مؤسسة الفرقان / فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ مقتطفات من الكلمة الصوتية (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) ...

مؤسسة الفرقان / فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ

مقتطفات من الكلمة الصوتية (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)
للشيخ أبي الحسن المهاجر -تقبله الله تعالى-


ففي حومة الوغى، ورجع صدى آمال أهل الكفر بالقضاء على دولة الإسلام، يستمد حَمَلة الراية وحراس العقيدة قوَّتهم من خالقهم جل وعلا، فاعتمادهم وتوكلهم عليه لأن الأمر بيديه، ادَّرعوا بالإيمان وصالح الأعمال، فلم يفتَّ في عضدهم انهزام المرجفين والخوَّارين والمبطلين، فكانوا بحق سادةً نجباءَ، أعزة كرماءَ، قرأوا قول الله: {إِلَّا تَنْفِرُوا} [التوبة:39] فوثبوا، وأصغت آذانهم لنداء: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ} [التوبة:40] فضحوا وبذلوا، خفافا وثقالا، كهولا وشبانا، لم يخلدوا إلى الدعة والنعيم، ولم يركنوا إلى حطام الدنيا الزائل، تجرَّدوا للحق فلزموا غرزه، فأنبت وأينع طيب الثمر وأنماه، وضرب الجهاد بجِرانه في الأرض فاتسعت رقعته لتلفح بلهيبها أمم الصليب وحكومات الردة والعمالة، في جهاد لأعداء الله عز شأنه، وملاحمِ صدق سطَّرها الصابرون الموقنون بموعود الله لهم، قرأوا قول ربهم: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، فأدركوا فداحة الموقف مع تقادم الأيام، وأنَّ التمييز والتمحيص والابتلاء، آتٍ لا محالة، سنة الله الماضية، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62]، فمع كل حدث ونازلة، يفيئون ويرتوون من معين الهدى الذي لا ينضب، فما خالط بشاشة قلوبهم الريب، وما أثقلت كواهلهم اللأواء ولا كثرة الأعداء.

غطارفةٌ مثل الجبال حُلومُهُم
تكونُ لهم شم الجبال هضابا
إذا غضبوا للَّه أرضاك فتكهم
وأَفتكُ ما تلقى الأُسودُ غضابا
وإِن جَزموا الأعمارَ في الحرب صَيّروا
عوامِلَهُم في الدّارِعينَ حرابا
وتَحسَبُهُم تحت السوابغ والقنا
ضراغمَ شقّتْ في العَرينِ سَرابا

أذهلوا أمم الكفر وأرعبوها، وسلبوها الراحة والأمان وشتتوها، فأصبحت تتمنى صفو العيش فلا تجده ولا تدري من أي باب ستؤتى، وغدا الموحد المجاهد المستضعف في الأرض، يرى -بفضل الله ومنِّه- العلج الصليبي الأوروبي والأمريكي، يُدهس ويُطعن ويُقتل في طرقات باريس ولندن ومنهاتن، مثلاً بمثلٍ وسواءً بسواءٍ جزاءً وفاقاً، فكما يَقتلون يُقتلون، وكما يَقصفون يُنسفون، وإلى جهنم سيحشرون.

قتلناهُمُ قَتلَ الكلاب فلم نَدَع
لهم في جميع الناس يا صاحِ من فَخرِ

فلم يتعظ الأغرار دهاقنة الكفر بعد ولم يعتبروا، ولا زال سفهاؤهم يمنُّونهم ويغرونهم فيتمادون في إجرامهم، دون اعتبار بما ستبدي لهم الأيام، جرَّاء حمقهم وعسفهم بالمسلمين دون رحمة أو شفقة، فعلام نعجب؟! فهذا ديدنهم ودأبهم، كما أخبرنا العليم الخبير إذ قال في كتابه العزيز: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:217].

فربنا الحكيم العليم قد جلَّى لنا في كتابه حقيقة هؤلاء الكفرة المجرمين، وأمرنا بقتلهم وقتالهم حتى يكون الدين كلُّه لله، فإما أن يسلموا أو يستسلموا لأمر الله وحكمه أذلةً صاغرين، فأوجب علينا أن نطهر الأرض من زهم شرك هؤلاء، من جاهلية هؤلاء، من عبث هؤلاء، من تجبُّرهم وطغيانهم في الأرض، وأمرنا ربنا -تبارك وتعالى- أن نقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، فلا فرق بين قتالنا الطاغوت المرتد سلمان وابنه السفيه وقتالنا السيسي وجيشه، ولا فرق بين قتالنا الصفوي الرافضي خامنئي وقتالنا عباس العلماني وحماس، لا فرق بين قتالنا لهؤلاء وبين قتالنا أولياءهم الصليبيين الأمريكان والروس والأوروبيين غير أن أولئك من أبناء يعرب أشد على الإسلام وأنكى وفي الدركات أهوى، قال ربنا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:36]، وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193]، وحذَّرنا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].

فقتال الكفرة المشركين دين نتعبد الله به، ونتقرب به إليه -سبحانه- ليرضى عنا، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، وقال مذكرا ومرغبا عباده في عظيم أجر من جاهد في سبيله لقتال أعدائه: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4]، وإنَّ القتال في سبيل الله لهو التجارة الرابحة التي دلَّ عباده عليها، فقال جلَّ من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:10-11]، فجعل الثواب والجزاء عظيما جليلا بيَّنه في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:12-13].

قال ابن القيم في مدارجه: "فإن عبودية الجهاد من أحب أنواع العبودية إليه سبحانه، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها، من الموالاة فيه سبحانه، والمعاداة فيه، والحب فيه والبغض فيه، وبذل النفس له في محاربة عدوه"، إلى أن قال: "ومنها عبوديةُ مخالفةِ عدوِّه، ومراغمته في الله، وإغاظته فيه، وهي من أحب أنواع العبودية إليه، فإنه -سبحانه- يحب من وليِّه أن يغيظ عدوه ويراغمه ويسوءه، وهذه عبودية لا يتفطَّن لها إلا الأكياس" انتهى كلامه رحمه الله.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 303
الخميس 2 صفر 1443 هـ
...المزيد

مقال: جاه الأكارم (3) -الكلمة الطيبة- الحمد لله الكبير المتعال ذي الجلال والإكرام، هادي عباده ...

مقال: جاه الأكارم (3) -الكلمة الطيبة-


الحمد لله الكبير المتعال ذي الجلال والإكرام، هادي عباده المؤمنين لأطايب الكلام، والصلاة والسلام على نبي الهدي خير الأنام، وعلى آله وصحبه أولي النهى ودعاة الإسلام، وبعد.

الكلام فضل من الرحمن منّ به على بني الإنسان؛ ليفصحوا عما بداخلهم ويعبروا عما يجول في خواطرهم لأقرانهم، من مكنونات المحبة وتغيرات الأحوال وخلجات المشاعر، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أتباعه أن لا يجعلوا مشاعر المحبة في صدورهم بل يفصحوا عنها؛ لما في ذلك من ترابط المحبة في الله، فعن أنس رضي الله عنه قال: "مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال رجل: إني لأحبه في الله عز وجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أأعلمته؟) قال: لا، قال: (فأعلِمه)، قال: فلقيت الرجل فأعلمته فقال: أحبك الله الذي أحببتني له" [الحاكم في المستدرك]، فإن كان الصمت يُحمد في حال، فالكلام الطيب يُحمد في كثير من الأحوال.

ولقد هدى الله تعالى عباده هداية من أجمل الهداية، فقال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج:٢٤]، فنعمت الهداية في القول الطيب، وطوبى لمن رزقه الله إياها ونال تلك المنزلة.

وإن الكلام الليّن يغسل الضغائن المستكنّة في النفوس، ويحوّل العدو اللدود إلى حميم ودود؛ لما في الكلام من أثر بالغ في تطييب الخواطر ومد جسور الود والمحبة، يقول وهب بن منبه رحمه الله: "ثلاث من كُنّ فيه أصاب البر: سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام".


• يقولوا التي هي أحسن

وكما في كل حال من الأحوال، يتربص العدو اللدود ببني آدم حتى عند المنطق وخروج الكلام، فقد أمرنا ربنا جل في علاه أن لا يخرج من أفواهنا سوی أحسن الكلام؛ تفاديا لحصول الضغائن، والنزغات التي يمشي بها الشيطان بين العباد، قال تعالى: {وَقُلْ لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء:٥٣]، قال الإمام الطبري رحمه الله: "وقوله {وَقُلْ لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد لعبادي، يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة، كما حدثنا خلاد بن أسلم، قال: حدثنا النضر، قال: أخبرنا المبارك، عن الحسن في هذه الآية، قال: "التي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله، يقول له: يرحمك الله يغفر الله لك". وقوله {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} يقول: إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا ينزغ بينهم، يقول: يفسد بينهم، يهيج بينهم الشر، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} يقول: إن الشيطان كان لآدم وذرّيته عدوّا، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة". [تفسير الطبري]


• الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

ولقد بين لنا ربنا جل في علاه في كتابه العزيز أهمية الكلمة الطيبة وعظيم أثرها واستمرار خيرها، كما بين لنا خطورة الكلمة الخبيثة وجسيم ضررها، يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [ابراهيم:٢٤-٢٦]

وقيل في معنى الكلمة الطيبة هنا معانٍ عديدة منها: "لا إله إلا الله"، ومنها "المؤمن نفسه"، ومنها "العمل الصالح"، وقيل غيرها، وعلى كلٍ فالكلمة الطيبة تؤتي ثمرتها وفائدتها من محبة وتوقير وذكرٍ حسنٍ في كل وقت، سواء في حال وجود صاحبها أو غيابه، وكل من سمعها ناله شيء من حسنها، بخلاف الكلمة الخبيثة التي تؤذي قائلها ومن قيلت له ومَن سمعها، وتظل تطارد صاحبها أينما حل، وهي منبوذة لا قرار لها ولا قبول.

وقد يتعدى أثر الكلمة الطيبة لسائر العمل، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:۱۰] قال البغوي في تفسيره: "يرفع العمل الصالح الكلم الطيب"، وقيل: "الكلم الطيب يرفع العمل الصالح"، فهذا تلازم بين قبول العمل والكلام الطيب، فقد يعمل المرء، ولا يجد لهذا العمل قبولًا عند الله؛ لخبث منطقه وسوء ملكته.

وللكلمة الطيبة أسرار في الدعوة إلى الله تعالى وأثر بالغ في قبول الحق، قال تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:۱۲۰] ولقد أوصى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يكون فظاً ولا غليظ القلب؛ لأن طباع البشر لا تقبل ذلك فكان عليه الصلاة والسلام ألين الناس قلبا للصغير والكبير والشريف والوضيع بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩]، وهذه الآية بين آيات الجهاد وكأنها تشير لعلاقة المجاهدين بعضهم ببعض باللين والعفو والدعاء بالمغفرة والمشاورة، فكلها عوامل تشد المجاهدين بعضهم ببعض وتزيد المحبة بينهم.


• من فضائل الكلمة الطيبة

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل الكلمة الطيبة وجعلها من سمات المؤمنين ومن صدقات الأبدان، قال صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الطيبة صدقة) [البخاري]، وإن الإيمان في قلب المؤمن هو المحرك الأول لقيادة الجوارح كلها لتنقاد إلى ما يرضي الله تعالى، وهذا حال المؤمنين المخلصين إذ لن يستقيم للمرء حال حتى يستقيم قلبه، ولن يستقيم القلب إلا بالإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) [متفق عليه]

وقال عروة ابن الزبير رحمه الله تعالى: "مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء". [حلية الأولياء]

ومما يحصّله العبد بالكلمة الطيبة أن يقي نفسه عذاب النار، فما أهون العمل وما أعظم الجزاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (اتّقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة).

وبالكلمة الطيبة يحظى المؤمن بالمغفرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام) [رواه الطبراني]، وهي سبب من أسباب دخول الجنان فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) [سنن البيهقي]

ومِن أدقّ آداب الكلم الطيب في القرآن، ما حثه سبحانه عباده على القول المعروف بعد العطاء فقال: {فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [النساء:٨] وشتان بين من يعطي العطية وهو صامت أو يقول: خذ، وبين من يتبعها بكلمة طيبة كقوله: هذه هدية محب لأخيه أو: مقامك رفيع وإنا لمثلك مقصرون، أو: بارك الله لك فيها، ونحو هذا الكلام، فلربما تكون تلك الكلمة أحسن عند الشخص من العطية ذاتها.

وثمار الكلام الطيب كثيرة يجنيها المرء الذي يحتسب أجرها في الدنيا قبل الآخرة، فالناس تميل لمن اتصف بلين وجمال الكلام، وتنفر ممن أغلظ وكان فظا على الدوام، والمرء بطبعه يحب اقتراب الناس منه وحسن معاشرتهم له، ولكنه قد لا يتنبه أحيانا لكلمة يلقيها فتجرح أو تفضح ويخسر الكثير، أُثر عن لقمان الحكيم رحمه الله أنه قال: "إن من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الإبر، وأمرّ من الصبر، وأحرّ من الجمر، وإن من القلوب مزارع، فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها".


• لطيفة

ومما لا بد أن يشار إليه، ما سخّره الله تعالى للخلق في هذا الزمان من أسباب التواصل التي تقرّب البعيد وتُدني المسافة، فالكتابة ميسورة والرسائل سريعة، فلا بد أن يراعي في هذا انتقاء الكلمات الطيبات وبعناية، بخلاف ما إذا كان المرء يقابل أخاه؛ لأن الابتسامة غائبة وتعابير الوجوه -وإن قلّدوها- غیر حاضرة، فالعوض بحسن السوق للكلام وانتقاء ألفاظه والتأني فيه، لئلا يُفهم على خلاف مقصده.

نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأقوال والأعمال، وأن يصلح لنا دنيانا وآخرتنا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة، والحمد لله أولا وآخرا.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 303
الخميس 2 صفر 1443 هـ
...المزيد

مقال: أنّ الله يحول بين المرء وقلبه إنّ القرآن الكريم دليلُ المسلم في طريقه إلى ربه، وإنما ضلّ ...

مقال: أنّ الله يحول بين المرء وقلبه

إنّ القرآن الكريم دليلُ المسلم في طريقه إلى ربه، وإنما ضلّ أكثر الناس اليوم وتفرقوا بسبب بعدهم عن اقتفاء طريق القرآن وامتثال ما فيه من أوامر ونواه، تضْمن وصول المسلم إلى برِّ الأمان في الدنيا ويوم يقوم الحساب، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال:24]

ذكر ابن كثير -رحمه الله- خمسة أقوال في تفسير قوله: {لِمَا يُحْيِيكُمْ}: الأول: هو الإيمان. الثاني: هو القرآن فيه الحياة وبه النجاة والعصمة في الدارين. الثالث: هو الحق. الرابع: هو الجهاد أعزكم الله به بعد الذل. الخامس: الشهادة، قال الله تعالى في الشهداء: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. ولا تعارض بين هذه الأقوال، فإن جميعها مترابطات متداخلات، فالحق هو الإيمان، ولا إيمان بغير قرآن، والجهاد يحمي الحق ويحرسه، والشهادة خاتمة وغاية يتمناها كل مجاهد آمن وسلك طريق الحق.

ونقل الطبري -رحمه الله- أربعة أقوال في تفسير قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}: "الأول: أنه يحول بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكفر. الثاني: أنه يحول بين المرء وعقله، فلا يدري ما يَعمل. الثالث: أنه يحول بين المرء وقلبه، فلا يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه. الرابع: أنه قريب من قلبه، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسره"، وجمع الطبري بين هذه الأقوال الأربعة بقوله: "إن ذلك خبرٌ من الله عز وجل، أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يُدرك به شيئًا من إيمان أو كفر، أو أن يَعِي به شيئًا، أو أن يفهم، إلا بإذنه ومشيئته".

ومن ذلك أيضا قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، قال أهل التفاسير حول ذلك: "إياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم، فيُحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم، فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء، فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك ".

وقد علّق المفسّرون على ذلك تعليقا لطيفا فقالوا: "إنهم الذين جنوا على أنفسهم، فتح لهم الباب فلم يدخلوا، وبيّن لهم الطريق فلم يسلكوا، فبعد ذلك إذا حرموا التوفيق كان مناسبا لأحوالهم".

وقال عطاء -رحمه الله- في تفسير قوله: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، أي: "نخذلهم وندعهم في ضلالتهم يتمادون"، وقال الطبري: "يتردَّدون، لا يهتدون لحق، ولا يبصرون صوابًا قد غلب عليهم الخِذْلان، واستحوذ عليهم الشيطانُ". وما ذلك إلا بتخلفهم عن الهدى وإعراضهم عنه حال معرفتهم إياه وقربهم منه.

ونحو ذلك ما قاله ابن كثير في تفسير قوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}: "أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان". فتراهم في غيهم وضلالهم يتخبطون.

لكن هنا وجب التنبيه إلى أنّ ما سبق ليس معناه أن الله تعالى يمنع عباده من الإيمان، بل هو يدعوهم إليه ويأمرهم به ويحثهم عليه، وإنما يحول الله تعالى بين العبد وبين التوفيق إلى الهداية، بجريرته وعمله وإعراضه، فكان ذلك عدلا من الله تعالى وعقابا لمن قصّر في استجلاب أسباب الهداية وزَهد فيها، وغرق في بحار الشهوات والغفلة عامدا مختارا مقدِّما دنياه وهواه على دينه وآخرته.

فإن الله تعالى يوفق عباده إلى الإيمان به ويثبّتهم عليه، -بفضله تعالى- جزاء لهم على ما حققوه من الأسباب والأعمال التي تستوجب وتستجلب هداية الله تعالى، ومِن أهم هذه الأسباب المبادرة والإسراع إلى الحق حال معرفته، فمن تلكأ وتباطأ، يوشك أن يصرف الله قلبه عن الهدى، ويوكله إلى نفسه فيحول بينه وبين الحق فيخسر أيّما خسران.

فمن تثاقل عن الاستجابة لداعي الإيمان والجهاد وأبطأ فلم يُسرع إليه، مع علمه بأنه الحق وأنه أحقّ بالاتباع، فلا يأمن على نفسه أن يحول الله تعالى بينه وبين قلبه غدا، فلا يتمكن من الاستجابة للحق، عقوبةً له على تثاقله وتأخره حال مقدرته على ذلك وعلمه به، ولا يظلم ربك أحدا.

والقصص عن أمثال مَن هذا حاله كثيرة، ممَّن طرق الحقُّ بابه فلم يفتح له! وأشاح بوجهه عنه! حبا في الدنيا وكراهية للموت أو الأسر، أو تسويفا ومماطلة، فلما شاء أن يلتحق بركب الحق لم يُوفّق إلى ذلك وفاته قطاره!، لأنّ الله تعالى عاقَبه بأن حال بينه وبين قلبه.


وكم مِن قاعد أتيحت له أسباب الهجرة والجهاد فأبى وأخلد إلى الأرض ولم يُلبّ النداء، فلما رام ذلك لاحقا حُرم التوفيق إليه! وكم مِن عاص أبى أن يتوب ولم يسارع إلى المغفرة، فلما أراد أن يفعل حُرم ولم يُوفّق إلى التوبة، فظلّ رهنا للذنوب والشهوات تأكل قلبه وجسده والجزاء من جنس العمل، والكلام حول ذلك يطول، والأمثلة في واقعنا المُعاش أكثر من أن تُحصر في مقال، والغاية أن نعتبر ونحذر.

ولذلك قالوا: "إذا هبت رياحك فاغتنمها"، وفي حديث مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ…)، يعني بادروا وسارعوا إلى الأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن والصوارف التي تحول بينكم وبين ذلك.

وآيُ القرآن مليئة بهذه الزواجر المرعبة التي تفْرَق لها قلوب الذين آمنوا كقوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}، وقوله: {ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم}، وقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وغيرها من الآيات التي تتحدث عن عقاب الله تعالى بالحيلولة بين العبد وقلبه، وإزاغته عن الحق وحرمانه الهداية بما جناه على نفسه من الزيغ والانصراف عن طريق الحق والإعراض عنه، والزهد في الاستجابة لنداء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ومعلوم أنه لا نداء في هذا العصر يُحيي المسلمين كنداء داعي الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد هو فرض الساعة الذي تُحفظ به الملة وتُصان به الحرمات والأعراض، ويحيا به المسلمون حياة الإيمان والهداية، فأسرِعوا أيها المسلمون إلى ثغوركم قبل أن تُصرفوا عنها، ويحول بينكم وبين التوفيق إليها الحوائل، ولينصرن الله من ينصره.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 303
الخميس 2 صفر 1443 هـ
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:

"قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّ حديثَكم شرّ الحديث، إنّ كلامكم شرّ الكلام، فإنكم قد حدّثتم الناس حتى قيل: قال فلان، وقال فلان! ويترك كتاب الله، من كان منكم قائمًا فليقم بكتاب الله وإلا فليجلس".

فهذا قول عمر لأفضل قرن على وجه الأرض، فكيف لو أدرك ما أصبحنا فيه من ترك كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأقوال الصحابة؛ لقول فلان وفلان، فالله المستعان".

[إعلام الموقعين عن رب العالمين]
...المزيد

الدولة الإسلامية - افتتاحية النبأ 525: • ثورة حتى القصر! يزدحم التقويم السنوي للدول ...

الدولة الإسلامية - افتتاحية النبأ 525:

• ثورة حتى القصر!


يزدحم التقويم السنوي للدول والحكومات العربية بأعياد الاستقلال والتحرير والجلاء، وعدِّدْ ما شئتَ من نعوت النصر المفقود، فمصر والعراق ولبنان والأردن والمغرب وتونس والكويت والجزائر والإمارات والبحرين وغيرها، كلها استقلت وتحررت! بل حتى فلسطين تحتفل بيوم استقلالها! فماذا ينقص سوريا لتحتفل هي الأخرى بيوم من هذا القبيل؟!

انتهت معظم الثورات العربية على نحو مشابه كما لو أنها صورة طبق الأصل، نُسخت مرات عديدة في أزمنة مديدة، قتال قومي وطني ثوري، يبدأ مرتجلا متحمّسا بلا وجهة منهجية، سرعان ما تلتف عليه قوى الكفر العالمية وتوظفه لأجندتها عبر مسارات احتواء والتقاء وتدجين وتجنيد، ثم ينتهي المشهد بـ "استقلال وتحرير" وقَّع الغزاةُ أنفسهم على تمريره! مع تغيير ما يلزم من شكل الحكم أو صورة الحاكم، ثم يصبح هذا اليوم "عيدا وطنيا" و "ذكرى سنوية" للاحتفال بـ "النصر والتحرير" من جماهير متعطشة له، لكنها تطلبه في غير مظانه.

فهل يوجد حكومة مرتدة واحدة لا تملك موعدا سنويا للاحتفال بـ "استقلالٍ" هو و "التبعية" سيّان؟! أو بذكرى "تحرير" هندسه الغزاة أنفسهم ومهّدوا له ناريا وسياسيا، ودبّجوا فيه برقيات التهنئة واحتفلوا به جنبا إلى جنب مع المتحررين المنتصرين! في زمن صار فيه "النصر" و "التحرير" و "الشرع" كلمات تطلق على أضدادها.

لقد تعرضت مفاهيم كثيرة في عصرنا إلى التزوير والتحوير ومنها مفهوم النصر والتحرير، الذي أعيد تعريفه في إطار الشرعية الدولية والدساتير الوطنية، بعيدا عن ظلال الشريعة الإسلامية التي أثبت الطاغوت السوري الجديد "جديته" في محاربتها والتحرُّر منها، فهل هذا هو "التحرير" الذي يحتفلون به؟!

يسارع الكثيرون يرعدون ويزبدون ويقولون: "من لم يسره ما يسر المؤمنين، ويسوؤه ما يسوء المؤمنين فليس منهم" وهذا صحيح، لكن ماذا لو كان هؤلاء يتبعون ما يضرهم ولا ينفعهم؟! ماذا لو كانوا لا يعرفون نصرهم مِن هزيمتهم، ولا حريتهم مِن عبوديتهم، ولا حتى صديقهم مِن عدوهم؟! وقد غدت أمريكا الصليبية "صديقة" في أعينهم! يسرّهم ما يسرّها ويسوؤهم ما يسوؤها، يحالفون حلفاءها ويعادون أعداءها، يعيشون رهن إشارتها وينتظرون بفارغ الصبر قراراتها وتواقيع طاغوتها، يرجون مكافآتها ويخشون عقوباتها! وها هم اليوم يحتفلون معها بنصر وتحرير لم يخرج شبرا عن رضاها ومصالحها؟!

في حين يوم أحرز المجاهدون النصر الحقيقي بسيادة الشريعة خلافا لما تشتهي أمريكا؛ همزوه ولمزوه ورفضوه، لأنه قيَّدَ أهواءهم ونزواتهم وشهواتهم، فتكالبوا عليه واجتمعوا على حربه في "حلف دولي" احتفلَ "المنتصرون" باللحاق به والانتساب إليه، في صورة تشرح باختصار: الفرق بين من ينشد خلافة على منهاج النبوة، ومن ينشد خلافة لنظام الأسد في الحكم.

إن منتهى غاية هؤلاء وثوراتهم وسقف انتصاراتهم هو الوصول إلى سدة الحكم، ليعيدوا لعب دور نفس الطاغوت الذي اضطروا لمحاربته، في دورة جاهلية مكررة، أولها ثورة وأوسطها خيانة وآخرها عتق من الإرهاب!

تزامنت "ذكرى التحرير" مع الحديث عن إلغاء أمريكا "قانون قيصر" الذي فرضته لعقاب الأسد ونظامه! بينما تنوي رفعه اليوم مكافأة للجولاني ونظامه! فهل كان الجولاني أكثر نفعا وخدمة ورضوخا لأمريكا من الأسد؟!

نضع بين يدي القارئ نقلا حرفيا للشروط التي اشترطها "الكونغرس" الأمريكي على نظام الجولاني لإلغاء عقوبات "قيصر" وجاء في أول بنودها: "تتخذ حكومة سوريا إجراءات ملموسة وحقيقية للقضاء على التهديد الذي تشكله الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية.. بالشراكة مع أمريكا، ولمنع عودة الدولة الإسلامية".

بالإضافة إلى شروط أخرى تتعلق بـ "إزالة المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الحكومة السورية"، و "احترام حرية العبادة والمعتقد للأقليات الدينية"، و "عدم القيام بأعمال عسكرية أحادية الجانب وغير مبررة ضد الدول المجاورة، ومواصلة إحراز تقدم نحو اتفاقيات الأمن الدولي.." وهذا البند الأخير متروك للقارئ ليفكّر في مقصده الحقيقي، غير أننا نعطيه تلميحا قصيرا من كلمتين: "أمن اليهود".

بالعودة إلى أجواء الاحتفال بـ "اليوم الوطني السوري" الذي لم يغب اليهود عنه بالمناسبة، فقد كان من مشاهد يوم التحرير انتشار الحواجز العسكرية اليهودية في عمق الأراضي السورية المحررة، حيث يتبادل جنود "جيش التحرير" النظرات مع جنود الجيش اليهودي، ثم يمرون عبر حواجزهم مرور اللئام، ليكملوا مسيرة التحرير، التي كانت كلمة السر فيها: إسقاط المحور الإيراني، والبقية جاءت تحصيل حاصل أو تحصيل أردوغان! جريا على المثل القائل: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فذهب الأسد وجاء الضبع وبقيت البلاد كما هي تحكمها شريعة الغاب.

لقد شكّل الجولاني -فتى ترامب ومرمى عطره ومحل حرثه في حربه على الإسلام- أسوأ وأقتم صفحة خيانة في التاريخ الإسلامي المعاصر، سمح له بدخول القصور الرئاسية على شاشات البث في أجواء صافية من الطائرات في سماء الشام التي كانت تحتاج في عهد الدولة الإسلامية إلى "شرطي مرور" ينظّم سيرها لكثرتها، وليس فيها طائرة واحدة صديقة! كلها معادية! وكلها اختفت في أيام التحرير! بينما تركت عدو الشرع يصول ويجول من إدلب إلى دمشق ينظِّر عن الدستور ودولة القانون، فعن أي تحرير تتحدثون؟

لقد تحررت سوريا فعلا، ولكن مِن حكم الإسلام الذي حاربه الجولاني على مدار سنوات ثورته بكامل طاقته، واستعان بشياطين الإنس والجن على هدم صرحه، حتى استحق بجدارة المكافآت الأمريكية التي فشل الأسد في نيلها؛ على كفره وإجرامه ونجاحه المتفرد في حماية الحدود اليهودية بصورة لم تتكرر في حدٍّ آخر، فهل يفعلها خليفته الجديد؟!

كغيرها من الثورات طُويت صفحة الثورة السورية، بسوريا محررةً من الشريعة، أما المجاهدون فعزمهم متوقد معقود على إعادتها إلى حضن الإسلام، وإلزامها عتبة العبودية لله وحده، حتى ينزل عيسى ابن مريم -عليه السلام- عند المنارة البيضاء التي اختفى ذكرها من أدبيات الثورة العوراء، لقد كانت بالفعل ثورة حتى القصر! أما النصر فله أبطاله وميادينه، وسبيله الذي خطّه النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلكه الصحابة الفاتحون، واقرأوا إن شئتم قوله تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.



• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 525
السنة السابعة عشرة - الخميس 20 جمادى الآخرة 1447 هـ
...المزيد

تحويل المحن لمنح وإذا أدرك المؤمن أن المحنة مرحلة حتمية في طريق التوحيد؛ كان حريا به أن يوطّن ...

تحويل المحن لمنح


وإذا أدرك المؤمن أن المحنة مرحلة حتمية في طريق التوحيد؛ كان حريا به أن يوطّن نفسه لاستقبال هذا القدر الإلهي بما يليق به، ليخرج منه على أتم إيمان وأكمل يقين، وأن يربّي نفسه خلاله على أعلى المراتب في الإيمان والتسليم والعبادة والأخلاق والأخوة والإيثار والبذل، وغير ذلك مما علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه حال اشتداد المحنة، فلا تمر عليه إلا وقد فقه عن الله مراده من الابتلاء، وحكمته مما كتبه عليه من الشدة واللأواء، فلا أحد حينئذ أحسن ظنا بالله منه، ولا أحد أشد تمسكا بالتوحيد منه، ولا أصلب على المصائب وأشد تحملا للمصاعب منه، وتلك كلها كنوز حظي بها وثمرات قطفها في ظلال الشدة والمحنة فانقلبت منحة، فتأمل.

بهذا يُصيّر المؤمن محنته منحة؛ بحسن اتّباعه وتسليمه لأقدار ربه، وحرصه على ألا يخرج منها إلا فائزا حائزا أجور الصابرين الموقنين.


افتتاحية صحيفة النبأ - (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُون) - العدد 518
...المزيد

مؤسسة آفاق الإلكترونية سلسلة نصائح أمنية - الحلقة الرابعة: الفقرة 1 عندما تريد تحميل ...

مؤسسة آفاق الإلكترونية


سلسلة نصائح أمنية - الحلقة الرابعة: الفقرة 1



عندما تريد تحميل برنامج أو تطبيق معيًّن:

01- حمله من المتاجر البديلة الموثوقة التي لا تتطلب (إيميل).

02- حمله من الموقع الرسمي للتطبيق. ...المزيد

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ...

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا



روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)، قال ابن دقيق العيد: "هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره وأن المأكول والمشروب والملبوس ونحوها ينبغي أن يكون حلالا خالصا لا شبهة فيه.. وقوله: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر) إلى آخره، معناه -والله أعلم- يطيل السفر في وجوه الطاعات لحج وجهاد وغير ذلك من وجوه البر، ومع هذا فلا يستجاب له لكون مطعمه ومشربه وملبسه حراما! فكيف هو بمن هو منهمك في الدنيا أو في مظالم العباد أو من الغافلين عن أنواع العبادات والخير؟!" [شرح الأربعين النووية].


المصدر: صحيفة النبأ العدد 524
مقال: ورع المجاهد
...المزيد

تحذير لأعداء دولة الخلافة كفّوا عن قتال الدولة وتوبوا لربكم، خلّوا بيننا وبين اليهود ...

تحذير لأعداء دولة الخلافة


كفّوا عن قتال الدولة وتوبوا لربكم، خلّوا بيننا وبين اليهود والصليبيين والطواغيت؛ أما من يصرّ على قتالنا، فلا يندبن بعدها، ولا يلطمن، ولا يلومن إلا نفسه!

الشيخ أبو محمد العدناني (تقبله الله تعالى)
من كلمته الصوتية: { يا قومنا أجيبوا داعي الله }



ولاية الشام - إدلب
الاثنين 10 جمادى الآخرة 1447هـ

بتوفيق الله تعالى، استهدف جنود الخلافة عنصرين من الجيش السوري المرتد، في بلدة (سراقب)، يوم الجمعة الماضي، بالأسلحة الرشاشة، ما أدى لمقتل أحدهما وإصابة الآخر، وعاد المجاهدون إلى مواقعهم سالمين، ولله الحمد.
...المزيد

أخيرا رفعوا "الملا برادلي"! لا جديد ولا غرابة فيما جرى مؤخرا في المشهد الأفغاني، فما رسمه ...

أخيرا رفعوا "الملا برادلي"!


لا جديد ولا غرابة فيما جرى مؤخرا في المشهد الأفغاني، فما رسمه "اتفاق السلام" بين الصليبيين والمرتدين في الدوحة جرى تطبيقه بينهم على الأرض في كابل، ومَن تابع مراحل عملية السلام منذ بدايتها، يدرك تماما أن الانسحاب الأمريكي كان قرارا لا عودة فيه بالنسبة للإدارة الأمريكية، بدأه "ترامب" وأتمّه "بايدن"، وأنّ سقوط البلاد في أيدي طالبان كان نتيجة طبيعية بعلم ورضا مَن وقّع على الاتفاق.

ولنعد قليلا إلى الوراء، يوم آوت طالبان المهاجرين وأقامت الشريعة -منقوصة- قصفتها أمريكا وأسقطت حكمها في كابل، وبعد أن تخلت طالبان عن ذلك وتعهدت بأنها لن تسمح بتكرار "خطيئة منهاتن" أعادت أمريكا الحكم إلى طالبان ومنحتها كابل دون أن تطلق طلقة واحدة!

لقد أرادت أمريكا ترسيخ فكرة مفادها أن جهود بضعة أعوام فقط من محادثات السلام في الفنادق الفارهة أعادت طالبان لسدة الحكم، بينما قتال 20 عاما لم يجلب لها سوى الدمار والخراب، لقد خططت أمريكا جيدا ليكون ذلك نصرا للسلام لا للإسلام! وللمفاوضات لا للجهاد! ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقد تخفى هذه الغاية الخبيثة حاليا بين زحمة الأحداث، لكن تأثيرها سيظهر غدا عندما يتحول مزيد من "المقاتلين" إلى "مفاوضين" يصولون ويجولون في قاعات الفنادق كارهين تاركين الخنادق!؛ هذا أخطر ما في الأمر، وهو الهزيمة بعينها لو يدركون.

ولقد رأينا كيف كان التنسيق المباشر بين القوات الأمريكية وطالبان أثناء التقدم نحو كابل، وكيف استمرت عمليات الإخلاء لآلاف الصليبيين والجواسيس في أجواء من الثقة العالية بين الجانبين!، تنسيق وثقة لم تكن تمنحها أمريكا لحكومات طاغوتية قديمة، بينما منحتها لطالبان بعد ساعات فقط من دخولها كابل!

وبرغم وضوح ما جرى وأنه لم يكن سوى عملية انتقال سلمي للحكم من طاغوت إلى آخر، وباعتراف قادة الميليشيا أنفسهم الذين أكّدوا مرارا على أن سيطرتهم على المدن جاءت في سياق الاتفاقيات في حدود "التسليم والاستلام" وليس بالقتال؛ إلا أن أطرافا عديدة وعلى رأسها القاعدة والسرورية والإخوان المرتدون أبوا إلا أن يكملوا السيناريو الأمريكي القطري بتصوير ما جرى على أنه "فتح وتمكين"!

إن مفهوم النصر تعرض لنكسات كبيرة في التاريخ المعاصر، تسببت بهذه النكسات الأحزاب والحركات المرتدة التي أصبحت تطلق النصر على كل ما يوافق أهواءها ويحقق مصالحها ولو كان كفرا وتنازلا!، وصارت تطلق الهزيمة والفشل على كل ما يخالف أهواءها ولو كان توحيدا وثباتا، فصار الموت في ظلال الشريعة فشلا! بينما العيش في أحضان الطواغيت ووفقا لأجنداتهم نصرا وتحريرا.

وكلما تأملنا أحوال ومناهج المطبلين والمروّجين لنموذج "طالبان الجديدة" زدنا يقينا بصحة الطريق الذي سلكته الدولة الإسلامية لنصرة التوحيد وإقامة الشريعة، فنصرة الإسلام لا تمر عبر فنادق قطر ولا سفارات روسيا والصين وإيران!! وإن النصر الذي توقع عليه أمريكا وترعاه قطر وإعلامها، وتباركه السرورية والمرجئة والإخوان لهو نصر موهوم.

ومن زاوية أخرى، فإن بسيطرة طالبان على الحكم، تسقط أكاذيب المعطّلين لحكم الشريعة من القاعدة والإخوان وغيرهم بحجة غياب "التمكين الكامل"، وحجة عدم امتلاك المعابر وغيرها من الحجج التي أفنوا أعمارهم وهم يرددونها، فها هو التمكين -وفق شروطهم- قد تحقق لطالبان؟! فهل سنرى حكما للشريعة الإسلامية قريبا في أفغانستان؟! أم ستبطل شبهة "التمكين" ويختلقون شبها أخرى فرارا من الشريعة؟!

وفي أبعاد الترويج الممنهج لنموذج "طالبان الجديدة"؛ فإن قادة التحالف الصليبي لم يتوقفوا عن الترديد أنه لا سبيل لهزيمة الدولة الإسلامية عسكريا دون محاربتها فكريا، ولا شك أن الصليبيين أدركوا فشل نموذج الإخوان المرتدين في تولي كبر الحرب الفكرية ضد الدولة الإسلامية حتى بعد وصولهم إلى سدة الحكم، فكان لا بد من البحث عن نموذج آخر يرون فيه فرصة أفضل لمجابهة الدولة الإسلامية وتقديمه كبديلا لها بين أبناء المسلمين؛ فكانت "طالبان الجديدة" هي البديل الذي يجمع بين المواجهة العسكرية والفكرية معا.

لذلك رأينا حجم الترويج الكبير لنموذج "طالبان الجديدة" ليس بعد دخول طالبان إلى كابل فحسب، بل منذ توقيع "اتفاق السلام" في الدوحة قبل نحو 14 شهرا، ومِن يومها لم تتوقف بيانات القاعدة وأخواتها عن وصف هذا الاتفاق المشبوه بالنصر والتمكين، بل حتى حركة حماس المرتدة هنأت وباركت -لأول مرة في تاريخها- لطالبان، ونشرت صورا لاجتماع ضمّ وفدا من قياداتها بوفد طالبان في الدوحة، ولم تكن حماس لتُهنئ طالبان بذلك لولا علمها -بطرق رسمية- أن طالبان الجديدة لم تعد تُوصم بالإرهاب، ولم يعد في الثناء عليها أي خطر أو ملامة؛ كل ذلك يؤكد أن التوصيات بالترويج لهذا النموذج تجري على قدم وساق، بل شارك فيها حتى الذين كانوا يصفون طالبان بالرجعية والظلامية، فهل أشرقت أنوار طالبان بعد دخولها نفق السلام؟! وليس من قبيل الصدفة أن تكون كل الأطراف التي حاربت الدولة الإسلامية، هي نفسها الأطراف التي تشارك في الترويج لنموذج طالبان في نسخته قبل الأخيرة المعدّلة في استوديوهات الدوحة.

ومن المفارقات، أن المرتدين والمنافقين اتهموا الدولة الإسلامية بعد سيطرتها على بعض مدن العراق والشام، بالعمالة لأمريكا! وأن ما جرى "مسرحية ومؤامرة كونية"، بينما تسقط أفغانستان بعواصمها ومقارها في غضون أيام دون أي قتال، ثم لا نسمع لنفس تلك الأصوات النشاز أي حديث عن "مسرحية" أو "مؤامرة" أو حتى "اتفاق"!، بل أصبح نصرا مؤزرا يمدحه المرتدون ويثني عليه الديمقراطيون ويتقبله الصليبيون.

ولو شك الصليبيون أنهم تركوا البلاد لمن يقيم حكم الإسلام فيها، لما جعلوا فيها بيتا قائما ولقصفوا مشافيها قبل معسكراتها، بل إن أمريكا لم تكلف نفسها حتى عناء التخلص من الترسانة العسكرية للجيش الأفغاني فسقطت في أيدي طالبان، بينما تقصف الطائرات الأمريكية خياما مبعثرة في صحاري ليبيا والصومال لجنود الخلافة، أتخشى أمريكا من بضع خيام تكابد لهيب الرمضاء بينما تأمن من آلاف المقاتلين المسلحين الذين انتشروا في مدن أفغانستان على مرأى أعينها؟! إنه الفرق باختصار بين سبيل الله وسبيل الطاغوت.

لقد أعلن قادة طالبان تحرير أفغانستان من داخل فنادق قطر التي تضم "قاعدة العديد" الأمريكية والتي تنطلق منها الطائرات لقصف ديار المسلمين، لقد خرج نصرهم الموهوم مِن حيث تخرج قرارات الحرب على الإسلام! فعن أي نصر يتحدثون؟ لقد فعلتها أمريكا حقا ورفعت لنا "الملا برادلي" أخيرا، ولا شك أنّ "ملالي" آخرين يجري حاليا صناعتهم في فنادق وسفارات الطواغيت وينتظرون "نصرا آخر" تمنحه لهم أمريكا أو غيرها.

إن ما جرى لا يعدو كونه استبدال طاغوت حليق بآخر ملتحٍ، الأول فشل في الحرب على الإرهاب، بينما الثاني ترى أمريكا أنه يمكن أن يكون أكثر جدوى، أما جنود الخلافة فهم يتهيأون لمرحلة جديدة من مراحل جهادهم المبارك الذي لن يتوقف بإذن الله تعالى حتى تخضع الأرض كل الأرض لحكم خالقها، فهذا هو النصر وما سواه وساوس وسراب.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 300
الخميس 10 محرم 1443 هـ
...المزيد

مقال: خبيئة العمل الصالح الحمد لله رب العالمين، هادي المؤمنين وموفّق الموحدين، المنعم المتفضل ...

مقال: خبيئة العمل الصالح


الحمد لله رب العالمين، هادي المؤمنين وموفّق الموحدين، المنعم المتفضل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على نبي الهدى البشير النذير الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن استنّ بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
قال الله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة البقرة:٢٧١]

"وقوله: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} أي: إن أظهرتموها فنعم شيء هي، وقوله: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها" [ابن كثير]، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ من السبعة الذين يظلّهم الله تعالى يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه، (رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) [متفقٌ عليه]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يكون له خَبْءٌ مِن عملٍ صالح فليفعل) [رواه ابن أبي شيبة وغيره بسند صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التَّقيَّ، الغنيَّ، الخفيَّ) [رواه مسلم]
ورحم الله الزاهد الورِع بشر بن الحارث حيث قال: "لا يجد حلاوةَ الآخرة رجل يحب في الدنيا أن يعرفه الناس".

إن أحوال الصادقين المخبتين في كل زمان وحين، تختلف باختلاف مجاهدة العبد نفسه على الإخلاص وطلبِ الوصول لأعلى مراتب الأعمال الصالحة، التي يتقربون بها إلى خالقهم جلّ في علاه، وهم بذلك يريدون رضى الرحمن وحده لِعلمهم أن الغاية هي رضاه سبحانه لا رضى سواه، ولا يتحقق ذلك إلا بصدق الإرادة وسلامة القلب من الشوائب والعوالق والموانع التي تحول بين العبد وبين الوصول لذروة الإخلاص.

وفيما يأتي سنذكر بعضا من أحوال أولئك الذين وفقهم الله تعالى للتخلص من أمراض القلوب التي ابتُلي بها الكثيرون اليوم كحب الظهور والسعي للحصول على مكانة في قلوب العباد على حساب إخلاصهم لله، وما أكثر من جعل الله له صدّا وبغضا في قلوب العباد رغم الظاهر الذي يدل على الصلاح والعبادة، وما سبب لذلك غير الخبايا التي لا يعلمها سوى الله علام الغيوب، فلذلك حريٌ بالمرء أن يجعل لنفسه خبيئة عمل صالح بينه وبين الله تعالى فهي من أسباب الثبات على الدين، وهي أيضا من أسباب زوال الكربات كما ورد في حق أصحاب الغار حين أطبقت عليهم الصخرة فاستحضر كل واحد منهم الخبيئة التي بينه وبين الله تعالى، فكانت سببا في نجاتهم من الكربة التي كانوا فيها، قال ابن القيم رحمه الله: "الذنوب الخفيات أسباب الانتكاسات، وعبادة الخفاء أصل الثبات".

وأبواب العبادات الخفيّة كثيرة كالصلاة في جوف الليل، والسعي في حوائج الضعفاء والمساكين ومواساتهم دون علم أحد، وصدقات السر التي تطفئ غضب الرب سبحانه، وتلاوة آيات الله وتدبرها، أو إغاثة ملهوف، أو صيام خفي، أو دعاء وخلوة تعقبها دمعة تنحدر من عينك منهمرة مع توبة صادقة، أو استغفار وذكر الله لا يتفطّن له أحد، والله لا يضيع أجر المحسنين.

ومن صور حياة أولئك الأفذاذ من الصحابة والتابعين والسلف الميامين الذين أشهر الله أعمالهم بعد موتهم ليكونوا قدوة للسالكين فأعلى الله ذكرهم في الأرض رغم حرصهم على إخفاء أعمالهم.

الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به.
قال عمرو بن ثابت: "لما مات علي بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ قالوا: كان يحمل جُرب الدقيق -يعني أكياس الدقيق- ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة، وكان من خبره رحمه الله أنه كان إذا ناول المسكين الصدقة قبّله ثم ناوله". [البداية والنهاية]

وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به، فإذا جاء العشاء تعشّى مع أهله!!. [سير أعلام النبلاء]
وكان رحمه الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة، ولم تعلم زوجته بذلك، فسبحان الله كيف ربّوا تلك النفوس على الإخلاص؟ ما ذاك إلا بشيء وقر في القلوب، وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة، فهذه زوجته أقرب الناس إليه وألصق الناس به لا تعلم، يقوم عشرين سنة أو أكثر خفية، فأي حرص هذا على إخفاء الأعمال الصالحة وأي مجاهدة للنفس تلك؟، وذكر عن أيوب السختياني أنه كان يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. [سير أعلام النبلاء]

"وحاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا فأصابهم فيه جهد عظيم فندب الناس إلى نقب منه فما دخله أحد فجاء رجل من الجند فدخله ففتح الله عليهم فنادى منادي مسلمة، أين صاحب النقب فما جاء أحد حتى نادى مرتين أو ثلاثا أو أربعا، فجاء في الرابعة رجل فقال: أنا أيها الأمير صاحب النقب آخذ عهودا ومواثيق ثلاث: لا تسودوا اسمي في صحيفة ولا تأمروا لي بشيء، ولا تشغلوني عن أمري، قال: فقال له مسلمة: قد فعلنا ذلك بك. قال: فغاب بعد ذلك فلم يُر قال: فكان مسلمة بعد ذلك يقول في دبر صلاته: اللهم اجعلني مع صاحب النقب" [تاریخ ابن عساکر]

وقد ذكر عبدة بن سليمان المروزي قال: "كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو ولما التقى الجمعان خرج رجل للمبارزة فبرز إليه رجل فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البِراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة ثم طعنه فقتله فازدحم الناس، فزاحمت فإذا هو ملثم وجهه، فأخذت بطرف ثوبه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا.

فلله دَرّهم من رجال أتقياء أنقياء أخفياء، كانوا رحمهم الله يحرصون على الخبيئة الصالحة لما وجدوا فيها من لذة زيّنت قلوبهم بالإيمان والقرب من الرحيم المنان، فهي عبادة من اعتادها طَهُر قلبه وتهذبت نفسه، إنها عبادات السر وطاعات الخفاء، حيث لا يطلع عليها أحد سوى المولى الجليل، فأنت عندئذ تقدّم العبادة له وحده غير راجٍ منزلة عند أحد من الخلق، أو منتظر أجرا منهم مهما قلّ أو كثُر، وهي سبيل لا يستطيعها المنافقون الكذابون أبدًا؛ لأنهم لا يرجون من عملهم إلا الرياء والثناء.

فهنيئا لمن حرص أن تكون له خبيئة صالحة يدّخرها ليوم فقره وذُلّه، ليوم تشخص فيه الأبصار، ليوم تُبْلى فيه السرائر، ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا
فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خرابُ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 299
الخميس 3 محرم 1443 هـ
...المزيد

بوادي الشام.. جنان ونار! بينما يعيش النصيرية والنصارى الروس في بوادي الشام حسرة وضنكا ونزيفا ...

بوادي الشام.. جنان ونار!


بينما يعيش النصيرية والنصارى الروس في بوادي الشام حسرة وضنكا ونزيفا مستمرا في الأرواح والمعدات، يحيا جنود الخلافة في تلك البوادي حياة طيبة تنعم فيها قلوبهم بلذة البذل وحلاوة الإيمان وإنْ تعبت منهم الأجساد والأبدان، بعد أن عمروها بالتوحيد والجهاد والرباط، فصارت جنة يأوي إليها المؤمنون، ونارا يحترق فيها الكافرون.

فمنذ أكثر من عامين تشنّ القوات الروسية والنصيرية حملة في إثر حملة على بوادي الشام، وما إنْ يزعموا نجاح الأولى حتى تأتي أختها فتنسف أكاذيبها، حتى أصبحت المواقع الإخبارية الروسية تنسب الفشل والتعثر إلى الجيش النصيري لتتهرب مِن وصف جيشها الصليبي بذلك، رغم أنه هو الذي يقود ويسيّر هذه الحملات.

وقد زجّوا بالمئات من عناصر الجيش النصيري والميليشيات الإيرانية وميليشيات محلية من مرتدي الصحوات، كما سحبوا العديد من قواتهم المنتشرة في أرياف إدلب وحماة، وأرسلوهم إلى البادية للمشاركة في القتال الممتد على محاور واسعة استهلكت قواتهم وأنهكت جنودهم، فأصبحت مشاهد احتراق حافلاتهم وتفحُّم جنودهم عالقة في الأذهان، وصارت أرتالهم صيدا لمفارز العبوات، فلجأ الروس الصليبيون إلى سياسة القصف الجوي، ثم إلى الإنزالات الجوية كحلٍ بديلٍ عن التقدم الميداني الذي كلّفهم كثيرا، ثم بدأوا مؤخرا بالاعتماد على ميليشيات إيرانية لتنفيذ الإنزالات، بعد أن فقدوا عددا من جنودهم في إنزالات فاشلة، وهم من فشل إلى آخر سائرون.

لقد تحقق في بوادي الإيمان مفهوم "الفلاح" تماما كما تحقق من قبل في المدن؛ فإن الفلاح كل الفلاح هو في البقاء على طاعة الله وعبادته في كل الأحوال، طاعته في الرخاء والشدة، في العسر واليسر، وإقامة دينه ما استطاع المسلمون إلى ذلك سبيلا، فقد أفلح المجاهدون يوم أقاموا الشريعة في المدن ولم يرضوا بكل الأوهام التي أرادت ثنيهم عن إقامة حكم الله تعالى فيها، كما أفلحوا اليوم في البوادي وميادين العسرة بثباتهم على الإيمان والجهاد وإبقاء جذوته مشتعلة تحرق الكافرين وتستنزف طاقاتهم.

إن تلك البوادي المقفرة عامرة بالإيمان واليقين والقربات والخلوة برب البريات، فهي توفّر للمجاهد بيئة إيمانية يتمناها كلُّ من جرّب العيش تحت حكم الطواغيت، كما تُحقق ترابطا عقديا وأخوة إيمانية فريدة يسمع عنها الناس في الخطب ويقرأون عنها في الكتب، بينما يعيشها جنود الخلافة يوما بيوم وساعة بساعة، برجال نزّاع من قبائل ودول شتى جمَعهم التوحيد وجراح المسلمين التي لن تبرأ بغير الجهاد والطعان.

إن المجاهدين في تلك البوادي يعيشون نعيم الهداية ولذة التعب في سبيل الله تعالى، وانشراح الصدر والتوفيق إلى الهدى، فيرون الحق حقا والباطل باطلا لا تُزاحم أفئدتهم شبهات ولا تُدافع جوارحهم شهوات، يَحيون جنة الدنيا التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنّ في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، وبيّن مراده بها تلميذُه ابن القيم رحمه الله بقوله: "الإقبال على الله تعالى، والإنابة إليه، والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته" وعدّ ذلك "ثوابا عاجلا وجنة، وعيشا لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة"، وهو عين ما قصده أئمة السلف بقولهم: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف!".

هكذا يعيش المجاهدون في تلك البوادي لمن يسأل عن أحوالهم، ويتعجب من صمودهم وبقائهم، يعيشون في جنة الدنيا التي أدرك معناها السلف الأوائل فتنافسوها وحرصوا عليها طمعا في جنة الآخرة، فلا سبيل إلى تلك بغير هذه.

إنهم يعيشون الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين في الدنيا، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ولقد تعددت أقوال المفسّرين في معنى قوله: (حياة طيبة)؛ بين "السعادة، والقناعة، وحلاوة الطاعة، والرزق الحلال، والعبادة والانشراح بها"، وعلّق ابن كثير رحمه الله على ذلك بقوله: "والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله".

فالمجاهدون في البوادي يعيشون حياة طيبة بمفهوم القرآن الكريم ومقياسه لا مقاييس البشر، حياة طيبة بسكون النفس وطمأنينة القلب وعدم الالتفات إلى ما يفسده ويحجبه عن خالقه، ويكدّر صفو الإيمان به تعالى، يعيشون بصدر منشرح وقلب مستبشر بأقدار الله تعالى، وإنْ لاقت أجسادهم ما لاقت من الجراح والجوع والتعب.


لقد عاش جنود الخلافة بدرا كما عاشوا أُحدا وتحزّبت عليهم الأحزاب، وما زال سفْر أمجادهم يقلّب صفحات العزة والثبات والاستعلاء بالإيمان على الباطل، كما عاشوا الهجرة بحذافيرها في تلك البوادي والفيافي التي هاجروا إليها وتركوا أهلهم وديارهم وتحملوا كل هذه المشاق والصعاب في هذا الطريق سيرا على خطى نبيهم عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام، وهم ينتظرون وعد الله تعالى لهم بأن يعوّضهم بأفضل مما جادوا به في الدنيا والآخرة معا إن شاء الله.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، قال الطبري رحمه الله: "لنُسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا"، وقال ابن كثير: "أخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: (ولأجر الآخرة أكبر) أي: مما أعطيناهم في الدنيا".

فالمجاهدون المهاجرون مهما قاسوا من المحن في جهادهم -والتي لن يخلو منها جهاد إلى أبد الدهر-، فإنهم موعودون بنص القرآن الكريم من الله تعالى أن يبوئهم ويُنزلهم في الدنيا منزلا حسنا وفي الآخرة أجرا أكبر وأعظم، قال الطبري: "ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه، في الآخرة أكبر لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد".

تلك أحوال جنود الدولة الإسلامية في بوادي الشام وكل بوادي الجهاد التي أضحت قواعد عسكرية ومدارس شرعية وصوامع عبادة وأنْسٍ بالله تعالى، يُجدّدون فيها إيمانهم ويرصّون فيها صفوفهم، ثم يصبّحون عدو الله وعدوهم بلظى صولاتهم، ولهيب غاراتهم.

وكما قال الشيخ أبو حمزة القرشي -حفظه الله- في خطابه الأخير: "إلى أسد البوادي في ولاية الشام، لله دركم من رجال، تعجز الكلمات عن وصفكم ولو كتبنا لذلك ألف مقال". فالكلمات حقا تعجز وتقْصُر عن وصف مآثرهم وبطولاتهم وكيف للكلمات أن توفي الدماء حقها؟! لكن من نافلة القول أن نوصيهم كسائر إخوانهم المجاهدين بالثبات على هذا الدرب فهم أهله وأبطاله وكماته، ونذكّرهم بأنهم اليوم في مرحلة قريبة من تلك التي عاشها إخوانهم في بوادي العراق قديما، وكيف كانت تلك المعسكرات الغائرة في عمق الصحراء منطلقا رئيسا بعد سنوات نحو المدن وتجديد بنيان الدولة الإسلامية، بل إنّ بوداي الشام اليوم ثمرة من ثمرات بوادي العراق، وأنتم اليوم -بإذن الله تعالى- غرس لثمرة أخرى ستثمر حيث شاء الله تعالى وقدّر.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 299
الخميس 3 محرم 1443 هـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً