مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل
(سورة الفاتحة)
قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].
الوقفات التدبرية:
1- ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
كأنه سبحانه يقول: يا عبادي إن كنتم تحمدون وتعظمون للكمال الذاتي والصفاتي فاحمدوني فإني أنا «الله»، وإن كان للإحسان والتربية والإنعام فإني أنا «رب العالمين»، وإن كان للرجاء والطمع في المستقبل فإني أنا «الرحمن الرحيم»، وإن كان للخوف فإني أنا «مالك يوم الدين». [الألوسي].
2- ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.
لما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجلَّ المطالب ونيله أشرف المواهب علَّم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه:
• حمده، والثناء عليه، وتمجيده.
• ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم.
فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته. وهاتان الوسيلتان لا يكاد يرد معهما الدعاء. [ابن القيم].
3- ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
ذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى؛ فإن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي. [السعدي].
4- ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
العبادة أعلى مراتب الخضوع ولا يجوز شرعًا ولا عقلا فعلها إلا لله تعالى لأنه المستحق لذلك لكونه موليا لأعظم النعم من الحياة والوجود وتوابعهما. [الألوسي].
5- ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾
في قوله: ﴿ نَعْبُدُ ﴾ بنون الاستتباع إشعار بأن الصلاة بنيت على الاجتماع. [البقاعي].
6- ﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾
الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق؛ بل لا نسبة بينهما؛ لأنه إذا هُدي كان من المتقين، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. [ابن تيمية].
7- ﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾
على قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط يكون سيره على ذاك الصراط؛ فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالطّرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمرُّ كشدِّ الركاب، ومنهم من يسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلَّم، ومنهم المكدوس في النار، فلينظر العبد سيره على ذلك الصراط من سيره على هذا؛ حذو القُذَّة بالقُذَّة جزاءً وفاقًا؛ ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 90]. [ابن القيم].
التوجيهات:
1- لن تعبد الله حق العبادة حتى يعينك الله على ذلك، ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.
2- الحذر من اتباع منهج اليهود: (تقديم الهوى على الشرع) ﴿ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾ ومن اتباع منهج النصارى: (العبادة بالبدعة والجهل)، ﴿ وَلَا ٱلضَّالِّينَ ﴾.
العمل بالآيات:
1- ادع الله، وابدأ الدعاء بالحمد والثناء عليه سبحانه كما ابتدأت سورة الفاتحة، ثم اسأله ما تريد كما ختمت السورة، ﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾، ﴿ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾.
2- سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن وأكثر سورة تقرأها، فأكثر من تدبر آياتها، ﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ * ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾، الآيات ... إلى آخر السورة.
3- حدد مجموعة من أهل الخير والصلاح وأكثر من مصاحبتهم ومجالستهم، ﴿ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾
معاني الكلمات:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾ أَيْ: أَبْتَدِئُ قِرَاءَتِي مُسْتَعِينًا بِاسْمِ اللهِ.
﴿ الرَّحْمَانِ ﴾ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ الْخَلْقِ.
﴿ الرَّحِيمِ ﴾ الَّذِي يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِينَ.
﴿ رَبِّ ﴾ الرَّبُّ: الْمُرَبِّي لِخَلْقِهِ بِنِعَمِهِ.
﴿ الْعَالَمِينَ ﴾ كُلِّ مَنْ سِوَى اللهِ تَعَالَى.
﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ يَوْمِ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ لاَ نَعْبُدُ إِلاَّ أَنْتَ.
﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ لاَ نَسْتَعِينُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِنَا إِلاَّ بِكَ.
﴿ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ الطَّرِيقَ الَّذِي لاَ عِوَجَ فِيهِ؛ وَهُوَ الإِسْلاَمُ.
﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ ﴾ الْيَهُودِ، وَمَنْ شَابَهَهُمْ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ.
﴿ الضَّالِّينَ ﴾ النَّصَارَى، وَمَنْ شَابَهَهُمْ فِي الْعَمَلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل (سورة الفاتحة) قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ ...
مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل
(سورة الفاتحة)
قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * ...المزيد
(سورة الفاتحة)
قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * ...المزيد
مراقبة الخواطر سبيل السعادة والفوز والنعيم "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَسْبِيَ ...
مراقبة الخواطر سبيل السعادة والفوز والنعيم
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي لَا فَوْزَ إِلَّا فِي طَاعَتِهِ، وَلَا عِزَّ إِلَّا فِي التَّذَلُّلِ لِعَظَمَتِهِ، وَلَا غِنًى إِلَّا فِي الِافْتِقَارِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَلَا هُدًى إِلَّا فِي الِاسْتِهْدَاءِ بِنُورِهِ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا فِي رِضَاهُ، وَلَا نَعِيمَ إِلَّا فِي قُرْبِهِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا فَلَاحَ إِلَّا فِي الْإِخْلَاصِ لَهُ وَتَوْحِيدِ حُبِّهِ، الَّذِي إِذَا أُطِيعَ شَكَرَ، وَإِذَا عُصِيَ تَابَ وَغَفَرَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا عُومِلَ أَثَابَ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ جَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِهِ، وَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ بِمَا أَوْدَعَهَا مِنْ عَجَائِبِ صَنْعَتِهِ، وَبَدَائِعِ آيَاتِهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ. وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَسُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَأَمْلَاكُهَا، وَالنُّجُومُ وَأَفْلَاكُهَا، وَالْأَرْضُ وَسُكَّانُهَا، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا، وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَالْآكَامُ وَالرِّمَالُ، وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَكُلُّ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ، وَلِأَجْلِهَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوِينُ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِهَا انْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، فَهِيَ مَنْشَأُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الْخَلِيقَةُ، وَعَنْهَا وَعَنْ حُقُوقِهَا السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ، وَعَلَيْهَا يَقَعُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَعَلَيْهَا نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ، وَعَنْهَا يُسْأَلُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَلَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ:
مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ وَمَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟
فَجَوَابُ الْأُولَى بِتَحْقِيقِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَعَمَلًا.
وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ بِتَحْقِيقِ "أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَانْقِيَادًا وَطَاعَةً.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، الْمَبْعُوثُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ فَهَدَى بِهِ إِلَى أَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَوْضَحِ السُّبُلِ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ، وَسَدَّ دُونَ جَنَّتِهِ الطُّرُقَ، فَلَنْ تُفْتَحَ لِأَحَدٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ، فَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ؛ وَكَمَا أَنَّ الذِّلَّةَ مَضْرُوبَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَالْعِزَّةُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 139]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [محمد: 35]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]. أَيِ: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِيكَ، وَكَافِي أَتْبَاعَكَ، فَلَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ" [1].
وبعد:
فيقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة النور [2].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾؛ يا أيُّها الذين آمنوا لا تَسلُكوا طُرُقَ الشَّيطانِ التي يَدْعوكم إليها بوساوسِه.
﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾؛ أي: ومَن يَسلُكْ طرُقَ الشَّيطانِ يقَعْ في الفَحشاءِ والمنكَرِ؛ لأنَّ الشيطانَ يأمُرُ النَّاسَ بفِعلِ الذُّنوبِ العظيمةِ القبيحةِ، كالزِّنا، ويأمُرُ بمُنكراتِ الأقوالِ والأفعالِ التي تُنكِرُها الشَّريعةُ والعقولُ السَّليمةُ [3]
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾؛ أي: ولولا فَضلُ الله عليكم ورحمتُه بكم، ما تطهَّر أحَدٌ منكم أبدًا مِن الشِّركِ والمعاصي واتِّباعِ خُطواتِ الشَّيطانِ، ولا اهتدَى إلى الإيمانِ والتَّوبةِ النَّصوحِ وطاعةِ الرَّحمنِ [4].
﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾؛ أي: ولكنَّ اللهَ يُطهِّرُ مِن الذُّنوبِ وآثامِها، ويهدي إليه مَن يشاءُ مِن عبادِه [5].
﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ أي: واللهُ سميعٌ لأقوالِكم كُلِّها؛ خَيرِها وشَرِّها، عليمٌ بأقوالِكم وأعمالِكم وما في قلوبِكم، وهو محيطٌ بكلِّ ذلك، ومُحصيه عليكم؛ لِيُجازيَكم به [6].
وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ". وفي رواية: "وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ" [أخرجه مسلم ( 2814 )] [7].
وفي هذا الحديث يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَكايدَ الشَّيطانِ لا يَخلو مِنها أحدٌ؛ حتَّى نَكونَ مِنها على حَذَرٍ، فيقول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ما مِنكم مِن أحدٍ"، أي: مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، "إلَّا وَقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ"، أي: شَيطانٌ يُوَكَّلُ به يُغويه، ويُسوِّلُ له ويُشَكِّكُه في الدِّينِ. قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: "وَإيَّايَ"، يَعني: لِي قَرينٌ مِنَ الجِنِّ كَما لكُلِّ إِنسانٍ قَرينُه مِنَ الجِنِّ، "إلَّا أنَّ اللهَ أَعانَني عَليه فأَسلَمَ"، يَعني: أَسْلَمَ الشَّيطانُ بأن صار مُسلِمًا، "فَلا يَأمُرُني إِلَّا بِخَيرٍ".
وفي روايةٍ، قال: "وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ"، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشدُه.
وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ.
وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وهذا من رحمة ربنا الرحمن الرحيم بعباده، فله الحمد العظيم، والشكر الجزيل، والثناء الجميل، والتمجيد الجليل.
وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.
عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ، وَدِينَ آبَائِكَ، وَآبَاءِ أَبِيكَ؟". قَالَ: "فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ". قَالَ: "فَعَصَاهُ؛ فَهَاجَرَ". قَالَ: "ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ". قَالَ: "فَعَصَاهُ، فَجَاهَدَ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَمَاتَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ" [أخرجه أحمد ( 15958 )، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده قوي].
في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ الشَّيطانَ قعَد لابنِ آدَمَ بأَطْرُقِه"، أي: طُرُقِ هَدْيِه وصَلاحِه يُوسوِسُ له ليَمنَعَه مِن السَّيرِ فيها؛ "فقَعَد له بطَريقِ الإسلامِ"، أي: ليَمنَعَه مِن الإسلامِ، "فقال"، أي: الشَّيطانُ: "أَتُسلِمُ وتَذَرُ دِينَك ودِينَ آبائِك وآباءِ أبيك؟!"، أي: يُنكِرُ عليه إسلامَه مُخالِفًا لدينِ آبائِه، "فعَصاه"، أي: لَم يَسمَعْ له ابنُ آدَمَ وخالَفَه، فأسلَمَ ابنُ آدَمَ للهِ عزَّ وجلَّ.
ثمَّ قعَد الشَّيطانُ لابنِ آدَمَ "بطَريقِ الهِجرةِ"؛ ليَمنَعَه مِن الهِجرةِ، فقال الشَّيطانُ: "أَتُهاجِرُ وتدَعُ أَرضَك وسماءَك؟!"، أي: ينكِرُ عليه الشَّيطانُ أنْ يُهاجِرَ، ويُعظِّمُ له مِن أمرِ مَوطِنِه، ويقولُ له: "وإنَّما مثَلُ المهاجِرِ كمَثلِ الفرَسِ في الطِّوَلِ"، أي: يَزيدُ الشَّيطانُ مِن التَّغريرِ بابنِ آدَمَ، فيُصوِّرُ له أنَّ المهاجِرَ في الغُربةِ كمثْلِ الفرَسِ المقيَّدِ، لا يَعرِفُ أحدًا ولا يُخالِطُه أحَدٌ إلَّا بقَدْرِ مَعارِفِه؛ فَهُوَ كالفَرسِ فِي القيدِ لا يَدُور ولا يرْعَى إلَّا بِقَدْرِهِ، بِخِلَاف أهلِ الْبِلاد في بِلادهمْ فإنَّهُم مَبسوطونَ لَا ضِيقَ عَلَيْهِم فأحدُهم كالفرس الْمُرْسل، وهذا من وسوسةِ الشيطانِ وتَخويفِه للمُؤمِن؛ فيُذكِّرُه بالمتاعبِ والمشاقِّ، ويُوزِانُ له بين قُيودِ الإيمانِ، وبينَ حالِ الكافرِ وما أمامَه مِن الفُسحةِ وعدمِ التقيُّدِ بأوامرَ أو نَواهٍ؛ ليصرفَه عن طريقِ الإيمانِ، ولكنَّ المؤمنَ الموفَّقَ مِن اللهِ رَفَضَ كيدَ الشَّيطانِ "فعَصاه فهاجَرَ"، أي: لَم يَسمَعْ ابنُ آدَمَ للشَّيطانِ وخالَفَه.
ثمَّ قعَد الشَّيطانُ لابنِ آدَمَ "بطَريقِ الجِهادِ"؛ ليَمنَعَه مِن الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقال الشَّيطانُ: "هو جَهْدُ النَّفسِ والمالِ"، أي: يُقلِّلُ له مِن شَأنِ الجِهادِ، وإنَّما هو إرهاقٌ وتعَبٌ للنَّفسِ والمالِ، "فتُقاتِلُ فتُقتَلُ"، أي: فيكونُ جزاؤُك في القِتالِ القَتلَ، "فتُنكَحُ المرأةُ"، أي: يتزوَّجُ زَوجتَك رجُلٌ غيرُك، "ويُقسَمُ المالُ؟!"، أي: يَذهبُ للورَثَةِ، "فعَصاه فجاهَد"، أي: لَم يسمَعْ له ابنُ آدَمَ وخالَفَه وخرَج للجِهادِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فمَن فعَل ذلك منهم"، أي: خالَف الشَّيطانَ وأسلَم وهاجَر وجاهَد، "فَمَاتَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ"، أي: جزاءً وأجرًا له أيا كان سبب موته، ومعنى "وقَصَتْه دابَّتُه"، أي: كانت سبَبًا في مَوتِه؛ كأنْ وقَعَ مِن عليها فمات، أو وطِئَتْه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن الشَّيطانِ، وبيانُ أنَّه يترصَّدُ لابنِ آدَمَ في كلِّ طُرُقِ الخَيرِ؛ فعَلى المسلِمِ الاحتياطُ لنَفْسِه والاستعانَةُ باللهِ تعالى.
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَجِدُ فِي أنْفُسِنا شَيْئًا ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ وإنَّ لَنا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، قالَ: "أوَ قَدْ وجَدْتُمْ ذَلِكَ؟" قالُوا: نَعَمْ، قالَ: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ" [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1284)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ( 970 )].
في هذا الحَديثِ يَروي أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاءَهُ ناسٌ من أصحابِه فقالوا: فقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَجِدُ فِي أنْفُسِنا شَيْئًا ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ وإنَّ لَنا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، أي: مِن الوَساوِسِ ومِن كَيدِ الشَّيطان ما لا نُحبُّ ولا نرضَى أن نُخرجَه من صُدورِنا على ألسِنَتِنا لما يَحويه من مَعانٍ شَيطانِيَّة، ويَثقُل ذلك علينا، ولو أن لنا الدنيا وما فيها. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أَوَ قَدْ وَجَدْتُم ذَلِكَ؟"، أي: هل وَجَدْتُم ما يُلقيه الشَّيطانُ في نُفوسِكُم، ثمَّ دَفعَكُم إيمانُكُم عن التَّحدُّث به؟ قالوا: "نَعَمْ". فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذاكَ صَريحُ الإيمانِ"، والمعنى: أنَّ الإيمانَ الخالِصَ والخَوفَ من اللهِ في قُلوبِكُم هو الذي يَمنَعُكُم من قَبول ما يُلْقيهِ الشَّيطانُ في أنْفُسِكم والتَّصديقِ به، حتى صارَ ما يُلقيه إليكم مُجرَّدَ وَسوَسةٍ، ولا يَتمَكَّنُ في قُلوبِكُم منْها شَيءٌ، ولا تَطمَئنُّ إليه أنفُسُكُم.
وفي الحديث: أن على من ابْتُلِيَ بشيء من الشبهات والوساوس الاستعانة بالله تعالى وحده أن يزيلها عنه.
وفيه: أهمية الاجتهادِ في طلب العلم، وسؤالِ العلماء عمَّا يُشكِل على الطالب.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي يَجِدُهَا أَحَدُهُمْ، لَأَنْ يَسْقُطَ مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ" [أخرجه النسائي في السنن الكبرى ( 10439 )، وصححه الشوكاني في رفع البأس عن حديث النفس ( 37 )].
وقول الصحابة رضي الله عنهم: "لَأَنْ يَسْقُطَ" أحدهم "مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ" أي: إنَّه مِن شَناعتِه يَوَدُّ المؤمنُ أنْ يَهلِكَ ويَسقُطَ مِن السماءِ إلى الأرضِ ولا يأْتِيه هذا الفِكرُ، ولا يُحِبُّ ولا يَرضى أنْ يُخرِجَه مِن صَدرِه على لِسانِه؛ ممَّا يَحويهِ مِن معانٍ شَيطانيةٍ.
وقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ"، أي: أن بغضكم لما يلقيه الشيطان عليكم من وساوس، وكراهيتكم التحدث بها، واجتهادكم في التخلص منها، والاشتغال بما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى أعمال عظيمة من أعمال الإيمان، ودليل صدقه وصراحته؛ وليس المقصود أنَّ الوَسوسةَ نَفسَها هي الإيمَانُ، وذلك لأنَّها إنَّما تَتولَّدُ من فِعْلِ الشَّيطان وتَسوِيلِه.
وفي هذا الحديث: بيان بغض الصحابة رضي الله عنهم الشديد لوساوس الشيطان، وإنكارهم لها، وكراهيتهم التحدث بها.
وفيه: أهمية دفع الوساوس، والتخلص منها بإهمالها والاشتغال بما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
وفيه: أن كراهية العبد لوساوس الشيطان، وسعيه في الخلاص منها علامة على صدق الإيمان ومتانة الدين وصحة اليقين.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ - يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ - لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ". [أخرجه أبو داود ( 5112 )، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
ومعنى حُمَمَةً: فحما[8]؛ وفي هذا الحديث: بيان عدم تمكن وساوس الشيطان من نفوس الصحابة رضي الله عنهم، وبغضهم لها، وكراهيتهم التحدث بها؛ وعدم تأثيرها على صحة إيمانهم وقوته وصدقه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أنَّ الشَّيطانَ يَتربَّصُ للمُؤمِن؛ ليَزِيغَهُ عن الإيمانِ إلى الكُفرِ.
وفيه: أنَّ المُؤمِن يَنبَغي عليه التَّخلُّصُ من وَساوِسِ الشَّيطانِ ودَفْعُها.
وفيه: مشروعية الحمد والتكبير والسرور عند حصول النعم الدينية، وهي هنا أن الله تعالى أخزى الشيطان، ولم يبلغه مراده من وساوسه.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ " [أخرجه البخاري ( 2528 )].
وفي هذا الحديثِ مَظهَرٌ مِن مَظاهرِ رَحمةِ اللهِ تَعالى بهذه الأُمَّةِ، حيثُ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ رفَعَ الحِسابَ والعِقابَ، فلم يُؤاخِذْ أفرادَ الأُمَّةِ بما يلقيه الشيطان في نفوسهم مِنَ الشر والوساوس، فهذا مَعفوٌّ عنهُ، ولا يَترتَّبُ عليه إثمٌ ما دامَ العبد ينكر تلك تلك الوساوس ويبغضها ويدافعها، ولمْ يَعمَلْ بجَوارحِه شرا، أو يَتكلَّمْ به، وهذا مِن فضْلِ اللهِ تَعالى على أُمَّةِ الإسلامِ، كما تفضل عليها ببعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنزال القرآن الكريم، وتيسيرِ شَرائعِ الدِّينِ، ومُضاعَفةِ الأَجْرِ، وقبول التوبة، وغُفْرانِ الذُّنوبِ، وغير ذلك مِن أنواع فَضْلِ الله تعالى، وأصناف رَحمتِه سُبحانَه، وأبواب نعمه جل وعلا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ" [أخرجه البخاري (3276)].
وفي هذا الحديثِ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشَّيطانُ أحدَكم" فيَبعثُ في النَّفسِ الشُّكوكَ، ويُثيرُ فيها التَّساؤلاتِ العديدةَ عن حدوثِ الأشياءِ ومَن أحدَثَها، "فيقول: مَن خَلَقَ كذا؟ مَن خَلَقَ كذا؟"، أي: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ مَن خلَق الأرضَ؟ مَن خلَق الجبالَ؟ مَن خلَق الإِنسانَ؟ فيُجيبُه ابنُ آدمَ دِينًا وفِطرةً وعقلًا بقوله: اللهُ، وهذا جوابٌ بَديهيٌّ صحيحٌ وحقٌّ وإيمان، ولكنَّ الشَّيطانَ لا يَقِفُ عند هذا الحدِّ من الأسئلةِ والوساوسِ، بل يَنتقِلُ من سؤالٍ إلى سؤال، "حتَّى يقولَ: مَن خلَق ربَّك؟"، وهنا وضَع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الدَّواءَ النَّافعَ والجوابَ السَّريع لمِثلِ ذلك، فقال: "فإذا بَلَغَه، فلْيَستعِذْ بالله ولْيَنْتَهِ"، أي: فإذا وصَل معه الشَّيطانُ إلى هذا الحدِّ فلْيَستعِذْ بالله منه، ولْيَكُفَّ عن الاستجابةِ له، ولْيَنْتَهِ عن الاسترسالِ معه في ذلك، وَلْيَعْلَمْ أنَّه يُريدُ إفسادَ دِينه.
وفي هذا الحديث: بيان أن الإيمانَ باللهِ سُبْحانَه وتعالى يتَطلَّبُ قلبًا منيبًا، وتَسْليمًا وانقِيادًا كامِلًا للهِ تعالى؛ وأن الشَّيطان لا هم له ولا عمل إلا إغواء الخلق، فهو ألد أعدائهم، ولا يَزالُ يدفَعُ إلى الناس إيرادات الباطلِ؛ وله أعوان من الجن والإنس، هم حزبه وهو وليهم؛ نعوذ بالله تعالى منهم ومن شرورهم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ" [أخرجه أحمد ( 8376 )، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده صحيح على شرط مسلم].
فقول "آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ" هو الحق الواضح والصدق الظاهر؛ وليس بَعْدَه إلا الضَّلال البعيد والخسران المبين.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: ﴿ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾. ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ" [أخرجه أبو داود (4721، 4722)، وحسنه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح ( 71 )].
وفي هذه الآيات [1 - 4] من سورة الإخلاص إفرادُ اللهِ عزَّ وجلَّ بالوحدانيَّةِ، وأنَّه الخالق الذي ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [سورة الشورى 11]؛ فلا يُوصَفُ بصِفاتِ الخَلْقِ كأن يقال بأنه مولودٌ، أو له زَوْجةٌ أو وَلَدٌ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ الظَّالِمونَ عُلوًّا كبيرًا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ ليَتْفُلْ عن يَسارِه ثلاثًا"، أي: يَبْصُقْ على اليُسْرى مِنْه ثلاثَ مرَّاتٍ إرغامًا للشَّيطانِ وتحقيرًا لَه.
وَعَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قَالَ: وَضَحِكَ. قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ. قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾. الْآيَةَ. قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. [أخرجه أبو داود ( 5110 )، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود].
وفي هذا الحديث وجه ابن عباس رضي الله عنهما من سأله عن الوساوس أن يقرأ قول الله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحديد 3]، لأن هذه الآية فيها شِفاء للشُّكوكِ التي في النفس، والذي يَنقدِحُ في الذِّهنِ ويُلقِيه الشيطانُ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يُدْفَع بهذِه الأسماءِ الحُسنَى للهِ سبحانه وما تَضمَّنَتْه من الصفات العُلَا؛ فإنَّه سبحانه الأوَّلُ الذي ليس قَبْلَه شيءٌ، والآخِرُ ليس بَعدَه شيءٌ، كما أنَّه الظَّاهِرُ الذي ليس فوقَه شيءٌ، والباطِن المحيطُ بكلِّ شيءٍ، ولا يكونُ دونه شيءٌ، ولو كان قَبْلَه شَيءٌ يكون مؤثرًا فيه لكان ذلك هو الربَّ الخَلَّاق؛ إذ لا بدَّ أن يَنتهيَ الأمرُ إلى خالقٍ غيرِ مخلوقٍ، وقائمٍ بنَفْسِه غنيٍّ عن غيرِه، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليه، وذاك هو الله ربنا عز وجل.
والخطاب في قول الله تعالى: ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [سورة يونس 94] موجه للنبي صلى الله عليه وسلم لفظا، شامل له ولأتباعه حكما [9]؛ والمراد منه تثبيت المومنين، والتحذير من الشك المخالف لليقين؛ نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن يُصَرِّفَهَا على طاعته.
وأهل الكتاب المشار إليهم في هذه الآية هم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، "كعبدالله بن سلام [رضي الله عنه] وأصحابه وكثير ممن أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، ومن بعده وكعب الأحبار وغيرهما"[10].
وليس في الآية ما يفيد حصول الشك منه صلى الله عليه وسلم، فهو مُبرَّأ منه، بل هو صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق إيمانا، وأعظمهم صدقا، وأحسنهم يقينا، وأتمهم إخلاصا؛ بل هو إمامهم وقدوتهم ومعلمهم ومرشدهم إلى رضوان الله الرحمن الرحيم، وقائدهم وواعظهم ودليلهم وداعيهم إلى دار السعادة والفوز والنعيم، كما قال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة 151][11]؛ وقد شهد له ربنا سبحانه وتعالى بالإيمان في قوله عز رجل: ﴿ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ ﴾ [سورة البقرة 285].
وبالنظر في الأحاديث السابقة، يمكن القول أن السبيل لدفع الوساوس المتعلقة بالإيمان يتمثل فيما يلي:
♦ الانتهاء عن الاسترسال مع الوساوس، والإعراض عنها، وقطع التفكير فيها.
♦ بغض الوساوس وردها وإنكارها وكراهية التحدث بها.
♦ إهمال الوساوس، والاشتغال بما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
♦ الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فإنه لا يدرك خير ولا يُصرَف شر إلا بعونه.
♦ الاستعاذة بالله من الشَّيطان، والمحافظة على الأذكار، والإكثار من الدعاء.
♦ قول "آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ".
♦ قول ﴿ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ * وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ﴾ [سورة الإخلاص 1 - 4].
♦ التفل عن اليسار ثلاثًا.
♦ قول ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحديد 3].
ومن خلال تأمل النصوص السابقة، يظهر بوضوح أن الخواطر مبدأ الخير والشر؛ فما فاز من فاز إلا بمراقبة خواطره، ولا شقي من شقي إلا بترك مراقبتها.
هذا، ويمكن تقسيم الخواطر إلى قسمين:
القسم الأول: الخواطر الإيمانية: وهي جميع الخواطر التي توافق ما جاء في الكتاب والسنة، وتدعو إلى فعل الواجبات أو المستحبات.
القسم الثاني: الوساوس الشيطانية: وهي جميع الخواطر التي تعارض ما جاء في الكتاب والسنة، وتدعو إلى فعل المحرمات أو المكروهات.
وبناء على التعريفين السابقين للخواطر الإيمانية، والوساوس الشيطانية تظهر أهمية الاجتهاد في طلب العلم الذي به يُهدَى العبد للتمييز بين نوعي الخواطر، والموازنة بين المصالح والمفاسد؛ وأما الجاهل فلا يستطيع التفريق بين قسمي الخواطر، ويسهل على الشيطان التحكم به، وبث ما يريد من شبهات وأمراض في قلبه، وتوجيهه إلى معاصي الرحمن، وما يجلب الذل والخذلان؛ نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ويمكن توضيح الطريقة الصحيحة للتعامل مع الخواطر بما يلي:
♦ تمييز الخواطر الإيمانية من الوساوس الشيطانية، وذلك بعرض الخاطرة على الكتاب والسنة، فإن وافقتهما فهي خاطرة إيمانية، وإن عارضتهما فهي وسوسة شيطانية.
♦ بعد تحديد نوع الخاطرة ينبغي التعامل معها بحسبها؛ فإن كانت خاطرة إيمانية فينبغي على العبد الناصح لنفسه، الراغب في رضوان ربه سبحانه وتعالى: الاستجابة لها، والمبادرة إلى فعل ما تدعو إليه، والاجتهاد في تحويلها من خاطرة إلى واقع وعمل، مع الاهتمام بتقديم الأهم على المهم.
وإن كانت وسوسة شيطانية فينبغي التعامل معها بحسب نوعها كما يلي:
♦ إن كانت وسوسة متعلقة بالإيمان: فينبغي اتباع ما سبق ذكره من علاجات مستفادة من الأحاديث المذكورة أعلاه.
♦ وإن كانت وسوسة غير مستقرة في النفس: فينبغي الإِعراضُ عنها، والردُّ لها من أساسها قبل أن تعلق في النفس، وترسخ في القلب [12].
♦ وإن كانت وسوسة مستقرة في النفس: فهذه تعالج بالعلم، فهو يبطلها بإذن الله تعالى، ويستأصلها من جذورها، وتصبح -على عكس مراد الشيطان منها- سببا في زيادة الإيمان وصحة اليقين.
واعلموا -رحمكم الله تعالى وغفر لكم- أن رد الشبهات والوساوس عمل صالح يثاب عليه العبد إن صحت نيته، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لما رأى إنكارهم للوساوس، وبغضهم لها: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ" [13].
والحاصل:
♦ أن مراقبة الخواطر مبدأ كل خير وبر وإحسان، وطريق صلاح القلب، وسبيل السعادة والفوز والنعيم.
♦ وأنه ينبغي على الطالبين لرضوان رب العالمين، الراغبين في جنات النعيم، إشغال أنفسهم وأذهانهم بالخواطر الإيمانية، وفتح أبواب القلب لها، والأنس بها، والعيش معها، والعمل بما تقتضيه؛ والإعراض عما سواها من اللغو والباطل، وسد مداخل القلب دونه.
♦ وأن الذي يُرزَق مراقبة خاطره، يُوفَّق لمراقبة ظاهره؛ ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"[14].
♦ وأن من كان مراقبا لله تعالى في السر والعلن، مستحيا من ربه سبحانه وتعالى أن يرى في باطنه أو ظاهره غير ما يرضيه، أولى الناس بمحبة الله عز وجل، والفوز بولايته، وبلوغ مرتبة الإحسان الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" [15].
والله تعالى أعلم.
"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"[16].
"إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا؛ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ؛ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"[17].
"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [18].
﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [سورة آل عمران 191 - 194].
﴿ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّیَـٰطِینِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن یَحۡضُرُونِ ﴾ [سورة المؤمنون 97 - 98].
"يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" [19].
"اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"[20].
اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الْيَقِينَ وَالْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [21].
اللَّهُمَّ جَدِّدِ الإيْمَانَ فِي قَلْوبنا [22].
"اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ" [23].
"اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا" [24].
"اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [25].
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الصافات 180 - 182].
"اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" [26].
[1] ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن قيم الجوزية (1/ 35-37) باختصار يسير].
[2] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /221)، ((تفسير القرطبي)) (12 /206)، ((تفسير ابن كثير)) (6 /30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 19-22 من سورة النور).
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /221)، ((تفسير ابن كثير)) (6 /30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((تفسير ابن عاشور)) (18 /187)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 19-22 من سورة النور).
[4] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/221)، ((تفسير ابن عطية)) (4/172)، ((تفسير ابن كثير)) (6/30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/187)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/485)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 19-22 من سورة النور).
[5] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/221)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 759)، ((تفسير ابن كثير)) (6/30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 75).
[6] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /222)، ((البسيط)) للواحدي (16 /172)، ((تفسير ابن عطية)) (4 /172)، ((تفسير النسفي)) (2 /495)، ((تفسير ابن كثير)) (6 /30).
[7] مرجع التعليقات على الأحاديث: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
[8] ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) للعظيم آبادي (14/ 12).
[9] يُنظر: ((أقسام الخطاب الموجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[10] [تفسير السعدي (ص: 373)].
[11] قال الله تعالى: ﴿ كَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِیكُمۡ رَسُولࣰا مِّنكُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِنَا وَیُزَكِّیكُمۡ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡلَمُونَ ﴾[سورة البقرة 151].
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ ﴾؛ أي: بيَّنَّا لكم شرائعَ ملَّة إبراهيم الحَنيفيَّة، فأمرْناكم باستقبال الكَعبة؛ نِعمةً من الله تعالى عليكم، مِثل ما أنعم عليكم أيضًا أوَّلَ مرَّة، بإرسال محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ منكم- أيُّها العربُ-؛ إذ يتحدَّث بلِسانكم، وتَعرِفون نَسبَه وخُلُقه؛ وذلك إجابةً لدعوة إبراهيمَ عليه السَّلام. [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2 /694)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1 /233)، ((تفسير ابن عطية)) (1 /226)، ((تفسير القرطبي)) (2 /170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 151-157 من سورة البقرة)].
وكان إبراهيم عليه السلام قد دعا ربَّهُ قائلًا: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [سورة البقرة 129].
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾؛ أي: هذا الرَّسول الذي أنعمْنا عليكم بإرساله فيكم، أتَى ليقرأ عليكم القُرآن، ويُطهِّركم من دَنَس الشِّرك والكُفران، ورَذائل الأخلاق والعِصيان، ويبيِّن لكم السُّنَّة ومعاني كلامِ الرَّحمن. [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2 /694-695)، ((تفسير ابن عطية)) (1 /226)، ((تفسير ابن كثير)) (1 /464)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 151-157 من سورة البقرة)].
﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: ويُنبِّئكم بأخبار مَن سلَف، وأخبار ما يأتي من الغُيوب. [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2 /695)، ((تفسير ابن عطية)) (1 /226)، ((تفسير ابن عاشور)) (2 /50)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 151-157 من سورة البقرة)].
[12] قال ابن تيمية لتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى: "لا تجعل قَلْبك للايرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فَلَا ينضح الا بهَا، وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة، تمر الشُّبُهَات بظاهرها وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وَإِلَّا فاذا اشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا، صَار مقرا للشبهات" [((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/ 443)].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "اعلم أَن الخاطرات والوساوس تُؤدِّي متعلقاتها إِلَى الْفِكر، فيأخذها الْفِكر فيؤديها إِلَى التَّذَكُّر، فيأخذها الذّكر فيؤديها إِلَى الْإِرَادَة، فتأخذها الْإِرَادَة فتؤديها إِلَى الْجَوَارِح وَالْعَمَل، فتستحكم فَتَصِير عَادَة، فرّدها من مبادئها أسهل من قطعهَا بعد قوتها وتمامها" [((الفوائد)) (ص: 174)].
[13] عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَجِدُ فِي أنْفُسِنا شَيْئًا ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ وإنَّ لَنا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، قالَ: "أوَ قَدْ وجَدْتُمْ ذَلِكَ؟" قالُوا: نَعَمْ، قالَ: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ" [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1284)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (970)].
[14] عَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" [أخرجه البخاري (52)].
[15] صحيح مسلم | كتاب: الإيمان | باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله: بعون الله نبتدئ، وإياه نستكفي، وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا. ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟" قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ، يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ".
[16] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" أَوْ: "لَا إِلَهَ غَيْرُكَ" "وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" [صحيح البخاري (1120)].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" أَوْ: "لَا إِلَهَ غَيْرُكَ" "وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" [صحيح البخاري (1120)].
[17] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا؛ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". وَإِذَا رَكَعَ. قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي". وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؛ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" [أخرجه مسلم (771)].
[18] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي". فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [أخرجه أحمد (15492)، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: رجاله ثقات].
[19] عن شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لأَكْثَرِ دُعَاءَكَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟". قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ"، فَتَلَا مُعَاذٌ ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [سورة آل عمران 8] [أخرجه الترمذي (3522)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].
ومعاذ المذكور في الحديث هو معاذُ بنُ معاذِ بنِ نصرِ بنِ حسَّانَ التَّميميُّ، أحد رواة هذا الحديث، ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين، وقال عنه: "كان فقيها عاقلا متقنا" [الثقات لابن حبان (7/ 482)، ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].
[20] عن عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ". [اخرجه مسلم (2654)].
[21] عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: "اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ" [أخرجه الترمذي (3558)، وقال الألباني في صحيح الترمذي: حسن صحيح].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي" [أخرجه أبو داود (5074)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
[22] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أحَدِكُمْ كَما يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلِقُ، فاسْألُوا اللَّهَ أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ فِي قُلُوبِكُمْ" [أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 45)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1590)].
[23] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ" [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].
[24] عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا" [أخرجه الترمذي (3502)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي].
[25] قال الله تعالى: ﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَـٰلِمَ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَیۡنَ عِبَادِكَ فِی مَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ ﴾ [سورة الزمر 46].
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [أخرجه مسلم (770)].
[26] عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". [أخرجه البخاري (3370)].
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ" [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني]. ...المزيد
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي لَا فَوْزَ إِلَّا فِي طَاعَتِهِ، وَلَا عِزَّ إِلَّا فِي التَّذَلُّلِ لِعَظَمَتِهِ، وَلَا غِنًى إِلَّا فِي الِافْتِقَارِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَلَا هُدًى إِلَّا فِي الِاسْتِهْدَاءِ بِنُورِهِ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا فِي رِضَاهُ، وَلَا نَعِيمَ إِلَّا فِي قُرْبِهِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا فَلَاحَ إِلَّا فِي الْإِخْلَاصِ لَهُ وَتَوْحِيدِ حُبِّهِ، الَّذِي إِذَا أُطِيعَ شَكَرَ، وَإِذَا عُصِيَ تَابَ وَغَفَرَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا عُومِلَ أَثَابَ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ جَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِهِ، وَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ بِمَا أَوْدَعَهَا مِنْ عَجَائِبِ صَنْعَتِهِ، وَبَدَائِعِ آيَاتِهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ. وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَسُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَأَمْلَاكُهَا، وَالنُّجُومُ وَأَفْلَاكُهَا، وَالْأَرْضُ وَسُكَّانُهَا، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا، وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَالْآكَامُ وَالرِّمَالُ، وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَكُلُّ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ، وَلِأَجْلِهَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوِينُ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِهَا انْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، فَهِيَ مَنْشَأُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الْخَلِيقَةُ، وَعَنْهَا وَعَنْ حُقُوقِهَا السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ، وَعَلَيْهَا يَقَعُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَعَلَيْهَا نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ، وَعَنْهَا يُسْأَلُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَلَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ:
مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ وَمَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟
فَجَوَابُ الْأُولَى بِتَحْقِيقِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَعَمَلًا.
وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ بِتَحْقِيقِ "أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَانْقِيَادًا وَطَاعَةً.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، الْمَبْعُوثُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ فَهَدَى بِهِ إِلَى أَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَوْضَحِ السُّبُلِ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ، وَسَدَّ دُونَ جَنَّتِهِ الطُّرُقَ، فَلَنْ تُفْتَحَ لِأَحَدٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ، فَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ؛ وَكَمَا أَنَّ الذِّلَّةَ مَضْرُوبَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَالْعِزَّةُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 139]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [محمد: 35]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]. أَيِ: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِيكَ، وَكَافِي أَتْبَاعَكَ، فَلَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ" [1].
وبعد:
فيقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة النور [2].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾؛ يا أيُّها الذين آمنوا لا تَسلُكوا طُرُقَ الشَّيطانِ التي يَدْعوكم إليها بوساوسِه.
﴿ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾؛ أي: ومَن يَسلُكْ طرُقَ الشَّيطانِ يقَعْ في الفَحشاءِ والمنكَرِ؛ لأنَّ الشيطانَ يأمُرُ النَّاسَ بفِعلِ الذُّنوبِ العظيمةِ القبيحةِ، كالزِّنا، ويأمُرُ بمُنكراتِ الأقوالِ والأفعالِ التي تُنكِرُها الشَّريعةُ والعقولُ السَّليمةُ [3]
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾؛ أي: ولولا فَضلُ الله عليكم ورحمتُه بكم، ما تطهَّر أحَدٌ منكم أبدًا مِن الشِّركِ والمعاصي واتِّباعِ خُطواتِ الشَّيطانِ، ولا اهتدَى إلى الإيمانِ والتَّوبةِ النَّصوحِ وطاعةِ الرَّحمنِ [4].
﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾؛ أي: ولكنَّ اللهَ يُطهِّرُ مِن الذُّنوبِ وآثامِها، ويهدي إليه مَن يشاءُ مِن عبادِه [5].
﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ أي: واللهُ سميعٌ لأقوالِكم كُلِّها؛ خَيرِها وشَرِّها، عليمٌ بأقوالِكم وأعمالِكم وما في قلوبِكم، وهو محيطٌ بكلِّ ذلك، ومُحصيه عليكم؛ لِيُجازيَكم به [6].
وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ". وفي رواية: "وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ" [أخرجه مسلم ( 2814 )] [7].
وفي هذا الحديث يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَكايدَ الشَّيطانِ لا يَخلو مِنها أحدٌ؛ حتَّى نَكونَ مِنها على حَذَرٍ، فيقول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ما مِنكم مِن أحدٍ"، أي: مَهما بَلغَ منَ العِبادةِ والعِلمِ ما بَلغَ، "إلَّا وَقدْ وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ"، أي: شَيطانٌ يُوَكَّلُ به يُغويه، ويُسوِّلُ له ويُشَكِّكُه في الدِّينِ. قالوا: وإيَّاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: "وَإيَّايَ"، يَعني: لِي قَرينٌ مِنَ الجِنِّ كَما لكُلِّ إِنسانٍ قَرينُه مِنَ الجِنِّ، "إلَّا أنَّ اللهَ أَعانَني عَليه فأَسلَمَ"، يَعني: أَسْلَمَ الشَّيطانُ بأن صار مُسلِمًا، "فَلا يَأمُرُني إِلَّا بِخَيرٍ".
وفي روايةٍ، قال: "وَقَد وُكِّلَ به قَرينُه مِنَ الجِنِّ وقَرينُه مِنَ المَلائكةِ"، فَكما أنَّه قُيِّضَ له شَيطانٌ يُغويه ويُضِلُّه، كَذلك قُيِّضَ له مَلَكٌ يُسدِّدُه ويُرْشدُه.
وفي الحديثِ: حِرصُ الشَّيطانِ على إغواءِ بَني آدَمَ، وأنَّه لا يَنفَكُّ عنِ الإِغواءِ.
وفيه: أنَّ اللهَ قَيَّضَ لِلإنسانِ مَلَكًا يُعينُه ويُرشدُه، في مُقابلَةِ إغواءِ الشَّيطانِ وفِتنَتِه، وهذا من رحمة ربنا الرحمن الرحيم بعباده، فله الحمد العظيم، والشكر الجزيل، والثناء الجميل، والتمجيد الجليل.
وفيه: دَليلٌ عَلى عِصمَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أنْ يُؤثِّرَ فيه الشَّيطانُ بأَذًى في عَقلِه أو قَلبِه بضُروبِ الوَساوسِ.
عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ لَهُ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ، وَدِينَ آبَائِكَ، وَآبَاءِ أَبِيكَ؟". قَالَ: "فَعَصَاهُ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ". قَالَ: "فَعَصَاهُ؛ فَهَاجَرَ". قَالَ: "ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: هُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقَسَّمُ الْمَالُ". قَالَ: "فَعَصَاهُ، فَجَاهَدَ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَمَاتَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ" [أخرجه أحمد ( 15958 )، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده قوي].
في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ الشَّيطانَ قعَد لابنِ آدَمَ بأَطْرُقِه"، أي: طُرُقِ هَدْيِه وصَلاحِه يُوسوِسُ له ليَمنَعَه مِن السَّيرِ فيها؛ "فقَعَد له بطَريقِ الإسلامِ"، أي: ليَمنَعَه مِن الإسلامِ، "فقال"، أي: الشَّيطانُ: "أَتُسلِمُ وتَذَرُ دِينَك ودِينَ آبائِك وآباءِ أبيك؟!"، أي: يُنكِرُ عليه إسلامَه مُخالِفًا لدينِ آبائِه، "فعَصاه"، أي: لَم يَسمَعْ له ابنُ آدَمَ وخالَفَه، فأسلَمَ ابنُ آدَمَ للهِ عزَّ وجلَّ.
ثمَّ قعَد الشَّيطانُ لابنِ آدَمَ "بطَريقِ الهِجرةِ"؛ ليَمنَعَه مِن الهِجرةِ، فقال الشَّيطانُ: "أَتُهاجِرُ وتدَعُ أَرضَك وسماءَك؟!"، أي: ينكِرُ عليه الشَّيطانُ أنْ يُهاجِرَ، ويُعظِّمُ له مِن أمرِ مَوطِنِه، ويقولُ له: "وإنَّما مثَلُ المهاجِرِ كمَثلِ الفرَسِ في الطِّوَلِ"، أي: يَزيدُ الشَّيطانُ مِن التَّغريرِ بابنِ آدَمَ، فيُصوِّرُ له أنَّ المهاجِرَ في الغُربةِ كمثْلِ الفرَسِ المقيَّدِ، لا يَعرِفُ أحدًا ولا يُخالِطُه أحَدٌ إلَّا بقَدْرِ مَعارِفِه؛ فَهُوَ كالفَرسِ فِي القيدِ لا يَدُور ولا يرْعَى إلَّا بِقَدْرِهِ، بِخِلَاف أهلِ الْبِلاد في بِلادهمْ فإنَّهُم مَبسوطونَ لَا ضِيقَ عَلَيْهِم فأحدُهم كالفرس الْمُرْسل، وهذا من وسوسةِ الشيطانِ وتَخويفِه للمُؤمِن؛ فيُذكِّرُه بالمتاعبِ والمشاقِّ، ويُوزِانُ له بين قُيودِ الإيمانِ، وبينَ حالِ الكافرِ وما أمامَه مِن الفُسحةِ وعدمِ التقيُّدِ بأوامرَ أو نَواهٍ؛ ليصرفَه عن طريقِ الإيمانِ، ولكنَّ المؤمنَ الموفَّقَ مِن اللهِ رَفَضَ كيدَ الشَّيطانِ "فعَصاه فهاجَرَ"، أي: لَم يَسمَعْ ابنُ آدَمَ للشَّيطانِ وخالَفَه.
ثمَّ قعَد الشَّيطانُ لابنِ آدَمَ "بطَريقِ الجِهادِ"؛ ليَمنَعَه مِن الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقال الشَّيطانُ: "هو جَهْدُ النَّفسِ والمالِ"، أي: يُقلِّلُ له مِن شَأنِ الجِهادِ، وإنَّما هو إرهاقٌ وتعَبٌ للنَّفسِ والمالِ، "فتُقاتِلُ فتُقتَلُ"، أي: فيكونُ جزاؤُك في القِتالِ القَتلَ، "فتُنكَحُ المرأةُ"، أي: يتزوَّجُ زَوجتَك رجُلٌ غيرُك، "ويُقسَمُ المالُ؟!"، أي: يَذهبُ للورَثَةِ، "فعَصاه فجاهَد"، أي: لَم يسمَعْ له ابنُ آدَمَ وخالَفَه وخرَج للجِهادِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فمَن فعَل ذلك منهم"، أي: خالَف الشَّيطانَ وأسلَم وهاجَر وجاهَد، "فَمَاتَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ؛ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ"، أي: جزاءً وأجرًا له أيا كان سبب موته، ومعنى "وقَصَتْه دابَّتُه"، أي: كانت سبَبًا في مَوتِه؛ كأنْ وقَعَ مِن عليها فمات، أو وطِئَتْه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن الشَّيطانِ، وبيانُ أنَّه يترصَّدُ لابنِ آدَمَ في كلِّ طُرُقِ الخَيرِ؛ فعَلى المسلِمِ الاحتياطُ لنَفْسِه والاستعانَةُ باللهِ تعالى.
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَجِدُ فِي أنْفُسِنا شَيْئًا ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ وإنَّ لَنا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، قالَ: "أوَ قَدْ وجَدْتُمْ ذَلِكَ؟" قالُوا: نَعَمْ، قالَ: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ" [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1284)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ( 970 )].
في هذا الحَديثِ يَروي أبو هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاءَهُ ناسٌ من أصحابِه فقالوا: فقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَجِدُ فِي أنْفُسِنا شَيْئًا ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ وإنَّ لَنا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، أي: مِن الوَساوِسِ ومِن كَيدِ الشَّيطان ما لا نُحبُّ ولا نرضَى أن نُخرجَه من صُدورِنا على ألسِنَتِنا لما يَحويه من مَعانٍ شَيطانِيَّة، ويَثقُل ذلك علينا، ولو أن لنا الدنيا وما فيها. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أَوَ قَدْ وَجَدْتُم ذَلِكَ؟"، أي: هل وَجَدْتُم ما يُلقيه الشَّيطانُ في نُفوسِكُم، ثمَّ دَفعَكُم إيمانُكُم عن التَّحدُّث به؟ قالوا: "نَعَمْ". فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذاكَ صَريحُ الإيمانِ"، والمعنى: أنَّ الإيمانَ الخالِصَ والخَوفَ من اللهِ في قُلوبِكُم هو الذي يَمنَعُكُم من قَبول ما يُلْقيهِ الشَّيطانُ في أنْفُسِكم والتَّصديقِ به، حتى صارَ ما يُلقيه إليكم مُجرَّدَ وَسوَسةٍ، ولا يَتمَكَّنُ في قُلوبِكُم منْها شَيءٌ، ولا تَطمَئنُّ إليه أنفُسُكُم.
وفي الحديث: أن على من ابْتُلِيَ بشيء من الشبهات والوساوس الاستعانة بالله تعالى وحده أن يزيلها عنه.
وفيه: أهمية الاجتهادِ في طلب العلم، وسؤالِ العلماء عمَّا يُشكِل على الطالب.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ الَّتِي يَجِدُهَا أَحَدُهُمْ، لَأَنْ يَسْقُطَ مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ" [أخرجه النسائي في السنن الكبرى ( 10439 )، وصححه الشوكاني في رفع البأس عن حديث النفس ( 37 )].
وقول الصحابة رضي الله عنهم: "لَأَنْ يَسْقُطَ" أحدهم "مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ" أي: إنَّه مِن شَناعتِه يَوَدُّ المؤمنُ أنْ يَهلِكَ ويَسقُطَ مِن السماءِ إلى الأرضِ ولا يأْتِيه هذا الفِكرُ، ولا يُحِبُّ ولا يَرضى أنْ يُخرِجَه مِن صَدرِه على لِسانِه؛ ممَّا يَحويهِ مِن معانٍ شَيطانيةٍ.
وقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ"، أي: أن بغضكم لما يلقيه الشيطان عليكم من وساوس، وكراهيتكم التحدث بها، واجتهادكم في التخلص منها، والاشتغال بما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى أعمال عظيمة من أعمال الإيمان، ودليل صدقه وصراحته؛ وليس المقصود أنَّ الوَسوسةَ نَفسَها هي الإيمَانُ، وذلك لأنَّها إنَّما تَتولَّدُ من فِعْلِ الشَّيطان وتَسوِيلِه.
وفي هذا الحديث: بيان بغض الصحابة رضي الله عنهم الشديد لوساوس الشيطان، وإنكارهم لها، وكراهيتهم التحدث بها.
وفيه: أهمية دفع الوساوس، والتخلص منها بإهمالها والاشتغال بما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
وفيه: أن كراهية العبد لوساوس الشيطان، وسعيه في الخلاص منها علامة على صدق الإيمان ومتانة الدين وصحة اليقين.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ - يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ - لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. فَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ". [أخرجه أبو داود ( 5112 )، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
ومعنى حُمَمَةً: فحما[8]؛ وفي هذا الحديث: بيان عدم تمكن وساوس الشيطان من نفوس الصحابة رضي الله عنهم، وبغضهم لها، وكراهيتهم التحدث بها؛ وعدم تأثيرها على صحة إيمانهم وقوته وصدقه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أنَّ الشَّيطانَ يَتربَّصُ للمُؤمِن؛ ليَزِيغَهُ عن الإيمانِ إلى الكُفرِ.
وفيه: أنَّ المُؤمِن يَنبَغي عليه التَّخلُّصُ من وَساوِسِ الشَّيطانِ ودَفْعُها.
وفيه: مشروعية الحمد والتكبير والسرور عند حصول النعم الدينية، وهي هنا أن الله تعالى أخزى الشيطان، ولم يبلغه مراده من وساوسه.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ " [أخرجه البخاري ( 2528 )].
وفي هذا الحديثِ مَظهَرٌ مِن مَظاهرِ رَحمةِ اللهِ تَعالى بهذه الأُمَّةِ، حيثُ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ رفَعَ الحِسابَ والعِقابَ، فلم يُؤاخِذْ أفرادَ الأُمَّةِ بما يلقيه الشيطان في نفوسهم مِنَ الشر والوساوس، فهذا مَعفوٌّ عنهُ، ولا يَترتَّبُ عليه إثمٌ ما دامَ العبد ينكر تلك تلك الوساوس ويبغضها ويدافعها، ولمْ يَعمَلْ بجَوارحِه شرا، أو يَتكلَّمْ به، وهذا مِن فضْلِ اللهِ تَعالى على أُمَّةِ الإسلامِ، كما تفضل عليها ببعثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنزال القرآن الكريم، وتيسيرِ شَرائعِ الدِّينِ، ومُضاعَفةِ الأَجْرِ، وقبول التوبة، وغُفْرانِ الذُّنوبِ، وغير ذلك مِن أنواع فَضْلِ الله تعالى، وأصناف رَحمتِه سُبحانَه، وأبواب نعمه جل وعلا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ" [أخرجه البخاري (3276)].
وفي هذا الحديثِ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشَّيطانُ أحدَكم" فيَبعثُ في النَّفسِ الشُّكوكَ، ويُثيرُ فيها التَّساؤلاتِ العديدةَ عن حدوثِ الأشياءِ ومَن أحدَثَها، "فيقول: مَن خَلَقَ كذا؟ مَن خَلَقَ كذا؟"، أي: مَن خَلَقَ السَّماءَ؟ مَن خلَق الأرضَ؟ مَن خلَق الجبالَ؟ مَن خلَق الإِنسانَ؟ فيُجيبُه ابنُ آدمَ دِينًا وفِطرةً وعقلًا بقوله: اللهُ، وهذا جوابٌ بَديهيٌّ صحيحٌ وحقٌّ وإيمان، ولكنَّ الشَّيطانَ لا يَقِفُ عند هذا الحدِّ من الأسئلةِ والوساوسِ، بل يَنتقِلُ من سؤالٍ إلى سؤال، "حتَّى يقولَ: مَن خلَق ربَّك؟"، وهنا وضَع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الدَّواءَ النَّافعَ والجوابَ السَّريع لمِثلِ ذلك، فقال: "فإذا بَلَغَه، فلْيَستعِذْ بالله ولْيَنْتَهِ"، أي: فإذا وصَل معه الشَّيطانُ إلى هذا الحدِّ فلْيَستعِذْ بالله منه، ولْيَكُفَّ عن الاستجابةِ له، ولْيَنْتَهِ عن الاسترسالِ معه في ذلك، وَلْيَعْلَمْ أنَّه يُريدُ إفسادَ دِينه.
وفي هذا الحديث: بيان أن الإيمانَ باللهِ سُبْحانَه وتعالى يتَطلَّبُ قلبًا منيبًا، وتَسْليمًا وانقِيادًا كامِلًا للهِ تعالى؛ وأن الشَّيطان لا هم له ولا عمل إلا إغواء الخلق، فهو ألد أعدائهم، ولا يَزالُ يدفَعُ إلى الناس إيرادات الباطلِ؛ وله أعوان من الجن والإنس، هم حزبه وهو وليهم؛ نعوذ بالله تعالى منهم ومن شرورهم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ، فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا أَحَسَّ أَحَدُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ" [أخرجه أحمد ( 8376 )، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده صحيح على شرط مسلم].
فقول "آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ" هو الحق الواضح والصدق الظاهر؛ وليس بَعْدَه إلا الضَّلال البعيد والخسران المبين.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: ﴿ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾. ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ" [أخرجه أبو داود (4721، 4722)، وحسنه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح ( 71 )].
وفي هذه الآيات [1 - 4] من سورة الإخلاص إفرادُ اللهِ عزَّ وجلَّ بالوحدانيَّةِ، وأنَّه الخالق الذي ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [سورة الشورى 11]؛ فلا يُوصَفُ بصِفاتِ الخَلْقِ كأن يقال بأنه مولودٌ، أو له زَوْجةٌ أو وَلَدٌ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ الظَّالِمونَ عُلوًّا كبيرًا، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ ليَتْفُلْ عن يَسارِه ثلاثًا"، أي: يَبْصُقْ على اليُسْرى مِنْه ثلاثَ مرَّاتٍ إرغامًا للشَّيطانِ وتحقيرًا لَه.
وَعَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: مَا شَيْءٌ أَجِدُهُ فِي صَدْرِي؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ: فَقَالَ لِي: أَشَيْءٌ مِنْ شَكٍّ؟ قَالَ: وَضَحِكَ. قَالَ: مَا نَجَا مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ. قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ﴾. الْآيَةَ. قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا وَجَدْتَ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا فَقُلْ: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. [أخرجه أبو داود ( 5110 )، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود].
وفي هذا الحديث وجه ابن عباس رضي الله عنهما من سأله عن الوساوس أن يقرأ قول الله تعالى: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحديد 3]، لأن هذه الآية فيها شِفاء للشُّكوكِ التي في النفس، والذي يَنقدِحُ في الذِّهنِ ويُلقِيه الشيطانُ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يُدْفَع بهذِه الأسماءِ الحُسنَى للهِ سبحانه وما تَضمَّنَتْه من الصفات العُلَا؛ فإنَّه سبحانه الأوَّلُ الذي ليس قَبْلَه شيءٌ، والآخِرُ ليس بَعدَه شيءٌ، كما أنَّه الظَّاهِرُ الذي ليس فوقَه شيءٌ، والباطِن المحيطُ بكلِّ شيءٍ، ولا يكونُ دونه شيءٌ، ولو كان قَبْلَه شَيءٌ يكون مؤثرًا فيه لكان ذلك هو الربَّ الخَلَّاق؛ إذ لا بدَّ أن يَنتهيَ الأمرُ إلى خالقٍ غيرِ مخلوقٍ، وقائمٍ بنَفْسِه غنيٍّ عن غيرِه، وكلُّ شيءٍ فقيرٌ إليه، وذاك هو الله ربنا عز وجل.
والخطاب في قول الله تعالى: ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [سورة يونس 94] موجه للنبي صلى الله عليه وسلم لفظا، شامل له ولأتباعه حكما [9]؛ والمراد منه تثبيت المومنين، والتحذير من الشك المخالف لليقين؛ نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن يُصَرِّفَهَا على طاعته.
وأهل الكتاب المشار إليهم في هذه الآية هم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، "كعبدالله بن سلام [رضي الله عنه] وأصحابه وكثير ممن أسلم في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، ومن بعده وكعب الأحبار وغيرهما"[10].
وليس في الآية ما يفيد حصول الشك منه صلى الله عليه وسلم، فهو مُبرَّأ منه، بل هو صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق إيمانا، وأعظمهم صدقا، وأحسنهم يقينا، وأتمهم إخلاصا؛ بل هو إمامهم وقدوتهم ومعلمهم ومرشدهم إلى رضوان الله الرحمن الرحيم، وقائدهم وواعظهم ودليلهم وداعيهم إلى دار السعادة والفوز والنعيم، كما قال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة 151][11]؛ وقد شهد له ربنا سبحانه وتعالى بالإيمان في قوله عز رجل: ﴿ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ ﴾ [سورة البقرة 285].
وبالنظر في الأحاديث السابقة، يمكن القول أن السبيل لدفع الوساوس المتعلقة بالإيمان يتمثل فيما يلي:
♦ الانتهاء عن الاسترسال مع الوساوس، والإعراض عنها، وقطع التفكير فيها.
♦ بغض الوساوس وردها وإنكارها وكراهية التحدث بها.
♦ إهمال الوساوس، والاشتغال بما ينفع ويقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
♦ الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فإنه لا يدرك خير ولا يُصرَف شر إلا بعونه.
♦ الاستعاذة بالله من الشَّيطان، والمحافظة على الأذكار، والإكثار من الدعاء.
♦ قول "آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ".
♦ قول ﴿ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ یَلِدۡ وَلَمۡ یُولَدۡ * وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ﴾ [سورة الإخلاص 1 - 4].
♦ التفل عن اليسار ثلاثًا.
♦ قول ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة الحديد 3].
ومن خلال تأمل النصوص السابقة، يظهر بوضوح أن الخواطر مبدأ الخير والشر؛ فما فاز من فاز إلا بمراقبة خواطره، ولا شقي من شقي إلا بترك مراقبتها.
هذا، ويمكن تقسيم الخواطر إلى قسمين:
القسم الأول: الخواطر الإيمانية: وهي جميع الخواطر التي توافق ما جاء في الكتاب والسنة، وتدعو إلى فعل الواجبات أو المستحبات.
القسم الثاني: الوساوس الشيطانية: وهي جميع الخواطر التي تعارض ما جاء في الكتاب والسنة، وتدعو إلى فعل المحرمات أو المكروهات.
وبناء على التعريفين السابقين للخواطر الإيمانية، والوساوس الشيطانية تظهر أهمية الاجتهاد في طلب العلم الذي به يُهدَى العبد للتمييز بين نوعي الخواطر، والموازنة بين المصالح والمفاسد؛ وأما الجاهل فلا يستطيع التفريق بين قسمي الخواطر، ويسهل على الشيطان التحكم به، وبث ما يريد من شبهات وأمراض في قلبه، وتوجيهه إلى معاصي الرحمن، وما يجلب الذل والخذلان؛ نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ويمكن توضيح الطريقة الصحيحة للتعامل مع الخواطر بما يلي:
♦ تمييز الخواطر الإيمانية من الوساوس الشيطانية، وذلك بعرض الخاطرة على الكتاب والسنة، فإن وافقتهما فهي خاطرة إيمانية، وإن عارضتهما فهي وسوسة شيطانية.
♦ بعد تحديد نوع الخاطرة ينبغي التعامل معها بحسبها؛ فإن كانت خاطرة إيمانية فينبغي على العبد الناصح لنفسه، الراغب في رضوان ربه سبحانه وتعالى: الاستجابة لها، والمبادرة إلى فعل ما تدعو إليه، والاجتهاد في تحويلها من خاطرة إلى واقع وعمل، مع الاهتمام بتقديم الأهم على المهم.
وإن كانت وسوسة شيطانية فينبغي التعامل معها بحسب نوعها كما يلي:
♦ إن كانت وسوسة متعلقة بالإيمان: فينبغي اتباع ما سبق ذكره من علاجات مستفادة من الأحاديث المذكورة أعلاه.
♦ وإن كانت وسوسة غير مستقرة في النفس: فينبغي الإِعراضُ عنها، والردُّ لها من أساسها قبل أن تعلق في النفس، وترسخ في القلب [12].
♦ وإن كانت وسوسة مستقرة في النفس: فهذه تعالج بالعلم، فهو يبطلها بإذن الله تعالى، ويستأصلها من جذورها، وتصبح -على عكس مراد الشيطان منها- سببا في زيادة الإيمان وصحة اليقين.
واعلموا -رحمكم الله تعالى وغفر لكم- أن رد الشبهات والوساوس عمل صالح يثاب عليه العبد إن صحت نيته، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لما رأى إنكارهم للوساوس، وبغضهم لها: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ" [13].
والحاصل:
♦ أن مراقبة الخواطر مبدأ كل خير وبر وإحسان، وطريق صلاح القلب، وسبيل السعادة والفوز والنعيم.
♦ وأنه ينبغي على الطالبين لرضوان رب العالمين، الراغبين في جنات النعيم، إشغال أنفسهم وأذهانهم بالخواطر الإيمانية، وفتح أبواب القلب لها، والأنس بها، والعيش معها، والعمل بما تقتضيه؛ والإعراض عما سواها من اللغو والباطل، وسد مداخل القلب دونه.
♦ وأن الذي يُرزَق مراقبة خاطره، يُوفَّق لمراقبة ظاهره؛ ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ"[14].
♦ وأن من كان مراقبا لله تعالى في السر والعلن، مستحيا من ربه سبحانه وتعالى أن يرى في باطنه أو ظاهره غير ما يرضيه، أولى الناس بمحبة الله عز وجل، والفوز بولايته، وبلوغ مرتبة الإحسان الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" [15].
والله تعالى أعلم.
"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"[16].
"إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا؛ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ؛ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"[17].
"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [18].
﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [سورة آل عمران 191 - 194].
﴿ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّیَـٰطِینِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن یَحۡضُرُونِ ﴾ [سورة المؤمنون 97 - 98].
"يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" [19].
"اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"[20].
اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الْيَقِينَ وَالْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [21].
اللَّهُمَّ جَدِّدِ الإيْمَانَ فِي قَلْوبنا [22].
"اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ" [23].
"اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا" [24].
"اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [25].
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الصافات 180 - 182].
"اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" [26].
[1] ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) لابن قيم الجوزية (1/ 35-37) باختصار يسير].
[2] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /221)، ((تفسير القرطبي)) (12 /206)، ((تفسير ابن كثير)) (6 /30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 19-22 من سورة النور).
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /221)، ((تفسير ابن كثير)) (6 /30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((تفسير ابن عاشور)) (18 /187)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 19-22 من سورة النور).
[4] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/221)، ((تفسير ابن عطية)) (4/172)، ((تفسير ابن كثير)) (6/30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/187)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/485)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 19-22 من سورة النور).
[5] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/221)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 759)، ((تفسير ابن كثير)) (6/30)، ((تفسير السعدي)) (ص: 564)، ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 75).
[6] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /222)، ((البسيط)) للواحدي (16 /172)، ((تفسير ابن عطية)) (4 /172)، ((تفسير النسفي)) (2 /495)، ((تفسير ابن كثير)) (6 /30).
[7] مرجع التعليقات على الأحاديث: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
[8] ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) للعظيم آبادي (14/ 12).
[9] يُنظر: ((أقسام الخطاب الموجَّه للرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[10] [تفسير السعدي (ص: 373)].
[11] قال الله تعالى: ﴿ كَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِیكُمۡ رَسُولࣰا مِّنكُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِنَا وَیُزَكِّیكُمۡ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡلَمُونَ ﴾[سورة البقرة 151].
﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ ﴾؛ أي: بيَّنَّا لكم شرائعَ ملَّة إبراهيم الحَنيفيَّة، فأمرْناكم باستقبال الكَعبة؛ نِعمةً من الله تعالى عليكم، مِثل ما أنعم عليكم أيضًا أوَّلَ مرَّة، بإرسال محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ منكم- أيُّها العربُ-؛ إذ يتحدَّث بلِسانكم، وتَعرِفون نَسبَه وخُلُقه؛ وذلك إجابةً لدعوة إبراهيمَ عليه السَّلام. [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2 /694)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1 /233)، ((تفسير ابن عطية)) (1 /226)، ((تفسير القرطبي)) (2 /170)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 151-157 من سورة البقرة)].
وكان إبراهيم عليه السلام قد دعا ربَّهُ قائلًا: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [سورة البقرة 129].
﴿ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾؛ أي: هذا الرَّسول الذي أنعمْنا عليكم بإرساله فيكم، أتَى ليقرأ عليكم القُرآن، ويُطهِّركم من دَنَس الشِّرك والكُفران، ورَذائل الأخلاق والعِصيان، ويبيِّن لكم السُّنَّة ومعاني كلامِ الرَّحمن. [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2 /694-695)، ((تفسير ابن عطية)) (1 /226)، ((تفسير ابن كثير)) (1 /464)، ((تفسير السعدي)) (ص: 74)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 151-157 من سورة البقرة)].
﴿ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: ويُنبِّئكم بأخبار مَن سلَف، وأخبار ما يأتي من الغُيوب. [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2 /695)، ((تفسير ابن عطية)) (1 /226)، ((تفسير ابن عاشور)) (2 /50)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 151-157 من سورة البقرة)].
[12] قال ابن تيمية لتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى: "لا تجعل قَلْبك للايرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فَلَا ينضح الا بهَا، وَلَكِن اجْعَلْهُ كالزجاجة المصمتة، تمر الشُّبُهَات بظاهرها وَلَا تَسْتَقِر فِيهَا، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وَإِلَّا فاذا اشربت قَلْبك كل شُبْهَة تمر عَلَيْهَا، صَار مقرا للشبهات" [((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (1/ 443)].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "اعلم أَن الخاطرات والوساوس تُؤدِّي متعلقاتها إِلَى الْفِكر، فيأخذها الْفِكر فيؤديها إِلَى التَّذَكُّر، فيأخذها الذّكر فيؤديها إِلَى الْإِرَادَة، فتأخذها الْإِرَادَة فتؤديها إِلَى الْجَوَارِح وَالْعَمَل، فتستحكم فَتَصِير عَادَة، فرّدها من مبادئها أسهل من قطعهَا بعد قوتها وتمامها" [((الفوائد)) (ص: 174)].
[13] عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا نَجِدُ فِي أنْفُسِنا شَيْئًا ما نُحِبُّ أنْ نَتَكَلَّمَ بِهِ وإنَّ لَنا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، قالَ: "أوَ قَدْ وجَدْتُمْ ذَلِكَ؟" قالُوا: نَعَمْ، قالَ: "ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ" [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1284)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (970)].
[14] عَنِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" [أخرجه البخاري (52)].
[15] صحيح مسلم | كتاب: الإيمان | باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله: بعون الله نبتدئ، وإياه نستكفي، وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا. ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟" قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ، يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ".
[16] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" أَوْ: "لَا إِلَهَ غَيْرُكَ" "وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" [صحيح البخاري (1120)].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" أَوْ: "لَا إِلَهَ غَيْرُكَ" "وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" [صحيح البخاري (1120)].
[17] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا؛ إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". وَإِذَا رَكَعَ. قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي". وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؛ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" [أخرجه مسلم (771)].
[18] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي". فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [أخرجه أحمد (15492)، وقال شعيب الأرنؤوط وآخرون: رجاله ثقات].
[19] عن شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لأَكْثَرِ دُعَاءَكَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟". قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ"، فَتَلَا مُعَاذٌ ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [سورة آل عمران 8] [أخرجه الترمذي (3522)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].
ومعاذ المذكور في الحديث هو معاذُ بنُ معاذِ بنِ نصرِ بنِ حسَّانَ التَّميميُّ، أحد رواة هذا الحديث، ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين، وقال عنه: "كان فقيها عاقلا متقنا" [الثقات لابن حبان (7/ 482)، ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].
[20] عن عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ". [اخرجه مسلم (2654)].
[21] عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: "اسْأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ" [أخرجه الترمذي (3558)، وقال الألباني في صحيح الترمذي: حسن صحيح].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي" [أخرجه أبو داود (5074)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
[22] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أحَدِكُمْ كَما يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلِقُ، فاسْألُوا اللَّهَ أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ فِي قُلُوبِكُمْ" [أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 45)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1590)].
[23] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ" [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].
[24] عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا" [أخرجه الترمذي (3502)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي].
[25] قال الله تعالى: ﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَـٰلِمَ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَیۡنَ عِبَادِكَ فِی مَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ ﴾ [سورة الزمر 46].
وَعَنْ سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" [أخرجه مسلم (770)].
[26] عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". [أخرجه البخاري (3370)].
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ" [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني]. ...المزيد
الاهتمام بمشاكل الزمان ومخالفات العصر بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى ...
الاهتمام بمشاكل الزمان ومخالفات العصر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد تعلمت من الشيخ سليمان العلوان - فرج الله تعالى كربته - أن مما ميز الله تعالى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أنه كان يتحدث عن مشاكل عصره، ويقتدي في ذلك بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وقد ذكر لنا ربنا عز وجل أن لوطًا عليه الصلاة والسلام نهى قومه عما كانوا يفعلون وقال لهم: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165، 166]، وكذلك ذكر لنا ربنا عز وجل أن شعيبًا عليه الصلاة والسلام نهى قومه عن الغش في المعاملات المالية، وأمرهم بالوزن بالقسط وقال لهم: (﴿ وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85].
ومن سنة الله عز وجل أن كل من جاء بما جاء به رسل الله عز وجل يُعادى؛ (قال وَرَقَةُ بْن نَوْفَلِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ). [صحيح البخاري 3، وصحيح مسلم 160].
فهنيئًا لمن صبر وثبت وسار على درب الأنبياء والمرسلين، وقبحًا لمن تنازل وجبن وفضل الحياة الدنيا على جوار رب العالمين في جنات النعيم.
ثبتنا الله تعالى وإياكم.
والحاصل أنه ينبغي على الدعاة المعاصرين - وفقهم الله تعالى لما يحب ويرضى - الاهتمام بتعلم الكتاب والسنة، والحرص على معرفة فقه الأولويات، وإدراك واقع العصر لتكون دعوتهم موافقة لمنهاج النبوة، على بصيرة وحجة ويقين [1]، كما قال ربنا عز وجل: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] الميسر في تفسير القرآن الكريم، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف. ...المزيد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد تعلمت من الشيخ سليمان العلوان - فرج الله تعالى كربته - أن مما ميز الله تعالى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أنه كان يتحدث عن مشاكل عصره، ويقتدي في ذلك بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وقد ذكر لنا ربنا عز وجل أن لوطًا عليه الصلاة والسلام نهى قومه عما كانوا يفعلون وقال لهم: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ [الشعراء: 165، 166]، وكذلك ذكر لنا ربنا عز وجل أن شعيبًا عليه الصلاة والسلام نهى قومه عن الغش في المعاملات المالية، وأمرهم بالوزن بالقسط وقال لهم: (﴿ وَيَاقَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [هود: 85].
ومن سنة الله عز وجل أن كل من جاء بما جاء به رسل الله عز وجل يُعادى؛ (قال وَرَقَةُ بْن نَوْفَلِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ). [صحيح البخاري 3، وصحيح مسلم 160].
فهنيئًا لمن صبر وثبت وسار على درب الأنبياء والمرسلين، وقبحًا لمن تنازل وجبن وفضل الحياة الدنيا على جوار رب العالمين في جنات النعيم.
ثبتنا الله تعالى وإياكم.
والحاصل أنه ينبغي على الدعاة المعاصرين - وفقهم الله تعالى لما يحب ويرضى - الاهتمام بتعلم الكتاب والسنة، والحرص على معرفة فقه الأولويات، وإدراك واقع العصر لتكون دعوتهم موافقة لمنهاج النبوة، على بصيرة وحجة ويقين [1]، كما قال ربنا عز وجل: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] الميسر في تفسير القرآن الكريم، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف. ...المزيد
عيد الفالنتاين (1) "حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ" بسم الله، والحمد لله، ...
عيد الفالنتاين (1)
"حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 137 - 141].
في هذه الآيات: "يُخاطب اللهُ تعالى المسلمين مسلِّيًا لهم بعدَ الذي أصابهم في أُحُدٍ من هزيمة، مبيِّنًا سبحانه أنَّه قد مضَتْ مِن قبلهم سُننٌ إلهيَّة على الخَلق، ومِن ذلك: أنْ يكون النصرُ والهزيمة سِجالًا ومداولةً بين المؤمنين والكافرين، ومِن تِلك السُّنن: إمهالُ الكفَّارِ واستدراجُهم حتى يَحين موعدُ إهلاكِهم، وإنجاءُ المؤمنين مِن بعد ابتلائِهم؛ فتلك أمثلةٌ صالحةٌ للعِظةِ والاعتبار، فسِيروا- أيُّها المسلمون- في الأرض؛ لتنظروا من الآثارِ التي تُبيِّن كيف كانت نهاية الكافرين.
ثم يُخبر تعالى أنَّ هذا القرآنَ الكريم بيانٌ للناس كافَّةً؛ يوضِّح لهم الحقَّ من الباطل، وهو مرشِدٌ للمتَّقين إلى الطَّريق القويم، وزاجرٌ لهم عن سُبُلِ الضَّلالة والفساد.
ثم أمَر الله المسلمين ألَّا يَضعُفوا ولا يَحزنوا بسبب تلك الهزيمة؛ فإنَّهم هم الأعلون دائمًا، ما داموا مُتمسِّكين بإيمانهم، فإنْ يكُن قد نالهم جراحٌ وقتْل يوم أُحد، فقد أصاب أعداءَهم من الجراح والقَتْل نحوٌ من ذلك في أُحدٍ وبَدرٍ؛ فقد تساوَوْا، فلا ينبغي أنْ يستمرُّوا على حُزنهم، وهذه سُنَّة الله؛ أنْ يَجعل الأيَّامَ دُوَلًا بين الناس جميًعا؛ مؤمنِهم وكافرهم، فتارةً نصر، وتارةً هزيمة. ومن الحِكَم التي أرادها اللهُ تعالى من ذلك التداوُلِ بين الناس: ظهورُ صادِقي الإيمان من غيرهم، واتِّخاذُ اللهِ من المؤمنين شُهداءَ يُقتَلون في سبيلِه، والله سبحانه لا يحبُّ الكافِرين والمنافِقين، الذين وَضَعوا -بالكفر- أنفسَهم في غيرِ ما خُلِقوا لأجْله، فبَخَسوها حقَّها؛ ولذا أَقعدَ المنافقين يومَ أُحُدٍ عن القتال مع المؤمنين؛ لأنَّه يُبغضُهم، كما أنَّ الله تعالى إذا أدالَ الكافِرين على المؤمنين أحيانًا لا لأنَّه يُحبُّهم، بل لِمَا سبَق ذِكرُه من أسباب، وإذا أدالَ المؤمنين عليهم فلأجْل محبَّتِه سبحانه لهم، وحتى يُنقِّي المؤمنين من ذُنوبهم بما يُصيبهم من قتْلٍ وجراح، ويُهلِك الكافرين"[1].
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 196 - 198].
في هذه الآيات: "يَنهى اللهُ تعالى نبيَّه محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَنخدعَ بما يحصُلُ عليه الكفَّارُ من مَتاع الدُّنيا، وتقلُّبهم في البلادِ بأنواعِ التِّجاراتِ والمكاسِب، والغلبةِ في بعضِ الأوقات؛ فإنَّ ذلك مُتعةٌ قليلةٌ، فانيةٌ زائلة، ثم يكونُ مصيرُهم جهنَّمَ، وبئسَ المقرُّ.
أمَّا المتَّقون لربِّهم، فإنَّ لهم جَناتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ، هي دارُهم التي يَمكُثون فيها على الدَّوام، أعدَّها اللهُ لهم مَنزلَ ضِيافةٍ، وما عندَ الله تعالى خيرٌ مِن متاعِ الدُّنيا لِمَن أطاع وأَحْسنَ العملَ"[2]، والخِطابُ في هذه الآيات وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالحُكمُ شاملٌ لِأُمَّتِه[3].
ويقول عز وجل: ﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 4 - 6].
في هذه الآيات: "يخبر تبارك وتعالى أنه ما يخاصم في آيات القرآن، وأدلته على وحدانية الله، ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا أنه الإله الحق المستحق للعبادة وحده، فلا يغررك -أيها الرسول - ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب، ونعيم الدنيا وزهرتها.
ثم توعد سبحانه من جادل في آياته ليبطلها، بما فعله مع قوم نوح ومَن تلاهم من الأمم الكافرة الذين كذبوا رسلهم، وأعلنوا الحرب عليهم، وعزموا على إيذائهم، وتجمَّعوا عليهم، وهمّوا بقتلهم، وخاصموا بالباطل؛ ليبطلوا بجدالهم الحق فعاقبهم الله تعالى، فتأملوا كيف كان عقابه إياهم لتتعظوا وتعتبروا، وكما حق العقاب على الكفار في الدنيا، حق عليهم أنهم أصحاب النار في الآخرة"[4].
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟" [أخرجه البخاري (3456)].
في هذا الحديث: "يخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يكونُ عليه حالُ أُمَّتِه في فترةٍ مِنَ الفتراتِ، وهي مُتابعةُ أهلِ الأهواءِ والبِدعِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى الَّذين بدَّلوا دِينَهم، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لِتتَّبعُنَّ سَننَ مَن قبلَكم شِبرًا بِشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ حتَّى لو سلَكوا جُحرَ ضبٍّ لَسلكتُموه»، والسَّننُ: هي الطَّريقةُ والأفعالُ، والمعنى: أنَّكم تَتَّبعون َطريقةَ النَّصارى واليهودِ في أفعالِهم وحياتِهم متابعةً دقيقةً شديدةً، تَاركينَ سُنَّتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى لو دخلُوا جُحرَ ضبٍّ لدَخلْتُموه وراءَهم، والضَّبُّ حيوانٌ جُحرُه شديدُ الظُّلْمةِ نَتنُ الرِّيحِ.
وفي هذا الحديثِ مُعجزةٌ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنحن نُشاهدُ تَقليدَ أجيالِ الأمَّةِ لأممِ الكُفرِ في الأرضِ فيما هي عليه مِن أخلاقٍ ذَميمةٍ، وعاداتٍ فاسدةٍ، تفوحُ منها رائحةُ النَّتنِ وَتَمرُّغَ أنْفِ الإنسانيةِ في مَستنقعٍ مِن وَحلِ الرَّذيلةِ والإثمِ، وتُنذرُ بشرٍّ مُستطيرٍ"[5].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [أخرجه أبو داود (4031)، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح].
"وفي هذا الحديث يحَذّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَّتَه مِن التَّشبُّهِ بغيرِ المسلِمين؛ وذلك أنَّ الأمَّةَ مأمورةٌ بمخالَفةِ المشرِكين وأهلِ الكِتابِ.
وفيه يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن تشبَّه بقومٍ"، أي: اتَّبَعَهم في أفعالِهم أو أقوالِهم أو لِباسِهم وعاداتِهم، كمَأكَلِه ومَشرَبِه وهَيئاتِه وغيرِ ذلك؛ "فهو مِنهُم"، أي: حُكمُه حُكمُهم؛ فإنْ كانوا أَهلَ فِسقٍ أو كُفرٍ أصبَح مِنهُم، ويَشمَلُه ما يَشمَلُهم مِن العَذابِ بحَسبِ ما تَشبَّه بهم فيه، وبحسَبِ ما قَصَدَ من هذا التشبُّهِ، وإنْ كانوا مِن أهلِ الصَّلاحِ والإسلامِ شَمِلَه ما يَشمَلُهم مِن نعيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي الحديثِ: التحذيرُ من التَّشبُّهِ بأهلِ الكُفرِ والفُسوقِ والعِصيانِ، والإرشادُ إلى التَّشبُّهِ بأهلِ الإيمانِ والطَّاعةِ"[6].
ومن خلال تأمل النصوص السابقة يظهر أن "المقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص، ويتحلى بالانهزامية والتردي، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد"[7].
وعيد الفالنتين "الحب" "عيد روماني جاهلي، استمر الاحتفال به حتى بعد دخول الرومان في النصرانية، وارتبط العيد بالقس المعروف باسم فالنتاين الذي حكم عليه بالإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ولا زال هذا العيد يحتفل به الكفار، ويشيعون فيه الفاحشة والمنكر"[8].
و" لا يجوز للمسلم الاحتفال بشيء من أعياد الكفار؛ لأن العيد من جملة الشرع الذي يجب التقيد فيه بالنص"[9].
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ [يعني بالكفار] فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ لَا مِنْ طَعَامٍ وَلَا لِبَاسٍ وَلَا اغْتِسَالٍ وَلَا إيقَادِ نِيرَانٍ وَلَا تَبْطِيلِ عَادَةٍ مِنْ مَعِيشَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ وَلِيمَةٍ وَلَا الْإِهْدَاءُ وَلَا الْبَيْعُ بِمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَلَا تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ اللَّعِبِ الَّذِي فِي الْأَعْيَادِ وَلَا إظْهَارُ زِينَةٍ. وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا أَعْيَادَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهِمْ بَلْ يَكُونُ يَوْمُ عِيدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ"[10].
وقال أيضا: "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر"[11].
وقال أيضا: "الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله سبحانه [عنها]: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [سورة المائدة 48]، وقال: ﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [سورة الحج 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا ﴾ [أخرجه البخاري (952) من حديث عائشة رضي الله عنها]. وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار [لباس كان خاصًا بأهل الذمة] ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه"[12].
وسئل ابن جبرين رحمه الله تعالى:
"انتشر بين فتياننا وفتياتنا الاحتفال بما يسمى عيد الحب (يوم فالنتاين) وهو اسم قسيس يعظمه النصارى يحتفلون به كل عام في 14 فبراير، ويتبادلون فيه الهدايا والورود الحمراء، ويرتدون الملابس الحمراء، فما حكم الاحتفال به أو تبادل الهدايا في ذلك اليوم وإظهار ذلك العيد؟
فأجاب:
أولًا: لا يجوز الاحتفال بمثل هذه الأعياد المبتدعة؛ لأنه بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع فتدخل في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" [أخرجه البخاري (2697)]. أي مردود على من أحدثه.
ثانيًا: أن فيها مشابهة للكفار وتقليدًا لهم في تعظيم ما يعظمونه واحترام أعيادهم ومناسباتهم وتشبهًا بهم فيما هو من ديانتهم وفي الحديث: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [أخرجه أبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح].
ثالثًا: ما يترتب على ذلك من المفاسد والمحاذير كاللهو واللعب والغناء والزمر والأشر والبطر والسفور والتبرج واختلاط الرجال بالنساء أو بروز النساء أمام غير المحارم ونحو ذلك من المحرمات، أو ما هو وسيلة إلى الفواحش ومقدماتها، ولا يبرر ذلك ما يعلل به من التسلية والترفيه، وما يزعمونه من التحفظ فإن ذلك غير صحيح، فعلى من نصح نفسه أن يبتعد عن الآثام ووسائلها"[13].
وقال أيضا: "وعلى هذا لا يجوز بيع هذه الهدايا والورود إذا عرف أن المشتري يحتفل بتلك الأعياد أو يهديها أو يعظم بها تلك الأيام حتى لا يكون البائع مشاركًا لمن يعمل بهذه البدعة، والله أعلم"[14].
اللهم ارزقنا مخالفة المشركين، واتباع سبيل المؤمنين[15]، اللهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة: 6-7].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6 /70، 73)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1 /496-497)، ((تفسير ابن كثير)) (2 /126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 149-150)، ((تفسير ابن عاشور)) (4 /95-97)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2 /198-199، 223-224)، ((التفسير الميسر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 137 - 141 من سورة آل عمران).
[2] يُنظر: ((التفسير الميسر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 196 - 198 من سورة آل عمران).
[3] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3 /481)، ((التفسير الميسر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 196 - 198 من سورة آل عمران).
[4] يُنظر: ((التفسير الميسر)) لمجموعة من المؤلفين (ص: 467)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731).
[5] ((شرح حديث: "لِتتَّبعُنَّ سَننَ مَن قبلَكم شِبرًا بِشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ...")) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية.
[6] ((شرح حديث: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ")) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية.
[7] ((حكم تقليد الكفار ومعنى "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن")) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[8] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[9] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[10] ((مجموع الفتاوى)) (25/ 329).
[11] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1/ 549).
[12] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1 /207)، ويُنظر: ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[13] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[14] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[15] قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. ...المزيد
"حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 137 - 141].
في هذه الآيات: "يُخاطب اللهُ تعالى المسلمين مسلِّيًا لهم بعدَ الذي أصابهم في أُحُدٍ من هزيمة، مبيِّنًا سبحانه أنَّه قد مضَتْ مِن قبلهم سُننٌ إلهيَّة على الخَلق، ومِن ذلك: أنْ يكون النصرُ والهزيمة سِجالًا ومداولةً بين المؤمنين والكافرين، ومِن تِلك السُّنن: إمهالُ الكفَّارِ واستدراجُهم حتى يَحين موعدُ إهلاكِهم، وإنجاءُ المؤمنين مِن بعد ابتلائِهم؛ فتلك أمثلةٌ صالحةٌ للعِظةِ والاعتبار، فسِيروا- أيُّها المسلمون- في الأرض؛ لتنظروا من الآثارِ التي تُبيِّن كيف كانت نهاية الكافرين.
ثم يُخبر تعالى أنَّ هذا القرآنَ الكريم بيانٌ للناس كافَّةً؛ يوضِّح لهم الحقَّ من الباطل، وهو مرشِدٌ للمتَّقين إلى الطَّريق القويم، وزاجرٌ لهم عن سُبُلِ الضَّلالة والفساد.
ثم أمَر الله المسلمين ألَّا يَضعُفوا ولا يَحزنوا بسبب تلك الهزيمة؛ فإنَّهم هم الأعلون دائمًا، ما داموا مُتمسِّكين بإيمانهم، فإنْ يكُن قد نالهم جراحٌ وقتْل يوم أُحد، فقد أصاب أعداءَهم من الجراح والقَتْل نحوٌ من ذلك في أُحدٍ وبَدرٍ؛ فقد تساوَوْا، فلا ينبغي أنْ يستمرُّوا على حُزنهم، وهذه سُنَّة الله؛ أنْ يَجعل الأيَّامَ دُوَلًا بين الناس جميًعا؛ مؤمنِهم وكافرهم، فتارةً نصر، وتارةً هزيمة. ومن الحِكَم التي أرادها اللهُ تعالى من ذلك التداوُلِ بين الناس: ظهورُ صادِقي الإيمان من غيرهم، واتِّخاذُ اللهِ من المؤمنين شُهداءَ يُقتَلون في سبيلِه، والله سبحانه لا يحبُّ الكافِرين والمنافِقين، الذين وَضَعوا -بالكفر- أنفسَهم في غيرِ ما خُلِقوا لأجْله، فبَخَسوها حقَّها؛ ولذا أَقعدَ المنافقين يومَ أُحُدٍ عن القتال مع المؤمنين؛ لأنَّه يُبغضُهم، كما أنَّ الله تعالى إذا أدالَ الكافِرين على المؤمنين أحيانًا لا لأنَّه يُحبُّهم، بل لِمَا سبَق ذِكرُه من أسباب، وإذا أدالَ المؤمنين عليهم فلأجْل محبَّتِه سبحانه لهم، وحتى يُنقِّي المؤمنين من ذُنوبهم بما يُصيبهم من قتْلٍ وجراح، ويُهلِك الكافرين"[1].
ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 196 - 198].
في هذه الآيات: "يَنهى اللهُ تعالى نبيَّه محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَنخدعَ بما يحصُلُ عليه الكفَّارُ من مَتاع الدُّنيا، وتقلُّبهم في البلادِ بأنواعِ التِّجاراتِ والمكاسِب، والغلبةِ في بعضِ الأوقات؛ فإنَّ ذلك مُتعةٌ قليلةٌ، فانيةٌ زائلة، ثم يكونُ مصيرُهم جهنَّمَ، وبئسَ المقرُّ.
أمَّا المتَّقون لربِّهم، فإنَّ لهم جَناتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ، هي دارُهم التي يَمكُثون فيها على الدَّوام، أعدَّها اللهُ لهم مَنزلَ ضِيافةٍ، وما عندَ الله تعالى خيرٌ مِن متاعِ الدُّنيا لِمَن أطاع وأَحْسنَ العملَ"[2]، والخِطابُ في هذه الآيات وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالحُكمُ شاملٌ لِأُمَّتِه[3].
ويقول عز وجل: ﴿ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 4 - 6].
في هذه الآيات: "يخبر تبارك وتعالى أنه ما يخاصم في آيات القرآن، وأدلته على وحدانية الله، ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا أنه الإله الحق المستحق للعبادة وحده، فلا يغررك -أيها الرسول - ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب، ونعيم الدنيا وزهرتها.
ثم توعد سبحانه من جادل في آياته ليبطلها، بما فعله مع قوم نوح ومَن تلاهم من الأمم الكافرة الذين كذبوا رسلهم، وأعلنوا الحرب عليهم، وعزموا على إيذائهم، وتجمَّعوا عليهم، وهمّوا بقتلهم، وخاصموا بالباطل؛ ليبطلوا بجدالهم الحق فعاقبهم الله تعالى، فتأملوا كيف كان عقابه إياهم لتتعظوا وتعتبروا، وكما حق العقاب على الكفار في الدنيا، حق عليهم أنهم أصحاب النار في الآخرة"[4].
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟" [أخرجه البخاري (3456)].
في هذا الحديث: "يخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يكونُ عليه حالُ أُمَّتِه في فترةٍ مِنَ الفتراتِ، وهي مُتابعةُ أهلِ الأهواءِ والبِدعِ مِنَ اليهودِ والنَّصارى الَّذين بدَّلوا دِينَهم، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لِتتَّبعُنَّ سَننَ مَن قبلَكم شِبرًا بِشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ حتَّى لو سلَكوا جُحرَ ضبٍّ لَسلكتُموه»، والسَّننُ: هي الطَّريقةُ والأفعالُ، والمعنى: أنَّكم تَتَّبعون َطريقةَ النَّصارى واليهودِ في أفعالِهم وحياتِهم متابعةً دقيقةً شديدةً، تَاركينَ سُنَّتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى لو دخلُوا جُحرَ ضبٍّ لدَخلْتُموه وراءَهم، والضَّبُّ حيوانٌ جُحرُه شديدُ الظُّلْمةِ نَتنُ الرِّيحِ.
وفي هذا الحديثِ مُعجزةٌ لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنحن نُشاهدُ تَقليدَ أجيالِ الأمَّةِ لأممِ الكُفرِ في الأرضِ فيما هي عليه مِن أخلاقٍ ذَميمةٍ، وعاداتٍ فاسدةٍ، تفوحُ منها رائحةُ النَّتنِ وَتَمرُّغَ أنْفِ الإنسانيةِ في مَستنقعٍ مِن وَحلِ الرَّذيلةِ والإثمِ، وتُنذرُ بشرٍّ مُستطيرٍ"[5].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [أخرجه أبو داود (4031)، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح].
"وفي هذا الحديث يحَذّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمَّتَه مِن التَّشبُّهِ بغيرِ المسلِمين؛ وذلك أنَّ الأمَّةَ مأمورةٌ بمخالَفةِ المشرِكين وأهلِ الكِتابِ.
وفيه يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن تشبَّه بقومٍ"، أي: اتَّبَعَهم في أفعالِهم أو أقوالِهم أو لِباسِهم وعاداتِهم، كمَأكَلِه ومَشرَبِه وهَيئاتِه وغيرِ ذلك؛ "فهو مِنهُم"، أي: حُكمُه حُكمُهم؛ فإنْ كانوا أَهلَ فِسقٍ أو كُفرٍ أصبَح مِنهُم، ويَشمَلُه ما يَشمَلُهم مِن العَذابِ بحَسبِ ما تَشبَّه بهم فيه، وبحسَبِ ما قَصَدَ من هذا التشبُّهِ، وإنْ كانوا مِن أهلِ الصَّلاحِ والإسلامِ شَمِلَه ما يَشمَلُهم مِن نعيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي الحديثِ: التحذيرُ من التَّشبُّهِ بأهلِ الكُفرِ والفُسوقِ والعِصيانِ، والإرشادُ إلى التَّشبُّهِ بأهلِ الإيمانِ والطَّاعةِ"[6].
ومن خلال تأمل النصوص السابقة يظهر أن "المقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص، ويتحلى بالانهزامية والتردي، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد"[7].
وعيد الفالنتين "الحب" "عيد روماني جاهلي، استمر الاحتفال به حتى بعد دخول الرومان في النصرانية، وارتبط العيد بالقس المعروف باسم فالنتاين الذي حكم عليه بالإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ولا زال هذا العيد يحتفل به الكفار، ويشيعون فيه الفاحشة والمنكر"[8].
و" لا يجوز للمسلم الاحتفال بشيء من أعياد الكفار؛ لأن العيد من جملة الشرع الذي يجب التقيد فيه بالنص"[9].
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ [يعني بالكفار] فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ لَا مِنْ طَعَامٍ وَلَا لِبَاسٍ وَلَا اغْتِسَالٍ وَلَا إيقَادِ نِيرَانٍ وَلَا تَبْطِيلِ عَادَةٍ مِنْ مَعِيشَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ وَلِيمَةٍ وَلَا الْإِهْدَاءُ وَلَا الْبَيْعُ بِمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَلَا تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ اللَّعِبِ الَّذِي فِي الْأَعْيَادِ وَلَا إظْهَارُ زِينَةٍ. وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا أَعْيَادَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهِمْ بَلْ يَكُونُ يَوْمُ عِيدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ"[10].
وقال أيضا: "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر"[11].
وقال أيضا: "الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله سبحانه [عنها]: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [سورة المائدة 48]، وقال: ﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾ [سورة الحج 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا ﴾ [أخرجه البخاري (952) من حديث عائشة رضي الله عنها]. وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار [لباس كان خاصًا بأهل الذمة] ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه"[12].
وسئل ابن جبرين رحمه الله تعالى:
"انتشر بين فتياننا وفتياتنا الاحتفال بما يسمى عيد الحب (يوم فالنتاين) وهو اسم قسيس يعظمه النصارى يحتفلون به كل عام في 14 فبراير، ويتبادلون فيه الهدايا والورود الحمراء، ويرتدون الملابس الحمراء، فما حكم الاحتفال به أو تبادل الهدايا في ذلك اليوم وإظهار ذلك العيد؟
فأجاب:
أولًا: لا يجوز الاحتفال بمثل هذه الأعياد المبتدعة؛ لأنه بدعة محدثة لا أصل لها في الشرع فتدخل في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" [أخرجه البخاري (2697)]. أي مردود على من أحدثه.
ثانيًا: أن فيها مشابهة للكفار وتقليدًا لهم في تعظيم ما يعظمونه واحترام أعيادهم ومناسباتهم وتشبهًا بهم فيما هو من ديانتهم وفي الحديث: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" [أخرجه أبو داود (4031) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح].
ثالثًا: ما يترتب على ذلك من المفاسد والمحاذير كاللهو واللعب والغناء والزمر والأشر والبطر والسفور والتبرج واختلاط الرجال بالنساء أو بروز النساء أمام غير المحارم ونحو ذلك من المحرمات، أو ما هو وسيلة إلى الفواحش ومقدماتها، ولا يبرر ذلك ما يعلل به من التسلية والترفيه، وما يزعمونه من التحفظ فإن ذلك غير صحيح، فعلى من نصح نفسه أن يبتعد عن الآثام ووسائلها"[13].
وقال أيضا: "وعلى هذا لا يجوز بيع هذه الهدايا والورود إذا عرف أن المشتري يحتفل بتلك الأعياد أو يهديها أو يعظم بها تلك الأيام حتى لا يكون البائع مشاركًا لمن يعمل بهذه البدعة، والله أعلم"[14].
اللهم ارزقنا مخالفة المشركين، واتباع سبيل المؤمنين[15]، اللهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة: 6-7].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6 /70، 73)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1 /496-497)، ((تفسير ابن كثير)) (2 /126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 149-150)، ((تفسير ابن عاشور)) (4 /95-97)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2 /198-199، 223-224)، ((التفسير الميسر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 137 - 141 من سورة آل عمران).
[2] يُنظر: ((التفسير الميسر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 196 - 198 من سورة آل عمران).
[3] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3 /481)، ((التفسير الميسر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 196 - 198 من سورة آل عمران).
[4] يُنظر: ((التفسير الميسر)) لمجموعة من المؤلفين (ص: 467)، ((تفسير السعدي)) (ص: 731).
[5] ((شرح حديث: "لِتتَّبعُنَّ سَننَ مَن قبلَكم شِبرًا بِشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ...")) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية.
[6] ((شرح حديث: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ")) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية.
[7] ((حكم تقليد الكفار ومعنى "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن")) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[8] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[9] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[10] ((مجموع الفتاوى)) (25/ 329).
[11] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1/ 549).
[12] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1 /207)، ويُنظر: ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[13] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[14] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[15] قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. ...المزيد
عيد الفالنتاين (2) "حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه" بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على ...
عيد الفالنتاين (2)
"حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد يسر الله تعالى نشر مقال على شبكة الألوكة عنوانه: عيد الفالنتاين - "حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه" على الرابط التالي: https://www.alukah.net/sharia/0/144987/
وقد أورد المقال جملة من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في وجوب هجران أعياد المشركين، والبراءة منها، ويمكن تلخيص نتائجه فيما يلي:
• أن "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر"[1].
• أن من أبرز مظاهر التشبه بالكفار: تقليدهم في أعيادهم، ومحاكاتهم في الاحتفال بها، ومن تلك الأعياد: عيد الفالنتين (الحب)، وهو "عيد روماني جاهلي، استمر الاحتفال به حتى بعد دخول الرومان في النصرانية، وارتبط العيد بالقس المعروف باسم فالنتاين الذي حكم عليه بالإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ولا زال هذا العيد يحتفل به الكفار، ويشيعون فيه الفاحشة والمنكر"[2].
• حرمة الاحتفال بعيد الفالنتاين وغيره من أعياد الكفار؛ لأن التشبه بالكفار منكر ومعصية قد ينتهي بالعبد إلى الكفر[3]، ولأن العيد من جملة الشرع الذي يجب التقيد فيه بالنص[4].
• أن "المقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص، ويتحلى بالانهزامية والتردي، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد"[5].
• أن هناك ألف ألف طريقة مباحة للتعبير عن الحب بين الزوجين، فلماذا نترك كل تلك الطرق المشروعة، ونحصر معاني المحبة والمودة والرحمة في لباس أحمر، وتخنث، وتكسر، وتميع في يوم عيد الكفار؟!
• أن ضعف المسلمين وقوة أعدائهم المادية الظاهرة سبب لفتنة كثير من الخلق، واغترارهم بالحياة الدنيا، وتقليدهم للكفار؛ لكن أهل العلم والإيمان يوقنون أن الأيام دول بين الناس[6]، وأن ﴿ ٱلعَـٰقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]، وأن ما عند الناس ﴿ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، ولذا يدعون ﴿ ٱلَّذِینَ یُرِیدُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا ﴾ [سورة القصص 79]، ويقولون لهم: ﴿ وَیۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰاۚ وَلَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ ﴾ [سورة القصص 80]، فهنيئًا لمن صبر وثبت وسار على درب الأنبياء والمرسلين، وقبحًا لمن اتبع غير سبيل المؤمنين[7]، وفضل الحياة الدنيا على جوار رب العالمين في جنات النعيم[8].
والله تعالى أعلم.
"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ"[9].
اللهم إنا نبرأ من الكفار وعاداتهم وأعيادهم؛ اللهم ارزقنا مخالفتهم[10]، واتباع سبيل المؤمنين[11]؛ اللهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة 6 - 7].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1/ 549).
[2] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[3] قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله سبحانه [عنها]: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [سورة المائدة 48]، وقال: (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) [سورة الحج 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) [أخرجه البخاري (952) من حديث عائشة رضي الله عنها]. وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار [لباس كان خاصًا بأهل الذمة] ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه" [((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1 /207)، ويُنظر: ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب].
[4] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[5] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[6]قال الله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران 137 - 141].
[7] قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [سورة النساء: 115].
[8] قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِینَ فِی ضَلَـٰلࣲ وَسُعُرࣲ * یَوۡمَ یُسۡحَبُونَ فِی ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُوا۟ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقۡنَـٰهُ بِقَدَرࣲ * وَمَاۤ أَمۡرُنَاۤ إِلَّا وَ ٰحِدَةࣱ كَلَمۡحِۭ بِٱلۡبَصَرِ * وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَاۤ أَشۡیَاعَكُمۡ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ * وَكُلُّ شَیۡءࣲ فَعَلُوهُ فِی ٱلزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِیرࣲ وَكَبِیرࣲ مُّسۡتَطَرٌ * إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَنَهَرࣲ * فِی مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِیكࣲ مُّقۡتَدِرِۭ) [سورة القمر 47 - 55].
[9] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي". فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [أخرجه أحمد (15492)، وقال محققو المسند: رجاله ثقات].
[10] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ" [أخرجه البخاري (5892)].
[11] قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [سورة النساء 115]. ...المزيد
"حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد يسر الله تعالى نشر مقال على شبكة الألوكة عنوانه: عيد الفالنتاين - "حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه" على الرابط التالي: https://www.alukah.net/sharia/0/144987/
وقد أورد المقال جملة من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية في وجوب هجران أعياد المشركين، والبراءة منها، ويمكن تلخيص نتائجه فيما يلي:
• أن "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر"[1].
• أن من أبرز مظاهر التشبه بالكفار: تقليدهم في أعيادهم، ومحاكاتهم في الاحتفال بها، ومن تلك الأعياد: عيد الفالنتين (الحب)، وهو "عيد روماني جاهلي، استمر الاحتفال به حتى بعد دخول الرومان في النصرانية، وارتبط العيد بالقس المعروف باسم فالنتاين الذي حكم عليه بالإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ولا زال هذا العيد يحتفل به الكفار، ويشيعون فيه الفاحشة والمنكر"[2].
• حرمة الاحتفال بعيد الفالنتاين وغيره من أعياد الكفار؛ لأن التشبه بالكفار منكر ومعصية قد ينتهي بالعبد إلى الكفر[3]، ولأن العيد من جملة الشرع الذي يجب التقيد فيه بالنص[4].
• أن "المقلِّد للكفار يشعر بعقدة النقص، ويتحلى بالانهزامية والتردي، لذا يسارع إلى سد نقصه بتقليد من يعظمه، ولو وقف هؤلاء على عظمة تشريعات الإسلام، وعرفوا فساد تلك الحضارة التي يركضون خلفها لعلموا أنهم على خطأ، وأنهم تركوا ما هو كمال وحق إلى ما هو نقص وفساد"[5].
• أن هناك ألف ألف طريقة مباحة للتعبير عن الحب بين الزوجين، فلماذا نترك كل تلك الطرق المشروعة، ونحصر معاني المحبة والمودة والرحمة في لباس أحمر، وتخنث، وتكسر، وتميع في يوم عيد الكفار؟!
• أن ضعف المسلمين وقوة أعدائهم المادية الظاهرة سبب لفتنة كثير من الخلق، واغترارهم بالحياة الدنيا، وتقليدهم للكفار؛ لكن أهل العلم والإيمان يوقنون أن الأيام دول بين الناس[6]، وأن ﴿ ٱلعَـٰقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]، وأن ما عند الناس ﴿ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، ولذا يدعون ﴿ ٱلَّذِینَ یُرِیدُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا ﴾ [سورة القصص 79]، ويقولون لهم: ﴿ وَیۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰاۚ وَلَا یُلَقَّىٰهَاۤ إِلَّا ٱلصَّـٰبِرُونَ ﴾ [سورة القصص 80]، فهنيئًا لمن صبر وثبت وسار على درب الأنبياء والمرسلين، وقبحًا لمن اتبع غير سبيل المؤمنين[7]، وفضل الحياة الدنيا على جوار رب العالمين في جنات النعيم[8].
والله تعالى أعلم.
"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ"[9].
اللهم إنا نبرأ من الكفار وعاداتهم وأعيادهم؛ اللهم ارزقنا مخالفتهم[10]، واتباع سبيل المؤمنين[11]؛ اللهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة 6 - 7].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1/ 549).
[2] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[3] قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله سبحانه [عنها]: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [سورة المائدة 48]، وقال: (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) [سورة الحج 67] كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وأما مبدؤها فأقل أحواله أن تكون معصية، وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) [أخرجه البخاري (952) من حديث عائشة رضي الله عنها]. وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار [لباس كان خاصًا بأهل الذمة] ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه" [((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) (1 /207)، ويُنظر: ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب].
[4] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[5] ((حكم الاحتفال بعيد الحب)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[6]قال الله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) [سورة آل عمران 137 - 141].
[7] قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [سورة النساء: 115].
[8] قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلۡمُجۡرِمِینَ فِی ضَلَـٰلࣲ وَسُعُرࣲ * یَوۡمَ یُسۡحَبُونَ فِی ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُوا۟ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقۡنَـٰهُ بِقَدَرࣲ * وَمَاۤ أَمۡرُنَاۤ إِلَّا وَ ٰحِدَةࣱ كَلَمۡحِۭ بِٱلۡبَصَرِ * وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَاۤ أَشۡیَاعَكُمۡ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ * وَكُلُّ شَیۡءࣲ فَعَلُوهُ فِی ٱلزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِیرࣲ وَكَبِیرࣲ مُّسۡتَطَرٌ * إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰتࣲ وَنَهَرࣲ * فِی مَقۡعَدِ صِدۡقٍ عِندَ مَلِیكࣲ مُّقۡتَدِرِۭ) [سورة القمر 47 - 55].
[9] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي". فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [أخرجه أحمد (15492)، وقال محققو المسند: رجاله ثقات].
[10] عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ" [أخرجه البخاري (5892)].
[11] قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [سورة النساء 115]. ...المزيد
رسالة لكل من يحتفل بالمولد النبوي أو يرى جواز الاحتفال به أولًا: اللهم صل على محمد وعلى آل ...
رسالة لكل من يحتفل بالمولد النبوي أو يرى جواز الاحتفال به
أولًا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ثانيًا: نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نحبه ونبجله ونعظمه عليه الصلاة والسلام.
ثالثًا: ينبغي أن تكون جميع أيام حياتنا أيام محبة وتعظيم واحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، عامرة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته، وأن لا يُحصر ذلك في يوم واحد فقط من أيام السنة.
رابعًا: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة بالمولد النبوي، وقد أُمرنا بالاتباع، فإنه برهان المحبة وشاهدها، والاتباع يشمل الفعل والترك.
فلنجعل أيامنا كلها أيام تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحث عن سننه، وتطبيق لها في حياتنا قبل أن يأتينا الموت، حتى نسعد بالشرب من نهر الكوثر من يده الشريفة ولقاءه عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم.
وفقنا الله تعالى جميعا لما يحب ويرضى، وزادنا إيمانًا ومحبةً وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم. ...المزيد
أولًا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ثانيًا: نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نحبه ونبجله ونعظمه عليه الصلاة والسلام.
ثالثًا: ينبغي أن تكون جميع أيام حياتنا أيام محبة وتعظيم واحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، عامرة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته، وأن لا يُحصر ذلك في يوم واحد فقط من أيام السنة.
رابعًا: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة بالمولد النبوي، وقد أُمرنا بالاتباع، فإنه برهان المحبة وشاهدها، والاتباع يشمل الفعل والترك.
فلنجعل أيامنا كلها أيام تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحث عن سننه، وتطبيق لها في حياتنا قبل أن يأتينا الموت، حتى نسعد بالشرب من نهر الكوثر من يده الشريفة ولقاءه عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم.
وفقنا الله تعالى جميعا لما يحب ويرضى، وزادنا إيمانًا ومحبةً وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم. ...المزيد
ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يصح بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...
ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يصح
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيقول "أهْلُ التَّعْدِيلِ والتَّجْرِيحِ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ حَدِيثٌ يَصِحُّ"[1]، ويقول ابن العربي - رحمه الله تعالى -: "لَيْسَ فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان حَدِيث يُسَاوِي سَمَاعه"[2].
هذا، ومما ينبغي التنبه له أن من أعظم أسباب انتشار البدع والخرافات: بَثُّ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والتساهل في اقتحام هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم[3]؛ ومن الأحاديث الضعيفة المنتشرة المتعلقة بليلة النصف من شعبان ما يلي:
• ما أخرجه الترمذي في "سننه" أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، (739) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ".
والحديث ضعفه الذهبي[4]، والزيلعي[5]، والألباني([6]، وابن حجر[7]، وصلاح الدين العلائي[8]، والحاكم[9]، والدارقطني[10]، وشعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه[11].
• وما أخرجه ابن ماجه في "سننه" كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، (1390) قال: حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ".
والحديث ضعفه الدارقطني[12]، وابن الجوزي[13]، والهيثمي[14]، والذهبي[15]، وابن حجر[16].
وفيما ثبت عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم غنية، ومزيد كفاية؛ لمن يريد الخير، ويرجو ثواب الله عز وجل[17].
والله تعالى أعلم.
المراجع:
• ((الموسوعة الحديثية للدرر السنية)).
• ((ما صحة حديث إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي: https://islamqa.info/ar/answers/249623
• ((هل ينزل الله إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي: https://islamqa.info/ar/answers/49678
• ((لماذا لم نذكر تصحيح الشيخ الألباني لحديث فضل النصف من شعبان؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي: https://islamqa.info/ar/answers/140084
[1] يُنظر: ((ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان)) لابن دحية (1/ 43).
[2] يُنظر: ((عارضة الأحوذي)) لأبي بكر بن العربي (2/ 201).
[3] عبارة "المسلك الوخيم والوادي الذميم" مقتبسة من تفسير السعدي رحمه الله تعالى (ص: 182) لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾ [سورة النساء 51 - 52]، حيث قال رحمه الله تعالى: "ما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم! كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟ هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحلال كثير من المحرمات، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، والإخلاص لله في السر والإعلان، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع الأقوال والأعمال، فهل هذا إلا من الهذيان! وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق، وهذا هو الواقع، ولهذا قال تعالى عنهم: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي: طردهم عن رحمته وأحل عليهم نقمته. {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} أي: يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره، وهذا غاية الخذلان".
يُنظر: ((الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) على الرابط التالي: https://www.alukah.net/sharia/0/142312
[4] ينظر: ((تلخيص العلل المتناهية)) للذهبي (ص: 183).
[5] يُنظر: ((تخريج الكشاف)) للزيلعي (3/ 263).
[6] يُنظر: ((ضعيف الجامع)) للألباني (654، 1761)، ((السلسلة الصحيحة)) للألباني (3/ 138)، ((تخريج مشكاة المصابيح)) للألباني (1251)، ((ضعيف ابن ماجه)) للألباني (262).
[7] يُنظر: ((الكافي الشاف)) لابن حزم (252).
[8] يُنظر: ((فتاوى العلائي)) للعلائي (36).
[9] يُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (5/ 355).
[10] يُنظر: ((العلل المتناهية)) لابن الجوزي (2/ 556).
[11] يُنظر: ((مسند أحمد)) لأحمد بن حنبل - طبعة الرسالة (26018).
[12] يُنظر: ((علل الدارقطني)) للدارقطني (6/ 50-51).
[13] يُنظر: ((العلل المتناهية)) لابن الجوزي (2/ 561، 557).
[14] يُنظر: ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (8/ 68).
[15] يُنظر: ((تلخيص العلل المتناهية)) للذهبي (ص: 183-184).
[16] يُنظر: ((الكافي الشاف)) لابن حجر (ص: 252)، ((الأمالي المطلقة)) لابن حجر (ص: 120).
[17] يُنظر: ((الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) على الرابط التالي: https://www.alukah.net/sharia/0/142312/ ...المزيد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيقول "أهْلُ التَّعْدِيلِ والتَّجْرِيحِ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِن شَعْبانَ حَدِيثٌ يَصِحُّ"[1]، ويقول ابن العربي - رحمه الله تعالى -: "لَيْسَ فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان حَدِيث يُسَاوِي سَمَاعه"[2].
هذا، ومما ينبغي التنبه له أن من أعظم أسباب انتشار البدع والخرافات: بَثُّ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والتساهل في اقتحام هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم[3]؛ ومن الأحاديث الضعيفة المنتشرة المتعلقة بليلة النصف من شعبان ما يلي:
• ما أخرجه الترمذي في "سننه" أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، (739) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ".
والحديث ضعفه الذهبي[4]، والزيلعي[5]، والألباني([6]، وابن حجر[7]، وصلاح الدين العلائي[8]، والحاكم[9]، والدارقطني[10]، وشعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه[11].
• وما أخرجه ابن ماجه في "سننه" كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، (1390) قال: حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ".
والحديث ضعفه الدارقطني[12]، وابن الجوزي[13]، والهيثمي[14]، والذهبي[15]، وابن حجر[16].
وفيما ثبت عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم غنية، ومزيد كفاية؛ لمن يريد الخير، ويرجو ثواب الله عز وجل[17].
والله تعالى أعلم.
المراجع:
• ((الموسوعة الحديثية للدرر السنية)).
• ((ما صحة حديث إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي: https://islamqa.info/ar/answers/249623
• ((هل ينزل الله إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي: https://islamqa.info/ar/answers/49678
• ((لماذا لم نذكر تصحيح الشيخ الألباني لحديث فضل النصف من شعبان؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي: https://islamqa.info/ar/answers/140084
[1] يُنظر: ((ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان)) لابن دحية (1/ 43).
[2] يُنظر: ((عارضة الأحوذي)) لأبي بكر بن العربي (2/ 201).
[3] عبارة "المسلك الوخيم والوادي الذميم" مقتبسة من تفسير السعدي رحمه الله تعالى (ص: 182) لقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ﴾ [سورة النساء 51 - 52]، حيث قال رحمه الله تعالى: "ما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم! كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟ هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحلال كثير من المحرمات، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، والإخلاص لله في السر والإعلان، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق، حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع الأقوال والأعمال، فهل هذا إلا من الهذيان! وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق، وهذا هو الواقع، ولهذا قال تعالى عنهم: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي: طردهم عن رحمته وأحل عليهم نقمته. {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} أي: يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره، وهذا غاية الخذلان".
يُنظر: ((الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) على الرابط التالي: https://www.alukah.net/sharia/0/142312
[4] ينظر: ((تلخيص العلل المتناهية)) للذهبي (ص: 183).
[5] يُنظر: ((تخريج الكشاف)) للزيلعي (3/ 263).
[6] يُنظر: ((ضعيف الجامع)) للألباني (654، 1761)، ((السلسلة الصحيحة)) للألباني (3/ 138)، ((تخريج مشكاة المصابيح)) للألباني (1251)، ((ضعيف ابن ماجه)) للألباني (262).
[7] يُنظر: ((الكافي الشاف)) لابن حزم (252).
[8] يُنظر: ((فتاوى العلائي)) للعلائي (36).
[9] يُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (5/ 355).
[10] يُنظر: ((العلل المتناهية)) لابن الجوزي (2/ 556).
[11] يُنظر: ((مسند أحمد)) لأحمد بن حنبل - طبعة الرسالة (26018).
[12] يُنظر: ((علل الدارقطني)) للدارقطني (6/ 50-51).
[13] يُنظر: ((العلل المتناهية)) لابن الجوزي (2/ 561، 557).
[14] يُنظر: ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (8/ 68).
[15] يُنظر: ((تلخيص العلل المتناهية)) للذهبي (ص: 183-184).
[16] يُنظر: ((الكافي الشاف)) لابن حجر (ص: 252)، ((الأمالي المطلقة)) لابن حجر (ص: 120).
[17] يُنظر: ((الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) على الرابط التالي: https://www.alukah.net/sharia/0/142312/ ...المزيد
الاعتكاف في الكتاب والسنة بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ...
الاعتكاف في الكتاب والسنة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيقول الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ؛ نَتَحَدَّثُ؟ فَخَرَجَ فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ؛ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ". وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ فَأُمْطِرْنَا فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ، تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ. [أخرجه البخاري (813)].
وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. [أخرجه البخاري (309)].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ بْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ: "آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟" فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. [أخرجه البخاري (2033)].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. [أخرجه البخاري (2029)].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. [أخرجه البخاري (2026)].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ. [أخرجه البخاري في باب: كان جبريل يعرض القرآن على النبي (4998)].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْفِ نَذْرَكَ". فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. [أخرجه البخاري (2042)].
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ...المزيد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيقول الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].
وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ؛ نَتَحَدَّثُ؟ فَخَرَجَ فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَرْجِعْ؛ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ". وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَةٌ فَأُمْطِرْنَا فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ، تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ. [أخرجه البخاري (813)].
وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. [أخرجه البخاري (309)].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ بْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟" فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ: "آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟" فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. [أخرجه البخاري (2033)].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. [أخرجه البخاري (2029)].
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. [أخرجه البخاري (2026)].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ. [أخرجه البخاري في باب: كان جبريل يعرض القرآن على النبي (4998)].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْفِ نَذْرَكَ". فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً. [أخرجه البخاري (2042)].
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ...المزيد
من هم الخوارج الذين هم شرار الخلق؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...
من هم الخوارج الذين هم شرار الخلق؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ففي هذا المقال عرضٌ لجملة من الأحاديث النبوية التي جاءت في بيان صفات الخوارج، والتحذير منهم، وبيان سوء عاقبتهم، وهي كما يلي:
• عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - أَوْ "سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي" - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ"؛ [أخرجه مسلم (1067)].
حَلَاقِيمَهُمْ: حَناجرهم وداخِلُ أفواههم [1].
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ"؛ [أخرجه البخاري (7562)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَالتَّسْبِيدُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ"؛ [أخرجه أبو داود (4765، 4766)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
فأَنِيموهُم: فاقْتُلوهُم.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ". فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟". فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ - أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" [أخرجه البخاري (7432)].
ذُهَيْبَةٍ: القِطْعة مِن الذَّهَب.
غائر العينَين: داخِلهما.
مُشْرِف الوَجْنَتين: غَليظُهما.
نَاتِئُ الْجَبين: مُرتَفِعه.
كَثُّ اللِّحية: كثير شَعرِها.
ضِئْضِئِ: أتباع.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ. فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ - وَهُوَ قِدْحُهُ - فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ - أَوْ: مِثْلُ الْبَضْعَةِ - تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ. [أخرجه البخاري (3610)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
نَصْلِه: حَديدةُ السَّهْمِ.
رِصافِه: عَقِبٌ يُلْوى فَوْق مَدْخَلِ النَّصْل أو السَّهمِ.
نَضيِّه: عُودُ السَّهْم قَبلَ أن يُراشَ ويُنْصَلَ أو هو ما بَينَ الرِّيشِ والنَّصْلِ.
قُذَذِه: الرِّيشِ الَّذي عَلى السَّهْمِ.
الفَرْثَ: ما يَجتَمِع في الكِرْشِ.
آيَتُهم: عَلامَتُهم.
عَضُدَيْه: ما بَينَ مِرْفَقيه وكَتِفيه.
البَضْعةِ: القِطعة مِن اللَّحْمِ.
تَدَرْدَرُ: تَتَحَرَّك وتَذهَب وتَجيءُ.
فالْتُمِسَ: طُلِبَ في القَتْلى.
نَعْتِ: وصف.
• وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ: تحت وجْهِ السَّماءِ وصَفْحَتِها.
• وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [أخرجه البخاري (6930)].
حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ: صِغارُ السن.
سُفَهاء الأَحْلامِ: ضُعَفاءُ العُقولِ.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ -: "إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ" [أخرجه أحمد (12886)، وقال شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
يَدْأَبُونَ: يجتهدون ويواظبون ويتعبون.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً - حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ" [أخرجه ابن ماجه (174)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (144)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
عِرَاضِهِم: آخِرِهِم وَبَقِيَّتِهِم.
• وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا، فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ، قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. [أخرجه مسلم (1066].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
يُصِيبُونَهُمْ: يقتُلونَهم ويغلِبونهم.
لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ: لاعتمَدوا على البِشارةِ وترَكوا العملَ.
آيَةُ: دليل.
عَضُدٌ: ما بين الكتفِ إلى المِرفَقِ.
ذِرَاعٌ: ما بين المِرفَقِ إلى الكفِّ.
سَرْحِ النَّاسِ: مواشيهم السائمة.
فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ: يَحكي هنا سلَمةُ بنُ كُهَيلٍ قال: فنزَّلني زيدُ بنُ وهبٍ منزلًا، أي: ذكَر لي مراحلَهم بالجيشِ منزلًا منزلًا حتَّى بلَغ القنطرةَ الَّتي كان القتالُ عندها، وهي قنطرةُ الدَّبْرجانِ، وهي جسرُ الخوارجِ.
جُفُونِهَا: أغمادِها.
نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ: حروراء: قرية على ميلين من الكوفة، وإليها نسبت الخوارج [2]؛ ويَقصدُ هنا سؤال ابن عباس رضي الله عنهما الخوارج بالله تعالى أن يجيبوه بصدق عما ذكره لهم من ردود على شبههم، كما سيأتي بيانه في الحديث التالي إن شاء الله تعالى.
• وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: لَمّا اعْتَزَلْتُ الحَرُورِيَّةَ فَكانُوا فِي دارٍ عَلى حِدِّتِهِمْ فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ، قالَ: إنِّي أتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ قُلْتُ: كَلّا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، قالَ: فَلَبِسْتُ أحْسَنَ ما أقْدِرُ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ اليَمانِيَّةِ، قالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وهُمْ قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قالَ: فَدَخَلْتُ عَلى قَوْمٍ لَمْ أرَ قَوْمًا قَطُّ أشَدَّ اجْتِهادًا مِنهُمْ، أيْدِيهِمْ كَأنَّها ثَفِنُ الإبِلِ، ووُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِن آثارِ السُّجُودِ، قالَ: فَدَخَلْتُ فَقالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يا ابْنَ عَبّاسٍ ما جاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ الوَحْيُ، وهُمْ أعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لا تُحَدِّثُوهُ وقالَ بَعْضُهُمْ: واللَّهِ لَنُحَدِّثَنَّهُ، قالَ: قُلْتُ: أخْبِرُونِي ما تَنْقُمُونَ عَلى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخَتَنِهِ وأوَّلِ مَن آمَنَ بِهِ وأصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ؟ قالُوا: نَنْقُمُ عَلَيْهِ ثَلاثًا، قالَ: قُلْتُ: وما هُنَّ؟ قالُوا: أوَّلُهُنَّ أنَّهُ حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿ إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ ﴾ [سورة الأنعام 57]، قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: وقاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ لَئِنْ كانُوا كُفّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أمْوالُهُمْ ولَئِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِماؤُهُمْ؟ قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَهُوَ أمِيرُ الكافِرِينَ. قالَ: قُلْتُ: أرَأيْتُمْ إنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِن كِتابِ اللَّهِ المُحْكَمِ وحَدَّثْتُكُمْ مِن سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا تُنْكِرُونَ، أتَرْجِعُونَ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: قُلْتُ: أمّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ:﴿ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [سورة المائدة 95] إلى قَوْلِهِ: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ ﴾ [سورة المائدة 95] وقالَ فِي المَرْأةِ وزَوْجِها: ﴿ وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها ﴾ [سورة النساء 35] أنْشُدُكُمُ اللَّهَ أحْكُمُ الرِّجالِ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ أحَقُّ أمْ فِي أرْنَبٍ ثَمَنُها رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ، قالَ: أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ قاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ، أتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عائِشَةَ أمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها، فَقَدْ كَفَرْتُمْ وإنْ زَعَمْتُمْ أنَّها لَيْسَتْ أُمَّ المُؤْمِنِينِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وخَرَجْتُمْ مِنَ الإسْلامِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ﴾ [سورة الأحزاب 6] فَأنْتُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ فاخْتارُوا أيَّتَهُما شِئْتُمْ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعا قُرَيْشًا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلى أنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ كِتابًا، فَقالَ: "اكْتُبْ هَذا ما قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقالُوا: واللَّهِ لَوْ كُنّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ما صَدَدْناكَ عَنِ البَيْتِ ولا قاتَلْناكَ ولَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقالَ: "واللَّهُ إنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يا عَلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ أفْضَلَ مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنهُمْ عِشْرُونَ ألْفًا وبَقِيَ مِنهُمْ أرْبَعَةُ آلافٍ فَقُتِلُوا. [أخرجه عبد الرزاق الصنعاني (18678)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 242): رجاله رجال الصحيح].
حِدِّتِهِمْ: شدتهم وعنادهم.
أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ: أخر صلاة الظهر حتى يبرد الجو وأدرك الصلاة معكم، وذلك لأني أريد أن أذهب للخوارج وأكلمهم.
اليَمانِيَّةِ: لباس يماني.
قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ: نائمون في وسط النهار.
ثَفِنُ الإبِلِ: الجزء من جسم الإبل الذي تَبْرُكُ عليه فيغلُظ ويجمُد.
خَتَنِهِ: الخَتَنُ: زوج كل امرأة من محارم الرجل، والمقصود هنا أن عليا رضي الله عنه خَتَنُ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ: يعنون في قتال علي مع معاوية رضي الله عنهما.
"لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ": لا تَقْتُلوا صيدَ البَرِّ وأنتم مُحْرِمون بحجٍّ أو عمرةٍ، أو كنتم داخِلَ منطقةِ حَرَم مكة[3].
شقاقَ: تباعُدًا ووقوعَ عداوةٍ بين الزوجين[4].
يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: الحُدَيْبِيَةِ تقع الان على مسافة اثنين وعشرين كيلا غرب مكة، ولا زالت تعرف بهذا الاسم[5]، وقد وقع فيها صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش.
وبالنظر في النصوص السابقة، يتبين ما يلي:
• أن لفظة "خوارج" يُقصد بها الذين خرجوا من الدين، ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ" [أخرجه مسلم (1067)].
• أن الخوارج كفارٌ ما هم بمسلمين، على الصحيح من أقوال أهل العلم لوضوح دلالة الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، ولا يقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أظهر تلك الأحاديث شهادة على كفر الخوارج: حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال عندما رأى قتلى الخوارج: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. فقيل: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
• أنه لا يجوز الحكم على معين بالردة أو بالخارجية إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، وتوفرت الشروط، وانتفت الموانع، وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ: فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ"[6].
• أنه ينبغي الحذر من شتم الناس واتهامهم بما ليس فيهم، ومن أشد ذلك وصفهم بالخارجية استعداءً للحكام عليهم وتقربًا بذلك لهم، ومن عَمِلَ ذلك فقد اشترى بآيات الله تعالى ثمنا قليلا، وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك أشد الذم في كتابه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [سورة البقرة 174-175]، ولا يعني هذا خلو الأرض من الخوارج، لكن المقصود هنا: هو الاتهام بالباطل لمجرد اختلاف في المنهج، أو في الرأي والاجتهاد [7].
• أن من كفر أحدا أو وصفه بالخارجي: فإن كان كما يقول، وإلا فقد افترى إثما مبينا، وصار على خطر عظيم لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" [أخرجه البخاري (6104)][8].
والله تعالى أعلم.
[1] مراجع معاني كلمات الأحاديث:
- ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
- موقع ((معجم المعاني)).
[2] يُنظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي، (2 /345).
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8 /673)، ((تفسير ابن كثير)) (3 /190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2 /384-385).
[4] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2 /47)، ((تفسير ابن كثير)) (2 /296)، ((تفسير السعدي)) (ص: 177)، ((تفسير ابن عاشور)) (5 /44-45).
[5] ((المعالم الأثيرة في السنة والسيرة)) (ص: 97).
[6] ((مجموع الفتاوى)) (28/ 500).
[7] يُنظر: ((وقفة مهمة مع من يصف مخالفه بأنه "خارجي"!)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[8] قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في ((المغني)) (2/ 332): "...وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) [أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]، وَقَوْلِهِ: (كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) [أخرجه البزار (70) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4485)]، وَقَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) [أخرجه أحمد (5914) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه]. ...المزيد
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ففي هذا المقال عرضٌ لجملة من الأحاديث النبوية التي جاءت في بيان صفات الخوارج، والتحذير منهم، وبيان سوء عاقبتهم، وهي كما يلي:
• عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي - أَوْ "سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي" - قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ"؛ [أخرجه مسلم (1067)].
حَلَاقِيمَهُمْ: حَناجرهم وداخِلُ أفواههم [1].
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ"؛ [أخرجه البخاري (7562)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى يَرْتَدَّ عَلَى فُوقِهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ، يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسُوا مِنْهُ فِي شَيْءٍ، مَنْ قَاتَلَهُمْ كَانَ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْهُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ وَالتَّسْبِيدُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ"؛ [أخرجه أبو داود (4765، 4766)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
فُوقِهِ: مَوْضِع السهم مِنَ القَوْسِ.
سِيمَاهُمْ: علامتُهم.
التَّسْبِيدُ: تَرْكُ غَسْلِ الشَّعرِ ودَهْنِهِ.
فأَنِيموهُم: فاقْتُلوهُم.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ - إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْعَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلَابٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ، فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟ قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ". فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ، فَيَأْمَنِّي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟". فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ - أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" [أخرجه البخاري (7432)].
ذُهَيْبَةٍ: القِطْعة مِن الذَّهَب.
غائر العينَين: داخِلهما.
مُشْرِف الوَجْنَتين: غَليظُهما.
نَاتِئُ الْجَبين: مُرتَفِعه.
كَثُّ اللِّحية: كثير شَعرِها.
ضِئْضِئِ: أتباع.
• وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْدِلْ. فَقَالَ: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ - وَهُوَ قِدْحُهُ - فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ - أَوْ: مِثْلُ الْبَضْعَةِ - تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ. [أخرجه البخاري (3610)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
نَصْلِه: حَديدةُ السَّهْمِ.
رِصافِه: عَقِبٌ يُلْوى فَوْق مَدْخَلِ النَّصْل أو السَّهمِ.
نَضيِّه: عُودُ السَّهْم قَبلَ أن يُراشَ ويُنْصَلَ أو هو ما بَينَ الرِّيشِ والنَّصْلِ.
قُذَذِه: الرِّيشِ الَّذي عَلى السَّهْمِ.
الفَرْثَ: ما يَجتَمِع في الكِرْشِ.
آيَتُهم: عَلامَتُهم.
عَضُدَيْه: ما بَينَ مِرْفَقيه وكَتِفيه.
البَضْعةِ: القِطعة مِن اللَّحْمِ.
تَدَرْدَرُ: تَتَحَرَّك وتَذهَب وتَجيءُ.
فالْتُمِسَ: طُلِبَ في القَتْلى.
نَعْتِ: وصف.
• وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. قُلْتُ: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ: تحت وجْهِ السَّماءِ وصَفْحَتِها.
• وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [أخرجه البخاري (6930)].
حُدَّاثُ الْأَسْنَانِ: صِغارُ السن.
سُفَهاء الأَحْلامِ: ضُعَفاءُ العُقولِ.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ -: "إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَعْبُدُونَ وَيَدْأَبُونَ حَتَّى يُعْجَبَ بِهِمُ النَّاسُ، وَتُعْجِبَهُمْ نُفُوسُهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ" [أخرجه أحمد (12886)، وقال شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه: إسناده صحيح على شرط الشيخين].
يَدْأَبُونَ: يجتهدون ويواظبون ويتعبون.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْشَأُ نَشْءٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً - حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ" [أخرجه ابن ماجه (174)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (144)].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
عِرَاضِهِم: آخِرِهِم وَبَقِيَّتِهِم.
• وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الْخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ". لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ عَضُدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ عَلَى رَأْسِ عَضُدِهِ مِثْلُ حَلَمَةِ الثَّدْيِ، عَلَيْهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذْهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَتَتْرُكُونَ هَؤُلَاءِ يَخْلُفُونَكُمْ فِي ذَرَارِيِّكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَأَغَارُوا فِي سَرْحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وَعَلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الرِّمَاحَ، وَسُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُنَاشِدُوكُمْ كَمَا نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا، فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِمْ، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِمْ، قَالَ: وَقُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلَّا رَجُلَانِ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْتَمِسُوا فِيهِمُ الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَدْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: أَخِّرُوهُمْ، فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ، وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَحْلِفُ لَهُ. [أخرجه مسلم (1066].
تَرَاقِيَهُمْ: عظامهم التي بين نُقَرِ نحورهم وعواتقهم.
يَمْرُقُونَ: يخرجون.
الرَّمِيَّةِ: الصَّيد.
يُصِيبُونَهُمْ: يقتُلونَهم ويغلِبونهم.
لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ: لاعتمَدوا على البِشارةِ وترَكوا العملَ.
آيَةُ: دليل.
عَضُدٌ: ما بين الكتفِ إلى المِرفَقِ.
ذِرَاعٌ: ما بين المِرفَقِ إلى الكفِّ.
سَرْحِ النَّاسِ: مواشيهم السائمة.
فَنَزَّلَنِي زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ مَنْزِلًا حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى قَنْطَرَةٍ: يَحكي هنا سلَمةُ بنُ كُهَيلٍ قال: فنزَّلني زيدُ بنُ وهبٍ منزلًا، أي: ذكَر لي مراحلَهم بالجيشِ منزلًا منزلًا حتَّى بلَغ القنطرةَ الَّتي كان القتالُ عندها، وهي قنطرةُ الدَّبْرجانِ، وهي جسرُ الخوارجِ.
جُفُونِهَا: أغمادِها.
نَاشَدُوكُمْ يَوْمَ حَرُورَاءَ: حروراء: قرية على ميلين من الكوفة، وإليها نسبت الخوارج [2]؛ ويَقصدُ هنا سؤال ابن عباس رضي الله عنهما الخوارج بالله تعالى أن يجيبوه بصدق عما ذكره لهم من ردود على شبههم، كما سيأتي بيانه في الحديث التالي إن شاء الله تعالى.
• وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ: لَمّا اعْتَزَلْتُ الحَرُورِيَّةَ فَكانُوا فِي دارٍ عَلى حِدِّتِهِمْ فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ، قالَ: إنِّي أتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ قُلْتُ: كَلّا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، قالَ: فَلَبِسْتُ أحْسَنَ ما أقْدِرُ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ اليَمانِيَّةِ، قالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وهُمْ قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قالَ: فَدَخَلْتُ عَلى قَوْمٍ لَمْ أرَ قَوْمًا قَطُّ أشَدَّ اجْتِهادًا مِنهُمْ، أيْدِيهِمْ كَأنَّها ثَفِنُ الإبِلِ، ووُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِن آثارِ السُّجُودِ، قالَ: فَدَخَلْتُ فَقالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يا ابْنَ عَبّاسٍ ما جاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ الوَحْيُ، وهُمْ أعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لا تُحَدِّثُوهُ وقالَ بَعْضُهُمْ: واللَّهِ لَنُحَدِّثَنَّهُ، قالَ: قُلْتُ: أخْبِرُونِي ما تَنْقُمُونَ عَلى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخَتَنِهِ وأوَّلِ مَن آمَنَ بِهِ وأصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ؟ قالُوا: نَنْقُمُ عَلَيْهِ ثَلاثًا، قالَ: قُلْتُ: وما هُنَّ؟ قالُوا: أوَّلُهُنَّ أنَّهُ حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ وقَدْ قالَ اللَّهُ: ﴿ إنِ الحُكْمُ إلّا لِلَّهِ ﴾ [سورة الأنعام 57]، قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: وقاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ لَئِنْ كانُوا كُفّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أمْوالُهُمْ ولَئِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِماؤُهُمْ؟ قالَ: قُلْتُ: وماذا قالُوا: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَهُوَ أمِيرُ الكافِرِينَ. قالَ: قُلْتُ: أرَأيْتُمْ إنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِن كِتابِ اللَّهِ المُحْكَمِ وحَدَّثْتُكُمْ مِن سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا تُنْكِرُونَ، أتَرْجِعُونَ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: قُلْتُ: أمّا قَوْلُكُمْ: حَكَّمَ الرِّجالَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ:﴿ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ [سورة المائدة 95] إلى قَوْلِهِ: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ ﴾ [سورة المائدة 95] وقالَ فِي المَرْأةِ وزَوْجِها: ﴿ وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها ﴾ [سورة النساء 35] أنْشُدُكُمُ اللَّهَ أحْكُمُ الرِّجالِ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وأنْفُسِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ أحَقُّ أمْ فِي أرْنَبٍ ثَمَنُها رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمائِهِمْ وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهِمْ، قالَ: أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: إنَّهُ قاتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ، أتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عائِشَةَ أمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها، فَقَدْ كَفَرْتُمْ وإنْ زَعَمْتُمْ أنَّها لَيْسَتْ أُمَّ المُؤْمِنِينِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وخَرَجْتُمْ مِنَ الإسْلامِ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ﴾ [سورة الأحزاب 6] فَأنْتُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ فاخْتارُوا أيَّتَهُما شِئْتُمْ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكُمْ: مَحا نَفْسَهُ مِن أمِيرِ المُؤْمِنِينَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعا قُرَيْشًا يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ عَلى أنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ كِتابًا، فَقالَ: "اكْتُبْ هَذا ما قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَقالُوا: واللَّهِ لَوْ كُنّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ما صَدَدْناكَ عَنِ البَيْتِ ولا قاتَلْناكَ ولَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقالَ: "واللَّهُ إنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يا عَلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ أفْضَلَ مِن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَرَجَعَ مِنهُمْ عِشْرُونَ ألْفًا وبَقِيَ مِنهُمْ أرْبَعَةُ آلافٍ فَقُتِلُوا. [أخرجه عبد الرزاق الصنعاني (18678)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 242): رجاله رجال الصحيح].
حِدِّتِهِمْ: شدتهم وعنادهم.
أبْرِدْ عَنِ الصَّلاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلاءِ القَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ: أخر صلاة الظهر حتى يبرد الجو وأدرك الصلاة معكم، وذلك لأني أريد أن أذهب للخوارج وأكلمهم.
اليَمانِيَّةِ: لباس يماني.
قائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ: نائمون في وسط النهار.
ثَفِنُ الإبِلِ: الجزء من جسم الإبل الذي تَبْرُكُ عليه فيغلُظ ويجمُد.
خَتَنِهِ: الخَتَنُ: زوج كل امرأة من محارم الرجل، والمقصود هنا أن عليا رضي الله عنه خَتَنُ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ: يعنون في قتال علي مع معاوية رضي الله عنهما.
"لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وأنْتُمْ حُرُمٌ": لا تَقْتُلوا صيدَ البَرِّ وأنتم مُحْرِمون بحجٍّ أو عمرةٍ، أو كنتم داخِلَ منطقةِ حَرَم مكة[3].
شقاقَ: تباعُدًا ووقوعَ عداوةٍ بين الزوجين[4].
يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ: الحُدَيْبِيَةِ تقع الان على مسافة اثنين وعشرين كيلا غرب مكة، ولا زالت تعرف بهذا الاسم[5]، وقد وقع فيها صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش.
وبالنظر في النصوص السابقة، يتبين ما يلي:
• أن لفظة "خوارج" يُقصد بها الذين خرجوا من الدين، ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج: "يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ" [أخرجه مسلم (1067)].
• أن الخوارج كفارٌ ما هم بمسلمين، على الصحيح من أقوال أهل العلم لوضوح دلالة الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، ولا يقدم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أظهر تلك الأحاديث شهادة على كفر الخوارج: حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال عندما رأى قتلى الخوارج: شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوا، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا. فقيل: يَا أَبَا أُمَامَةَ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ. قَالَ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه ابن ماجه (176) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (146)].
• أنه لا يجوز الحكم على معين بالردة أو بالخارجية إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، وتوفرت الشروط، وانتفت الموانع، وفي ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ: فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد. وَالْقَوْلَانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرْت دَلَائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ"[6].
• أنه ينبغي الحذر من شتم الناس واتهامهم بما ليس فيهم، ومن أشد ذلك وصفهم بالخارجية استعداءً للحكام عليهم وتقربًا بذلك لهم، ومن عَمِلَ ذلك فقد اشترى بآيات الله تعالى ثمنا قليلا، وقد ذم الله تعالى من فعل ذلك أشد الذم في كتابه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ۚ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [سورة البقرة 174-175]، ولا يعني هذا خلو الأرض من الخوارج، لكن المقصود هنا: هو الاتهام بالباطل لمجرد اختلاف في المنهج، أو في الرأي والاجتهاد [7].
• أن من كفر أحدا أو وصفه بالخارجي: فإن كان كما يقول، وإلا فقد افترى إثما مبينا، وصار على خطر عظيم لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا" [أخرجه البخاري (6104)][8].
والله تعالى أعلم.
[1] مراجع معاني كلمات الأحاديث:
- ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
- موقع ((معجم المعاني)).
[2] يُنظر: ((معجم البلدان)) لياقوت الحموي، (2 /345).
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8 /673)، ((تفسير ابن كثير)) (3 /190)، ((تفسير السعدي)) (ص: 244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2 /384-385).
[4] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2 /47)، ((تفسير ابن كثير)) (2 /296)، ((تفسير السعدي)) (ص: 177)، ((تفسير ابن عاشور)) (5 /44-45).
[5] ((المعالم الأثيرة في السنة والسيرة)) (ص: 97).
[6] ((مجموع الفتاوى)) (28/ 500).
[7] يُنظر: ((وقفة مهمة مع من يصف مخالفه بأنه "خارجي"!)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
[8] قال ابن قدامة رحمه الله تعالى في ((المغني)) (2/ 332): "...وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ، لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) [أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]، وَقَوْلِهِ: (كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) [أخرجه البزار (70) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4485)]، وَقَوْلُهُ: (مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ. فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) [أخرجه أحمد (5914) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه]. ...المزيد
الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة بسم الله، ...
الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية
تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فقد يسر الله تعالى نشر مقال في تفسير الآيات (1-5) من سورة البقرة، وقد احتوى ذلك المقال على عدد من المباحث المتعلقة بسورة البقرة، وبيان فضائلها وخصائصها.
الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)
أما المقال الحالي فهو يتحدث عن تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة، ويتكون مما يلي:
♦ الآيتان (6-7) من سورة البقرة.
♦ معاني الكلمات وتفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة.
♦ وقفات تدبرية مع الآيتين (6-7) من سورة البقرة.
♦ المراجع.
وفيما يلي تفصيل المحتويات السابقة:
♦ الآيتان (6-7) من سورة البقرة:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة البقرة 6-7].
♦ معاني الكلمات وتفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة [1].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
معاني الكلمات:
إِنَّ: حرف للتأْكيد، ونفي الإنكار والشك، تنصب الاسم وترفع الخبر، وتقع في ابتداء الكلام، مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة هود 41]، وما في حكم ابتداء الكلام، مثل قوله تعالى: ﴿ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة يونس 62].
الَّذِينَ: اسم موصول.
كَفَرُوا: الكفر: ضد الإيمان، ويكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد أو الترك[2].
سَوَاءٌ: لا فرق.
عَلَيْهِمْ: على: حرف جر؛ والهاء ضمير متّصل في محلّ جرّ بحرف الجرّ؛ والميم حرف للجمع.
أَأَنذَرْتَهُمْ: أخوَّفتهم وحذرتهم.
أَمْ: حرف عطف للتسوية.
لَمْ: حرف نفي.
تُنذِرْهُمْ: تخوِّفهم وتحذرهم.
لَا: حرف نفي.
يُؤْمِنُونَ: الإيمان: جميع الطاعات الباطنة والظاهرة[3]، وهو قول وعمل واعتقاد[4].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
التفسير:
أي: إنَّ الذين كفروا، يتساوى في حقِّهم كِلا الأمرين، الإنذارُ وعدمه، فهم في كِلا الحالين لا يؤمنون بما جِئتَهم به- يا أيُّها الرسولُ- من الحقِّ[5]، والمقصود بهذه الآية فئة من الكفار لا يردعهم عن الكفر رادع، ولا ينجع فيهم وعظ[6] حتى يموتوا على الكفر؛ نسأل الله تعالى السلامة والعافية، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].
معاني الكلمات:
خَتَمَ: الختم: تغطية الشيء بإحكام حتى لا يدخُلَه شيء آخر.
الله: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ وهو اسم جامع يدل على جميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى، وأكثر أهل العلم على أنه اسم الله الأعظم[7].
عَلَى: حرف جر.
قُلُوبِهمْ: إدراك قلوبهم، وفهمها لما يصلحهم ويزكيهم.
وَعَلَى: الواو: حرف عطف؛ و(على): حرف جر.
سَمْعِهِمْ: إدراك سمعهم، وفهمهم لما يصلحهم ويزكيهم.
وَعَلَى: الواو: حرف عطف؛ و(على): حرف جر.
أَبْصَارِهِمْ: إدراك أبصارهم، وفهمهم لما يرون من الدلائل والبراهين والآيات.
غِشَاوَةٌ: غطاء.
وَلَهُمْ: الواو: حرف عطف؛ و(اللام): حرف جر؛ والهاء: ضمير متصل؛ والميم: للجمع.
عَذَابٌ: عقاب ونكال.
عظِيمٌ: شديد مؤلم موجع.
التفسير:
﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].
﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾
أي: طَبَع اللهُ عليها، فلا يَنتفعون بهُدى [7] مجازاة لكفرهم[8].
﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾
أي: عليها غِطاء، فلا يُبصرون هُدًى[9].
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾
أي: لهم عذاب شديد مؤلم موجع في نار جهنم[10].
♦ وقفات تدبرية مع الآيتين (6-7) من سورة البقرة.
♦ أن تتابع الذنوب سبب الختم على القلب للأدلة التالية:
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ" [أخرجه مسلم (144)] [11].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ، سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾" [أخرجه الترمذي (3334)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي].
وفي الحديثين السابقين يُخبر "صلى الله عليه وسلم أنّ الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الخَتْم من قبل الله عز وجلّ والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مَسْلك، ولا للكفر منها مَخْلَص، فذلك هو الطَّبع والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [سورة البقرة 7]" [12].
♦ على المسلم أن يتفقَّدَ قلبَه؛ فهو محلُّ الوعي، ومَن لا يشعُر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى، فإنَّ فيه شَبهًا من الكفَّار الذين لا يتَّعظون بالمواعظ، ولا يُؤمِنون عند الدَّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، كما قال سبحانه عنهم: ﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [سورة البقرة 7] [13].
♦ في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [سورة البقرة 6-7]، تسليةٌ للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ولأتباعه المؤمنين حين يردُّهم الكفَّار، ولا يَقبلون دعوتَهم [14].
♦ عذاب النار عذابٌ عظيم شديد مؤلم، ولولا أنها حفت بالشهوات ما تجرأ أحد على عمل ما يكون سببا في دخولها؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا. فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا" [أخرجه أبو داود (4744)، وقال عنه الألباني: حسن صحيح]، فعلينا الابتعاد عن الشَّهوات المحرمة؛ لأنَّها الطَّريق إلى النَّار، والصَّبرِ على الطاعات؛ لأنَّها الطَّريق إلى الجنَّة[15].
والله تعالى أعلم.
اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ؛ اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ [16].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] يُنظر: ((موقع قاموس ومعجم المعاني))، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (ص: 3).
[2] يُنظر: ((الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل، وكشف شبهات المعاصرين)) لمحمد آل خضير (1 /127).
[3] يُنظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية، وضوابط التكفير عند السلف)) لمحمد الوهيبي (1 /33).
[4] يُنظر: ((الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل، وكشف شبهات المعاصرين)) لمحمد آل خضير (1 /127).
[5] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1 /262-264)، ((تفسير ابن كثير)) (1 /173)، ((تفسير السعدي)) (ص: 41، 42)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[6] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 41).
[7] يُنظر: ((اسم الله الأعظم في النصوص النبوية وأقوال أهل العلم)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
"طَبَع اللهُ عليها، فلا يَنتفعون بهُدى" يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/265-267)، ((تفسير ابن كثير)) (1/174-175)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/38)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[8] قال القرطبيُّ رحمه الله تعالى: "الأمَّة مجمِعة على أنَّ الله تعالى قد وصف نفْسَه بالختم والطَّبع على قلوبِ الكافرين؛ مجازاةً لكفرهم، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ [النساء: 155] ((تفسير القرطبي)) (1/ 187).
[9] - يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1 /269-272)، ((تفسير ابن كثير)) (1 /175)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[10] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 42)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1 /37)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة)، ((التفسير الميسر)) لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف (ص: 3).
[11] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1 /260-261).
[12] هذا حديث مهم في باب دفع الفتن، والحفاظ على سلامة القلب من الأمراض والعلل، "قسَّم فيه النبي صلى الله عليه وسلم القلوب عند عرض فتن الشبهات والشهوات عليها إلى قسمين:
1- قلب أبيض، قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وكرهَها، فازداد نوره وإشراقه وقوَّته، حتى يصير "أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ"، وهذا هو قلب المؤمن العامر بحبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه كالصفا أي: كالحجر الأملس في صلابته وتماسُكه وصفائه ونقاوته وعدم علوق شيءٍ به، فلا تضرُّه فتنةٌ، ولا تستهويه معصيةٌ، ولا يرضى بديلًا عمَّا ظفر به من حلاوة الإيمان في قلبه؛ فاللهم اجعلنا جميعا من أصحاب هذه القلوب السليمة البيضاء النقية.
2- قلب إذا عُرضت عليه فتنة أُشْرِبها، كما يشرب السِّفِنْج الماء، فتُنكَت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يُشرب كل فتنة تعرض عليه، حتى يكون مُرْبَادًّا، وهو بياضٌ قليل مع سواد كثير، فإذا انساق العبد أكثرَ فأكثر وراء أهوائه، اختفى أثرُ البياض، واسودَّ القلب وأظلم، وهناك وصفٌ آخر لهذا القلب، وهو الكوز المُجَخِّي، أي: الإناء المائل المنكوس، وهذا الميل كان في بدايته قليلًا بحسَب ما تسرَّب إليه من الفتن، ثمَّ ازداد ميلًا حتى انقلب وانتكس، ولا يخفى أنَّ الإناء كلَّما مال عن استقامته انسكب منه ما كان فيه بمقدار الميل، حتى إذا انتكس انسكب كلُّ ما فيه، ولم يَعُدْ قابلًا لأنْ يمتلئ بشيءٍ على الإطلاق حتى يعود إلى عدالته، فما فائدة الكأس إذا انسكب منه الماء الزلال ولم يبق فيه إلَّا الهواء؟ وهنا تتجلَّى البلاغة النبوية في صورة بهية، بحيث تترسَّخ في النفس صورة الكأس المقلوب الذي لا يُنتفع منه بشيءٍ، فهو كالعدم وإن كان موجودًا، والهواء الذي فيه كالهوى المستقرِّ في القلب المنكوس الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلَّا ما أُشرب من هواه، وهذا شرُّ القلوب وأخبثُها، فإنه يشتبه عليه الخير والشر، ويرى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والحق باطلًا والباطل حقًّا" [يُنظر: ((إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان) لابن القيم، (ص: 15-16)، ((منهاج الإسلام في تزكية النفس)) لأنس كرزون (2/ 523)].
[13] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1 /38)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[14] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1 /38)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[15] يُنظر: ((شرح حديث: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ:...")) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية.
[16] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ" [أخرجه الترمذي (2572)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]. ...المزيد
تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فقد يسر الله تعالى نشر مقال في تفسير الآيات (1-5) من سورة البقرة، وقد احتوى ذلك المقال على عدد من المباحث المتعلقة بسورة البقرة، وبيان فضائلها وخصائصها.
الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5)
أما المقال الحالي فهو يتحدث عن تفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة، ويتكون مما يلي:
♦ الآيتان (6-7) من سورة البقرة.
♦ معاني الكلمات وتفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة.
♦ وقفات تدبرية مع الآيتين (6-7) من سورة البقرة.
♦ المراجع.
وفيما يلي تفصيل المحتويات السابقة:
♦ الآيتان (6-7) من سورة البقرة:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [سورة البقرة 6-7].
♦ معاني الكلمات وتفسير الآيتين (6-7) من سورة البقرة [1].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
معاني الكلمات:
إِنَّ: حرف للتأْكيد، ونفي الإنكار والشك، تنصب الاسم وترفع الخبر، وتقع في ابتداء الكلام، مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة هود 41]، وما في حكم ابتداء الكلام، مثل قوله تعالى: ﴿ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة يونس 62].
الَّذِينَ: اسم موصول.
كَفَرُوا: الكفر: ضد الإيمان، ويكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد أو الترك[2].
سَوَاءٌ: لا فرق.
عَلَيْهِمْ: على: حرف جر؛ والهاء ضمير متّصل في محلّ جرّ بحرف الجرّ؛ والميم حرف للجمع.
أَأَنذَرْتَهُمْ: أخوَّفتهم وحذرتهم.
أَمْ: حرف عطف للتسوية.
لَمْ: حرف نفي.
تُنذِرْهُمْ: تخوِّفهم وتحذرهم.
لَا: حرف نفي.
يُؤْمِنُونَ: الإيمان: جميع الطاعات الباطنة والظاهرة[3]، وهو قول وعمل واعتقاد[4].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6].
التفسير:
أي: إنَّ الذين كفروا، يتساوى في حقِّهم كِلا الأمرين، الإنذارُ وعدمه، فهم في كِلا الحالين لا يؤمنون بما جِئتَهم به- يا أيُّها الرسولُ- من الحقِّ[5]، والمقصود بهذه الآية فئة من الكفار لا يردعهم عن الكفر رادع، ولا ينجع فيهم وعظ[6] حتى يموتوا على الكفر؛ نسأل الله تعالى السلامة والعافية، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].
معاني الكلمات:
خَتَمَ: الختم: تغطية الشيء بإحكام حتى لا يدخُلَه شيء آخر.
الله: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ وهو اسم جامع يدل على جميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى، وأكثر أهل العلم على أنه اسم الله الأعظم[7].
عَلَى: حرف جر.
قُلُوبِهمْ: إدراك قلوبهم، وفهمها لما يصلحهم ويزكيهم.
وَعَلَى: الواو: حرف عطف؛ و(على): حرف جر.
سَمْعِهِمْ: إدراك سمعهم، وفهمهم لما يصلحهم ويزكيهم.
وَعَلَى: الواو: حرف عطف؛ و(على): حرف جر.
أَبْصَارِهِمْ: إدراك أبصارهم، وفهمهم لما يرون من الدلائل والبراهين والآيات.
غِشَاوَةٌ: غطاء.
وَلَهُمْ: الواو: حرف عطف؛ و(اللام): حرف جر؛ والهاء: ضمير متصل؛ والميم: للجمع.
عَذَابٌ: عقاب ونكال.
عظِيمٌ: شديد مؤلم موجع.
التفسير:
﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].
﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾
أي: طَبَع اللهُ عليها، فلا يَنتفعون بهُدى [7] مجازاة لكفرهم[8].
﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾
أي: عليها غِطاء، فلا يُبصرون هُدًى[9].
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾
أي: لهم عذاب شديد مؤلم موجع في نار جهنم[10].
♦ وقفات تدبرية مع الآيتين (6-7) من سورة البقرة.
♦ أن تتابع الذنوب سبب الختم على القلب للأدلة التالية:
عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ" [أخرجه مسلم (144)] [11].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ، سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾" [أخرجه الترمذي (3334)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي].
وفي الحديثين السابقين يُخبر "صلى الله عليه وسلم أنّ الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الخَتْم من قبل الله عز وجلّ والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مَسْلك، ولا للكفر منها مَخْلَص، فذلك هو الطَّبع والختم الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [سورة البقرة 7]" [12].
♦ على المسلم أن يتفقَّدَ قلبَه؛ فهو محلُّ الوعي، ومَن لا يشعُر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى، فإنَّ فيه شَبهًا من الكفَّار الذين لا يتَّعظون بالمواعظ، ولا يُؤمِنون عند الدَّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، كما قال سبحانه عنهم: ﴿ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ [سورة البقرة 7] [13].
♦ في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ [سورة البقرة 6-7]، تسليةٌ للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ ولأتباعه المؤمنين حين يردُّهم الكفَّار، ولا يَقبلون دعوتَهم [14].
♦ عذاب النار عذابٌ عظيم شديد مؤلم، ولولا أنها حفت بالشهوات ما تجرأ أحد على عمل ما يكون سببا في دخولها؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. ثُمَّ حَفَّهَا بِالْمَكَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ النَّارَ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا. فَحَفَّهَا بِالشَّهَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا. فَذَهَبَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَلَّا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا" [أخرجه أبو داود (4744)، وقال عنه الألباني: حسن صحيح]، فعلينا الابتعاد عن الشَّهوات المحرمة؛ لأنَّها الطَّريق إلى النَّار، والصَّبرِ على الطاعات؛ لأنَّها الطَّريق إلى الجنَّة[15].
والله تعالى أعلم.
اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، اللَّهُمَّ إنِّا نسْأَلُكَ الْجَنَّةَ؛ اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ [16].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] يُنظر: ((موقع قاموس ومعجم المعاني))، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (ص: 3).
[2] يُنظر: ((الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل، وكشف شبهات المعاصرين)) لمحمد آل خضير (1 /127).
[3] يُنظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية، وضوابط التكفير عند السلف)) لمحمد الوهيبي (1 /33).
[4] يُنظر: ((الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل، وكشف شبهات المعاصرين)) لمحمد آل خضير (1 /127).
[5] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1 /262-264)، ((تفسير ابن كثير)) (1 /173)، ((تفسير السعدي)) (ص: 41، 42)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[6] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 41).
[7] يُنظر: ((اسم الله الأعظم في النصوص النبوية وأقوال أهل العلم)) بموقع الإسلام سؤال وجواب.
"طَبَع اللهُ عليها، فلا يَنتفعون بهُدى" يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/265-267)، ((تفسير ابن كثير)) (1/174-175)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/38)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[8] قال القرطبيُّ رحمه الله تعالى: "الأمَّة مجمِعة على أنَّ الله تعالى قد وصف نفْسَه بالختم والطَّبع على قلوبِ الكافرين؛ مجازاةً لكفرهم، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ [النساء: 155] ((تفسير القرطبي)) (1/ 187).
[9] - يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1 /269-272)، ((تفسير ابن كثير)) (1 /175)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[10] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 42)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1 /37)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة)، ((التفسير الميسر)) لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف (ص: 3).
[11] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1 /260-261).
[12] هذا حديث مهم في باب دفع الفتن، والحفاظ على سلامة القلب من الأمراض والعلل، "قسَّم فيه النبي صلى الله عليه وسلم القلوب عند عرض فتن الشبهات والشهوات عليها إلى قسمين:
1- قلب أبيض، قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وكرهَها، فازداد نوره وإشراقه وقوَّته، حتى يصير "أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ"، وهذا هو قلب المؤمن العامر بحبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه كالصفا أي: كالحجر الأملس في صلابته وتماسُكه وصفائه ونقاوته وعدم علوق شيءٍ به، فلا تضرُّه فتنةٌ، ولا تستهويه معصيةٌ، ولا يرضى بديلًا عمَّا ظفر به من حلاوة الإيمان في قلبه؛ فاللهم اجعلنا جميعا من أصحاب هذه القلوب السليمة البيضاء النقية.
2- قلب إذا عُرضت عليه فتنة أُشْرِبها، كما يشرب السِّفِنْج الماء، فتُنكَت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يُشرب كل فتنة تعرض عليه، حتى يكون مُرْبَادًّا، وهو بياضٌ قليل مع سواد كثير، فإذا انساق العبد أكثرَ فأكثر وراء أهوائه، اختفى أثرُ البياض، واسودَّ القلب وأظلم، وهناك وصفٌ آخر لهذا القلب، وهو الكوز المُجَخِّي، أي: الإناء المائل المنكوس، وهذا الميل كان في بدايته قليلًا بحسَب ما تسرَّب إليه من الفتن، ثمَّ ازداد ميلًا حتى انقلب وانتكس، ولا يخفى أنَّ الإناء كلَّما مال عن استقامته انسكب منه ما كان فيه بمقدار الميل، حتى إذا انتكس انسكب كلُّ ما فيه، ولم يَعُدْ قابلًا لأنْ يمتلئ بشيءٍ على الإطلاق حتى يعود إلى عدالته، فما فائدة الكأس إذا انسكب منه الماء الزلال ولم يبق فيه إلَّا الهواء؟ وهنا تتجلَّى البلاغة النبوية في صورة بهية، بحيث تترسَّخ في النفس صورة الكأس المقلوب الذي لا يُنتفع منه بشيءٍ، فهو كالعدم وإن كان موجودًا، والهواء الذي فيه كالهوى المستقرِّ في القلب المنكوس الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلَّا ما أُشرب من هواه، وهذا شرُّ القلوب وأخبثُها، فإنه يشتبه عليه الخير والشر، ويرى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والحق باطلًا والباطل حقًّا" [يُنظر: ((إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان) لابن القيم، (ص: 15-16)، ((منهاج الإسلام في تزكية النفس)) لأنس كرزون (2/ 523)].
[13] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1 /38)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[14] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1 /38)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 6-7 من سورة البقرة).
[15] يُنظر: ((شرح حديث: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ لِجِبْرِيلَ:...")) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية.
[16] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ" [أخرجه الترمذي (2572)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]. ...المزيد
رسالة لكل من يحتفل بليلة الإسراء والمعراج أو يرى جواز الاحتفال بها أولًا: اللهم صل على محمد ...
رسالة لكل من يحتفل بليلة الإسراء والمعراج
أو يرى جواز الاحتفال بها
أولًا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ثانيًا: نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نحبه ونبجله ونعظمه عليه الصلاة والسلام.
ثالثًا: ينبغي أن تكون جميع أيام حياتنا أيام محبة وتعظيم واحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، عامرة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته وهديه، وألَّا يُحصر ذلك في أيام معينة من أيام السنة.
رابعًا: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم بليلة الإسراء والمعراج، وقد أُمرنا بالاتباع، فإنه برهان المحبة وشاهدها كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]؛ والاتباع يشمل الفعل والترك.
فلنجعل أيامنا كلها أيام تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحث عن سننه، وتطبيق لها في حياتنا قبل أن يأتينا الموت، حتى نسعد بالشرب من نهر الكوثر من يده الشريفة ولقاءه عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم.
وفقنا الله تعالى جميعا لما يحب ويرضى، وزادنا إيمانًا ومحبةً وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
المرجع: إجابة للشيخ أحمد الطيار عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي. ...المزيد
أو يرى جواز الاحتفال بها
أولًا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ثانيًا: نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم نحبه ونبجله ونعظمه عليه الصلاة والسلام.
ثالثًا: ينبغي أن تكون جميع أيام حياتنا أيام محبة وتعظيم واحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم، عامرة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته وهديه، وألَّا يُحصر ذلك في أيام معينة من أيام السنة.
رابعًا: لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم بليلة الإسراء والمعراج، وقد أُمرنا بالاتباع، فإنه برهان المحبة وشاهدها كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]؛ والاتباع يشمل الفعل والترك.
فلنجعل أيامنا كلها أيام تعظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحث عن سننه، وتطبيق لها في حياتنا قبل أن يأتينا الموت، حتى نسعد بالشرب من نهر الكوثر من يده الشريفة ولقاءه عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم.
وفقنا الله تعالى جميعا لما يحب ويرضى، وزادنا إيمانًا ومحبةً وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
المرجع: إجابة للشيخ أحمد الطيار عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي. ...المزيد
(فاعلم أنه لا إله إلا الله) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَسْبِيَ اللَّهُ ...
(فاعلم أنه لا إله إلا الله)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي لَا فَوْزَ إِلَّا فِي طَاعَتِهِ، وَلَا عِزَّ إِلَّا فِي التَّذَلُّلِ لِعَظَمَتِهِ، وَلَا غِنًى إِلَّا فِي الِافْتِقَارِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَلَا هُدًى إِلَّا فِي الِاسْتِهْدَاءِ بِنُورِهِ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا فِي رِضَاهُ، وَلَا نَعِيمَ إِلَّا فِي قُرْبِهِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا فَلَاحَ إِلَّا فِي الْإِخْلَاصِ لَهُ وَتَوْحِيدِ حُبِّهِ، الَّذِي إِذَا أُطِيعَ شَكَرَ، وَإِذَا عُصِيَ تَابَ وَغَفَرَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا عُومِلَ أَثَابَ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ جَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِهِ، وَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ بِمَا أَوْدَعَهَا مِنْ عَجَائِبِ صَنْعَتِهِ، وَبَدَائِعِ آيَاتِهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ. وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَسُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَأَمْلَاكُهَا، وَالنُّجُومُ وَأَفْلَاكُهَا، وَالْأَرْضُ وَسُكَّانُهَا، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا، وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَالْآكَامُ وَالرِّمَالُ، وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَكُلُّ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ، وَلِأَجْلِهَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوِينُ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِهَا انْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، فَهِيَ مَنْشَأُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الْخَلِيقَةُ، وَعَنْهَا وَعَنْ حُقُوقِهَا السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ، وَعَلَيْهَا يَقَعُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَعَلَيْهَا نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ، وَعَنْهَا يُسْأَلُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَلَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ: مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ وَمَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟
فَجَوَابُ الْأُولَى بِتَحْقِيقِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَعَمَلًا.
وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ بِتَحْقِيقِ "أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَانْقِيَادًا وَطَاعَةً.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، الْمَبْعُوثُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ فَهَدَى بِهِ إِلَى أَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَوْضَحِ السُّبُلِ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ، وَسَدَّ دُونَ جَنَّتِهِ الطُّرُقَ، فَلَنْ تُفْتَحَ لِأَحَدٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ، فَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ؛ وَكَمَا أَنَّ الذِّلَّةَ مَضْرُوبَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَالْعِزَّةُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 139]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [محمد: 35]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]. أَيِ: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِيكَ، وَكَافِي أَتْبَاعَكَ، فَلَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ" ["زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (1/ 35-37) باختصار يسير].
وبعد: فهذه مجموعة من أقوال الإمامين ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى في بيان معنى التوحيد، وما يقتضيه:
♦ قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَالْمَشَايِخُ الصَّالِحُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَذْكُرُونَ شَيْئًا مِنْ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ، وَتَحْقِيقِ إخْلَاصِ الدِّينِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُلْتَفِتًا إلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَلَا نَاظِرًا إلَى مَا سِوَاهُ: لَا حُبًّا لَهُ، وَلَا خَوْفًا مِنْهُ، وَلَا رَجَاءً لَهُ، بَلْ يَكُونُ الْقَلْبُ فَارِغًا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ، خَالِيًا مِنْهَا، لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا إلَّا بِنُورِ اللَّهِ، فَبِالْحَقِّ يَسْمَعُ، وَبِالْحَقِّ يُبْصِرُ، وَبِالْحَقِّ يَبْطِشُ، وَبِالْحَقِّ يَمْشِي، فَيُحِبُّ مِنْهَا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَيُبْغِضُ مِنْهَا مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ، وَيُوَالِي مِنْهَا مَا وَالَاهُ اللَّهُ، وَيُعَادِي مِنْهَا مَا عَادَاهُ اللَّهُ، وَيَخَافُ اللَّهَ فِيهَا، وَلَا يَخَافُهَا فِي اللَّهِ، وَيَرْجُو اللَّهَ فِيهَا، وَلَا يَرْجُوهَا فِي اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْقَلْبُ السَّلِيمُ الْحَنِيفُ الْمُوَحِّدُ الْمُسْلِمُ الْمُؤْمِنُ الْمُحَقِّقُ الْعَارِفُ بِمَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَتَحْقِيقِهِمْ، وَتَوْحِيدِهِمْ" ["العبودية" (ص: 133)].
♦ وقال أيضا: "التوحيد هو جماع الدين الذي هو أصلُه وفرعُه ولُبُّه، وهو الخير كلُّه". ["جامع المسائل" (1/ 274)].
♦ وقال أيضا: "اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَتَخْلُو الْقُلُوبُ عَنْ مَحَبَّةٍ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ وَبِرَجَائِهِ، وَعَنْ سُؤَالِ مَا سِوَاهُ بِسُؤَالِهِ، وَعَنْ الْعَمَلِ لِمَا سِوَاهُ بِالْعَمَلِ لَهُ، وَعَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَا سِوَاهُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ. وَلِهَذَا كَانَ وَسَطَ الْفَاتِحَةِ ﴿ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [سورة الفاتحة 5]" ["مجموع الفتاوى" (18/ 319)].
♦ وقال أيضا: "الإنسان لا يجد الطمأنينة ولا السكينة حتى يذكر الله ويُوجّهَ قلبه إليه، فإنه يجد الطمأنينة والسكينة فلا يبقى عنده منازعة إلى شيء آخر" ["جامع المسائل" - المجموعة السادسة (1/ 122) باختصار يسير].
♦ وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ.
وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ.
وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ.
وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ: لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ.
وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ: لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ.
وَفِيهِ فَاقَةٌ: لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ. وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا" ["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (3/ 156)].
وقال أيضا: "اللذة التَّامَّة، والفرح، وَالسُّرُور، وَطيب الْعَيْش، وَالنَّعِيم إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَة الله، وتوحيده، والأنس بِهِ، والشوق إِلَى لِقَائِه، واجتماع الْقلب والهم عَلَيْهِ، فَإِن أنكد الْعَيْش عَيْش من قلبه مشتت، وهمه مفرق" ["رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص: 29)].
وقال أيضا: "لَو تنقل الْقلب فِي المحبوبات كلهَا لم يسكن، وَلم يطمئن إِلَى شَيْء مِنْهَا، وَلم تقر بِهِ عينه، حَتَّى يطمئن إِلَى إلهه وربه ووليه، الَّذِي لَيْسَ لَهُ من دونه ولي وَلَا شَفِيع، وَلَا غنى لَهُ عَنهُ طرفَة عين" ["رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص: 30)].
وقال أيضا: "اعْلَمْ أنَّ أشِعَّةَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ تُبَدِّدُ مِن ضَبابِ الذُّنُوبِ وغُيُومِها بِقَدْرِ قُوَّةِ ذَلِكَ الشُّعاعِ وضَعْفِهِ، فَلَها نُورٌ، وتَفاوُتُ أهْلِها فِي ذَلِكَ النُّورِ - قُوَّةً، وضَعْفًا - لا يُحْصِيهِ إلّا اللَّهُ تَعالى.
فَمِنَ النّاسِ مَن نُورُ هَذِهِ الكَلِمَةِ فِي قَلْبِهِ كالشَّمْسِ، ومِنهُمْ مَن نُورُها فِي قَلْبِهِ كالكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ومِنهُمْ مَن نُورُها فِي قَلْبِهِ كالمَشْعَلِ العَظِيمِ، وآخَرُ كالسِّراجِ المُضِيءِ، وآخَرُ كالسِّراجِ الضَّعِيفِ؛
ولِهَذا تَظْهَرُ الأنْوارُ يَوْمَ القِيامَةِ بِأيْمانِهِمْ، وبَيْنَ أيْدِيهِمْ، عَلى هَذا المِقْدارِ، بِحَسَبِ ما فِي قُلُوبِهِمْ مِن نُورِ هَذِهِ الكَلِمَةِ، عِلْمًا وعَمَلًا، ومَعْرِفَةً وحالًا.
وكُلَّما عَظُمَ نُورُ هَذِهِ الكَلِمَةِ واشْتَدَّ، أحْرَقَ مِنَ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ بِحَسَبِ قُوَّتِهِ وشِدَّتِهِ، حَتّى إنَّهُ رُبَّما وصَلَ إلى حالٍ لا يُصادِفُ مَعَها شُبْهَةً ولا شَهْوَةً ولا ذَنْبًا إلّا أحْرَقَهُ، وهَذا حالُ الصّادِقِ فِي تَوْحِيدِهِ، الَّذِي لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، فَأيُّ ذَنْبٍ أوْ شَهْوَةٍ أوْ شُبْهَةٍ دَنَتْ مِن هَذا النُّورِ أحْرَقَها، فَسَماءُ إيمانِهِ قَدْ حُرِسَتْ بِالنُّجُومِ مِن كُلِّ سارِقٍ لِحَسَناتِهِ، فَلا يَنالُ مِنها السّارِقُ إلّا عَلى غِرَّةٍ وغَفْلَةٍ لا بُدَّ مِنها لِلْبَشَرِ، فَإذا اسْتَيْقَظَ وعَلِمَ ما سُرِقَ مِنهُ اسْتَنْقَذَهُ مِن سارِقِهِ، أوْ حَصَّلَ أضْعافَهُ بِكَسْبِهِ، فَهُوَ هَكَذا أبَدًا مَعَ لُصُوصِ الجِنِّ والإنْسِ، لَيْسَ كَمَن فَتَحَ لَهُمْ خِزانَتَهُ، ووَلّى البابَ ظَهْرَهُ.
ولَيْسَ التَّوْحِيدُ مُجَرَّدَ إقْرارِ العَبْدِ بِأنَّهُ لا خالِقَ إلّا اللَّهُ، وأنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ومَلِيكُهُ، كَما كانَ عُبّادُ الأصْنامِ مُقِرِّينَ بِذَلِكَ وهُمْ مُشْرِكُونَ، بَلِ التَّوْحِيدُ يَتَضَمَّنُ - مِن مَحَبَّةِ اللَّهِ، والخُضُوعِ لَهُ، والذُّلِّ لَهُ، وكَمالِ الِانْقِيادِ لِطاعَتِهِ، وإخْلاصِ العِبادَةِ لَهُ، وإرادَةِ وجْهِهِ الأعْلى بِجَمِيعِ الأقْوالِ والأعْمالِ، والمَنعِ، والعَطاءِ، والحُبِّ، والبُغْضِ ما يَحُولُ بَيْنَ صاحِبِهِ وبَيْنَ الأسْبابِ الدّاعِيَةِ إلى المَعاصِي، والإصْرارِ عَلَيْها". ["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 338-339)].
والله تعالى أعلم. ...المزيد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَقَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي لَا فَوْزَ إِلَّا فِي طَاعَتِهِ، وَلَا عِزَّ إِلَّا فِي التَّذَلُّلِ لِعَظَمَتِهِ، وَلَا غِنًى إِلَّا فِي الِافْتِقَارِ إِلَى رَحْمَتِهِ، وَلَا هُدًى إِلَّا فِي الِاسْتِهْدَاءِ بِنُورِهِ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا فِي رِضَاهُ، وَلَا نَعِيمَ إِلَّا فِي قُرْبِهِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقَلْبِ وَلَا فَلَاحَ إِلَّا فِي الْإِخْلَاصِ لَهُ وَتَوْحِيدِ حُبِّهِ، الَّذِي إِذَا أُطِيعَ شَكَرَ، وَإِذَا عُصِيَ تَابَ وَغَفَرَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ، وَإِذَا عُومِلَ أَثَابَ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ جَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَقَرَّتْ لَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ جَمِيعُ مَصْنُوعَاتِهِ، وَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ بِمَا أَوْدَعَهَا مِنْ عَجَائِبِ صَنْعَتِهِ، وَبَدَائِعِ آيَاتِهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ. وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ، كَمَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَسُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَأَمْلَاكُهَا، وَالنُّجُومُ وَأَفْلَاكُهَا، وَالْأَرْضُ وَسُكَّانُهَا، وَالْبِحَارُ وَحِيتَانُهَا، وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَالْآكَامُ وَالرِّمَالُ، وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَكُلُّ حَيٍّ وَمَيِّتٍ ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهَا جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ شَرَائِعَهُ، وَلِأَجْلِهَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ، وَوُضِعَتِ الدَّوَاوِينُ، وَقَامَ سُوقُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَبِهَا انْقَسَمَتِ الْخَلِيقَةُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ، وَالْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، فَهِيَ مَنْشَأُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الْخَلِيقَةُ، وَعَنْهَا وَعَنْ حُقُوقِهَا السُّؤَالُ وَالْحِسَابُ، وَعَلَيْهَا يَقَعُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَعَلَيْهَا نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ، وَعَنْهَا يُسْأَلُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، فَلَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ: مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ وَمَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟
فَجَوَابُ الْأُولَى بِتَحْقِيقِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَعَمَلًا.
وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ بِتَحْقِيقِ "أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" مَعْرِفَةً وَإِقْرَارًا وَانْقِيَادًا وَطَاعَةً.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَفِيرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ، الْمَبْعُوثُ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ وَالْمَنْهَجِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَإِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ. أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ فَهَدَى بِهِ إِلَى أَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَوْضَحِ السُّبُلِ، وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ، وَسَدَّ دُونَ جَنَّتِهِ الطُّرُقَ، فَلَنْ تُفْتَحَ لِأَحَدٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ، فَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ؛ وَكَمَا أَنَّ الذِّلَّةَ مَضْرُوبَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَالْعِزَّةُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 139]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [محمد: 35]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]. أَيِ: اللَّهُ وَحْدَهُ كَافِيكَ، وَكَافِي أَتْبَاعَكَ، فَلَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ" ["زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (1/ 35-37) باختصار يسير].
وبعد: فهذه مجموعة من أقوال الإمامين ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله تعالى في بيان معنى التوحيد، وما يقتضيه:
♦ قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وَالْمَشَايِخُ الصَّالِحُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَذْكُرُونَ شَيْئًا مِنْ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ، وَتَحْقِيقِ إخْلَاصِ الدِّينِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُلْتَفِتًا إلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَلَا نَاظِرًا إلَى مَا سِوَاهُ: لَا حُبًّا لَهُ، وَلَا خَوْفًا مِنْهُ، وَلَا رَجَاءً لَهُ، بَلْ يَكُونُ الْقَلْبُ فَارِغًا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ، خَالِيًا مِنْهَا، لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا إلَّا بِنُورِ اللَّهِ، فَبِالْحَقِّ يَسْمَعُ، وَبِالْحَقِّ يُبْصِرُ، وَبِالْحَقِّ يَبْطِشُ، وَبِالْحَقِّ يَمْشِي، فَيُحِبُّ مِنْهَا مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَيُبْغِضُ مِنْهَا مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ، وَيُوَالِي مِنْهَا مَا وَالَاهُ اللَّهُ، وَيُعَادِي مِنْهَا مَا عَادَاهُ اللَّهُ، وَيَخَافُ اللَّهَ فِيهَا، وَلَا يَخَافُهَا فِي اللَّهِ، وَيَرْجُو اللَّهَ فِيهَا، وَلَا يَرْجُوهَا فِي اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْقَلْبُ السَّلِيمُ الْحَنِيفُ الْمُوَحِّدُ الْمُسْلِمُ الْمُؤْمِنُ الْمُحَقِّقُ الْعَارِفُ بِمَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَتَحْقِيقِهِمْ، وَتَوْحِيدِهِمْ" ["العبودية" (ص: 133)].
♦ وقال أيضا: "التوحيد هو جماع الدين الذي هو أصلُه وفرعُه ولُبُّه، وهو الخير كلُّه". ["جامع المسائل" (1/ 274)].
♦ وقال أيضا: "اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَتَخْلُو الْقُلُوبُ عَنْ مَحَبَّةٍ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ وَبِرَجَائِهِ، وَعَنْ سُؤَالِ مَا سِوَاهُ بِسُؤَالِهِ، وَعَنْ الْعَمَلِ لِمَا سِوَاهُ بِالْعَمَلِ لَهُ، وَعَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَا سِوَاهُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ. وَلِهَذَا كَانَ وَسَطَ الْفَاتِحَةِ ﴿ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [سورة الفاتحة 5]" ["مجموع الفتاوى" (18/ 319)].
♦ وقال أيضا: "الإنسان لا يجد الطمأنينة ولا السكينة حتى يذكر الله ويُوجّهَ قلبه إليه، فإنه يجد الطمأنينة والسكينة فلا يبقى عنده منازعة إلى شيء آخر" ["جامع المسائل" - المجموعة السادسة (1/ 122) باختصار يسير].
♦ وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "فِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ.
وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِهِ.
وَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ.
وَفِيهِ نِيرَانُ حَسَرَاتٍ: لَا يُطْفِئُهَا إِلَّا الرِّضَا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَقَضَائِهِ، وَمُعَانَقَةُ الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى وَقْتِ لِقَائِهِ.
وَفِيهِ طَلَبٌ شَدِيدٌ: لَا يَقِفُ دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَحْدَهُ مَطْلُوبَهُ.
وَفِيهِ فَاقَةٌ: لَا يَسُدُّهَا إِلَّا مَحَبَّتُهُ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَدَوَامُ ذِكْرِهِ، وَصِدْقُ الْإِخْلَاصِ لَهُ. وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَمْ تَسُدَّ تِلْكَ الْفَاقَةَ مِنْهُ أَبَدًا" ["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (3/ 156)].
وقال أيضا: "اللذة التَّامَّة، والفرح، وَالسُّرُور، وَطيب الْعَيْش، وَالنَّعِيم إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَة الله، وتوحيده، والأنس بِهِ، والشوق إِلَى لِقَائِه، واجتماع الْقلب والهم عَلَيْهِ، فَإِن أنكد الْعَيْش عَيْش من قلبه مشتت، وهمه مفرق" ["رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص: 29)].
وقال أيضا: "لَو تنقل الْقلب فِي المحبوبات كلهَا لم يسكن، وَلم يطمئن إِلَى شَيْء مِنْهَا، وَلم تقر بِهِ عينه، حَتَّى يطمئن إِلَى إلهه وربه ووليه، الَّذِي لَيْسَ لَهُ من دونه ولي وَلَا شَفِيع، وَلَا غنى لَهُ عَنهُ طرفَة عين" ["رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص: 30)].
وقال أيضا: "اعْلَمْ أنَّ أشِعَّةَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ تُبَدِّدُ مِن ضَبابِ الذُّنُوبِ وغُيُومِها بِقَدْرِ قُوَّةِ ذَلِكَ الشُّعاعِ وضَعْفِهِ، فَلَها نُورٌ، وتَفاوُتُ أهْلِها فِي ذَلِكَ النُّورِ - قُوَّةً، وضَعْفًا - لا يُحْصِيهِ إلّا اللَّهُ تَعالى.
فَمِنَ النّاسِ مَن نُورُ هَذِهِ الكَلِمَةِ فِي قَلْبِهِ كالشَّمْسِ، ومِنهُمْ مَن نُورُها فِي قَلْبِهِ كالكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ومِنهُمْ مَن نُورُها فِي قَلْبِهِ كالمَشْعَلِ العَظِيمِ، وآخَرُ كالسِّراجِ المُضِيءِ، وآخَرُ كالسِّراجِ الضَّعِيفِ؛
ولِهَذا تَظْهَرُ الأنْوارُ يَوْمَ القِيامَةِ بِأيْمانِهِمْ، وبَيْنَ أيْدِيهِمْ، عَلى هَذا المِقْدارِ، بِحَسَبِ ما فِي قُلُوبِهِمْ مِن نُورِ هَذِهِ الكَلِمَةِ، عِلْمًا وعَمَلًا، ومَعْرِفَةً وحالًا.
وكُلَّما عَظُمَ نُورُ هَذِهِ الكَلِمَةِ واشْتَدَّ، أحْرَقَ مِنَ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ بِحَسَبِ قُوَّتِهِ وشِدَّتِهِ، حَتّى إنَّهُ رُبَّما وصَلَ إلى حالٍ لا يُصادِفُ مَعَها شُبْهَةً ولا شَهْوَةً ولا ذَنْبًا إلّا أحْرَقَهُ، وهَذا حالُ الصّادِقِ فِي تَوْحِيدِهِ، الَّذِي لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، فَأيُّ ذَنْبٍ أوْ شَهْوَةٍ أوْ شُبْهَةٍ دَنَتْ مِن هَذا النُّورِ أحْرَقَها، فَسَماءُ إيمانِهِ قَدْ حُرِسَتْ بِالنُّجُومِ مِن كُلِّ سارِقٍ لِحَسَناتِهِ، فَلا يَنالُ مِنها السّارِقُ إلّا عَلى غِرَّةٍ وغَفْلَةٍ لا بُدَّ مِنها لِلْبَشَرِ، فَإذا اسْتَيْقَظَ وعَلِمَ ما سُرِقَ مِنهُ اسْتَنْقَذَهُ مِن سارِقِهِ، أوْ حَصَّلَ أضْعافَهُ بِكَسْبِهِ، فَهُوَ هَكَذا أبَدًا مَعَ لُصُوصِ الجِنِّ والإنْسِ، لَيْسَ كَمَن فَتَحَ لَهُمْ خِزانَتَهُ، ووَلّى البابَ ظَهْرَهُ.
ولَيْسَ التَّوْحِيدُ مُجَرَّدَ إقْرارِ العَبْدِ بِأنَّهُ لا خالِقَ إلّا اللَّهُ، وأنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ومَلِيكُهُ، كَما كانَ عُبّادُ الأصْنامِ مُقِرِّينَ بِذَلِكَ وهُمْ مُشْرِكُونَ، بَلِ التَّوْحِيدُ يَتَضَمَّنُ - مِن مَحَبَّةِ اللَّهِ، والخُضُوعِ لَهُ، والذُّلِّ لَهُ، وكَمالِ الِانْقِيادِ لِطاعَتِهِ، وإخْلاصِ العِبادَةِ لَهُ، وإرادَةِ وجْهِهِ الأعْلى بِجَمِيعِ الأقْوالِ والأعْمالِ، والمَنعِ، والعَطاءِ، والحُبِّ، والبُغْضِ ما يَحُولُ بَيْنَ صاحِبِهِ وبَيْنَ الأسْبابِ الدّاعِيَةِ إلى المَعاصِي، والإصْرارِ عَلَيْها". ["مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" (1/ 338-339)].
والله تعالى أعلم. ...المزيد