجيش- انقطع عقد لي، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء! فجاء أبو بكر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضعُ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء! قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته [متفق عليه].

وهكذا نزلت رخصة التيمم بسبب أمر ظنَّه المسلمون شرّاً، فكان خيرا عظيما، وفيه بيان مكانة بيت الصديق، رضي الله عنه، وما أجرى الله بسببه من خير وتيسير للمسلمين، وفيه حسن رعاية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل بيته، إذ حرص على أن يجد عقدا أضاعته زوجه، لما يعلمه من أثر فقده عليها، وهكذا يعلمنا رسول الله الرفق بأهلينا والاهتمام بهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 121
الخميس 13 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - افتتاحية العدد 121: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ بدأ إعلام فصائل ...

الدولة الإسلامية - افتتاحية العدد 121:
وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

بدأ إعلام فصائل الصحوات المرتدة بتراشق أخبار الاقتحامات للقرى والبلدات، وتبادل السيطرة بالقوة عليها بين المتقاتلين، ولكنها أخذت منحى آخر خلال الأيام الماضية، فباتت أخبار المرتدين من تحالف "جبهة تحرير سوريا" تميل إلى التواتر، بنسبة سيطرتهم على القرى والبلدات في ريف حلب الغربي وشمال إدلب إلى سكانها الذين تعاونوا معها في إخراج المرتدين من فصيل "هيئة تحرير الشام"، فيما يعترف الأخير بخسارته لهذه المناطق لصالح خصومه، مُقرا بشكل ضمني أن انسحابه جاء بسبب مطالبة الأهالي بذلك، لمنع "تحرير سوريا" من استخدام القوة في طرد "تحرير الشام" من هذه المناطق، وبالتالي إجبارها على التخلي عن هذه المناطق دون قتال.

وكذلك الأمر يحدث اليوم في ريف دمشق، وذلك بمجرد أن أعلن المشركون من النصيرية والروس، أنه لا هدنة في المناطق التي ينتشر فيها المرتدون من "تحرير الشام"، سارعت كل الفصائل المرتدة الموجودة في الغوطة إلى إعلان موافقتها على إجبار مرتدي "تحرير الشام" على الخروج منها، بعد اتفاق حلفائهم وأعدائهم على ذلك، بزعم تجنيب الغوطة مآسي القصف والقتل، الذي يحسبون أنه سيتوقف بإذعانهم لأي من شروط المشركين.

وبالتالي باتت المعادلة مفهومة للقضاء على مرتدي تنظيم القاعدة في الشام، هم وحلفاؤهم، وهي سهلة التطبيق على أعدائهم، بانكشاف أهم القواعد التي ركنوا إليها من دون الله أمام أعدائهم، فاستهدفوها بالضرب ليهوي كل بنيان أولئك المرتدين على رؤوسهم، ويجدوا أنفسهم عراة من كل درع، معزولين عن كل سند، فهم يضربون اليوم أخماسهم بأسداسهم، يدورون في تيههم بلا هدى، أملا في حدوث تغيير ينقذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه.

وهذا الأمر ليس خاصا بمرتدي القاعدة في الشام فحسب، بل وجدنا أمثلته الواضحة أيضا عند إخوانهم في اليمن وليبيا وخراسان، إذ جرى تحطيم قدراتهم، ونزع أسلحتهم لا بأيدي أعدائهم من المشركين فحسب، بل كان الدور الأكبر في ذلك لمن حسبوهم أنصارا لهم من أهل المناطق التي احتموا بها، وزعموا أنها حاضنتهم المنيعة، وأمهم الرؤوم، فإذا بها تنكشف بعد أول زلزلة، فخّا قاتلا، وعدوا لدودا.

لقد كان شعار تنظيم القاعدة منذ انكساره الأول بعد الغزو الأمريكي لخراسان، هو إرضاء الحاضنة الشعبية، وكان بعض أئمتهم المفتونين بالتنظيرات الماركسية لحرب العصابات، تبنوا سياسة إن تنصركم الحاضنة الشعبية فلا غالب لكم، وإن تخذلكم فلا ناصر لكم، فجعلوا بذلك طاعة هذه الحاضنة فوق طاعة رب العالمين، واتباع أهواء زعمائها مقدما على اتباع رسوله الكريم، ثم استحكم هذا الأمر فيهم وأصبح ظاهرا لكل ذي عينين.

وبانكشاف حقيقة هذا الأمر أمام أعداء التنظيم سهُل عليهم ضربه واجتثاثه بسهولة، وذلك بمجرد استهداف هذه "الحاضنة" بالقصف والتدمير، أو إغراء زعمائها بالأموال والمناصب، وبذلك تتجه هذه "الحاضنة" إلى العناصر غير المرغوب فيهم بالقول: أن اخرجوا من بيننا لتجنبونا القتل والدمار، أو لتأمنوا لنا تحقيق ما وعدنا المشركون بتحقيقه إن قضينا عليكم.

في حين كان وضوح الراية وصحة المنهج عامل وقاية -بفضل الله- لكلٍّ من الدولة الإسلامية ورعيتها الذين حكمتهم بشريعة الله سبحانه، وذلك بإعطائهم ما لهم من واجب حمايتهم والذب عنهم وتعليمهم دينهم، وفي الوقت نفسه طلبت منهم أداء ما توجب عليهم من جهاد في سبيل الله، وطاعة لإمامهم الذي ولاه الله أمرهم، وبذلك لم يدُر في خلد أحد من أبناء هذا المجتمع أن يطلب من الدولة الإسلامية أن تترك تحكيم الشريعة، أو أن تسلم المناطق للمشركين.

وكذلك فإن المشركين لما عرفوا أنهم لا يستطيعون الضغط على الدولة الإسلامية من خلال رعيتها، وعرفوا أنه يستحيل أن يتحول الرعية إلى أداة يستخدمونها في حربهم عليها، كان أكبر همهم أن يحيدوا أفرادها ويعزلوهم عن الدولة الإسلامية، وأن لا يُمعنوا في استعدائهم خوفا من زيادة ارتباطهم بها، ولذلك وجدنا أن قصف رعايا الدولة الإسلامية رغم كثافته لم يبلغ بحال قصف الأهالي في مناطق سيطرة الصحوات المرتدين.

وبهذا وَقَت الدولة الإسلامية نفسها من الخضوع لغير رب العالمين، وحافظت على دين رعيتها وأنفسهم، من أن يصبحوا نقطة ضعف يستغلها المشركون لإرهاب الدولة الإسلامية عن طريق الضغط عليهم، واستهدافهم في أنفسهم وأموالهم، ومنعت الكفار بذلك من مساومتهم على دينهم أو حياتهم ومعيشتهم، ومن يجتهد في تحقيق رضا رب العالمين يهده سواء السبيل، ومن يجتهد لاسترضاء الناس يوله الله ما تولى، والله لا يهدي القوم الظالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 121
الخميس 13 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

لا تَعجلنَّ لأمر أنت طالبه أخي المجاهد، لتكن الأناة مركبك ورفيقك، وإياك والعجلة فإنها تورث ...

لا تَعجلنَّ لأمر أنت طالبه

أخي المجاهد، لتكن الأناة مركبك ورفيقك، وإياك والعجلة فإنها تورث الندامة، واعلم أن الأناة خلق يحبه الله تعالى، ويرضاه من عبده.

لا تعجلنَّ لأمرٍ أنت طالبُه
فقلَّما يدركُ المطلوبَ ذو العَجلِ
فذو التَّأنِّي مصيبٌ في مقاصدِه
وذو التَّعجلِ لا يخلو من الزَّللِ

والأناة هي "التمهل في تدبير الأمور ومفارقة التعجل"، فكلما منح المرء نفسه وقتا للتمعن في الأمور والأحداث وتفاصيلها، وصل إلى نتائج أقرب إلى الصواب.

وكلما تأنَّى المرء في تصرفاته وردود أفعاله، سما بنفسه عن الصغائر وجنَّبها السفاسف، فأصبح من الذين يلتمسون الأعذار للآخرين، لا من الذين يفتشون عن إدانتهم.

ولقد مدح الرسول -صلى الله عليه سلم- صفة الأناة، عند أشج عبد القيس فقال له: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) [رواه مسلم].
ولنا في أناة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أشاع المنافقون في المدينة خبر الإفك خير مثال نقتدي به، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحدِّث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الأمر إلا بعد إشاعته بأكثر من شهر حيث كانت -رضي الله عنها- مريضة.

وما سمعَت بالأمر إلا من أم مسطح، ثم استشار -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- في الأمر، ثم سأل خادمتها بريرة عن طباعها وأخلاقها، وبعد ذلك كله ذهب رسول الله -صلى الله عليه سلم- وتحدث إلى أمنا عائشة -رضي الله عنها- وسمع منها، فلم يتسرَّع -صلى الله عليه وسلم- بالحكم من دون تبيُّن، ولم يتخذ قرارا بمجرد سماعه للإشاعة، ثم نزلت براءتها من فوق سبع سماوات.

إنها أخلاق نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي أثنى عليه الله -تعالى- بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، فلنتشبه -أخي المجاهد- بها ونتأسى بصاحبها -عليه الصلاة والسلام- فنحن أحق وأولى بها.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 121
الخميس 13 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

ثباث أهل (جُوَاثَا) على الإسلام بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب أجمعين إلا مكة ...

ثباث أهل (جُوَاثَا) على الإسلام

بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب أجمعين إلا مكة والمدينة والطائف، وقرية بالبحرين، هذه القرية هي (جُوَاثَا) التي ثبت أهلها على الإسلام، ولاقَوا في ذلك ما لاقَوا من أذى المرتدين المحيطين بهم من كل مكان، إلى أن أرسل إليهم الصديق -رضي الله عنه- العلاء بن الحضرمي الذي قضى على أهل الردة، بفضل الله.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: "فلما مات المنذر ارتد أهل البحرين وملَّكوا عليهم الغَرور، وهو المنذر ابن النعمان بن المنذر. وقال قائلهم: لو كان محمد نبيا ما مات، ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها (جُوَاثَا)، كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة كما ثبت ذلك في البخاري عن ابن عباس وقد حاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم، حتى مُنعوا من الأقوات وجاعوا جوعا شديدا حتى فرَّج الله.

وهكذا صبرت هذه القرية المسلمة في محيطٍ كافر مرتد، صبرت وثبتت على دينها لما أعلن الجميع عودتهم إلى الجاهلية والردة، حتى أذن الله بالفرج والنصر بدحر المرتدين واقتلاع شأفتهم.

قال ابن الأثير في الكامل: "وخندَقَ المسلمون على أنفسهم والمشركون، وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم، فكانوا كذلك شهرا، فبينا هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال، فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله بن حذف: أنا، فدخل عسكر المسلمين فأخبرهم أن القوم سكارى، فخرج المسلمون عليهم، فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا، وهرب الكفار، فمن بين مرتد وناج ومقتول ومأسور، واستولى المسلمون على العسكر، ولم يفلت رجل إلا بما عليه".



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (8) ذكرنا في الحلقة الماضية أن قضية المهدي من أكثر القضايا التي ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (8)

ذكرنا في الحلقة الماضية أن قضية المهدي من أكثر القضايا التي استغلها أهل الضلال في تسويق ضلالهم، واجتذاب الأنصار والأتباع إليهم، وفي هذه الحلقة -بإذن الله- سنذكر نماذج من التاريخ، تُبيِّن بعض أهم الحالات لأدعياء المهدوية أو من ألبسهم الناس هذا الثوب، فدفعوهم إلى ذلك، ببيعتهم لهم، ومناداتهم بهذا اللقب، دون رضا منهم أحيانا، ولا نعني بنسبة كل منهم إلى طائفته أن كل هذه الطائفة يدعونه بذلك، ولكن لبيان أنه قد ظهر في كل هذه الطوائف المبتدعة من نُودِيَ بالمهدية.


• مهدي الكيسانية: محمد بن علي (رضي الله عنهما)، توفي عام 83 هـ

"السيد الإمام أبو القاسم وأبو عبد الله، محمد بن الإمام علي بن أبي طالب، وأمه من سبي اليمامة زمن أبي بكر الصديق، وهي خولة بنت جعفر الحنفية. وكانت الشيعة في زمانه تتغالى فيه، وتدَّعي إمامته، ولقَّبوه بالمهدي، ويزعمون أنه لم يمت" [سير أعلام النبلاء].

وقال ابن كثير، رحمه الله: "وصارت الشيعة فرقتين، الجمهور منهم مع سليمان يريدون الخروج على الناس ليأخذوا بثأر الحسين، وفرقة أخرى مع المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة محمد بن الحنفية، وذلك عن غير أمر ابن الحنفية ورضاه، وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به، وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسدة" [البداية والنهاية].

وروي عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: "قالوا لأبي: يا مهدي، السلام عليك، قال: سبحان الله، ألم أنهكم عن هذا؟ إنما المهدي من هدى الله، عز وجل" [المستدرك].


• مهدي الرافضة: محمد بن الحسن العسكري

وهو أسطورة اخترعها غلاة الرافضة، عندما انقطعت السلسلة التي كانوا ينقلون فيها الإمامة في نسل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وذلك بوفاة إمامهم الحسن العسكري ولم يعقب، فزعموا أن له ولدا، أخفته أمه في سرداب خوفا عليه من أعدائه، في القرن الثالث الهجري، ثم اختفى وغاب عن الأنظار، وأنه لا زال حيا إلى يومنا هذا، بل سيبقى حيا حتى قبيل قيام الساعة، ليظهر على أنه المهدي، فيقيم دينهم، ويقتل أعداءهم.


• مهدي الخوارج: صاحب الزنج، هلك سنة 270 هـ

"هو طاغية الزنج، علي بن محمد بن عبد الرحمن العبدي، من عبد القيس. افترى وزعم أنه من ولد زيد بن علي العلوي، وكان منجما طرقيا ذكيا حروريا ماكرا داهية منحلا على رأي فجرة الخوارج يتستر بالانتماء إليهم، وإلا فالرجل دهري فيلسوف زنديق" [سير أعلام النبلاء].

قال ابن كثير: "وقد كان هذا اللعين -أعني صاحب الزنج المدعى إلى غير أبيه- يقول لأصحابه: لقد عُرِضَتْ عليَّ النبوة فخفت أن لا أقوم بأعبائها، فلم أقبلها" [البداية والنهاية].

قال بعض المؤرخين "وكانت أيامه مذ نجم إلى أن قتل أربع عشرة سنة وأربعة أشهر، وتنوزع في عدة من قتل من أصحاب السلطان، وغيرهم من الرجال والنساء والصبيان، بالسيف والحرق والغرق والجوع، فمنهم من يقول أن ذلك ألف ألف، وأكثرهم يرى أن ذلك لا يحيط به الإحصاء، ولا يحصره العدد كثرة وعظما" [التنبيه والإشراف].


• مهدي الباطنية: عبيد الله الباطني، هلك سنة 322 هـ

"أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية، الذين قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثُّوا الدعاة، يستغوون الجبلية والجهلة. وادعى هذا المدبر، أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق فقال: أنا عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد. وقيل: بل قال: أنا عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق. وقيل: لم يكن اسمه عبيد الله، بل إنما هو سعيد بن أحمد" [سير أعلام النبلاء].


• مهدي الأشاعرة: محمد بن تومرت، هلك سنة 524 هـ

"أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري، والمصمودي، الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي.

كان يقول لأصحابه: ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عَنَى النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين"، وأنتم تفتحون الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤم بعيسى، وحدثهم بجزئيات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشا، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة البدع، والإقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا فالسنة قد أباحت لكم قتالهم.

قال اليسع بن حزم: سمَّى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله -تعالى- عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.

إلى أن قال: فكفَّرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لن يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبة.

وقد بلغني -فيما يقال: أن ابن تومرت أخفى رجالا في قبور دوارس، وجاء في جماعة ليريهم آية، فصاح: أيها الموتى أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا" [سير أعلام النبلاء].

• مهدي البهائية: علي محمد رضا الشيرازي، هلك سنة 1266 هـ

كان هذا الطاغوت من أتباع الطريقة (الشيخية) التي يدين أتباعها بدين الرافضة المشركين، خرج على أصحابه بادعاء المهدوية، فلما وجد فيهم تصديقا لذلك، واتباعا له على هذا الباطل، زاد في غيِّه، فزعم أنه نبي موحى إليه مثل محمد وعيسى، عليهما السلام، ثم زعم أنه إله، وأن الله -تعالى- قد حل في جسده، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا، وأطلق على نفسه لقب (الباب)، قيل "باب المهدي"، وقيل "باب الحقائق".

وخلفه في دينه الباطل أتباع يطلق على أكثرهم اليوم اسم (البهائية) نسبة إلى أحد خلفائه اسمه (حسين البهاء)، الذي جمع لهم دينا ملفقا من كل ما وافق هواه من العقائد والأديان، وكتب لهم كتبا هو وخلفاؤه، هي أقدس عندهم من الكتاب المنزل من رب العالمين ويربط كثيرون بين أتباع هذا الدين والمنظمات اليهودية والماسونية العالمية.


• مهدي الصوفية: أحمد بن عبد الله الفحل، هلك سنة 1302 هـ

ينتسب إلى آل بيت رسول الله، عليه الصلاة والسلام، كان في صغره من أتباع إحدى الطرق الصوفية، قاد واحدة من أكبر حركات المقاومة ضد الإنكليز في وادي النيل، تمكنت من بسط سيطرتها على مناطق واسعة من السودان.

زعم أنه هو المهدي، وفتن الناس باسمه ونسبه وزهده وقتاله للصليبيين وانتصاره عليهم، ويروى عنه أنه كان يزعم أنه مؤيد في معاركه ضد أعدائه بالنبي، عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، والخضر، وستين ألفا من الأولياء الميتين، وبملك الموت يرسله الله معه لأخذ أرواح أعدائه، كما ينقل عنه قوله: "فيأتي النبي ويجلس معي، ويقول للأخ المذكور: شيخك هو المهدي، فيقول: إني مؤمن بذلك، فيقول، عليه الصلاة والسلام: من لم يصدق بمهديته كفر بالله ورسوله، قالها ثلاث مرات"، ويروى أن أتباعه (الدراويش) استباحوا بهذه الدعوى دماء من لم يؤمن بدينهم، وأموالهم وأعراضهم.


• مهدي القاديانية: غلام أحمد الهندي، هلك سنة 1326 هـ

ظهر في منطقة البنجاب، إبان الاحتلال البريطاني لها، وكان والده من عملاء الإنكليز، الذين أعانوا ابنه (ميرزا غلام أحمد) وساعدوا في اشتهاره بالعلم والتقوى، ليلتف الناس حوله، ويكون منهم طائفة، أساس دعوتها تثبيط المسلمين في الهند عن قتال الإنكليز.

ثم تطور به الحال بعد أن جعله أتباعه من أولياء الله الصالحين، أن زعم أنه المهدي المذكور في الأخبار، ثم أضاف إلى ذلك الزعم أن الله جمع له بالإضافة إلى المهدوية أنه هو عيسى بن مريم، عليه السلام، فادعى النبوة، ونفى أن يكون محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم النبيين، ثم تطور به الأمر وزعم أن الله –تعالى- أحيا رسول الله ليحل في بدنه، فلا يكون بذلك خلاف بين كونه -عليه الصلاة والسلام- خاتما للنبيين، وبين ادعائه للنبوة.

وكان يزعم أنه يوحى إليه من الله تعالى، وأن جبريل يتنزل عليه بالوحي، وأن شريعته ناسخة لشريعة محمد، عليه الصلاة والسلام، وكلامه مقدم عند أتباعه على القرآن، ولا زال لأتباع هذا الدين (القاديانية) انتشار في الهند، وبعض المناطق الأخرى، وهم يسمون أنفسهم (الأحمدية) نسبة إلى طاغوتهم الهالك (ميرزا غلام أحمد).


• كل الأمم تنتظر مهديا ينصر دينها

قال ابن القيم -رحمه الله- بعد حديثه عن بعض فرق أهل الضلال وما تقوله كل منها في مهديها المزعوم: "فكل هذه الفرق تدعي في مهديها الظلوم الغشوم، والمستحيل المعدوم، أنه الإمام المعصوم، والمهدي المعلوم، الذي بشر به النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخبر بخروجه. وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم الذي يخرج في آخر الزمان، فتعلو به كلمتهم، ويقوم به دينهم وينصرون به على جميع الأمم. والنصارى تنتظر المسيح، يأتي قبل يوم القيامة فيقيم دين النصرانية، ويبطل سائر الأديان، وفي عقيدتهم نزع المسيح الذي هو إله حق من إله حق من جوهر أبيه الذي نزل طامينا، إلى أن قالوا: وهو مستعد للمجيء قبل يوم القيامة.

فالملل الثلاث تنتظر إماما قائما يقوم في آخر الزمان" [المنار المنيف].

فهذه عينة مختارة من أبرز من ادعى المهدوية، أو لُقبوا بذلك، وقد رأينا كم كان وراء تلك المزاعم من فتن كبيرة في الدين، فعلى أساس هذا الزعم نشأت طوائف وأديان، وسفكت دماء، واستبيحت أموال وأعراض.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

(إنما الصبر عند الصدمة الأولى) قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة ...

(إنما الصبر عند الصدمة الأولى)


قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [رواه البخاري]، وفي رواية أخرى عند ابن ماجه عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله سبحانه: (ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض لك ثوابا دون الجنة).

ولحديث الإمام البخاري قصة حدثت مع امرأة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بامرأة تبكي عند قبر فقال: (اتقي الله واصبري)، قالت: إليك عنِّي فإنك لم تُصب بمصيبتي ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي، صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) [رواه البخاري].

والمعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أمر المرأة بالصبر أنكرت عليه ذلك، لكنها لما عرفت أن الذي خاطبته هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءت إلى بيته معتذرة، فأعلمها أن تحقيق الصبر، الذي يؤجر عليه المسلم أجرا عظيما هو ما يظهره المسلم من التسليم بقدر الله عندما يلقى صدمة المصيبة بالصبر، فقد يبكي الإنسان وهو صابر وقد يكون غير ذلك.

ولذا فليكن المسلم حريصا على تمثل الصبر عند وقوع المصائب، وليحرص على ألا يقول كلمة أو يفعل فعلاً ينقص من أجره، وما عند الله خير وأبقى، وليعلم أن الله -عز وجل- بشَّرَه فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ عمل الصليبيون الروس منذ ...

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ

عمل الصليبيون الروس منذ احتلالهم لبلدان المسلمين على تنصير أهلها، فإن لم يتمكنوا من ذلك أجبروهم على الانتقال منها إلى مناطق أخرى يضيعون فيها وسط الكثرة الغالبة من النصارى، أو يتعرضون للفناء بسبب البرد والجوع، وبالمثل يقومون بنقل أعداد كبيرة من النصارى إلى مناطق المسلمين، كي يجعلوا لهم سندا في هذه الأرض، وذريعة دائمة للتدخل فيها.

ولم يتغير هذا الحال في عهد البلاشفة الشيوعيين، فالنزعة القومية السلافية لقادة الاتحاد السوفيتي، وحقدهم الأعمى على الإسلام وأهله، خاصة مع المقاومة الشديدة التي تعرضوا لها في مناطقهم على مدى تاريخ احتلالهم لها، دفعتهم إلى تعزيز السياسة الصليبية القديمة، القاضية بالعمل على إضعاف الوجود الإسلامي في هذه المناطق، من خلال إبعاد أهلها عنها، أو دفعهم إلى تغيير دينهم نحو الإلحاد أو النصرانية، وكذلك عبر تكثيف هجرة النصارى والملاحدة إليها من مناطق أخرى.

ولقد كان هؤلاء النصارى المستوطنون في بلدان المسلمين كمناطق القوقاز وجزيرة القرم ودول آسيا الوسطى وغيرها، من أهم الأوتاد التي غرسها الروس في هذه المناطق لتثبيت هيمنتهم عليها، وهم اليوم من أقرب أعوان الطواغيت الحاكمين لتلك البلدان، ولذلك فإن أي جهد يبذله المسلمون لانتزاع هذه الأرض من القبضة الروسية، وإخراجها من تحت حكم الطواغيت يصطدم غالبا بالوجود الصليبي المستوطن لها، قبل اصطدامه بالحشود العسكرية التي سيوجهها الكرملين من مناطق الأورال وحوض الفولغا، وسيبقى هؤلاء المستوطنون أوفياء لإخوانهم في موسكو، يوالونهم على المسلمين، فيتجسسون عليهم، وينشرون الفساد بين أبنائهم، ويكونون على أهبة الاستعداد دائما لحمل السلاح إلى جانبهم، دفاعا عن مصالح أمتهم القومية، ودينهم النصراني.

ولكن من ناحية أخرى، فهؤلاء النصارى المحاربون من أجبن الناس، وأحرصهم على الدنيا، وأشدهم كراهية للموت، ولا يزال المعايشون لهم يعرفون مدى الرعب الذي يعض قلوبهم، كلما سمعوا كلمة التوحيد من فم مسلم، أو تكبيرة للصلاة من مئذنة مسجد، خوفا من أن يكون ذلك إيذانا بانطلاق الجهاد الذي يستأصل شأفتهم من هذه الأرض، ويمحو شركهم عنها، ويكتم كل فم ينطق بالتثليث والكذب على الله بزعم الزوجة والولد له، سبحانه عما يصفون، أسوة بباقي إخوانهم من المشركين والمرتدين.

وهكذا كان الهجوم الذي نفَّذه المجاهد الفذ (خليل الداغستاني) صبيحة يوم الأحد، أمام أحد كنائسهم في القوقاز، والذي مكَّنه الله فيه من قتل عدد من الصليبيين النصارى، وجرح بعض إخوانهم من المرتدين، فهو -بإذن الله- شارة انطلاق سلسلة من الهجمات الدامية التي ستنال النصارى المحاربين في كل المناطق التي تحتلها روسيا من بلاد المسلمين، والتي ستُمَكِّن من قتل عدد كبير منهم جزاء لهم على كفرهم بالله العظيم، بينما ستزرع الهلع والرعب في قلوب مئات الألوف من إخوانهم، ليولوا على أدبارهم هاربين، لاحقين بإخوانهم، عائدين من حيث جاء آباؤهم وأجدادهم.

وهذا الأمر سيدفع الطواغيت الحاكمين لتسخير كل إمكانياتهم الضعيفة أصلا في حماية هؤلاء النصارى إرضاءً لساداتهم في موسكو، وهو ما سيستنزف تلك الإمكانات ويجعلهم مكشوفين أكثر، هم وجنودهم، أمام ضربات المجاهدين، كما سيدفع حكام موسكو إلى توجيه دعم كبير مالي وعسكري لهم، لتعزيز قدراتهم على حماية الوجود الروسي في مناطق حكمهم، وكذلك لحماية تلك الحكومات الشكلية التي يدير الروس من خلالها هذه المناطق، وبالتالي استنزاف الخزانة الروسية التي بدأت مواردها تشحُّ شيئا فشيئا بفعل المشكلات المتصاعدة مع الصليبيين الغربيين، وتعريض دولة روسيا لمزيد من الإضعاف -بإذن الله- على المدى البعيد.

إن الأمر الذي ندعو إليه لا يتطلب جماعات كبيرة العدد من المقاتلين المدرَّبين، ولا أسلحة شديدة الفتك والتدمير، ولكنه -في هذه المرحلة- يحتاج مجاهدا يحمل في قلبه إيمانا راسخا بالله عز وجل، وحبا للشهادة في سبيله، ومستوى عاليا من البراء من المشركين يدفعه إلى التقرب إلى الله بدمائهم، يستعمل ما أمكنه الحصول عليه من سلاح في الإثخان بأعداء الله، والتنكيل بهم.

وليعلم كل مسلم، أن دماء أولئك النصارى المحاربين، وأموالهم مباحة، وكذلك أسر من تيسر منهم، وافتداؤهم بالمال أو بفكاك أسارى المسلمين، فلا يبخس أحد من المعروف شيئا، قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

العفو يقربك إلى الله أخي المجاهد اعلم أن من أسمى الأخلاق التي حث الإسلام على الاتصاف والتحلي ...

العفو يقربك إلى الله


أخي المجاهد اعلم أن من أسمى الأخلاق التي حث الإسلام على الاتصاف والتحلي بها هي خلق العفو عمن أساء وظلم، وهو الخلق الذي يُقرب العبد من ربه، ويجعله ممن يأمل عفوه يوم لا ينفع مال ولا بنون.

قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149].
قال ابن كثير في تفسير الآية: "إن تُظهروا أيها الناس خيرا، أو تُخفوه، أو تعفوا عمن أساء إليكم، فإن ذلك مما يقربكم من الله ويُجزل ثوابكم لديه، فإن من صفاته -تعالى- أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم".

وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40].

وقال لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

قال ابن جرير الطبري في تفسيره: "خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم، وقد أُمر بذلك نبي الله في المشركين" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدَّعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم) [رواه البخاري].

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟"، فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: (اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة) [رواه أبو داود].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم].

وقال الحسن البصري: "أفضل أخلاق المؤمن العفو".

وقال الأحنف بن قيس: "إياكم ورأي الأوغاد"، قالوا وما رأي الأوغاد؟ قال: "الذين يرون الصفح والعفو عاراً".

وأما صور عفو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمّن أساء إليه فهي كثيرة، منها أنه عفا عن الأعرابي الذي أتاه وهو نائم تحت الشجرة فأخذ سيفه وقال له: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، وتمكن منه رسول الله ثم عفا عنه.

وعفا كذلك عن الأعرابي الذي جذبه من ردائه وحمَّر رقبته وطلب منه المال، فالتفت إليه -صلى الله عليه وسلم- ولم يعنفه وأمر له بعطاء، وعفا عن ثمامة بن أُثال بعدما أسره بَعْثُ رسول الله قِبَلَ نجد، وكان العفو سببا في إسلامه، وعفا عن المرأة اليهودية التي سممته، وعفا عن أهل مكة بعد فتحها، وعفا عن أبي سفيان يوم فتح مكة، وخصَّه بما هو أكثر من العفو عندما أعلن أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن، وعفا عن أهل ثقيف بقوله لملك الجبال: (أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا).

إذن فالتاريخ يثبت أن المسلم يحقق بالعفو ما لا يحقق بضده، وفوق ذلك أن من اتصف به فهو متأس بالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر على نهجه وراج من الله عزوجل عفوه ورضاه، فكما تدين تدان.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 120
الخميس 6 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

لا يفتأ الناس ينظرون إلى الصراع بين الحق والباطل بالنتائج المادية التي يبنون عليها مواقفهم وردود ...

لا يفتأ الناس ينظرون إلى الصراع بين الحق والباطل بالنتائج المادية التي يبنون عليها مواقفهم وردود أفعالهم، فمن الناس من حسم أمره بالقعود والنكول عن أمر الله لما رأى في نظره أن الأمر محسوم لصالح أقوى القوتين المتصارعتين على ميدان أرض الله الواسعة، وهما قوة الحق وقوة الباطل، فيظن الباطل غالبا والحق مغلوبا، وما درى أن العاقبة لأهل الحق والتقوى والإيمان، ومنهم من يميل مع القوة حيث مالت فيُظهر الإيمان تارة ويظهر الكفر تارة أخرى حسب النتائج التي تلبي مصالحه وهواه، ومنهم من ينظر من بعيد حتى إذا كانت الدائرة لأهل الإيمان ادعى أنه كان منهم ومناصرا لهم، وإذا كانت الدائرة لأهل الباطل قال قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيدا، وبين هذه الأصناف تبقى ثلة مبصرة اجتباها الله من بين الخلق كلهم، فلم تكترث للكثرة الخائبة المرتكسة، ولم تتأرجح في المواقف ولم تتردد قلوبهم أو تشك في موعود الله تبارك وتعالى، ولقد آنسهم ربهم -جل في علاه- فيما حكاه من الحوار مع الكفار ومشاهد العذاب التي لو تأملها المؤمن وقارن بين عاقبته وعاقبة أعداء الله، لهانت عليه كل بلية يلقاها في دنياه من أعدائه، ولتضاءلت في نظره كل الأخطار المحدقة به، التي يراها بأم عينه، فلنتأمل بعض تلك الحوارات وبعض تلك المشاهد الرهيبة من الانتقام والعذاب الخالد السرمدي.

لقد أخبر الله -تعالى- عباده الموحدين أن حوارات ستقع مع الكفار لما كان منهم من استهزاء بآيات الله -تعالى- والكفر بها ونصب العداوة لأولياء الله والسخرية منهم والضحك عليهم، كما أخبر الله -تعالى- عن حوارات أخرى بين التابعين والمتبوعين، وحوارات بين أهل الإيمان وأهل الكفران في الآخرة، وتلك المشاهد لا تغيب عن قلوب الصادقين الذين لا ينظرون إلى الصراع الدنيوي بنتائجه العاجلة، لأن الربح كل الربح عندهم هو الجزاء الجزيل من الرب الجليل يوم القيامة، وأن الله -تعالى- توعد الكفار بعذاب سرمدي سيراه المؤمنون ويحمدون الله -تعالى- على نعمة الهداية والنجاة من مصائر الكفار وسوء عاقبتهم، كما أنهم سيضحكون من الكفار يوم القيامة وتقر أعينهم بذلك الانتقام الذي ينزله الله بالقوم الكافرين.

وهنا سنتعرض إلى الحوار الذي أجاب الله به الكفار، والذي أجاب به ملائكته عن أسئلة الكفار والمجرمين بهذا الشأن والحكاية القرآنية عن حالهم ومآلهم، نسأل الله العفو والعافية، ومن الروايات التي جمعت بعض تلك الحوارات هو ما رواه الإمام الطبري -رحمه الله- إذ قال: "قال محمد بن كعب: بلغني، أو ذُكر لي، أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، فردُّوا عليهم ما قال الله، فلما أيسوا نادَوا: يا مالك، وهو عليهم، وله مجلس في وسطها، وجسور تمرُّ عليها ملائكة العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: يا مالك، ليقض علينا ربك، سألوا الموت، فمكث لا يجيبهم ثمانين ألفَ سنة من سني الآخرة، أو كما قال، ثم انحط إليهم، فقال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [سورة الزخرف: 77]، فلما سمعوا ذلك قالوا: فاصبروا، فلعلَّ الصبر ينفعنا، كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله، قال: فصبروا، فطال صبرهم، فنادوا {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [سورة الرعد: 21]، أي مَنْجى، فقام إبليس عند ذلك فخطبهم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [سورة الرعد: 22]، فلما سمعوا مقالته، مَقَتُوا أنفسهم، قال: فنُودوا {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [سورة غافر: 10] الآية، قال: فيجيبهم الله {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [سورة غافر: 12]، قال: فيقولون: ما أيسنا بعد، قال: ثم دعوا مرَّة أخرى، فيقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [سورة السجدة: 12]، قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [سورة السجدة: 13]، يقول الرب: لو شئت لهديت الناس جميعا، فلم يختلف منهم أحد {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}


يقول: بما تركتم أن تعملوا ليومكم هذا {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أي تركناكم {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة السجدة: 13 - 14] قال: فيقولون: ما أيسنا بعد، قال: فيدعون مرَّة أخرى: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [سورة الرعد: 44] قال: فيقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سورة الرعد: 44 - 45] ... الآية، قال: فيقولون: ما أيسنا بعد، ثم قالوا مرَّة أخرى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} قال: فيقول: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [سورة فاطر: 37]، ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [سورة المؤمنون: 105]، فلما سمعوا ذلك قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي: الكتاب الذي كُتب علينا {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [سورة المؤمنون: 106 - 107] الآية، فقال عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة المؤمنون: 108 - 111]، قال: فلا يتكلمون فيها أبدا، فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض، فأطبقت عليهم، قال عبد الله بن المبارك في حديثه: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه قال: فذلك قوله: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [سورة المرسلات: 35 - 36]" [تفسير الطبري].

فما أعظم تلك المشاهد الرهيبة من العذاب الطويل الخالد بأهل الكفران! وما أعظم الأجوبة التي تلقاها الكفار، التي تبين فداحة جرمهم وكفرهم بالله -تعالى- وحرابة دينه وأوليائه!

تلك الحوارات وتلك المشاهد هي أنيس كل مجاهد يحاربه من استكبر عليه وعلى إخوانه من قبل أمم الكفر والبغي، فحاربوه وأذاقوه البلاء والفتنة، وأظهروا له العداء والاستهزاء والسخرية ورموه بالضلال، {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} [سورة المطففين: 32]، وهذا ما تفعله وسائل إعلام المرتدين والصليبيين اليوم، وهنا يتجلى مشهد آخر، لو تأمله المجاهد الموحد لازداد قلبه اطمئنانا واستئناسا ورضى، فكما يرى المؤمن الموحد مشاهد الضحك والاستهزاء به ورميِهِ بالضلال من قبل الكفار في الدنيا، فسيكون هو من يضحك منهم في الآخرة وهم يُعَذبون، وبهذا الشأن قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29 - 34].

قال الإمام الطبري: "كان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذَّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرَّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم" [تفسير الطبري].


وهذا المنظر الذي ينظر إليه المؤمنون لهو أشفى لصدورهم من كل انتقام دنيوي قد نراه أحيانا في الكفار، لأن أقصى ما يمكن فعله بهم في الدنيا هو قتلهم، والله -تعالى- عبَّر عن قتل الكفار بأنه عذاب لهم بأيدي المؤمنين، وذلك لأن رحلة العذاب للكفار تبدأ بعد القتل، فتبدأ صور العذاب النفسي والجسدي للكفار في اليوم الآخر، فيرى ذلك أهل الإيمان عيانا، ويقدر لهم أن يحاوروا الكفار الذين يرون الماء الطيب والرزق الذي حباه الله به عباده الصابرين، كما في قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف: 50].

قال الإمام البغوي: "قال عطاء عن ابن عباس: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار في الفَرَج، وقالوا: يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فينظروا إلى قرابتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فيعرفونهم، ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم، فينادي أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم، وأخبروهم بقراباتهم: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة الأعراف: 50]" [تفسير البغوي].

ولعل من يقرأ هذه الآيات يجد أن نعمة الهداية هي محض فضل عظيم خصَّ به الله -تبارك وتعالى- أهل طاعته وأسكنهم دار مقامته وانتقم لهم من الكفار في الدنيا والآخرة، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة الجاثية: 36 - 37].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

سبب نزول { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ ...

سبب نزول
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا }

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2 - 3].

قال ابن كثير في تفسيره: "أي: ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله... وقال محمد بن إسحاق: جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أُسِر ابني عوف. فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله)، وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه، فخرج، فإذا هو بناقة لهم فركبها، وأقبل فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم، فاتبع أولها آخرها، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوف ورب الكعبة. فقالت أمه: واسوأتاه، وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد؟ فاستبقا الباب والخادم، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا، فقصَّ على أبيه أمره وأمر الإبل، فقال أبوه: قِفا حتى آتِيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسأله عنها، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (اصنع بها ما أحببت، وما كنت صانعا بمالك)، ونزل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}" [تفسير القرآن العظيم].

نسأل الله أن يجعلنا من المتقين، ويفرِّج عنا ما نحن فيه، ويرزقنا من لدنه رزقا طيبا مباركا فيه.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

جيش السيسي والحملة الإعلامية الكبرى سبَّبَ التنازع بين عدد كبير من الأطراف على النصر الموهوم ضد ...

جيش السيسي والحملة الإعلامية الكبرى

سبَّبَ التنازع بين عدد كبير من الأطراف على النصر الموهوم ضد الدولة الإسلامية شعورا جديدا بالنقص عند طاغوت مصر (عبد الفتاح السيسي)، فأراد أن يقدم طلب انتساب إلى نادي "المنتصرين"، فيلقي بقلمه بين أقلامهم، ويزاود عليهم من خلال الزعم أنه هو صاحب "الانتصار الحقيقي" على الدولة الإسلامية، خاصة بعد انتشار الأساطير الكثيرة عن انتقال جنودها من العراق والشام إلى سيناء خلال الأشهر الماضية.

وقد أطلق الطاغوت على حملته الأخيرة مسمى غريبا هو (سيناء 2018)، الذي يشبه إلى حد كبير أسماء المعارض والمهرجانات والمنافسات الرياضية أكثر من الأسماء الشائعة للحملات العسكرية، ربما ليمحو من الذاكرة الحملات العديدة التي أطلق على كثير منها مسمَّى (حق الشهيد)، والتي لم يحصد منها حقا ولا باطلا، وصدق على حال جيشه بعدها المثل القائل: "ذهب يطلب ثأر أبيه، فأورث أبناءه عار الهزيمة".

أسماء أخرى أطلقها إعلام الطاغوت وحلفائه على هذه الحملة، من قبيل "العملية الشاملة" أو "الحملة الكبرى" أو "حرب أكتوبر الثانية" وغير ذلك من التسميات التي لا يخفى الجانب الدعائي من ورائها، والتي يقصد منها -ولا شك- تضخيم نتائج هذه الحملة مسبقا، واستباق أحداثها بالحديث عن منجزات هائلة متوقعة منها، ليس أقلها "حسم قضية الإرهاب في سيناء"، و"استعادة الجيش المصري لهيبته"، وذلك في اعتراف مخز بأن هذا الجيش أصبح محط سخرية أهل مصر قبل سواهم من سكان هذا العالم، وذلك بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقاها على أيدي الثلة المجاهدة من جنود الخلافة في ولاية سيناء.

وكل هذا في ظل تحوُّل هذا الجيش العملاق إلى كيان معقد من المؤسسات التي تقوم بوظائف إنتاجية وخدمية كبيرة، تؤمن مصالح طبقة الضباط الطفيلية التي تحولت منذ انقلاب "الضباط الأحرار" إلى طبقة اجتماعية اقتصادية منفصلة عن بقية طبقات المجتمع المصري، ربما في استمرار لحالة دارجة في هذا البلد منذ عهد المماليك، مع الفارق أن العسكريين المماليك كانوا على الإسلام، عبيدا مملوكين رغم إرادتهم، أما المماليك الجدد من ضباط الجيش المصري فهم مرتدون يختارون العبودية للطواغيت بأنفسهم، طمعا في الحصول على المكاسب التي تدرها هذه العبودية عليهم.

ومِثل إخوانه من طواغيت العراق والشام وإيران وروسيا وأمريكا، سيخرج السيسي قريبا ليعلن "النصر الكبير" على الدولة الإسلامية، ويعلن سيناء "منطقة محررة من الإرهاب" ثم يدس رأسه في التراب بعد أول عملية لجنود الخلافة تنسف كل أكاذيبه، وتفتح الباب أمام الجيش المصري المرتد ليعلن عن حملة جديدة أكبر من "الكبرى" للقضاء على المجاهدين في ولاية سيناء.

وكما أن قيادة الحرب على المجاهدين في العراق قد شهدت ثلاثة رؤساء أمريكيِّين، وعددا أكبر من رؤساء الحكومات في العراق، ولا زالت دولتهم باقية وجهادهم مستمرا، فكذلك المجاهدون في سيناء تناوب على حربهم 5 من الطواغيت الحاكمين لأرض مصر، ولن تنكسر شوكتهم، ولن يتوقف جهادهم في عصر السيسي مهما طال بإذن الله، بل نسأل الله أن تكون نهاية حكمه على أيدي جنود الخلافة وهم يغزونه في عقر داره، ويجعلون من قاهِرَتَيه القديمة والجديدة أرض إسلام، يقام فيها الدين كاملا غير منقوص، وتُحكَّم فيها شريعة الرحمن لا مصدر غيرها للتشريع والحكم.

ومما يجدر التذكير به هذه الأيام، أن يسعى المجاهدون في كل مناطق مصر لتصعيد هجماتهم على المرتدين والنصارى المحاربين وعموم المشركين من السياح وغيرهم، وذلك أن الهدف الأكبر للطاغوت السيسي من حملته على جنود الخلافة في سيناء أن يُظهِر قضاءه على الجهاد في الأرض التي يحكمها، وإن أي هجوم في داخل مصر من شأنه أن يفضح عجزه، ويبين لحلفاء السيسي أنه غير قادر على ضبط الأمن في مناطق سيطرته الأساسية فضلا عن المناطق الطرفية، كسيناء والصحراء الغربية ومناطق أسوان والصعيد، ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 119
الخميس 29 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً