شؤم المعاصي على العبيد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن ...

شؤم المعاصي على العبيد


قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي):

- المعاصي تجرئ على الإنسان أعداءه

ومن عقوباتها: أنها تجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات، فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين، وإنسائه ما به مصلحته في ذكره، ومضرته في نسيانه، فتجترئ عليه الشياطين حتى تؤزه في معصية الله أزا.

وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من الأذى في غيبته وحضوره، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم.
قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي.

وكذلك يجترئ عليه أولياء الأمر بالعقوبة التي إن عدلوا فيها أقاموا عليه حدود الله، وتجترئ عليه نفسه فتتأسد عليه وتصعب عليه، فلو أرادها لخير لم تطاوعه ولم تنقد له، وتسوقه إلى ما فيه هلاكه، شاء أم أبى.

وذلك لأن الطاعة حصن الرب تبارك وتعالى الذي من دخله كان من الآمنين، فإذا فارق الحصن اجترأ عليه قطاع الطريق وغيرهم، وعلى حسب اجترائه على معاصي الله يكون اجتراء هذه الآفات والنفوس عليه، وليس له شيء يرد عنه. فإن ذكر الله وطاعته والصدقة وإرشاد الجاهل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وقاية ترد عن العبد، بمنزلة القوة التي ترد المرض وتقاومه، فإذا سقطت القوة غلب وارد المرض فكان الهلاك، فلابد للعبد من شيء يرد عنه، فإن موجب السيئات والحسنات تتدافع ويكون الحكم للغالب كما تقدم، وكلما قوي جانب الحسنات كان الرد أقوى كما تقدم، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، والإيمان قول وعمل، فبحسب قوة الإيمان يكون الدفع، والله المستعان.


- المعاصي تضعف العبد أمام نفسه

ومن عقوباتها: أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن كل أحد يحتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفصيل، وأقواهم وأكيسهم من قوي على نفسه وإرادته، فاستعملها فيما ينفعه وكفها عما يضره، وفي ذلك تتفاوت معارف الناس وهممهم ومنازلهم، فأعرفهم من كان عارفا بأسباب السعادة والشقاوة، وأرشدهم من آثر هذه على هذه، كما أن أسفههم من عكس الأمر.

والمعاصي تخون العبد أحوج ما كان إلى نفسه في تحصيل هذا العلم، وإيثار الحظ الأشرف العالي الدائم على الحظ الخسيس الأدنى المنقطع، فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العلم، وعن الاشتغال بما هو أولى به، وأنفع له في الدارين.
فإذا وقع مكروه واحتاج إلى التخلص منه، خانه قلبه ونفسه وجوارحه، وكان بمنزلة رجل معه سيف قد غشيه الصدأ ولزم قرابه، بحيث لا ينجذب مع صاحبه إذا جذبه، فعرض له عدو يريد قتله، فوضع يده على قائم سيفه واجتهد ليخرجه، فلم يخرج معه، فدهمه العدو وظفر به.

كذلك القلب يصدأ بالذنوب ويصير مثخنا بالمرض، فإذا احتاج إلى محاربة العدو لم يجد معه منه شيئا، والعبد إنما يحارب ويصاول ويقدم بقلبه، والجوارح تبع للقلب، فإذا لم يكن عند ملكها قوة يدفع بها، فما الظن بها؟

وكذلك النفس فإنها تخبث بالشهوات والمعاصي وتضعف، أعني النفس المطمئنة، وإن كانت الأمارة تقوى وتتأسد، وكلما قويت هذه ضعفت تلك، فيبقى الحكم والتصرف للأمارة.

وربما ماتت نفسه المطمئنة موتا لا يرتجى معه حياة ينتفع بها، بل حياته حياة يدرك بها الألم فقط.

والمقصود أن العبد إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى والإنابة إليه والجمعية عليه والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر الذكر، ولا ينحبس القلب واللسان على الذكر، بل إن ذكر أو دعا ذكر بقلب لاه ساه غافل، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه.

وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي كمن له جند يدفع عنه الأعداء، فأهمل جنده، وضيعهم، وأضعفهم، وقطع أخبارهم، ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة.
هذا، وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى منه وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها.

وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله، فقال: شاه رخ، غلبتك. ثم قضى.

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال:
يا رب قائلة يوما وقد تعبت ... أين الطريق إلى حمام منجاب ثم قضى.

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاتنا تننتا. حتى قضى

وقيل لآخر ذلك، فقال: وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها؟ ثم قضى ولم يقلها.

وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يغني عني، وما أعرف أني صليت لله صلاة؟ ثم قضى ولم يقلها.

وقيل لآخر ذلك، فقال: هو كافر بما تقول. وقضى.

وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها لساني يمسك عنها.

وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول: لله، فلس لله. حتى قضى.

وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه: لا إله إلا الله، وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشتر جيد، هذه كذا. حتى قضى.

وسبحان الله! كم شاهد الناس من هذا عبرا؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.

فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان، واستعمله فيما يريده من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى، وعطل لسانه عن ذكره وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به عند سقوط قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع؟

وجمع الشيطان له كل قوته وهمته، وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحال، فمن ترى يسلم على ذلك؟ فهناك {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 27] .

فكيف يوفق بحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا. فبعيد من قلبه بعيد من الله تعالى، غافل عنه متعبد لهواه أسير لشهواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته مشتغلة بمعصيته -أن يوفق للخاتمة بالحسنى-.

ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين، وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعا بالأمان {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ - سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: 39 - 40]

كَمَا قِيلَ:
يا آمنا من قبيح الفعل منه أهل
أتاك توقيع أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمنا واتباع هوى
هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب المخاوف قد
ساروا وذلك درب لست تسلكه
فرطت في الزرع وقت البذر من سفه
فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعجب شيء منك زهدك في
دار البقاء بعيش سوف تتركه
من السفيه إذا بالله أنت أم ال
مغبون في البيع غبنا سوف يدركه


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 192
الخميس 22 ذو القعدة 1440 هـ
...المزيد

إن الله لا يضيع أجر المحسنين قبل فتح الموصل كان دأب رافضة العراق حشد الآلاف من جيشهم وشرطهم ...

إن الله لا يضيع أجر المحسنين


قبل فتح الموصل كان دأب رافضة العراق حشد الآلاف من جيشهم وشرطهم للسير في صحراء الأنبار وبادية الجزيرة بحثا عن معسكرات الدولة الإسلامية ومخابئ جنودها، حيث كانت أرتال ضخمة تصل لمئات المدرعات أحيانا، تتحرك بصورة استعراضية وكل آمال ضباطهم وجنودهم أن لا يصادفوا في طريقهم أي مجاهد قد يضطرون للاشتباك معه، ثم تنتهي تلك الحملات عادة بصور لقادتها في جوف وادٍ أو قرب خرائب قرية يمكنهم الزعم أن أطلالها تشير إلى مرور جنود الدولة الإسلامية بها ذات يوم.

وغالبا ما كانت تنتهي نشوة تلك الاستعراضات الفارغة بفاجعة تُحيق بالمرتدين بعيدا عن مواطن انتصاراتهم المزعومة، حيث تُفاجئهم المفارز الأمنية للمجاهدين بضربات قوية في أكثر المناطق تشديدا داخل بغداد والموصل وسامراء وكركوك وبعقوبة، ليستيقظوا مرة أخرى من أحلامهم الجميلة على كوابيس مفزعة تطيح بقياداتهم الأمنية والعسكرية وتجبرهم على إعادة ترتيب قواتهم وتنظيم تشكيلاتهم، ثم الانطلاق من جديد إلى الصحراء نحو حلم جديد بنصر حاسم على الدولة الإسلامية.

وإن الناظر في أمر هذه الحملات التي عاد الروافض لتكرار أسلوبها اليوم بوتيرة وحجم أكبرين يجد أنها حيلة العاجز وخيار من لا خيار آخر له، إذ البديل عنها أن يجلسوا في قواعدهم وثكناتهم منتظرين أن تتساقط عليهم القذائف والصواريخ، أو تقطع طرقاتهم العبوات والكمائن، وفي الوقت نفسه فإن هذه الحملات تمثل لهم صورة من صور السيطرة على الأرض التي يسعون للحفاظ عليها، فبانقطاعها تصبح المناطق التي يتحرك فيها جنود الدولة الإسلامية اليوم بحكم الساقطة عسكريا، ويصبح المرتدون محاصرين في المناطق الحضرية التي يسعون لتأمينها، لتتحول شيئا فشيئا إلى حصون مخافة اقتحام الدولة الإسلامية لها من جديد.

وكذلك فإن أخشى ما يخشاه الروافض وحلفاؤهم الصليبيون اليوم أن يتحول المجاهدون في انتشارهم من نمط العصابات صغيرة الحجم التي تنفذ هجمات عسكرية محدودة القوة إلى نمط التشكيلات العصابية شبه النظامية التي يمكنها -بإذن الله تعالى- القيام بعمليات منسقة متوسطة بل وكبيرة من حيث المدى وطبيعة الأهداف، ولذلك فهم يسعون من خلال الحملات المستمرة إلى إبقاء المجاهدين في حالة تنقل دائم وتوزع متناثر، عبر المطاردة المستمرة لهم ومنعهم من إقامة نقاط استقرار طويلة الأمد بالبحث عنها وتدميرها، وبالتالي التضييق عليهم بذلك لمنعهم من استقبال أعداد كبيرة من النافرين إليهم وخاصة في مناطق العمليات المحيطة بالمدن والطرق الرئيسة.

وهكذا نجد الروافض اليوم ما إن يسمعوا بنصب خيمة في الصحراء إلا حركوا إليها أرتالهم ليتحققوا أن من يستظل بها ليس من جنود الخلافة، وما إن يخبرهم جاسوس أنه رأى بعض الأشخاص في منطقة جبلية قصية إلا شنوا عليها حملة تمشيط خوفا من أن يكونوا من مجاهدي الدولة الإسلامية، وهذا الرعب ليس حكرا على الروافض في العراق فحسب، بل هو -بحمد الله تعالى- عام شامل في نفوس الكفار والمرتدين في كل مكان، فهم منذ إعلان الخلافة في حالة استنفار دائم لم تُنهها إعلاناتهم المزعومة بتحقيق النصر النهائي على الدولة الإسلامية، التي يعلمون قبل غيرهم أنها مجرد أكاذيب لا تغني من الواقع شيئا.
ولهذا فعلى مجاهدي الدولة الإسلامية أن يفرحوا بهذا الفضل العظيم من ربهم جل جلاله، أن جعل مجرد بقاء رايتهم مرفوعة مصدر غيظ وخوف وهلع، وسبب استنزاف للكفار وإرهاق وحركة مستمرة لهم، فما يُدخلونه على قلوب أعداء الله من ذلك كله جهاد في سبيل الله تعالى، يثابون عليه حسنات يعظم بها إيمانهم ويُكفّر بها عن سيئاتهم وترتفع بها درجاتهم، وهم ربما لا يلقون لها بالا لعلو هممهم وتطلعهم لما هو أعلى وأجل من الأعمال، وأكثر نكاية وأعظم فتكا بأعداء الله رب العالمين، فكيف إذا اجتمع إلى ذلك ما يلاقونه من جوع وخوف وهم وغم وهم متمسّكون بدينهم قابضون على توحيدهم، قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120- 121].

وعليهم أن يتأكدوا أنهم بإذن الله منصورون من ربهم بالرعب وبما شاء من جنوده، فلربّ مجاهد ضعيف عضُده، قليل مددُه، مقدور عليه زاده وذخيرته، تحوم فوق رأسه طائرات الصليبيين، وتحيط به جموع المرتدين، هو في عين نفسه مستضعف مطارد، وفي عين أعدائه جيش من الأبطال يوشك أن يقتحم المدن من جديد، ونفوسهم مكسورة أمامه لا تقوى على الثبات في وجه زحفه العنيف المخيف، فليسعوا إلى إرهاب أعدائهم أكثر، وليجهدوا في إرعابهم أكثر، وليصبروا على ما يلقونه في سبيل الله تعالى، فما عملهم كله إلا عبادة، وما ثمرته إلا الحسنى وزيادة، وقد قال ربهم سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 192
الخميس 22 ذو القعدة 1440 هـ
...المزيد

مقال: خذوا حذركم (8) التخطيط للعمل وقيود الواقع تعتمد قضية انتقاء الأهداف بالنسبة للمجاهدين ...

مقال: خذوا حذركم (8)

التخطيط للعمل وقيود الواقع

تعتمد قضية انتقاء الأهداف بالنسبة للمجاهدين على أمور عدة منها ما يتعلق بهم كأهمية الهدف لهم أو إمكانية التنفيذ عليه، ومنها ما يتعلق بالعدو كأهمية الهدف بالنسبة له، ومقدار النكاية المتحققة فيه باستهدافه.

وعلى هذا الأساس كثيرا ما يكون المجاهدون أمام خيارات عديدة أثناء وضعهم خطة قتالهم التي سيعتمدون عليها في إنهاك عدوهم وصولا إلى تدميره بإذن الله تعالى.


وأهم هذه الخيارات:

الأول: التركيز على العمليات الصغيرة الحجم، كثيرة العدد، واسعة الانتشار، وترك العمليات الكبيرة لصعوبة تنفيذها وتكاليفها.

الثاني: التركيز على العمليات الكبيرة الحجم، قليلة العدد، المركّزة من حيث الهدف، وإهمال العمليات الصغيرة لقلة مردودها وضعف تأثيرها.

وبين هذين الخيارين المتعارضين، نجد خيارات وسيطة، أهمها:

الثالث: التركيز على العمليات الصغيرة المستمرة، مع البحث عن أهداف مهمة باستمرار لضربها حين الإمكان.

الرابع: التركيز على العمليات الكبيرة، ولو كانت قليلة، مع عدم ترك أي فرصة لضرب العدو في عمليات صغيرة.

الخامس: العمل بدون تركيز، وذلك بضرب العدو كيفما أمكن، بعمليات صغيرة أو كبيرة.
العمل في البدايات

وعلى العموم، يمكننا القول إن اختيار المجاهدين لأي من هذه الخيارات يخضع لظروف داخلية تخص وضع المجاهدين من حيث التنظيم والإمكانات والأهداف، وظروف خارجية تخص وضع عدوهم من حيث القوة والتمكين.

فالسرية المجاهدة عندما تكون صغيرة الحجم، ضعيفة الإمكانات، بدائية من حيث قدرات أفرادها على التخطيط والتنفيذ، ويكون هدفها الاستمرار في العمل وتطويره حتى تدمير العدو تماما، وتحقيق التمكين في الأرض، ويكون عدوها قويا متمكنا من الأرض، فإن من مصلحتها بدء عملها باتباع الخيار الأول.

وفي حال كان هدف السرية يقتصر على إحداث أكبر نكاية في العدو، وكان العدو قويا متمكنا، بحيث يغلب على ظن المجاهدين أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في تنفيذ الهجمات لفترة طويلة، فإن من الأفضل لهم أن يتبعوا الخيار الثاني.

وهذا ما نراه عادة في عمليات سرايا المجاهدين أو أفرادهم العاملين في الدول الصليبية، فهم يضعون في حسبانهم صعوبة الانسحاب من موقع الهجوم بعد تنفيذه، أو صعوبة الاستمرار في تنفيذ عمليات متعاقبة نظرا لانكشافهم أمام العدو، ولذلك فإنهم يعملون بهذا الخيار بحسب توفر الإمكانات، وأهمها الأسلحة المطلوبة والقدرة على إيصالها إلى مكان الهجوم، فنجدهم يتفاوتون بين استخدام السكاكين، في هجمات توقع عددا قليلا من القتلى والجرحى في صفوف الصليبيين، وأثرا نفسيا ودعائيا محدودا، وبين هجمات كبيرة منسقة باستخدام المتفجرات والأسلحة النارية، والتي توقع خسائر كبيرة في صفوف الصليبيين، ماديا وبشريا، وصدىً إعلاميا كبيرا.

وفي حال كانت السرية قوية من حيث امتلاك أفرادها الخبرات اللازمة لتنفيذ عمليات كبيرة، وإن كانت ضعيفة من حيث العدد والإمكانات، فإنه يمكنها أيضا اتباع الخيار الثاني، وذلك كي تحقق لنفسها نموا سريعا، فالعمليات الكبيرة تجذب عيون الأنصار وقلوبهم بشكل أسرع، وهذا ما فعلته الدولة الإسلامية فور دخولها إلى الشام، حيث اقتصر أمرها في بداية الأمر على عدد قليل من الإخوة الخبراء مع عدد ليس بكبير من الأنصار قليلي الخبرة، فبدأ العمل بهجمات كبيرة مركزة على مفاصل النظام النصيري الرئيسة، الأمر الذي ساعد على شهرة كبيرة لاسم السرية (جبهة النصرة) ودفع العشرات ثم المئات من المهاجرين والأنصار إلى الالتحاق بها، خاصة بعد أن عرفوا بتبعيتها للدولة الإسلامية.

وكذلك فإن الشيخ أبو مصعب الزرقاوي وإخوانه قد اتبعوا هذا الخيار في بداية قتال القوات الصليبية الغازية في العراق، وساعدت العمليات الكبرى التي نفذها المجاهدون ضد "الأمم المتحدة" والسفارات وثكنات الصليبيين على شهرة واسعة لهم طغت على شهرة جميع الفصائل الموجودة في الساحة، الأمر الذي سهل جدا قضية التحاق المهاجرين والأنصار بجماعة (التوحيد والجهاد) وخاصة بعد أن تبيّن لهم أن عقيدتها قائمة على التوحيد، ومنهجها قائم على الجهاد في سبيل الله حتى إقامة الدين وإعادة الخلافة الإسلامية.


- العمل في مراحل متقدّمة

وبعد أن تنمو السرية المجاهدة كماً ونوعا، بحيث يصبح عددها كبيرا نوعا ما، ما يجعل من العسير القضاء عليها تماما، وكذلك تنمو إمكاناتها المادية وقدرات أفرادها المعرفية من حيث الخبرة في التخطيط للهجمات وتنفيذها، فإنه من الضار بالنسبة إليها الاقتصار على أحد الخيارين (الأول والثاني)، فاقتصارها على الأول يكون تفريطا في جانب العمليات الكبيرة ذات التأثير الكبير على العدو رغم قدرتها عليها، واقتصارها على الثاني يؤدي إلى تجميد جزء كبير من أفرادها وإمكانياتها، حيث لا يمكن حشد كل ذلك لتنفيذ العمليات الكبيرة، القليلة العدد عادة، مما سيصيب السرية بالبطالة.
ولذلك فإنه من الأفضل لها الانتقال إلى أحد الخيارات الوسيطة (الثالث أو الرابع)، وذلك بتقسيم السرية إلى قسمين:

الأول يعتمد على الكم، ويضم المجاهدين قليلي الخبرة، المنتشرين بشكل واسع، والذين يمكنهم تنفيذ عدد كبير كماً واسع الانتشار مساحة، ما يؤدي بالمحصلة إلى تحقيق عائد كبير بمجموع هجماتهم كلها، لا بأفراد بعضها، ويكون حالهم كحال بائعي المفرّق، الذين يبيعون كميات قليلة من السلع تحقق لهم عائدا قليلا نسبيا، ولكن إذا جمعنا عائداتهم كلها، سنحصل على عائد إجمالي كبير.

والثاني يعتمد على النوع، ويضم المجاهدين ذوي الخبرة، المؤهلين لتخطيط وإدارة وتنفيذ العمليات الكبيرة، ذات العائد المرتفع للمجاهدين، والخسائر الكبيرة لأعدائهم، ويكون حال هؤلاء كحال تجار الجملة، الذين يحققون عائدا كبيرا من كل صفقة، قد يساوي أو يزيد على عائد مئات عمليات البيع التي يجريها زبائنهم في فترة طويلة.

وبالجمع بين الخيارين، يمكن تشغيل جزء كبير من كيان السرية في خطة عمل تمنع حدوث البطالة، وتحقق عائدا مستمرا من حيث الزمن، كبيرا من حيث إجمالي عملياته، موزعا من حيث انتشار العمل وتوسعه، وتساعد على تأهيل المجاهدين وتدريبهم على القتال واكتساب الخبرات الكبيرة في العمل، وفي الوقت نفسه تسمح بقفزات كمية ونوعية كبيرة في مسار الجهاد، بتحقيق نكاية وخسائر كبيرة في العدو، من النواحي المادية والبشرية والنفسية والإعلامية، وعوائد كبيرة للمجاهدين من حيث الغنائم المادية، والفائدة الإعلامية، والثقة النفسية، واستقطاب المجاهدين الجدد للتجنيد والعمل ضمن السرية.

أما الخيار الخامس، فتتبعه السرية المجاهدة عادة في حال ضعف منظومة القيادة والسيطرة والتحكم والاتصالات فيها، بحيث تأمر قيادة السرية أفرادها بالعمل بحسب الممكن، أو في الحالات الطارئة، التي يجد المجاهدون أنفسهم مضطرين لضرب العدو بكل ما يتوفر، لإشغاله عن التصدي لعمل مهم للمجاهدين، أو إرباك تحركاته الهجومية أو الدفاعية ضدهم، أو لمجرد ضرب استقراره في وقت معين، بحيث تأمر قيادة السرية أفرادها بالعمل بأقصى ما يمكن، دون مراعاة لأي ضوابط لتقسيم العمل، أو تخطيطه على المدى الطويل.

ونلاحظ أن سياسة الدولة الإسلامية تجاه العمليات في الدول الصليبية تراوحت بين الخيارين الثالث والخامس، فهي دعت المسلمين هناك إلى مهاجمة ما يقدرون على ضربه من الأهداف، بما توفر من الأسلحة، لتحقيق أقصى ما يمكن من الخسائر في صفوف الصليبيين، وذلك لصعوبة التحكم وتسيير عمليات المجاهدين هناك، وخطورة التواصل معهم بهذا الخصوص، فكان المتوقع منهم تنفيذ عمليات صغيرة مستمرة، مع احتمال قدرة بعضهم على تنفيذ عمليات كبيرة.

ولكنها في الوقت نفسه حين إرسالها لسرايا مدربة ومجهزة لتنفيذ الهجمات، دفعت هذه السرايا لتنفيذ عمليات كبيرة من حيث الأهداف وطريقة تنفيذ الهجمات عليها والخسائر المتوقعة من وراء ضربها.

وهكذا فإنها حققت عوائد مستمرة، من هجمات المجاهدين المنفردين والسرايا صغيرة الحجم، قليلة الخبرة، ضعيفة التجهيز، ورغم أن عوائد كل من هجماتهم كانت قليلة نسبيا، إلا أنها بمجموعها كانت كبيرة، تقارب العوائد الكبيرة للعمليات النوعية قليلة العدد التي نفذها جنود الدولة الإسلامية خلال السنوات الماضية.

وبذلك كله نعلم أنه من المفيد للمجاهدين أن يتحللوا من القيود التي يقيدون بها عملهم أحيانا، وأن يبنوا خططهم على أساس واقعهم وإمكاناتهم وأهدافهم وواقع عدوهم وإمكاناته وأهدافه، ويستعينوا بالله تعالى على تنفيذ ما عزموا عليه، هو نعم المولى ونعم النصير.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 192
الخميس 22 ذو القعدة 1440 هـ
...المزيد

في زمن المجزرة • تشتعل النفوس وتلتهب المشاعر مع كل مجزرة يهودية في فلسطين، دون ترجمة هذه المشاعر ...

في زمن المجزرة

• تشتعل النفوس وتلتهب المشاعر مع كل مجزرة يهودية في فلسطين، دون ترجمة هذه المشاعر إلى أفعال أو مواقف على الأرض، بل تبقى حبيسة الصدور أو السطور بينما تتوالى المجازر والمواجع، وتتوالى معها الصيحات والدمامع ثم تخبو تلك المشاعر تدريجيا وهكذا حلقة مفرغة من التيه والعجز والقعود في زمن المهاجم والمضاحج هذا توصيف الواقع بعيدا عن الإفراط والتفريط لكن السؤال الذي ينبغي أن يُطرح: ما هو الحل لدفع هذه المجازر؟ وما الدروس المستفادة منها؟

في زمن المجزرة سقطت كل دعاوى "السلام" وابنته "السلمية"! فالأولى كانت وسيلة العلمانيين، والثانية كانت بدعة "الإسلاميين"، وكما فشل خيار "السلام"، فشلت "السلمية" بكل صورها في دفع أي خطر عن الأمة أو حقن قطرة دم واحدة من دماء المسلمين خلافا للوهم الذي كان يسيطر على أربابها وأتباعها بوصفها حكمة وحكنة ومفقذة وإنما حلّت السلمية حلّت المذبحة! بل كانت أشد فشلاً من خيار "السلام"! ولذلك هجر الناس "السلمية" وخياراتها، فهي من المجازر الفكرية التي طرأت ولم تعرفها العصور السابقة.

• مقتطف من افتتاحية النبأ العدد 456
الخميس 11 صفر 1446 هـ
(في زمن المجزرة)
...المزيد

في زمن المجزرة • ومن مخلفات السلمية غير الصراخ والعويل: التعويل على الحلول "الدبلوماسية" ...

في زمن المجزرة

• ومن مخلفات السلمية غير الصراخ والعويل: التعويل على الحلول "الدبلوماسية" الدولية، وما تعني "الدبلوماسية" في زمن المجزرة؟! وهل "الدبلوماسية" اليوم إلا الوجه الآخر للجيوش والحروب العسكرية؟! وهل تقصف الطائرات وتَحرق الدبابات إلا بإيعاز وتخطيط السياسيين "الدبلوماسيين" الذين يشكلون رأس الحربة في الحروب؟!

في زمن المجزرة على المسلم أنْ يعي بأنّ هذا الكون يسير وفق سنن ونواميس إلهية لا تحابي أحدا، وأنّ السبيل الذي وضعه الله للتغيير ودفع الظلم عن المسلمين، لا يوجد له بديل في كل قواميس السياسة و"الوطنية" و"الثورات المعاصرة، فالجهاد الذي شرعه الله تعالى لنصرة المسلمين والتمكين لهم؛ لا ينوب عنه نائب بحال، لا "سلمية" ولا "مقاومة" ولا "وطنية"، بل الجهاد الشرعي الأصيل الذي مارسه النبيُّ ﷺ وصحابته خلال دورة التاريخ الإسلامي، جهاد ليس لديه سوى الشريعة ضابطا وموجِّها ودافعا، جهاد لا يستجدي "مجلس الأمن" ولا مواثيقه الكفرية، هذا الجهاد المفقود في فلسطين وغيرها هو الحل الوحيد في زمن المجزرة.

• مقتطف من افتتاحية النبأ العدد 456
الخميس 11 صفر 1446 هـ
(في زمن المجزرة)
...المزيد

في زمن المجزرة • في زمن المجزرة على المسلم أنْ يوقن أنه لا يحدث شيء في أرض الله إلا بعلمه ...

في زمن المجزرة

• في زمن المجزرة على المسلم أنْ يوقن أنه لا يحدث شيء في أرض الله إلا بعلمه ومشيئته سبحانه، فما يصيب المسلم من محن وجراح مقدّر عليه تماما كما يناله من منح وأفراح، وأنّ المؤمن كما يسعد بالقدر خيره ويشكره عليه أنْ يرضى بالقدر شره ويصبر عليه وتطيب نفسه به، وقد كشفت الحروب والكروب أن لدى الناس مشكلة عميقة في باب الإيمان بالقضاء والقدر، وأنّ المؤمنين - بذلك على وجه اليقين والتسليم - قلة مقارنة بمن يوغلون في الاعتراض على الخالق سبحانه!، قولا وفعلا، بالجنان واللسان والأركان وهذا بحد ذاته مجزرة تفوق المجزرة! إن الواجب على المسلم أن يستقبل أقدار المولى سبحانه بالصبر والتسليم والرض، فنحن خلق الله نتقلب في أرضه وملكه، فالأرض أرضه والملك ملكه، والخلق خلقه، ونحن عبيده، وهذه هي العلاقة بين البشر والخالق عبودية محضة، من رضي فله الرضى ومن سخط فعلیه سخطه.

• مقتطف من افتتاحية النبأ العدد 456
الخميس 11 صفر 1446 هـ
(في زمن المجزرة)
...المزيد

في زمن المجزرة • في زمن المجزرة ينظر المسلم إلى مجازر فلسطين على أنها امتداد لمجازر الكافرين بحق ...

في زمن المجزرة

• في زمن المجزرة ينظر المسلم إلى مجازر فلسطين على أنها امتداد لمجازر الكافرين بحق المسلمين في كل مكان، امتداد لمجازر التاريخ القريب والبعيد، امتداد لمجازر العراق والشام واليمن وخراسان، وقبلها مجازر الشيشان والبوسنة والهرسك وغيرها التي ارتكبها أعداء الإسلام نصارى ووثنيين وشيوعيين ومجوس، وإن التفريق بين دماء وقضايا المسلمين تبعا للفوارق والحدود الجاهلية، هو بحد ذاته جزء من المجزرة الفكرية التي ضربت عقيدة المسلمين وكانت أخطر عليهم من المجزرة نفسها، فيا لهوان موت المرء مقارنة بموت توحيده!.

• مقتطف من افتتاحية النبأ العدد 456
الخميس 11 صفر 1446 هـ
(في زمن المجزرة)
...المزيد

في زمن المجزرة • وليس اليهود أو الأمريكان وحدهم المتورطين في مجازر، فلسطين، بل هناك أطراف أخرى ...

في زمن المجزرة

• وليس اليهود أو الأمريكان وحدهم المتورطين في مجازر، فلسطين، بل هناك أطراف أخرى شاركت قصدا أو تبعا في هذه المجازر وإنْ ظهروا اليوم يتباكون على ضحاياها، فدعاة السوء الذين نذروا حياتهم للدفاع عن الطواغيت وجيوشهم الكافرة الحامية لحدود اليهود؛ هم مشاركون في المجزرة، الحركات والجبهات المرتدة التي حاربت المجاهدين وقطعت الطريق عليهم وأخَّرت مسيرهم، هي جزء من هذه المجزرة الكتّاب والإعلاميون المنافقون أو ما يطلق عليهم في الوسط الجاهلي "المثقفون والنخب"، والذين تسلطوا على المجاهدين وسلقوهم بألسنة حداد، هؤلاء أيضا مشاركون في المجزرة، هؤلاء وغيرهم متورطون في المجزرة بقدر حربهم وتشويههم للمجاهدين الذين خاضوا غمار الحروب ضد قوى الكفر ، فاصطف هؤلاء في صف تحالف الكفر ضد المجاهدين، فاستمرت المجزرة بحق المسلمين.

• مقتطف من افتتاحية النبأ العدد 456
الخميس 11 صفر 1446 هـ
(في زمن المجزرة)
...المزيد

في زمن المجزرة • لا شيء يدفع المجزرة عن أمة الاسلام غير المجزرة، واقرأوا التاريخ أيها ...

في زمن المجزرة

• لا شيء يدفع المجزرة عن أمة الاسلام غير المجزرة، واقرأوا التاريخ أيها "الإسلاميون" لكي تعرفوا كيف كان المسلمون! اقرأوا سير الصحابة والفاتحين اقرأوا عن بأس الصدّيق يوم حروب الردة، اقرأوا عن مغازي خالد بن الوليد ونك⇂ايته بالكافرين، اقرأوا تاريخ الإسلام من مظانه فهو التطبيق العملي لما جاء في الوحيين، اقرأوا وامتثلوا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، وقوله سبحانه: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} اقرأوا تاريخكم بوحييه لتعلموا أن المسلمين دفعوا المجزرة بالمجزرة، وفلّوا الحديد بالحديد وحقنوا دماء المسلمين بسفك دم الكافرين، فأدموا الروم والف.رس وقبلهم المشركين والمرتدين، نصروا الإسلام بالجهاد الذي لا يستحي من النكاية والبأس والغلظة والشدة على الكافرين حتى امتلأت الصحاري بنتن قتلاهم، وكان زهم الموت يملأ الأجواء، هكذا واجه سلفُنا السابقون المجزرة ودفعوها.

وإن التأمل في حتمية نزول عيسى عليه السلام في نهاية الزمان رافعا الجزية مخيّرا أهل الكتاب بين الإسلام أو السيف؛ يدرك أن الغلبة في زمن الملحمة للسيف، وأنه سيُقدّم على سواه من الوسائل التي اتسع لها صدر الإسلام، وسيغدو السيف خير داع إلى الإسلام بشروط الكتاب والسنة، ولذلك جرّدوا أيها المسلمون توحيدكم ثم سيوفكم فلا شيء أنفى للمجزرة من المجزرة، لا شيء أنفى للقتل من القتل، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

• مقتطف من افتتاحية النبأ العدد 456
الخميس 11 صفر 1446 هـ
(في زمن المجزرة)
...المزيد

مقال: جاه الأكارم (4) -حسن الظن- الحمد لله الكبير المتعال ذي الجلال والإنعام، والصلاة والسلام ...

مقال: جاه الأكارم (4) -حسن الظن-


الحمد لله الكبير المتعال ذي الجلال والإنعام، والصلاة والسلام على نبي الملحمة والمرحمة، وعلى آله وصحبه ومن استنّ بسنته إلى يوم الدين، وبعد.

إن ديننا الحنيف قد جاء بكل ما تصلح به القلوب والأبدان، وأي خلل في حياة العبد فسببه البعد عن المنهج القويم والتمسك بالأوامر والنواهي؛ لأن الله تعالى هو خالقنا وهو أعلم بما يُصلحنا، فأنزل في كتابه كل الأدوية الناجعة لأمراض الأنفس والقلوب، وفي هذا المقام نذكر داء يُتعب ويُضعف القلوب السليمة، وإن استرسل معه صاحبه فإن الشيطان يكرّ عليه مرة بعد أخرى حتى يُلحق به الهزيمة والتلف، ألا وهو سوء الظن بالمسلمين، الذي جاء ذمه مرات كثيرة في القرآن الكريم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَّعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:12]؛ "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا". [تفسير ابن كثير]، كما أن سوء الظن يؤدي إلى تقطيع الصلات وذهاب المودة وتجذّر العداوة في القلوب السليمات، وهو لا يغني من الحق شيئا قال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم:28] "أي: لا يجدي شيئا، ولا يقوم أبدا مقام الحق، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث). [تفسير ابن كثير]

وسوء الظن شبيه بسوء القول، فكما يحرم الحديث باللسان عن مساوئ المؤمن عند الغير، فلا يصح أيضا تحديث النفس وإساءة الظن به، وذكر بعضُهم أن سبب تحريمه أن في القلوب أسرارا لا يعلمها إلا الله تعالى، وليس لأحد أن يعتقد في غيره سوءا لم ينكشف له، ولم يشاهده ولم يسمعه، وهو غالبا إنما يلقيه الشيطان، فينبغي تكذيبه فإنه فاسق مفسد يسعى للتفريق بين المسلمين.

ويتأكد سوء الظن إذا كان المُساء فيه، مسلما ظاهر الصلاح والعدالة، وتستقر تهمته في القلب حتى يعامل المسلمُ أخاه بحسبها وكأنها ثابتة!.

فلا بد للمسلم إن أراد أن يسلم له إيمانه ويسعد قلبُه وبدنُه ويصلح ودّه مع أقرانه، أن يحسن الظن بهم ويجاهد نفسه على ذلك، فتصفو حياته ويسلم من الخواطر التي تؤذي نفسه وتتعب جسده.


• مما يُعين على إحسان الظن بالمسلمين

ومما يُعين على إحسان الظن بإخوانك المسلمين، الاستشعار أنه من محاسن الأعمال الصالحة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسن الظن من حسن العبادة) [رواه أبو داود وأحمد].

وأن يعلم أن من الحقوق التي للمسلم على أخيه المسلم أن يحسن الظن به، بل ومن الحرم التي لا ينبغي تجاوزها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه، وأن نظن به إلا خيرا) [رواه ابن ماجه]. وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: "من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس". وقال بشر الحافي: "من سره أن يسلم فليلزم الصمت وحسن الظن بالخلق".

ومن الأسباب المعينة على إحسان الظن أيضا، الدعاء وما أدراك ما الدعاء؟ يُستدفع به سائر البلايا والأدواء، ويأتي به العون من رب الأرض والسماء، فادع الله ربك جل في علاه أن يرزقك قلبا سليما لا يظن بالمسلمين إلا خيرا، فمِن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهمَّ أسألُكَ قلبًا سليمًا) [رواه أحمد]، ومتى كان القلب سليما صلحت سائر الجوارح ولم يجد الشيطان حينئذ ثغرة كي يوغر صدر صاحب ذلك القلب على المسلمين.

ومن الأسباب التي يستجلب بها حسن الظن أن يذكر المرء نفسه أنه إن جعل سوء الظن ديدنه وطبيعة لا تفارقه؛ سينفضّ المسلمون عنه، والعبد لا يقدِر على فقْدِ عِشرَة الأقران، والنفوس مجبولة على حب من يلتمس لها الأعذار ولا يأخذ عنها سيئ الأخبار، فبذلك يردع المرء نفسه، قال أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء: "الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطَّلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عميَ قلبُه وتعب بدنُه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه".
وإن رُزق الإنسان بأخٍ صالح يذكّره إن زلّ فتلك نعمة عظيمة، قال سفيان بن حسين: "ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها". [البداية والنهاية]

ولا بد من الاجتهاد على النفس بتدريبها على إحسان الظن وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّمه أصحابه، من ذلك عندما جاءه أعرابي أساء الظن بامرأته لما رُزق منها بمولود أسمر، فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسودَ وإني أنكرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنى هو؟ قال لعله يا رسول الله يكون نزعه عرق له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وهذا لعله يكون نزعه عرق له. [متفق عليه]

وقال بكر بن عبد الله المزني: "إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك" [تهذيب التهذيب]، وقال ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه"، وها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى الله ضعفك، فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردتُ إلا الخير، فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير!.

فهكذا تكون الأخوة بين المسلمين وهكذا تدوم حبال الود بينهم، بقلوب سليمة نقيّة ليس للشيطان عليها سبيل، اللهم ارزقنا قلوبا سليمة ترى الجميل وتحفظ الود وتُحْسِن الظنّ وتبثّ المحاسن، وتستر العيوب، أنت خالقنا لا حول لنا ولا قوة إلا بك والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 304
الخميس 9 صفر 1443 هـ
...المزيد

مقال: جاه الأكارم (5) -النصيحة- الحمد لله الحليم العليم، محب التوابين ومحب المتطهرين، والصلاة ...

مقال: جاه الأكارم (5) -النصيحة-


الحمد لله الحليم العليم، محب التوابين ومحب المتطهرين، والصلاة والسلام على خير النبيين وسيد الواعظين، وعلى آله وصحبه الصادقين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.

الدين النصيحة، منهجٌ نبويٌ ونظام صفاءٍ وتكاتفٍ جماعيٍ جاءت به الشريعة، ليتدارك المسلمون بعضَهم حين يزلّ أحدهم؛ لأنه لا يكفي الاقتصار على صلاح النفس فقط، فالمؤمن مرآة أخيه، وهو من باب محبة الخير للناس وهو من كمال الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه) [البخاري ومسلم]

ولأهمية النصيحة بين المسلمين؛ بايع بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، فعن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قَال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم" [متفق عليه]، وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [متفق عليه].

قال ابن الأثير رحمه الله: "نَصيحةُ عامّةِ المسلمين: إرشادُهم إلى مصالِحِهم" [النهاية في غريب الحديث]، ويقصد بالنُّصح أيضا: تحري فِعل أو قول فيه صلاح صاحبه، أو هو إخلاص العمل عن شوائب الفساد، أمَّا النصيحة: فهي الدُّعاء إلى ما فيه الصلاح، والنَّهي عمَّا فيه الفساد. [التعريفات للجرجاني]

وأنصح الخلق للخلق هم الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذين تحملوا أذى أقوامهم في سبيل إخراجهم من الشرك إلى توحيد رب العالمين، الذي فيه في نجاتهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، فنبي الله نوح عليه الصلاة والسلام خاطب قومه قائلا لهم: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:62]، وهذا هود عليه السلام يقول لقومه: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف:68]

والنصح أحد حقوق المسلم على أخيه المسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حقُّ المسلم على المسلم سِتٌّ، قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجِبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد اللهَ فشمِّته، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبعه) [رواه مسلم]، بل ولِما في النصيحة من أثر عظيم متعدٍ لسائر الناس، لم تكن مقتصرة على الحر دون العبد المسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نَصح العبدُ سيِّدَه وأحسن عبادة ربِّه، كان له أجرُه مرَّتين). [أخرجه البخاري]


• من آداب النصيحة

وللنصح آداب لا بد أن يتحلى بها الناصح الشفيق ما أمكن؛ كي يُقبل منه الخير الذي أراد إيصاله بالنصيحة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وأما النصيحة للمسلمين: فأنْ يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإنْ ضره ذلك في دنياه، كرخص أسعارهم، وإنْ كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب ما يصلحهم، وألفتهم، ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم، وقال أبو عمرو بن الصلاح: النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادةً وفعلاً". [جامع العلوم والحكم]

ومن آداب النصيحة، قول ابن رجب أيضا: "فإذا أخبر الرجل أخاه بعيب ليَجتنبه، كان ذلك حَسَنًا لمن أخُبِر بعيبٍ من عيوبه أن يعتذر منها إنْ كان له منها عذرٌ، وإنْ كانَ ذلك على وجه التوبيخ بالذنب، فهو قبيحٌ مذمومٌ، وكان السَّلَف يَكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العَلَن، ويحبُّون أن يكون سرًّا فيما بين الآمر والمأمور؛ فإن هذا من علامات النُّصْح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب مَنْ ينصح له؛ وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها، فشتَّان بين مَنْ قَصْده النصيحة وبين مَنْ قَصْده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلَّا على مَنْ ليس من ذوي العقول الصحيحة، ومِنْ أظهرِ التعييرِ إظْهارُ السوء، وإشاعتُه في قالبِ النُّصْح، وزعْمُ أنه إنما يحمله على ذلك العيوب؛ إمَّا عامًّا أو خاصًّا، وكان في الباطن إنما غرضُه التعيير والأذى، ومَنْ بُلِيَ بشيء مِنْ هذا المكْر، فليتَّقِ الله، وليستعِنْ به ويصبر؛ فإن العاقبة للتقوى، والواقع يشهد بذلك، فإنَّ مَنْ سَبَر أخبار الناس، وتواريخ العالم، وَقفَ على أخبار مَنْ مَكَرَ بأخيه، فعاد مَكْرُهُ عليه، وكان ذلك سببًا لنجاته وسلامته على العجب العُجاب". انتهى كلامه رحمه الله [الفرق بين النصح والتعيير باختصار]
• الفرق بين التعيير والنصح!

كما أن الناصح لا بد أن يضع بحسبانه أنه وكما يحب أن يُنصح بالسر فهذا ينطبق على غيره من المسلمين أيضا فما من أحد إلا ويحب أن يُنصح سرا، قال ابن رجب رحمه الله: "كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ، وعظوه سراً، حتّى قال بعضهم: مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبّخه. وقال الفضيل: المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ" [جامع العلوم والحكم]، وقال ابن حزم رحمه الله: "إِذا نصحت فانصح سرا لَا جَهرا، وبتعريض لَا تَصْرِيح، إِلَّا أَن لَا يفهم المنصوح تعريضك، فَلَا بدُ من التَّصْرِيح... فَإِن تعديت هَذِه الْوُجُوه فَأَنت ظَالِم لَا نَاصح" [الأخلاق والسير]، إلا إذا اقتضت المصلحة أن يجهر بالنصح أمام الملأ في حال كان الأمر يخص رد شبهة أو بدعة دعى الحال للجهر بها كي يتبين الحق من الباطل فهنا يكون الجهر مشروعا في حق الناصح، قال ابن رجب رحمه الله: "إن كان مقصوده مجرد تبيين الحق، ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته: فلا ريب أنه مثاب على قصده، ودخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم". [الفرق بين النصيحة والتعيير]

ومن آداب النصيحة أن يختار العبارات اللينة، وكلٌ على حسب حاله والأصل في النصح أن يكون باللين، قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ} [طه:44]، وهذا خطاب من الله لنبيه موسى عليه السلام لطريقة خطاب فرعون الذي طغى وكان يقول: {أنا ربكم الأعلى}، وقد كان في علم الله إعراض فرعون وتكذيبه، ولكن الله أراد أن يؤدب أولياءه ويدلهم إلى طريقة النصح وإقامة الحجة، ولا شك أن من كان أقل حالا من فرعون طغيانا وجبروتا كان أولى باللين في الخطاب والنصح.

ومن آداب النصيحة كتمان السر للمسلمين -وهذا إن لم يتعلق الأمر بشيء من أمور المسلمين العامة، فإن كان كذلك كفساد في العقيدة والدين وجب إفشاؤه للتحذير منه- ولا بد أن يستند في ذلك على شيء يقيني هو متأكد من حدوثه فيمن عزم على نصحه، لا على أمور ظنية وأوهام لا حقيقة لها؛ وذلك لتكون النصيحة في مكانها.

لا تنصح على شرط القبول

ومن آداب النصيحة أن يضع بحسبانه أن الصبر بمثابة الرأس للجسد في الأمور كلها، وأن يتوقع أسوأ الردود ولو كانت نصيحته نابعة عن محبة وإرادة للخير للمنصوح، فالأنفس تختلف في استقبالها وردها، وما دام أنه أراد وجه ربه جل في علاه فسيكون لها أثر ولو بعد حين بإذن الله، قال ابن حزم رحمه الله: "لا تنصحْ على شرط القَبول، ولا تشفعْ على شرط الإجابة، ولا تَهَب على شرط الإثابة، لكن على سبيلِ استعمالِ الفضل وتأديةِ ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذلِ المعروف" [الأخلاق والسير]، كما أنه لا بد من تحري الوقت المناسب للنصيحة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن لهذه القلوب شهوة وإقبالا، وإن لها فترة وإدبارا، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها" [رواه ابن المبارك في الزهد]

اللهم اجعلنا نَصَحَة صادقين، للحق قوّالين وللمنكر نهّائين، وفي أعمالنا مخلصين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 305
الخميس 16 صفر 1443 هـ
...المزيد

صحيفة النبأ - قصة شهيد / أبو البراء الرحنويني أبو البراء الرحنويني -تقبله الله- ربّ همّة ...

صحيفة النبأ - قصة شهيد / أبو البراء الرحنويني



أبو البراء الرحنويني -تقبله الله-
ربّ همّة أحيا الله تعالى بها أمّة


إنّ مِن عباد الله تعالى رجالا يُحيي بهم أمما من الناس، ويجعلهم مفاتيح خير أينما حلّوا فتحوا طرقا لنصرة الدين كان غيرهم يراها مغلقة، حتى إذا ما عالجوها مخلصين نياتهم مستعينين ببارئهم وجدوها سهلة يسيرة، فنالوا بذلك فضل السبق إضافة إلى فضل المجاهدة والصبر، وفضل العمل، ثم يكون لهم أجر جميع إخوانهم الذين اتبعوهم على هذا الطريق بعد أن فتحوه لهم، إن الله جواد كريم.

فكم رأينا ماجدا من الأفذاذ حيثما حلّ نشط العمل لدين الله تعالى، بما يقوم به بنفسه، وبما يكون له من أثر في غيره، فيكون كالغمام ساقه الله تعالى إلى أرض ميتة فأمطرت ليخرج ما فيها من خير وبركة، وذلك لأن الناس يرون ما فيهم من خير فيتبعونهم عليه، فهم يبدؤون بأنفسهم مستعينين بالله تعالى على قضاء ما أوجبه عليه، فيعينهم الله تعالى بما شاء، ومنهم الإخوة الناصحون الذين يرفعون جانبا من الحمل عنهم، ثم يُكملون السير على الطريق من بعدهم.

وكان من هؤلاء الرجال الذين فاضوا بركة وعطاء حيثما حلوا؛ الأخ الهمام والبطل المقدام (أبو البراء الأمني) تقبله الله تعالى، الذي كان تمرة للموحدين حنظلة للمرتدين في الصومال، أينما حل وارتحل، حتى توفاه الله تعالى إليه، تقبله الله في الشهداء.


• الطريق إلى جماعة المسلمين

انضمّ الأخ أبو البراء واسمه عبد الرحمن مرسل، إلى كتائب المجاهدين في فترة سيطرة ما عرف آنذاك بـ"المحاكم الإسلامية"، وشاركهم التصدي للصليبيين الأفارقة من الإثيوبيين والأوغنديين والبورنديين وأذنابهم من المرتدين لستة أعوام، حتى كتب الله عليه الأسر، فمكث في سجنهم بضع سنين.

لم يُثنِ السجن عزمه أو يغيّر هدفه، فكان طيلة حبسه يتابع أخبار المسلمين في الصومال وخارجها، ويستبشر بفتوحات المجاهدين، التي بدأت تزداد وتيرتها خصوصا بعد انفتاح ساحات جديدة للجهاد في الشام وليبيا وغيرها من البلدان، وبالتالي فلم يكن حضوره بعيدا عن ساحات الجهاد وما يعتريها من أحداث، فقد عصفت به كما عصفت بالكثير من الناس رياح الفتنة الهوجاء التي أثارها سفيه القاعدة وإخوانه من الصحوات في الشام ضد الدولة الإسلامية، فكان يسعى لاستبيان الحق، رغم بعد المسافة وصعوبة الحصول على الخبر اليقين لمن كان في مثل حاله سجينا، ورغم الضبابية التي كانت حركة الشباب تثيرها بداية حول موقفها من تلك الفتنة، ثم تجلية موقفها بإعلان الولاء لفسطاط المرتدين، والحرب على دولة المسلمين، هداه الله تعالى إلى الحق، وبصّره بضلال من انتصروا للباطل وأهله، فعقد العزم أن يفارقهم وأن ينضم إلى جماعة المسلمين، فيكثّر سوادها وينصر جنودها، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وما إن منّ الله تعالى عليه بالفرج بعد خمس سنين قضاها أسيرا في سجون المرتدين حتى بادر إلى اللحاق بإخوانه المجاهدين، معلنا بيعته لخليفة المسلمين، وذلك في العام 1437 هـ، حيث كان المجاهدون بأمسّ الحاجة إلى أمثاله من أهل السابقة والخبرة في الجهاد، فكان دخوله إليهم مبعث سرور لهم، وما النصر إلا من عند الله العزيز العليم.

ودخل -رحمه الله تعالى- في معسكر للإعداد، ليجدد نشاطه ومعارفه، ويقوّي بدنه، ويزداد علما بأمر الدين، وتبصّرا بأحوال المسلمين، وبرز بين أقرانه بصفات القيادة والشجاعة، والتي زادت بروزا أثناء مشاركته في المعارك ضد المرتدين، ومن أبرزها غزوة فتح بلدة (قندلا)، ثم معارك الثبات فيها، وما تلاها من فتن عصيبة مرت بالموحدين بعد معاونة الصليبيين لأوليائهم بالقصف الجوي والرصد الاستخباري، فثبت في تلك المحنة مع مَن ثبته الله تعالى، حين أزاغ قلوب كثير من العباد.


• تأسيس العمل الأمني في (بوصاصو)

وتقدم أبو البراء -تقبله الله- بطلب إلى أمرائه لتنفيذ عملية استشهادية على المرتدين، وبعد انتظار وصبر حصل على ما يريد، هدف كبير لعساكر الردة في مدينة (بوصاصو) سيقوم باستهدافه برفقة الأخ (أبو قدامة المريحاني) -تقبله الله- تباعا، فمكّن الله تعالى أخاه من نسف الحاجز الأول بسترة متفجرة، وقتل من المرتدين عددا كبيرا، وكان الدور على أبي البراء أن يتقدم لضرب الهدف الذي يليه، فمضى إليه بإقدام وثبات، لكن قبيل الوصول إليه اتصل به إخوانه طالبين منه الرجوع، وإيقاف العملية عند هذا الحد، فرجع -تقبله الله- آسفا حزينا على ما فاته، ولعله كان له في بقائه الخير العظيم.

فلئن فاته قتل بضعة مرتدين في عمليته الاستشهادية المؤجلة، فلقد منّ الله تعالى عليه بقتل العشرات منهم والتشريد بمن خلفهم وزرع الرعب في قلوبهم على طول البلاد وعرضها بعد نزوله إلى ساحة العمل الأمني، صحبة مسدسه الذي فلق به رؤوس الكافرين، وعبواته الناسفة التي مزقت أجسادهم وشوت أكبادهم، وقد منّ الله عليه بقتل أكثر من مئة مرتد بيده خلال فترة عمله في الأمن تقبله الله، ومن يرد الله به خيرا أطال عمره واستعمله في نصرة الدين.
أُرسل أبو البراء -تقبله الله- مجددا إلى مدينة (بوصاصو) ليؤسس مفرزة مهمتها الأساسية التنكيل بالمرتدين، فأدوا ما عليهم ونشروا الرعب في قلوب المرتدين داخل المدينة التي يعتبرونها عاصمتهم الاقتصادية، فكان مسدسه لا يفارق جنبه، متى ما وجد فرصة سانحة لقتل مرتد بادره بطلقة قاتلة، كما نشط في تفجير العبوات الناسفة التي يصنعها بنفسه، ثم يختار لها الأهداف بعناية، ويزرعها في المكان الذي يحقق النكاية، مخاطرا بنفسه أحيانا لتحقيق ذلك، وكان من أهم تلك العمليات، زرعه لعبوتين داخل حاجز للمرتدين وإلى جواره، وتفجيرها عليهم ليدمر الحاجز ويفتك بمن فيه، فيقتل 14 من جنودهم ويجرح آخرين، وحينها أعلن مرتدو الحكومة أن المجاهدين استهدفوا الحاجز بسيارة مفخخة، نظرا لشدة الدمار وتمزق أشلاء الهالكين.


• الانتقال إلى العاصمة (مقديشو)

وبعد أن استقر العمل الأمني في (بوصاصو) ونشطت المفارز الأمنية التي أسسها في المدينة، جاء الأمر إلى أبي البراء بالانتقال إلى جنوب الصومال، للعمل في مقديشو وما حولها من المناطق، وكان العمل في هذه الناحية صعبا للغاية محاطا بالمخاطر، وذلك لكون المدينة تعد عاصمة الحكومة المرتدة، ومركز ثقلها هي والجيوش الصليبية الحامية لها والميليشيات العاملة تحت إمرتها، وبالتالي فإن الانتشار الأمني والعسكري الكثيف فيها يجعل الحركة بحد ذاتها خطيرة على المجاهدين، فكيف بهم وهم يتحركون مسلحين وينفذون العمليات ضد المرتدين.

كذلك فإن المدينة كانت تشهد نشاطا كبيرا للمفارز الأمنية التابعة لقاعدة الصومال المرتدة والذين كانوا حريصين جدا على منع وصول مجاهدي الدولة الإسلامية إليها، وعملهم ضد المرتدين فيها، فكانوا يتعقبونهم بالقتل والاعتقال ولو سافروا إليها للعلاج أو لزيارة الأهل!!، كما فعلوا مع الشيخ المسن عالم الفرائض (الشيخ مهد معلم عانو جيل) -رحمه الله- حين كان في زيارة إلى مقديشو للعلاج، واستغل وقته هناك بإقامة دورة في (الفرائض) بأحد المساجد القريبة من مكان إقامته، فلما علم مجرمو حركة (الشباب) بوجوده، قاموا باغتياله، أخزاهم الله تعالى.

وكل هذا لم يُثن الأخ أبا البراء وإخوانه عن الدخول إلى المدينة وبدء الجهاد فيها ضد مرتدي الحكومة الصومالية، فنشطوا في اغتيال عناصرهم وزرع العبوات الناسفة لهم، في كل من (مقديشو) و (أفجوي) المجاورة لها، وكانت أخبار عملياتهم تتصاعد، ويبارك الله تعالى في أثرها لتنشر الرعب في قلوب المرتدين، الذين أعلنوا أن أكثر من 200 من جنود الخلافة باتوا يتحركون داخل منطقة مقديشو وينفذون العمليات فيها، ليغطوا على فشلهم في الوصول إلى مفرزة المجاهدين قليلة العدد ضعيفة التسليح، والله خير ناصر ومعين.


• فتنة حركة (الشباب) مطاردته وقتل اثنين من أشقائه!

ومع ازدياد عمليات جنود الخلافة في تلك المنطقة، كثّف مرتدو حركة (الشباب) من بحثهم عن المجاهدين لقتلهم حسدا من عند أنفسهم، ولكن صعب عليهم الوصول إلى معلومات يقينية تدلهم عليهم، حتى قدّر الله تعالى وقوع مجاهد من إحدى المفارز في أيدي الحكومة المرتدة، وقد توصل المرتدون بعد التحقيق معه إلى أوصاف أبي البراء والتي عرفها مرتدو حركة (الشباب)، فبات -تقبله الله- هدفا للطرفين في المدينة.

ولما لم يتمكن مرتدو حركة (الشباب) من الوصول إلى الأخ رغم بحثهم المستميت عنه، ونشرهم العشرات من "أمنييهم" في مقديشو وجوارها ممن يعرفون أبا البراء للتعرف عليه، بدأوا بالتضييق على أفراد أسرته المقيمين قرب (أفجوي) بغية دفعه لتسليم نفسه إليهم، ثم زادوا إجراما بأن اختطفوا شقيقا له يعمل مزارعا في المنطقة، وعذبوه عذابا شديدا ليدلهم عليه، ووصل بهم الإجرام إلى قطع لسانه وفقئ عينيه، فلما لم يحصلوا منه على غايتهم جعلوه في كيس وألقوا به في النهر ليموت غريقا!!، قاتلهم الله أنى يؤفكون، ثم أتبعوا جريمتهم تلك بقتل الشقيق الآخر لأبي البراء -تقبلهم الله- وذلك في إطار سياسة بدأها المجرمون آنذاك باستهداف عوائل المجاهدين الذين يعجزون عن الوصول إلى أبنائهم المطلوبين لديهم، وما تلك بأفعال المتقين.

وبعد قتل مرتدي القاعدة الشيخ (مهد معلم عانو جيل) وعدوانهم المستمر على عوائل المجاهدين وأنصارهم، وجد جنود الدولة الإسلامية أنه قد وجب عليهم تأديب تلك العصابة المجرمة ودفع عدوانها عن المسلمين، رغم انشغالهم بقتال مرتدي الحكومة والتنكيل بها، بدأت المفارز الأمنية للمجاهدين تتعقب عناصر حركة (الشباب) وقادتهم في المنطقة، وقد حصدوا رؤوس الكثيرين منهم -بفضل الله تعالى- بعد طغيانهم وتجبرهم وقد كانوا يظنون أنه لن يردعهم شيء بعد أن نزعوا مخافة الله من قلوبهم، حتى اضطروا إلى إخراج كثير من عناصرهم المعروفين من منطقة (مقديشو) واستبدالهم بآخرين مجهولين أملا أن يساعدهم ذلك في تجنب طلقات الموحدين.
وخلال تلك الفترة كاد أبو البراء أن يقع أسيرا في أيدي مرتدي حركة الشباب، عندما كان يدرب مجموعة من المجاهدين على أطراف مدينة مقديشو فتفاجئوا بقوة من حركة (الشباب) تصل المكان، وظنوا أنهم قد أحيط بهم، فبادروا بالاشتباك معها، وأمر أبو البراء إخوانه بالانسحاب بينما يقوم هو بالتغطية عليهم بمسدس كان معه في مشهد للتضحية والفداء للإخوة قلّ نظيره، فاستمر في الاشتباك حتى نفدت ذخيرته ووصلوا إليه، فثبته الله تعالى وربط على قلبه، وأظهر لهم أنه من عناصر حركتهم وقد أتى من مدينة (مقديشو) ولذلك فإنه لم يتعرف إليهم وقاتلهم مخافة أن يكونوا من عناصر الحكومة فيأسروه حيا، فاطمأنوا إليه، وبقي معهم حتى الليل فيسّر الله تعالى له الهرب من بين أيديهم، ونالهم ما نالهم من الخيبة والغضب بعدما اكتشفوا خديعته لهم، كما نالهم منه قبل ذلك القتل والهلاك.

وبعد مسيرة فريدة في العمل الأمني على ثرى جبهات الصومال لمجندِل العدا وقاطف الرؤوس أبي البراء تقبله الله، قدّر الله تعالى عليه بعد ذلك بفترة أن يفارق الدنيا شهيدا -كما نحسبه-، في شهر رجب من العام 1440 هـ، أثناء تنفيذه لإحدى العمليات مع إخوانه المجاهدين ضد الجيش الصومالي المرتد، فنال ما كان يرجوه طويلا وسعى وراءه في مختلف مناطق الصومال، مجالدا لأعداء الله تعالى منكّلا فيهم، وقد مكث قرابة 15 عاما من الجهد والجهاد، والأسر والبلاء، وهجران الأهل ثم فقدهم في سبيل الله، فتقبله الله تعالى في عليين، ورزقه أعلى درجات الشهداء والمجاهدين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 305
الخميس 16 صفر 1443 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً