الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة من أكبر الكبائر الكذب على رسول الله صلى الله ...

الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة من أكبر الكبائر


الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرةٌ من أكبر الكبائر، وجريمة من أبشع الجرائم، لا يُقبَلُ في ذلك تهاونٌ أو إهمال، أو كسل أو توانٍ، ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينشرَ حديثًا يُنسَبُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتحقَّق ويتيقَّن من ثُبُوتِهِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.



ولا ينفع في ذلك حسن النية والقصد، أو إرادة الخير، أو كون المرء من الدعاة أو الخطباء أو غيرهم؛ فالأمر خطير، والتهاون كبير، خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كالواتس أب وتويتر، وفيما ثبت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم غنية ومزيد كفاية لمن يريد الخير، ويرجو ثواب الله عز وجل.



ولْيُعْلَمْ أن الأمر جَلَلٌ؛ فهذا دين الله عز وجل الذي ارتضاه للناس إلى قيام الساعة، وهو حق وصدق كما هو، لا يحتاج إلى تلفيق كذَّاب أو اختلاق وضَّاع، وإذا كان الناس لا يقبلون أن يكذب عليهم أحد، أو يقول على ألسنتهم ما لم يقولوا، أو يروي أحد عنهم ما لم يفعلوا أو يقرِّروا - فما ظنكم بمن يكذب على من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين؟ وهو سيد ولد آدم أجمعين، صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين، وهو الصادق الأمين، عُرف بذلك من قبل أن يبعثه الله بشيرًا ونذيرًا، و﴿جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: 33]، دينه صدق، وقوله حق، ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 32].



والعجيب أن كثيرًا ممن يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعُمُون حبَّه، وهم كَذَبَةٌ أفَّاكون غشَّاشون يكذبون على رسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتحقَّقون فيما يقولون أو ينسبون إليه، ولو أحبُّوه لاهتمُّوا غاية الاهتمام، واعتنوا أشد العناية ألَّا ينشروا كذبات تبلغ الآفاق، ينسبون بها أشياء لا تثبُتُ نسبتها إلى خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام؛ وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع))، فهم شاؤوا أم أبَوا، علِموا أم جهلوا - معاولُ هدمٍ وإفساد وتشويه لدين الله عز وجل.



هذا، وقد بذل علماء الإسلام عُصارةَ أعمارهم، وخلاصة أوقاتهم، والغالي والنفيس، "ورحلوا في الأقطار والأمصار، وقطعوا الفيافيَ والقِفار، ملؤوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصدور، ودوَّنوها في السطور؛ لأجل حفظ دين الله عز وجل، والدفاع عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمييز صحيحها من سقيمها، ومنقولها من متقوَّلها، ومقبولها من منحولها، وانبرى أجِلَّةٌ من العلماء الراسخين، الصيارفة الناقدين، ينفون عن السنة تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فحرَّروا وحقَّقوا، واجتهدوا في نخل الأصول، وحفظ المنقول، فاستنبطوا ووضعوا القواعد التي تحكم رواية الحديث، وتُحاكم رُواته؛ فنشأت علوم الحديث؛ أصوله، ومصطلحه، وعِلَله، والجرح والتعديل، فكان كلُّ علم من هذه العلوم أسًّا تُبنَى عليه معرفة الحديث الشريف روايةً ودِرايةً، وأصلًا يُتَوَصَّل من خلاله إلى الحكم على الحديث صحةً أو ضعفًا"؛ [السبر عند المحدثين؛ لعبدالكريم محمد].



وهؤلاء العلماء قد هيأهم الله عز وجل واستعملهم لهذه المهمة الشريفة والوظيفة الكريمة؛ وهي المساهمة في حفظ دين الله عز وجل الذي تكفَّل سبحانه بحفظه؛ كما قال جل شأنه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]؛ فلذا يجب على كل مسلم من غير أهل العلم قبل أن ينشر حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسألَ أهلَ العلم والاختصاص عنه؛ عملًا بقول الله عز وجل: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وحذرًا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.



وفيما يلي ذِكْرٌ لبعض الأحاديث التي وردت في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

١. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كذب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأ مَقْعَدَهُ من النار))؛ [رواه مسلم].



٢. وعن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تكذبوا عليَّ؛ فإنه من كذب عليَّ فَلْيَلِجِ النار))؛ [رواه البخاري].



٣. وعن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحد، من كذب عليَّ متعمِّدًا، فليتبوأ مقعده من النار))؛ [رواه البخاري].



٤. وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أعظم الفِرَى أن يدَّعِيَ الرجل إلى غير أبيه، أو يُرِي عينه ما لم تَرَ، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يَقُلْ))؛ [رواه البخاري].



وبعد ذلك كله يأتيك من يعتذر عن إفساده ونشره الأحاديث المكذوبة بقول: الأحاديث الضعيفة يُؤخَذُ بها في فضائل الأعمال!



ألا فليعلم أن هذا من تلبيس الشيطان، ومن الجهل المركب، يعتدي به قائله، ويتحمَّل به وزرًا على وزر، فإن هذه القاعدة التي يذكرها بعض أهل العلم إنما يذكرونها مشروطة بشروط عدة؛ وهي:

1. أن يتعلق الحديث بفضائل الأعمال مما له أصل في الشريعة، وليس بالعقائد، أو الأحكام، أو الأخبار التي ينبني عليها فقهٌ وعملٌ، بل وليس بفضائل الأعمال التي ليس لها أصل في الشريعة.



2. ألَّا يكون شديد الضعف؛ فالحديث الموضوع والمنكر لا يجوز روايته، ولا العمل به باتفاق أهل العلم.



3. ألَّا يعتقد نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.



4. أن يصرِّح من ينقل هذا الحديث بضعفه، أو يشير إلى ضعفه باستعمال صيغة التمريض: يُروى، ويُذكر، ونحو ذلك.



[هذه الشروط مُستخلَصة من كلام الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (3 - 4)، ونُقل بعضها عن العز بن عبدالسلام، وابن دقيق العيد، وهي منقولة عن موقع الإسلام سؤال وجواب].



فالحذرَ الحذرَ، والحَيْطَةَ الحيطة فيما يُكتب ويُقال ويُنشر؛ فقد قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].



وأخيرًا، جزى الله خيرًا من نشر هذه الرسالة دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبًّا وتعظيمًا له ولسُنَّتِهِ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
...المزيد

الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة البقرة الآيات (1-5) بسم الله، والحمد لله، ...

الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية:
سورة البقرة الآيات (1-5)


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.



وبعد: ففيما يلي عرض لمحتويات هذا المقال في تفسير الآيات (1-5) من سورة البقرة:

♦ أسماء سورة البقرة[1].

♦ فضائل سورة البقرة وخصائصها[2].

♦ هل سورة البقرة مكية أم مدنية؟[3].

♦ الآيات (1-5) من سورة البقرة.

♦ معاني الكلمات وتفسير الآيات (1-5) من سورة البقرة[4].

♦ وقفات تدبرية مع الآيات (1-5) من سورة البقرة.

♦ المراجع.



وتفصيل ذلك كما يلي:

♦ أسماء سورة البقرة.

1- سورة البقرة.

فعن أَبي مَسعودٍ عُقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: « مَن قرَأ بالآيتَينِ مِن آخِرِ سورةِ البَقرةِ في ليلةٍ كفَتاه ». [رواه البخاري (5008)].



2- تسمى هي وسورة آل عِمران، الزَّهراوينِ.

فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ». [رواه مسلم (804)].



فضائلُ سورة البقرة وخصائصُها:

1- أن "الشيطانَ ينفِرُ من البيتِ الذي تُقرأ فيه سورةُ البَقرة".

فعَن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: « لا تَجْعَلوا بُيوتَكم مقابرَ؛ إنَّ الشيطانَ ينفِرُ من البيتِ الذي تُقرأ فيه سورةُ البَقرة ». [رواه مسلم (780)].



2- أنَّها وسورة وآلَ عمران "تُحاجَّان عن أصحابِهما"، وأن "أخذها بَركةٌ، وتركَها حَسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ".

فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: « اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شَفيعًا لأصحابه، اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ، وسورةَ آلِ عمرانَ؛ فإنَّهما تأتِيان يومَ القِيامةِ كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما غَيايتانِ، أو كأنهما فِرْقانِ من طَيرٍ صوافَّ، تُحاجَّان عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها بَركةٌ، وتركَها حَسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ »، قال معاويةُ ابن سلام -أحد رجال سند الحديث-: بلغَني أنَّ البطلَةَ السَّحرةُ. [رواه مسلم (804)].



3- تعظيمُ الصَّحابة رضي الله عنهم لقارئِها هي وآل عمران؛ فعن أَنسٍ رضي الله عنه، قال: « كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يُعَدُّ فِينَا عَظِيمًا ». [رواه أحمد (12216)، وصحَّحه الألباني في صحيح الموارد (1268)].



هل سورة البقرة مكية أم مدنية؟

سورة البَقرة سورةٌ مدنيَّة، نزلتْ بعد الهِجرة، ونقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة في مجموع الفتاوى (17 /193)، وابنُ كثير في تفسيره (1 /155)، والشِّنقيطي في العذب النمير (2 /362).



الآيات (1-5) من سورة البقرة:

قال الله تعالى: ﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5].



معاني الكلمات وتفسير الآيات (1-5) من سورة البقرة:

﴿ الم (1) ﴾.

هذه الحروف وغيرها من الحروف المقطَّعة في أوائل السور فيها إشارة إلى إعجاز القرآن؛ فقد وقع به تحدي المشركين، فعجزوا عن معارضته، وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب. فدَلَّ عجز العرب عن الإتيان بمثله –مع أنهم أفصح الناس- على أن القرآن وحي من الله تعالى.



﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ ذَلِكَ ﴾: اسم إشارة.

﴿ الْكِتَابُ ﴾: القرآن الكريم.

﴿ لَا ﴾: حرف نفي.

﴿ رَيْبَ ﴾: شك.

﴿ فِيهِ ﴾: في: حرف جر، والهاء: ضمير.

﴿ هُدًى ﴾: إرشاد للصواب، وتبيان من الضلالة.

﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾: اللام: حرف جر، والمتقون: هم الذين يجعلون بينهم وبين غضبِ الله تعالى وعقابِه وقايةً، بامتثال ما أَمَر الله تعالى به، واجتنابِ ما نَهَى عنه.



التفسير:

أي: إنَّ هذا القرآن لا شكَّ في أنَّه حقٌّ، وأنَّه نزَل من عند الله تعالى، فأخباره، وأحكامه، وكل ما جاء فيه حق لا ريب فيه بوجه من الوجوه.



كما قال تعالى: ﴿ الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [السجدة: 1-2].



وقال سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].



وهذا القرآن ﴿ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ أي: مرشد للصواب، وتبيان من الضلالة، ونورٌ وبصيرة للذين يتَّقون غضبَ الله تعالى وعقابَه، بامتثال ما أَمَر الله تعالى به، واجتنابِ ما نَهَى عنه.



﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ الَّذِينَ ﴾: اسم موصول.

﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾: يُصَدِّقون.

﴿ بِالْغَيْبِ ﴾: الباء: حرف جر، والغيب معناه هنا: كل ما جاء في الوحيين مما غاب عن الحس والمشاهدة.

﴿ وَيُقِيمُونَ ﴾: ويؤدون بإحسان وخشوع.

﴿ الصَّلاة ﴾: التعبُّدُ للهِ تعالى بخشوعٍ، بأقوالٍ وأفعالٍ مخصوصةٍ، مُفتَتَحةٍ بالتَّكبيرِ، مُختَتَمةٍ بالتَّسليمِ. [ينظر: كشاف القناع للبهوتي (1 /221)، الشرح الممتع لابن عثيمين (2 /5)].

﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾: ومما أعطيناهم.

﴿ يُنفِقُونَ ﴾: يبذلون.



التفسير:

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾.

أي: إنَّ مِن صفات المتَّقين أنَّهم يُصدِّقون ويُقِرُّون بالغيب، ومن الإيمان بالغيب: الإيمانُ بالله تعالى، وملائكتِه، وكُتبِه، ورُسلِه، واليومِ الآخِر، (وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) أي: ويؤدُّون الصَّلوات بإحسان وخشوع كما أمَر الله عزَّ وجلَّ، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) أي: ويبذلون ويُخرِجُون مما أعطاهم ربُّهم من الأموال وغيرها.



﴿ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ والَّذِينَ ﴾: الواو: حرف عطف. و(الذين): اسم موصول.

﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾: يُصَدِّقون.

﴿ بِمَا ﴾: الباء: حرف جر، و(ما): اسم موصول.

﴿ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾: القرآن الكريم.

﴿ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ﴾: جميع الكتُب السماويَّة السابقة للنبي محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ.

﴿ وَبِالآخِرَةِ ﴾: الآخرة: دار الحياة بعد الموت.

﴿ هُمْ ﴾: ضمير.

﴿ يُوقِنُونَ ﴾: أي: يُصَدِّقون تصديقا جازما لا شك فيه.



التفسير:

أي: إنَّ من صِفات المتقين أيضًا، أنَّهم يؤمنون بالقرآن الذي أُنزل إلى محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، ويُؤمنون كذلك بجميع الكتُب السماويَّة السابقة، من قَبل النبي محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ.



كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [النساء: 136].



وقال سبحانه أيضًا: ﴿ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ [العنكبوت: 46]، ﴿ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾: أي: يؤمنون إيمانًا لا يتطرَّق إليه شكٌّ بدار الحياة بعد الموت، ومن ذلك: نعيم القبر وعذابه، والبعث، والحِساب، والجنة، والنار.



﴿ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ أُوْلَـئِكَ ﴾: اسم إشارة.

﴿ عَلَى ﴾: حرف جر.

﴿ هُدًى ﴾: نور وبُرهان وبصيرة.

﴿ مِّن ﴾: حرف جر.



﴿ رَّبِّهِمْ ﴾: الرب: الخالق المربِّي المالك الصاحب المدبر السيد المصلِح المدبِّر لجميع العالَمين المعبودُ بحق جل جلاله، وأصله: إصلاح الشيء والقيام عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 23-28]، و(هم) ضمير.



﴿ وَأُوْلَـئِكَ ﴾: الواو: حرف عطف، و(أُوْلَـئِكَ): اسم إشارة.

﴿ هُمُ ﴾: ضمير.

﴿ الْمُفْلِحُونَ ﴾: الفائزون الناجحون.



التفسير:

أي: إنَّ المتَّصفين بجميعِ ما تقدَّم ذِكرُه من صفات، على نورٍ وبُرهانٍ وبصيرةٍ من ربِّهم سبحانه، وهم الفائزونَ برضوان الله سبحانه وتعالى.



الوقفات التدبرية:

1. إنما ذكرت الحروف المقطعة في أوائل بعض السور بيانًا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف التي يتخاطبون بها، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف المقطعة فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء. [ينظر: تفسير ابن كثير (1/ 36-37].



2. نفي الرَّيْب عن القرآن في قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾، يدلُّ على ثبوت كمال ضدِّه، فهو يُورث كمال اليقين؛ لما يتضمَّنه من الحجج والبراهين والدَّلائل التي لا تترك في الحقَّ لبسًا، واليقين أعلى درجات العلم، وأصحابه أعظم الناس سعادة، وطمأنينة، وأنسا، وفلاحا، ولذلك فحري بمن يريد زيادة الإيمان ورسوخ اليقين أن يحرص على تلاوة القرآن الكريم، وتعلم تفسيره، وتدبر آياته. [ينظر: تفسير السعدي (ص: 40، 465)].



3. القرآن الكريم ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ ونور وتبيان للمؤمنين العاملين به، فإنه مشتمل على العلم اليقيني الذي تزول به كل شبهة وجهالة، والوعظ والتذكير الذي يزول به كل شهوة تخالف أمر الله تعالى، وفيه من الأسباب والوسائل التي إذا فعلها العبد فاز بالهداية، والرحمة، والسعادة الأبدية، والثواب العاجل والآجل. [ينظر: تفسير السعدي (ص: 465)].



4. إقامة الصلاة تعني إقامتها ظاهرًا بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، وإقامتها باطنًا بإقامة روحها؛ وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها، ولا تغني إقامة أحد الأمرين عن الآخر. [ينظر: تفسير السعدي (ص: 41)].



5. في قوله سبحانه: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ إشارة إلى أنَّ هذه الأموال والنعم التي بين أيديكم، ليست حاصلةً بقوَّتكم وملككم، وإنَّما هي رِزق الله الذي خوَّلكم، وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضَّلكم على كثيرٍ من عباده، فاشكروه بإخراج بعضِ ما أنعم به عليكم، وواسوا إخوانَكم المحتاجين. [ينظر: تفسير السعدي (ص: 40)].



6. في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]، إشارة إلى أهمية القيام بحقوق الله عز وجل، وحقوق عباده، وأن سعادة العبدِ دائرةٌ بينَ الأمرَيْن. ومعلوم أن القيام بحقوق الله عز وجل يتضمن القيام بحقوق العباد، وذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر بالإحسان إليهم. [ينطر: التفسير المحرر للدرر السنية، تفسير السعدي (ص: 41)].



7. في قوله تعالى: ﴿ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ دلالةٌ على عظم أهميَّة الإيمان بالآخِرة؛ لأنَّ اليقين بها يدفع العبد لفعل الخير والبر والإحسان، وترك الشر والفساد والطغيان. [ينظر: تفسير ابن عثيمين (1/ 31)].



8. في هذه الجُمل الأربع: ﴿ الۤمۤ، ذلِكَ الْكِتابُ، لا رَيْبَ فِيهِ، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾: جمالُ بلاغة؛ حيثُ جِيء بها متناسقةً هكذا من غير حرْف عَطْف؛ وذلك لمجيئها متآخيةً آخذًا بعضها بعُنق بعض؛ مع ما في كلِّ جملة مِن نُكتةٍ ذات جَزالة، ففيها ما يُسمَّى عند البَلاغيِّين بـ(الفصْل) - وهو عدم عطف الجمل بالواو -؛ لكمال الاتِّصال بينها. [يُنظر: تفسير الزمخشري (1 /32)، تفسير ابن عاشور (1 /228)، دليل البلاغة القرآنية للدبل (ص: 18)].



مراجع تفسير الآيات:

♦ التفسير المحرر للدرر السنية.

♦ التفسير الوسيط للواحدي (1 /81).

♦ الجواب الصحيح لابن تَيميَّة (2 /279).

♦ الميسر في تفسير القرآن الكريم، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف (ص: 17).

♦ الوجيز للواحدي (ص: 90).

♦ تفسير ابن أبي حاتم (1/ 34-38).

♦ تفسير ابن جرير (1 /234-256).

♦ تفسير ابن عاشور (1 /223-247).

♦ تفسير ابن عُثيمين (1 /29-31).

♦ تفسير ابن عطية (1 /85).

♦ تفسير ابن كثير (1 /162-171).

♦ تفسير الراغب الأصفهاني (1 /82).

♦ تفسير السعدي (ص:41).

♦ تفسير القرطبي (1/ 179).

♦ درء تعارض العقل والنقل لابن تَيميَّة (1/ 403).

♦ مجموع فتاوى ابن تيمية (13 /233)، (8/ 545)، (11/ 419).


[1] [يُنظر: نظم الدرر للبقاعي (1 /24)، التفسير المحرر للدرر السنية].

[2] [يُنظر: التفسير المحرر للدرر السنية].

[3] [يُنظر: التفسير المحرر للدرر السنية].

[4] مراجع معاني الكلمات:

- الجدول في إعراب القرآن لمحمود صافي.

- موقع قاموس ومعجم المعاني.
...المزيد

صلوا بالليل والناس نيام بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ...

صلوا بالليل والناس نيام


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟" [أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758)]، فهل يليق بنا - يا إخوتي - النوم في وقت النزول الإلهي؟[1] إلى متى الغفلة؟ اللهم أيقظ قلوبنا بالإيمان، ولا تجعلنا من المحرومين.



معاشر الكرام:

إن التأمل في نصوص الكتاب والسنة، وتدبر ما جاء في فضل قيام الليل والحث عليه أكبر زاد، وأحسن إرشاد، وأعظم ذكرى ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [سورة ق 37]؛ وسأذكر - إن شاء الله تعالى - فيما يلي آيات وأحاديث في فضل قيام الليل، والحث عليه رغبة في تنشيط النفوس، وبث الهمم، ودفع العزائم لدأب الصالحين، وعمل الأبرار المتقين.



فمن الآيات قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا ﴾ [سورة المزمل 1-6]، أي: أن عبادة جوف الليل أشد تأثيرًا في القلب، وأبين قولا لفراغ القلب مِن مشاغل الدنيا[2].



• ومنها قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [سورة الإسراء 79-81]، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "قيام الليل يوجب علو الدرجات في الجنة، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾، فجعل جزاءه عَلَى التهجد بالقرآن بالليل أن يبعثه المقام المحمود، وهو أعلى درجاته صلى الله عليه وسلم"[3].



• ومنها قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [سورة الزمر 8-9]، لا يستوون والذي نفسي بيده؛ فاللهم اجعلنا من القانتين القائمين، العالِمين العامِلين، ووفقنا لكل خير يا رب العالَمين.



• ومنها قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة السجدة 15-17]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ عَظَمَةَ مَا أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ فِي الْجَنَّاتِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَاللَّذَّاتِ الَّتِي لَمْ يَطَّلِعُ عَلَى مِثْلِهَا أَحَدٌ، لَمَّا أَخْفَوْا أَعْمَالَهُمْ أَخْفَى اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، جَزَاءً وِفَاقًا؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ"[4].



• ومنها قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [سورة الذاريات 15-18]، فلله درهم، وعلى الله أجرهم؛ لم يمنعهم من النوم مشاهدة فيلم، ولا دردشات محرمة، ولا لهو، ولا لعب، ولا عصيان، بل القيامُ بالقرآن، والرغبة في العفو والغفران، وطلب الجنان، والخوف من النيران.



• ومنها قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴾ [الإنسان: 26، 27]؛ طاب ليل طال السجود فيه والتسبيح، فليس ثمَّ ليل أجمل، ولا أكمل، ولا أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أَهْنَأ، ولا أحسن، ولا أزكى، ولا أعذب من ليل الأنس بالله رب العالمين.



• ومنها قوله تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 217 - 220]، وفي هذه الآيات إشارة إلى أن القائمين الساجدين أولى الناس بنيل أعلى مراتب الدين، وهي مرتبة الإحسان، "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"[5].



• ومنها قوله تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [الفرقان: 64 - 66]، ثم قال سبحانه بعد ذكر صفاتٍ أخرى لعباد الرحمن: ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [سورة الفرقان 75-76]، ومعنى الْغُرْفَةَ: الدَّرَجةَ الرَّفيعةَ في الجنَّةِ [6]، وهذه المقامات العاليات، والمنازل الساميات لا يدركها أصحاب الهمم الدنية، والاهتمامات الأرضية، فقد أجمع العقلاء أن النعيم لا يدرك بالنعيم [7].



قال الشاعر:

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ[8]



وفيما يلي جملة من الأحاديث النبوية في فضل قيام الليل، والحث عليه:

• عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ من اللَّيل حتى تَتفطَّر قدماه، فقالت عائشةُ: لِمَ تَصنعُ هذا يا رسولَ اللهِ، وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! قال: "أفلا أحبُّ أن أكونَ عبدًا شكُورًا؟!" [أخرجه البخاري (4837)، ومسلم (2820)]، فصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك الشكور الكريم، إمام المتقين، وقدوة المخلصين، وسيد ولد آدم أجمعين [9].



• وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ [10] النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ. ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" [رواه ابن ماجه (3251)، وصحَّحه الألباني في صحيح ابن ماجه (2648)]، فاللهم اجعلنا من الذين يفشون السَّلام، ويطعمون الطَّعام، ويصلون الأرحام، ويصلون باللَّيلِ والناسُ نِيام، ويدخلون الْجَنَّةَ بِسَلَام.



• وعن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ في الجَنَّةِ غُرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها، وباطنُها من ظاهرِها، أعدَّها اللهُ تعالى لِمَن أَطعَمَ الطَّعام، وأَلانَ الكلام، وتابَع الصِّيام، وأفْشَى السَّلام، وصَلَّى باللَّيلِ والناسُ نِيام" [أخرجه أحمد (22905)، وحسَّنه الألباني في صحيح الموارد (533)]، فيا ليت شعري من سيفوز بهذه الغرف الشفافة البديعة، والقصور الأنيقة البهية، والمنازل البهيجة السنية؟ ﴿ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ [سورة القمر 54-55]؛ اللهم اجعلنا من المفلحين الفائزين، ولا تجعلنا من الخائبين الخاسرين يا رب العالمين.



• وعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلْإِثْمِ" [أخرجه الترمذي (3549)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4079)]، وهذا الحديث - رحمكم الله تعالى وغفر لكم - يوضح أن قيام الليل سُنَّةُ الصَّالِحينَ وعادَتُهم وشَأنُهم [11]، وهو لا يكفر السيئات الماضية فحسب، بل يبعد عن الآثام، ويقرب إلى الله رب الأنام.



• وعن أَبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الصلاةِ المكتوبةِ، الصلاةُ في جَوفِ الليلِ" [أخرجه مسلم (1163)]، والمُرادُ بِجَوفِ الليلِ: الثُّلثُ الآخِرُ منه [12]، وهو وقت طيب مبارك، تجمل بالتَعَبُّد فيه النفس، ويزدان بالطاعة فيه العمل، ويرسخ بالقيام فيه اليقين.



• وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" [أخرجه البخاري (39)]، قال ابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى: "وما يستعان به لا يترك" [13]، ومعنى الغَدوةُ: أوَّلُ النَّهارِ، والرَّوحةُ: آخِرُه، والدُّلجةُ: سَيرُ آخرِ اللَّيل، وسَيرُ آخرِ اللَّيل مَحمودٌ في سَيرِ الدُّنيا بالأبدانِ، وفي سَيرِ القُلوبِ إلى اللهِ بالأعمالِ؛ وصَدَرَ هذا الكلامُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنَّه يُخاطِبُ مُسافرًا يَقطَعُ طَريقَه إلى مَقصدِه، فنَبَّهَه على أوقاتِ نَشاطِه التي يَزْكو فيها عَمَلُه، فشَبَّهَ الإنسانَ في الدُّنيا بالمسافرِ، وكذلك هو على الحَقيقةِ؛ لأنَّ الدُّنيا دارُ انتقالٍ وطَريقٌ إلى الآخرةِ [14].



• وعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: جَاءَ جِبْرِيلُ عَليهِ السَّلامُ إِلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَ: "يا مُحمَّدُ، عِشْ ما شِئتَ فإنَّك مَيِّتٌ، وأحْبِبْ من شِئتَ فإنَّكَ مُفارِقُه، واعمَل ما شِئتَ فإنَّك مَجْزِيٌّ بهِ، واعلَم أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استِغناؤُه عن النَّاسِ" [أخرجه الحاكم في المستدرك (7991)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (73)]، فقيام الليل شرف، وأي شرف؛ وسمو، وأي سمو؛ ورِفْعَة، وأي رفعة؛ فاللهم زدنا إيماناً، وشرفنا بقيام الليل بين يديك يا حي يا قيوم.



• وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ" [أخرجه أبو داود (1398) وصححه الألباني في صحيح أبي داود]، ومعنى المقنطرين: الذين يحصلون الأجور العظيمة الكبيرة الكثيرة [15]؛ نسأل الله تعالى من فضله، وأن يجعلنا من المقنطرين الخاشعين.



• وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ. قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ". قَالَ: ثُمَّ تَلَا ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ "قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ". ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ "قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا". فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" [أخرجه الترمذي (2616)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]، فهلم بنا إخوتي إلى سعادة الدنيا والآخرة، ولنقبل على الله تعالى بقلوبنا، فربنا الرحمن سبحانه وتعالى أكرم من أن يرد عبدا آثره على ما سواه، فأخلص في نيته، وصدق في طلبه، وأحسن في عمله؛ ﴿ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ ﴾ [سورة آل عمران 148].



وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنَ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ عَنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنَ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي، وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الِانْهِزَامِ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، رَجَعَ رَجَاءً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ" [أخرجه ابن حبان (2558)، وصححه شعيب الأرناؤوط]، وتَعَجُّبُه سُبحانَه هنا يَدُلُّ على الرِّضا عنِ العَمَلِ مع إعطاءِ الثَّوابِ عليه [16]، وإذا رضي الله تعالى عن عبد، وباهى به ملائكته أقبلت إليه وفود الخيرات، وصُرِفِتْ عنه الشرور والآفات، وأرضاه ربنا وأعطاه بلا عد ولا حساب، ومنحه من خزائنه التي لا تفنى ولا تنقص، ﴿ وَٱللَّهُ وَسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة البقرة 261].




وختامًا:فهذه أبيات لابن القيم رحمه الله تعالى، ذكرها في فصل في إقامة المأتم على المتخلفين عن رفقة السابقين من نونينته [17]:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة
بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها
في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها
إلا أولو التقوى مع الإيمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد
بين الأراذل سلفة الحيوان
يا سلعة الرحمن أين المشتري
فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب
فالمهر قبل الموت ذو إمكان
يا سلعة الرحمن كيف تصبر ال
خطاب عنك وهم ذوو إيمان
يا سلعة الرحمن لولا أنها
حجبت بكل مكاره الإنسان
ما كان عنها قط من متخلف
وتعطلت دار الجزاء الثاني
لكنها حجبت بكل كريهة
ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو إلى
رب العلى بمشيئة الرحمن
فاتعب ليوم معادك الأدنى تجد
راحاته يوم المعاد الثاني


يا رب اجعلنا من أهل القيام والجهاد والقرآن [18]، وارزقنا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ في غير ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ؛ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ [19]؛ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وانصر عبادك المجاهدين؛ "اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" [20].



﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الصافات 180 - 182].



"اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" [21].


[1] وهو نزول يليق بجلالِ ربنا الخالق سبحانه وكمالِه؛ قطعاً ليس كنزول المخلوقين، فالله سبحانه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

[2] [((التفسير الميسر)) لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف].

[3] [((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/ 47)].

[4] [((تفسير ابن كثير)) (6/ 365)].

[5] صحيح مسلم | كتاب: الإيمان | باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله: بعون الله نبتدئ، وإياه نستكفي، وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله: حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ. قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ. قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ". قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ". قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا. ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟" قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ، يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ".

[6] [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17 /534)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4 /418)، ((الوسيط)) للواحدي (3 /349)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 266)، ((تفسير القرطبي)) (13 /83)، ((المفردات)) للراغب (ص: 605)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية (تفسير الآيات 72-77 من سورة الفرقان)].

[7] "قال إبراهيم الحربي: أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم" [((قاعدة في المحبة)) لابن تيمية (1/ 207)].

[8] [((ديوان المتنبي)) (ص: 401)].

[9] عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ" [أخرجه مسلم (2278)]، ومعنى "أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ": أنه صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ شافعٍ في ذلكَ المحضَرِ، وأَوَّلُ مَن تُقبَلُ شَفاعتُه عَلى الإِطلاقِ في أَنواعِ الشَّفاعاتِ [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[10] "انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ" أي: اتَّجَه النَّاسُ ناحيتَه، وذهَبوا إليه مُسْرِعين [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[11] [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[12] [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[13] [((المدخل)) (2 /132-139)].

[14] [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[15] [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[16] [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية].

[17] [((نونية ابن القيم)) (ص: 355)].

[18] عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ: أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ " [أخرجه ابن ماجه (215)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (179)].

[19] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ" [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].

[20] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؟ قُولُوا: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". [أخرجه أحمد (7982)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (844)].

[21] عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى رحمه الله تعالى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". [أخرجه البخاري (3370)].

ومما ورد في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه، أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ" [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني].
...المزيد

عشرون علاجا لفتور النفس عن الطاعة بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...

عشرون علاجا لفتور النفس عن الطاعة


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد: فقد سئل الحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله تعالى "عمن كان في زيادة من أحواله، فحصل له نقص؟

فأجاب: أما هذا فيريد المجيب عنه أن يكون من أرباب الأحوال وأصحاب المعاملة، وأنا أشكو إلى الله تقصيري وفتوري عن هذا وأمثاله من أبواب الخير، وأقول، وبالله التوفيق:

إن من رزقه الله خيرًا من عمل، أو نور قلب، أو حالة مرضية في جوارحه وبدنه، فليحمد الله عليها، وليجتهد في تقييدها بكمالها، وشكر الله عليها، والحذر عن زوالها بزلة، أو عثرة، ومن فقدها فليكثر من الاسترجاع، ويفزع إلى الاستغفار والاستقالة، والحزن على ما فاته، والتضرع إلى ربه، والرغبة اليه في عودها إليه، فإن عادت، وإلا عاد إليه ثوابها وفضلها إن شاء الله تعالى[1]".



هذا، ويمكن تقسيم الفتور، الذي يعرض في طريق السالكين إلى رضوان رب العالمين، إلى قسمين، يكمن الفرق بينهما في طريقة التعامل مع الفتور، ومدى الحرص على التخلص منه قبل أن يصير داء فتاكا، وسقما مهلكا؛ والقسمان هما:

♦ فتور عرضي، وهو بمثابة من يصاب بمرض يسير، ثم لا يلبث أن يُشفى منه، وتعود له عافيته أقوى مما كانت عليه قبل المرض.



♦ وفتور خطير، وهو بمثابة من يصاب بمرض عضال، يبقى معه إلى أن يكون سببا في موته، وذهاب حياته.



وكما أن التنبه للمرض الحسي في بداياته، والسعي لعلاجه من حين ظهور أعراضه، يُعزز فرص الشفاء بإذن الله تعالى؛ فإن اهتمام العبد بما يصيبه من ضعف في طريق سيره إلى الله عز وجل، واجتهاده في إزالة ذلك الخمول ومقدماته، يعين على تجاوز فترات الإحجام والتراجع، ويشحذ الهمة، ويدفع العبد للإقبال على الله تعالى بعزيمة ونشاط ورغبة.



وفيما يلي ذكر لعشرين علاجا للفتور عن الطاعة، والتراخي في العبادة:

أولا: الاستعانة بالله عز وجل؛ فإنه لا يدرك خير إلا بعونه، مستحضرين مقام ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾[2]، مرددين بلسان المقال مع صدق الحال: "اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" [3]، و"لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ"[4].



ثانيا: دوام المجاهدة والدأب مستحضرين حلو عاقبة: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[5]، وصدق الإلحاح في طلب الثبات والتوفيق؛ وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" [6]، "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"[7].



ثالثا: الرفق بالنفس، وأخذها باليسر، وحسن سياستها، وقيادتها إلى الخير؛ متأملين حكمته صلى الله عليه وسلم في قوله: "عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ؛ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا" [8]، وقوله: "سَدِّدُوا وقارِبُوا" [9]، وقوله: "القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا" [10].



رابعا: تعويدُ النفس على القليل الدائم الذي هو خير من الكثير المنقطع؛ ملتفتين إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان عمله دِيمةً" [11]، وأنَّ "أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ، وَإِنْ قَلَّ" [12].



خامسا: الاهتمام بالأعمال التي يتعدى نفعها للغير كزيارة المرضى، واتباع الجنائز، وعدم قصر النفس على لون واحد من التعبد؛ ففي ذلك إجمام للنفس وتطرية لها، فإذا سئمت النفس من عمل، انتقلت إلى آخر، حتى تكون هي التي تشتاق إلى العمل، فتجد له خفة، ونشاطا، ولذة، وحلاوة[13].



سادسا: الإكثار من الصدقات، فبها تزكو النفس، ويطهر القلب، ويرزق العبد فعل الخيرات، وترك السيئات؛ ومن أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، والجزاء من جنس العمل.



سابعا: الحرص على الجهاد في سبيل الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجِهادِ في سبيلِ اللهِ، فإنَّهُ بابٌ من أبوابِ الجنةِ، يُذهِبُ اللهُ بهِ الهَمَّ والغَمَّ" [14]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَن ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ" [15].



ثامنا: المتابعة بين الحج والعمرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ، وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ) [16].



تاسعا: زيارة المساجد الثلاث التي تشد لها الرحال، وهي المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ لحديث أَبِي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى." [17].



عاشرا: محاسبة النفس، ومراجعة صدقها وإخلاصها لله عز وجل، والحذر من العجب بالأعمال [18]، وأن نعلم أن أعمالنا الحسنة تنفعنا، ولا تنفع الله تعالى شيئا؛ وأن أعمالنا السيئة تضرنا، ولا تضر الله تعالى شيئا [19].



حادي عشر: التطلع إلى رضوان الله تعالى، والتشوق للقائه سبحانه، وعدم الانشغال بالدنيا وملذاتها، والاقتصاد في المأكل، والمشرب، والملبس، والمسكن، والمركب؛ وليكن هدفنا الدائم تحصيل الفوز الأبدي [20] في دار فيها "مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" [21]، لا يبتئس فيها السعيد ولا يمرض، ولا يهرم، ولا يموت، وهي الجنة [22]، التي رغبنا ربنا فيها بقوله: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [23]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [24]؛ وأن نتذكر أن الناس في يوم القيامة فريقان كما قال الله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [25]، وقال جل شأنه عن أحوال الفريقين في ذلك اليوم الموعود: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [26].



ثاني عشر: الإكثار من حمد الله تعالى، والثناء عليه، وتمجيده، وشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأعظمُها نعمةُ الهداية، ومِنَّةُ الاستقامة متذكرين قول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [27].



ثالث عشر: التوبة من جميع الذنوب الباطنة والظاهرة، والحذر من مخالفة أوامر الله تعالى، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال الله عز وجل: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[28]، والإكثار من الاستغفار، فبه تفتح الأبواب المُغْلَقَةُ، وتُمحى الذنوبُ المقيِّدة.



رابع عشر: ترك العزلة وقت الفترة، ومخالطة الأبرار، والحذر من مجالسة الأشرار، والعناية ببر الوالدين وصلة الأرحام، وزيارة أهل الخير والفضل، وحضور مجالس العلم والذكر.



خامس عشر: الاعتناء بطلب العلم، والعمل به، وتزكيته، ونشره، والدعوة إليه عملا بقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [29]



سادس عشر: تذكر أهمية القيام بعبادة الله عز وجل في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وأن الأجر على قدر النصب والمشقة [30].



سابع عشر: الوقوف عند حدود الله عز وجل، والحذر من اتباع خطوات الشيطان، كما قال الله عز وجل ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [31]، والبعد عن جميع المعاصي والسيئات في كل الأوقات والحالات؛ فكون العبد في مرحلة فتور لا يبيح حراما، ولا يسقط تكليفا.



ثامن عشر: التواضع لله تعالى، والحذر من داءين خطيرين: الكبر، والحسد، وقد كان السلف يسمعون ممن هو أكبر منهم ليتعلموا الأدب، وممن هو أصغر منهم ليتعلموا التواضع، وممن هو مثلهم ليزيلوا داء الحسد من قلوبهم [32].



تاسع عشر: أن نعلم أن أعمالنا لن تدخلنا الجنة؛ وأن الجنة إنما يدخلها العباد برحمة الله عز وجل، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُنَجِّيَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ برَحْمَةٍ" [33].



عشرون: أن نتهم أعمالنا، وأن ننسب الخطأ والتقصير لأنفسنا، متدبرين قول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [34]، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[35]، وقوله سبحانه: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [36]، مع الحرص على تجاوز مرحلة الفتور بسرعة، قبل أن يأتينا الموت بغتة، ونحن غافلون لا نشعر؛ فالأيام معدودة، والأجل محدود، وعما قريب سنقف بين يدي علام الغيوب ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [37].



والله وحده هو الحافظ والمستعان؛ وهو المسؤول سبحانه أن يذيقنا لذة الإيمان، وطعم الطاعة، وحلاوة العمل الصالح، إنه جواد كريم.



"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ" [38].



اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَنسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنسْأَلُكَ قَلْوبا سَلِيمة، وَنسْأَلُكَ ألسنة صَادِقة، وَنسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [39].



اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قلوبنا بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قلوبنا مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْننا وَبَيْنَ خَطَايَانا كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ [40].



"اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا، إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" [41].



﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [42].



اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نرْجُو، فَلَا تَكِلْنا إِلَى أنفسنا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لنا شَأْننا كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ [43].



"اللَّهمَّ لا سَهلَ إلَّا ما جَعَلتَه سَهلًا، وأنتَ تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شِئتَ سَهلًا" [44].



﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [45].



"اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ، وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" [46].


[1] عمدة الأحكام الكبرى، لعبدالغني المقدسي، (ص:‏41).

[2] سورة الفاتحة (5).

[3] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتُحِبُّونَ أَنْ تَجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؟ قُولُوا: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى شُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". [أخرجه أحمد (7982)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (844)].

[4] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَخْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ - أَوْ: يَا أَبَا هِرٍّ - هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ، إِنَّ الْمُكْثِرِينَ الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟" قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ". [أخرجه أحمد (10795)، وصححه محققو المسند].

[5] سورة العنكبوت (69).

[6] عن شَهْر بْن حَوْشَب قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لأَكْثَرِ دُعَاءَكَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟". قَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ، فَتَلَا مُعَاذٌ ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8]. [أخرجه الترمذي (3522)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].

ومعاذ المذكور هو معاذُ بنُ معاذِ بنِ نصرِ بنِ حسَّانَ التَّميميُّ رحمه الله تعالى، [الموسوعة الحديثية للدرر السنية]، أحد رواة هذا الحديث، ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين، وقال عنه: "كان فقيها عاقلا متقنا". [الثقات لابن حبان (7/ 482)]، والآية التي ذكرها معاذ رحمه الله تعالى، في سورة آل عمران، ورقمها (8).

[7] عن عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ". [اخرجه مسلم (2654)].

[8] أخرجه البخاري (43) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[9] أخرجه البخاري (6463) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[10] أخرجه البخاري (6463) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[11] أخرجه البخاري (1987) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[12] أخرجه البخاري (5861) من حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[13] النقاط (1-5) من رسالة عنوانها: "كيف نعالج فتور النفس عن الطاعة بعد رمضان؟"، لزياد خياط؛ بتصرف.

[14] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8334)، من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4063).

[15] أخرجه مسلم (1910) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[16] أخرجه النسائي (2631) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال عنه الألباني في صحيح النسائي (2630) "حسن صحيح"].

[17] أخرجه البخاري (1864).

[18] قال "بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار. قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، خائفا منه، مشفقا، وجلا، باكيا، نادما، مستحيا من ربه تعالى، ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب له، فيكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة؛ بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد، وفلاحه، حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة.

ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه، ويتكبر بها، ويرى نفسه، ويعجب بها، ويستطيل بها، ويقول فعلت وفعلت، فيورثه من العجب، والكبر، والفخر، والاستطالة، ما يكون سبب هلاكه. فإذا أراد الله تعالى بهذا المسكين خيرا ابتلاه بأمر يكسره به، ويذل به عنقه، ويصغر به نفسه عنده". [الوابل الصيب من الكلم الطيب، لابن القيم، (ص6-7)].

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى، هو الإفلاس؛ فلا يرى لنفسه حالًا، ولا مقامًا، ولا سببًا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والافلاس المحض، دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه، حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل، وكمال فاقته، وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة، والباطنة فاقة تامة، وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك، وخسر خسارة لا تجبر، إلا أن يعود الله تعالى عليه، ويتداركه برحمته". [الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص7-8].

[19] قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46] ، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ. يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ". قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ". [أخرجه مسلم (2577)].

وسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ هما من رواة هذا الحديث الجليل؛ وذكر ابن حبان سعيدا في طبقة أتباع التابعين، وأبا إدريس في طبقة التابعين؛ وقال عن سعيد: "كان من عباد أهل الشام، وفقهائهم، ومتقنيهم في الرواية" [الثقات لابن حبان (6/ 369)]، وقال عن أبي إدريس: "كان من عباد أهل الشام وقرائهم". [الثقات لابن حبان (5/ 277)].

[20] قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].

[21] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17] [أخرجه البخاري (4779)].

والآية التي ذكرها أبو هريرة رضي الله عنه، في سورة السجدة، ورقمها (17).

[22] موقع الإسلام سؤال وجواب بتصرف؛ وقد جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43] ". [أخرجه مسلم (2837)].

والآية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، في سورة الأعراف، ورقمها (43).

[23] سورة آل عمران (133).

[24] سورة ق (31-35).

[25] سورة الشورى (7).

[26] سورة هود (105-108).

[27] سورة إبراهيم (7).

[28] سورة النور (63)؛ قال سُفْيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ: سَمِعْت مالِكَ بْنَ أنَسٍ رحمه الله تعالى، وأتاهُ رَجُلٌ، فَقالَ: يا أبا عَبْدِ اللَّهِ، مِن أيْنَ أُحْرِمُ؟ قالَ: مِن ذِي الحُلَيْفَةِ مِن حَيْثُ أحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقالَ: إنِّي أُرِيدُ أنْ أُحْرِمَ مِن المَسْجِدِ. فَقالَ: لا تَفْعَلْ. قالَ: إنِّي أُرِيدُ أنْ أُحْرِمَ مِن المَسْجِدِ مِن عِنْدِ القَبْرِ. قالَ: لا تَفْعَلْ، فَإنِّي أخْشى عَلَيْك الفِتْنَةَ. قالَ: وأيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذا؟ إنّما هِيَ أمْيالٌ أزِيدُها. قالَ: وأيُّ فِتْنَةٍ أعْظَمُ مِن أنْ تَرى أنَّك سَبَقْت إلى فَضِيلَةٍ قَصَّرَ عَنْها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]. [أحكام القرآن، لابن العربي، (3/ 432)].

[29] سورة يوسف (108).

[30] ودليل أن الأجر على قدر النصب والمشقة حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ولَكِنَّهَا علَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبِكِ" [أخرجه البخاري (1787)، ومسلم (1211)].

[31] سورة النور (21).

[32] الإسلام سؤال وجواب؛ وقَالَ وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى: "لَا يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا حَتَّى يَسْمَعَ مِمَّنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ وَمِمَّنْ هُوَ دُونَهُ وَمِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ". [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (ص: 216)].

[33] أخرجه البخاري (6463)، ومسلم (2816).

"ولا تعارُضَ بين هذا الحديث وبين قولِه تعالى: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل (32)]؛ فإنَّ التَّوفيقَ للعَملِ الصَّالحِ، والهِدايةَ للطَّاعاتِ، وقَبُولَ اللهِ عزَّ وجلَّ لها كُلُّ ذلِك من فَضلِ اللهِ تعالى ورحمته".[الموسوعة الحديثية للدرر السنية بتصرف يسير].

[34] سورة يونس (44).

[35] سورة الرعد (11).

[36] سورة الشورى (30).

[37] سورة آل عمران (30).

[38] عن عبدالله بن رفاعة الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي". فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ...". [أخرجه أحمد (15492)، وقال عنه محققو المسند: رجاله ثقات].

[39] عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ". [أخرجه أحمد (17114)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (3228)].

[40] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِي بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ".[أخرجه البخاري (6377)].

[41] أخرجه البخاري (4106) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ، يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا، إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا).

وقوله: "إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا" أي: إنَّ الَّذين ظَلمونا واعتدَوا علينا يُريدونَ أنْ يَفتنُونَا عَن دِينِنا، وإنَّنا نأبَى ذلك، (ثُمَّ يمدُّ صوتَه بآخِرها) أي بقوله: أبَيْنا. [الموسوعة الحديثية للدرر السنية].

وقال الله سبحانه وتعالى في ذكر ما يقوله أهل الجنة بعد دخولها: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].

[42] سورة البقرة (286).

[43] عَنْ أَبِي بَكْرَةَ نُفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ". [أخرجه أبو داود (5090)، وحسنه الألباني].

[44] عَنْ أَنَس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اللَّهمَّ لا سَهلَ إلَّا ما جَعَلتَه سَهلًا، وأنتَ تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شِئتَ سَهلًا". [أخرجه ابن حبان (974)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (351)، والبيهقي في الدعوات الكبير (266)، وصححه ابن حجر العسقلاني في الفتوحات الربانية (4 /25)].

[45] سورة الصافات (180 - 182).

[46] عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى رحمه الله تعالى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". [أخرجه البخاري (3370)].

ومما ورد في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه، أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ" [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني].
...المزيد

﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...

﴿ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد: فإن التخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق - والعياذ بالله تعالى-، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ" [أخرجه مسلم (651)].



وعَنْ عبدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضِيَ اللهُ عنه، قالَ: "مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَما مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ" [أخرجه مسلم (654)].



وقال عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "كنَّا إذا فقدنا الإنسان في صلاةِ الصُّبحِ والعشاءِ؛ أسأنا به الظَّنَّ" [أخرجه الحاكم في المستدرك (764) وصححه الألباني في صحيح الموارد (364)]، ومعلوم أن هذا الحكم لا يتعلق بمن يغيب عن صلاة الجماعة لعذر صحيح.



وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن، وقال في مقدمته: "بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ، وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].



هذا، وصلاة الفجر جماعة لها فضل عظيم مخصوص بها، ومن ذلك أنها صلاة مشهودة كما قال الله عز وجل: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78].



ولذا، فالمحافظة عليها من أهم ما ينبغي العناية به؛ وقد ورد في فضلها، والحث عليها جملة من الأحاديث النبوية منها ما يلي:

♦ عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "فَضلُ صَلاةِ الجَميعِ على صلاةِ الواحِدِ خَمسٌ وعِشرونَ دَرجةً، وتجتَمِعُ ملائِكةُ اللَّيلِ وملائِكةُ النَّهارِ في صلاةِ الصُّبحِ"، يقولُ أبو هريرة: اقرَؤوا إن شِئتُم: ﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [أخرجه البخاري (4717)]، فلماذا نحرم أنفسنا من حضور صلاة مشهودة، تشهدها ملائكة الرحمن عز وجل؟



♦ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ" [أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632)]، فلماذا نحرم أنفسنا أن نكون ممن يقال عنهم: "تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ"؟.



♦ وعَنْ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيِّ رضِيَ اللهُ عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ" [أخرجه أبو داود (561)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود]، فلماذا نحرم أنفسنا من النور التام يوم القيامة؟



♦ وعن عُثمانَ بنِ عفَّانٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" [أخرجه مسلم (656)]، أي: أن من صلى العشاء في جماعة فله أجر قيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة فله أجر قيام نصف ليلة أيضا[1]، فلماذا نحرم أنفسنا من هذه الأجور العظيمة؟



♦ وعن جُنْدَبِ بنِ عبدالله رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صَلَّى الصُّبْحَ فَهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ فيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ في نَارِ جَهَنَّمَ" [أخرجه مسلم (657)]، فلماذا نحرم أنفسنا من الدخول في ذمة الله أي: أمانه وضمانته؟[2].



♦ وعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" [أخرجه مسلم (725)]، وهذا الحديث -معاشر الكرام- في فضل سنة الفجر، فما ظنكم بفضل صلاة الفجر ذاتها؟



اللهم لا تجعلنا من المحرومين، ووفقنا للمحافظة علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الخمس حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، واجعلنا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر: 18][3]، ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40][4].



والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] ينظر: شرح الحديث بالموسوعة الحديثية، للدرر السنية.

[2] ينظر: شرح الحديث بالموسوعة الحديثية، للدرر السنية.

[3] قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18].

[4] قال الله تعالى في ذكر بعض دعاء إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].
...المزيد

حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ...

حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد "أنكر الإِمَام الطرطوشي على أهل القيروان اجْتِمَاعهم لَيْلَة الْخَتْم فِي صَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان، وَنصب المنابر، وبيَّن أَنه بِدعَة ومنكر، وأن مَالِكًا رَحْمَة الله تَعَالَى كرهه، ثمَّ قَالَ: فَإِن قيل إِنَّه يَأْثَم فَاعل ذَلِك؟ فَالْجَوَاب أَن يُقَال:



• إِن كَانَ ذَلِك على وَجه السَّلامَة من اللَّغط، وَلم يكن إِلَّا الرِّجَال وَالنِّسَاء منفردين بَعضهم عَن بعض، يَسْتَمِعُون الذّكر، وَلم تنتهك فِيهِ شَعَائِر الرَّحْمَن، فَهَذِهِ الْبِدْعَة الَّتِي كره مَالك رَحمَه الله تَعَالَى.



• وَأما إِن كَانَ على الْوَجْه الَّذِي يجْرِي فِي هَذَا الزَّمَان من اخْتِلَاط الرِّجَال وَالنِّسَاء... وأمثال ذَلِك من الْفسق واللغط فَهَذَا فِسْقٌ، فَيُفَسَّقُ الَّذِي يكون سَببًا لِاجْتِمَاعِهِمْ.


فَإِن قيل أَلَيْسَ روى عبد الرَّزَّاق فِي "التَّفْسِير" أَن أنس بن مَالك رضي الله عَنهُ، كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يخْتم الْقُرْآن جمع أَهله؟ قُلْنَا: هَذَا هُوَ الْحجَّة عَلَيْكُم! فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيته، وَيجمع أَهله عِنْد الْخَتْم، فَأَيْنَ هَذَا من نصبكم المنابر، وتلفيق الْخطب على رُؤُوس الأشهاد، فيختلط الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالصبيان والغوغاء، وتكثر الزعقات والصياح، ويختلط الْأَمر، وَيذْهب بهاء الْإِسْلَام؟ [1].



وقال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله تعالى - بعد ذكره لمَرْوِيَّاتٍ في دعاء ختم القرآن: "ليس فيما تقدم من المروي حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم، قبل الركوع أو بعده، لإمام أو منفرد" [2].



والحاصل:

• أن دعاء ختم القرآن في الصلاة من الأمور المحدثة التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه رضي الله عنهم، والخيرُ كل الخيرِ في الاتباع، وترك الابتداع؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ، يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ" [أخرجه النسائي (1578)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1577)].



وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" [أخرجه البخاري (2697)].



• وأن انتشار البدع وفعلها في أصقاع الأرض لا يدل على مشروعيتها.



• وأن الإسلام غني عما ابتدعه الناس سواءً في رمضان أو غيره، وفي تشريعاته من البر والأعمال الصالحات ما يُغني عن البدع والأمور المحدثات [3]، "فلنتمسك بهذا الدين العظيم، ولنلتزم آدابه وأحكامه، ففيه الهدى، والكفاية، والرحمة" [4].

والله تعالى أعلم.



والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] ((الباعث على إنكار البدع والحوادث)) (ص: 39-40) لأبي شامة المقدسي، بموقع المكتبة الشاملة الحديثة على الرابط التالي:

https://al-maktaba.org/book/6276/32.

[2] ((جزء في مرويَّات دعاء ختم القرآن)) لبكر أبو زيد (ص: 290) بتصرف يسير، نقلاً عن ((هل في السنة دعاء بعد ختم القرآن؟)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/answers/65581

[3] جملة مقتبسة بتصرف من ((عيد الأم! نبذة تاريخية، وحكمه عند أهل العلم))، بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/articles/61
[4] جملة مقتبسة من ((أمه ستغضب إن لم يحتفل بعيد الأم))، بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/answers/59905
...المزيد

الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة الفاتحة وهي مستقاة وملخصة من عدد من ...

الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: سورة الفاتحة


وهي مستقاة وملخصة من عدد من التفاسير، ومن "معجم معاني كلمات القرآن الكريم" سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن العظيم، وهي خلاصة كتاب الله عز وجل الذي أنزله سبحانه رحمة للعالمين، وهدًى للمتقين، وحجة على الناس أجمعين.




ومما ورد فضل سورة الفاتحة ما يلي:

♦ أن العبد يناجي بها ربَّه - عزَّ وجلَّ - عندما يقرأها في الصلاة؛ فعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (مَن صلَّى صلاةً لم يقرأْ فيها بأُمِّ القرآن، فهي خداجٌ ثلاثًا غير تمام، فقيل لأبي هُرَيرَة: إنَّا نكونُ وراءَ الإمام، فقال: اقرأْ بها في نفسِك؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بَيني وبَين عبدي نِصفين، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالَمين، قال الله تعالى: حمَدني عَبدي، وإذا قال: الرَّحمن الرَّحيم، قال الله تعالى: أثْنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: مالِك يومِ الدِّين، قال: مَجَّدني عبدي، وقال مرَّة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: إيَّاك نعبُدُ وإيَّاك نستعين، قال: هذا بَيني وبَين عبدي، ولعَبدي ما سأل، فإذا قال: اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين، قال: هذا لعَبدي، ولعبدي ما سألَ)؛ [رواه مسلم 395].




♦ أنها أعظم سورة في القرآن العظيم، وهي المقصودة بقوله - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر 87]، فعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ له: (لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)؛ [رواه البخاري 4474].




♦ (لم يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا)؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَتُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَا فِي الزَّبُورِ، وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا)؛ [رواه الترمذي 2875 وصححه الألباني].




♦ أنَّها نور، ولم يُؤْتَها نبيٌّ قبل رسول الله محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: (بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، سمِع نقيضًا من فوقه، فرفَع رأسَه، فقال: هذا بابٌ من السَّماء فُتِح اليوم، لم يُفتح قطُّ إلَّا اليوم، فنزل منه مَلَك، فقال: هذا ملَكٌ نزل إلى الأرض، لم ينزلْ قطُّ إلَّا اليوم، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنورَينِ أوتيتَهما، لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تَقرأ بحرفٍ منهما إلَّا أُعطيتَه)؛ [رواه مسلم 806].




♦ أنها ركن من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394].




♦ (أنَّهَا رُقْيَةٌ)؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحَابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حتَّى نَزَلُوا علَى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّهَا الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَما أَنَا برَاقٍ لَكُمْ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ علَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صَالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتَّى نَأْتِيَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَنَذْكُرَ له الذي كَانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)؛ [رواه البخاري 2276، ومسلم 2201 مختصرًا].




ولسورة الفاتحة أسماء كثيرة، ومعلوم أن العرب تطلق الأسماء الكثيرة على الشيء لِعِظَمِهِ، ومن أسماء سورة الفاتحة ما يلي:

1) فاتحة الكِتاب.

2) أُمُّ الكِتاب.

3) أمُّ القرآن.

4) السَّبْع المَثاني.

5) القُرآن العظيم.



الأدلَّة على أسماء سورة الفاتحة:

♦ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394].




♦ وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُخَفِّفُ الرَّكعتَينِ اللَّتَينِ قبلَ صلاةِ الصُّبحِ، حتى إني لأقولُ: هل قرَأ بأمِّ الكتابِ؟)؛ [رواه البخاري 1165].




♦ وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (أمُّ القُرآنِ هي السَّبْع المثاني، والقرآنُ العَظيم)؛ [رواه البخاري 4704].




♦ وعن أبي سَعيدِ بن المعلَّى رضي الله عنه قال: (مرَّ بي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا أُصلِّي، فدَعاني فلم آتِهِ حتى صلَّيتُ، ثم أتَيتُ فقال: ما منَعك أن تأتيَ؟ فقلتُ: كنتُ أُصلِّي، فقال: ألم يقُلِ اللهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟! ثم قال: ألَا أُعَلِّمُك أعظمَ سورةٍ في القرآنِ قبلَ أن أخرُجَ منَ المسجدِ؟ فذهَب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليخرُجَ منَ المسجدِ فذَكَّرتُه، فقال: الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ هي السَّبعُ المَثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتيتُه)؛ [رواه البخاري 4703].




هل سورة الفاتحة مكية أم مدنية؟

سورة الفاتحة سورة مكية، وهو قول الجمهور من أهل العلم رحمهم الله تعالى، ومن أدلة ذلك ما يلي:

1) أنه قد جاءت الإشارة إلى سورة الفاتحة في آية مكية، وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر 87]، وقد أجمع أهل العلم أن سورة الحجر سورة مكية.




2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)؛ [رواه البخاري 756 ومسلم 394]، ومعلوم أن الصلاة فرضت قبل الهجرة في ليلة الإسراء والمعراجِ لما جاء في حديث الإسراء المشهور عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ... قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً)؛ [رواه البخاري 349 ومسلم 162].



مقاصد وموضوعات السُّورة وفوائد من السورة:

1) اتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال، عبادة أو غيرها؛ [الموسوعة الفقهية 8 /92].



2) التعريف بالمعبودِ تبارَك وتعالى، وبيان كماله عز وجل وكمال أسمائه وصفاته.



3) أهمية الحمد والثناء والتمجيد لله عز وجل، فالحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، مباركًا عليه كما يحب ربنا ويرضى.



4) ذكرُ يوم القيامة وأهمية الاستعداد له، وإثباتُ الجزاء على الأعمال.



5) توحيد الله تعالى وإخلاص الدين له، وإفراده بالاستعانة والدُّعاء وغيرهما من أنواع العبادة.



6) تضمنت إثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ لأن الهداية ممتنعة بدون الرسالة.



7) الحثُّ على تجنُّبِ طريق الغاوين من المغضوبِ عليهم والضالِّين.



8) أن أفعال الله عز وجل دائرة بين الفضل، والعدل، ودلَّ على فضله سبحانه قوله تعالى: ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، ودلَّ على عدله جل شأنه قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.



9) في سورة الفاتحة شفاء لقلب المسلم من مرض الجحود والجهل والضلال، ودلالة على أن أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإسلام، فمن كان أعرف للحق وأتبع له، كان أولى بالصراط المستقيم، ولا ريب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أَولى الناس بذلك بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فدلت الآية على فضلهم، وعظيم منزلتهم، رضي الله عنهم.



10) يستحب للقارئ أن يقول في الصلاة بعد قراءة الفاتحة: آمين، ومعناها: اللهم استجب، وليست آية من سورة الفاتحة باتفاق المسلمين، ولهذا أجمعوا على عدم كتابتها في المصاحف.



سورة الفاتحة:

قال الله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 1 - 7].



القراءات ذات الأثر في التفسير:

في قوله تعالى: (مَالِكِ) قِراءتان:

♦ مالِك: وهو المتصرِّف بالفِعل في الأشياء المملوكةِ له.

♦ مَلِك: وهو المتصرِّف بالقول أمرًا ونهيًا في مَن هو مَلِكٌ عليهم.



مُناسبة الآيات لِمَا قبلها:

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، لَمَّا جاء وصْفُ الله سبحانه نَفْسَه بالرُّبوبيَّة التي تَعني أنَّه السيِّد، المالك، المعبود الذي له مطلق التصرُّف في عِباده، والتي قد يُفهم منها معنى الجبروت والقهر فقط، جاء وصفُه بالرَّحمة بعدها؛ لينبسطَ أملُ العبد في العفو إنْ زلَّ، ويَقْوَى رجاؤه إنْ هفَا.




وأيضًا لما وصف الله تعالى نفسه بالربوبية بيَّن أن تربيته تعالى للعالمين ليست لحاجة به إليهم، كجلْب منفعة، أو دفْع مضرة، وإنما هي لعموم رحمته وشمول إحسانه.




﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، لما وصف تعالى نفسه بالرَّحمة، وكان هذا قد يؤدِّي بالعبد إلى غلَبة الرَّجاء عليه، نبَّه بصفة الملْك ليوم الدِّين؛ ليكون العبد من عمله على وَجَل، وليعلمَ أنَّ لعمله يومًا تظهر له فيه ثمرته من خيرٍ وشر.




﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

بعد أن أثنى الله عز وجل على نفسه جل وعلا ووصف نفسه لعباده بما هو أهله، بيَّن لهم حقَّه عليهم، وذلك أدعى أن يقوموا بواجبهم، وهو أن يعبدوه سبحانه وحده لا شريك له، وذكر لهم أنهم لن يقدروا على عبادته دون الاستعانة به وحده دون ما سواه.




﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾، لما ذُكِرَت العبادة والاستعانة بالله تعالى وحده، جاء سؤال الهداية إلى الطريق الواضح، فبالهداية إليه تصح العبادة، فمن لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصحُّ له بلوغ مقصده.




﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، لَمَّا كان في الآية السابقة طلبُ الهِداية إلى أشرفِ الطرق، ناسَب ذلك سؤالَ أَحسنِ الرفقة، وهم ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].




﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، لَمَّا كان في الآية السابقة سؤالُ أَحسنِ الرفقة، ناسَب ذلك إظهار البراءة والاستعاذة بالله عز وجل من أَسْوَأ الرفقة، وهم اليهود والنصارى ومن كان مثلهم.



المعنى الإجمالي:

يُخبر الله تعالى عباده بأنَّ الحمد الكامل مستحقٌّ له وحده، ويرشدهم بما أخبر إلى أن يُثنوا عليه، ويمجِّدوه، ويَحمَدوه بجميع المحامِد التي لا يستحقُّها إلَّا هو، ذو الرَّحمة والمُلك، كما يُرشدهم سبحانَه إلى إفرادِه بالعبادة والاستعانة، وطلبِ الهِداية منه وحْده للطَّريق الواضحة التي لا اعوجاجَ فيها؛ طريق الذين أنعم الله عليهم، لا طريق اليهود المغضوب عليهم، ولا طريق النَّصارى الضالِّين.



معاني الكلمات وتفسير الآيات:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ الْحَمْدُ ﴾: الثناء؛ أي: جميعُ المحامد والثناءات الكاملة للمعبود تبارك وتعالى، لا يستحقُّها إلَّا هو وحده سبحانه.




﴿ لِلَّهِ ﴾: الله: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].




﴿ رَبِّ ﴾: الرب: الخالق المربِّي المالك الصاحب المدبر السيد المصلِح المدبِّر لجميع العالَمين المعبودُ بحق جل جلاله، وأصله: إصلاح الشيء والقيام عليه؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 23-28].




﴿ الْعَالَمِينَ ﴾: جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى من الإنس والجن والملائكة وسائر المخلوقات في كلِّ مكانٍ وزمان.




التفسير:

الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وفي ضمنه أَمْرٌ لعباده أن يحمدوه مع محبَّته، وتعظيمِه جلَّ وعلا، فله الحمد الكامل الدائم المستمر بجميع الوجوه، وهو سبحانه السيد الذي لا سيد مثلُهُ، المعبودُ بحق جل جلاله، المالك للخلق، والمدبر لأمورهم، والمصلح لشؤونهم، والمربي لجميع خلقه بنعمه: بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة فمنه تعالى، والمربي لأوليائه بالإيمان والعمل الصالح.



فتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفِّقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر.




ودل قوله: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه بكل وجه واعتبار.




﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ الرَّحْمَنِ ﴾: ذي الرحمة العامة الذي وسعت رحمته جميع الخلق.




﴿ الرَّحِيمِ ﴾: ذي رحمةٍ خاصَّة، يختصُّ بها عبادَه المؤمنين؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب 43]، وقال سبحانه: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].




التفسير:

(الرحمن والرحيم) اسمانِ مشتقَّان من الرَّحمة على وجه المبالَغة، ورحمن أشدُّ مبالغةً من رَحيم؛ وذلك لأنَّ (رحمن) على وزن فعلان، وهذه الصيغة تفيد الكثرة والسعة.




فالرحمن والرحيم اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله الذين لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها.




﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ مَالِكِ ﴾: صاحب الملك المتصرف في ملكه كيف يشاء.

﴿ يَوْمِ الدِّينِ ﴾: يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة.




التفسير:

اللهُ عزَّ وجلَّ هو المتصرِّف في جميع خلْقِه بالقول والفِعل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله ﴾ [الانفطار: 17-19]. وكما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، وقال أيضًا: ﴿ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لله الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾ [غافر: 16].




فالمالك هنا: هو الله تعالى الذي من صفاته صفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف في ملكه ومماليكه بجميع أنواع التصرفات (لا معقب لحكمه)، ولا رادَّ لقضائه، وأضاف الملك ليوم الدين، وهو يوم القيامة، وهو اليوم الذي يدان الناس فيه بأعمالهم، خيرها وشرها؛ لأنه في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق، حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا والعبيد والأحرار، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون لثوابه، خائفون من عقابه، فلذلك خصه بالذكر، وإلَّا فهو المالك ليوم الدين ولغيره من الأيام، وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد له بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.




﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ إِيَّاكَ ﴾: ضمير يخاطب به الواحد.

﴿ نَعْبُدُ ﴾: نطيع مع غاية الذل لك والخضوع والتعظيم والحب.

﴿ إِيَّاكَ ﴾: الواو: حرف عطف. إياك: ضمير يخاطب به الواحد.

﴿ نَسْتَعِينُ ﴾: نطلب عونك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها.




التفسير:

أي: قولوا: ﴿ إيَّاك نَعبُد وإيَّاك نستعين ﴾، ومعناها: لا نعبُد إلَّا أنت، متذلِّلين لكَ وحْدَك لا شريكَ لك، ولا نستعين إلَّا بك وحْدَك لا شريكَ لك، نخصك وحدك بالعبادة، ونطلب عونك وحدك لنا على طاعتك وعلى أمورنا كلها، فالأمر كله بيدك، لا يملك منه أحد مثقال ذرة.




وتقديم العبادة على الاستعانة، من باب تقديم العام على الخاص، واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده، والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة. والاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك.




والقيام بعبادة الله والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة صحيحة، إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودًا بها وجه الله، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وفي هذه الآية دليل على أن العبد لا يجوز له أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة كالدعاء والاستغاثة والذبح والطواف إلا لله وحده، وفيها شفاء القلوب من داء التعلق بغير الله، ومن أمراض الرياء والعجب، والكبرياء.




﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ اهْدِنَا ﴾: دُلَّنا، وأرشدنا، ووفِّقنا، وثبِّتنا.

﴿ الصِّرَاطَ ﴾: الطريق.

﴿ الْمُسْتَقِيمَ ﴾: الذي لا اعوجاج فيه.




التفسير:

أي: قولوا: ﴿ اهدِنا الصِّراطَ المستقيمَ ﴾، ومعناها: دُلَّنا وأرشِدْنا، ووفِّقنا للطَّريق الواضِح الذي لا اعوجاجَ فيه، وثبِّتنا عليه حتى نلقاك، وهذا الطريق هو دين الإسلام الذي هو معرفة الحق والعمل به، كما دلَّ عليه خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الطريق الموصل إلى رضوان الله تعالى وإلى جنته، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.




وهداية الصراط هدايتان: هدايةٌ إلى الصراط، وهدايةٌ في الصراط، فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط: تشمل التوفيق لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، وطلب الهداية من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا أوجب الله تعالى على الناس سؤالها في كل ركعة من صلاتهم، رحمةً منه سبحانه بعبيده، ولضرورتهم إليها.




﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ صِرَاطَ ﴾: طريق.

﴿ الَّذِينَ ﴾: اسم موصول.

﴿ أَنْعَمْتَ ﴾: الإنعام: إيصال الإحسان إلى الغير.

﴿ عَلَيْهِمْ ﴾: على: حرف جر، هم: ضمير.




التفسير:

طريق الذين أنعمت عليهم بالهِداية والاستقامة، وهم الذين علِموا الحقَّ وعمِلوا به بإخلاصٍ لله تعالى وحده، وهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].




﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.

معاني الكلمات:

﴿ غَيْرِ ﴾: اسم استثناء.



﴿ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾: هم الذين غضب الله تعالى عليهم، وهم اليهود ومن كان مثلهم، لكفرهم وإفسادهم في الأرض، ولأنهم عرفوا الحق ولم يعملوا به.



﴿ وَلَا ﴾: الواو: حرف عطف، لا: حرف نفي.



﴿ الضَّالِّينَ ﴾: هم الذين لم يهتدوا لطريق الحق، وهم النصارى ومن كان مثلهم.




التفسير:

أي: إنَّ مِن صفات الذين أَنعم الله تعالى عليهم، أنَّهم ليسوا كاليهود، ومَن سلَك طريقتَهم في ترْك العمل بالحقِّ بعد معرفته.




فأخصُّ أوصاف اليهود، الغضبُ؛ كما قال الله تعالى فيهم: ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 60]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾ [البقرة: 90].




وليس من صِفات الذين أنعمَ الله تعالى عليهم أنَّهم كالنَّصارى، ومَن سلك طريقتَهم ممَّن جهِلوا الحقَّ، فعبَدوا الله تعالى بغير عِلم.




فأخصُّ أوصاف النصارى الضلال؛ كما قال سبحانه: ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].




عن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى)؛ [رواه أحمد 19400 وصحَّحه الألبانيُّ بمجموع طرقه].




المراجع:

♦ « الميسر في تفسير القرآن الكريم »، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف.

♦ « تفسير ابن كثير ».

♦ « تفسير البغوي ».

♦ « تفسير السعدي ».

♦ « تفسير الطبري ».

♦ « تفسير القرطبي ».

♦ « موقع الدرر السنية ».

♦ « موقع قاموس ومعجم المعاني ».
...المزيد

الخلط بين الأديان والدين الإبراهيمي "الجديد" "الخلط بين الأديان يُقصَد به الخلط الذي تفقد معه ...

الخلط بين الأديان والدين الإبراهيمي "الجديد"


"الخلط بين الأديان يُقصَد به الخلط الذي تفقد معه العقيدة الإسلامية جوهرَها القائم على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لتصبح الفكرة الرئيسة هي الوصول إلى الله تعالى؛ سواء عن طريق اليهودية أو النصرانية أو الإسلام، فلا فرقَ عند أصحاب هذه الدعوة بين تلك الأديان، فإنما هي طرق متعددة ومتكافئة تدل على الله عز وجل"؛ [الإسلام سؤال وجواب].



وهذا الخلط فكرة ضالة قديمة تظهر اليوم بثوب جديد؛ اسمه "الدين الإبراهيمي الجديد"، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام إمامُ الحنفاء كان مسلمًا، وهو بَرَاء من هذا الدين المختلط المشوَّهِ؛ قال الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67].



فإياك أن يغرَّك هذا الخلط، الذي سماه القرآن الكريم "تلبيسًا"؛ وذلك في قوله جل وعلا: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42]؛ قال قتادة رحمه الله: "لا تُلبِسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، إن دين الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بِدْعَةٌ ليست من الله"؛ [تفسير ابن أبي حاتم].



وكيف يختلط الأمر عليك، وأنت تقرأ في سورة الفاتحة في كل ركعة من ركعات صلواتك قول الله عز وجل: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، ولا يخفى عليك أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى؛ كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟



وكيف يختلط الأمر عليك، وأنت تعلم أن اليهود والنصارى يشركون بالله عز وجل، ويزعمون له الزوجة والولد، وينسبون له صفة البخل، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، ويكذِّبون رُسُلَهُ، ويقتلون أنبياءه، ويسيئون معه الأدب سبحانه، ويخادعونه وهو جل وعلا خَادِعُهُم، ويفضِّلون المشركين على المسلمين، وغير ذلك من كُفْرِيَّاتِهم وشركهم، وظلمهم وعدوانهم، وكَذِبهم وبُهْتانهم؟.



وكيف يختلط الأمر عليك، وأنت تعلم أن الله عز وجل لا يقبل دينَ مَن يفرِّق بين الرسل عليهم الصلاة والسلام في الإيمان؟ وأنَّ مَن كفر بأيٍّ منهم، فأولئك ﴿ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ﴾؟ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [النساء: 150، 151].



فعقيدة المسلم لا تُوجِبُ عليه الإيمان بجميع الأنبياء فحسب، بل توجب عليه إجلالهم وتقديرهم، وتوقيرهم وتعظيمهم التعظيم اللائق بهم؛ لأنهم خير البشر، وصفوةُ الله من خلقه، وهم نور الهداية الذي أضاء الأرض بعد ظُلْمَتِها، وآنسَ القلوبَ مِن وَحْشَتِها، ولا سبيلَ إلى السعادة والفلاح إلا بهم وبسببهم؛ ولذلك أجمع جميع علماء المسلمين على كفر اليهود والنصارى، وكلِّ مَن كفر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو غيره من أنبياء الله ورسله، صلوات الله وسلامه عليهم إلى يوم الدين؛ [الدرر السنية، والإسلام سؤال وجواب].



ومما سبق يتضح أن الأمر جَلَلٌ، والقضية قضية إسلامٍ وكُفْرٍ، وإيمان ونفاق، لا مجالَ فيها للتنازل أو التساوم أو المفاوضات؛ فهذه أصول الإسلام، ومباني العقيدة، ومفهوم كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وهي الكلمة التي يجب على جميع العباد تعلُّمُها وفَهمُها، واعتقادها، والعمل بمقتضاها، ومعرفة ما يضادُّها وينافيها والبعد عنه، "قامت بها الأرض والسماوات، وخُلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله تعالى رسله، وأنزل كُتُبَه، وشرع شرائعه، ولأجلها نُصبت الموازين، ووُضعت الدواوين، وقام سوقُ الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى: المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار؛ فهي منشأ الخَلْقِ والأمر، والثواب والعقاب"؛ [زاد المعاد من هدي خير العباد؛ لابن قيم الجوزية].



قال ابن تيمية رحمه الله تعالى محذرًا من الخلط بين الأديان: "وأما قول القائل: المعبود واحد، وإن كانت الطرق مختلفة، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المُبَدَّلَتَيْنِ المنسوختَيْنِ موصلةً إلى الله؛ وإما استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله، أو التدين بذلك - كفرٌ بالله وبرسوله، وبالقرآن وبالإسلام، بلا خلاف بين الأمة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة"؛ [اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم].



قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان): "وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة: أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية، تَبْرُزُ في لِبَاسٍ جديد، تستهدف الإسلام والمسلمين، تأتي على الإسلام من القواعد، مستهدفة القضاء على الإسلام وانْدِراسه، ووَهْنَ المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدَهُ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة، حينئذٍ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر، والأخلاقيات الهدَّامة، مُفرَّغًا من كل مقوماته، فلا يترشح لقيادة أو سيادة، وجَعْل المسلم في محطة التلقي لِما يُملَى عليه من أعدائه، وأعداء دينه، وحينئذٍ يصلون إلى خِسَّةِ الغاية: القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاومة، وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام واستعلائه، وظهوره وتميُّزِهِ، بجَعْلِ دين الإسلام المُحْكَمِ المحفوظ من التحريف والتبديل في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين مُحرَّفٍ منسوخ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى، في أقوى مُخطَّطٍ تتكالب فيه أُمَمُ الكفر، وتتحرك من خلاله لغزوٍ شامل ضد الإسلام والمسلمين، بشتى أنواع النفوذ: الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، وإقامة سوق مشترك، لا تحكمه شريعة الإسلام، ولا سمعَ فيه ولا طاعة لخُلُقٍ فاضل ولا فضيلة، ولا كسبٍ حلال، فيفشو الربا، وتنتشر المفسدات، وتدجن الضمائر والعقول، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة، وشريعة مستقيمة؛ وإنا لنتلو قول الله تعالى: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 155].



وإذا كان دين الإسلام قد جاء ليُخرِجَ العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومن ضيق الدنيا والآخرة إلى سَعَتِهما - فإنه يمكن تلخيص أهداف مشروع الخلط بين الأديان وترويج الدين الإبراهيمي "الجديد" بأنه يهدف إلى عكس ما يهدف إليه الإسلام تمامًا؛ أي: إخراج العباد من عبادة رب العباد إلى عبادة العباد، ومن سَعَةِ الدنيا والآخرة إلى ضيقهما؛ ولذا يجب على جميع المسلمين الكُفْرُ بنظرية الوحدة بين كل دين مُحرَّفٍ منسوخ مع دين الإسلام الحق المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل الناسخ لِما قبله، وهذا من بَدَهِيَّاتِ الاعتقاد، ومُسلَّمات الدين، وأبجديات الإسلام.



وأخيرًا، فإنه يجب على جميع أهل الأرض اعتقادُ أن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع، ناسخة لكل شريعة قبلها، فلا يجوز لبشرٍ من أفراد الخلائق أن يتعبد الله بشريعة غير شريعة الإسلام. ويجب على جميع أهل الأرض من الكتابيِّيْنَ وغيرهم الدخول في الإسلام بالشهادتين، والإيمان بما جاء في الإسلام جملة وتفصيلًا، والعمل به، واتباعه، وترك ما سواه من الشرائع المُحرَّفة والكتب المنسوبة إليها، وأنَّ مَن لم يدخل في الإسلام فهو كافر مشرك، ولا يجوز لأحد من أهل الأرض أن يبقى على أيٍّ من الشريعتين: اليهودية، والنصرانية، فضلًا عن الدخول في إحداهما، ولا يجوز لمتبع أيِّ دين غير الإسلام وصفُهُ بأنه مسلم، أو أنه على ملة إبراهيم.



نسأل الله سبحانه أن يهديَ ضالَّ المسلمين، وأن يُذهِبَ عنهم البأس، وأن يصرف عنهم كيد الكائدين، وأن يثبِّتَنا جميعًا على الإسلام، حتى نلقاه، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم". [الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان؛ لبكر أبو زيد بتصرف].
...المزيد

الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية سورة الإخلاص وهي مُستقاة ومُلخَّصة بتصرف من عدة ...

الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية
سورة الإخلاص


وهي مُستقاة ومُلخَّصة بتصرف من عدة تفاسير، ومن معجم معاني كلمات القرآن الكريم.



سورة الإخلاص:

قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4].



سورة الإخلاص سورة عظيمة تُرسِّخ معاني التوحيد والإيمان في قلب المسلم، وتؤكد وحدانية الله عز وجل وتفرُّده وعظمته.



ومما ورد في فضل سورة الإخلاص ما يلي:

1- أنها تعدِل ثُلُثَ القرآن:

فعن قتادة بن النعمان رضي الله عنه: ((أن رجلًا قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ من السَّحَرِ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرآن))؛ [رواه البخاري: (4627)]، وفي رواية لأحمدَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارًا يقوم الليل لا يقرأ إلا ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، كأنه يُقلِّلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثُلُثَ القرآن))؛ [رواه أحمد (10965)، وصححه شعيب الأرنؤوط].



وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يُطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: اللهُ الواحدُ الصمدُ ثلث القرآن). [رواه البخاري 4628].



2- أنها صفة الرحمن، وأن الله تعالى يحب من يقرأ بها:

فعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سَرِيَّةٍ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سَلُوه لأيِّ شيءٍ يصنع ذلك، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه))؛ [رواه البخاري: (6827)].



3- لم ينزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في الفرقان مثلها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقرأ كل ليلة:

فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عقبة بن عامر، أَلَا ُأعلِّمك سورًا ما أُنزلت في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في الفرقان مثلهن؟ لا يَأْتِيَنَّ عليك ليلةٌ إلا قَرَأْتَهُنَّ فيها: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، قال عقبة: فما أتت عليَّ ليلة إلا قرأتُهُن فيها، وحُقَّ لي ألَّا أَدَعَهُنَّ وقد أمرني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [رواه أحمد (16810)، وحسَّنه شعيب الأرنؤوط].



4- من قرأها وجبت له الجنة:

فعن أبي هريرة: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقال: وجبت، قالوا: يا رسول الله، ما وجبت؟ قال: وجبت له الجنة))؛ [رواه أحمد (8011)، وصححه شعيب الأرنؤوط].



5- أن من قرأها، عرف ربه:

فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((أن رجلًا قام فركع ركعتي الفجر، فقرأ في الأولى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبدٌ آمن بربه، ثم قام فقرأ في الآخرة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، حتى انقضت السورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبدٌ عرف ربه))؛ [أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 298)، وابن حبان (6/ 213)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 499) باختلاف يسير، وجوَّد إسناده الألباني].



6- أنه ما تعوذ بمثل سور الإخلاص والفلق والناس أحدٌ:

فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة، إذ قال: يا عقبة، قُلْ، فاستمعتُ، ثم قال: يا عقبة، قل، فاستمعت، ثم قال: يا عقبة، قل، فاستمعت، فقالها الثالثة، فقلت: ما أقول؟ فقال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، فقرأ السورة حتى ختمها، ثم قرأ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، وقرأت معه، حتى ختمها، ثم قرأ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، فقرأت معه، حتى ختمها، ثم قال: ما تعوَّذ بمثلِهِنَّ أحدٌ))؛ [رواه النسائي (5430)، وصححه الألباني].



ويُستحبُّ قراءة سورة الإخلاص في أدبار الصلوات المفروضة، وضمن أذكار الصباح والمساء والنوم؛ وتفصيل ذلك كما يلي:

أولًا: يستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس مرةً واحدةً بعد كل صلاة مفروضة؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذات في دُبُرِ كل صلاة))؛ [أخرجه أبو داود (1523)، والنسائي (1336)، وأحمد (4/ 155)، وصححه الألباني].



ثانيًا: يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاثَ مرات ضمن أذكار الصباح، وثلاث مرات ضمن أذكار المساء؛ فعن عبدالله بن خبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، والمعوذتين، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء))؛ [رواه أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، وحسنه الألباني].



ثالثًا: يُستحب قراءة سور الإخلاص والفلق والناس ثلاث مرات ضمن أذكار النوم، وطريقة القراءة: أن يجمع العبد كفَّيْهِ، ثم ينفث فيهما، فيقرأ سور الإخلاص والفلق والناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، ثم يُعيد ما سبق مرةً ثانية ومرة ثالثة؛ فعن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾، و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات))؛ [رواه البخاري (4630)].



سبب النزول:

عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه: ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسِب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]))؛ [رواه الترمذي (3364)، وصححه الألباني].



المواطن التي يُستحب فيها قراءة سورة الإخلاص في الصلاة:

1- في الركعة الثانية من سنة الفجر القَبْلية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه مسلم: (726)].



2- في الركعة الثانية من سنة المغرب البعدية؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رمقتُ النبي صلى الله عليه وسلم أربعًا وعشرين مرةً - أو خمسًا وعشرين مرةً - يقرأ في الركعتين قبل الفجر وبعد المغرب: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه النسائي (992)، وأحمد (4763)، وصحح إسناده أحمد شاكر، وقال عنه الألباني: قوي بالمتابعة].



3- في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر؛ فعن أبي بن كعب قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى من الوتر بـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾، وفي الثانية بـ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾، وفي الثالثة بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه النسائي (1700)، وصححه الألباني].



4- في الركعة الثانية من ركعتي الطواف؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الطواف بسورتَي الإخلاص: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾))؛ [رواه الترمذي (869)، وصححه الألباني].



هل سورة الإخلاص مكية أو مدنية؟
الراجح - والله تعالى أعلم - أن سورة الإخلاص سورة مكية؛ لِما سبق ذكره مما يتعلق بسبب نزولها عن أُبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه : ((أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسِبْ لنا ربك، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 1، 2]))؛ [رواه الترمذي (3364)، وصححه الألباني]؛ وذلك أن المقصود بالمشركين في هذا الحديث مشركو مكة.



تفسير سورة الإخلاص:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]:

معاني الكلمات:

﴿ قُلْ ﴾: فعل أمر.

﴿ هُوَ ﴾: ضمير.



﴿ اللَّهُ ﴾: عَلَمُ على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يُسمَّى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].



﴿ أَحَدٌ ﴾: المراد هنا: وصف مطلق لا يُوصف به غير الله عز وجل.



والمعنى: قل - أيها الرسول - قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ المتفرد بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات، لا يشاركه أحد فيها؛ فهو الواحد الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظيرَ له ولا مثيل، جل وعلا.



﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2]:

معاني الكلمات:

﴿ اللَّهُ ﴾: علم على الرب تبارك وتعالى المعبود بحق دون سواه، وهو أخص أسماء الله تعالى، ولا يسمى به غيره سبحانه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65].



﴿ الصَّمَدُ ﴾: الذي يُصمَد إليه في الأمور؛ أي: يُقصد.

والمعنى: أن الله وحده هو المقصود في قضاء الحوائج والرغائب، السند الدائم الذي يُقصد في جميع الأمور؛ لأنه السيد الذي بلغ في الشرف نهايته، وفي السؤدد غايته، المُطاع الذي لا يُقضى دونه أمر، فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم بالذل والحاجة والافتقار، ويرغبون إليه في مهماتهم، فهو الكامل الذي قد كمل في علمه، وملكه، وحكمته، وحلمه، وقدرته، وعظمته، ورحمته، وسائر أوصافه، ولا أحدَ مثله سبحانه، ولا إله إلا هو، وذِكْرُ أنه (أحد) نفيٌ لمماثلة شيء له، وذكر أنه (صمد) إثباتٌ لكماله.



﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3]:

معاني الكلمات:

﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾: ليس بوالدٍ.

﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾: وليس بمولودٍ.



والمعنى: أن الله جل وعلا لكماله ليس له ولد: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 92]؛ أي: لا يصلح له، ولا يليق به لجلاله وعظمته، ولأنه الغني بذاته، الغني عن مخلوقاته، الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا يحتاج لأحد من خلقه، والخلق كلهم محتاجون إليه، واتخاذ الولد يدل على النقص والحاجة، ﴿ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وليس له والد؛ لأنه ليس شيء يُولَد إلا سيموتُ، والله تعالى حي لا يموت، أولٌ ليس قبله شيء، وآخر ليس بعده شيء، ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4].



﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]:

معاني الكلمات:

﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾: أي: ليس له مثيلٌ، ولا شبيهٌ، ولا نديد، ولا نظير، ولا عديل، ولا سَمِيٌّ، ولا وزير سبحانه وتعالى.



والمعنى: هذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]؛ فهو تعالى لا كُفْءَ له من خلقه، لا في أسمائه، ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى؛ لأن جميع الخلائق عبيد له، ولا يليق لأحد منهم أن يكون مثله؛ لأنه مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يُساميه؟ أو قريب يُدانيه؟ ولو كان ثَمَّ أحدٌ مثل الله عز وجل، لفسد الكون ونظامه، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ ﴾ [الأنبياء: 22] عما يصفه به الكافرون، ويُمثِّله به المُشبِّهون الظالمون.



مقاصد وموضوعات وفوائد من السورة:

1- سورة الإخلاص من أعظم سور القرآن الكريم، وقد مرَّ معنا أنها تعدل ثلث القرآن الكريم؛ لِما اشتملت عليه من وصف الرب جل وعلا بما هو أهله، وتوحيده، وتمجيده والثناء عليه، وبيان كمال أسمائه وصفاته وأفعاله وذاته عز وجل.



2- في هذه السورة الرد على كل من وصف الله عز وجل بصفات نقص، أو نسب له الصاحبة والولد، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.



3- أهمية الإخلاص لله عز وجل؛ لأن الله واحد أحد فرد صمد غني، ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4]، فلا يرضى أن يُشرَك معه غيره؛ عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغيَ به وجهه))؛ [رواه النسائي (3140)، وصححه الألباني].



4- وأختم القول بأن من سأل الله بأنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، استُجيب له، إذا توفرت الشروط، وانتفت الموانع؛ فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: لقد سألتَ الله بالاسم الأعظم، الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعيَ به أجاب))؛ [أخرجه أبو داود (1493)، والترمذي (3475) واللفظ له، والنسائي في السنن الكبرى (7666)، وابن ماجه (3857)، وأحمد (22965)، وصححه الألباني].



اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد - أن تغفر لنا ولوالدينا، وأن ترضى عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
...المزيد

أحاديث ثابتة في فضل الصيام في شهر شعبان ♦ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ...

أحاديث ثابتة في فضل الصيام في شهر شعبان


♦ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. [أخرجه البخاري (1969)].



♦ وعَنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" [أخرجه النسائي (2357)، وحسنه الألباني في صحيح النسائي (2356)].



وينبغي التنبه إلى ورود النهي عما يلي:



♦ الصيام في النصف الثاني من شعبان إلا لمن كان له عادة صوم، أو بدأ الصوم قبل منتصف الشهر، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا" [أخرجه أبو داود (2337)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].



♦ صيام آخر يوم أو يومين من شعبان احتياطا لرمضان إلا لمن كان له عادة صوم، أو بدأ الصوم قبل منتصف الشهر؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ" [أخرجه البخاري (1914)].



أحاديث منتشرة عن شهر شعبان ولا تصح[1]:

• حديث: (فضل شهر شعبان كفضلي على سائر الأنبياء).



• حديث: (إذا كانت ليلةُ النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها).



• حديث: (خمس ليالٍ لا تُردُّ فيهن الدعوة: أوَّل ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، وليلة الفِطر، وليلة النحر).



• حديث: (أتاني جبريل عليه السلام، فقال لي: هذه ليلة النِّصف من شعبان، ولله فيها عُتقاءُ من النار بعدد شَعر غنم كلب).



• حديث: (رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي).



• حديث: (مَن أحيا ليلتَي العيد، وليلةَ النصف من شعبان، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).



الدرجة: كلها لا تصح، وهي ما بين باطل، وموضوع، وضعيف.


[1] موقع الدرر السنية.
...المزيد

حرب "المصطلحات" ودور المسلم المعاصر فيها بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...

حرب "المصطلحات" ودور المسلم المعاصر فيها



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد:

فإن تغيير المصطلحات، وتسمية الأشياء بغير اسمها فتنة من أعظم الفتن، وتلبيس يلبس به إبليس وحزبه على الناس، ليوقعوهم في معصية ربهم سبحانه وتعالى.



وحتى تتضح جذور القضية فإنني أورد آيات من سورة البقرة تتحدث عن بداية خلق الإنسان، وأن الله سبحانه وتعالى علم آدم عليه السلام الأسماء كلها، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33]



ومن خلال قراءة الآيات السابقة نعرف أن الأمر ضارب في جذور التاريخ، وقديم قدم الإنسان نفسه، وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [سورة البقرة 31]، نجد أن خلاصة كلامهم -رحمهم الله تعالى- "أنَّ الله تعالى قد عَلَّم آدَمَ عليه السَّلام أسماءَ كلِّ شيء"[1]، فالله سبحانه وتعالى أظهر شرف آدم عليه السلام بأن علمه الأسماء الصحيحة للأشياء، ثم أمر الملائكة بالسجود له، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 34 - 36].



وجاء تفصيل ما وسوس به إبليس لأبينا آدم عليه السلام في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].



فالشيطان الرجيم - نعوذ بالله تعالى منه - لم يصرح لآدم عليه السلام أنه يريد منه أن يعصي الله سبحانه وتعالى، بل خادعه، وكذب عليه، وحلف له بالله تعالى أنه له ولزوجه ناصح، كما قال الله تَعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]، وأن نصيحته "الطيبة!" هي الأكل من ﴿ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].



تأملوا - رعاكم الله تعالى ووفقكم - في هذا الكلام الذي وسوس به الشيطان لآدم عليه السلام.



كذب صراح، وباطل محض، وقلب للحقائق، فالخلد في الجنة لا يكون إلا بطاعة الله عز وجل، وما يريده الشيطان من آدم هو حرمانه من ذلك الخلد في الجنة حسدًا، وعداوة، وبغضًا، ولخبث عدو الله وغشه وخداعه جاء بهذا الكلام المناقض للحقيقة والواقع، ووسوس بقول باطل لا أصل له، ولا برهان عليه، ولا دليل على صحته.



ولأن إبليس يعلم ذلك، أقسم بالله تعالى كاذبا ليغر آدم عليه السلام بذلك الحلف، وتعلم منه حزبه هذه الطريقة في الإفك، والدجل، والتزوير، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [المجادلة: 16].



وفي زماننا المعاصر عظمت فتنة الشيطان وحزبه، وضل عن سبيل الله تعالى خلق كثير، بسبب انتشار الفضائيات والانترنت وغيرهما من الوسائل الإعلامية التي تبث سمومها صباح مساء، وتنشر خَبَثَهَا في الليل والنهار بلا توقف، ولا انقطاع، ولا هوادة، فما هو دور المسلمين، والمسلمات المعاصرين في مواجهة هذه الفتن والبلاءات؟



معاشر الكرام:

إن المعركة بين الخير والشر قديمة عتيقة، وستدوم ما دامت الحياة الدنيا، وإن جهاد الباطل فرض على كل مسلم ومسلمة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ". [أخرجه أبو داود (2504) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه الألباني].



فهذا الحديث - وفقكم الله لمرضاته - لم يقصر جهاد الباطل على جهاد السنان، بل أشار أيضا إلى جهاد المال واللسان، وقد أمر ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار بالقرآن، فقال سبحانه: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، والخِطابُ في هذه الآية وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالحُكمُ شاملٌ لِأُمَّتِه [2]، والآية تدعو بوضوح إلى نُصرة الحَقِّ، وقمع الباطل، بكُلِّ الطاقة وبلا فُتورٍ [3]، فهي نصٌّ صريحٌ في أنَّ الدعوة إلى اللهِ تعالى، وإحقاق الحقِّ، وإبطال الباطلِ من أكبر أنواع الجهاد، وأشدها على أعداء الملة والدين، وأعظمها تأثيرا في نفوس العالمين [4].



ويخطئ كثير من الناس في ظنه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مختص بالعلماء، والصواب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم ومسلمة بحسب ما يعلمون من أحكام الشريعة.



ولذا، ينبغي على أهل الخير والصلاح التمسك بمصطلحات الكتاب والسنة، ورفض ما يقوم به أهل الباطل من تلبيس وتزييف، وإعلانها صريحة مدوية، عبر جميع وسائل الإعلام والتواصل التي يمكننا ربنا منها، "أننا نرفض تغيير مصطلحات الشريعة"، "وأننا نعتبر نصوص الإسلام خطا أحمر لا نرضى، ولا نقبل، ولا نسمح لأحد أن يقترب منه"، ومن ذلك أننا نرفض، وننكر، وبشدة:

• تسمية الربا فائدة.

• والزنا صداقة.

• والخمر مشروبات روحية.

• والحكم بغير ما أنزل الله تعالى ديمقراطية وتجديدًا.

• والإلحاد حداثة.

• والعلمانية تطورًا.

• والرأسمالية تقدمًا.

• والعصبية وطنية.

• والغناء والمجون فنا ونجومية.



وفي المقابل، نناهض، ونحارب، وبصرامة:

• تسمية الإيمان تخلفًا.

• والجهاد إرهابًا.

• والتمسك بالدين تطرفًا.

• والحجاب رجعية.

• والسنة بدعة.

• والحق باطلا.

• والخير شرًّا.

• والاستقامة تعقيدًا.

• والإصلاح إفسادًا.



وأننا نناضل ونتمسك وبقوة، بمصطلحات الدين والملة، مثل:

• الإسلام.

• والإيمان.

• والإحسان.

• والتوحيد.

• والسنة

• والبدعة

• والشرك.

• والكفر.

• والردة.

• والنفاق.

• والفسق.



وذلك لأن المصطلحات الشرعية لها معان ودلالات، وينبني عليها أحكام وجزاءات، فإذا غُيرت المصطلحات فسد الدين، والتبس الحق بالباطل، وأهدرت دماء وأموال معصومة، وعصمت دماء وأموال مهدرة؛ وفي تقرير ذلك يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "اعْلَمْ أَنَّ "مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ" هِيَ مِنْ مَسَائِلِ "الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ" الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ"[5].



ويقول الشيخ محمد المنجد مؤكدا ضرورة المحافظة على المسميات الصحيحة الموافقة لما جاء في الكتاب والسنة: "لقد وردت كلمة الكفر بمشتقاتها من "الكفر" و"الكافرين"، و"الكفار" و"الذين كفروا" في القرآن الكريم أكثر من أربعمائة مرة، ووردت لفظة الشرك بمشتقاتها "المشركين"، "والذين أشركوا" في القرآن أكثر من مائتي مرة، ووردت لفظة "النفاق"، ومشتقاتها "المنافقين"، و"الذين نافقوا" في القرآن أكثر من خمسين مرة، ووردت كلمة "اليهود" سبع مرات، و"النصارى" ثمان مرات، ولفظة "الكفار" أربعة عشر مرة، و"الكافرين" خمساً وخمسين مرة، وكذلك "الذين كفروا" مائة واثنين وخمسين مرة، وهكذا بهذه الألفاظ،



فيسمع المؤمن كلمة "كفر"، و"كافر"، و"كفار"، و"كافرين" بمجرد السماع قلبه ينطق بالكراهية لهؤلاء؛ لأنهم كفروا بالله، أشركوا به، سبوا الله، اعتقدوا في الله عز وجل عقيدة ضالة منحرفة، وهكذا تنبني أحكام ومواقف" [6].



وفي ختام هذا المقال فإننا نحذر من يتلاعبون بالمصطلحات، ويغيرون المسميات، ونخوفهم عقاب الله عز وجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ". [رواه ابن ماجه (4020) من حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3263)]، وفي الحديثِ: علم من أعلام النبوة، وفيه وعيد شديد [7] للمُفْسِدِينَ الذين يغيرون الألفاظ الشرعية، بالخسف، والمسخ، والعذاب في الدنيا، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 26].



والحاصل: أن دورنا في حرب المصطلحات يتمثل في قيامنا بما أمر به ربنا عز وجل من تعلم ما جاء في الكتاب والسنة، والعمل بمقتضى ذلك العلم، ونشره في أصقاع الدنيا بجميع الوسائل المتاحة، وأن نعلم أن مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى ليست مهمة فرد أو جماعة، بل هي مسؤولية أمة، وكلٌّ مُكَلَّفٌ بأن يقوم بها بحسب إمكاناته، وقدراته، واستطاعته مع أهمية التعاون على البر والتقوى؛ عملا بقول الله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]



والله تعالى أعلم.



اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [8].



اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا، اللَّهُمَّ وَنسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ [9].



والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] "نسَبه ابنُ تَيميَّة إلى الجمهور. كما في ((مجموع الفتاوى)) (7/ 94). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 222-223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 49)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/ 118-119). وممَّن قال من السَّلف بذلك: ابن عبَّاس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقَتادَة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 541)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/ 80)". [((التفسير المحرر)) للدرر السنية].

[2] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/ 286)، ((تفسير البيضاوي)) (4/ 127)، ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.

[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 470)، ((الوسيط)) للواحدي (3/ 343)، ((تفسير القرطبي)) (13/ 58)، ((تفسير ابن كثير)) (6/ 116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 584)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/ 64)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.

[4] يُنظر: ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.

[5] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (12/ 468).

[6] يُنظر: ((التلاعب بالمصطلحات الشرعية)) لمحمد المنجد، على الرابط التالي:

https://almunajjid.com/speeches/lessons/271

[7] يُنظر: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.

[8] عن سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". [أخرجه مسلم (770)].

[9] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ". [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].
...المزيد

رسالة لمن يحتفل بعيد الكريسمس أو يهنئ الكفار به بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على ...

رسالة لمن يحتفل بعيد الكريسمس أو يهنئ الكفار به


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد: فإن تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم حرام بإجماع المسلمين، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ. وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا قَدْرَ لِلدِّينِ عِنْدَهُ يَقَعُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ، فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ"[1].



ومن الأدلة التي تؤكد تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم ما يلي:

♦ قول الله تعالى ضمن آيات وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]، قال مجاهد في تفسيرها: إنها أعياد المشركين، وكذلك قال مثله الربيع بن أنس، والقاضي أبو يعلى، والضحاك، والآية تشمل كل باطل من قول أو فعل، وحضور أعياد المشركين من أعظم الباطل، والزور، والضلال.



وإذا كان الله تعالى قد مَدحَ تَرْكَ شُهودِ أعياد الكفار، الذي هو مجرد الحُضور برُؤيةٍ أو سَماع؛ فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك مِن العمل، الذي هو عَمل الزُّور لا مُجرَّد شُهودِه؟!" [2].



♦ حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال في يَوم فِطْرٍ أوْ أضْحًى: "إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وإنَّ عِيدَنَا هذا اليَوْمُ". [أخرجه البخاري (3931)].



♦ وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟". قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". [أخرجه أبو داود (1134)، وصححه الألباني].



وهذا دليلان ظاهران في النص على إقامة أعياد المسلمين، ووجوب هجران أعياد المشركين.



♦ حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنهما، قال: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟". قَالُوا: لَا. قَالَ: "هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ". قَالُوا: لَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ". [أخرجه أبو داود (3313)، وصححه الألباني].



وهذا حديث صريح في وجوب مفارقة أعياد الكفار، والبراءة منها.



♦ حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبَّهَ بقومٍ فهوَ منهم". [أخرجه أبو داود (4031) وقال عنه الألباني: حسن صحيح].



وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَشبَّهوا باليَهودِ والنَّصارَى". [أخرجه أحمد (8657)، وصححه أحمد شاكر].



ومن التشبه باليهود والنصارى: مشاركتهم أعيادهم، وتهنئتهم بها، والاحتفال في أيامها[3].



هذا، والنصارى يحتفلون في عيد الكريسمس بيوم مولد المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وعقيدتهم في المسيح عليه الصلاة والسلام تختلف على ثلاث طوائف:

1- أنه الرب.

2- أنه ابن الرب.

3- أنه أحد الثلاثة الذين يمثلون في مجموعهم الرب [4].

تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.



ولذا، فقد كثرت شواهد القرآن والسنة على تكفير اليهود والنصارى، وبيان بطلان عقائدهم، وتقرير أن الله تعالى واحدٌ أحدٌ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [سورة الشورى: 11].



ومن ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [سورة الإخلاص: 1-4].



وقوله عز وجل فيمن يفرق بين الرسل في الإيمان: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا * أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ﴾ [سورة النساء: 151].



وقوله سبحانه وتعالى في شأن النصارى الضالين: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾ [سورة المائدة: 72].



وقوله تعالى في بيان كفرهم، وإيضاح عقيدة التوحيد: ﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [سورة المائدة: 73].



وقوله سبحانه في ذكر ما يقول أعداؤه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾ [سورة التوبة: 30]



وقوله عز وجل فيمن يزعمون لله الولد: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [سورة مريم: 88-95].



وقد ثبت تكفير اليهود والنصارى في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ". [رواه مسلم (153)].



وختاما: فعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ". [أخرجه مسلم (28)].



ولذا، فإنا معاشر المسلمين نُشْهِدُ الله تعالى، وخلقه جميعا أنا نَشْهَدُ "أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ أَمَتِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ"، ونقول لجميع أصناف الكفار، وفرقهم، وطوائفهم: ﴿ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [سورة الممتحنة: 4].



اللهم ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [سورة الفاتحة: 6-7]، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


[1] أحكام أهل الذمة، لابن القيم، (ص: 441).

[2] تفسير ابن عاشور، (19/ 78)، وموقع الدرر السنية.

[3] موقع الدرر السنية.

[4] الميسر في تفسير القرآن الكريم، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف.
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً