مقتطفات نفيسة (53) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى- • حربنا مع ...

مقتطفات نفيسة (53) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى-


• حربنا مع اليهود ممتدة

فالمعركة مع اليهود معركة دينية ليست وطنية ولا قومية! ليست بسبب الأرض ولا التراب ولا الحدود! بل هي معركة تستمد شرعيّتها من الكتاب والسنة، لا من الشرعية الدولية ولا قوانينها الجاهلية، فالمسلم يقاتل اليهود لأنهم يهود كفروا بالله تعالى، وحاربوا أنبياءه وناصبوا المسلمين العداء، ولو لم يكنْ في تاريخ اليهود إلا قتلهم أنبياءنا والطعن فيهم، لكان ذلك سببا كافيا لقتالهم حتى لو لم يدنسوا الأقصى وفلسطين، فكيف وقد فعلوا كل ذلك وزادوا؟ ولذلك؛ فإن الحرب معهم ممتدة حتى "معركة الحجر والشجر"، ولن تنتهي الحرب مع اليهود بحل الدولة ولا الدولتين، كما يؤمن بذلك الوطنيون ويطمحون، بل هي حرب دينية عقدية ستستمر حتى نقتل دجالهم تحت لواء نبيِ الله عيسى -عليه السلام- وعد الله، والله لا يخلف الميعاد.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 517
السنة السابعة عشرة - الخميس 24 ربيع الآخر 1447 هـ
إنفوغرافيك العدد
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 517 الافتتاحية: • العبور إلى كامب ديفيد! من يقرأ بنود ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 517
الافتتاحية:

• العبور إلى كامب ديفيد!

من يقرأ بنود "قمة السلام" بنسختها الأمريكية الأخيرة في "شرم الشيخ" حول وقف الحرب في غزة؛ تعود به الذاكرة تلقائيا إلى مؤتمرات وقمم السلام الأولى بين "منظمة التحرير الفلسطينية" واليهود، التي كانت تنتهي على نحو مشابه، وكأنّ بعض البنود نُقلت حرفيا من نصوص الاتفاقيات السابقة.

وليس من قبيل المصادفة أن يختار رعاة الاتفاق الجاهلي، مدينة "شرم الشيخ" موقعا لعقد القمة وتوقيع الاتفاق، فالمدينة منذ "تحريرها" غدت قِبلة السلام مع اليهود! وساحة لنذر قرابين التعهد بحفظ أمنهم، ووجهة مفضلة لسياحهم، في سياق طبيعي لمفهوم "التحرير" في قاموس الوطنية على غرار "تحرير" دمشق وبغداد وكابل، وهلم جرا.

ولتنشيط ذاكرة القارئ قليلا، نذكّره بأن من جملة مؤتمرات السلام التي شهدتها المدينة؛ قمة السلام التي عُقدت قبل عقدين من الآن، بحضور الطاغوتين "عباس" و "شارون" وتمّ فيها الإعلان رسميا عن نهاية ما عُرف بـ "الانتفاضة" والتزام خطة "خارطة الطريق" للسلام؛ وهو ما رفضته حركات التحرُّر الوطني آنذاك في ذروة حماسها وعدته خيانة وتفريطا، بينما عادت إليه اليوم بخفي حنين في نفس المدينة وبرعاية نفس الأطراف الدولية، مضافا إليها تركيا "ذراع الغرب" الصليبي وقطر عرابة الترويض والاحتواء.

ومن تناقضات قمة الأكاذيب، أن يعد السفّاح ترامب أهل غزة بالسلام! وأن يحاضر "جزارُ الباب" عن الإعمار! وأن يتحدث فرعون مصر عن وقف الألم! وأن تقود بريطانيا صاحبة "وعد بلفور" ومعها فرنسا الحاقدة، جهود إعادة إعمار غزة، وكأن الغزاة التاريخيين خرجوا من الباب وعادوا من النافذة.

على خشبة مسرح السلام قال ترامب: "هذا فجر يوم تاريخي جديد للشرق الأوسط!". صحيح أن الفلسطينيين لطالما ترنّموا بفجر الحرية والتحرير؛ لكن هل كانوا يقصدون هذا "الفجر التاريخي" الذي يشيد به ترامب؟ أكان فجرا أم غسقا ينذر بأيام حالكة لشعب تائه يتلمّس الحرية في غير مظانها، ويتجرع باستمرار غصص التجارب والنكسات الوطنية المتعاقبة التي تشابهت نهاياتها، بعد أن تشابهت بداياتها وجذورها "الوطنية".

"قمة السلام" التي رعتها أمريكا وقطر ومصر وتركيا، وحضرها أكثر من 20 رئيس دولة؛ جاءت تطبيقا عمليا لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي رسمه اليهود والصليبيون بالمجازر والنار والحديد، بينما يصفق العالم اليوم لهذه القمة المخادعة، وينعتها بكل وقاحة بقمة السلام!

ولعل من أسوأ بنود هذه القمة -وكلها سيئة- كما نشرها البيت الأسود: "تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكالهما"، وهو ما أكده ترامب على نحو أوضح في خطابه أمام "الكنيست" اليهودي قائلا إن "غزة لن تشكل تهديدا مستقبليا لأمن إسرائيل!".

لقد سمعنا هذا الطرح من قبل، ضمن بنود "اتفاق السلام" بنسخته الأفغانية الذي بموجبه تسلمت طالبان الحكم و "تحررت كابل!"، ثم سمعناه مجددا في عهد "سوريا الجديدة" بعد تسلُّم الجولاني للحكم خلفا للأسد و "تحررت دمشق!"، وها نحن نسمعه مجددا في اتفاق غزة بمرحلته الأولى، فهل أصبحت "مشاريع التحرر" لا تنتهي إلا بهذه الخاتمة: "نبذ الإرهاب" وضمان الأمن اليهودي والصليبي؟! أم أن للقصة بقية كما يرددون؟!

إن الترجمة الحقيقية لقمّة "شرم الشيخ" هي التعهد بحماية أمن دويلة اليهود والتوبة والإقلاع عن مهاجمتها، والانخراط في تطبيع العلاقات معها، خصوصا أن حكومات عديدة كانت تنتظر توقف طوفان الدماء في غزة، لتُجري أنهار التطبيع والموالاة الرسمية والعلنية مع اليهود، ولا نعني بذلك طواغيت الخليج فحسب، لأن القائمة تطول.

وسواء تعثّرت "اتفاقية السلام" الجديدة أو تعمقت وترسخت وغرست أنيابها في الجسد الفلسطيني المثخن بالجراح والألم، فإننا نخاطب إخواننا المسلمين في فلسطين بخطاب التواصي بالصبر والحق والمرحمة، نذكّرهم بأن الله تعالى شرع لنا دينا قويما أتمّه وأكمله وأفرده، ونفى ما سواه وأبطله، وشرع لنا سبحانه الجهاد يحرسه ويذب عنه، فهذا هو طريق الخلاص فخوضوه كما يحب ويرضى سبحانه، واكفروا بكل ما سواه من دروب الجاهلية والوطنية فهي لن توصلكم سوى إلى مزيد من قمم الأوهام وما "أوسلو" وأخواتها عنكم ببعيد، وقد جاءت كلها بعد ثورات جاهلية لم يكن الإسلام فيها سبيلا ولا حلا وحيدا، فاسمعوا وعوا ولا تكرروا الوقوع في نفس الحفر، واعلموا أن صون الدماء ليس بمجرد وقفها، فقد تتوقف ولا تُصان! وإنما يكون صونها برهنها وجريانها على منهاج النبوة تحت راية الشريعة المحمدية.

وفي هذا الموطن والظرف العصيب، فإننا لا نعزي إخواننا المسلمين هناك بقتلاهم فحسب، لأن مصابهم الجلل بعد كل هذه الدماء في "الاتفاق المشؤوم" الذي -لو تم- فإنه يمهّد لحقبة جديدة من الغزو والوصاية الدولية بذريعة "تشكيل هيئة انتقالية لإدارة غزة" يديرها "مجلس سلام" يتنفس الرضا اليهودي ولا يخرج عنه شبرا.

وليس غريبا أن تنتهي مشاريع "المقاومة والتحرر الوطني" من أفغانستان مرورا بسوريا وصولا إلى فلسطين، باتفاقيات "التسوية والسلام ونبذ العنف" بوساطة أمريكية تُشكر على جهودها بعد أن كانت "شريكا في الإبادة!"، فعلى كل حال هذا هو الفرق بين طريق الجهاد وطرق "التحرر الوطني" التي استمر البعض عبثا يحاول إذابة الفوارق بينها، كما لم يكن مستبعدا ولا مستغربا أن ينتهي "العبور الأول" بنفس ما انتهى "العبور الثاني" بتواقيع ووعود أمريكية، وكأن الجيوش القومية والكتائب الوطنية تسير منذ "كامب ديفيد" الأول إلى "كامب ديفيد" آخر ولكن هذه المرة في "شرم الشيخ" أو "مدينة السلام" كما يسمونها.

بينما بقي المجاهدون الربيون الغرباء يشقون طريقهم بكل ثبات ويقين نحو خيبر ومكة وحطين، وهي قادمة لا محالة -بإذن الله تعالى- بعد هذا المخاض العسير الذي صار فيه الناس إلى "أكثرية" فقدت ثقتها بكل صور القتال ضد اليهود، و "طائفة" قليلة صابرة مؤمنة يهيئ الله لها الأسباب بحكمته لتقود رحى الحروب الدينية القادمة التي يردد فيها الحجر أو الشجر: (يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ).

إن عصا موسى -عليه السلام- معجزة خاصة بزمانه، وليس لأحد أن يرفعها ويشق بها البحر بحثا عن مخرج، فعصر المعجزات انتهى، وإنما أبقى الله لنا سيف نبيه -صلى الله عليه وسلم- مشرعا ومنهاجه باقيا وطريقه ممتدا إلى قيام الساعة، فهذا هو طريق العبور الوحيد يا شباب الإسلام، وما سواه فـ "كامب ديفيد" أو "أوسلو" أو "شرم الشيخ" تغيّرت الأسماء والنتيجة واحدة.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 517
السنة السابعة عشرة - الخميس 24 ربيع الآخر 1447 هـ
...المزيد

والزم جماعة المسلمين وإمامهم الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، والصلاة والسلام على حبيبه ...

والزم جماعة المسلمين وإمامهم

الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، والصلاة والسلام على حبيبه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

إنّ المتبصّر في كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم يدرك أنّ الشّارع عظّم أمر اجتماع كلمة المسلمين وحذّر من اختلاف كلمتهم؛ لما يترتّب على اجتماع كلمتهم من فوائد جليلة ومصالح عظيمة لجملة المسلمين، ولما يترتب على افتراقهم واختلاف كلمتهم من العواقب الوخيمة والمفاسد الكبيرة.

قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ..} [آل عمران:103]، قال الطّبري "رحمه الله": "يعني وتعلّقوا بأسباب الله جميعا، يريد بذلك تعالى ذكره، وتمسكوا بدين الله الّذي أمركم به وعهده الذي عهده إليكم في كتابه من الألفة والاجتماع على كلمة الحقّ والتّسليم ﻷمر الله"، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: {ولا تفرقوا..}:
"أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة"، وعن ابن مسعود "رضي الله عنه" أنه قال في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً..}: (قال: الجماعة)، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:

إنّ الجماعة حبل الله فاعتصموا
منه بعروته الوثقى لمن دانا

وقال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:105]، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: (أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله)، وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:4]، قال أهل التفسير في قوله تعالى: {كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}: أي ملتصق بعضه ببعض، قال قتادة "رحمه الله": (ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه، فكذلك الله عز وجل لا يحب أن يختلف أمره، وأن الله وصف المؤمنين في قتالهم وَصْفَهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله فإنّه عصمة لمن أخذ به)، وعن أكثم بن صيفي قال:(أقلّوا الخلاف على أمرائكم).

ولقد ذكر هذا الأمر أي الأمر باجتماع كلمة المسلمين والنهي عن تفرقهم واختلافهم متواترا في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في صحيح مسلم "رحمه الله" عن أبي هريرة "رضي الله عنه": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، وأن تناصحوا من ولى الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: (وهذا أمر بلزوم جماعة المسلمين وتألف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام)، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) [رواه الترمذي]، فتأمل أخي الحبيب، كيف أن الاجتماع هو مخالفة للشيطان، وكيف بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لزم جماعة المسلمين بالجنة.

وجاء في حديث العرباض بن سارية "رضي الله عنه وأرضاه" حيث قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي، فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ.) [رواه الترمذي]

قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: (كان يقال: خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله": (وَتَعْلَمُونَ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِمَاعِ الدِّينِ: تَأْلِيفَ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعَ الْكَلِمَةِ وَصَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}[الأنفال:1] وَيَقُولُ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103] ويقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف.

وأهل هذا الأصل: هم أهل الجماعة كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة.." انتهى.، واعلم أنّ الاجتماع والوحدة في حق المجاهدين أولى؛ ﻷن الجهاد عبادة جماعية لا يمكن بحال من الأحوال أن تؤتي أكلها الطيب بالتفرق؛ ففيه ذهاب ريح المؤمنين وتسلط الكافرين وتأخر النّصر وضياع طاقات المجاهدين وتشتت جهدهم، قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].

وكذلك فإنّ الجهاد باب عظيم من أبواب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فلابد له من شوكة وقوّة وتكاتف واجتماع، كما أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لابد له من تعاضد ونصرة وقوّة وإمارة حتى يتم كما يحبّ الله ويرضى، وإن لم يكن كذلك فلن تقوم للمسلمين قائمة.

واعلم أنّ خصومات المجاهدين ونزاعاتهم وفرقتهم واختلافهم مما يفرح أعداء الله، فحري بكل مجاهد أن يكون غيظاً لأعداء الله لا يفرحهم بشيء، ويكون لبنة في بناء صرح الخلافة القائم وأداة للمِّ الشّمل ووحدة الصّف أينما أقام، وليعلم أنّ ما يكره في الجماعة خير مما يحب في الفرقة، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة خير مما تحبون في الفرقة"، وقال قتادة رحمه الله: "إنّ الله عزّ وجلّ قد كره لكم الفرقة وقدّم إليكم فيها وحذّركموها ونهاكم عنها، ورضي لكم السّمع والطّاعة والألفة و الجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم".

ولهذا يجب على المسلم أن يمتثل أمر الله "عزّ وجلّ" ورسوله صلّى الله عليه وسلّم بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم فإنّ في ذلك الحصول على خيري الدّنيا والآخرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "رحمه الله": (إذا تفرّق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا فإنّ الجماعة رحمة والفرقة عذاب)..

نسأل الله تعالى أن يجعلنا بحبله متمسّكين، وعلى الحقّ أعوانا مؤتلفين، وللفرقة والتّشتت مجتنبين، ويصلح حال من استزله الشّيطان وفارق الجماعة لغضبة غضبها أو عصبية جاهلية اتبعها، أو تضليل من مفتٍ مضلٍّ منعه من الالتحاق بركبها أو ركون إلى الدّنيا الفانية شغله عنها..

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 162
الخميس 20 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

فوائد التقوى في الدنيا والآخرة (2) الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ...

فوائد التقوى في الدنيا والآخرة (2)

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

ذكرنا في العدد الماضي بعض فوائد التّقوى التي ذكرها الله في كتابه، ونكمل هنا بقيّة الفوائد:
ومنها محبة الله للمتّقين، قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4].

قال الإمام الطبري رحمه الله:" إنّ الله يحبّ من اتقاه بطاعته، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه". ا.هـ

ومنها أن المتّقين المؤمنين هم أولياء الله المبشَّرين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:63،62].

وقد اختلف أهل العلم في "البشرى"، التي بشّر الله بها المتّقين في الدّنيا على أقوال، والصّحيح أنها عامّة كما قال الإمام الطّبري رحمه الله:" وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره أخبر أنّ لأوليائه المتّقين البشرى في الحياة الدّنيا، ومن البشارة في الحياة الدّنيا الرؤيا الصّالحة يراها المسلم أو تُرى له ومنها بشرى الملائكة إيّاه عند خروج نفسه برحمة الله... ومنها: بشرى الله إيّاه ما وعده في كتابه، وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الثّواب الجزيل، كما قال جلّ ثناؤه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} الآية، [البقرة:25].

وكلّ هذه المعاني من بشرى الله إيّاه في الحياة الدّنيا بشّره بها، ولم يخصّص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك ممّا عمّه جلّ ثناؤه: أنّ {لهم البشرى في الحياة الدنيا}، وأما في الآخرة فالجنّة". ا. هـ


معية الله ونصرته لأهل التقوى

ومنها حصول معيّة الله ونصره وتأييده وَمَعُونَتِهِ لأهل التّقوى، قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل:128،127]، قال الطّبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره {إِنَّ اللَّهَ} يا محمّد {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن التّقدّم عليها {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه، والقيام بحقوقه، ولزوم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه". ا.هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: " أَيْ: مَعَهُمْ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ وَمَعُونَتِهِ" ا. هـ
وقال تعالى {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:19].
قال الطّبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: والله يلي من اتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه بكفايته، ودفاع من أراده بسوء، يقول جلّ ثناؤه لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام فكن من المتقين، يكفِكَ الله ما بغاك وكادك به هؤلاء المشركون، فإنه وليّ من اتّقاه، ولا يعظم عليك خلاف من خالف أمره وإن كثر عددهم، لأنّهم لن يضرّوك ما كان الله وليك وناصرك" ا. هـ

واشدد يديك بحبل الله معتصما
فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد فِي عواقبه
ويكفه شَرّ من عزّوا وَمن هانوا
من استعان بغير الله في طلب
فإن ناصره عجز وخذلان


إن الله ينجي المؤمنين من النار بتقواهم

ومنها النّجاة مما أعدّ الله تبارك وتعالى لأعدائه من العذاب والعقوبة، قال تعالى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا} [مريم: 72].

قال ابن كثير رحمه الله: " أي: إذا مر الخلائق كلهم على النار، وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي، بحسبهم، نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا" ا. هـ
وقال تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر:61]
قال الطّبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: وينجّي الله من جهنّم وعذابها، الذين اتّقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصِيه في الدّنيا، بمفازتهم: يعني بفوزهم" ا. هـ
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51].
قال ابن كثير رحمه الله: "{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أي: في الآخرة وهو الجنة، قد أمنوا فيها من الموت والخروج، ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب، ومن الشيطان وكيده، وسائر الآفات والمصائب". ا. هـ

ومنها أن كرامة الإنسان إنّما تحصل بتقواه لربّه، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
قال الإمام الطّبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: إن أكرمكم أيها النّاس عند ربكم، أشدّكم اتّقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة" ا. هـ
وقال ابن كثير رحمه الله:" أَيْ: إِنَّمَا تَتَفَاضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى لَا بِالْأَحْسَابِ" ا. هـ
وقد وردت الأحاديث الدالة على هذا المعنى ومنها ما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله، ابن نبي الله ابن خليل الله»، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني» قالوا: نعم، قال: «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا»
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»

أفلا تتفكر يا عبد الله! عَلَامَ تتفاخر بنسبك وهو ليس من كسبك؟
ولِمَ تتكبّر بصورتك وليست من صنَعَك؟
ولماذا تترفّع على النّاس بمالِك والله قد وهبه لك؟

وكما قيل:
ألا إنما التقوى هي العز والكرم
وحبك للدنيا هو الذل والعدم

صاحب التقوى يرزقه الله من حيث لم يحتسب
ومنها الخروج من الغمّ والمحنة وحصول الرّزق، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].
قال الطّبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: من يخفِ الله فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا بأن يعرّفه بأنّ ما قضى لا بدّ من أن يكون، وذلك أنّ المطلِّق إذا طلَّق، كما ندبه الله إليه للعدّة، ولم يراجعها في عدّتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه، جعل الله له مخرجًا فيما تتبعها نفسه، بأن جعل له السّبيل إلى خطبتها ونكاحها، ولو طلّقها ثلاثًا لم يكن له إلى ذلك سبيل.

وقوله: (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يقول: ويسبب له أسباب الرّزق من حيث لا يشعر، ولا يعلم" ا. هـ
وقال ابن كثير رحمه الله: " ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله" ا. هـ
ومنها تسهيل الله أمور المتّقين، كما قال تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4]
قال ابن كثير رحمه الله: " أي: يسهل له أمره، وييسره عليه، ويجعل له فرجا قريبا ومخرجا عاجلا" ا. هـ

فإذا كانت هذه فوائد التّقوى وثمارها فشمّر لها يا عبد الله واجتهد في أن تكون من الأتقياء.

واستجب لوصيّة ربّك ونبيّك صلّى الله عليه وسلّم بلزوم التّقوى فإنّه الفوز في الدّنيا والأخرى.
والحمد لله ربّ العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 162
الخميس 20 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

ولا يلقاها إلا الصابرون إن أعظم تجارة في الدنيا وأكبر صفقة يتعامل بها المرء هي بيع النفس لله ...

ولا يلقاها إلا الصابرون


إن أعظم تجارة في الدنيا وأكبر صفقة يتعامل بها المرء هي بيع النفس لله عز وجل، فيبيع المسلم نفسه برضى الله والجنة، فاشترى منك الكريم ما تفضل عليك به وكان الفارق بين الثمن المبذول والجزاء الذي ستجزى به أكبر من أن يقاس بمقياس ولا يستطيع الإنسان حسبته، قال تعالى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، فأي فضل وكرم من رب العزة والجلال وأي صفقة بيع رابحة هذه.

إلاّ أنّ الله يصطفي من عباده ويبتليهم ويختبرهم بالسرّاء والضرّاء حتى يعلم الصادقين من الكاذبين، وإن وعد الله للمؤمنين بالابتلاء قد سبق وعده بالنصر ولذلك قال الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة الأحزاب: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، فعلى المسلم أن يستعين بالصبر لإتمام صفقة البيع مع الله، ومن وعى وعلم صِغرَ الثمن وعِظَم الجزاء، كان حقاً عليه أن يستحيي من الله بأن يجزع عندما يحل به البلاء.

وقد كان من سنن الله في عباده بأن تتنوع مصادر البلاء وتختلف من رجل لآخر، فرجل يبتلى بأخيه وآخر يبتلى بنفسه أو بعدوه أو بشيء من مشاق الدنيا من برد أو جوع ونصب أو من كسر وبتر وكذلك قد يحل البلاء باختلاف وتنازع أو بخطأ من أحد إخوانك عليك، فذلك هو سبيل الأنبياء والصالحين، فمن يريد جنة الخلد والنعيم المقيم لا يتشرط على الله ولا يختار نوع البلاء الذي يحل به، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]

وإن المؤمن المتيقن بوعد الله ليستبشر بكل ما يلاقيه في سبيله، فهو يعلم أن مجرد صبره عمل صالح، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120].

ومن فضل الله وَجودهِ أن جعل العاقبة بقدر الصبر فلا يضيع عنده شيء سبحانه، فلما صبر نوح عليه السلام على دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، كان انتصار الله له من قومه الذين كذّبوه وعادوه وآذوه، أكبر من أي نصر آخر، فقد أباد الله أهل الأرض جميعا إلا من آمن معه وصدق برسالته.
وإنّ ما حل بجماعة المسلمين اليوم من ضيق وكرب وشدّة، له ما بعده، فإن نصر الله القادم بإذن الله سيكون أكبر من أي نصر سبقه وذلك بقدر البلاء والمحنة التي حلت بالمجاهدين وبقدر صبرهم وثباتهم مع ضعف حيلتهم وهوانهم على الناس، فوعد الله أصدق من كل شيء، فهو الذي وعد رسوله بالنصر والتمكين وقد خرج بعدها طريدا من مكة يلاحقه الكفار ليس له من الدنيا حيلة غير حفظ الله له فلم تمض بضع سنين حتى جاء نصر الله وفتحه ودخل الناس بجزيرة العرب في دين الله أفواجا.

فلا يستسلم المؤمن ولا ييأس من نصر الله مهما أظهرت له الحوادث والوقائع ومهما بلغ بينه وبين عدوه فارق القوى، فنصر الله يأتي حينما يشاء هو وحده سبحانه وبالكيفية التي يختارها، فأي أمل أكبر من أن يعدك ربك المدبّر للكون بالنّصر وأي قوة مهما بلغت عند الكافرين توازي شيئاً من جبروته، ومن تدبّر في أحوال من سبقه وكيف جاءهم نصر الله من حيث لم يحتسبوا وفي الوقت الذي ظنوا بأنهم قد هلكوا، حسن ظنّه بربّه وزاد من عزمه ويقينه.

قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله: "قد يتأخّر نصر الله، وقد تكون هزائم وجراحات في صفوفكم، وليس هذا بغريب، إذ تلك سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا، قال هرقل لأبي سفيان: (سألتك كيف كان قتالكم إياه -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- فزعمت أن الحرب سجال ودول، فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة)، إن أعظم ما تمتحنون به في قتالكم هو الصبر واليقين، اليقين بأن الله منجزٌ وعده، وناصرٌ جنده وحزبه ولو بعد حين، والصبر عند الشدائد فإن النصر مع الصّبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا، سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، أيّما أفضل للرجل: أن يُـمكن أو يـُـبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُـمكن حتى يُـبتلى".



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 162
الخميس 20 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

فوائد التقوى في الدنيا والآخرة الحمد لله الذي بشّر عباده المتّقين في كتابه ببشاراتٍ عديدة وجعل ...

فوائد التقوى في الدنيا والآخرة

الحمد لله الذي بشّر عباده المتّقين في كتابه ببشاراتٍ عديدة وجعل للتّقوى ثمرات وفوائد جليلة، والصّلاة والسّلام على إمام المتّقين وسيّد المرسلين وقدوة عباد الله الصّالحين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنّ الله سبحانه وتعالى بمنّه وكرمه على عباده، أرشدهم ودلّهم على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فدلّهم على طريق الخير المقرّب إلى رضوانه وجنّاته وحذّرهم من مسالك الشّر المؤدية إلى غضبه وعقابه.

قال تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:2]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55]،
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني تعالى ذكره بقوله: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} وكما فصّلنا لك في هذه السّورة من ابتدائها وفاتحتها، يا محمّد، إلى هذا الموضع حجّتَنا على المشركين من عبدة الأوثان وأدلّتَنا، وميَّزناها لك وبيَّناها، كذلك نفصِّل لك أعلامنا وأدلتنا في كل حقّ ينكره أهل الباطل من سائر أهل الملل غيرهم، فنبيّنها لك، حتى تبين حقه من باطله، وصحيحهُ من سقيمه" ا.هـ.

وقد أمرنا الله بالتّقوى فيما يزيد على التّسعين موضعًا في كتابه، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] وقوله: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنعام:72]،
وغير ذلك من الآيات.

وبيّن لنا أنّ لباس التّقوى خير لباس كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:26]،
قال الإمام الطبري رحمه الله: " وأولى الأقوال بالصّحة في تأويل قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى}، استشعار النفوس تقوى الله، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان، والعمل الصالح، والحياء، وخشية الله، والسمت الحسن، لأن من اتقى الله كان به مؤمنا، وبما أمره به عاملا ومنه خائفا، وله مراقبا، ومن أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا، ومن كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سمته وهديه، ورئيت عليه بهجة الإيمان ونوره" ا. هـ

وكما قيل:
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى
تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصيا

والتقوى فيها جماع الخير كله، وهي خير ما يستفيده الإنسان. وهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال رب العالمين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ} [النساء:131]. ووصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا لما بعثه إلى اليمن فقال: " يا معاذ: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وهو صحيح.
والتقوى كما قال طلق بن حبيب رحمه الله: هي العمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.

وقد تكلم السلف رحمهم الله عن التقوى وحقيقتها، ومن ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله في مدارجه حيث قال: "وقال بعض السلف: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس".

وقال: "وقال إبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضع. والعز في التقوى. والحرية في القناعة".

وقد ذكر الله لنا في كتابه المبين فوائد كثيرة وثمرات عديدة للتقوى، منها الفلاح والفوز ومضاعفة الثواب، والخلود في الجنان. قال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189].

قال ابن كثير رحمه الله:" أَيِ: اتَّقَوُا اللَّهَ فَافْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَاتْرُكُوا مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} غَدًا إِذَا وَقَفْتُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ عَلَى التَّمَامِ، وَالْكَمَالِ". ا.هـ.

وقال تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...} [البقرة: 212].

قال ابن كثير رحمه الله: "أخبر تعالى عن تزيينه الحياة الدنيا للكافرين الذين رضوا بها واطمأنوا إليها، وجمعوا الأموال ومنعوها عن مصارفها التي أمروا بها مما يرضي الله عنهم، وسخروا من الذين آمنوا الذين أعرضوا عنها، وأنفقوا ما حصل لهم منها في طاعة ربهم، وبذلوا ابتغاء وجه الله؛ فلهذا فازوا بالمقام الأسعد والحظ الأوفر يوم معادهم، فكانوا فوق أولئك في محشرهم ومنشرهم، ومسيرهم ومأواهم، فاستقروا في الدرجات في أعلى عليين، وخلد أولئك في الدركات في أسفل السافلين". ا. هـ

وقال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد} [آل عمران:15]. قال ابن كثير رحمه الله:" أي: قل يا محمد للناس: أأخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها، الذي هو زائل لا محالة. ثم أخبر عن ذلك، فقال: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أي: تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار، من أنواع الأشربة؛ من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
{خالدين فيها} أي: ماكثين فيها أبد الآباد، لا يبغون عنها حولا.
{وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} أي: من الدنس، والخبث، والأذى، والحيض، والنفاس، وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا.
{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: يَحِلُّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُهُ، فَلَا يَسْخَط عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ أَبَدًا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي بَرَاءَةٌ: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التَّوْبَةِ:72] أَيْ: أَعْظَمُ مِمَّا أَعْطَاهُمْ من النّعيم المقيم "ا.هـ

ومن فوائد التّقوى وثمارها التّوفيق للعلم والفهم، {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة:282]
قال القرطبي رحمه الله:" وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه، أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقانا، أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل" ا.هـ.
ومنها قبول الأعمال، قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة :27].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" أي من اتقاه في ذلك العمل؛ بأن يكون عملا صالحا خالصا لوجه الله تعالى وأن يكون موافقا للسنة. كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]. وكان عمر بن الخطاب يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا". ا. هـ

ومنها توفيق الله للمتقين بمعرفة الحق من الباطل وتكفير الذنوب وغفرانها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم}[الأنفال:29].

قال ابن كثير رحمه الله:" فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره، وفق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه -وهو محوها -وغفرها: سترها عن الناس - سببا لنيل ثواب الله الجزيل" ا.ه.

ومنها الحصول على رحمة الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156]،
قال ابن كثير رحمه الله:" وقوله: {للذين يتقون} أي: سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يتقون، أي: الشرك والعظائم من الذنوب".

والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 161
الخميس ١٣ ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: التطبيع إن من الرزايا التي ابتلي بها الناس في زماننا بعد تيسّر ...

الدولة الإسلامية - مقال: التطبيع


إن من الرزايا التي ابتلي بها الناس في زماننا بعد تيسّر التواصل وتداخل الثقافات، تبديل كثير من المصطلحات الشرعية في دين الإسلام، ونتيجة لذلك اختلطت المفاهيم لدى الناس وأثّرت على فهمهم لمقصود الشرع في هذا المسمى فلحق تغييره تبديل أحكام الشرع فيه، والتي تبنى على الفهم الخاطئ لهذا الاسم الجديد، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) [رواه أحمد]، وظهر مع تلك الأسماء تبعات لزمتها حيث أن فهم الناس، يقام على ما هو شائع اليوم عن هذا الاسم.

ومع كون بعض الأسماء تبدلت مع مرور الزمان من غير قصد إلا أننا اليوم صرنا أمام تبديل جارف، محاولة للتناغم مع العالم عرباً كانوا أم أعاجم ومسلمين كانوا أم كفار، فسمي الجهاد حصرا بالمقاومة أو النضال والكفاح، وتولي الكفار حسناً للجوار وسمي النصارى شركاء الوطن، واستبدلت الأسماء الشرعية للطواغيت والكفار والمرتدين بأسماء وأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان مما يضلل المسلمين عن حقيقة حكمهم الذي جاء صريحاً في القرآن والسنة.

فكان هذا التبديل سببا لانتشار الضلالات، وانحراف الجماعات وتغيير الحقائق، ولعلم الطواغيت بذلك فقد حرصوا عليه منذ زمن طويل فروجوا لتلك الأسماء الجديدة والمصطلحات الحادثة عن طريق وسائل إعلامهم ومناهج مدارسهم وغير ذلك، فكان مما زرع في عقول المسلمين مصطلح أطلقوا عليه (التطبيع) والمقصود منه تحويل الأمر إلى شيء طبيعي، ولا يستخدم هذا المصطلح عادةً إلا في العلاقة مع دولة اليهود، فمن أراد من الطواغيت إقامة علاقة معها بشكل علني وتحويل التعامل معهم إلى شكل طبيعي رمي بـ(التطبيع) والذي حرّف من مسماه الأصلي وهو الموالاة.

والإشكال هنا ليس في تغيير الاسم فقط إنما حُصر تجريم الموالاة على التعامل مع دولة اليهود فقط، أما غيرها من دول الكفار من يهود ونصارى ومجوس ومشركين، فلا إشكال في موالاتهم وإقامة العلاقة والتعاون معهم، بالرغم من طغيانهم على المسلمين وبلدانهم أكثر من اليهود واحتلوا ديارهم ودمروها وعاثوا فيها فسادا، كأميركا باحتلالها لأفغانستان والعراق والشام وكروسيا التي أرسلت جيوشها لدعم الطاغوت بشار وإيران التي تسعى لحرب أهل السنة في كثير من البلدان والصين التي أبادت المسلمين على أرضها وأجبرتهم على الكفر بالله بالحديد والنار.

فنتج عن ذلك أن زيارة لفريق رياضة أو غيره من دولة يهود إلى أحد دول الطواغيت جريمة لا تغتفر بينما فتح القواعد للصليبين لقصف المسلمين ودعمهم بمئات الملايين علناً لا مشكلة فيه، ولا منكر له إلا نزر يسير من الناس.

ونتيجة لمرور عدة عقود على تداول هذا المصطلح مع كل تبعاته، فقد تأصل في نفوس الناس، حتى ندُر من يعي فساده، ويدرك حجم تبعاته التي أثرت حتى على من سلك طريق القتال، فصار بعضهم يربط كل شيء في قتاله وحركاته وسكناته بقتال اليهود، بل صار حتى قتال النصارى فقط لكونهم يدعمون اليهود لا لمجرد كفرهم وحربهم للمسلمين المباشرة، فكانت توجيهاتهم بحصر القتال على فئة معينة قناعةً بهذا المفهوم أو رغبة في كسب ود العامة ممن تم إقناعهم مسبقا فيه وعقدوا عليه الولاء والبراء فخالفوا بذلك أمر الله القائل في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123] والحال أسوأ عند بقية التيارات التي لم تحمل السلاح كالإخوان المرتدين وغيرهم، ممن يتوددون للنصارى والمشركين وينشدون قربهم ويسعون لرضاهم منسلخين بذلك عن دينهم.

وقد يقال لما الإنكار على من يجرم (التطبيع) ما دام يصب في ذات المصلحة المقصودة وهي تجريم موالاة اليهود، فالمشكلة ليست لمجرد التسمية التي لا ضابط لها فقط إنما في التبعات الملازمة لها، فحصر (التطبيع) مع اليهود فقط فيه مفارقة كبيرة فمجرد اعتقاد ذلك هو (تطبيع) بحد ذاته مع الكفار من غير اليهود والذين ساوى شرع الله في موالاتهم {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

ولا يصلح حال هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، فالتمسك بالكتاب والسنة في كل شيء وعدم تغيير الأسماء ذات الدلائل الشرعية هو ما يجنّب المسلم طريق الضلال ويقي الأجيال من الانحراف، ويحفظهم من التباس المفاهيم وتضييع الأحكام، فليحذر المرء من تضليل الناس وتحريف دين الله لمحاولة كسب رضى الناس وتجنب ما يكرهون.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 161
الخميس ١٣ ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

عشاق النزال وإلى آساد الخلافة في ولاية الصومال، رجال الحرب عشاق النزال، لله دركم، فلقد شفيتم ...

عشاق النزال

وإلى آساد الخلافة في ولاية الصومال، رجال الحرب عشاق النزال، لله دركم، فلقد شفيتم صدور المؤمنين بعملياتكم المباركة وتصفية رؤوس الردة من الشرط وأفراد الجيش والأحزاب المرتدة، فواصلوا غاراتكم ولا تتركوهم يلتقطون الأنفاس، واجعلوهم عبرة لغيرهم من الأنجاس، فإن القادم -بإذن الله تعالى- أدهى وأمر.


• الشيخ أبو حمزة القرشي (تقبله الله تعالى)
من الكلمة الصوتية ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون )
...المزيد

سلسلة سؤال وجواب (4) • حكم دعاء غير الله تعالى؟ دعاء غير الله تعالى له عدة أقسام: • القسم ...

سلسلة سؤال وجواب (4)

• حكم دعاء غير الله تعالى؟

دعاء غير الله تعالى له عدة أقسام:

• القسم الأول: دعاء المخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، مثل أن يطلب من المخلوق أن ينزل غيثًا، وهذا شرك أكبر.

• القسم الثاني: أن يسأل غير الله تعالى بكمال الذل والخضوع والحب، فهذا شرك أكبر؛ لأن كمال الذل والخضوع لا يكون إلا لله تعالى.

• القسم الثالث: أن يدعو غائبًا عنه، وهذا شرك أكبر بالإجماع؛ لأن اتساع السمع لجميع المخلوقات والبعيد من خصائص الله تعالى.

• القسم الرابع: دعاء الأموات بتفريج الكربات وقضاء الحاجات، وهذا شرك أكبر.
...المزيد

مقال / هجر القرآن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين ...

مقال / هجر القرآن


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد:

لقد خلق الله الإنسان وأبدعه وسخر له ما في السماوات وما في الأرض واستخلفه فيها وحملة هذه الأمانة الثقيلة. ولم يترك ربنا سبحانه عباده هملاً فكلما ضل منهم جيل أرسل لهم من يعيدهم إلى الجادة ويعلمهم ويزكيهم من الأنبياء والرسل، قال تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] وكل نبي كان يؤتى من المعجزات ما على مثله آمن أتباعه وكانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله الكريم تلك المعجزة التي تحدّى الله بها الإنسَ والجنّ أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله فعجزوا جميعًا إنسهم وجنّهم، قال جل شأنه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء اتباعًا قال صلى الله عليه وسلم : (وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة) [أخرجه البخاري، ومسلم].

فكتاب الله هو حبله المتين وصراطه المستقيم من تمسّك به اهتدى ومن عمِل به أُجر ومن دعا إليه فقد دعا إلى صراط مستقيم، لا تختلط به الأهواء ولا يشبع منه العلماء ولا يَخلَق على كثرة الرد.
لقد بين ربنا سبحانه واجب المؤمن تجاه كتابه في أكثر من آية، فمن هذه الواجبات قراءته وتدبره والعمل به والتحاكم إليه والإيمان به وسماعه والإنصات له.

قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل:4]،{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة:4]، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29]، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف:3] {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10] وقال جل شأنه : {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف:204]، ولكن أكثر الناس أعرضوا وهجروا كتاب ربهم.

• ظاهرة هجر القرآن

لقد أخذ الله العهد على أهل الكتاب أن يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم فخاطبهم سبحانه بقوله : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[المائدة:68]، وكنا أيضًا - أمة أقران - مخاطبين بنفس الخطاب قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[المائدة:49]، فأما أهل الكتاب فنقضوا عهد الله من بعد ميثاقه فكانت العقوبة الربانية التي لا محيد عنها قال تعالى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }[المائدة14]، وابتلاهم الله بقسوة القلب، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}[الحديد:16]، ثم النهاية المحتومة في نفس الآية السابقة {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

وكذلك نحن إن سلكنا سبيلهم لابد أن نلقى جزاءهم فهي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتخلف، وقد ظهرت بين المسلمين ظاهرة هجر كتاب الله سبحانه على تفاوت بين الناس فمنهم من هجر قراءته ومنهم من هجر تدبره وأكثر الناس من هجر أهمّ واجب وهو التحاكم إليه واتباعه، ومن صور هجر القرآن:

أولاً: هجر الإيمان به.

وهذا أهم واجبٍ وأعظمُه ولا يقوم إسلام المرء وإيمانه إلا به، كيف لا وهو من أركان الإيمان قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:136]، والإيمان ليست كلمة تقال باللسان وإنما هو جهاد يحتاج إلى جهد، وأمانة ثقيلة ذات تكاليف وكما قال الحسن البصري رحمه الله:" ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتّمني ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل".

• ثانياً: هجر التحاكم إليه.

لقد ذم الله أناسًا في كتابه زعموا الإيمان والزعم يعني الكذب وذلك عندما أرادوا التحاكم لغير شرعه، قال الله جل شأنه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60]، وأخبر جل شأنه أن حال المؤمنين هو التسليم المطلق لحكم الله والرضا المطلق بما شرع ونفى الإيمان عن الذي لا يرضى بحكمه فقال جل وعلا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] وقال عز من قائل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].

• ثالثاً: هجر تدبر القرآن.

بين لنا ربُّنا في كتابه بيانًا محكمًا أنّ أهمَّ أغراض إنزال الكتاب العزيز هو تدبر آياته و التفكر فيها قال تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]، وقال المولى جل جلاله محرضا لنا على تدبر الكتاب الكريم: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }[محمد:24]، فالقلوب التي لا تتدبر كتاب الله قلوب مقفلة لا يدخل لها نور الإيمان ولا تنال من فيض النور إلا ما شاء الله، أما القلوب المتدبرة فهي التي تَحظَى بالنور المتجلّي من ثنايا الآيات البيّنات التي تزكّي الروحَ والعمر وتبارك العمل وتنمّي الإيمان وتعمر القلب بالتقوى والخشية، فترى المعرض عن تدبر آيات القرآن كئيبَ النفسِ ضيقَ الصدر مكفهِرَّ الوجه لا بركة في عُمُره ولا في ساعاته فهو على شفا الانهيار، وصدق سبحانه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} هذا في الدنيا أما في الآخرة {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:124].

شروط تدبر القرآن:
1- القلب الحي.
2- حضور السمع.
3- إعمال الفكر.

وقد جمعها الله في هذه الآية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].

قال ابن القيم رحمه الله كما في كتابه النافع (الفوائد): "فقوله تعالى لمن كان له قلب هو المحل القابل وهو القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي: حي القلب.
وقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي أصغى سمعه وحاسة سمعه وهذا شرط التأثر بالكلام.
وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي شاهد القلب غير غافل ولا لاهٍ عن الكلام وهذا إشارة إلى انتفاء المانع.
فإذا كان المحل قابلا والسمع مصغيًا والمانع من الفهم منتفيًا بحضور القلب والعقل، كان للتدبر تلك الفائدة العظيمة التي تنشرح بها الصدور وتنقاد بها الأبدان إلى طاعة الله فإن القلب إذا تأثّر فإن السلوك يتغير كما أن القلب إذا أصغى للباطل فإن القلب يرضى الباطل ثم بعد ذلك يأتي السلوك السيء قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113]،

فالواجب اغتنام الأوقات الطويلة في تدبر القرآن كما كان حال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم."

فهذه الأنواع من هجر كتاب الله قد ابتلي بها أكثر الناس ولا يسلم منها إلا من سلّمه الله سبحانه، فطوبى لمن رزقه الله العيش مع كتاب ربه سبحانه قارئًا ومتدبرًا وعاملاً.

• وصية للمرابطين

أمضوا أوقاتكم مع كلام ربكم تالين متدبرين ولْتعلموا أنكم من أجله تقاتلون وعنه تذودون ولتحكيمه تسعون فلا يكن حظ أحدكم من كلام ربه الوقت القليل فإن المحروم من حرم العيش مع كلام ربه ولا يحتجُّ أحدُكم بقلة الوقت، فإن وقت الفراغ كثير لمن تدبر كم يضيع من وقته، ولو قرأ الواحد ورقتين من كتاب الله بعد كل صلاة لأكمل جزءً كل يوم ومن أكثر كان خيرًا له.

والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 157
الخميس 14 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

الثمار اليانعة لمن داوم على الأعمال الصالحة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ...

الثمار اليانعة لمن داوم على الأعمال الصالحة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فليس يخفى على ذي بصيرة أَن هذه الدار ليست بدار مقر وإنما هي دار ممر، والناس فيها غرباء مسافرون والدار الْآخرة مقصَدُ سفرِهم، وزمان الحياة مقدار المسافة، ولكل إنسان عند الله عمر مقدر لا يزيد ولا ينقص وقد رغَّب الله الخلق ودعاهم إلى دار السلام وسعادة الأبد، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25]

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتَها، فإن مصيرها إلى فناءٍ وزوالٍ، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلاً إلى هلاكٍ وبَوَارٍ، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله التمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النَّعيم والكرامة التي أعدَّها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جِنانه وكرامته" ا.ه

وهذا السفر الذي نحن فيه لا يفضي إلى المقصد الأسمى والمطلب الأعلى إلا بزاد وهو التقوى ولذلك قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] فمن لم يتزود في دنياه لآخرته بالمواظبة على العبادة وانقضى عَلَيْهِ نفس من أنفاسه وَلم يتقرب لله فيه بِطَاعَة فَهُوَ مغبون لضياع ذَلِك النَّفَس فَإِنَّهُ لَا يعود قطّ.

أما من صرف عمره إِلَى دنياه فقد خَابَ سَعْيه وَضاع عمله كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[هود:15]، وقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا }[الإسراء:18]،
وَمن عمل لآخرته فَهُوَ الَّذِي أفلح سَعْيُه وحَسُنَ عمله كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:19].

ومن مقاصد الشرع في الأعمال المداومة عليها، قال تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23،22]،

وهي من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قل»

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يداومون على الطاعات ففي الصحيحين عن علقمة، قال: سألت أم المؤمنين عائشة، قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: «لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع».

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» قال سالم: فكان عبد الله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلا.

وفي صحيح مسلم: "وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه". وفي رواية له:" وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته"

وما من شيء عمله النبي صلى الله عليه وسلم ولزِمه إلا كانت له ثمرات، إذاً فما هي ثمرات المداومة على العمل الصالح وإن قل؟

اعلم أخي المبارك أن المداومة على الأعمال الصالحة لها ثمرات كثيرة وفضائل عديدة، وأعظم تلك الثمرات أنها سبب لدخول الجنة.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (عند صلاة الفجر يا بلال فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» قال: ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي " قال أبو عبد الله: «دف نعليك يعني تحريك»


ومن ثمرات المداومة على العمل الصالح أنها سبب لمحبة الله تعالى لصاحبها، ودوام اتصال قلوبهم بربهم ومولاهم الذي يرشدهم إلى الخير ويدلهم عليه ويثبتهم على الحق ويهديهم إليه.

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه.

والشاهد من الحديث حين قال: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

ومن ثمراتها أنها سبب للنجاة من الكرب والشدائد في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144،143].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: {فَلَوْلا أَنَّهُ} يعني يونس {كَانَ مِنَ} المصَلِّينَ لله قبل البلاء الذي ابتُلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه". ا.ه

وقد جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدة"، ورواه الترمذي بمعناه وقال: "هذا حديث حسن صحيح".

فيا عبد الله تذكر وأنت في الرخاء أن الدنيا دار بلاء فتزود من الطاعات في الرخاء ما يعينك الله به على الثبات في أيام الشدة والبلاء.

ومن هذه الثمار أن العبد إذا كان يداوم على العمل الصالح، ثم عرض له عذر من مرضٍ أو سفر، كُتِب له ما كان يعمل حال صحته وإقامته.

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا»

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها".

ومن هذه الثمرات أنها سبب لتكفير الخطايا والسيئات.

كما في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (رأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا)، ومعنى الدَّرَنُ: الْوَسَخُ.

ومنها أن المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحُسْن الخاتمة، كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك غير مبدلين ولا مغيرين والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 157
الخميس 14 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

مقال / ساحة واحدة عندما خلف أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ...

مقال / ساحة واحدة


عندما خلف أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مماته كان من أول أموره تسيير جيش أسامة رضي الله عنه إلى أطراف الشام، مع ما كان يحيط بالمدينة من خطر بعد ردة أكثر العرب، إلا أن إيمان أبي بكر رضي الله عنه رجح بكفة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنفاذ جيشه الذي عقد لواءه دون تردد وغلّبه على غيره من المصالح، فكان في ذلك خير عظيم للمسلمين وقد أدى هذا الأمر لتخويف المرتدين من العرب ففعل بهم الخوف ما لا تفعله الجيوش وردهم عن غزو المدينة وتخطف المسلمين فيها مع قلتهم وقالوا لو كانوا قلة ما بعثوا جيش أسامة.

وفعل الصدّيق الذي وفقه الله له فيه قاعدة عامة في كل صراع بين الأمم وهو أن القتال مع العدو في مجمله يصب في سياق واحد فكل نصر أو تحرك في أي بقعة من الأرض أو زمن من الأزمان مؤثر في غيره ولو بعد عنه زماناً ومكاناً، وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل فقد نصر بالرعب مسيرة شهر فيغزوا القوم فيخافه آخرون وينزلون له أو يطلبون السلامة منه، وكذا كان فتح مكة فقد كان لغزوة بدر وأحد والأحزاب أثر واضح فيها فلم تقم قريش إلى قتال المسلمين بل طلبوا السلامة واستسلموا لدخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة بالقوة بعد أن منعوهم منها قبل أشهر عندما جاؤوا معتمرين.

إنما يكون ذلك كله بأمره الله ووفق سننه وتقديره، وعلى هذا السياق أمر ربنا سبحانه نبيه بالإثخان في الكفار والمشركين بادئ الأمر ليكون ذلك رادعا ومرعبا لهم قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، فالتداول بين الحق والباطل قدّره الله لحكم كثيرة يعلمها سبحانه {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

وفي زماننا هذا أصبح العالم أكثر تقاربا والمعلومات والأخبار أسرع وأكثر انتشارا، وكانت سنة الله في عباده ظاهره، فقد عمل المجاهدون في العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق بكل وسيلة يملكونها فيكسبون معركة ويخسرون أخرى ويميلون على الكفار والمرتدين تارة ويمال عليهم تارة أخرى فلا زمن ولا مكان واضح للمعارك، ومع ذلك فخلال سنوات قليلة فتح الله لعباده فأعلنوا دولة العراق الإسلامية على رقعة من الأرض كتبها الله لهم، لم يكن لهم يد ظاهرة باختيارها، وبعد ذلك ابتلى الله المجاهدين مرة أخرى فعادوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك ولكن في رقعة ونطاق عمل أوسع وأكبر وكذلك كان الزمن أمد وأطول، حتى فتح الله لهم بعدها فتحاً أشمل وأكبر فلم يكن فتح الموصل في مجرد أيام قليلة، بل يسر الله للمجاهدين التوطئة لذلك الفتح بسنين طويلة من النكاية في الكفار فقد فتحت الموصل بعد أمر الله بغزوات الأسير في بغداد وصولات المجاهدين في الأنبار والجزيرة وهجومهم على سامراء فملأ صليلُ صوارمِ المجاهدين نفوس المرتدين هلعا ورعبا، ففروا مدحورين لا يلوون على شيء.

وأما اليوم فميدان الجهاد أكبر والحرب مع الكفار أشد وأكثر استعارا، فإن كان العمل فيما مضى متوزع على أرجاء العراق ثم في بعض مدن الشام وكان بعد ذلك ما كان من فتح وتمكين، فالميدان اليوم هو العالم بأسره والحرب على الكفار قائمة على جميع الأصعدة فأسود الخلافة في جبال خراسان وأدغال الصومال وفرسانها في غابات غرب إفريقية وجزر شرق آسيا وصحراء سيناء وتلال اليمن كما أكمل جندها الأوفياء مسيرهم من أرض الملاحم في الشام وأهل السبق في العراق بل حتى ديار الكفار التي كانت بعيدة عن ميادين الصراع يلهث أهلها خلف دنياهم التي بنوها على جماجم المسلمين، أصبحوا اليوم في خوف ورعب من سيارة تدهسهم أو من نار تحرق ممتلكاتهم وتبث الخوف في نفوسهم أو أسد من أسود الإسلام يلاحقهم بأي سلاح يسره الله له.

وهذه الملاحم العظام والحرب المستعرة على أعداء الله لها ما بعدها، فلم يسبق للمجاهدين في الأزمنة المتأخرة أن ساروا خلف حكم واحد وببيعة لإمام يسوس أمورهم كما هو الحال اليوم، وإننا نحسن الظن بالله بأن الفتح القادم سيكون أضعاف ما مضى وأهل الكفر حينها أذل وأقل حيلة بإذن الله، فاصبروا يا جنود الخلافة واثبتوا واعلموا أن كل طلقة أو عملية يقوم بها أحدكم في أي وقت وصقع من الأرض فهي لبنة في صرح دولة الإسلام فلا تحقروا من عملكم شيئا ولا تستهينوا بأي معركة فمجرد ثباتكم فيه إضعاف لأمم الكفر، واعلموا أنما أنتم وإخوانكم في كل مكان في ساحة واحدة، وإنما حالنا مع أعدائنا كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 157
الخميس 14 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً