مقال / تُحف الذاكرين (3) الحمد لله حمدا حمدا والشكر له شكرا شكرا، والصلاة والسلام على نبيا ...

مقال / تُحف الذاكرين (3)


الحمد لله حمدا حمدا والشكر له شكرا شكرا، والصلاة والسلام على نبيا محمد خير الورى طُرا، وعلى آله وأصحابه الصابرين على الحق حلوا ومرّا، ومَن تبعهم بإحسان إلى يومٍ يُجازى فيه العباد على ما عملوه خيرا وشرا، وبعد.
فهذه تتمة لتُحف الذاكرين التي أعدها الله تعالى لهم، والتي بدأناها فيما سبق:

التحفة الخامسة: الفلاح والفوز، قال الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10]، ولم يرضَ ربُّنا سبحانه وتعالى مِن ذكره إلا بالكثير، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا يفرض سبحانه على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، قال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، بالليل والنهار في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال" [تفسير الطبري].

فحال المؤمن أنه كثير الذكر لله، ولذلك وصف الله مَن قلّ ذكره له بالنفاق، فقال تعالى: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، وجعل الله مآل الذاكرين الفلاح وهو الفوز بدخول الجنة والنجاة من النار؛ لأن ذكر الله يثقّل الموازين ويقود الإنسان إلى ترك المعاصي وبغضها، بل فيه مغفرة للذنوب وبذلك يُحصّل الإنسان الغاية المطلوبة {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185].

والذاكرون يسبقون غيرهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (سبق المفَرِّدون قالوا: و ما المفَرِّدون يا رسول الله قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات)، وفي رواية: (المستهترون لذكر الله عز وجل، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا) [مسلم] (والمستهترون أي: المولعون بالذكر المداومون عليه)، وهذا فوز عظيم أن توضع عنهم أثقالهم فيأتوا يوم القيامة خفافا، ثم تكون لهم الجنة بعد ذلك، جعلنا الله منهم.

التحفة السادسة: الخروج من الظلمات إلى النور، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:41-43]، فبذكر الله كثيرا يُصلي الله على عبده، روى البخاري عن أبي العالية: "صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء"، وقال الطبري رحمه الله: "إذا أنتم فعلتم ذلك، الذي يرحمكم، ويثني عليكم هو، ويدعو لكم ملائكته. وقيل: إن معنى قوله {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}: يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله. وقوله: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يقول: تدعو ملائكة الله لكم؛ فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان. [التفسير]

وأول نور الذكر ما يجده الذاكر من النور في قلبه بمعرفته الحق وأهله وانشراحه للحق ومحبته له، كما قال تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7]، بينما تارك الذكر لله مغمور في ظلمة الغفلة قلبه مظلم مشمئز من الذكر، {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّنْ رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الزمر:22]، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القاسي) [الترمذي].

ويُعطى الذاكر نورًا في اتباع الحق بعدما وُفق لمعرفته، بينما قليل الذكر لا يوفق لاتباعه والعمل به!؛ فهو في ظلمة الهوى وظلمة تزيين الباطل وظلمة التعلق بالدنيا، ولم يوفَق الكثير من الناس للنفير والجهاد بسبب تلك الظلمات، ويُعطى الذاكر نورَ الفراسة وتمييز الحق من الباطل حين اشتباه الأمور، فيرى بنور الله ما لا يراه الغافلون ويُدرك مآلات الأحداث ويتفطّن لخطوات الشيطان من أولها.


وهذا النور لمن ذكَر الله بقلبه ولسانه معاً، فكثير يذكرون الله بألسنتهم لا بقلوبهم فلا ينتفعون، أما من تواطأ قلبه ولسانه الذكرَ فإنه يستشعر عظمة الله، فمحال لمثله أن يقول: "سبحان الله" وينزّه الله عما لا يليق به ثم يرضى بمشّرع سوى الله جاعلا نفسه نداً لله، ومحال أن يقول: "الحمد لله" ثم يعزو الفضائل والنعم للطاغوت الكافر بالله المبدل لشرع الله، ومحال أن يقول: "لا إله إلا الله" ويشرك بالله في حكمه ويُقر بمعبود سوى الله، ومحال أن يقول: "الله أكبر" فيخشى سواه أو يترك منهاج الحق نزولا تحت ضغط الواقع وهو يعلم أنه لا أكبر من الله شيء، هذه معاني النور في الذكر يوفَّق إليها من كان صادقًا وأراد هيمنة نور الله في الأرض.

التحفة السابعة: القوة على طاعة الله، قال هود عليه السلام لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} [هود:52] وقال تعالى حين أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] قال ابن كثير: "والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قِرْنه". [التفسير]، والمعنى: أي أن عبدي الحقيقي، الذي أخلص في العبادة، ولم يغفل عن ذكري، هو من ذكرني في ساحة القتال مع قرنه وخصمه.

فذكر الله قوة للمؤمن على طاعة الله، وتركه ضعف وعجز، وسبب لاقتراف الذنوب والوهن النفسي، والقوة الحقيقية هي قوة الإيمان ولزوم الحق لا قوة الجسد، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) [البخاري].

وفي المقابل فإن الكسل حقيقته كسل القلب لا كسل البدن؛ لأنه من الشيطان، وقد كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من الكسل، وإن أول مراتب الضعف قلة ذكر الله لذلك قرَن الله بين الكسل وقلة الذكر في كلامه عن المنافقين فقال سبحانه: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، ومن أراد علاج ما به من ضعف أو عجز أو كسل، فأول ما عليه أن يكثر من ذكر الله، ليطرد وساوس الشيطان، وسيجد بعد ذلك عزمًا على الطاعة وقوة على النفس في كبح جماحها عن المساوئ أو ترويضها على الشدائد، وعلى من أراد التوفيق للجهاد أن يكثر من الذكر، والمجاهد أيضا إن أراد العون على جهاده فليكثر من ذكر الله، فإنه من أعظم أسباب العون.

هذه بعض تحف الذاكرين وإنها كثيرة لمن تدبّرها وتبحّثها في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفرد لها العلماء كتبا وأجزاء حديثية، ومع يُسْر هذه العبادة إلا أنه لا يوفق لها إلا النُدرة الطيّبة من عباد الله، فحرصًا حرصًا على ركوب مطايا الذاكرين، وحذرًا حذرًا من ارتضاء سبيل الغافلين الغاوين.

والمجاهد في سبيل الله بهذه الوصية أخص؛ لأنه المأمور بعدم الفتور عن ذكر الله، فهو الأحوج إليه، والشياطين حوله تنتظر منه غفلة لتتهجّم عليه، فليحذر من الثغْرة ولينتبه من الغِرّة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 298
الخميس 26 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

صحيفة النبأ 298 / بل الساعة موعدهم! وعَد اللهُ تعالى عباده المؤمنين القائمين على أمره بالغلبة ...

صحيفة النبأ 298 / بل الساعة موعدهم!


وعَد اللهُ تعالى عباده المؤمنين القائمين على أمره بالغلبة والفوز في الدارين، وفي المقابل توعّد الكافرين على اختلاف طوائفهم وتحالفاتهم بالهزيمة في الدنيا والعذاب في الآخرة، وهذا مِن عدله سبحانه وتعالى بأن فرّق في الجزاء والعاقبة بين مَن آمن به وكفر به، فجعل الجنة عقبى الذين اتقوا، وعقبى الكافرين النار.

ولقد قرنت آيات القرآن الكريم في غير موضع بين هزيمة الكافرين في الدنيا وعذابهم في الآخرة، وأكّدت أنّ عذابهم في الآخرة سيكون أدهى وأشدّ عليهم من هزيمة الدنيا، وأنّ تحالفاتهم وحشودهم ضد المسلمين مهما كثرت وتعددت في الدنيا، فإنّ مصيرها الحشر إلى جهنم وبئس المهاد!، قال تعالى: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}، وقال تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ}.

وبناء على ما تقدّم من الوحي، فإنّ على الكافرين ألا ينتظروا هزيمتهم وخسارتهم في الدنيا وحسب، بل عليهم أن ينتظروا -إن لم يتوبوا- خسارتهم الكبرى والدائمة يوم القيامة، يوم يُصيبهم من الحسرة والمذلة والعذاب أضعاف ما يلاقونه اليوم على أيدي المجاهدين في أكبر "معركة استنزاف واستدراج" شهدها التاريخ المعاصر، وتورّطت فيها أكبر وأكثر جيوش الكفر والردة، وسيقت إليها طوعا أو كرها.

لذلك لم يكن "التحالف الإفريقي" الجديد الذي عقده الصليبيون ضد الدولة الإسلامية في وسط إفريقية إلا صورةً أخرى من صور الاستدراج الإلهي للكافرين نحو هاوية الاندحار والهزيمة بإذنه تعالى، وباباً جديداً من أبواب الاستنزاف والمطاولة.

فبعد سنوات من المفاوضات والخصومات قررت دول إفريقية تشكيل "تحالف إقليمي" لمواجهة الدولة الإسلامية في موزمبيق، يشرف على تدريبه ضباط من البرتغال وأمريكا، وشاركت فيه حتى اللحظة كل من: "رواندا، بوتسوانا، زيمبابوي، جنوب إفريقية" وحتى "أنغولا" إضافة إلى دول أخرى ما زالت تشاور نفسها وتندب حظها!

التحالف الإفريقي الذي بالكاد التأم، بدأ منقسماً على نفسه بسبب خلافات من الحقب السابقة لعل أبرزها اعتراض "المعارضة الموزمبيقية" على وصول قوات "رواندا" بطريقة شبّهوها بالصفقات السرية الفاشلة التي أبرمتها حكومتهم مع شركات مرتزقة روسية وجنوب إفريقية لقتال المجاهدين، ما يُهدد بإشعال فتيل النزاع القديم بين الحكومة والمعارضة بعد سنوات من الكمون، إضافة إلى تحديات أخرى ينتظرها هذا التحالف الكفري الذي شكّلته دولٌ ممزقة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

ويحاول الكافرون والمنافقون عبر وسائل إعلامهم، تصوير الحرب والمعارك الدائرة في شمال موزمبيق على أنها "حرب على الغاز"! متعامين عن وجود الغزو الصليبي القديم الجديد للمسلمين وديارهم في تلك المنطقة والتي تعرضت لأبشع الجرائم والمجازر التي ارتكبها النصارى وجيوشهم بحق المسلمين، وهذا التضليل المتعمد إنما هو امتداد لحملة التشويه الممنهجة التي رافقت تمدد الدولة الإسلامية إلى الشام.

إن الدولة الإسلامية تقاتل اليوم الكافرين في وسط إفريقية، جهاداً في سبيل الله تعالى ونصرةً للإسلام وذوداً عن حياضه، وتطبيقاً للغاية التي خلقنا الله تعالى من أجلها، وهي توحيده سبحانه، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بقتال مَن أشرك به وناصب المسلمين العداء، ولأجل هذه الغاية سعّر المجاهدون حروبهم ضد جيوش الصليب في موزمبيق والكونغو، وعندها بان الفرق بين مَن ينتصر للمسلمين وجراحاتهم ويثأر لدينهم وحرماتهم، وبين مَن لا تعدو جراحاتهم بالنسبة إليه سوى "مادة إعلامية" يوظّفها سياسياً في تصفية حساباته مع خصومه السياسيين، كما رأينا مؤخرا في مواقف الطواغيت ودعاتهم تجاه قضايا: الإيغور وتركستان وبورما والشام وغيرها.

وفي الكونغو أيضا تم إرسال قوات من دول: "أوغندا، وكينيا، والصومال" وغيرها، بهدف تشكيل تحالف كفري آخر لمواجهة جنود الخلافة في شرق الكونغو، خصوصاً بعد أن شهد العمل العسكري هناك -بفضل الله تعالى- تطوراً ملحوظاً وتوثيقاً إعلامياً مستمراً لأغلب الهجمات التي تستهدف دوريات الجيش وميليشياته، وتستهدف النصارى وقراهم وقوافلهم على الطرق التجارية الرئيسة، في إطار الحرب الاقتصادية الكبرى التي يشنّها جنود الخلافة، وهي أوسع حرب استنزاف توجّه مِن المسلمين ضد الكافرين، بعد أن كان اتجاه الحروب طيلة العقود الماضية معاكساً يسرق فيه الصليبيون ثروات المسلمين وينهبون خيراتهم ويستنزفون طاقاتهم.

وهذا مما يُحسب للدولة الإسلامية -بفضل الله تعالى- وهي تجابه الباطل برجالٍ فقهوا معنى قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، وأدركوا معنى قتال المشركين كافة، فلم يعد القتال قتالاً وطنياً ولا قطرياً ولا اضطرارياً ولا ارتهاناً لمحاور الداعمين، ولا تماشياً مع الأجندات، ولا خدمةً لثورات البرلمانات! كلا، بل جهاداً شرعياً في سبيل الله تعالى، لا يرى مصلحة أكبر من التوحيد ولا يرى مفسدة أسوأ من الشرك، ينصر الإسلام بالإسلام لا بسواه، وهذا هو سرُّ التوفيق الكبير الذي يلمسه المجاهدون على الأرض، وهو ما يفسّر أيضاً أسباب اجتماع كلّ أحزاب الباطل ضد دولة الإسلام، فقد خالفت أهواءهم وتوقعاتهم جميعاً، فلا عجب أن يشتدوا في طلبها وحربها، فعلى قدر مفارقة معسكر الباطل ومفاصلته تكون الحرب! وقد قبِلها جنود الخلافة وهم على استعداد أن يدفعوا أثمانها مهما علت، فما عند الله خير وأبقى.

وكسائر إخوانهم، نال المجاهدون في الكونغو نصيبهم من حملة التشويه والتضليل المتعمدة، فما زال "الإعلام الحكومي والدولي" في الكونغو يُطلق على جنود الخلافة هناك أسماء محلية غريبة! بعيدة كل البعد عن اسم ورسم دولة الإسلام، وكل ذلك هرباً مِن أن يعترفوا بأنهم يقاتلون اليوم في الكونغو ذات الدولة الإسلامية التي زعموا من قبل القضاء عليها في الباغوز! فسبحان مَن أنفذ بعث الباغوز إلى الكونغو وموزمبيق وأمدّه بمدد مِن عنده، في نصر وتأييدٍ إلهي عرفه مَن عرفه وأنكره مَن أنكره.

أما إخواننا المجاهدين في وسط إفريقية، فنوصيهم بعد التوكل على الله تعالى، أن يُجهّزوا أنفسهم ويشحذوا هممهم ويحدّوا سيوفهم ففرائس الصليبيين تتدافع إلى فخاخهم، فليُحكموا الكمائن ويُطْبقوا الشراك، وليُشعلوا الأدغال والغابات عليهم نارا وليجعلوا خسائرهم بعدد حملاتهم، وليستعينوا بالله تعالى عليهم، ويتذكروا أنّ المعركة لا تنتهي في الأرض بل يوم العرض على الله تعالى، فليطيبوا بذلك نفساً فإنها معركة محسومة لا يخسر فيها المسلم أبداً، فهو يتنقل بين أجرين وخيرين، بين إحدى الحسنيين، أما الكافرون فموعدهم بعد كل هذه الحروب والتحالفات؛ الساعة! والساعة أدهى وأمرّ.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 298
الخميس 26 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

محاربة الخلافة مع اتساع الحرب على الدولة الإسلامية طولا وعرضا، انخرطت شريحة واسعة من خصومها في ...

محاربة الخلافة


مع اتساع الحرب على الدولة الإسلامية طولا وعرضا، انخرطت شريحة واسعة من خصومها في مهمة واحدة هي محاربة مشروعها المبارك، ولو سألتَ هؤلاء عن ماهية مشروعهم فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا، لأنهم بلا مشروع سوى حربها والتآمر عليها، فهم مخالفون لها مختلفون معها متخلّفون عنها، وما أكثرهم ولو حرصت بمؤمنين.

ورغم اختلاف راياتهم، تقاطعت مصالح أعداء الدولة الإسلامية سواء كانوا كفارا أصليين، أو حكومات وأحزابا مرتدين، أو مرضى قلوب ومنافقين، أو خصوما مناوئين، أو منتكسين متساقطين تعبوا من لأواء الطريق ووعورته، فاختاروا مفارقته وقعدوا على قارعته يصدون عنه، فارتكبوا الجرم مضاعفا، وبنوا بأيديهم حاجزا بينهم وبين الهداية فاستحقوا بذلك دوام الغواية، وحيل بينهم وبين قلوبهم! وغدا يُحال بينهم وبين ما يشتهون.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 523
حرب بين مشروعين
...المزيد

المنهج النبوي مع ضرورة التأكيد على أمر قديم جديد، وهو أن الدولة الإسلامية لم تدَّعِ العصمة يوما، ...

المنهج النبوي

مع ضرورة التأكيد على أمر قديم جديد، وهو أن الدولة الإسلامية لم تدَّعِ العصمة يوما، ولم تحتكر الخيرية مطلقا؛ وإنْ تسنّمت ذرى الجهاد وصانته عن أدران الجاهلية، وقادت ركب الثبات وسط أعاصير التيه العاتية، وهي تدرك وتوقن أن توفيقها وتفوّقها محض فضل ربها عليها، بثباتها على منهاج النبوة الذي اتبعته مبكرا يوم كانت في العراق تؤسس وتغرس قواعد صرح المفاصلة العقائدية مع كافة معسكرات الجاهلية، بينما كان غيرها يغرقون في الرمادية المنهجية التي صبغت مواقفهم حتى يومنا هذا، فرأيناهم في كل واد يهيمون.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 523
حرب بين مشروعين
...المزيد

من الوطنية الضيقة إلى الجسد الواحد وعند إمعان النظر في اهتمام شعوب المسلمين بقضية ما، نجد أن ...

من الوطنية الضيقة إلى الجسد الواحد


وعند إمعان النظر في اهتمام شعوب المسلمين بقضية ما، نجد أن ذلك الاهتمام نابع من أمرين: الأول أن هذه القضية طغت وطنيتها على سائر ما فيها، فكان اهتمام الناس بها تأثُّرا بوطنيتها لا بإسلاميتها، وإنْ غلّفوها بعباءة دينية أحيانا.

والأمر الثاني نابع من اهتمام الحكام والأنظمة بهذه القضية لارتباطها الوثيق بمصائرهم السياسية ومصالحهم الأمنية، وبالتالي تصبح حركة الشعوب واهتماماتها، رهنا لحركة الحكومات وتوجهاتها السياسية، فمثلا كثيرون لا يهمهم في قضية السودان سوى المناكفة السياسية لطواغيت الإمارات كونها خصما سياسيا للمحور الآخر الذي يمثله طواغيت آخرون، مع أنّ كلا المحورين المتناحرين في الحكم سواء.

في حين أن الإسلام يربّي المسلم على جعل عقيدة التوحيد ورابطتها هي المحرّك الأساسي تجاه قضايا المسلمين، فالمسلم الليبي يهتم لقضية مسلمي السودان تماما كما يهتم المسلم الشيشاني لقضية مسلمي سوريا، والمسلم النيجيري يتألم لجراح أخيه المسلم العراقي تماما كما يتألم المسلم الأفغاني لجراح أخيه المسلم الفلسطيني، هذا هو الإسلام الذي نعرفه، هكذا تذوب الفوارق الجاهلية والحدود الوطنية لمصلحة الرابطة الدينية التي تحقق الوحدة الإسلامية التي ضلّ الناس سبيلها.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 519
السودان بين الإسلام والوطنية
...المزيد

قِوامُ الدَّولة ومَنهجُ النُّصرة (تذكير بوصية الشيخ المتحدث في التحذير من الفرقة والاختلاف) يا ...

قِوامُ الدَّولة ومَنهجُ النُّصرة (تذكير بوصية الشيخ المتحدث في التحذير من الفرقة والاختلاف)


يا جنودَ الخلافة.. الجماعةَ. الجماعةَ، والسمعَ والطاعةَ لأمرائكم في المعروف فهو واجبُ كلِ واحدٍ منكم، وهو قِوامُ دولتِكُم قديما وحديثا به تُحفظُ بيضتُها وتدُوم هيبتُها وينتظِمُ أمرُها، وبضِدِها يحصلُ الفشلُ وتذهبُ القوة، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

وإياكم وتلبيسَ إبليسٍ، فإن شياطينَ الإنسِ والجنِ، تُكثرُ التلبيسَ على المسلمين في هذا الباب، فسُدوا على الشيطان بابَه وردُوه على عقِبِه خاسئا حسيرا وغلِّبوا أمرَ ربِكم القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وأمرَ نبيِكم -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً)، فهذا مقامُ الاجتماعِ والطاعةِ والبيعةِ في الإسلام، فعَضُوا عليها بالنواجذ ووفُوا ببيعتكم.

ويشملُ هذا الأمرُ إخواننا المناصرين الذين حملوا رايةَ نُصرةِ الدولة الإسلامية في ساحة الإعلام ونسبوا أنفسَهم إليها، وعقدوا البيعةَ لها من سائر العالم فإن السمع والطاعةَ واجبةٌ على كل فردٍ منهم، فاسمعوا وأطيعوا، وتعاونوا وتطاوعوا، واحذروا الفرقة والاختلاف، واجتنبوا عقيمَ الجدالِ فإنه يُوغِرُ الصدرَ ويُذهب الأجر؛ ولديكم أرشيف كبيرٌ من ميراثِ الدولة الإسلامية المرئي والمسموعِ والمقروء، فاجتهدوا في رفعه وترجمتِه وبثِه في جنباتِ الشبكة العنكبوتية التي لا تنشغلُ هي عن محاربتكم، فزاحموا أهلَ الباطل بنشرِ الهدايةِ والرشاد، وادفعوا شُبُهاتِهم بالحقِ لا بسِواه، انصُروا الشريعةَ بالشريعةِ والسنةَ بالسنة، وادعوا إلى سبيل ربكم بالموعظة الحسنة، وخاطبوا الناسَ على قدرِ عقولِهم فإنما أنتم رسلُ البلاغ، وهي وظيفتُكم الأولى في ميدان الإعلامِ المناصِر، فلا تستبدلوها بشيء سِوى النفيرِ إلى ميادين القتال.

وكونوا على قدْرِ هذه الأمانة، إخلاصا واتباعا وهمة وتفانيا. وامتثلوا توجِيهاتِ إخوانِكم التي تصلكم عبر منابرها الرسمية -حفظ اللهُ القائمين عليها-.


الشيخ أبو حذيفة الأنصاري (حفظه الله تعالى)
من كلمة صوتية بعنوان: { واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ }
...المزيد

هشيم الوحدة الجاهلية إن مجتمع الديمقراطية بكل أشكاله وفي جميع ساحاته، مجتمع جاهلي مفكك تطغى ...

هشيم الوحدة الجاهلية


إن مجتمع الديمقراطية بكل أشكاله وفي جميع ساحاته، مجتمع جاهلي مفكك تطغى عليه الأنانية والمادية والحزبية التي لا تؤمن بغير المصلحة، إنها بيئة مَرَضية مضطربة يزعمون أنها تهدف إلى تنظيم وإصلاح البيت الداخلي، في حين أنها تهدمه لا تنظمه، وتفسده لا تصلحه، وتمزّق أفراده شيعا وفرقا تتقاتل باسم "الوحدة الوطنية" وتحت ظلال "القبة البرلمانية" التي شيّدتها شياطين الإنس والجن بديلا عن قبة الشريعة المرْضية.



• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [522]
الفائزون والخاسرون
...المزيد

مقال: تُحف الذاكرين (2) الحمد لله محبّ التوّابين وغافر زلات المذنبين، والصلاة والسلام على ...

مقال: تُحف الذاكرين (2)


الحمد لله محبّ التوّابين وغافر زلات المذنبين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، نواصل في هذا العدد ما ابتدأناه في العدد الماضي من تحف الذاكرين التي أعدها الله تعالى لعباده الذاکرین.

التحفة الثالثة: النجاة من المصائب والنكبات، قال عز وجل: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣-١٤٤]، قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة!، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاکرین الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه... وعن ميمون بن مهران، قال: سمعت الضحاك بن قيس يقول على منبره: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة، إن يونس كان عبداً لله ذاكرا، فلما أصابته الشدّة دعا الله فقال الله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، فذكره الله بما كان منه، وكان فرعون طاغيا باغيا فلمَّا {أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}". [التفسير]

وكما أنجي الله نبيه يونس عليه السلام فكذا سينجی سبحانه كل مَن عمل ما عمله يونس عليه السلام وأخذ بالسبب نفسه، قال الله عز وجل: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٨]، قال الطبري رحمه الله: "يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا ". [التفسير]

وسل نفسك كم مرة مرّت عليك مصيبة ونكبة وكنت من قبل مفرطا في جنب الله لم تَعُدّ لها عملا صالحا، وصرت تفتّش حينها يمينا وشمالا لا ترى عملا مخلَصا يصلح ذكره في ذلك الموطن، ثم سل نفسك كم مرة أنجاك الله من غم ألمّ بك وقد عزمت حينه أنك بعد النجاة تكون من أهل العبادة والاجتهاد والأعمال الصالحات؟.

فتدارك نفسك الآن لتعمل لقدَر نازل بك، وغدٍ هو عليك آت، فقد جُبلت الدنيا على الكدر ومصاعب القَدر، ولن تجد عُدة أيسر من ذكر الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (تعرّف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) [رواه أحمد].

وإن كلمات الذكر لتذكّر بصاحبها عند العرش قال صلى الله عليه وسلم: (الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل، يذكّرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به) [رواه أحمد].

وما أحوج المجاهد في سبيل الله إلى أن يكون له عند الله شيء يُذكر به؛ لأن المدلهمات حوله كثيرة والكل متربص به ويطلبه.

التحفة الرابعة: طمأنينة القلب وانشراحه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨]، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) [ابن ماجه]، وراحة الصدر لن يجدها إلا أهل الذكر، وهذه خاصية لهم من بين المتنافسين في الخيرات.

وخير أهل كلّ عبادة أكثرهم لله ذكرا، فعن معاذ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رجلاً سأله فقال: "أيُّ الجهاد أعظمُ أجراً یا رسول الله ؟ قال: (أكثرُهم للهِ ذِكرا)، قال: فأيُّ الصَّائمين أعظمُ؟ قال: (أكثرهم لله ذِكرا)، ثم ذكر لنا الصَّلاة والزَّكاة والحجَّ والصدقة كلٌّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثرهم لله ذكرا)، فقال أبو بكر: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكلِّ خيرٍ، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أجل). [رواه أحمد]

لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يحث على ذكر الله كثيرا، وكان هو عليه الصلاة والسلام كثير الذكر لله، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه" [متفق عليه]، فقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على قلبه، يظهر ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّه لَيُغانُ على قلبي، وإنِّي لأستغفرُ الله في اليوم مئة مرة)، وإن كان نبينا صلى الله عليه وسلم حريصا على قلبه، وهو الذي يُوحى إليه، وهو المغفور له، فكيف بنا نحن؟!

وكان بعض السلف رحمهم الله يذكرون الله بالمئات وبعضهم بالألوف، قال ابن رجب رحمه الله: "وكان بعضُهم يسبِّحُ كلَّ يوم اثني عشر ألفَ تسبيحة بقدر دِيَتِه، كأنَّه قد قتل نفسه، فهو يَفْتَكُّها بديتها" [جامع العلوم والحكم].

ولذلك تجد الذاکرین هم أبعد الناس عن الهمّ والكآبة والسخط، وبمقدار الذكر يكون الانشراح في الصدر، وضيق الصدر أقرب لأهل المعاصي والمسرفين في المباحات وأهل الغفلة، قال ابن القيم رحمه الله: "وصدأ القلب الغفلة والهوى وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار" [الوابل الصيب].

ومن عجيب حال الناس بحثهم السعادة واطمئنان القلب في غير ذكر الله وطاعته، ولو أنهم عملوا بما قاله خالق القلوب وباريها لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، إذ لا يعرف ما يصلح هذه القلوب إلا خالقها فهو بما خلق أعلم، قال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، ولذلك نجد من طاف بين المعاصي ونال بغيته منها وغرق في ملذات الدنيا لم يحصّل بعدها إلا قسوة القلب وضيق الصدر، بل بعضهم لم يجد للحياة طعما فاختار الانتحار! ظانا أن ما بعد الموت أهون مما قبله، بينما نجد المجاهد في سبيل الله المتفرغ لعبادة الله العامل بما يرضي الله أسعد الناس قلبا وأشرحهم صدرا وإن فقد أهله وماله أو فقد أحد أعضائه أو أصابه أسر أو شدة؛ وما ذاك إلا لكثرة ذكرهم لله، واستعدادهم الدائم للقاء الله وجعلهم الدنيا خلف ظهورهم، قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم). [رواه أحمد]

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

قصة أربعة نفر من فرسان الإعلام في خراسان إن الجهاد الإعلامي بالكلمة واللسان مرحلة تسبق الجهاد ...

قصة أربعة نفر من فرسان الإعلام في خراسان


إن الجهاد الإعلامي بالكلمة واللسان مرحلة تسبق الجهاد المسلح بالسنان، وأغلب المجاهدين مروا بهذه المرحلة قبل أن ينتقلوا إلى ميادين المواجهة العسكرية المباشرة.


فالمجاهد الإعلامي هو الداعي إلى الجهاد والمحرّض عليه والمدافع بلسانه ويراعه عنه، وقد أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يحرّض على القتال والجهاد فقال تعالى: {وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِینَ عَسَى اللّهُ أَن یَكُفَّ بَأْسَ الَّذِینَ كَفَرُوا}[النساء:٨٤]، وقَالَ أيضاً: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِینَ عَلَى ٱلْقِتَالِ} [الأنفال:٦٥].

ولقد استجاب إعلاميو الدولة الإسلامية لأمر ربهم تعالى بالتحريض والحثّ على الجهاد، واتبعوا في ذلك كل الوسائل الإعلامية المتاحة حتى أرهقوا أمم الكفر بذلك، فلم يجدوا غير القنابل والصواريخ ليقصفوا بها النقاط والمراكز الإعلامية التي أقامها المجاهدون في مناطق سيطرتهم، ولا عجب أن يقابل الصليبيون الشريط المصور بالصاروخ المطور فهم قد أدركوا خطره عليهم والقصف على قدر الخطر!

ولعل كثيرا من المسلمين لا يعلمون أن الإصدار المرئي الذي يشاهدونه أو الخبر القصير الذي يقرأونه؛ يصلهم عبر سلاسل من المجاهدين الإعلاميين يتقحّمون مخاطر إعداده وإرساله من الميدان إلى ثغور الإعلام وسط حرب شرسة تشنّها عليهم جيوش الكافرين وأجهزة مخابراتهم رصدا وملاحقة وتتبعا على مدار الساعة، وكم من إصدار مرئي شاهده المسلمون بينما صانعوه تحت الثرى! وكم من مركز إعلامي لم يبق منه سوى إنتاج أبطاله وطيب الذكري، وكم من مجاهد إعلامي مزقت أشلاءه الطائرات لكنها عجزت أن تنال من رسالته التي سطّرها بدمائه فأزهرت بين الركام دعوة حقٍ يهتدي بسببها أجيال من المسلمين إلى طريق الأنبياء إلى قيام الساعة.

وهذه قصة واحدة من قصص كثيرة لأربعة نفر من أبطال المكتب الإعلامي لولاية خراسان قضوا نحبهم وهم مرابطين على ثغور الإعلام أثناء أدائهم لإحدى المهام.


• حرب مشتركة ضد المجاهدين

كان هجوما مشتركا تشنّه میلیشیا طالبان والقوات الأفغانية والميليشيات الرافضية على جنود الخلافة في خراسان، تزامنا في الوقت والهدف مع قصف عنيف تشنّه الطائرات الأمريكية على مناطق المجاهدين بشكل متواصل، حتى استطاعت طالبان وأحلافها أن تسيطر على جبال (أبيض)، في الوقت الذي كانت القوات الباكستانية والميليشيات الرافضية المرتدة تشنّ هجوما متزامنا هي الأخرى على منطقة جبل (جيران)، في حين كان المجاهدون في الأودية والبوادي لا يستطيعون التنقل بسبب كثافة القصف الأمريكي الذي لم يتوقف عليهم، فكان يستهدف حتى الأطفال الذين يحملون الطعام والماء على ظهور الدواب!، وكل ذلك بهدف إسقاط حكم الشريعة الذي أقامته الدولة الإسلامية، وإبداله بحكم آخر يضمن أمن أمريكا ومصالحها في المنطقة، ويتعهد بمكافحة الجهاد!.


• مواصلة العمل في أحلك الظروف

وبرغم هذه الظروف الصعبة، وكغيرهم من فرسان الدواوين المختلفة؛ كان فرسان ديوان الإعلام في ولاية خراسان يبذلون وسعهم لمواصلة نشاطهم وجهادهم غير آبهين بالقصف الجوي، متوكلين على الله تعالى بعد اتخاذ الأسباب والتكتيكات المتاحة للتخفي عن الطائرات.

حيث كان المجاهدون بمنطقة (وزير تنكي) عاكفين على إنتاج مرئي جديد، بينما كان المسؤول الإعلامي الأخ (یاسر) ونائبه الأخ (عبد الرحمن بدري) والأخ المترجم (أبو عبد الله)، كانوا جميعا في منطقة جبال (تورا بورا)، وكان لا بد من قدومهم لمباشرة العمل في الإصدار.

فاستغل الإخوة الثلاثة تلبّد السماء بالغيوم ورأوا في ذلك فرصة للتحرك باتجاه (وزير تنكي)، إلا أن الطائرات الأمريكية رصدتهم في الطريق واستهدفتهم بعدة صواريخ قُتل على إثرها الأخ (یاسر) والأخ المترجم (أبو عبد الله) تقبلهما الله تعالى، بينما سلّم الله تعالى الأخ (عبد الرحمن) واستطاع الوصول إلى إخوانه في المنطقة الثانية، لتبدأ رحلة أخرى من العمل والتنقل الخطر بين الغابات وتحت الطائرات.

• ١٢ صاروخ (كروز)!

في هذا الوقت كان فرسان الإعلام يعملون في بيت أحد المجاهدين، ولكن بسبب طول فترة الحصار نفد الطعام من البيت، ونظرا للقصف العشوائي المستمر وعدم القدرة على الخروج لتوفير الطعام، قرر الإخوة مغادرة البيت -تخفيفا على أخيهم- نحو بيت آخر يسكن فيه الأخ الإعلامي (أنس)، وذلك بهدف مواصلة العمل من هناك، وبعد ساعة نزل المطر بغزارة فاستغل الإخوة الفرصة ومعهم (عبد الرحمن) وخرجوا من البيت سالكين طريقا وعرا بين الغابات الكثيفة للتخفي عن الطائرات، وبعد سير مسافة ثلاث ساعات سمعوا أصوات الانفجارات تدوي في المنطقة، وإذا بالبيت الذي كانوا فيه قبل ساعات قد تم قصفه بـ۱۲ صاروخ (کروز) وصاروخين من طائرة مسيرة!! فقال الأخ (عبد الرحمن) حينها، هذه هي المرة الثانية خلال الأسبوع التي ينجّينا الله تعالى فيها من القصف، وتلا قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا یَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا یَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤].


• درس مونتاج في المغارة!

ثم واصل الإخوة سيرهم بين الغابات مسافة أربع ساعات أخرى حتى وصلوا إلى منطقة مكشوفة، فقال لهم الأخ (عبد الرحمن): أكثروا من ذكر الله تعالى في طريقكم، وليبتعد كل واحد منا عن الآخر، لكي لا يُقصف ثلاثتنا بصاروخ واحد! فإن قصفونا فليكن بثلاثة صواريخ حتى يخسروا أموالا أكثر، فتبسّم إخوانه وتفرق ثلاثتهم أثناء المسير، ولكن نظرا لحركة الطائرات الكثيفة قرروا التوقف والمبيت عند أحد الإخوة على مقربة من بیت الإعلامي (أنس) والذي يقصدونه لمواصلة العمل، وطوال ساعات الليل لم يتوقف القصف حيث آوی الإخوة إلى مغارة موحشة داخل البيت حتى جاء صباح اليوم التالي، فأرسلوا إلى الأخ (أنس) عبر بريد بشري وأخبروه بأنهم على مقربة منه، وطلبوا منه القيام ببعض المهام الإعلامية إلى أن يصلوا إليه.

وكان الطريق بينهم وبين بيت (أنس) يستغرق عشر دقائق فقط! لكن الطائرات كانت تملأ الأجواء، فلم يستطع الإخوة مجددا أن يصلوا إلى وجهتهم، فمكثوا ليلة أخرى في المغارة، قضاها الأخ (عبد الرحمن) في تعليم أحد إخوانه درسا في المونتاج! مستغلا كل لحظة في تعليم إخوانه وإعدادهم لمواصلة هذا الطريق وحمل أمانة البلاغ.


• ومضى عبد الرحمن وأنس!

وعند صلاة الفجر، تقدم الأخ (عبد الرحمن بدري) للإمامة وقرأ آيات من سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: {أَیْنَمَا تَكُونُوا یُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِی بُرُوجٍ مُّشَیَّدَةٍ} فبكى بكاء شديدا، وبعد انتهاء الصلاة توجه إلى إخوانه قائلا: علينا أن نبذل جهدنا ونواصل جهادنا فلا نكل ولا نمل، ولا نخشى الطائرات ونواصل العمل على كل حال، ثم طلب من إخوانه أن يبقوا في المكان، وقرر التوجه بمفرده إلى بيت (أنس)، بعد أن قلت حركة الطائرات في الجو، وأخبر إخوانه بأنه سينجز العمل ويعود قريبا إن شاء الله.

فقال له إخوانه ولكن الطائرات ما زالت تحلق في الأجواء فهلا انتظرت قليلا، فتبسم الأخ (عبد الرحمن) وقال: إن كتب الله الموت عليّ فسيأتيني الموت حيث كنت، ولم يمض سوى نصف ساعة على كلمته هذه، حتى سمع الإخوة صوت قصف شديد، وإذا بالطائرات الأمريكية قد قصفت بیت الأخ (أنس) ليُقتل برفقة الأخ (عبد الرحمن) وليلتحقوا بإخوانهم (ياسر) و(أبو عبد الله) -تقبلهم الله تعالى-.

هذا جانب يسير من البطولات والتضحيات التي يبذلها فرسان الإعلام في ولايات الدولة الإسلامية ليوصلوا إلى المسلمين رسائل النور والهدى، ليعلم مَن جهِل ويتذكر من نسي، أهمية هذا الثغر المبارك الذي يلاقي فيه أبطاله ما يلاقيه سائر إخوانهم في الثغور الأخرى، فليلزم كل مجاهد ثغره وليحتسب أجره.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

تونس وحصاد الديمقراطية قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة ...

تونس وحصاد الديمقراطية


قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ الله ورسوله في هذا الزمان هم طلاب الديمقراطية ودعاتها وأتباعها الذين صدّقوا بها واتخذوها سبيلا ومنهجا، فخالفوا السنة والسنن فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة والتيه، وصار ذلك ملازما لهم في كل أحوالهم كالطوق في رقابهم.

وهذا هو عين ما حصل اليوم للإخوان المرتدين في تونس بعد أن خالفوا سبيل المؤمنين واتبعوا الديمقراطية واستعانوا بها وعظّموها وجعلوها حكَما بينهم وهاديا لهم إلى صراط الجحيم، فكانت النتيجة مشابهة لما جرى لهم من قبل، حيث انقلب عليهم من ارتضوه طاغوتا لهم، فعطّل برلمانهم وأقال قادتهم وضرب بثورتهم وسلميتهم وديمقراطيتهم عرض الحائط، ليكتمل بذلك طوق الفشل الإخواني بسقوط آخر قلاعهم الديمقراطية، وفشل آخر تجاربهم السياسية وأسوأها وأكثرها محاربة لشريعة الرحمن.

قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:115]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح؛ جازيناه على ذلك، بأن نحسّنها في صدره ونزيّنها له، استدراجا له، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة". وقال الطبري رحمه الله: "وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم، وقوله: (نولّه ما تولّى) أي: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله، ولا تنفعه". فماذا نفعت الديمقراطية عبيدها في الدنيا؟! وماذا ستُغني عنهم في الآخرة؟!

لكن هذا التيه المضروب لم يكن حكرا على أحزاب الإخوان المرتدين، بل انسحب أيضا على بعض منظّري القاعدة وتيارها المنحرف! فهم كانوا أول مَن أثنى على الطاغوت التونسي واعتبروا فوزه "مؤشر حسن لعمل الدعاة إلى الله، ونشر التوحيد وبيان الدين الحق!"، ورسموا أوهاماً من خيوط العنكبوت، لا تفسير لها سوى تهوين الكفر واستحسان الديمقراطية وتقبّلها بشكل أو بآخر، ما يؤكد أن الفروق القليلة المتبقية بين الإخوان وتيار القاعدة هي فروق في المقدور عليه وغير المقدور عليه ليس إلا، بدليل أنهم استحسنوا هذا الطاغوت الذي أتت به الانتخابات الكفرية مع علمهم أنه "أستاذ في القانون" الكفري! لا في الشريعة ولا في أصول الفقه، فماذا كانوا يتوقعون منه غير الكفر والديمقراطية؟!

إن موقف مخرّفي القاعدة من الطاغوت التونسي في سذاجته لا يقل عن موقف الإخوان المرتدين الذين شبّهوه يوم تنصيبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه! فإن كنت ستعجب من الإخوان المرتدين على وضاعة عقولهم، فعجبك من القاعدة أولى.

ومن العجيب أيضا أن نراهم منهمكين في التفريق والمفاضلة بين فريقي "الثورة" و"الثورة المضادة"، والتفريق بين الطواغيت الذين يدعمون كل فريق منهما!، وهذا لا شك فإنه يعكس عمق الانحراف الذي أصاب هؤلاء فصاروا يفاضلون بين فريقين كلاهما يرى في السلمية وسيلة وفي الديمقراطية حكما وفي الجهاد جريمة!

ولقد أقرّ عبيد الديمقراطية بأن جميع تجارب ما يسمى بـ"الربيع العربي" فشلت، لكنهم عزوا ذلك لأسباب "داخلية وخارجية"، والحقيقة التي لم ولن يتطرقوا إليها أن كل هذه التجارب فشلت لأنها خالفت شريعة الإسلام وسنن الله تعالى في خلقه، ولم نكن ننتظر فشلها في تونس لكي نحكم على فشلها بالجملة، لكن يكفي اعتراف أربابها بفشلها عبرة لمن فتنه بريق "ثورات الياسمين والربيع" الذي سرعان ما انقلبت عليهم شتاء بريح صرصر لا سقيا فيها ولا ماء!

ومن العبر مما جرى، أنه برغم الكفر البواح الذي ارتكبه الإخوان المرتدون في تونس ومحاربتهم للشريعة بغير مواربة إرضاء لـ"الشركاء الدوليين والمحليين"، إلا أن ذلك لم يمنع الانقلاب عليهم، وهو المصير الذي ينتظره كل المفرطون والمتراجعون، فلن ينالوا غير الخسارة ولن يحصدوا غير الفشل والإخوان ليسوا استثناء في ذلك.

ومن العبر أيضا، خروج الحواضن تصفق وتهلل للطاغوت بعد انقلابه على ديمقراطيتهم المزعومة، وفي ذلك رسالة لمن يعوّل كثيرا على هذه الحواضن ويحمّلها وثوراتها ما لا تحتمل! فالحواضن والثورات تحركها مصالح الدنيا وأجندات الداعمين لا اعتبارات الدين، وهذا سبب من أسباب انحراف المنخدعين بها كالقاعدة وأخواتها.

وعليه فيجب على المسلمين أن يعلموا يقينا أن الديمقراطية والسلمية ليست سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين هو الجهاد الذي يرمي إلى أن تكون الشريعة هي الحاكمة لا الديمقراطية ولا غيرها من المناهج الكفرية التي أفسدت البشرية وأوصلتها إلى هذا الانحطاط الشامل في كل مناحي الحياة.

يقول الشيخ العدناني رحمه الله: "لقد علمت الدولة الإسلامية أنّ الحق لا يُسترد إلا بالقوة فاختارت صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع، وأنّ رفع الظلم والتغيير لا يكون إلا بالسيف فأصرّت على التفاوض في الخنادق لا في الفنادق، فهجرت أضواء المؤتمرات وأضرمت نار الغارات".

إن العزة والهداية مقرونة بالجهاد في سبيل الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فهدى الله تعالى المجاهدين إلى سبيل الحق، بينما أركس المنافقين والمخلفين -بما كسبوا- وحرمهم الهداية، فصاروا يتناقضون في كل تنظيراتهم حتى أرهقوا أتباعهم وأدخلوهم في لجج التيه والتخبط الذي لا تخطئه العيون.

إن الأحداث والتغيرات المتسارعة في العالم تُثبت صوابية الدولة الإسلامية في توجهاتها شرعا وسياسة وحكما، لأنها سارت على صراط الله تعالى الذي خلق الخلق ويعلم ما يُصلحهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فإن صلاح الدنيا والدين هو بالتوحيد والجهاد والشريعة، لا بثالوث الشر؛ الديمقراطية والسلمية وربيبتها الثورات!

فلتفخروا يا جنود الخلافة ومناصريها في كل مكان، فلو لم يكن لكم إلا سلامة المنهج وصحة الطريق لكفاكم ذلك، فكيف وأنتم اليوم رأس حربة تقودون المسلمين إلى نجاتهم والكافرين إلى حتوفهم، قال الشيخ أبو حمزة القرشي حفظه الله: "لابد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنة باقية عالية".

فمزيدا من الثبات على طريقكم ومزيدا من الدعوة إليه ومزيدا من الصبر على ذلك، فلقد بتم ترون ثمار هذا الثبات في مشارق الأرض ومغاربها، بينما يتجرع المرتدون والمبدّلون غصص الذل والحسرة والهوان جراء تفريطهم وتبديلهم واتباعهم سبل الكافرين ومناهج المنحرفين، ولا يظلم ربك أحدا.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

تأملات في هجوم بغداد بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في ...

تأملات في هجوم بغداد


بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في بغداد، الأوهام والمزاعم الرافضية حول بسط الأمن في مناطق العراق، كما بدَّد معه أيضا الأماني الصليبية التي تعاقب طواغيت أمريكا على الحكم وهم يحلمون بتحقيقها، فيما استمرت الدولة الإسلامية سائرة ماضية على طريقها بفضل الله تعالى، بينما تمضي الإدارات الأمريكية تباعا إلى مصير أسود تتوراث فيه إرثاً كبيرا من الفشل والخسائر الاقتصادية والعسكرية.

وكان لافتا مسارعة الصليبيين: أمريكا والتحالف الدولي والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، وعدد من الدول والكيانات الصليبية الأخرى، كان لافتا مسارعتهم إلى "إدانة الهجوم" المبارك، و"تقديم التعازي" لهلكى الرافضة، والتشديد على "ضرورة تقديم منفّذي الهجوم إلى العدالة!، ومواصلة محاربة الإرهاب"، بينما قال "مسؤولون في الأمم المتحدة" في بيان صدر عن مكتب المنظمة في "نيويورك" إن "التفجيرات الأمنية في العراق، هي الأشد التي تشهدها العاصمة بغداد منذ ستة أشهر".

هذه الضجة الصليبية ممثلة بتتابع الإدانات بـ"لهجة حادة"، وتزاحم تصريحات "التهديد" والتأكيد على ضرورة محاربة الدولة الإسلامية وملاحقة جنودها في كل مكان؛ تعكس بجلاء حجم القلق الذي يعيشه الصليبيون الآن، والخطر الذي يحدق بهم بعد كل هذه السنوات في حربهم وتكالبهم على دولة الإسلام، والتي يقرّون اليوم بأن "إرهابها لا يعرف حدودا"، والحقيقة أن غير حدود الشرع الحكيم فليس ثمة حدود.

لقد ضرب المجاهدون ضربتهم في بغداد فأصابوا بها قلب أمريكا الصليبية وحلفاءها الذين لم يعد يُغني عنهم وعنها كل ما أنفقوه وبذلوه في حربهم ضد الجهاد، فإذا به يمتد ويشتد ويعود بهم إلى المربع الأول، أيام دامية وهجمات في قلب المدن.

من الناحية الشرعية، فإن الهجوم يأتي استجابة لأوامر الله تعالى بقتال المشركين إزالةً للشرك، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، قال الطبري رحمه الله: "يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره".

إن توحيد الله تعالى يقتضي أن نقاتل مَن أشرك معه آلهةً أخرى، فكيف لو جمع مع ذلك محاربة المسلمين وقتلهم لأجل دينهم وسنّيتهم؟!، والرافضة عساكر وغير عساكر يتقاسمون هذا الوزر، وتاريخ جرائمهم بحق أهل السنة في العراق لا ينُسى.

ومن ناحية أخرى، سيجد المجاهدون مَن يطعن بهم وبجهادهم وينتقد عملياتهم هذه، ويبثّ الأراجيف والشبهات حول مشروعيتها، رغم أن قادة المجاهدين لم يتركوا شاردة ولا واردة في هذا الباب إلا أوضحوها وبيّنوها دعوة وبيانا، وتلك محاضرات الشيخ أبي مصعب الزرقاوي رحمه الله قد أجادت وأفادت لمن رام الحق، وغيرها كثير.

إلا أننا نودّ أن نلفت عناية المجاهدين وأنصارهم على أن الانتقادات والتشغيبات على جهادهم لم ولن تتوقف، فغربة الدين تتصاعد بمرور الزمان ولا تقل، وهي وعدٌ سيحياه كل مؤمن سار على هذا الطريق، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) [رواه مسلم]، وإنّ ما يلقاه جنود الخلافة اليوم من طعن وتشويه أدعياء العلم؛ هو ضرب من ضروب هذه الغربة المستمرة، فليوطّدوا أنفسهم على ذلك ولا ينتظروا أن يتلقاهم أهل الزيغ والانحراف بغير ذلك، وما عليهم إلا أن يواصلوا جهادهم على منهاج نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ولا يلتفتوا لأهواء وأمزجة العبيد.

قال ابن القيم رحمه الله: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترْك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس". [مدارج السالكين] ومن الناحية الأمنية، فإن اللحظة التي يفجّر فيها المجاهد حزامه الناسف هي آخر خطوة في العملية، تسبقها سلسلة طويلة من خطوات الإعداد والتخطيط والتجهيز حتى تصل العملية إلى مرحلتها الأخيرة، وفي ذلك لفتة نذكّر بها المسلمين بأن التوفيق في هذه العمليات إنما هو من الله تعالى وحده، وهو سبحانه الذي يسدد رمي عباده المجاهدين ويوصلهم إلى أهدافهم، ويعمي عنهم أبصار عدوهم.

وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبًا عباده: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:17]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، بل هو الذي أظفركم بهم ونصركم عليهم، فهو المحمود سبحانه، لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم".

فعلى المجاهدين وأنصارهم أن يتذكّروا ويتذاكروا هذه المعاني ويمتثلوها فإنهم بذلك يتبرأون مِن حولهم وقوتهم إلى الله تعالى، فيسلمون ويغنمون.

كما إن نجاح هذه العمليات الجريئة في قلب المدن رغم الاحتياطات الكبيرة للعدو، نموذج حي على استمرارية الجهاد رغم كل المؤامرات العالمية لوقفه ووأده، فهو ماضٍ إلى قيام الساعة، ماضٍ بقلة عدد أو بكثرة، ماضٍ بنا أو بغيرنا، ماضٍ على كل حال ماضٍ، فإن أدرك المسلم الفطن ذلك، لزمه أن يجتهد في أن يكون له سهم في هذا الجهاد، والمحروم من حُرم ذلك، والسعيد من وفقه الله تعالى فلحق بالقافلة.

وأخيرا، فإن استهداف المجاهدين للرافضة في بغداد، يجب أن يُشعل في نفوس المسلمين الغيرة على قلاعهم وعواصمهم السليبة فيتذكروا أن بغداد أرض للمسلمين أتباع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وليست لأعدائهم الرافضة المشركين أحفاد ابن سبأ وابن العلقمي، ولن تكون بغداد كذلك للصليبيين ولا لغيرهم، وستعود إلى حاضرة الإسلام كما كانت، وعلى المسلمين أن يشاركوا في تحقيق هذه العودة الميمونة، ولا عودة إلى بغداد والقدس ومكة ودمشق، بغير العودة إلى منهاج النبوة الذي لأجله يسارع الصليبيون والمرتدون في تحزيب الأحزاب لقتال الدولة الإسلامية في كل مكان أحيت فيه هذا المنهاج.

هجوم بغداد الجديد لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى، لكن على المسلمين أن يتأملوا هذه المعاني الإيمانية، ويتذكروا أن الله تعالى غنيٌ عنهم، وأنه قادر على نصرة دينه فهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن اقتضت حكمته البالغة أن يخلق الخلق ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، وإن المجاهدين اليوم هم أحسن الناس عملا فهم يتربّعون على ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد الذي يُنصر به الدين وتعلو به الملة، فأين طلاب هذا الشرف الرفيع؟.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 296
الخميس 12 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

النكباتُ الرافضية لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما ...

النكباتُ الرافضية


لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما أشركوا وظلموا قوارعُ العذاب المختلفة التي يصبُّها الله تعالى عليهم صبّا وتقرعهم قرعا، فأفنى اللهُ بها خلْقاً كثيرا منهم ومزّقهم شرّ ممزق، فصاروا أحاديث لكل العالم، حتى أننا لم نجد حاجة لأنْ نسهب في الحديث عن ما آلت إليه أوضاع الرافضة في العراق مؤخرا مِن تتابع الأزمات وتوالي النكبات عليهم، لاشتهارها في وسائل الإعلام وانتشارها انتشار النار في "الجنوب"!

وكان مِن آخرها وأشدّها عليهم الحرائق التي شوت أجساد المئات منهم في موطن كان الأصل فيه أن يكون موطن أملٍ وشفاء فانقلب عليهم ألما وعناء، وهذا هو القرع الذي يدهم الكافرين دهْما فيفجؤهم ويفجعهم به، نكالا من الله تعالى لما أشركوا معه سبحانه من الأنداد والآلهة الباطلة، وحاربوا آولياءه وطغوا وبغوا وأفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا، والجزاء من جنس العمل.

فما يجري على الرافضة اليوم هو نظير ما جرى على الأمم والأقوام الكافرة قبلهم، وهو نظير قوله تعالى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد: 31].

فهذا وعد ووعيد دائم ومستمر من الله تعالى لكل الكافرين في الأرض أيّا كانوا وأينما ومتى كانوا، بأنه تعالى سيرسل عليهم من القوارع والدواهي والنقم وألوان العذاب المختلفة، وهم -ما لم يتوبوا ويؤمنوا- فإنهم غارقون باقون في هذا العذاب الدنيوي حتى يأتي وعد الله تعالى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "أي ما يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، من صاعقة، أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، وقال عكرمة عن ابن عباس: "القارعة النكبة". وقال الإمام الطبري رحمه الله: "هي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم، بالقتل أحياناً، وبالحروب أحياناً، والقحط أحياناً، (أو تحل) أو تنزل أنت يا محمد (قريبًا من دارهم) بجيشك وأصحابك (حتى يأتي وعدُ الله) الذي وعَدك فيهم، وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف (إن الله لا يخلف الميعاد) ". وقال الإمام البغوي رحمه الله: "(حتى يأتي وعد الله) قيل: يوم القيامة، وقيل: الفتح والنصر".

والمتأمل يجد أن الله تعالى يسلط على الكافرين نوعين من العذاب: الأول أن يرسل سبحانه عذابه ونقمته على الكافرين بأيدي جند مِن جنده، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى" وذلك كالنار والإعصار والطوفان وغيرها مما عذّب الله به الكافرين قديما وحديثا، والثاني: أن يسلط الله عباده المؤمنين على الكافرين بالقتل والأسر والقهر بالسيف والجهاد.

نكبات يعقب بعضها بعضا تتوالى على الرافضة المشركين ليس فقط في العراق، بل حتى في إيران المجوسية والتي تداهمها هي الأخرى قوارع العذاب والكوارث بين الفينة والأخرى، مع ما تعانيه من أزمة اقتصادية انعكست على أتباعها وميليشياتها في العراق فصاروا يلعنونها سرا وجهرا.

وبينما يحاول الرافضة المشركون أن يُعلّقوا السبب في كل هذه النكبات على شمّاعة "الميليشيات، والفساد الحكومي، والخلل البنيوي في الهيكلية الإدارية..."؛ إلا أنّ المؤمنين يرون فيما يحلّ بالرافضة وغيرهم من الكافرين آية من الله تعالى وتهيئة وتمهيدا لتحقيق وعده الإلهي بهزيمة الكافرين وسيادة المسلمين في الأرض، ليحكموها بالشريعة الإسلامية المهيمنة على كل ما سواها من الشرائع، فلا دين غير الإسلام يحكم في الأرض، وهي الغاية التي لأجلها قامت دولة الإسلام وعنها لن تحيد بإذن الله.

إن الأزمة الرافضية في حقيقتها، ليست أزمة كهرباء أو ماء أو حريق أو وباء، إنها أزمة مزمنة مهلكة سببها شركهم بالله تعالى وحربهم على المسلمين، وعبادتهم مع الله آلهة أخرى، وقد رأيناهم عند كل داهية أو نازلة تنزل بهم يسارعون ويلوذون بآلهتهم من دون الله تعالى، يستنجدون بالبشر ويطلبون غوثهم ومددهم ورحمتهم!

وهنا لا بد للمجاهدين أن يُبقوا هذه التأملات حاضرة في قلوبهم وعقولهم وهم يقاتلون ويصاولون الرافضة في طول العراق وعرضه؛ أن الرافضة مخذولون ولو استعانوا بكل طواغيت الروم والفرس، مهزومون ولو معهم كل جيوش الأرض!

وفي ذلك يقول الشيخ أبو محمد العدناني -رحمه الله- موجّها ومذكّرا: "يا جنود الدولة؛ تذكروا دائماً أنكم تقاتلون أمة مخذولة، إن استعانوا فبعلي، وإن استغاثوا فبالحسين، وإن استجاروا فبالعباس، وإن استنصروا فبفاطمة، رضي الله عنهم وعنها، يتوكلون على البشر ويعبدون الأوثان، فحاشا لله أن ينصرهم عليكم!، فاجعلوا عدتكم عقيدتكم، وقوتكم تقواكم، وكونوا على يقين بنصر الله، فأنتم جنود الله، تقاتلون في سبيل الله، والروافض جنود الشيطان، يقاتلون في سبيل الطاغوت".

فالمجاهد في طريقه إلى الله تعالى عليه أن يتأمل ويتدبر هذه الحقائق ليقوى بها يقينه وتكون دافعا إضافيا له في ميدان القتال فينقضّ على هؤلاء المشركين الحقراء كالأسد لا يلفت وجهه، وهو يعلم أنه منصور في كل حال، فالظفر والقتل كلاهما عند الله فوز.

وبرغم غرق الرافضة في نكباتهم المتلاحقة إلا أنهم لم يتوقفوا عن التحذير من "خطر تصاعد الإرهاب" وأن هذه الأزمات تصبّ في صالح المجاهدين، وهو ما تقدّم ذكره مِن أنّ ذلك كله من تدبير الله تعالى لعباده ومعيته لهم وتهيئتهم للوعد الحق.

وقد يقول قائل: إن هذه النكبات والمصائب قد تصيب أيضاً بعض المسلمين المستضعفين المتخفّين في تلك البلاد، فنقول وبالله التوفيق: شتّان شتّان بين المآلين والعاقبتين، فهل يستوي عذاب الله تعالى للكافرين، وتمحيصه -سبحانه- ورفعه درجات المؤمنين الصابرين؟!، إنه الفرق بين المحق والتمحيص وهو لا يخفى، قال تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: 141]، فالتمحيص رفعة للمؤمنين، والمحق تدمير ومهلكة للكافرين، ولا يظلم ربك أحدا.

يضاف إلى كل ذلك، حالة الفُرقة التي اجتاحت صفوف الرافضة في العراق، فخالف الله بين قلوبهم وتفرّقوا شذر مذر، حتى أصبحت الحكومة تيارات! والحزب الواحد أحزاب، وانظر إلى حالهم في "الجنوب المحترق"، يُغنيك عن طويل بيان.

اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين في العراق وكل مكان، اللهم اشدد وطأتك على الرافضة وحلفائهم وخالف بين قلوبهم، اللهم اجعلها سنين كسِنِين يوسف، اللهم استجب.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 295
الخميس 5 ذو الحجة 1442 هـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً