الصحوات والمخابرات قصة مكرَّرة   مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة ...

الصحوات والمخابرات قصة مكرَّرة
 
مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة عن طريق استدعاء كلٍّ منها لمن تستطيع من قادة الفصائل لإغرائهم بالأموال والدعم والإشهار في وسائل الإعلام، لقاء قبولهم جعل قرارات فصائلهم تابعة لأهواء الداعمين، وقد وجدوا منهم أكثر مما يحتاجون لتنفيذ مخططاتهم عددا، وأقل مما كانوا مستعدين لدفعه لقاء الحصول على خدماتهم ثمنا.

حينها كان ردُّ كثير من أولئك المرتدين لتبرير ارتباطهم بمخابرات الطواغيت الزعم أنهم يخادعون تلك الأجهزة للحصول منهم على الدعم والتمويل، نافين رغبتهم في تحقيق أي من مطالب الطواغيت، والحلف بأغلظ الأيمان أنهم مجاهدون صادقون في سعيهم لتكون غاية جهادهم إقامة الدين وتحكيم الشريعة.

ولم يطل بهم زمان حتى بدأوا يفعلون كل ما حذرهم منه المجاهدون، فبدأت التصريحات تخرج من قادة الفصائل تتراً يعلنون فيها رغبتهم في إقامة "الدولة المدنية" وإرساء الديموقراطية، ثم تكشفت أسرار اللقاءات في أنطاكيا وإسطنبول عن اتفاقات وقَّع فيها قادة الفصائل على قتال الدولة الإسلامية لقاء حصولهم على الدعم، ومع ذلك استمروا في كذبهم زاعمين أن هذا جزء من خطة خداعهم للطواغيت والصليبيين، منكرين عزمهم على تنفيذ ما تعهدوا لأوليائهم بتنفيذه.

ولا شك أن قادة تلك الفصائل ارتدوا عن دينهم بمجرد نطقهم بالكفر أو توقيعهم عليه، ولو زعموا أنهم لم يؤمنوا بما قالوه أو وقَّعوا عليه، وتبعهم في كفرهم أتباعهم لمَّا ثبتت لديهم أفعال قادتهم ثم بقوا موالين لهم، منتمين إلى طوائفهم المرتدة.

ولكن على الجانب السياسي من الموضوع، يستغرب المرء كيف زيَّن الشيطان لهؤلاء سوء أعمالهم، وتخيلوا لحين من الزمن أنهم أذكى من أجهزة المخابرات الكافرة، بحيث يتمكنون من خداعهم فيأخذون منهم الأموال والسلاح دون أن يحققوا لهم ما أرادوه منهم، متناسين أن هذه الأجهزة تعمل منذ عشرات السنين في هذا الميدان، الذي كانوا ولا زالوا فيه أغرارا، وأن أولئك الطواغيت لن يقدِّموا لهم طلقة واحدة حتى يتأكدوا أنها لن توجه إلا إلى الجهة التي يريدون، وأن كل فصيل كان يخضع لجهاز مخابرات ما فإنه كان يخترق فورا بعدد كبير من الجواسيس الذين ينقلون أدق المعلومات عن الفصيل إلى الممولين، خاصة في ظل الصراعات على السلطة داخل كل فصيل، وسعي كل متنفذ فيه إلى السيطرة على خط الدعم عن طريق إرضاء الممولين.

ولم يطل الزمان بتلك الفصائل حتى وقعت تماما تحت سيطرة أجهزة المخابرات، وتحوَّلت إلى مجرد أوراق تفاوض في أيدي الطواغيت، وكان أي فصيل يحاول أن يبدي أي نوع من التمرُّد يستدعى قادته فورا للقاء أسيادهم فإن لم يعودوا للطاعة المطلقة يجري إبلاغهم بصعوبة الاستمرار في تمويلهم، ما يعني قطع الدعم عنهم وحجب الرواتب عن أتباعهم، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تحولهم إلى فصائل أخرى لا زال تمويلها مستمرا، وبالتالي سيفكر ألف مرة قبل أن يقرر معصية أي أمر يأتيه من أولياء نعمته.

وهكذا رأينا تفرغ تلك الفصائل المرتدة لقتال الدولة الإسلامية لسنوات لم يفتحوا فيها معركة واحدة ضد النظام النصيري، لأن التمويل كان مخصصا لقتال الموحدين دون المشركين، كما حدث في ريف حلب الشمالي، وهكذا أيضا رأيناهم يسلمون المدن وينسحبون من المناطق دون قتال لأن داعميهم اتفقوا مع الروس والأمريكيين على ذلك، كما حدث في مدينة حلب ومنطقة الساحل وريف حلب الجنوبي، وهكذا رأينا جبهات كاملة يمنع فيها فتح أي معركة ضد الجيش النصيري ليتمكن من نقل قواته منها إلى جبهات أخرى مشتعلة، ثم يعود إليها بعد سنوات ليستلم المناطق من الصحوات، بعد أن يهجِّرهم وأهاليهم ومن وثق بهم إلى مناطق أخرى بعد أن يتحصلوا على الإذن بذلك من الداعمين، كما يحدث اليوم في الغوطة، ويتوقع له الحدوث أيضا في حوران وريف حمص الشمالي.
إن أكثر ما جرى في الشام من نكبات سببه مقاتلو الصحوات المرتدون الذين سلموا الساحة لأجهزة المخابرات لتحرف فوهات البنادق فيها إلى صدور الموحدين بعد أن كانت مسلطة على رؤوس النصيرية، ثم تقرر إسكات تلك البنادق بالكلية بعد أن أدت الغرض من توظيفها، وتسليمها إلى الجيش النصيري ليستعين بها على قهر المسلمين.

إن قصة الصحوات والمخابرات في الشام ليست وحيدة ولا فريدة، فما من ساحة جهاد إلا وعبثت فيها أجهزة المخابرات الكافرة، بعد أن وجدت من يرتزق بدينه، ومن يتاجر بمن يتبعه، والسعيد من اتعظ بغيره، والله لا يهدي القوم الكافرين.
 


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الذين إن مكنَّاهم فـي الأرض (1) إن قضية الشعارات في كثير من الأحزاب والتنظيمات لا تتعدى كونها ...

الذين إن مكنَّاهم فـي الأرض (1)

إن قضية الشعارات في كثير من الأحزاب والتنظيمات لا تتعدى كونها -غالباً- وسيلة لحشد الأتباع، وتحسين صورة الجماعة، وعلى هذه السنَّة تمضي بعض الجماعات المنتسبة إلى الإسلام، الزاعمة للجهاد في سبيل الله.

فعلى مدى قرن من الزمان، تابع المسلمون في كل مكان ولادة كثير من التنظيمات التي تتبنى أكثرها شعارات متقاربة، ثم تدَّعي أن لكل منها وسيلة مختلفة في تحقيق تلك الشعارات، التي كان ولا يزال شعار "إقامة الدولة الإسلامية" هو أشهرها وأكثرها انتشاراً، فنجد أن التنظيمات المقاتلة، والأحزاب المنغمسة في شرك الديموقراطية، وغيرها من التجمعات ذات التوجهات الدعوية أو العلمية أكثرها يزعم أن هدفه الحقيقي من كل نشاطاته هو أن تؤدي إلى "إقامة الدولة الإسلامية، وتحكيم الشريعة"، ويجادل أتباع كل منها بأن وسيلته هي المثلى، وأن وسيلة غيره لن تؤدي إلى غير تضييع الأعمار والأموال والخبرات فيما لا طائل منه.

ولقد كان تحقيق حلم الخلافة من قبل الثلة المجاهدة من الموحدين في العراق والشام، ومن انضم إلى جماعتهم من المجاهدين في شرق الأرض وغربها، زلزالاً عنيفاً هزَّ تلك التنظيمات، وعاصفة هوجاء اقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم، وذلك لما وجد أتباعها أن ما كان يمنيهم به زعماؤهم من خلال الطرق البدعية، حققه الموحدون باتباع طريق السنة القويم، بجهاد المشركين حتى إزالة الشرك من الأرض، وإقامة دين الإسلام مكانه، وتحويل الأرض بذلك إلى دار إسلام، تحكمها جماعة المسلمين بشرع رب العالمين.


• شروطٌ بدعيَّة لإقامة الدين:

ولما تبين للناس أن قضية "إقامة الدولة الإسلامية" لم تكن مجرد شعار دعائي عند جنود الدولة الإسلامية، بل كان عهداً عزم المجاهدون أن يحققوه، وصدقوا الله في ذلك -نحسبهم- فصدقهم -سبحانه- بأن مكن لهم في الأرض، خرج أفراد تلك التنظيمات يطالبون زعماءهم بتصحيح سعيهم، وتوضيح رايتهم، وإقامة الدين فيما مكًّنهم الله فيه من الأرض، بل ودعوهم إلى الانضمام إلى جماعة المسلمين، ومبايعة إمامها على السمع والطاعة، الأمر الذي هدد بنقض تلك التنظيمات التي فرقت المسلمين، وما زادتهم إلا خبالاً، فوجد أرباب تلك التنظيمات أنفسهم محاصرين بالأدلة الشرعية، التي تلزمهم بالخضوع لحكم الله في هذه القضايا، فما وجدوا عنها محيداً إلا أن يبتدعوا في دين الله، ويخترعوا فيه أحكاماً جديدة، يحسبون أنهم بخداعهم لأتباعهم من خلالها ينجون من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وهكذا وجدنا سفيه القاعدة في اليمن المدعو (قاسم الريمي) يخرج محاضراً في أتباعه شارحاً "مفاهيم" منهج القاعدة، ساعياً من خلال ذلك إلى نقض شرعية الدولة الإسلامية، بل وتأثيم مجاهديها، لأنهم قاموا -بحسب جهله المُركّب- بفعل غير شرعي، وهو تحكيم شريعة رب العالمين على أرضه، مستدلاً على ذلك بعدم تحقيقهم لما ابتدعه من شروط ما أنزل الله بها من سلطان.

والشرط الذي يكتمل لإقامة الدولة الإسلامية -بحسب قوله- هو عدم تحقق التمكين في الأرض للمجاهدين اليوم، طالما بقيت أمريكا وغيرها من الدول المتجبرة قادرة على نقض هذه الدولة، كما حدث مراراً مع من أعلنوا دولا وإمارات سمَّوها إسلامية، خلال العقود الماضية.

وبالتالي فإن وصف التمكين -بحسب هذا الاستدلال البدعي- يتحقق إذا ضمن من يقيمها أن لا يتمكَّن عدوُّہ من إزالتها أبداً، وأما إذا تحقق التمكين وفي الأرض من الدول القوية التي يمكنها الهجوم عليها وإزالتها فإن إقامة الدين وتحكيم الشريعة فيها -الذي ليست الدولة الإسلامية إلا صورة واقعية له- محرَّم في شريعتهم، لأن التمكين شرط صحة لها، وقد انتقض -حسب مذهبهم- بتهديد بقائه، واحتمال زواله.


• هل حققت الدولة النبوية شرط المبتدعة؟

ولو طردنا هذا الأصل الفاسد، لما حلَّ لمسلم في أي زمان ومكان أن يقيم الدين إن مكَّنه الله في الأرض، بل الواجب عليه -في دينهم- أن يهرب من هذه الأرض، هروب الصحيح من أرض الطاعون والجذام، لأن قيامه فيها بما يرضي الله سيجلب عليه غضب الجبابرة الكافرين، أو أن يحكم تلك الأرض بما يرضي أولئك الطواغيت، ليحفظ فيها تمكينه، وفي الوقت نفسه يخادع الناس من حوله بأن ما يفعله من امتناع عن إقامة الدين هو من إقامة الدين، وما يجريه على تلك الأرض من أحكام الجاهلية، هو حكم بالشريعة، كما نراه واضحاً الآن من فعل فصائل الصحوات في الشام.

ومن أراد الدليل الشرعي على نقض ذلك، فحسبه فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي أقام الدولة النبوية في يثرب وهي محاطة بالأعداء الأقوياء، الذي يكفي للدلالة على تناسب القوة بينهم وبين أهل المدينة ما حصل عندما تألبت الأحزاب عليهم يوم الخندق، حتى إن أحدهم لم يكن يجرؤ على قضاء حاجته من شدة الخوف والوجل، ومن خلف أولئك الأعداء من مشركي العرب كان هناك أقوى الدول في الأرض آنذاك وهم فارس والروم، اللتان كان سلطانهما إلى أطراف جزيرة العرب، ومع هذا لم يجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحطيم قوة قريش والأعراب، ومن بعدهما فارس والروم، أو انتظار أن يُفني أحدهما الآخر، شرطاً لإقامة الدين في المدينة، بل الوقائع تثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- لم تطأ قدمه المدينة، إلا وقد أعلنها دولة هو إمامها، الحكم فيها لله، وما على أهلها إلا الخضوع لهذه الأحكام، ومن ناصبها العداء فله الحرب.

ولو قدَّر الله فتمكن الأحزاب من كسر دفاعات المسلمين يوم الخندق، ثم السيطرة على المدينة، وإزالة حكم الإسلام منها، بعد قتل الرجال، وسبي الذرية والنساء، أو قدَّر الله أن يتمكَّن الأعراب المرتدون من إزالة حكم الإسلام من المدينة بعد أن أزالوه من كل الجزيرة العربية، أو قدَّر الله أن يرسل كسرى أو قيصر لاقتحام المدينة، ففي أي من الحالات، هل كان أحد يدَّعي الإسلام يجرؤ على القول إن دولة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن دولة شرعيَّة، لأنها قامت قبل تمكُّنه -عليه الصلاة والسلام- من تأمين المدينة من خطر اليهود، وقريش، والأعراب، وفارس والروم؟

وبالمثل هل يجرؤ أحد أدعياء السلفية أن ينقض شرعية دولة أئمة الدعوة النجدية، ويؤثم الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب لإقامتهما الدولة الإسلامية في الدرعية وما حولها، ثم سعيهم ومن جاء بعدهم إلى مد سلطان الشريعة إلى البحرين والحجاز وبادية الشام، وهم يعلمون يقيناً أن دولة الأتراك الكافرة، ومن يتبعها يتربصون بهم، ولن يرضيهم قيام دولة لا تخضع لقوانينهم، ولا تعظم أوثانهم، وأن من حولهم من الأعراب منافقون لن يتأخروا عن نصرة المشركين عليهم؟

إن قياس حال دولة الإسلام اليوم على حالها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- من الناحية السياسية، هو قياس صحيح، وما قدَّمناه على ما هو أولى منه من الأدلَّة إلا لسهولة الإيضاح من خلاله، وإلا فإن أدلة الكتاب والسنة التي لا تبيح فحسب إقامة دولة الإسلام لمن مكَّنه الله في الأرض، بل وتوجبه عليه، وتحكم بكفره إن هو امتنع عن إقامة الدين، وتحكيم شريعة رب العالمين، وهذا ما سنتناوله -بإذن الله- في قادم الكلام.

• المبتدعة يقدِّمون سلامة النفس على الدين:

إن سبب شبهة تنظيم القاعدة التي ذكرنا جانباً منها هو حرصهم على بقاء تنظيمهم، وتقديمهم سلامة التنظيم على سلامة الدين، لكون الدين عندهم هو التنظيم، فبقاؤه من بقائه وزواله من زواله، لذلك ابتدعوا مثل هذه الشروط ليهربوا من إقامة الدين، بزعم عدم تحقق ما ابتدعوه من شروط لذلك، ويسكتوا أتباعهم الذين استنكر بعضهم على زعمائهم امتناعهم عن تحكيم الشريعة في المناطق التي تمكنوا منها، فالتمكين في دينهم مبيح لأخذ المكوس من الناس، ولكنه لا يبيح تحكيم الشريعة، وهو مبيح لمحاكمة الموحدين وسفك دمائهم المحرمة على أنهم خوارج، ولكنه لا يبيح لهم إقامة حكم الله في المرتدين، وهو يوجب عليهم تولِّي الحكومات الكافرة، وحراسة حدودها، ولكنه لا يأمرهم بالاعتصام بحبل الله بمبايعة خليفة المسلمين ولا يبيح لهم أن يطيعوا أياً من أوامر الله التي يُغضب المشركين القيام بها.

ومن قدَّم سلامة نفسه وتنظيمه على سلامة الدين، فلن يبقى له دين ولن تسلم له نفسه، ومن قدَّم رضا رب العالمين، وقدَّم إزهاق نفسه في سبيل سلامة دينه، فإنه إن لم تسلم له نفسه، فهو مع النبيين والشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقاً.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن الله يأمر بالعدل والإحسان "الإحسان ضد الإساءة، وهو كل مرغوب فيه، وكل ما يَسرُّ النفس من ...

إن الله يأمر بالعدل والإحسان

"الإحسان ضد الإساءة، وهو كل مرغوب فيه، وكل ما يَسرُّ النفس من نعمة تنال الإنسان في بدنه ونفسه وأحواله" [معجم مقاييس اللغة، لابن فارس].

وتعريف الإحسان في الشرع هو قوله، صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [رواه مسلم].

وقد أمر الله -تعالى- به فقال: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل: 90]، وقال عز وجل: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس:26]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في تفسير هذه الآية: (الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل) [رواه ابن أبي حاتم والطبري].

وأمر به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليُرِح ذبيحته) [رواه مسلم].

والإحسان نوعان: الأول متعلق بعبادة الله، والثاني متعلق بالبشر والمخلوقات الأخرى.

فالأول: وهو أعلى مراتب الدين، حيثُ يَرتقي المسلم ويَرتفع إلى درجة أعلى من الإيمان، لأنه لن يصل إلى مرتبة الإحسان إلا ببلوغه الإسلام والإيمان، فيعبد الله وهو يستشعر مراقبته، وكأنه ينظر إليه، فيُحسن العمل ويُجيد العبادة، ويكون مبتغاه من كل عمله رضا الله، ويصبح ظاهره كباطنه، لا يضره الذم ولا يغره المدح.

والثاني: هو الإحسان إلى البشر وسائر المخلوقات وشُعَبه كثيرة كالإحسان إلى الوالدين، وإحسان الأزواج بعضهم إلى بعض، والإحسان إلى الأهل والأقارب، والأرامل والمساكين واليتامى والفقراء، والإحسان إلى عامة الناس، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].

قال الحسن البصري، رحمه الله: "لأن أقضي حاجة أخٍ أحب إليَّ من أن أعتكف سنة" [عيون الأخبار لابن قتيبة].

أخي المجاهد: ويدخل في الإحسان إعانة الناس على جميع الفضائل التي أمر الإسلام بها كقضاء الحوائج، والإعانة بالمال، وتفريج الكربات، ومواساة المرضى، والمعاملة بالأخلاق الحسنة معهم، مراعين في ذلك كله مراقبة الله -تعالى- لنا وطلب رضاه.

ومن أعظم أبواب الإحسان إلى الآخرين، الإحسان بالنصيحة، وتعليم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس أعظم من نصيحة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ينتفع بها الناس في دينهم ودنياهم.

وأول المستفيدين من الإحسان هم المحسنون أنفسهم، يرون ثمرته في نفوسهم، فيجدون الانشراح والسكينة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاقَّ الله -تعالى- به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله -تعالى- بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة " [الوابل الصيب من الكلم الطيب].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

نصائح جامعة من أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا ...

نصائح جامعة من أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله


فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا الشهادة صابرين محتسبين، وتوكلوا على من بيده ملكوت كل شيء، وارجوه العون والسداد والهداية والرشاد، وواصلوا المسير فهذا طريق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هجرة وقتال، دماء وأشلاء، ولا يهولنكم أو يغرنكم كثرة المنتكسين أو المخذلين والمخالفين.

والزموا غرز الجماعة، وإياكم والإختلاف على أمراءكم، وليحفظ كل امرئ منكم ثغره، ولا يؤتين الإسلام من قبله، فالطبيب والإعلامي والقاضي والدعوي والمحتسب والأمني والإداري كل في جهاد وجلاد وصبر واحتساب، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة


أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي تقبله الله
من الكلمة الصوتية: { وبشر الصابرين }
...المزيد

نصائح جامعة من أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا ...

نصائح جامعة من أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله


فاسعوا للنصر مجتهدين باذلين، واطلبوا الشهادة صابرين محتسبين، وتوكلوا على من بيده ملكوت كل شيء، وارجوه العون والسداد والهداية والرشاد، وواصلوا المسير فهذا طريق الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هجرة وقتال، دماء وأشلاء، ولا يهولنكم أو يغرنكم كثرة المنتكسين أو المخذلين والمخالفين.

والزموا غرز الجماعة، وإياكم والإختلاف على أمراءكم، وليحفظ كل امرئ منكم ثغره، ولا يؤتين الإسلام من قبله، فالطبيب والإعلامي والقاضي والدعوي والمحتسب والأمني والإداري كل في جهاد وجلاد وصبر واحتساب، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة


أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي تقبله الله
من الكلمة الصوتية: { وبشر الصابرين }
...المزيد

أهمية الهداية في حياة المجاهد بيّن -تعالى شأنه- أن الظالمين من عباده يحرمون من هدايته بمقدار ...

أهمية الهداية في حياة المجاهد

بيّن -تعالى شأنه- أن الظالمين من عباده يحرمون من هدايته بمقدار معصيتهم له، حتى إن خرجوا عن طاعته بالكلية، حُرموا من هدايته بالكلية أيضا، وهذا من أكبر عقوباته لمن عصاه في الدنيا، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، وقال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 6]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].

فإذا علم المجاهد ذلك، نظر إلى حاله في كل حين، فإن وجد في نفسه نشاطا على الطاعات وتعلقا بالجهاد في سبيل الله ورغبة في الآخرة عن الدنيا، حمد الله تعالى أن يسّر له من العبادات ما يقوي به إيمانه، وأبعده عن معاصيه، وإن وجد في نفسه فتورا وانصرافا إلى الدنيا ورغبة فيها عن الآخرة، سأل الله تعالى لنفسه الهداية واستعان على ذلك بالطاعات الظاهرة والباطنة، وتاب من المعاصي، واستغفر الله من ذنبه، لعل الله تعالى أن يهديه إلى صراط مستقيم.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [190]
"آمنوا بربهم وزدناهم هدى"
...المزيد

سنة الاستبدال { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا ...

سنة الاستبدال

{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }

ولقد رأينا مصداق هذا الأمر كثيرا في هذا الجهاد المبارك، إذ يبعث الله تعالى في كل حين طوائف من عباده تنصر دينه وتعمل لإقامته في الأرض، في الوقت الذي تزيغ فيه قلوب عباد مضى لهم في طريق الجهاد سنين، إما لشهوات دنيوية رانت على قلوبهم فأنستهم ذكر ربهم، فمكنوا الشيطان بذلك من أنفسهم، أو لشبهات دينية استولت على عقولهم حتى ضلوا بها عن سواء السبيل، والسعيد من أسعده الله بالثبات على الطريق من بعد الهداية إليه، حتى نيل الجائزة التي أعدها الله تعالى لمن ختم حياته بالسير عليه، جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [179]
"فسوف يأتي الله بقوم"
...المزيد

مؤسسة آفاق الإلكترونية - سلسلة نصائح أمنية الحلقة الأولى: الفقرة (٢) ضع جهاز النصرة على ...

مؤسسة آفاق الإلكترونية - سلسلة نصائح أمنية
الحلقة الأولى: الفقرة (٢)


ضع جهاز النصرة على وضعية الطيران دائما،
ولا تتصل بالإنترنت عليه من خلال SIM card
مباشرة، بل من خلال وسيط كالراوتر.

نهر الدم أقسم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في إحدى معاركه مع الفرس أن يجري النهر بدمائهم إن ...

نهر الدم


أقسم خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في إحدى معاركه مع الفرس أن يجري النهر بدمائهم إن أمكنه الله من رقابهم، فتحقق قسمه -رضي الله عنه- في وقعة (أليس) في السنة الثانية عشرة للهجرة.

قال الطبري: "ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من بكر بن وائل من نصاراهم الذين أعانوا أهل فارس، غضب لهم نصارى قومهم، فكاتبوا الأعاجم وكاتبتهم الأعاجم، فاجتمعوا إلى أليس، وعليهم عبد الأسود العجلي، وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بني عجل: عتيبة بن النهاس وسعيد بن مرة وفرات بن حيان والمثنى بن لاحق ومذعور ابن عدي، وكتب أردشير إلى (بهمن جاذويه) -وهو بـ (قسيانا)- أن سر حتى تقدم (أليس) بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب، فقدَّم (بهمن جاذويه) (جابان) وأمره بالحث، وقال: كفكف نفسك وجندك من قتال القوم حتى ألحق بك إلا أن يعجلوك، ومضى (جابان) حتى أتى أليس، فنزل بها في صفر، واجتمعت إليه المسالح التي كانت بإزاء العرب".

واستطاع خالد -رضي الله عنه- أن يفاجئ الأعداء فهجم عليهم وهم يستعدون لتناول طعامهم، قال ابن كثير: "فبينما هم قد نصبوا لهم سماطا فيه طعام يريدون أكله، إذ غافلهم خالد بجيشه... ونفرت الأعاجم عن الطعام وقاموا إلى السلاح فاقتتلوا قتالا شديدا جدا، والمشركون يرقبون قدوم (بهمن) مددا من جهة الملك إليهم، فهم في قوة وشدة وكلب في القتال، وصبر المسلمون صبرا بليغا، وقال خالد: اللهم لك عليَّ إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم. ثم إن الله -عز وجل- منح المسلمين أكتافهم فنادى منادي خالد: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر، فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم يوما وليلة ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد، وكلما حضر منهم أحد ضُربت عنقه في النهر، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر، فقال له بعض الأمراء: إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه فتُبِرَّ بيمينك، فأرسله فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمي نهر الدم إلى اليوم، وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا".

وهذه هي قصة النهر الذي جرى بدماء المجوس، نسأل الله أن يجازي أحفادهم الرافضة بمثل ما جازاهم.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 125
الخميس 12 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: خذوا حذركم (2) تسهيل بلا تعطيل يمكننا تشبيه الإجراءات الأمنية ...

الدولة الإسلامية - مقال: خذوا حذركم (2)

تسهيل بلا تعطيل
يمكننا تشبيه الإجراءات الأمنية الوقائية، أو "الأمنيات"، بالدرع التقليدي الذي يُنصب للدبابة لوقاية الجنود داخلها وأجزائها الحساسة من القذائف المعادية.

ومعروف أن قدرة هذا الدرع على التصدي للقذائف ومنع أذاها من بلوغ العناصر التي نُصب الدرع لحمايتها تزداد كلما كانت مادته الأولية أكثر صلابة، أو كان أكثر سماكة، بحيث يتناسب مقدار السماكة المطلوبة عكسا مع صلابة المادة، فكلما كانت مادة الدرع أصلب احتيج إلى سماكة أقل من الدرع للقيام بالمطلوب، والعكس بالعكس.

وفي الوقت نفسه فإن مصمم الدبابة يجب أن يراعي الوظيفة الأساسية للدبابة وهي أن تدبَّ على الأرض، فتتحرك، ناقلة مدفعها والجنود داخلها في ساحة المعركة بحيث تحقق الفائدة المرجوة من صناعتها وتوظيفها في القتال، في الاقتراب من الأهداف المعادية بدرجة كافية لاستهدافها وتدميرها.

وبالتالي يجب عليه الموازنة بين قوة تصفيح الدبابة وقدرتها على الحركة والمناورة، إذ إن قوة التصفيح التقليدي تعتمد على سماكة الدرع بدرجة أولى، وهذه السماكة ترتبط بثقل مادة التصفيح، وبالتالي إذا أراد المصمم زيادة سماكة الدرع أخذ في حسابه الثقل الإضافي المركب على جسم الدبابة، وما يتطلبه ذلك من قوة إضافية ضرورية لدفعها، يجب تأمينها من خلال زيادة قوة محرك الدبابة، وإلا حولت زيادة ثقل الدرع بدون هذا الحساب إلى مجرد حصن ثابت قادر ربما على حماية الجنود من كل أنواع القذائف، ولكنه عاجز عن التحرك من مكانه، فهو مجرد موقع دفاعي لا أكثر.


• خلية عاملة لا خلية نائمة:

ومن هذا المنظار يمكننا النظر إلى أي عنصر من عناصر العمل الجهادي، فإن وظيفته الأساسية هي تحقيق الهدف المطلوب منه، وما السعي إلى تأمينه -من المنظور العملي- إلا لكي يستمر في أداء وظيفته، بالإضافة إلى كونه متعلقا بنفوس مسلمة وأموال للمسلمين يجب حفظها، وأما أن تؤدي زيادة إجراءات التأمين إلى تقييد قدرة العنصر على الحركة لإنجاز المطلوب منه، فإن هذه الإجراءات تتحول إلى أداة تعطيل للعمل الجهادي، بدل أن تكون أداة تسهيل له، من خلال حمايته مما قد يؤثر على نجاحه واستمراريته وقدرته على النمو.

ومن المعروف أن الجهاد كله قائم على تعريض النفس والمال للخطر، بالإضافة إلى ما يتطلبه من الجهد والمشقة الكبيرَين اللذَين لا يقوى عليهما إلا أولو العزم من المؤمنين المستعدّين لبذل ذلك كله في سبيل مرضاة ربهم، ولذلك كله جعل الله -تعالى- الجهاد ذروة سنام الإسلام، وفضَّل المجاهدين على القاعدين من المؤمنين، واختص من يُقتل منهم بمرتبة تأتي بعد مرتبة النبوة والصديقيّة، وهي الشهادة، وقد قال ابن القيم: "من تعبد ‏الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من ‏الصديقية بسهم وافر"، فقد يجمع المجاهد المرتبتين اللتين تليان مرتبة النبوة.

وبالتالي فإن من يراغم أعداءه الكافرين فلا بد أن يعرف يقينا أنه أصبح هدفا لهم، يستهدفونه ليثبطوه عن قتالهم، فإن أبى إلا طاعة ربه ومضى في جهاده أصبح هدفا للقتل أو الأسر أو الكسر أو البتر، وذلك لإخراجه من ساحة المعركة بينهم وبين أولياء الرحمن، أو للاستفادة منه في الإضرار بصف المجاهدين عن طريق تحصيل ما لديه من معلومات عنهم، أو حتى العمل على تجنيده بالترغيب أو الترهيب ليكون عنصر اختراق لصفوف المسلمين يعين المشركين عليهم.

ولهذا فإنه يجب على المجاهد في سبيل الله أن يضع نصب عينيه واجبَين أساسيَّين ينبغي عليه أداؤهما بشكل متزامن، أولاهما تحقيق أهداف الجهاد، وثانيهما تأمين صف المجاهدين من كل خطر قد يتعرض له، ومن ذلك تأمين نفسه، والمعلومات والموارد التي بحوزته، وإخوانه المرتبطين به، والعمل الذي يقوم عليه، فهذا مطلوب منه بالدرجة الأولى، فضلا عما يشمله من الواجبات التي تعم كل المجاهدين، بل وكل المسلمين أحيانا.

وإن كان تأمينه متعلقا بقيامه ببعض الإجراءات، فإن القيام بها يكون واجبا عليه، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولكن كما قلنا سابقا، فإن هذا الواجب الثانوي يجب أن لا يطغى على الجانب الأساسي المتمثل بنجاح العمل الجهادي في أداء وظائفه، أما أن تؤدي مساعي المجاهد إلى تأمين نفسه وعمله إلى قعوده عن الجهاد في سبيل الله، أو تعطيل الجهاد، فإن هذا فتنة وضلال، وإلا فما يعيق أكثر المسلمين اليوم من الجهاد إلا حرصهم على تأمين أنفسهم ومنافعهم من الأخطار الملازمة للجهاد في سبيل الله، إذ لا يمكن أن نعتبر تأمين هؤلاء القاعدين لأنفسهم نجاحا وفلاحا، بل هو فشل وخيبة لهم في الدنيا والآخرة، لأنه عطلهم عن القيام بواجب مفروض عليهم، يترتب على تركه عذاب في الآخرة، وذل وتسلط للكافرين عليهم في الدنيا.

وهذا الفخ قد وقع فيه -للأسف- بعض من يحسنون الظن بأنفسهم، ممن استهواهم الشيطان ولبَّس عليهم، فصاروا يحسبون أي تحرك للجهاد في سبيل الله رعونة وتهورا وإهلاكا للنفس، ويسمُّون قعودهم عن الجهاد وتقاعسهم عن واجباتهم حكمة وحرصا، في الوقت الذي يسمِّي نفسه "خلية نائمة" للمجاهدين، وربما صدق في هذه فهو نائم حقا، وربما لن يستيقظ أبدا إلا أن يتغمده الله برحمته.

وبالتالي يجب على كل مجاهد في سبيل الله أن يعتبر نفسه "خلية عاملة" في جسد المجاهدين، فإن تطلب الأمر تحول إلى "خلية كامنة"، لا أن يكون "خلية نائمة" لا فائدة منها، بل هي حمل زائد على المجاهدين أحيانا تستهلك مواردهم دون تقديم فائدة مضافة إليهم.

• خلية آمنة لا خلية خطرة:

ومن كل ما سبق يمكننا اعتبار كل عنصر من عناصر العمل الجهادي، سواء كان فردا أو كيانا أو نوعا من التجهيزات والمعدات، بمثابة آلية لها وظيفة في المعركة، يجب الموازنة في تصميمها بين قدرتها على الحركة وأداء الوظيفة المطلوبة منها، وبين تكاليف تأمينها الضرورية للحفاظ عليها لتتمكن من أداء تلك الوظيفة.

وكلما كانت هذه الآلية معرضة لخطر أكبر أثناء أدائها لوظيفتها، تطلب الأمر تدريعها بشكل أفضل، وبذلك يتنوع التأثير على قدرتها على الحركة، أو أداء الوظائف المطلوبة منها، وبهذا يوازن القائد بين احتياجه إلى آلية سريعة الحركة مريحة للراكبين، ولكنها ضعيفة الحماية، وبين أن يزيد وسائل الحماية فيها، مع التضحية ببعض الإمكانيات الأخرى كالسرعة والراحة مثلا.

وهكذا نجد المشكلة المتعلقة باستثقال كثير من المجاهدين الحريصين على إنجاز أعمالهم بسرعة للإجراءات الأمنية، فهم يرونها معيقا لهم، تبطئ وتيرة العمل، وتحمله تكاليف إضافية يبخلون بها أحيانا، وتقصر مواردهم عن تأمينها في أحيان أخرى، ولذلك يتهاونون في هذا الجانب، ظانين أن ذلك من التوكل على الله، وهم واقعون غالبا في معصية أمرائهم، وتعريض أنفسهم وإخوانهم وعملهم للخطر، بسبب تهاونهم في الأخذ بأسباب الأمن.

ولا شك أنه كلما قلت تكاليف العمل الجهادي وتحسنت سرعة إنجازه فهذا أفضل، ولكن بدون أن يؤدي التركيز على هذا الجانب إلى إهمال سلامة العمل ككل، وتعريضه للفشل التام، بالتغافل عن المخاطر التي قد يتعرض لها، بتهديد العناصر التي تحقق أهدافه بمجموعها، إذ يمكن أن يؤدي تمكن العدو من تدمير أو تحييد أي من عناصره إلى تعطيل العمل الجهادي، بل وتدميره كليا إلى درجة تمنع من استعادة زخمه إلا بتكاليف عالية تفوق بكثير التكاليف التي كان يمكن بذلها على تأمينه.

فإذاً لا يكفي أن يكون المجاهد "خلية عاملة" في الجسد الجهادي، وإنما ينبغي أن يحصن نفسه ليكون "خلية عاملة آمنة"، يصعب على العدو تدميرها، أو النفاذ من خلالها إلى هذا الجسد، أو حتى تحويلها إلى خلية سرطانية مدمِّرة للجسد كله من داخله.

• اتقوا الله ما استطعتم:

فهذه الموازنة بين ضرورة العمل لإنجاز المطلوب، وضرورة حماية العمل والقائمين عليه من الأخطار المصاحبة لأعمالهم، هي من أهم الأسس التي ينبغي مراعاتها في وضع الإجراءات الأمنية، وتنفيذها، والأمر بالالتزام بها من قبل الأمراء والجنود على حد سواء.

ورأس الأمر -ولا شك- هو تقوى الله عز وجل، ومفتاحه قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16]، فالمجاهد يبذل أقصى ما يستطيع من جهد في إنجاز عمله، كما يتخذ أقصى ما بيده من إجراءات أمنية، ولا يفرط في كلا الأمرين بشيء، وفي النهاية يضع دائما في حسبانه قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، فكل ما في وسعه من الواجبات هو مكلف به، عاص لله بتركه، مستحق للوم والعقوبة، ومن قصَّر فليتب إلى الله تعالى، وليصلح عمله، ويسأل الله الإعانة على نجاح عمله، والوقاية من أذى أعدائه، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 125
الخميس 12 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الفتن والابتلاءات (2) الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأمرهم بالاستمرار في عبادته حتى يلقوه، ...

الفتن والابتلاءات (2)

الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأمرهم بالاستمرار في عبادته حتى يلقوه، له الحكمة البالغة في فتن السراء والضراء، التي يظهر بها إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين، ويظهر الصادق من الكاذب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: ك

فإن الله -تعالى- يحب من عباده أن يصبروا على طاعته في جميع الأحوال، وأن يوقنوا بأن كل ما يحكم الله به صادر عن حكمته البالغة وعلمه الذي أحاط بكل شيء، وأنه لا شيء يخرج عن قدرة الله عز وجل، ولا يكون صلاح أمر الناس في الدنيا والآخرة إلا باتباع شرعه وحكمه، وهذا ما يعلمه كل موقن. قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، ومن تدبّر عَلِم أن اليقين إذا لم يصحبه صبر فإن صاحبه لا يثبت بل يتزعزع، نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه.
حِكم الله في الابتلاء:

• التمحيص:

يعلم الله -تعالى- بكل شيء، ومن ذلك ما سيفعله الناس إذا ابتلوا بأنواع الابتلاءات، ولكنه لا يؤاخذهم إلا بعد حصول الأفعال منهم، قال تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3]، أي العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب، وإلا فهو -سبحانه- يعلم ما كان وما سيكون، فهذه إحدى حِكم الله من ابتلاء المؤمنين، ومن الحكم أيضاً أن يظهر إيمان المؤمن للناس فيرتفع قدره عندهم ويكون له القبول في الأرض، وأن يظهر نفاق المنافق فيعامله الناس بما يستحق كما في الحديث: (إِنّ الله إذا أحبّ عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحبّ فلانا فأحبّه، قال: فيحبّه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إِنّ الله يحبّ فلانا فأحبّوه، فيحبّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل عليه السلام، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إنّ الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].

• خروج الخبَث:

ومن الحكم أيضاً أن يُخرج الله الخُبثاء من دار الإسلام، كما في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن أعرابيا بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالها ثلاثا، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها) [رواه البخاري ومسلم].

• لعلهم يتضرعون:

ومن حِكم الله -تعالى- من ابتلاء المؤمنين أن تخشع قلوبهم لله ويحاسبوا أنفسهم على التقصير في حق الله -تعالى- وحقوق عباده، ويلجؤوا إلى الله -تعالى- ويتضرعوا إليه ليرزقهم الصبر على البلاء ويكشفه عنهم، ويغفر لهم ذنوبهم ويثبتهم على الإيمان، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42]، وقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127].

• ثبات أولياء الله على الحق:

ومن يتأمل سير أنبياء الله ورسله -عليهم الصلاة والسلام- يجد الثبات على دين الله في أوضح صوره، وأنهم كانوا يتقلبون بين الشكر والصبر، فلم تغلب النعم شكرهم، ولم تغلب المصائب صبرهم، وأن هؤلاء المصطفين الأخيار قد بذلوا كل شيء في سبيل إرضاء الله تعالى، فلم يؤخرهم حب بلد نشؤوا فيه ولا تعلق بزوج أو ولد أو مال عن ابتغاء مرضاة الله تعالى، راضون مسلِّمون لأمر الله -عز وجل- وحكمته، يعلمون أن الله -تعالى- لا يريد بابتلائه لهم -بالسراء والضراء- إلا فلاحهم، يشكرون الله -تعالى- على توفيقه لهم للطاعة بمزيد من التقرب إليه والسعي في مرضاته، وعند نزول البلاء يكون همهم اتقاء سخط الله -تعالى- فيلجؤون إليه خوفاً وطمعاً.

أصابتهم محن وبلايا كثيرة فلم يتراجعوا عن حق دعوا إليه، ولم تتغير مواقفهم من الباطل وأهله، بل استمروا في طريق الدعوة إلى توحيد الله وتحكيم شريعته والجهاد في سبيل الله بكل ما أمكنهم من أنواع الجهاد، وأولها الجهاد بالحجة واللسان، ومجادلة الناس بالتي هي أحسن لتبيين الحق وكشف الباطل.


• من الناس من يعبد الله على حرف:

وهناك صنف من الناس ليسوا على يقين من صحة الطريق الذي يسلكونه لطلب مرضاة الله، وزيَّن لهم هواهم مقياساً خاطئاً لمعرفة الحق من الباطل، فإن أقبلت عليهم الدنيا بمتاعها وزخرفها قالوا إذن طريقنا الذي سلكناه صحيح وحق، وإن أصابتهم الفتن التي أخبر الله -عز وجل- بأنها ستصيب لا محالة كل من يقول آمنا بالله وبنبيه -صلى الله عليه وسلم- وبدين الإسلام، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2]، استغرب هؤلاء من هذه الفتن واستنكروا أن تصيبهم وقرروا ترك طريق الاستقامة على دين الله، قائلين: لا طاقة لنا بهذه المصائب، مدعين أن هذه المحن تدل على عدم صحة الطريق الذي يسلكونه، فينقلبون راجعين مدبرين، وقد أخبر -تعالى- عنهم بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11]، فهؤلاء كما يصورهم لنا القرآن يقفون في مكان خطير، وميزانهم غير شرعي بل تلعب به أهواؤهم، ولا فرق في الحكم عليهم بالضلال والخسران بين من ضل منهم على علم أو من ضل على جهل، والمصيبة التي أصابتهم كانت كبيرة بحيث خسروا بها الدنيا، وبنكوصهم وتراجعهم عن دينهم خسروا الآخرة أيضاً، فأي خسارة أبين من هذه؟ نسأل الله العافية في الدين والدنيا والآخرة.

• مثل لمن ضل على علم:

رجل أنعم الله عليه بنعمة العلم بآيات الله، ولكنه فتن بفتنة عظيمة من فتن الدنيا، بحيث إنه صار على مفترق طرق إما أن يختار التمسك بآيات الله فيخسر ذلك العرض الدنيوي، وإما أن ينسلخ من دينه اتباعاً لهواه، فأخلد إلى الأرض وركن إلى الدنيا مؤثراً لشهواتها على ما أعد الله للمتقين، فضرب الله له مثلاً بالكلب يظل لاهثاً سواءً أطاردته أم تركته، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175 - 176]، فهذا رجل لم ينفعه علمه ولم يسعفه فهمه، بل أعمته شهوات الدنيا عن أن يطلب لنفسه المكانة الرفيعة عند ربه تعالى، وخطر هؤلاء الذين يضلون على علمٍ كبيرٌ، لأنهم يُضلون كثيراً من الناس وراءهم، إما بأن يدعوهم إلى الضلال الذي صاروا إليه، وإما أن يسنُّوا للناس سنة سيئة فيقتدي بهم أناس في ضلالهم، فيحمل ذلك العالم وزره وأوزار من أضلهم، وقد حذرنا الله –تعالى- من أنه لا يعذر من يتبع أئمة الضلال، وأنهم سيتبرأ بعضهم من بعض، ولا ينفعهم ذلك التبرؤ شيئاً، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166 - 167].
ولعلنا نقف وقفات أخرى مع الفتن والابتلاءات، نسأل الله العافية في ديننا ودنيانا، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 125
الخميس 12 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين قبل عقد من الزمان هزَّت المسلمين فاجعة قتل المشركين من ...

قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين


قبل عقد من الزمان هزَّت المسلمين فاجعة قتل المشركين من الإيزيدية لفتاة مسلمة رجما، عدوانا عليها لتركها دين عبدة الشيطان واتباعها ملَّة عباد الرحمن، ورغم أن المجاهدين في حينها قد أعظموا النكاية في هذه الطائفة الكافرة، عذابا لهم على شركهم، وانتصارا منهم، وشفاء لصدور المسلمين، فإنهم توعَّدوهم بالمزيد إن أمكنهم الله منهم، واستهزأ أولئك المشركون بالوعيد، وبالغوا في إيذاء المسلمين، باقين على شركهم، محتمين بأوليائهم الصليبيين وإخوانهم المرتدين، يظنون أنهم مانعتهم حصونهم وجبالهم من أمر الله العزيز الحكيم.

فما مرَّت سنوات قلائل إلا وأذلَّ الله أمريكا، فأخرجت جيشها من العراق يلعق جراحه، وكسر الله شوكة أتباعها وعملائها من الرافضة والصحوات وعلمانيي الأكراد، وجعل للمجاهدين الدولة من بعد الصولة، والتمكين من بعد النكاية، وقذف في قلوب أعدائهم الرعب، وفتح لهم البلاد بالتكبير، وسهل لهم في الأرض المسير، وما إن أُسقط على أيدي المئات منهم جيشُ الرافضة في الموصل، حتى أذن لمن هم أقل منهم عددا أن يفتحوا تلعفر ويتقدموا إلى عقر دار الإيزيدية المشركين في سنجار فيولي عنها مرتدو البيشمركة الدبر، ويجد الإيزيديون أنفسهم مواجهين للعذاب الذي توعدهم به المجاهدون قبل بضع سنين.

ومكَّن الله عباده الموحِّدين من الإيزيدية المشركين، وصدقوا الله فصدقهم، وأعانهم على إنفاذ وعيدهم في بضع سنين، فقتلوا رجالهم، وسبوا نساءهم وذراريهم، وغنموا ديارهم وأموالهم، كما منَّ الله على بعض أبنائهم أن تربَّوا في بيوت الموحِّدين، وبين صفوف المجاهدين، فتعلموا الدين وكفروا بآبائهم وتبرؤوا منهم، وما اشتهر من قصة فتح سنجار يغني عن المزيد.

وهكذا كان الحال أيضا مع الصحوات والرافضة، فقد أسكرتهم قوة أمريكا التي يخدمونها، ففعلوا بالمسلمين الأفاعيل، سجنا وتعذيبا وتقتيلا، واعتداءا على الدين والنفس والمال والعرض، وظنوا أنهم مانعتهم أمريكا من الله، حتى جعل الله لعباده الكرّة عليهم، فشرَّدوا بالصحوات، وارتكبوا المذابح في الرافضة، ولا تزال مشاهد مجاهدي صلاح الدين وهم يصبغون نهر دجلة بحمرة دماء المشركين في (سبايكر) عالقة في أذهان الرافضة، تذكرهم بأن المجاهدين قد جازوهم ببعض صنائع الشر التي فعلوها بحق المسلمين في ديالى وبغداد وحزامها وصلاح الدين وغيرها من مناطق أهل السنة.

لقد مرَّت على جنود الدولة الإسلامية فترات عصيبة بعد ظهور صحوات العراق، حتى بلغت قلوبهم الحناجر، وظنَّ بعضهم الظنون، واستبطأ آخرون نصر الله، وهم يرون أعداءهم يزدادون قوة وتمكينا في الأرض، ولا يرون قارعة من الله تحلُّ بهم جزاء لكفرهم، ولما يفعلونه بالمسلمين، كما أحسن أعداؤهم الظن بأنفسهم، وغرّتهم قوتهم، حتى صار قولهم في سرهم وعلنهم من أشد منا قوة اليوم، ونظروا إلى ما بأيديهم من عدة وعتاد، وتمكين وسلطان، فقالوا: ما نظن أن تبيد هذه أبدا.

فلما شاء الله -سبحانه- أنجز لكل من الحزبين وعده، فجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وسبح المجاهدون بحمد ربهم واستغفروه، ومكَّنهم من رقاب أعدائهم، وأوطأهم ديارهم، وأنفلهم أموالهم، وملَّكهم سلطانهم، وجعل فيما حلَّ بأعدائه على أيدي أوليائه عبرة لكل معتبر، وزاجرا لكل منزجر، ولله الحمد من قبل ومن بعد.

وإننا اليوم ونحن في جوف المحنة والابتلاء الذي ابتلانا الله به سبحانه نؤمن -بفضل الله- أنه سينجز لنا ما وعدنا كما أنجزه لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وسينجز للمشركين ما وعدهم كما أنجزه لأسلافهم الذين سبقوهم إلى سقر، ولن يطول بنا زمان -بإذن الله- إلا ويفتح لنا مولانا من البلاد ما يذهلنا عن سابق فتحه وتمكينه لنا في الأرض، وينكي في أعدائه بأيدينا ما ينسيهم أهوال ما لقوه منا في سابق الأيام.

إن قصة تحقيق الله لوعيد عبيده الموحدين لأعدائهم في بضع سنين، كما حدث في فتح الموصل وسنجار والرمادي وغيرها، بعد أن كُذّبوا، واستضعفوا في الأرض، وظنَّ أعداؤهم أنهم هم الغالبون، يجب أن تبقى حاضرة في ذهن كل موحد مجاهد في سبيل الله، فيستمر في جهاده واثقا بموعود ربِّه، وكأنه يراه عين اليقين، كما يجب أن تبقى حاضرة في أذهان كل المشركين، فلا يفرحوا بصولة أو جولة، فإن للحق العاقبة والدولة، وحينها يفرح المؤمنون بنصر الله، ويخزي الله الذين أشركوا، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا.

قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 125
الخميس 12 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً