وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين أيُّها المسلمون؛ إنكم أقوياء، وإن أمريكا وحلفاءها وروسيا وجميع ...

وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين


أيُّها المسلمون؛ إنكم أقوياء، وإن أمريكا وحلفاءها وروسيا وجميع أمم الكفر أمام المجاهدين ضعفاء.
أما قال لكم ربكم عز وجل:
{ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }. [النساء 76]

أو ما وعدكم ربكم عز وجل بهزيمتهم ونصركم إن قاتلتموهم:
{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْ‌كُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ‌ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [التوبة 14]


فعجبًا عجبًا لمن كان مؤمنًا يتلو هذه الآيات كيف يضعف أو يجبن أو يهين أو يلين؟
عجبًا لمن يؤمن بها كيف يرضى بالدون أو يساوم؟
عجبًا لمن يؤمن بها كيف يصانع الكفر أو يسالم؟
عجبًا لكم أيها المسلمون!
عجبًا لكم علام تخافون؟!
أو ليس معكم رب العزة؟
أو لم يقل أن لكم العزة؟
{ وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَ‌سُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـ?كِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [المنافقون 8].

ألم يقل لكم أنكم الأعلون؟
أفلا تقرؤون؟
أفلا تؤمنون؟


− الشيخ أبو محمد العدناني (تقبله الله تعالى)
من كلمته الصوتية: { قُل للَّذِینَ كَفَرُوا سَتُغلَبُونَ }
...المزيد

إنما الحياة الدنيا لعب ولهو (3) (خالصةً يومَ القيامة) الحمد لله الذي جعل نعيم الدنيا الزائل ...

إنما الحياة الدنيا لعب ولهو (3)


(خالصةً يومَ القيامة)

الحمد لله الذي جعل نعيم الدنيا الزائل للناس أجمعين المسلمين منهم والكافرين، وخص نعيم الآخرة الدائم لعباده الموحدين السائرين على نهج النبي الأمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين وصحابته المجاهدين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد قال تعالى مبينا اشتراك الناس في نعيم الدنيا واختصاص المؤمنين الصادقين بنعيم الآخرة: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 32].

قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب، والملابس، من تلقاء نفسه، من غير شرع من الله: {قُلْ} يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية، أي: هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا، وإن شركهم فيها الكفار حسا في الدنيا، فهي لهم خاصة يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحد من الكفار، فإن الجنة محرمة على الكافرين" [التفسير].
فإن الكفار مع ما هم فيه من النعم في هذه الحياة الدنيا ليس لهم حظ في الآخرة إلا النار، كما قال تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 176].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني بذلك جل ثناؤه: يريد الله أن لا يجعل لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر نصيبًا في ثواب الآخرة، فلذلك خذلهم فسارعوا فيه، ثم أخبر أنهم مع حرمانهم ما حرموا من ثواب الآخرة، لهم عذاب عظيم في الآخرة، وذلك عذابُ النار" [التفسير].

ولذلك فلا تغتر بما هم فيه من المتاع القليل وإن حسبته كثيرا فهو زائل وفان وكل ما كان كذلك فهو قليل وإن ظهر أنه كثير قال تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 196 - 198]، قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: لا تنظروا إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه، من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا، وجميع ما هم فيه {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}" [التفسير].

أما الموحدون الصابرون الثابتون الذين لم يتركوا جهادهم ونصرتهم ولم يخضعوا لعدوهم ولم يرتدوا عن دينهم فلهم ثواب الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 - 148].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني بذلك تعالى ذكره: فأعطى الله الذين وصفهم بما وصفهم، من الصبر على طاعة الله بعد مقتل أنبيائهم، وعلى جهاد عدوهم، والاستعانة بالله في أمورهم، واقتفائهم مناهج إمامهم على ما أبلوا في الله، {ثَوَابَ الدُّنْيَا}، يعني: جزاء في الدنيا، وذلك: النصرُ على عدوهم وعدو الله، والظفرُ، والفتح عليهم، والتمكين لهم في البلاد {وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ}، يعني: وخير جزاء الآخرة على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة، وذلك: الجنة ونعيمها" [التفسير].

وقال ابن تيمية رحمه الله: "ثم أخبر سبحانه أن جماعة كثيرة من أنبيائه قتلوا، وقتل معهم أتباع لهم كثيرون، فما وهن من بقي منهم، لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا ...بل تلقوا الشهادة بالقوة والعزيمة والإقدام... أعزة كراما مقبلين غير مدبرين" [مجموع الفتاوى].

وقال رحمه الله: "لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان تقصير في حق، أو تجاوز لحد، وأن النصر منوط بالطاعة، {قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا}، ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم، ونصرها على أعدائهم، فسألوه ما يعلمون أنه بيده دونهم، وأنه إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يثبتوا، ولم ينتصروا" [مجموع الفتاوى].

أيها المؤمنون إن الدنيا عند الله حقيرة هينة ومن هوانها أنها أهون من جيفة جدي أسك صغير الأذنين، وأقل من جناح البعوضة، ولذلك لم يجعلها الله تعالى جزاء لأوليائه المؤمنين به المصدقين لرسله المجاهدين في سبيله بل جعل جزاءهم جنة عرضها السماوات والأرض.

وفي المقابل لم يجعل العذاب فيها هو الخزي الوحيد لأعدائه كما قال الله عن المنافقين: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101]، قال غير واحد من العلماء: "المرة الأولى في الدنيا والثانية في البرزخ، {ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} في الآخرة" [مجموع الفتاوى].

وقال عن الكفار: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]، بل لولا فتنة الناس واغترارهم لجعل الله الدنيا بأسرها للكفار كما قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 33، 35].

قال القرطبي رحمه الله: "قال العلماء: ذكر حقارة الدنيا وقلة خطرها، وأنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة ودرجها ذهبا وفضة لولا غلبة حب الدنيا على القلوب، فيحمل ذلك على الكفر" [التفسير].

وقال ابن كثير رحمه الله: " أي: لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] أَيْ: سلالم ودرجا من فضة ...{عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}، أَيْ: يَصْعَدُونَ" [التفسير].

فنعلم من هذا أن المؤمن وإن فاته شيء من النصر والظفر فإنه لم يخسر بل الفوز الكبير هو ثباته على دينه وعقيدته وتقديمه الحياة الباقية على الدنيا الفانية ولكل مؤمن عبرة وعظة في قصة أصحاب الأخدود وكيف سمّى الله ثباتهم على دينهم -مع كونهم لم ينالوا من حظوظ الدنيا شيئا- بالفوز الكبير.

وأخبر في سورة الصف أن الثبات على الإيمان ومراغمة الكفار سبب في الغفران ودخول الجنان وأن هذا هو الفوز العظيم فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 10 - 12]، ثم عطف على الفوز العظيم أمرا آخر يحبه الناس فقال: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [الصف: 13].

فإياك أخي الموحد أن تكون ممن قال الله فيهم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 18].

بل احرص على أن تكون ممن قال الله فيهم: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19].

قال ابن القيم رحمه الله: "والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا، والإخبار بخستها، وقلتها وانقطاعها، وسرعة فنائها. والترغيب في الآخرة، والإخبار بشرفها ودوامها. فإذا أراد الله بعبد خيرا أقام في قلبه شاهدا يعاين به حقيقة الدنيا والآخرة. ويؤثر منهما ما هو أولى بالإيثار" [المدارج].

فاسعوا إلى الجنات والمساكن الطيبات والدرجات العاليات والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 180
الخميس 27 شعبان 1440 ه‍ـ
...المزيد

إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين (2) - الأهداف وتتعدد أهداف المجاهدين من استخدام هذا ...

إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين (2)


- الأهداف

وتتعدد أهداف المجاهدين من استخدام هذا الأسلوب (التكتيك) في حربهم الطويلة الأمد ضد الكافرين، وخاصة في مرحلة القتال بنمط العصابات السابق للتمكين، ومن الأهداف ما هو مباشر يتحقق خلال ساعات الغزوة، ومنه ما يتحقق على المدى المتوسط والبعيد، وخاصة مع تكرار هذا الأسلوب مرات عديدة، وتوزيع الهجمات على مناطق واسعة.


- النكاية والغنيمة

فمن أهم الأهداف المباشرة، تحقيق النكاية في العدو وأنصاره من خلال أسرهم وقتلهم واغتنام أموالهم أو إتلافها، وذلك لإضعاف قوتهم ودفعهم إلى ترك قتال المجاهدين وتوبة المرتدين من ردتهم.

ومنها أيضا أخذ أموال الكفار بالفيء والغنيمة، وتأمين احتياجات المجاهدين من السلاح والعتاد والوقود والآليات والغذاء والدواء والأموال، وغيرها، وخاصة في حال صعوبة تأمين هذه الاحتياجات بسبب ضعف ذات يدهم أو فرض أعدائهم الحصار عليهم، عندها يكون التموّن من العدو وأنصاره هو الوسيلة الأفضل والأكثر بركة بإذن الله تعالى.


- فكاك الأسرى

ومنها أيضا فكاك أسر المسلمين، المحتجزين في سجون العدو أو مخافره ومراكزه الأمنية، عن طريق اقتحامها وهدم أسوارها وكسر أقفالها، أو أسر عدد من قادة العدو وجنوده وأنصاره، بما يمكن من فداء الأسرى بهم، أو حتى إتلاف المستمسكات التي تُدينهم والموجودة في المراكز الأمنية والمحاكم الطاغوتية، مما يسهّل -بإذن الله تعالى- إغلاق القضايا المفتوحة لهم في تلك المحاكم، بسبب انعدام الأدلة عليهم.


- الاستفزاز

وكذلك فقد يكون الهدف من اقتحام قرية أو بلدة ما ومهاجمة العدو فيها، استفزاز العدو لإرسال قوات من المناطق المجاورة لإنقاذ جنوده الذين يطلبون النجدة منه، حيث سيكون في انتظار الإمدادات كمائن المجاهدين وعبواتهم على الطرقات لتفتك بهم، وتوقع فيهم أكبر الخسائر، وبتكرار عملية الاستفزاز والفخاخ مرات عديدة، يصبح العدو في حيرة من أمره بين الاندفاع لإنقاذ قواته التي تتعرض للهجوم، وبين أمن قواته التي سيرسلها للإنقاذ والتي قد تقع في كمائن قاتلة، حتى يصل إلى مرحلة امتناع أي موقع للعدو عن تقديم الدعم والإسناد للمواقع المجاورة، والطلب من كل موقع الاعتماد على نفسه، حينها قد يلجأ الجنود للهروب من المواقع أو الاستسلام عند تعرضهم لهجوم يرونه يفوق طاقتهم على الدفاع، في ظل يأسهم من قدوم أي مؤازرة صديقة لمساندتهم.

وقد يكون الاستفزاز أبعد مدى من هذا، وذلك حين يتحصن العدو في مواقعه، ويتنقل بحذر شديد بينها، ويمتنع عن الدخول إلى المناطق التي يسهل على المجاهدين اصطياده فيها، وعند ذلك يمكن لهم استفزازه باقتحام القرى والبلدات ذات الحماية الضعيفة، وتحقيق النكاية في جنوده وأتباعه، واتخاذ ذلك وسيلة لإذلاله وتمريغ أنفه في التراب، مما قد يدفعه إلى الخروج من حصونه لملاحقة المجاهدين، وطلب الثأر منهم، والاندفاع بغير احتراس نحو مناطق خطرة، يكون المجاهدون قد أحسنوا تمهيدها بالعبوات وحقول الألغام والكمائن وتمركزات القناصين وصائدي الدروع، ليدخل في محرقة لجنوده وآلياته لا يخرج منها إلا بخسائر كبيرة، ويعود لحصونه مثخنا بالجراح، عازما على أن لا يعود لملاحقة المجاهدين مرة أخرى، مما يتيح لهم حرية حركة أكبر في مناطق عملهم، ومن ثم تكرار استفزازه بشكل أكبر لدفعه مجددا على الحركة الخطرة.


- تثبيت العدو

وبالعكس من ذلك تماما، فيمكن أن يكون هدف المجاهدين من مهاجمة القرى والبلدات، إجبار العدو على تثبيت قوات كبيرة فيها، للدفاع عنها وحماية مصالحه وطرق إمداده وأنصاره، وتبرز أهمية هذا في حال رغبة العدو تنفيذ هجوم على مواقع المجاهدين، وذلك بحرمانه من قسم كبير من طاقة جيشه التي ستصرف على حماية أهداف قد تكون قليلة الأهمية، وخاصة عندما يكرر المجاهدون اقتحام قرى وبلدات في مناطق متباعدة، عندها يُجبر العدو على توزيع قواته على مناطق واسعة، لتخوفه من حدوث اختراق في أي مكان، والأفضل أن يختار المجاهدون لأهدافهم مناطق بعيدة عن التي يتوقعون أن يهجم العدو منها، كي لا يستفيد العدو من القوات التي يخصصها للدفاع عن القرى والبلدات في الإسناد والمؤازرة عند الحاجة.


- كبت المنافقين ونصرة المؤمنين

ومن أهداف هذه الغزوات كسر شوكة المرتدين، ورفع همم المسلمين، فالمنافقون حين يرون من المجاهدين ضعفا، وللطواغيت وجيوشهم ظهورا، فإنهم يندفعون باتجاه الردة، بالانتماء إلى جيوش الكفر، ومظاهرتهم على المسلمين، والتجسس لصالحهم على المجاهدين، وكذلك فإنهم يُمعنون في إيذاء المسلمين وأهاليهم وخاصة ممن هم في صفوف المجاهدين أو يناصروهم، في حين أن كثيرا من أهل الإيمان في هذه المرحلة يفرض عليهم الذلة والاستضعاف، ويتردد كثير منهم عن اللحاق بالمجاهدين مخافة أن يصيبه وأهله الضرر.

ولذلك فإن المجاهدين عندما يقتحمون على المنافقين والمرتدين مناطقهم، ويقومون باعتقال رؤوسهم، وينكلون في المرتدين، ويتلفون أموالهم التي لأجلها ارتدوا عن دين الله تعالى، وكذلك يُرونهم عجز جيوش الطواغيت عن حمايتهم، فإن هذا سيدفع من سلم منهم من بطش المجاهدين إلى ترك ما هم عليه، وربما يقودهم إلى التوبة من الكفر، في حين يقوّي من عزائم المسلمين، ويشفي صدورهم ممن ظلمهم، ويعينهم على تقوية إيمانهم بنصر الله تعالى لهم ولإخوانهم، وجهاد أعدائهم.
وهذا الأمر مهم جدا ليس في إبعاد الناس عن الردة وجذبهم إلى الإسلام والجهاد فحسب، ولكن له دور كبير أيضا في إضعاف جيش العدو، بتقليل معدلات انضمام المقاتلين من سكان المنطقة إلى صفوفه، وكذلك كل أوجه التعاون الأخرى من تقديم المعلومات أو الإمدادات، وذلك خشية من عقاب المجاهدين لمن يرتد عن دين الله تعالى بذلك، وفي نفس الوقت تشجيع المسلمين على إعانة المجاهدين، عندما يرون قوتهم وقدرتهم على هزيمة أعدائهم بإذن الله تعالى، ويقينهم بانتصارهم عليهم.


- التمهيد للتمكين

وكذلك فإن هذا الأسلوب في القتال قد يجعله الله تعالى سببا لحصول التمكين للمجاهدين في الأرض، وذلك بعد تكرار تنفيذه مرات كثيرة في مناطق متعددة، فإن العدو يحاول بادئا تغطية كل المناطق، بشكل دائم أو على سبيل توفير النجدات المتأهبة للدخول في معركة ضد المجاهدين في أي منطقة يظهرون فيها، حيث يبدي جيشه بدايةً نشاطا في هذا الباب.

ولكن مع تكرار الأمر، وتعاظم الخسائر الكبيرة في صفوفه، يصبح من الواجب على الجيش المفاضلة بين المناطق بحسب درجة أهميتها بالنسبة إليه أو للمجاهدين، فينتهي أولا الارتباط بين قطع الجيش الموجودة في المناطق المتجاورة، بأن تصبح كل منطقة مسؤولة عن أمنها، وذلك لخطورة تنقل القوات بين المناطق أثناء الهجمات عليها.

ثم يضطر إلى تقديم الحفاظ على المناطق التي يهمّه جدا الحفاظ عليها أو منع المجاهدين من السيطرة عليها، وترك المناطق الأخرى بشكل جزئي، بحيث يفقد السيطرة عليها في أوقات معينة (خلال الليل مثلا) أو أطول من ذلك بحيث يقتصر وجوده على لحظات عابرة يُثبت وجوده فيها من خلال أرتال كبيرة يجول بها بين المناطق التي فقد السيطرة الكاملة عليها، وهو متوقع أن يتجنب المجاهدون الاشتباك معه فيها مؤقتا، فإذا ما تلقى بعض الضربات الموجعة، أو انشغل بأمر آخر، ترك هذه المناطق كليا، وتحولت إلى مناطق خالية من السيطرة، مما يمهد لتمكن المجاهدين فيها بإذن الله تعالى.

فهذه بعض من الأهداف المهمة التي قد يسعى المجاهدون لتحقيقها من خلال السيطرة المؤقتة على المناطق، وسنبحث في المقال القادم بإذن الله تعالى في طرق تنفيذ هذا الأسلوب من القتال، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 180
الخميس 27 شعبان 1440 ه‍ـ
...المزيد

في المنشط والمكره والعسر واليسر يا أمير المؤمنين بيّن ربنا تبارك وتعالى التلازم بين النصر ...

في المنشط والمكره والعسر واليسر يا أمير المؤمنين


بيّن ربنا تبارك وتعالى التلازم بين النصر والفتوح التي يمن بها على المسلمين وبين دخول الناس أفواجا في هذا الدين، كما في قوله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْہُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3]، وبالمثل فإن كثيرا منهم تتقلب قلوبهم مع تقلب الأحوال، فإن دخل المسلمون في محنة اعترى قلوبهم المرض، حتى باتوا يرون الفساد صلاحا، والخسران فلاحا، وهكذا كان حالهم مع الدولة الإسلامية خلال السنوات الخمس الماضية.

فعندما ظهر أمير المؤمنين في جامع الموصل بعد إعلان الخلافة ليبشر المسلمين بهذا الفتح المبين، وخطب فيهم خطبته المشهورة، وأمّ بالصلاة أمراء جيشه وطلبة العلم من جنوده وغيرهم من المجاهدين والرعية، في مظهر من أعظم مظاهر العز والتمكين لهذه الأمة المباركة، التفتت إلى الدولة الإسلامية القلوب والأبصار، ولهجت بذكر محامدها الألسن، وترقبت المزيد من فتوحاتها الأبصار.

وكان مما قال فيها محرضا نفسه وإخوانه: "وإن أردتم موعود الله، فجاهدوا في سبيل الله، وحرّضوا المؤمنين، واصبروا على تلك المشقّة، ولو علمتم ما في الجهاد مِن الأجر والكرامة والرفعة والعزة في الدنيا والآخرة، لَمَا قعد أو تخلّف منكم أحد عن الجهاد، فهو التجارة التي دلّ الله عليها، وأنجى بها مِن الخزي، وألحق بها الكرامة في الدارَين".

ولم يدر الكثيرون أن تلك الخطبة المباركة كانت التمهيد للدخول في واحدة من أكبر الحروب التي عرفها التاريخ بين أمة الإسلام وأمة الصليب ومن تولّاها من المشركين والمرتدين، لتنطلق على إثرها الحملة الصليبية الدولية التي شارك فيها قرابة 80 دولة، وحشدت لها القواعد العسكرية وحاملات الطائرات، لتصب حممها على جنود الخلافة في كل مكان وبالأخص في العراق والشام، وتنفذ أكثر من 35 ألف غارة جوية مستخدمة فيها أكثر من 120 ألف قذيفة وصاروخ لتدمر ما استطاعت من ديار الإسلام وتقتل من قدرت عليه من المسلمين.

حينها فقط أدرك أولئك حقيقة أنه وكما أن التمكين والخلافة لم يتحققا بالأحلام الجميلة والأماني الرقيقة، ولكن بالأشلاء والدماء، والأسر والكسر والبتر، والهجرة والتهجير، فكذلك لا يمكن الحفاظ على دين الله تعالى قائما في الأرض من غير بذل الكثير من العرق والأرق والدم والهدم، ولما ضعفت نفوسهم عن تحمل ذلك، ولوا مدبرين، وشعارهم أنهم كانوا عن تكاليف إقامة الدين وتبعاته غافلين.

واليوم ظهر أمير المؤمنين بين جمع من إخوانه يذكرهم ونفسه ومن بلغ من المسلمين بالصبر والثبات على هذا الطريق، مذكرا بعظيم فعال المجاهدين في الباغوز وغيرها من ديار الإسلام التي ثبت فيها المجاهدون ثبات الجبال، وضربوا في الصبر والنضال أعظم مثال، ويحرض على النهوض من جديد لحمل الراية من بعد أولئك السادة الأفذاذ، الذين ذكرهم في حديثه والذين لا يضرهم -كما نحسبهم- ألا يذكرهم أحد من العالمين، وإعظام النكاية في المشركين عامة والصليبيين منهم خاصة، ثارا للمسلمين، وسعيا لتطهير البلاد من الشرك، وإقامة الدين بين العالمين.

وشكر -أعانه الله تعالى على إقامة الدين- لمن استجاب لدعوته للنكاية في المشركين والمرتدين ثأرا للمسلمين في الشام في ساعة العسرة، ومن أطاع الله تعالى بدخوله في جماعة المسلمين ببيعته لإمامها، في وقت الفتنة والمحنة، سائلا الله تعالى لهم أن يعينهم على الوفاء بما عاهدوا الله تعالى عليه من السمع والطاعة في العسر والمكره، كما كانوا يسمعون ويطيعون في اليسر والمنشط.

ونسأل الله تعالى أن يجعل في ثبات المجاهدين على طاعة الله تعالى كفارة لذنوبهم، بوفاءهم بالعهد، وصبرهم على الضر، وجهادهم لعدوهم رغم القلة والضعف، وأن يرزقهم الثبات على ذلك أبدا، كما فعل مع أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام في أشد الظروف وأشق الأحوال، وأن يجعلهم ممن قال تعالى فيهم: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 180
الخميس 27 شعبان 1440 ه‍ـ
...المزيد

مقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو (2) (كونوا أبناء الآخرة) الحمد لله سامع السر والنجوى وكاشف ...

مقال: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو (2)

(كونوا أبناء الآخرة)

الحمد لله سامع السر والنجوى وكاشف الضر والبلوى الذي وفّق عباده المؤمنين لإيثار الآخرة على الأولى والصلاة والسلام على نبي الهدى وعلى آله وصحبه مصابيح الدجى ومن بإحسان تبعهم واقتفى، أما بعد:

فإن كل عاقل لبيب يقدم الباقي على الفاني، ويرغب في الدائم ويعزف عن الزائل، وقد بين الله في كتابه لعباده أن الدار الآخرة خير من الحياة الفانية فقال سبحانه: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول: ولدار الآخرة خير لَهُمْ مِنْ دَارِ الدُّنْيا، وكرامة الله التي أعدّها لهم فيها أعظم من كرامته التي عجلها لهم في الدنيا" [التفسير].

وبيّن أن أجرها أكبر فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: 41].

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول: ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه في الآخرة أكبر، لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد" [التفسير].

ومع ذلك فإن أكثر الناس بهذه الحياة الفانية متمسكون، وعن الحياة الباقية معرضون كما أخبر رب العالمين بقوله: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17].

وقد عاتب الله تعالى الراضين بالدنيا من المؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]، قال الإمام الطبري رحمه الله: "وقوله: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ)، يقول جل ثناؤه، أرضيتم بحظ الدنيا والدّعة فيها، عوضًا من نعيم الآخرة، وما عند الله للمتقين في جنانه {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ}، يقول: فما الذي يستمتع به المتمتعون في الدنيا من عيشها ولذَّاتها في نعيم الآخرة والكرامة التي أعدَّها الله لأوليائه وأهل طاعته {إِلَّا قَلِيلٌ}، يسير، يقول لهم: فاطلبوا، أيها المؤمنون، نعيم الآخرة، وشرف الكرامة التي عند الله لأوليائه، بطاعتِه والمسارعة إلى الإجابة إلى أمره في النفير لجهاد عدوِّه". [تفسير الطبري].

وقال ابن كثير رحمه الله: "هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ} أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} أي: ما لكم فعلتم هكذا أرضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة؟ ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة، فقال: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ}" [التفسير].

وحقّر الله تعالى من شأن الدنيا فقال سبحانه: "{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} قال ابن كثير رحمه الله:" وَقَوْلُهُ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} تصغيرا لشأن الدنيا، وتحقيرا لأمرها، وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة" [التفسير].

وفي صحيح مسلم عن المستورد بن شداد، أخي بني فهر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار يحيى بالسبابة- في اليم، فلينظر بم ترجع؟).

قال النووي رحمه الله: "ومعنى الحديث ما الدنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الآخرة ودوام لذاتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالأصبع إلى باقي البحر" [شرح مسلم].
وضرب الله في كتابه الأمثلة المبينة لسرعة انقضائها وزوالها فبينا هي متزينة لطلابها تزهر بنضارتها لتستهوي القلوب كزهرة جميلة فتّانة تخدع الناظر إليها لا تلبث إلا برهة حتى تذبل فتتلاشى تلك النضارة ويضمحل ذلك الجمال لتصبح يابسة تفرقها الرياح كأنها لم تكن هكذا مثل الحياة الدنيا قال تعالى مبينا ذلك بأوجز عبارة وأوضح مقالة: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: 45].

وقال ابن رجب رحمه الله: "فما عيبت الدنيا بأكثر من ذكر فنائها وتقلب أحوالها وهو أدل دليل على انقضائها وزوالها فتتبدل صحتها بالسقم ووجودها بالعدم وشبيبتها بالهرم ونعيمها بالبؤس وحياتها بالموت فتفارق الأجسام النفوس وعمارتها بالخراب واجتماعها بفرقة الأحباب وكل ما فوق التراب تراب" [لطائف المعارف].

ولذلك فقد زهد العارفون في الدنيا وطلبوا الآخرة وعملوا لها وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم من أزهد الناس فيها فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فأثر في جنبه، فلما استيقظ، جعلت أمسح جنبه، فقلت: يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما لي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة، ثم راح وتركها) [رواه أحمد].

ولذا فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من فتنتها ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء).

قال النووي رحمه الله:" هكذا هو في جميع النسخ فاتقوا الدنيا ومعناه تجنبوا الافتتان بها وبالنساء وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن وأكثرهن فتنة الزوجات ودوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن ومعنى الدنيا خضرة حلوة يحتمل أن المراد به شيئان أحدهما حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة فإن النفوس تطلبها طلبا حثيثا فكذا الدنيا والثاني سرعة فنائها كالشيء الأخضر في هذين الوصفين ومعنى مستخلفكم فيها جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم فينظر هل تعملون بطاعته أم بمعصيته وشهواتكم" [شرح مسلم].

أيها المسلمون إن الحياة الدنيا مهما بلغ شأن زخرفها وزينتها فإنه لا يزن ذرة من نعيم الدار الآخرة وملذاتها فإياكم والافتتان فيها فإنه عين ما خافه نبيكم صلى الله عليه وسلم عليكم. ففي الصحيحين أن أبا عبيدة قدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء)، قالوا: أجل يا رسول الله، قال: (فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم) وفي رواية: (وتلهيكم كما ألهتهم).

وإن القليل مما أعده الله للمؤمنين المجاهدين في سبيله خير من الدنيا وما فيها ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لروحة في سبيل الله، أو غدوة، خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد -يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها).

أيها المؤمنون اسعوا لأن تكونوا من أبناء الآخرة العاملين لها كما أوصاكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل" [رواه البخاري]، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 179
الخميس 20 شعبان 1440 ه‍ـ
...المزيد

إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين (1) - تعريف شهدت الفترة الماضية غزوات عدة لمجاهدي ...

إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين (1)

- تعريف

شهدت الفترة الماضية غزوات عدة لمجاهدي الدولة الإسلامية -التي وفقهم الله تعالى لها- على قرى وبلدات في مناطق مختلفة، تمكن خلالها المجاهدون من السيطرة المؤقتة عليها، لتحقيق أهداف محددة سلفا، ثم الانسحاب من المنطقة، قبل تمكن قوات العدو من الوصول إليها لاستنقاذ جنودها أو أنصارها.

وقد رأينا مثل هذه العمليات في كل من ليبيا وغرب إفريقية والعراق على وجه الخصوص، وهذا الأسلوب ليس جديدا، إذ لطالما استخدمه المجاهدون في فترات عدم التمكين، وسيبقى أسلوبا في غاية القوة بيد المجاهدين في فترات حرب العصابات التي يخوضونها ضد الكفار والمرتدين، تمهيدا للسيطرة الدائمة على الأرض والدخول في حرب جبهات للدفاع عنها عند الضرورة.


- وصف الأسلوب

ويعتمد هذا الأسلوب على مفاجأة قوات العدو في مناطق ضعيفة، يمكن تأمين تفوق في القوة للمجاهدين فيها، واقتحام قرية أو أكثر أو إحدى البلدات أو المدن، بحسب طاقة المجاهدين، ومن ثم ضرب أو تحييد قوة العدو داخلها، بما يمكّن المجاهدين من التحرك داخل المنطقة بحرية، وتحقيق أهدافهم من الغزوة، خلال ساعات قليلة، ثم الانسحاب من موقع الهجوم، مع تجنب الدخول في معركة حاسمة ضد العدو، والسعي لتجنب الخسائر في صفوف المجاهدين قدر الإمكان.

أما طريقة التنفيذ وكذلك المدى الزماني والمكاني، فهي أمور تختلف بحسب طبيعة المنطقة، وحال العدو فيها من حيث الانتباه والقوة والانتشار والقدرة على الرد، وحال المجاهدين من حيث الإمكانات المادية والبشرية، والخبرات في التخطيط والتنفيذ، وكذلك فإنها تخضع للمرحلة التي بلغها الصراع بين المجاهدين وأعدائهم.


- الظهور والتلاشي

فمن ناحية الطريقة، وجدنا المجاهدين في الفترات الابتدائية لحرب العصابات، والتي لا يكون لهم فيها أي منطقة تصلح منطلقا للهجمات أو موئلا آمنا للركون إليها، يخرجون إلى الشوارع في أوقات محددة، وهم مسلّحون بما يتوفر بأيديهم من سلاح يمكنهم إخفاؤه بعد انتهاء عملهم، ملثمون لا يرتدون من اللباس إلا ما شابه ثياب أهل المنطقة، ليسهل عليهم التخفي عند الحاجة لذلك، فينتشرون في المنطقة، ويسيطرون عليها بشكل كامل أو جزئي لساعات قليلة، وينفذون هدف انتشارهم، ثم وعند تلقيهم الأمر بالانسحاب يبدؤون بالتلاشي والذوبان، دون أن يعثر عدوهم على آثارهم فيما بعد.

فهذه الطريقة يمكن للمجاهدين تنفيذها في حال كان لديهم قوة داخل المنطقة، وكان بالإمكان لديهم الاختفاء بعد انتهاء العمل وتحقيق أهدافه مباشرة، دون أن يتعرضوا لخطر المداهمة والاعتقال من قبل العدو الذي قد يقوم بحملات تمشيط كبيرة فور انسحاب المجاهدين منها للعثور على المجاهدين المنفذين للسيطرة المؤقتة على المنطقة.


- التسلل والتمويه والكسر

وكذلك رأيناهم في بعض الحالات يتسللون خلال الليل إلى المناطق التي يضعف تواجد العدو فيها، وخاصة في الأرياف المعزولة، ليقوموا بتمشيط إحدى القرى بعدد قليل من المجاهدين، لاعتقال المطلوبين، واغتنام أموال المرتدين، أو إتلافها، ثم الانحياز من المنطقة بعد تحقيق أهدافهم، دون أن يتركوا آثارا تتيح لقوات العدو تعقبهم واعتقالهم، ويمكن تنفيذ هذا بأن يظهر المجاهدون أنفسهم، أو يتخذوا من مظهر العدو نفسه غطاء لهم.

ورأيناهم في غزوة حديثة الشهيرة التي وثقها إصدار (صليل الصوارم 2) يقتحمون المدينة من مداخلها بغطاء قوات سوات المرتدة، ويسيطرون على معظم أجزائها، حيث حققوا فيها عددا من الأهداف، قبل أن ينحازوا منها إلى الصحراء خلال ساعات.

في حين أنهم عمدوا في بعض الحالات إلى كسر خطوط الصد القوية حول المدن والأرياف، والدخول إليها عنوة، لضرب نقاط قوة العدو داخلها، والسيطرة بذلك على المنطقة في ظل الصدمة التي تصيب العدو، ثم الانسحاب قبل أن يستعيد العدو وعيه، ويعيد ترتيب صفوفه، أو يستجلب قوات إسناد من خارج منطقته لاستعادة السيطرة.

- المداهمات الأمنية

وفي حالات أخرى فإن اقتحامات المجاهدين للمناطق تأخذ شكل المداهمات التي تقوم بها الشرطة أو الأجهزة الأمنية، حيث تكون دفاعات العدو في المنطقة ضعيفة للغاية أو غير موجودة، مما يسهل على المجاهدين الدخول إلى المنطقة والتجول فيها بحرية خلال ساعات معينة، وتنفيذ كل أهدافهم دون مقاومة كبيرة من المرتدين، ثم الانسحاب إلى حيث أتوا قبل أن تتمكن قوات العدو الفاعلة من الوصول إلى المنطقة، إن كان في نيتها الحضور أصلا.
وهذا ما رأيناه في هجمات الإخوة في ليبيا على البلدات المعزولة في مناطق الجنوب الليبي، والتي لا تحدث فيها سوى اشتباكات قليلة مع بعض رجال الشرطة والأمن، تنتهي بقتلهم والسيطرة على مقرّاتهم، ثم التفرغ لمداهمة ما تبقى من المرتدين في المنطقة داخل منازلهم لاعتقالهم أو قتلهم، وكذلك أخذ كل ما يمكن من الغنائم، وإتلاف أموال المرتدين التي لا يمكن نقلها، ثم العودة إلى الصحراء مجددا، لضرب منطقة أخرى، أو العودة لضرب المنطقة نفسها في حال أراد المجاهدون ذلك وتيسرت لهم الإمكانيات.


- مدى الغزوة

أما بالنسبة لمدى الغزوة الزماني، فيقصد به مدة سيطرة المجاهدين على المنطقة بعد اقتحامها، وهذا يتوقف على قوة المجاهدين وقوة عدوهم، فقد يضيق الوقت جدا قبل أن تحضر قوات العدو الكبيرة، وتحاول تطويق الإخوة وإجبارهم على الدخول في معركة تصادمية ليست في صالح المجاهدين، وقد يطول هذا الأمر خاصة في المناطق المعزولة التي ستتأخر قوات العدو قبل الوصول إليها، وقد يكون الخيار بيد المجاهدين تماما إن أيقنوا أن لا إمكانية لوصول قوات العدو البرية إلى المكان، مع إمكانية تدخل الطيران في حال بقاء المجاهدين فيها، والذين ليس في مخططهم البقاء فيها، فيعتمد الأمر على هدفهم.

وكذلك فإن المدى المكاني للغزوة يتعلق أساسا بقدرة المجاهدين على الانتشار وتغطية المساحات الواسعة، وهكذا يتفاوت مدى الغزوات بين قرية صغيرة أو بلدة أو حي من مدينة أو مدينة كاملة.

كما أن المدى قد يتغير خلال الغزوة بحسب درجة مقاومة العدو، وسرعة تقدم المجاهدين، حيث قد يغلب على ظن الأمير أن انهيار العدو السريع يساعد على تحقيق تقدم أكبر، مع احتمال ضعيف لوجود خطة استدراج من قبل العدو، ووجود الطريق الآمن للانسحاب ومنع التطويق.

ويمكننا أن نضرب مثالا على ذلك بما حدث في مدينة الموصل، مع الخلاف بأن هدف الهجوم عليها كان السيطرة وليس فقط توجيه ضربة للعدو داخلها ثم الانسحاب، حيث أدى انهيار الجيش الرافضي والقوات الأمنية إلى اتخاذ المجاهدين فورا القرار بتوسيع الهجوم ليشمل الجانب الأيسر من المدينة ثم ملاحقة فلول العدو الهاربة.

فهكذا يمكن أن يكون هدف المجاهدين الأساسي عزل جزء من المدينة والسيطرة عليه مؤقتا لتنفيذ بعض الأهداف، ولكنهم قد يجدون خلال عملية الاقتحام للحي أن العدو انهار في أحياء مجاورة أو انسحب من المدينة كلها، ويكون لدى المجاهدين من القوة ما يمكنهم من توسيع نطاق الهجوم، والاستفادة من عامل المفاجأة والارتباك في صفوف العدو، واستثمار الوقت الذي سيحتاجه قبل ترتيب صفوفه للقيام بهجوم مضاد، في عملية سيطرة مؤقتة على كامل المناطق التي انسحب منها العدو، وتحقيق أقصى ما يمكن من الأهداف فيها، قبل الانسحاب منها تجنبا للدخول في معركة تصادمية مع قوات العدو القادمة لاستعادة السيطرة على الوضع.

وسنبحث في المقال القادم -بإذن الله- في أهداف هذا النوع من الهجمات السريعة، لتتبين بذلك فائدتها الكبيرة للمجاهدين، مع الإشارة إلى بعض الأمثلة المناسبة للغرض، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 179
الخميس 20 شعبان 1440 ه‍ـ
...المزيد

مقال: فسوف يأتي الله بقوم استغنى الله سبحانه وتعالى عن عباده في كل شيء، ومن ذلك استغناؤه عنهم ...

مقال: فسوف يأتي الله بقوم


استغنى الله سبحانه وتعالى عن عباده في كل شيء، ومن ذلك استغناؤه عنهم في نصرة دين الإسلام والعمل على إقامته في الأرض، فهو القادر جلّ جلاله أن يهدي حين يشاء وحيث يشاء عبادا له ويصطفيهم للقيام بواجب طاعته والعمل في مرضاته.

فالناس جميعا فقراء إليه تبارك في علاه، وهو الغني عنهم أجمعين، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، حتى يقدروا على نفعه بالعمل لدينه، أو الإضرار به بالتولي عن ذلك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وحذّر تقدّست أسماؤه عباده من التولي عن الطاعة، مبيّنا أنهم الخاسرون بهذا، لأنه قادر على أن يجعل مكانهم أقواما آخرين يعملون بطاعته ويقومون بأوامره، فقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

ولقد رأينا مصداق هذا الأمر كثيرا في هذا الجهاد المبارك، إذ يبعث الله تعالى في كل حين طوائف من عباده تنصر دينه وتعمل لإقامته في الأرض، في الوقت الذي تزيغ فيه قلوب عباد مضى لهم في طريق الجهاد سنين، إما لشهوات دنيوية رانت على قلوبهم فأنستهم ذكر ربهم، فمكنوا الشيطان بذلك من أنفسهم، أو لشبهات دينية استولت على عقولهم حتى ضلوا بها عن سواء السبيل، والسعيد من أسعده الله بالثبات على الطريق من بعد الهداية إليه، حتى نيل الجائزة التي أعدها الله تعالى لمن ختم حياته بالسير عليه، جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين.

ولقد أرانا ربنا تعالى في الأيام الماضيات أعمالا مباركة قام بها فتية آمنوا بربهم، فهداهم إلى القيام بأحب الأعمال إليه وهو الجهاد في سبيله، وختم لهم بالشهادة، نحسبهم كما ذكرنا ولا نزكي على الله أحدا، بعد أن زيّنوا تلك الأعمال الصالحات بالدخول في جماعة المسلمين، ببيعتهم لإمامها الشيخ المجاهد أبي بكر البغدادي، في الوقت الذي ظن الكفار والمرتدون أنهم قضوا على الدولة الإسلامية، بتدمير ديار الإسلام، وقتل سكانها، وأسر بعض مجاهديها.

وليست العمليات المباركة في سريلانكا وجزيرة العرب إلا جزءً من النصر الذي نشاهده هذه الأيام في مشارق الأرض ومغاربها، بتيسيره سبحانه لجنود الخلافة النكاية في أعدائهم، ورفع راية الدولة الإسلامية في ساحات جهاد جديدة، واشتداد سواعد المجاهدين في ساحات أخرى، وعودة كتائبهم وسراياهم لتصول وتجول في مناطق ظن الكفار والمرتدون أنهم أنهوا وجود جنود الخلافة فيها تماما، ولا زالت الأيام حبلى -بإذن الله- بكثير من الخيبات لأعداء الله رب العالمين.

ومن يتابع كلام خبراء الصليبيين وقادتهم يدرك أن إثبات المجاهدين -في سريلانكا وجزيرة العرب على وجه الخصوص، وبقية مجاهدي الدولة الإسلامية عموما- فشل الحملة الصليبية المستمرة منذ 5 أعوام في إنهاء تهديد جنود الخلافة لهم، ومنع امتداد نفوذها، وانتشار دعوتها في الأرض، هو أشد إيلاما للكفار والمرتدين بكثير من النكاية العظيمة التي أحدثها المجاهدون في صفوفهم خلال الأيام الماضية.

وإن مدد المسلمين لدولتهم لن ينقطع -بإذن الله تعالى- مهما حاول المشركون قطعه، وستبقى رايتها مرفوعة شامخة يقاتل من دونها الموحدون في كل مكان، ليأرز إليها المجاهدون جيلا بعد جيل، كلما قضت منهم طائفة تبعتها أختها بإحسان، وكلما تولّى عن نصرتها قوم أبدلهم الله تعالى بقوم خير منهم، وكل ذلك محض فضل الله عز وجل على جماعة المسلمين، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

وإن لهذه المرحلة من اليأس الذي بدأ يسيطر على نفوس الكفار والمرتدين ما بعدها من خير، بإذن الله تعالى، وبمقدار النكاية التي يحدثها المجاهدون في صفوفهم في هذه المرحلة، بمقدار ما يزداد يأسهم ويصابون بالعجز عن إكمال الحرب، ويكف الله بأسهم عن المسلمين، ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 179
الخميس 20 شعبان 1440 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصة شهيد حاول الهرب من محبسه 3 مرات ولم ييأس وبعد 12 عاماً خرج كالأسد يترصد ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد


حاول الهرب من محبسه 3 مرات ولم ييأس وبعد 12 عاماً خرج كالأسد يترصد فريسته

أبو دجانة الحلبي "تقبله الله"
هاجر إلى الفلوجة وقاتل الصليبيين وفضّل الحور عن نساء الدنيا

لم يعرف اليأس سبيلا إلى قلبه، ولا القنوط طريقا إلى همته، ولا أثّر الفتور في عزيمته، ولم يهتدِ الخوف إليه، ما جعله شعلة حماس يشارك إخوانه الغزوة إثر الغزوة، كان يعلم أن بلوغ العراق والالتحاق بإخوانه المجاهدين غاية دونها قُطّاع الطرق والمثبطون والخونة والصحوات والعملاء، لكنه لم يلتفت أو يتردد إلى أن بلغ ما أراد ووصل إلى (الفلوجة) أرض الجهاد والمجاهدين وانضم إلى إخوانه في قتال الصليبيين.

وفي أحد الأيام أسره المرتدون، فحاول الهرب مرة واثنتين وثلاث لم يُوفق في أي منها، فلم يهن أو يحزن حيث وجد ما يشغله عن ذلك بحفظ كتاب الله تعالى وتلقي علومه.

تنقّل بين سجن (أبو غريب) و(بوكا) و(كوبر) ثم استقر به الحال في أصعبها وهو سجن الـ (33) في كردستان، أمضى في هذه المعتقلات 12 سنة، وخرج بعدها كالأسد الذي يترصّد بفارغ الصبر فريسته، التقى أباه وأمه وعلم أن عددا من أفراد أسرته قتلوا خلال جهادهم مع إخوانهم في الدولة الإسلامية، فحمد الله على ذلك.

انضم فور خروجه لإخوانه جنود الخلافة وخاض معهم معارك عدة إلى أن جاء الأمر بالنفير إلى الأنبار فانبرى مسرعا يكاد يطير فرحا وعلم أن الفرصة ستواتيه لتحقيق رغبته وهو ما كان له.

إنه الأخ الشهيد -نحسبه والله حسيبه- (أبو دجانة الحلبي) من ريف مدينة حلب، شرح الله صدره لحبّ القرآن وسنة نبيه، ومع دخول مدينة الفلوجة معركتها الثانية مع الصليبيين والمرتدين قرر أخونا المضي إلى بلاد الرافدين لمقارعة أعداء الله والدين، فيسّر الله له الوصول لبلاد الرافدين، رغم المخاطر التي واجهته منذ انطلاقه من بلدته حتى وصوله.


- مضى إلى هدفه دون تردد

مضى إلى هدفه دون تردد، وكغيره ممن نفر من إخوانه تنقّل أبو دجانة بين ساحات الجهاد في العراق، وعُرف بأنه مقدام وقاه الله خصال الجبن والخوف، وفي أحد الأيام قُدّر له الأسر، فاقتيد إلى مراكز التحقيق ومرّ بـ (المحاجر السود) وصولا لسجن (أبي غريب) ومع بداية دخوله في -الاستقبال- أُمر بخلع ملابسه فرفض فقوبل بالأذى من قبل الجنود المتواجدين هناك فكانت بداية دخول قاسية له تنمّ عن شخصية قوية غير قابلة للكسر.

ثم نُقل بعد أيام للمخيم (الثالث) فوجد فيه تسلية من محنته، حيث وجد فيه العديد من النّزاع من القبائل كلٌ قصد العراق للذّود عن حياض الإسلام والمسلمين الغارقين في بحر الخوف من الأسطورة الصليبية، وبفعل التخذيل الذي تبنى نشره علماء السوء من أولياء الطواغيت المبدّلين للدين تبعا لهواهم، أو الجبناء القاعدين الذين يودون لو قعد المسلمون كلهم مثلهم فيكونون في المذمة سواء، ولا يكن للمجاهدين فضل عليهم.


- هروب لم يكتمل

ومنذ دخوله الأسر عقد (أبو دجانة) العزم على النجاة منه، وعرف لاحقا بذلك واشتهر لمحاولته الهرب أكثر من مرة، ومن تلك المحاولات وأثناء تواجده في سجن (أبي غريب) هبّت عاصفة رملية فغطّت السماء فحاول هو ومن معه وضع "البطانيات" على الأسلاك الشائكة كي يستطيعوا العبور رغم ارتفاعها، مستغلين عنصر المفاجأة وأثناء ذلك استنفر الصليبيون وتجمعوا بكثرة حول الخيم حاملين البنادق وهددوا كل من كان يتسلق الأسلاك الشائكة أو يقترب منها أنهم سيطلقون النار عليه، وأمروا كل الأسرى بالدخول إلى الخيم وبعد انتهاء العاصفة طلبوا من المسؤول عن الخيمة التي كان بها بإخراج كل من حاول الهرب وإلا فالعقوبة عامة فلم ينصع لأمرهم، فعوقب كل من كان في الخيمة وكانت أنفس الإخوة راضية بالعقوبة الجماعية على أن يعاقب من حاول الهرب وحده.

وبعد ذلك قرر الكفار بناء مخيم ثاني أكثر تشديدا ونقلوهم إليه وكانت خيمة أبي دجانة قريبة جدا من الجدار الرئيس للسجن، وبعد وصولهم مباشرة قرروا الهرب بالرغم من أن برج الحراسة كان لا يبعد عنهم إلا ستة أمتار وبينهم وبينه طريق تمر به مدرعات الهمر وسيارات الخدمات، فتشاور الإخوة فيما بينهم على الطريقة المثلى للهرب إلى أن اعتمدوا فكرة حفر نفق رغم صعوبة التنفيذ سواء في عدم توفر أدوات الحفر أو في كيفية التخلص من التراب فكان (أبو دجانة) فرحا بذلك واختاروا مكان تموضع طاولة جهاز التكييف لأنها متحركة فعند الحفر يرفعونها عن مكانها وبعده يرجعونها كي لا يلاحظه الحراس.

- حفر النفق

وبدأوا مستعينين بالله، فوزّعت المهام من حفر وتفتيت وإخراج للتراب ومشاغلة للحرس فكانوا يخرجون التراب وينثرونه على الطريق الصغير الذي بين الخيمة والأسلاك الشائكة، وكان (أبو دجانة) ممن يحفر ويحمل التراب ويسهر في الليل لإكمال الحفر، ومع عمق الحفرة بدأوا بالبحث عن حل لنقص الهواء فوقع اختيارهم على قطعة من قماش كانت تلف كامل الخيمة من الداخل، فقصوها كاملة وجمعوها بالمخيط المصنوع يدويا من الأسلاك وجعلوها على شكل أنبوب ووضعوا بدايتها في فم جهاز (تبريد الهواء) والأخرى داخل النفق.

وبعد شهر ونصف تقريبا وقبل أيام قلائل من انتهائهم من الحفر لاحظوا أن هناك من يراقبهم من الخيمة المقابلة لهم، ثم نادى الصليبيون يوما السجناء للتفقد على غير الوقت المحدد فحار الإخوة ماذا يفعلون، وما هي إلا لحظات حتى فتح أحد ضباط الصليب باب الخيمة عليهم ومعه حرّاس فدخل الخيمة ثم خرج مسرعا وهو يصرخ عليهم بالخروج إلى الساحة وبدأت وفود الصليب تدخل الخيمة وتخرج يلف وجههم الدهشة.

أُخذ الإخوة بعد ضبطهم كعقوبة لهم إلى الزنازين المنفردة ووزعوا بعد العقوبة على كل الخيم، واقتيد عدد منهم إلى معتقل بوكا (المحاجر، الكم السادس) وكان منهم (أبو دجانة) وبعد انقضاء العقوبة وفي أحد الأيام حاول أبو دجانة الهروب في وضح النهار بعد أن نسي أحد الحراس إغلاق الباب فخرج أبو دجانة أمام الجميع ثم قبضوا عليه وعاقبوه.


- لقاء الأهل والفراق

وكان أبو دجانة دائم الصراع مع المرتدين داخل محابسه سواء مع السجانين أو المسجونين فكان يدافع عن إخوانه المجاهدين إذا تعرضوا لاعتداء ما، وخلال فترة سجنه التي بلغت 12 عاما حفظ كتاب الله العزيز وتعلم أحكامه، وبعد انقضاء فترة الأسر أُفرج عنه عام 1437 للهجرة، وبعد خروجه التقى أباه وأمه الذين طالما اشتاق إليهما، وبعد عدة أيام أخبر والديه أنه عازم على تنفيذ عملية استشهادية فقالوا له تريث وتزوج لعل الله يرزقك بالولد فرفض ثم التحق بمعسكر الانغماسيين التابع لـ (لواء الصديق) وبعد الانتهاء من المعسكر شارك بغزوات عدة ثم استنفر ليشارك في معركة الأنبار، وكان المجاهدون بحاجة لأخ استشهادي فانبرى بطلنا (أبو دجانة) -تقبله الله- ولبى النداء وآثر المضي للقاء الله تعالى، وأثخن رحمه الله بالروافض المرتدين الخبثاء -تقبله الله تعالى- هو وإخوان له كثيرون لا نعلم قصصهم ممن أفضوا إلى الله غرباء، ولا يضرّهم أن لا يعرفهم أحد من البشر، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 178
الخميس 13 شعبان 1440 هـ
...المزيد

طريق المجاهدين نحو الظفر والتمكين في ظل ابتلاءهم وفقدانهم بعضاً من مواقعهم، لا يترك المجاهدون ...

طريق المجاهدين نحو الظفر والتمكين


في ظل ابتلاءهم وفقدانهم بعضاً من مواقعهم، لا يترك المجاهدون قتال أعدائهم من الكفار والمرتدين، بل يسعون جهدهم لأداء ما أوجبه الله تعالى عليهم من جهادهم، والقيام بكل ما يلزم لتحقيق التمكين للمسلمين في الأرض تمهيدا لحكمها بشريعة الله العظيم.

وفي فترات ضعفهم وقلة أعدادهم، لا يستكين المجاهدون ويقعدون عن الجهاد بانتظار تشكيل الجيوش الكبيرة المسلحة بأقوى الأسلحة حتى ينازلوا أعداءهم، وإنما يقاتلونه بما مكّنهم الله فيه من عدد وسلاح، مستخدمين أسلوب العصابات المجاهدة، التي تضرب العدو، وتسعى للنكاية المستمرة فيه، عملا على إضعافه، في الوقت الذي تسعى لتقوية نفسها، من خلال توحيد جهد أفرادها المنتشرين هنا وهنالك، وتوجيهه كله الوجهة الصحيحة، نحو تحقيق الهزيمة للعدو في قسم من الأرض أو في كلها، ما يمنعه من تهديد دار الإسلام التي سيقيمها المجاهدون فيما مكنهم الله تعالى فيه.

فالغاية التي تحققها العصابات المجاهدة هو أن تُكثر النكاية في العدو، وتزرع الرعب في قلوب جنوده وأنصاره، وتفقده السيطرة الكاملة على الأرض، إلى الدرجة التي يمكن بها منازلته في معارك حاسمة، من قبل جيش نظامي أو شبه نظامي للمجاهدين، تشكله العصابات المجاهدة نفسها في مراحل متقدمة من جهادها، أو تقوم بتمهيد الأرض لقدومه من منطقة أخرى هو موجد فيها.

فالعصابات المجاهدة تكون عادة في مراحل تأسيسها الأولى قليلة العدد، خفيفة التسليح، ضعيفة الارتباط والتنظيم، وهذه الصفات كلها تمنعها من منازلة الجيوش النظامية القوية في معارك حاسمة، ونقصد بالحاسمة هنا أي التي يمكن أن يقصم فيها ظهر أحد الجيشين المتصادمين، فدخول العصابة المجاهدة في صدامات مباشرة مع جيوش العدو المنظمة القوية قد يعرضها لخسائر كبيرة هي في غنى عنها، تضعف من قدرتها على تحقيق أهدافها في إنهاك العدو وإضعافه رويدا رويدا حتى إيصاله إلى مرحلة التوازن مع مجموع قوة العصابات المجاهدة الموحّدة، أو الجيش النظامي الذي تمهد له الأرض للمعركة الحاسمة التي ستقصم ظهر العدو بإذن الله.

فالمجاهدون في العراق لم يستولوا على المدن ويحققوا فيها التمكين في يوم وليلة كما يتصور البعض، ولا شكلوا جيش الخلافة المنظم ودخلوا في حرب جبهات مفتوحة مع المشركين فورا، ولكن استمروا في حرب استنزاف منهكة لسنين عديدة، تمكنوا -بفضل الله- بواسطتها من إضعاف الجيش الرافضي الضخم، وتفتيت بنيته التنظيمية، وتدمير معنويات جنوده المنهكين، وتهديد طرق مواصلاته وإمداده، وإفقاده السيطرة الحقيقية على الصحاري والأرياف ثم المدن، حتى أصبحت الأجواء مهيأة ليدخل المجاهدون مع الجيش الرافضي في معارك حاسمة.

فبدأوا بتجميع قواتهم في مناطق آمنة، والانطلاق من الصحراء متوكلين على ربهم مستمدين النصر منه سبحانه، لشن غارات كاسحة لتكسير مفاصل قوة أعدائهم، وصولا إلى اكتساح المدن للإجهاز عليهم، والروافض وإخوانهم من الصحوات في أضعف حال، لا يقوون على قتال، ولا يثبتون أمام صولات الرجال، فكان الانهيار السريع لجيش تعداده عشرات الألوف من الجنود ، يحوز على أحدث الأسلحة وأقواها، أمام بضعه مئات من الموحدين، مسلّحين بيقين راسخ بالنصر، هو أقوى من الأسلحة التي بأيديهم التي لا تكاد قوتها تذكر مقارنة بقوة أعدائهم.

وإن عصابات جنود الخلافة المنتشرين في مختلف البلدان قادرة بإذن الله على تكرار درس (فتح الموصل) مرارا، واستنبات تلك التجربة المباركة في كل أرض، وصولا إلى تحقيق التمكين فيها للمسلمين، خاصة أنها تمتلك اليوم بعضا من أهم عوامل النجاح -بإذن الله تعالى- وهي وحدة العقيدة والمنهج، فكلهم يقاتل لنفس الغاية وذات الهدف، كما أنهم يخضعون لقيادة واحدة، تضمن -بإذن الله تعالى- توحيد صفهم وجهودهم.

وإن كان المجاهدون في العراق احتاجوا لقرابة 7 سنين حتى تحقق لهم التمكين في الأرض، وربما أكثر إن أضفنا فترة جهادهم للصليبيين، فإن الزمان أكثر تقاربا اليوم -بإذن الله تعالى- وستطوى المراحل طيا للوصول إلى إعادة دار الإسلام، وإقامة الدين في مشارق الأرض ومغاربها، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 178
الخميس 13 شعبان 1440 هـ
...المزيد

تقرير: ويشف صدور قوم مؤمنين غزوة الثأر لولاية الشام المباركة تأتي هذه الغزوة المباركة بعد ...

تقرير: ويشف صدور قوم مؤمنين

غزوة الثأر لولاية الشام المباركة

تأتي هذه الغزوة المباركة بعد أيام قليلة من إعلان القضاء على الدولة الإسلامية -أعزها الله-في الشام، وسيطرة المرتدين الـPKK بمساندة طيران التحالف الصليبي على المناطق التي كانت تخضع لها.

حققت الغزوة خلال الأيام الأربعة 92 عملية توزعت على العراق 37 عملية، والشام 30، الصومال 5، سيناء 5، غرب إفريقية 9، خراسان 3، وعمليتين في ليبيا، وحصدت بمجموعها نحو 360 قتيلا في مختلف الولايات ومن مختلف أطياف الأعداء صليبيين وروافض ومرتدين وصحوات.

وكان من أبرز الهجمات ضمن الغزوة المباركة السيطرة على بلدة (الفقهاء) في ليبيا وقتل آمر الحرس البلدي، ورئيس المجلس البلدي وإحراق منزله والمقر، إضافة إلى قتل وأسر عدد من المطلوبين لدى جنود الخلافة من صحوات ومرتدين وإحراق منزلين من منازلهم، إضافة إلى قتل وإصابة 22 مرتدا من جنود الطاغوت المصري بينهم رئيس مباحث الشيخ زويد ونائبه وعدد من الضباط والجنود وتدمير دبابة وهمر ومُدرّعة.

ووقوع عدد من قوات التحالف الصليبي والـ PKK المرتدين قتلى وجرحى بتفجير استشهادي سيارته المفخخة على رتل لهم في الحسكة، والهجوم الانغماسي الذي نفّذه 4 جنود من فرسان الشهادة في غرب إفريقية على مقر حرس حدود النيجر في مدينة (ديفا) حيث استمر الاشتباك مع المرتدين لساعات طويلة والذي أسفر عن قتل وإصابة العشرات من المرتدين والصليبيين، إضافة إلى العشرات من العمليات التي نفّذها المجاهدون في العراق والشام وخراسان والصومال، هذه العمليات تؤكد أن الأسوأ لم يأت بعد، وأن القادم سيكون أشد على الكفار والمرتدين وأقسى.

نتائج هذه الغزوة خلال يومين قد تبدو مفاجئة للبعض سواء من جهة عددها وقوتها أو من جهة سرعتها في الرد ثأرا على قصف مناطق المسلمين في ولاية الشام والتي كان آخرها مجزرة (الباغوز) والتي خلّفت أكثر من 1500 رجل وامرأة وطفل في ليلة واحدة واحتراق الكثير منهم وهم أحياء جراء قصفهم بالقنابل العنقودية، هذه المجزرة وغيرها زادت من غيض المسلمين على الكافرين ودفعتهم إلى الثأر من هؤلاء الصليبيين والمرتدين والتعامل معهم بشراسة أكثر، واعتبار التعامل بالمثل نهجا لعملياتهم.

ربما يتمنى المرتدون والصليبيون وأذنابهم اليوم أنهم تركوا الدولة الإسلامية وشأنها ولم يجازفوا في إخراج جنودها من المناطق التي كانت تحت سيطرتهم، حيث تبدل الحال وباتوا أهدافا سهلة لكواتم المجاهدين ورصاصهم نهارا، أما ليلا فيبدو أن المرتدين يُفضلون الذهاب إلى منازلهم خشية أن يقعوا بكمائن المجاهدين فيتركوا مواقعهم فارغة ويختبؤون كالنساء في بيوتهم وفي أحسن أحوالهم يتجمعون في مقراتهم ويرابطون على أنفسهم ليفسحوا بذلك المجال لجنود الخلافة في التجوّل وفعل ما بدا لهم.

الرعب والتخبط الذي يعيشه المرتدون اليوم في الخير وفي العديد من مدن العراق والذي دلل عليها الاجتماعات التي يعقدها قادة الجيش هنا وهناك لوضع خطط أمنية جديدة تخفف عنهم الضغط الكبير الذي لحقهم جراء هذه العمليات الموفقة هو خير دليل-بفضل الله تعالى-على أن الدولة الإسلامية دخلت -في أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها-في حرب استنزاف كبيرة وأنها ما زالت في بدايتها وقد أعدّت لها جيدا.

بكل المقاييس لقد شفت هذه العمليات قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ولكنها وبالوقت ذاته أدخلت الغيظ على قلوب المرتدين واحمرّت لها أنوفهم وأظهرت حنقهم، وخاصة المجاميع والكتائب التي تدعي الإسلام، حيث يرون جنود الخلافة وهم يصولون ويجولون ويخوضون في دماء الكفار والمرتدين، بينما هم يخضعون لاتفاقيات القعود والخزي، ويتهافتون على الاستثمارات ويتصارعون على المحاصصة وجمع الأموال.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 177
الخميس 6 شعبان 1440 هـ
...المزيد

مقال: الدروس العظام من غزوة الثأر للشام ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الدولة الإسلامية عن ...

مقال: الدروس العظام من غزوة الثأر للشام


ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الدولة الإسلامية عن غزوة واسعة المدى يشارك فيها جنودها من كل الولايات، وتُستهدف فيها كل طوائف الشرك والردة التي تطالها أيدي المجاهدين، بفضل من الله تعالى وتوفيق منه، ولكنها الغزوة الأولى من هذا النوع بعد إعلان طاغوت أمريكا حسم المعركة ضد الدولة الإسلامية في الباغوز.

وبالرغم من أهمية الخسائر التي وقعت في صفوف أعداء الله تعالى في غزوة الثأر لولاية الشام، فإن جوانب أخرى أبرزتها هذه الغزوة المباركة لا تقل في أهميتها عن النكاية بالمشركين والتي لم تتوقف -بحمد الله- ولن تتوقف حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لرب العالمين.

ومن أهم هذه الفوائد، إبراز ثمرة اجتماع المسلمين في كل مكان تحت إمرة إمام واحد، تطيعه جماعة المسلمين كلها في المعروف، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وكذلك تنبيه الناس إلى الأسلوب الصحيح لنصرة المسلمين فيما يتعرضون له من ابتلاءات، بالإضافة إلى أنها زادت من خيبة الصليبيين وأوليائهم المرتدين بعد كل هذه الحرب الطاحنة بأن يروا من جديد جنود الخلافة ينكلون في أعدائهم، ويذكّروهم بأن دولتهم باقية بإذن الله تعالى.

ففي الوقت الذي يقنع أعداء الدولة الإسلامية أنفسهم وأتباعهم أن عقد جماعة المسلمين سينفرط، وأن حال مجاهديها سيعود كما كان قبل إعادة الخلافة، فصائل وتنظيمات وأحزاب، لا تتعدى نظرة كل واحد منهم حدود المنطقة التي يقاتل فيها، ولا تتعدى ولايته للمسلمين الأفراد الذين يقاتلون إلى جانبه، جاءت هذه الغزوة المباركة لتوقظهم من أحلامهم، وتكشف لأتباعهم زيف أوهامهم، وتذكرهم من جديد بأن لا عودة إلى الفرقة من بعد الائتلاف، ولا عودة للأحزاب من بعد الجماعة، وأن خلاف ذلك نكوص لا يرتضيه العقلاء فضلا عن المسلمين الأتقياء.

ولتنبّه من نسي من المسلمين أن لا جماعة إلا بإمام، وأن لا إمام إلا بطاعة، وأن الطاعة الحقيقية لا تظهر في المنشط والميسر، فذلك يطيقه حتى المنافقون، وإنما في العسر والمكره أيضا، حيث يقدّم المسلمون أمر الله تعالى على ما تهواه أنفسهم، ويستعذبون الصبر ساعة العسر على التنعّم بما قد يرونه يسرا، كما قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172].

وكذلك فإن المشركين وأولياءهم ظنوا أنهم بعد كل ما فعلوه في حملتهم الماضية من قتل للمسلمين وحرق لمناطقهم وتدمير لمدنهم في العراق والشام قد زرعوا الخوف في قلوب المجاهدين، وأنهم سيطيعون من يدعوهم إلى طريق الضلالة والغواية باسم مصلحة الجهاد كي يتجنبوا ما أصاب إخوانهم القابضين على جمرة التوحيد في العراق والشام.

فجاءهم الجواب من أهل الإسلام في كل مكان موقّعاً بالدماء، بأننا مستمرون -بإذن الله تعالى- بما بدأه إخواننا حتى ننال ما نالوا أو يفتح الله بيننا وبين القوم المجرمين، كما هو حال الموحّدين في كل عصر، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].

وهكذا أيضا جاءت عمليات المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها لتعطي المسلمين في كل مكان درسا جديدا عن المفهوم الحقيقي للولاء بين المسلمين وتناصرهم، وتعلّمهم أن الولاء يجب أن لا يقتصر على التألم لمصاب المسلمين والغضب لجراحهم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) [رواه البخاري]، وإنما أيضا بنصرتهم بالمستطاع، وأعظم صور النصرة للمسلمين هي جهاد المشركين، كما قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

ولسان حال المجاهدين وهم يشاركون في مختلف ولايات الدولة الإسلامية في غزوة الثأر لولاية الشام المباركة، أنهم إن أبعدتهم المسافات وحالت بينهم وبين الوصول إلى المستضعفين منهم ونصرتهم الحواجز والحدود، فإنهم قد أعذروا إلى ربهم -نحسبهم والله تعالى حسيبهم- بجهاد من يليهم من الكفار والإغلاظ فيهم، حتى يأذن الله تعالى بأن يدحروا جميعا أعداءهم، ويوحّدوا أرضهم، تحت حكم ربهم، وتسير الظعينة من شرق آسيا إلى غرب إفريقية لا تخشى إلا الله تعالى والذئب على غنمها، وما ذلك على الله بعزيز، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 177
الخميس 6 شعبان 1440 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصة شهيد يُعلّمون الناس نواقض الإسلام ثم لا يُكفّرون من تلبّس بها؟! عبد ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد

يُعلّمون الناس نواقض الإسلام ثم لا يُكفّرون من تلبّس بها؟!

عبد المنان المهاجر
سؤال دفعه للبحث عن الحقيقة... فهاجر وصبر وقاتل وقتل -نحسبه والله حسيبه-

(كيف يُعلّمون الناس نواقض الإسلام ثم لا يكفّرون من تلبّس بها؟! بل كيف يدرّسون الكفر بالطاغوت ثم يجعلونه وليّ أمر تجب طاعته؟!) سؤالان جعلاه في مواجهة مباشرة مع علماء الضلال وشيوخ الإرجاء، لكن أحدا منهم لم يُجب، فبحث ودرس وطلب العلم وأمعن، فأيقن أنهم ليسوا على شيء.

فجدّ في المسير وألزم نفسه قول الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28)، إلى أن ارتقى مراتب الشرف وبلغ غاية المقصود، وقاتل وقتل في سبيل الله.

إنه الأخ المجاهد عبد المنان المهاجر (أحمد خالد) -تقبله الله- كان يعلم أن الدعوة إلى الله تعالى لا تتم إلا بمتلازمتين -اللسان والسنان- وأن ذلك طريق الرسل وسبيل الصالحين ودأب المتقين، والصادق من الدعاة هو من يدعو إلى سبيل الله بأفعاله قبل أقواله، ملتزما الحكمة في دعوته، ممتثلا أمره تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).


• أتبع العلم بالعمل

فلقد كان -تقبله الله- داعية بقوله وفعله، لم يكتفِ بحفظ القرآن الكريم كاملا وبإجازته برواية حفص عن عاصم رحمهما الله، وطلب العلم واكتفى بالقعود كما هو حال الكثير من طلبة العلم -والله المستعان-، بل أتبع العلم بالعمل فلم يشغله شاغل ولم يمنعه مانع، فألقى ما في كفّه من متاع وأبعد ما على قلبه من وَهَن، ولم يصدّہ شيء عن طاعة ربه القائل:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،(التوبة: 41)، ولم يخدعه تلبيس الملبسين من علماء السوء المرجئة الذين كان يدرس عندهم مُحسنا الظن بهم، فما لبثت الفتن أن بيّنت حقائقهم وكشفت سوءاتِهم فهم ليسوا سوى جند للطواغيت، ولا فرق بينهم وبين العسكر إلا في الزي الذي يرتدونه، فأولئك يقاتلون بالسنان وهم يقاتلون باللسان.

كان تقبله الله يتحرق كمدا وحزناً عندما يرى الناس معرضين عن شرع الله لاهية قلوبهم عنه، منغمسين في ملذات الدنيا الفانية وبهرجتها الزائفة.


• بين الدعوة والتعليم والتحريض

وُلد هذا البطل في منطقة (المنصورة) في مدينة عدن، وكان تقبله الله متفوقا في دراسته، شديد الغيرة على دينه، طلب العلم الشرعي فرزقه الله منه بحظ وافر، وعرف ما عليه علماء السوء من تناقضات، الأمر الذي دفعه للبحث عن أهل الدين العاملين به، فتعرف إلى منهج الجهاد، ورأى فيه الحق الواضح، فلزمه ولم يلتفت إلى علماء الضلال وشيوخ الإرجاء الذين حاولوا ثنيه.

فلما أُعلنت الخلافة وتمددت لليمن، سارع في النفير والهجرة في سبيل الله مؤثرا ما عند الله، تاركا زوجته التي لم يمض على زواجه بها سوى أربعة أشهر، عَمِل مع إخوانه في المجال الطبي فكان مسعفا موَفّقا وجليسا مؤنِسا، اختير ليكون أحد أعضاء اللجنة الدعوية في الولاية، فاستعمل ما أعطاه الله من العلم في خدمة إخوانه وتعليمهم وتصبيرهم والتنفيس عن كربهم، وقد شارك في نشر الدعوة بشكل فعّال ولم يغفل عن طلب العلم، بل لم يكن يفارق حاسوبه الخاص أي منزل ينزله، مقسّما وقته بين طلب العلم وزيارة نقاط الرباط، متفقدا إخوانه شادّا عزيمتهم، يعظهم وبالله يذكرهم، متحمّلا في ذلك مشاقّ الصعود والنزول من جبل إلى آخر ليروّح عن إخوته بمشاهدة إصدارات دولته المغيظة للكفرة والمرتدين في كل مكان.

وعُرف عنه شدة تمسكه بالسنة وإيثاره ما يرضي ربه، فكان غليظا على الكافرين والمرتدين، رحيما رفيقا بإخوانه الموحدين، متبعا هدي نبيه (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الأخيار(رضوان الله عليهم أجمعين) الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29).

لم يصدّه أي شيء عن جهاده في سبيل ربه واختار ما عنده، ولم يُفتن بأهله كما هو الحاصل لكثير من المتخلفين والمنتكسين الذين تركوا الجهاد بسبب أبنائهم وزوجاتهم -والله المستعان-.

• لم تقنعه السفاسف ولم يرض بالدون

نعم لقد صبر مع الموحدين المجاهدين المبتغين لمرضاة الله المقاتلين لأعدائه رغم صعوبة طريقهم ووعورته وقلة السالكين وضعف حال اليد من عدة وعتاد، ولم تُغرِہ زينةُ الحياة الدنيا ولم يطعِ الغافلين الراكضين خلف ملذّاتها الفانية، فإن أصحاب الهمم العالية لا يعطون الدنية، ولا يقنعون بالسفاسف، ولا يرضون إلا بمعالي الأمور.

وكأن لسان حاله يقول:

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم

فإن الموت نهاية الجميع، لكن شتان بين من يموت وهو يحمل همّ الإسلام مجاهدا في سبيل ربه مقبلا غير مدبر، وبين من يموت وهو منغمس في شهوات الدنيا وملذّاتها مرتكب لكبيرة القعود.

ولقد كان تقبله الله يُلّح على أمرائه طالبا منهم تنفيذ عملية استشهادية ويُكثر الطلب ولكن لم يأته الاذن بها، وقد تأثر كثيرا بتنفيذ أخيه الإعلامي (أبو علي العدني) -تقبله الله- بحزامه الناسف على جند الطاغوت في عدن، فكان يقول: "سبقني أبو علي" وكان يتمنى اللحاق به في أقرب وقت.

كان تقبله الله حريصا على الشهادة ساعيا لها، حتى حان الوقت الذي تمناه والساعة التي سعى لها، فعند حصول الغدر من (تنظيم قاعدة اليمن) الذين لم يدّخروا وُسعا في تضليل الناس عن دينهم ولم يألوا جهداً في جمع كيدهم لمحاربة الموحدين والتحريض عليهم ونشر الأكاذيب عنهم، مستغلين بُعد الناس عن الحقيقة، غير أن الله سبحانه وتعالى بمنّه وفضله على المجاهدين الصادقين أوقع التنظيم بشر مكرهم، فبدؤوا بقتال المجاهدين صراحة، فأخزاهم الله تعالى، وعرف القاصي والداني كذبهم وسوء بضاعتهم ووقوعهم في نصرة المرتدين ومحاربة الموحدين والغدر بهم، وكان أخونا (عبد المنان المهاجر) -تقبله الله- ممن هبّ دفاعا عن عقيدته ودينه ناصرا لإخوانه، رادًا صيال عدوه ليكون على موعد مع ساعة لطالما تمنّاها واستبطأ الليالي والأيام في انتظارها، فنال الشهادة -نحسبه والله حسيبه-.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 176
الخميس 28 رجب 1440 هـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً