الفتن والابتلاءات (1) الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من أرسله ربه ...

الفتن والابتلاءات (1)

الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على من أرسله ربه شاهداً ومبشراً ونذيراً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد..

فقد بيَّن الله -تعالى- أن إرادته الشرعية في خلق العباد أن يعبدوه مخلصين له الدين، واقتضت حكمته البالغة أن يكلف العباد بفعل ما يحب وترك ما يكره، وأن يجعل لهم إرادة واختياراً فيختاروا أحد الطريقين: طريق الهدى أو طريق الضلال، دون أن يجبرهم على طاعة أو معصية، مع أن جميع أفعالهم لا تقع إلا بمشيئة الله سبحانه، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وهذه هي هداية الدلالة بأن بيَّن لهم وميَّز لهم طريق الحق من طريق الباطل، وقد وصف الله -تعالى- نفسه بأنه المبين في قوله: {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25]، ووصف نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأنه مبين فقال سبحانه: {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} [الدخان: 13]، ووصف كتابه بأنه مبين: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]، لئلا يكون للناس حجة على الله بعد ذلك، والله -تعالى- يهدي من يشاء بحكمته وفضله ورحمته، ويضل من يشاء بحكمته وعدله.


• الابتلاء بالنعم وبالمصائب:

يريد الله -تعالى- من عباده أن يداوموا على طاعته وامتثال أوامره في السراء والضراء، وأن يقابلوا نعمه بالشكر، ويقابلوا المصائب بالصبر.

وأما النعم فالله -تعالى- يصيب بها المؤمن والفاسق، ولذلك أنكر الله -تعالى- على من يعد نعم الله الدنيوية إكراماً له، ويعد تضييق الرزق إهانة له، فقال سبحانه: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا} [الفجر: 15 - 17]، فالله -تعالى- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وأما الدين فلا يعطيه إلا لمن يحب.

وكذلك المصائب الدنيوية تصيب الطائع والعاصي، فالفقر والأمراض ونقص الأنفس والجوع والخوف تصيب المسلمين والكافرين، ولكن المسلم له مواقف عدة من هذه المصائب:

1- أولها أنه يعلم أنها من عند الله سبحانه، فيرضى ويسلِّم.

2- وأن لله فيها حكمة قد تظهر للخلق وقد يجهلونها.

3- الإيمان بقضاء الله وقدره، وأنه قدّر الخير والشر، ولا يقول لو كان كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن يقول: قدر الله وما شاء فعل، كما أمرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن لا يلوم نفسه على وقوع المصائب، لأنها قدر الله.

4- أن هذه المصيبة قد أصابته بذنب أذنبه، لقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فيستغفر الله ويتوب إليه من ذنوبه، وهو موقن بأن الله -تعالى- يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.


• الصبر على الأذى فيه:

هناك مشاق ومصائب وأذىً ومحن تصيب المسلم بسبب دعوته إلى الله وإعلانه الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين والطواغيت وأتباعهم، وأيضاً بسبب مجاهدته لأعداء الله بالحجة والسنان، فهذه يعلم المؤمن أنها ابتلاءات تجري على سنة الله في عباده المجاهدين، بحيث يمحصهم ثم يمحق أعداءهم، ويكشف بها الصادق في إيمانه من الكاذب، والمؤمن من المنافق، فهذه الابتلاءات والفتن يستقبلها المؤمن بالرضا والصبر والاستمرار في دعوته وجهاده، كما أنه لا يهين ولا يستكين لعدوه ولا يحزن لما أصابه في سبيل الله، ويستشعر علوه على الكافرين بإيمانه بالله عز وجل، وقد يجتمع مع هذه السنن الإلهية وقوع معصية من العباد فيحصل الابتلاء والتمحيص، ويعقبهما لطف الله بعباده وعفوه عنهم لاستمرارهم في طاعته ومجاهدة أعدائه، كما حصل في غزوة أحد، فقد حصل الفشل بسبب معصية بعض الرماة وحبهم للدنيا، ولكن الله –تعالى- عفا عنهم بعد أن ابتلاهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152].

وأخبر -تعالى- في السياق نفسه ما حصل في غزوة أحد أن له حكماً كثيرة من صرفه للمؤمنين عن الكافرين، قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137].

• أنواع الفتن:

أتى ذكر الفتن في النصوص الشرعية بمعنى الابتلاء والاختبار الذي يبين حقيقة الشيء، وذلك مثل إحراق الذهب لاختبار حقيقته وصفائه ونقاوته، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، وأيضاً قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2 - 3].

وجاءت الفتنة بمعنى العذاب كما في قوله -تعالى- عن الكفار: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13]، وأيضاً قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: 10 - 11]، والفتنة هنا بمعنى التعذيب لأجل صرف المسلم عن دينه.

والمعنى الثالث للفتنة هو الضلال، وأعظم الضلال الشرك بالله، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، قال الإمام أحمد -رحمه الله- عن هذه الآية: الفتنة الشرك. وجاءت الفتنة بمعنى الضلال في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49]، ادعى المنافقون خوفهم من أن يفتتنوا بنساء الروم إذا ذهبوا لجهادهم، فأخبر الله -تعالى- أنهم واقعون في ضلال أكبر من ذلك وهو كفرهم الذي يخفونه عن الناس.

وقد يراد بالفتنة سبب الضلال وقد تكون بسبب شهوة أو شبهة، فأما الفتنة بالشهوات فهي فتنة المال والأهل والولد، كما في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28]، وهذا السبب يؤدي إلى الضلال للمفتونين الذين يتصرفون تجاه أسباب الفتنة بما يخالف شرع الله، وأما المتقون فيقدمون أوامر الله ويجتنبون ما حرم ولو عارض شهواتهم وما يحبونه من أموال أو أهل أو ولد، وكذلك النساء فتنة أي سبب للوقوع في المعاصي، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه: (ما تركتُ بعدي فِتْنَة هي أضَرُّ على الرجال من النساء)، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

وأما الفتنة بالشبهات، فمثل ما أخبر الله -عز وجل- عن الملكين ببابل هاروت وماروت، اللذين نزلا بأمر الله وكانا يعرفان السحر، فإذا جاءهما أحد يريد تعلم السحر منهما قالا له: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فإن أصر بعد ذلك علماه السحر، والملائكة لا تعصي الله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

وإذا نسبت الفتنة إلى العبد فهي مذمومة دائماً، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10] أي: أحرقوا المؤمنين.

ولله -تعالى- حكم عظيمة من فتن الشبهات والشهوات، فالله -تعالى- يحب من عبده أن يظل عائذاً به من الضلال، مستجيراً به من الفتن وأسبابها، طالباً الهداية على الدوام، باحثاً عن الحق والصواب، متجرداً من الهوى، مستشعراً فقره إلى ربه الكريم، وحاجته إلى أن يثبته الله على الهدى، كلما أحس بالتباس أمر عليه دعا بدعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يدعو به في استفتاح صلاة الليل: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) [رواه مسلم].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 123 قصة شهيد: أغراه المرتدون في خراسان بالمناصب إن تخلى ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 123
قصة شهيد:


أغراه المرتدون في خراسان بالمناصب إن تخلى عن الدولة الإسلامية فرفض وقاتلهم

• سعد الإماراتي
بشَّر بالخلافة وكان من أوائل الملتحقين بصفوفها وقاتل الصليبيِّين والمرتدين تحت سلطانها

لم يكن "سعد الإماراتي" يعلم عندما غادر بلدته "لوجر" في صغره برفقة أهله أنه سيكون يوما ما الأمير العسكري لمدينة "ننجرهار" تحت سلطان الخلافة، وأنه سيكون من أوائل المبايعين لخليفة المسلمين في خراسان، والساعين لامتداد نفوذها هناك.

ولم يكن يعلم كذلك بأن كثيرا من الذين يحملون البنادق في بلاده، ويرتدون الجعب، ويطلقون اللحى والشعور، سيرتَدُّون عن دينهم ويقاتلون لصالح قوى صليبية كافرة أو مرتدة عميلة.

وهو الذي عاين في صغره اندحار الصليبيِّين الروس عن بلاده وأدرك بفعل ذلك أن الجهاد في سبيل الله عز ليس بعده ذل، وأنه لا بد لذلك الجهاد أن يكون على علم وبصيرة، وتحت راية التوحيد لتطبيق شرع رب العالمين، وتأكد كذلك وهو في السنوات الأولى من حياته، أن لا خيار أمام المسلم غير القيام بفرض دفع الصائل عن دينه وأهله وعرضه.

لم يتوقع عبد الهادي الملقب بـ "سعد الإماراتي" أنه سيخوض أشرس حروبه يوما ما مع أبناء جلدته من المرتدين، وأنه سيُقتل على أيديهم، بعد أن شهدت له جبال خراسان بصولاته ضد الصليبيِّين الأمريكيِّين والطالبان المرتدين، والحكومتين العميلتين الأفغانية والباكستانية.


• تشرب الجهاد وأحب أهله:

ترعرع في مخيم "باغبانان" في بيشاور بعد أن وصل إليه مع أسرته بسبب التهجير الذي تعرضوا له قبل 30 عاما، بعد دخول القوات الروسية الصليبية بلدته، تلقى في مدارسها علومه، إضافة إلى اللغة الإنجليزية وعلوم الحاسوب، فكان على إلمام جيد بهما.

تشرب الجهاد منذ صغره وأحب أهله، وأدرك أنه لا بد من علم ينير طريق المجاهد، وأيقن بأن القتال تحت راية التوحيد هو الجهاد وما دونه مضيعة للدين وللوقت والجهد، وإهدار للطاقات، وتفريط بالأرواح.

وما إن اكتمل نضوج الشاب اليافع حتى أعلن الصليبيون الأمريكيون عن حملتهم على بلاده، فقام في سبيل الله قومة الأسود، ليساهم في تحكيم شرع الله في الأرض ودحر الغزاة عنها، وكانت أولى غزواته ضد الصليبيِّين في منطقة "كنر" الأفغانية تحت إمرة القاري إسماعيل، الذي كان من المطلوبين الأوائل لدى الأمريكان.


• عملية إنزال فاشلة:

ومن شدة تنكيل سعد وأميره ومجموعاتهما المجاهدة بالصليبيِّين وأعوانهم، نفَّذت عليهم القوات الصليبية الكافرة عملية إنزال دامية لكن الله عصمهما آنذاك، دُمِّرت على إثرها مروحية للكفار وقُتل عدد كبير منهم.

بعد ذلك هاجر البطلان إلى باكستان، حيث قُتل أميره قاري إسماعيل في عملية مداهمة للجيش الباكستاني المرتد في "بيشاور"، وبفعل التضييق والملاحقة هاجر عبد الهادي إلى "ميرانشاه" في وزيرستان.

لم يكن بطلنا ليحصر جهاده في الحدود التي رسمها الصليبيون، ولم يقصر جهاده على قتال الصليبيين وعلى الحكومة الأفغانية العميلة المرتدة، بل كان يقاتل كذلك الحكومة الباكستانية المرتدة، وكان من ذلك أن أُسر في منطقة "مهمند" شمال غربي باكستان، ومكث في السجن مدة، وبعد خروجه عاود هجماته الدامية على الصليبيِّين والمرتدين في باكستان وأفغانستان.


• طلب خبيث من المرتدين وعمالة:

ولما استحكمت شبكة الاستخبارات الباكستانية على حركة "الطالبان" وعلى شبكة "حقاني" طلبوا من عبد الهادي أن يحصر جهاده وعملياته ضد الحكومة الأفغانية فقط، ولكن عبد الهادي كان قد عرف قبل ذلك خُبث عقائد الطالبان ومكائدهم، فلم يُلق لطلبهم بالا، واستمر في العمليات ضد المرتدين في باكستان وأفغانستان، وكان مع عبد الهادي رجال صادقون مخلصون أصحاب عقيدة، وإثر ذلك أعلنت حركة طالبان المرتدة أن عبد الهادي باغٍ على الحركة، لعدم حصر عملياته حيث تريد الاستخبارات الباكستانية.

إلا أن سعد الإماراتي لم يلقِ لإعلان الطالبان بالا، ولا حسب لهم حسابا، فبدأت ضرباته النوعية -هو ومن بقي معه من إخوانه الصادقين- على الاستخبارات في منطقة "لوغر" الأفغانية، وعلى الاستخبارات الباكستانية المرتدة، ما دفع الأخيرة لمحاولة اغتياله أكثر من مرة، إلا أن الله -تعالى- عصمه منهم.


• أول من بشَّر بالخلافة:

أحب سعد إخوانه المجاهدين في العراق من أول ظهور لهم، وأحب رايتهم، بعد أن سمع كلمات قاداتهم وشاهد إصداراتهم وعملياتهم، وتأكد أنهم أصحاب عقيدة ومنهج، فكان من شدة حبه لهم أنه كان دائما يصحب معه راية "العقاب"، ولما أُعلنت الدولة الإسلامية في العراق والشام، أدرك أن بعد هذا الإعلان أمر عظيم ألا وهو الخلافة، فبشَّر عبد الهادي الأمة والمجاهدين من حوله، وذلك موثق بإصدار يحمل اسم (قافلة الحق، العدد الثالث).

كان سعد الإماراتي من قديم الأيام يتفقد أخبار إخوانه المجاهدين في العراق والشام، لصحة عقيدتهم وسلامة منهجهم، وكان يعتبر نفسه أحد الفرسان في ركبهم.

ولما أُعلنت الخلافة تحققت أمنيته وأصبح حلمه واقعا، فاجتمع بإخوانه الصادقين كالشيخ مقبول، والشيخ حافظ سعيد خان، والشيخ أبي يزيد، وغيرهم من الصادقين وشكلوا النواة الأولى للخلافة في خراسان، وأرسلوا بيعتهم لأمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي -حفظه الله- الذي قبلها منهم.


• رفضٌ لابتزاز المرتدين:

وبعد إعلان ولاية خراسان أمَّره إخوانه على منطقتي "لوجر" و"بكتيا"، ولما وصل لمنطقة عمله استقبله الناس هناك أحرَّ استقبال مما جعل مرتدي حركة طالبان في تخبط كبير، ومن أجل ذلك أرسلوا ثلاثة من كبار أعضاء شورى "كويتَّه" إلى عبد الهادي ووعدوه بأن يجعلوه أميرا على كابول من قبل الحركة إن تخلى عن الدولة الاسلامية، ولما رفض عبد الهادي بشدةٍ طلبهم، طلبوا منه أن يعتزل القتال ولا ينضمّ إلى جيش الخلافة في خراسان، فطالب بالأدلة الشرعية على مطلبهم، غير أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولم يكن أمامهم إلا أن عادوا أدراجهم إلى "كويتَّه" خائبين خاسئين.

ولما هاجم الصليبيون والطالبان المرتدون مناطق سلطان الخلافة في "ننجرهار"، استنفره إخوانه لصد حملتهم، فما كان منه إلا أن استجاب ولبَّى النداء.

وبعد وصوله اتجه إلى منطقة "عدل خيل" فدارت بينه وبين المرتدين والصليبيِّين معارك دامية، وكان وقتها أميرا للحرب هناك، كما خاض جيش الخلافة تحت إمرته ضد الطالبان المرتدين معارك عديدة.


• في الصفوف الأولى:

وفي عام 1437 هـ خاض معارك شديدة ضد الحكومة الأفغانية في منطقة "كوت"، وبعد السيطرة على عدة نقاط للجيش الأفغاني هو وإخوانه، واجه قوة عاتية للجيش المرتد بمساندة قصف شديد من طائرات الصليبيين، بهدف استعادة السيطرة على ما استلبه منهم جيش الخلافة بقيادته، ومع شدة الحملة الشرسة والقصف العنيف كان عبد الهادي يرص الصفوف، ويرشد إخوانه لأنجع الأساليب في إيقاع القتل بالكفار والمرتدين، وكان لذلك أثر كبير على الجنود، إذ كانوا يرون أميرهم البطل بينهم في صفوف القتال الأولى.

وفي اليوم الثالث عشر بعد عيد الفطر لعام 1437 هـ كان القدر بانتظار أخينا وبطلنا عبد الهادي "سعد الإماراتي بن حاجي محمود"، بعدما ناهز عمره 33 عاما، قضى جلها مجاهدا في سبيل الله، حيث أصابه أحد المرتدين بطلق ناري بعد وضوئه لصلاة العصر قتل على إثره، فتقبله الله في الشهداء المخلصين، كما نحسبه والله حسيبه، وأعلى له الدرجات في الجنة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

من ولي من أمر أمتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله، ...

من ولي من أمر أمتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) [رواه مسلم].

روى مسلم عن عبد الرحمن بن شِماسة، قال: "أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم -أي أميركم- في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا، إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة، فيعطيه النفقة، فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر -أخي- أن أخبرك ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في بيتي هذا: (اللهم، من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) [رواه مسلم].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 123 الافتتاحية: • استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة منذ ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 123
الافتتاحية:

• استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة

منذ عقود طويلة، والمرتدون من أتباع طواغيت الإخوان المشركين، ومن يردد أكاذيبهم، يكررون مقولة ساذجة يريدون من خلالها تبرير إيمانهم بالديموقراطية وطلبهم لها، ومنها أن الديموقراطية هي أمثل طريق لإقامة الدين، وأن الحكم الديموقراطي أقل ضررا على دين الناس من الحكم الاستبدادي الفرعوني.

وبما أن نظرياتهم هذه لم تخضع للتجريب -بشكل كامل على الأقل- فإنهم ظلوا مستمرين في الكذب بها على أتباعهم الراضين بالدخول في شرك الديموقراطية في سبيل المصالح الظنية التي يعدهم بها طواغيتهم، ولكن كان من ثمرات ما جرى خلال العقد الأخير من إسقاط لبعض الأنظمة الفرعونية وإحلال أنظمة ديموقراطية مكانها أنها كشفت زيف تلك الدعاوى الكاذبة، وعرَّت أصحابها وفضحت إيمانهم المطلق بشرك الديموقراطية وحرصهم عليها مهما كانت النتيجة من وراء الدخول في دينها.

فبعد إسقاط الطاغوت التونسي الأسبق (زين العابدين بن علي) تحققت الديموقراطية في تونس، وجرى انتخاب مجلس تأسيسي يقع على عاتقه وضع دستور جديد للبلاد، وشارك في انتخاب أعضاء المجلس أكثر من ثلثي المؤهلين للتصويت من شعب تونس، وفوَّض المنتخبون هؤلاء الأعضاء بالنيابة عنهم في الحكم والتشريع، لكونهم نوابا عنهم، وقاموا بوضع الدستور الذي صدر بعد أعوام ثلاث متضمنا ما فيه من تشريع من دون الله، وأوامر بالحكم بغير ما أنزل الله، كما كان هذا الدستور أساسا لكثير من القوانين الكفرية، ومبيحا لكثير من التعديات على أحكام الشريعة الإسلامية وأهلها.

ولعل أشهر الأمثلة عليها ما صدر مؤخرا عن الحكومة التونسية المرتدة من قوانين معارضة لحكم الله في أبواب النكاح والإرث وغيرها من الأبواب التي فيها أحكام تخص المرأة المسلمة، فأصدر المشركون قانونا كفريا يبيحون به ما حرَّم الله من نكاح المسلمات للمشركين، حين حكم -سبحانه- بقوله: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، وهم عاكفون على تشريع قانون كفري آخر ينقضون به حكم الله تعالى في الإرث، بمساواتهم بين الذكور والإناث من الأولاد في الميراث، بخلاف حكمه تعالى: {يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، بالإضافة إلى قوانين أخرى كفرية يعكفون على إصدارها لتعزيز ما يسمونه "مساواة بين الرجل والمرأة"، وهذا كله غيض من فيض كفرهم وطغيانهم على حق رب العالمين في التشريع، الذي مُكنوا منه بتفويض من المؤمنين بدين الديموقراطية.

وقد ضربنا المثال بهذه القوانين لأنها تندرج ضمن ما يسمونه "قوانين الأحوال الشخصية" التي درج الطواغيت الحاكمون لديار الإسلام على عدم التدخل فيها، كصورة من صور خداع الناس بأنهم لا يتدخلون في دينهم، وهكذا بقيت هذه القوانين على حالها في ظل حكم الصليبيين الفرنسيين، ومن بعدهم عتاة الطواغيت المتفرعنين وهم (الحبيب بورقيبة) و(زين العابدين بن علي)، فلم يجرؤوا على التصرف فيها، مخافة أن يثور الناس عليهم، ولكن هذه الحكومة الديموقراطية وجدت في نفسها من القوة ما لم يكن لأسلافها من الحكومات الطاغوتية، نظرا لامتلاكها تفويضا ممن انتخبها من شعب تونس، وبالتالي فإنها تُصدر هذه القوانين باسمهم، وبالنيابة عنهم.

لقد أثبتت حادثة تونس وغيرها من الحوادث، أن الديموقراطية فضلا عن كونها كفرا بالله العظيم، وكون من آمن بها باعتقاد أو قول أو فعل كافرا، فإنها لا يمكن أن تكون طريقا لإقامة الدين بل هي أشر وأطغى من حكم الطواغيت المستبدين، وذلك أن الحكومات الديموقراطية تتصرف بموجب تفويض ممن انتخبها وهم الغالبية من الشعوب عادة، وبالتالي فإنها تتعامل مع كل القضايا على أساس رضا من انتخبها بأفعالها، وتتمادى في التشريع في دين الله، والحكم بغير ما أنزل الله أكثر من تمادي الطواغيت المستبدين أحيانا.

أما دعاوى الديموقراطيين من المنتسبين زورا إلى العمل على تمكين الحكم بالشريعة، فإنها في حقيقتها ليست سوى أدوات للتمويه عن أهدافهم الحقيقية في الوصول إلى الحكم، ومشاركة العلمانيين فيه، والحصول على امتيازات لأنفسهم أو أحزابهم، والبقاء على ذلك، ولو لم يتحصلوا من هذه المشاركة الديموقراطية على شيء مما وعدوا الناس بتحقيقه.

ولا زالت الأيام تكشف زيف دعاوى الديموقراطيين، وفشلهم في تحقيق أي من شعاراتهم التي خدعوا بها أنصارهم المشركين، ولا زال أولئك الأتباع يسبحون بحمد زعمائهم، ويصمون آذانهم عن سماع الحق، أو رؤية الواقع، وقد قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [النحل: 106 - 108].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

لم يكن الرفق في شيء إلا زانه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابيا بال في المسجد، فثار إليه ...

لم يكن الرفق في شيء إلا زانه

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابيا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (دعوه، وأهريقوا على بوله ذَنوبا من ماء، أو سَجلا من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين) [صحيح البخاري].
وعن عائشة -رضي الله عنها - قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك، فقلتُ: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، قلتُ: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: (قلتُ: وعليكم) [صحيح البخاري].

أخي المجاهد: لقد حثَّ شرعنا الحنيف على الأخلاق الحسنة وحرَّض عليها ليس لأنها تعلو بصاحبها في مراتب الشرف وتُهذب النفس فحسب، بل لأن خيرها ينعكس على كامل المجتمع المسلم وأفراده.

ويعتبر الرفق من الأخلاق التي يتعدى خيرها للآخرين، حتى مع غير البشر، فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- شيئا من ذلك فقالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة، فأرسل إليَّ ناقة محرَّمة -يعني ناقة لم تُركب- من إبل الصدقة، فقال لي: (يا عائشة، ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نُزع من شيء قط، إلا شانه) [سنن أبي داوود].

وعن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته) [رواه مسلم].

ولا بد للرفق أن يكون لِينا من غير ضعف، وتيسيرا من غير تفريط، وأن يُستعمل في موضعه استعمالا حكيما، فلين الجانب بالقول والفعل هو السهولة والتواضع بالقول والفعل وترك العنف والقسوة والغلظة والفظاظة في الأمر والنهي.

قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، [آل عمران: 159].

وإذا ما أردت أيها القائد أو الأمير أو الأب أو الزوج أو الأخ أو الجندي أن تكون مطاعا فلا بد لك من لين الجانب أي السهولة في التعامل بدون عنف أو قسوة.

واجعل أخي المجاهد رفقك بمن حولك لله عز وجل، وليكن هدفك أن تُرِيَ الله هذا الرفق في تعاملاتك كلها إرضاء له، وذلك لأنه -تعالى- يحبه منك فقد روت أمنا عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه) [رواه مسلم].

أي إن الله -تعالى- يسهل الأمور وييسرها بالرفق واليسر ولا يحصل ذلك التيسير والتسهيل بالعنف والغلظة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

سلسلة سؤال وجواب (3) ما أعظم ما أمر الله به وأعظم ما نهى عنه؟ أعظم ما أمر الله به: هو ...

سلسلة سؤال وجواب (3)

ما أعظم ما أمر الله به وأعظم ما نهى عنه؟

أعظم ما أمر الله به:
هو التوحيد؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى، { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحل: 36]

وأعظم ما نهى الله عنه:
هو الشرك؛ وهو عبادة غير الله معه، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء: 48]
...المزيد

نصرة لأحرار العراق يتعرض مسلمو العراق لأبشع الجرائم الرافضية في السجون والمخيمات المنسية، وسط ...

نصرة لأحرار العراق

يتعرض مسلمو العراق لأبشع الجرائم الرافضية في السجون والمخيمات المنسية، وسط تغييب إعلامي ممنهج يمارسه إعلام الدجال، وهو نهج مقصود غير مستغرب، لكن ما يكرّسه ويفاقمه تجاهل عامة المسلمين لجرح إخوانهم في العراق كأنهم لا يرون فيه بأسا، مع أنّ ما فيه يفوق ما في كثير من الجراح مجتمعة، لكن الأحرار لم يعتادوا النواح والشكوى ولو بقوا في المحنة مئة عام! نتحدث بلسانهم لا نيابة عنهم، فمن ينوب عن هؤلاء ومن يطيق ما يطيقون؟

إننا نذكّر المسلمين بنصرة إخوانهم أهل العراق تحت مظلة الإسلام الذي يوجب عليهم ذلك، وتيقنوا أن من خذل أهل العراق لن ينصر أهل فلسطين، ومن باع بغداد الرشيد لن يشتري الأقصى.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [508]
"عراق المراغمة"
...المزيد

الجندي المرعب شكّلوا نواة جيوش الفتح التي انطلقت قبل أكثر من عقدين وشيّدت صرح المشروع المقدس ...

الجندي المرعب

شكّلوا نواة جيوش الفتح التي انطلقت قبل أكثر من عقدين وشيّدت صرح المشروع المقدس الذي اجتمع الروم والفرس والمنافقون على حربه منذ أول يوم أُسس فيه على التقوى، وما زال الكافرون والمنافقون يتواصون بحربه حتى هذه اللحظة، بينما واصلت جيوش الفتح طريقها منذ ذلك الحين لم تذل خيولها حتى وصلت سنابكها بلاد إفريقية وخراسان وما زالت مسيرتها ماضية بفضل الله تعالى.

تتسابق الجيوش والحكومات على مطاردة جنودهم قبل قياداتهم، وتُفتح قنوات التنسيق بين أجهزة المخابرات إنْ وردت إشارة ساخنة عن أحدهم، وتطير الوكالات والقنوات بنبأ مقتل عراقي في نزال، وأسر عراقي في إنزال، كأنّ أجناد العراق مادة الرعب ومنتهى الإرهاب الذي يحاول كل هؤلاء عبثا الخلاص منه وهيهات.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [508]
"عراق المراغمة"
...المزيد

محرقة المعسكرات (2) فيا فوارس الإسلام في إفريقية، أعدوا للصليبيين ما استطعتم من قوة، وسلِّحوا ...

محرقة المعسكرات (2)

فيا فوارس الإسلام في إفريقية، أعدوا للصليبيين ما استطعتم من قوة، وسلِّحوا قوتكم بالإيمان والعلم فذلك أدعى للتوفيق وأمضى للطريق، أنار الله دروبكم وحفظ جهادكم، وأعانكم على أمانة حمله وإيصاله إلى شواطئ أوروبا يغزوها ويبدّد أمنها ويحيل شوارعها وعواصمها إلى "إيتوري" و "كابو ديلغادو" ثانية!

فما زالت القلوب تتحرق للثأر من نصارى أوروبا، وما زالت الدعوة مفتوحة لأبطال الإسلام أن يعيدوا الكرة عليهم ويغزوهم في عقر دارهم، ويجْروا أحكام السماء عليهم كما فعل إخوانهم في إفريقية، ولينصرن الله من ينصره.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [507]
"نور الجهاد"
...المزيد

محرقة المعسكرات لم تكد تخبو نار محرقة المعسكرات في غرب إفريقية، حتى سعّر إخوانهم في وسط إفريقية ...

محرقة المعسكرات

لم تكد تخبو نار محرقة المعسكرات في غرب إفريقية، حتى سعّر إخوانهم في وسط إفريقية وموزمبيق نار الجهاد على النصارى المحاربين، وأدخلوهم في دوامة جديدة من التشريد والبوار والذلة والصغار.

ما يميّز الجهاد الإفريقي الصاعد أن المجاهدين هناك استفادوا كثيرا من ساحات ما قبل إفريقية، فأكثروا الفعل وأقلّوا الكلام، وانشغلوا بامتثال الأمر واجتناب النهي وتركوا المغاليط، فأنار الله بصائرهم وبارك جهادهم وهدى إليهم أبناء الإسلام الغيارى، فأتوهم من أقاصي الأرض خفافا وثقالا.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [507]
"نور الجهاد"
...المزيد

لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على ...

لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ


الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إن كثيرا من الناس يجحد نعم الله -تعالى- عليه ويدعي أنه شاكر لله سبحانه، وهو يظن أن الشكر قول باللسان دون العمل بالجوارح والأركان، وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الشكر يستدعي تبيان معاني الشكر التي أرادها الله -تعالى- من خلقه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} على أعدائكم وأنتم يومئذ أذلة، يعني: قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عدداً منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ}، يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يقول: لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلَّ عنه مخالفوكم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

إن الله -سبحانه وتعالى- يعلمنا معنى الشكر في هذه الآية الكريمة، وكيف نشكره عندما يمُنُّ علينا بنصر من عنده ونحن ضعفاء قليلون وعدتنا قليلة ضعيفة، فهذه الآية في غاية الأهمية، فإن من المعلوم أن الشكر يكون بالعمل، كما قال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13]، أي اعملوا بطاعة الله شكرا على نعمه، وكذلك معنى الشكر في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، هو بالعمل بأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه حيث تتحقق التقوى، وهذه المناسبة كانت في تذكير الله للمؤمنين بأنه نصرهم في معركة بدر ولم يكن بين المسلمين والكفار تقارب من ناحية العدد والعدة، فكان الصحابة قليلِين وعدتهم بسيطة، وكان الكفار يملكون السلاح والخيالة والعدد الكثير، لكن الله -سبحانه- نصرهم بجند السماء وأيدهم بنصره، وهذا لأن الصحابة تعلقت قلوبهم بالله وصدَّقوا رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما وعدهم من النصر والظفر، وهذه النعمة تستحق الشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر بتعظيم أوامر الله هو من تقوى القلوب، كما قال الله سبحانه، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، فالتقوى لا بد معها من تنفيذ الأوامر، مع اجتناب ما حرَّم الله -تعالى- واجتناب الذنوب والنواهي، كما قيل:

دع الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق
أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة
إن الجبال من الحصى

فلا بد من تحقيق الشكر لله بكلا جانبيه ليتحقق النصر، جانب الأوامر وجانب النواهي، وإن كان المجاهدون قد استسلموا لأمر ربهم وخضعوا بطاعته في قتال أعدائه صفا واحدا، فلا بد أيضا من عدم إغفال الجانب الآخر وهو الخضوع له في اجتناب نواهيه، وإن من أعظم النواهي التي تمنع ثمار العمل الصالح وتُخلُّ بالشكر وبالتالي تُؤخر النصر، هي الاختلاف والتباغض والتحاسد والغيبة والطعن والنميمة وفساد ذات البين، وهذه الآفات لا بد أن يخلو صف أهل الإيمان منها، فهي التي تُضعف الصف المؤمن وتُؤخر نعمة النصر وتُفضي إلى الفشل وغضب الله -تعالى- وحرمان حسنة التمكين في الدنيا، كما قال ربنا جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

فهنا في هذه الآية أمرٌ بالطاعة والصبرِ ونهيٌ عن التنازع لأنه يفضي إلى الفشل وذهاب القوة، وعلى كل مجاهد أن يدرك هذه السنن والحقائق التي لا تحابي أحدا وأن يلتزم بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويصبر على طريق الجهاد ويربي نفسه على السمع والطاعة للأمراء وينأى بنفسه وإخوانه عن كل موطن يؤدي إلى التنازع والاختلاف، فيحفظ الحقوق ويؤدي النصيحة كما يحبها الله تعالى.

وإذا كان الإخلال بمعاني الشكر يكون في القعود عن أوامر الله والوقوع في مناهيه، فإن أعظم من ذلك كله من وقع في الشرك وفسَق عن أمر ربه، فإنه نقض كل معاني الشكر التي يستحقها الخالق جل وعلا، فإن المتدبر لقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32]، يعلم قبح فعل الكافر لنعم الله تعالى، فهو الذي خلقه ورزقه وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، ثم يقوم هذا الكفور بربه فيعبد غيره ويصرف للأنداد أنواع العبادات ويصرف الشكر لغيره، والله -تعالى- هو الخالق المستحق للشكر بعبادته وطاعته والاستجابة لأوامره والتصديق برسله، ولذلك قال -سبحانه- مذكرا بنعمه على عباده لكي يشكروه عليها فقال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: "والله -تعالى- أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها، وتميزون بها الخير من الشرِّ وبصَّركم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض، {وَالأفْئِدَةَ} يقول: والقلوب التي تعرفون بها الأشياء فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك" [جامع البيان في تأويل القرآن].

ولو تأمَّل المتأمل حال أكثر أهل الأرض لتعجَّب ممَّا هم فيه من صرف الشكر لغير الله باتخاذ الأنداد والوقوع في أنواع كثيرة من الشرك بالله، سبحانه وتعالى، فمن عبادة الأصنام وعبادة الحيوانات إلى عبادة القبور والبشر وانتهاءً بشرك الديموقراطية ومنازعة الله -تعالى- في الحكم والتشريع، وهذا حال كثير من الناس اليوم من المنتسبين للإسلام والله المستعان، الذين طابق حالهم حال أولئك الذين قال الله فيهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، قال ابن عباس: "تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره"، وهؤلاء تسألهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله وهم يعبدون غيره بصرف عبادة الحكم لسواه، ويصنعون الطواغيت بأيديهم حين يوصلونهم إلى سدة التشريع في البرلمان بواسطة الانتخابات كمن يصنع صنما بيديه ويعبده، فيطيعونهم في تشريعهم ويتحاكمون إليهم، والله -تعالى- يقول: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فلله الخلق والحكم والتشريع، فتبارك الله أحسن الخالقين، وتبارك الله أحكم الحاكمين، وتعالى الله عن شرك المشركين وجحود الكافرين وافتراء الطواغيت المشرعين، وتعالى الله عما يصفون ويشركون، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2) لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا ...

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2)

لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا محالة بين الكفار وهم يُعذَّبون في نار جهنم، والتي تتضمن الاتهامات المتبادلة بين الطواغيت والرؤساء المتبوعين، وبين أتباعهم وجندهم وأنصارهم الذين بنَوا سلطان الكفر لهم، وقد تكررت هذه الحوارات في كثير من آيات القرآن العظيم، فذكر الله -تعالى- أن أهل النار يتخاصمون ويتحاجون ويتَّهم بعضهم بعضا، ويتبرأ المتبوعون من التابعين لهم، كما في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]
قال الإمام الطبري رحمه الله: "والصواب من القول عندي في ذلك أنّ الله -تعالى ذكره- أخبرَ أنّ المتَّبَعين على الشرك بالله يتبرؤون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله. ولم يخصص بذلك منهم بعضاً دون بعض، بل عَمّ جميعهم. فداخلٌ في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتَّبعونه على الضلال في الدنيا، إذا عاينوا عَذابَ الله في الآخرة" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وهذه المودة التي بينهم في الدنيا والتعاضد في نشر الكفر والرذيلة وحرب الموحدين والصد عن سبيلهم، تتحول إلى حسرة وندامة وتبادل للتُّهم بين الرؤساء والقادة المتبوعين، وبين جندهم وأنصارهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25].

وفي ثنايا تلك الحوارات والخصومات بين الكفار حين يُعاينون العذاب تبريرات فاسدة لما كانوا عليه من الكفر وتعاونهم عليه والدفاع عنه، فأول تلك الحوارات حين يقفون بين يدي خالقهم جل في علاه، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "قال الله -تعالى- متهددا لهم ومتوعدا، ومخبرا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} منهم وهم الأتباع: {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم قادتهم وسادتهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، أي: لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءونا به، فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ}، أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا: {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا، وتَغُرُّونا وتُمَنُّونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن، قال قتادة، وابن زيد: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يقول: بل مكرهم بالليل والنهار، وكذا قال مالك، عن زيد بن أسلم: مكرهم بالليل والنهار، {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أي نظراء وآلهة معه، وتقيموا لنا شُبَهاً وأشياء من المحال تضلونا بها، {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [سبأ: 31 - 33]، أي: الجميع من السادة والأتباع، كُلٌّ نَدم على ما سَلَف منه" [تفسير القرآن العظيم].

ومن الحقائق التي يقر بها الكفار وكانوا يستكبرون عنها في الدنيا أو يسموها بغير اسمها هي اعترافهم بما كانوا عليه من اتخاذ الأرباب وتسويتهم برب الأرباب سبحانه وتعالى، فهؤلاء الأتباع العابدون للطواغيت المشرعون لأحكام جاهلية كفرية، أو العابدون للحكام الحاكمين بشرائع البشر تلك، أو العابدون لأي طاغوت في العالم بأي نوع من العبادة، كل هؤلاء سيعترفون أنهم في ضلال مبين بعد أن كانوا يرمون خصومهم الموحدين في الدنيا بالضلال والظلم والظلامية، ويختصمون مع طواغيتهم ويقرون بتسوية طواغيتهم وشريعتهم وأمرهم مع رب العالمين وشريعته وأمره، كما قال الله -تعالى- عن مقولتهم تلك بعد معاينة العذاب: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 96 - 98]، قال الإمام ابن كثير: "نجعل أمركم مطاعا كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين" [تفسير القرآن العظيم].

وفي مشهد آخر يفزع الأتباع إلى سادتهم ليجدوا لهم منجى من عذاب الله، هؤلاء الأتباع الذين كانوا يأتمرون بأمر هؤلاء الطواغيت في حرب الله وأوليائه ودينه، والذين يلجؤون إليهم حين تحدق بهم أخطار المجاهدين، فيكونوا لهم ردءا وعونا فيعقدون التحالفات ويحتشدون جنبا إلى جنب، لحرب دين الله وعباد الله الموحدين، فيلجأ المرتد إلى طاغوته، ويلجأ الطاغوت المرتد إلى الطاغوت الصليبي، وهكذا يصور لنا القرآن مشهدا جديدا من الفزع، حين يهرع الأتباع إلى طواغيتهم ليخلصوهم

من عذاب الله ولات حين خلاص، قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا الحوار بين القادة والأتباع: "{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، يقول: فقال التُّبَّاع منهم للمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم: {إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، في الدنيا وإنما عنَوا بقولهم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتِّباع رسل الله، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، يعنون: فهل أنتم دافعون عنَّا اليوم من عذاب الله من شيء، {قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}، قالت القادةُ على الكفر بالله لتُبَّاعها: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ}، يعنون: لو بَيَّن الله لنا شيئاً ندفع به عَذَابَه عنا اليوم، {لَهَدَيْنَاكُمْ}، لبيَّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذابَ عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا مِن العذاب، فلم ينفعنا جزعُنا منه وصَبْرُنا عليه، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]، يعنون: ما لهم من مَراغٍ يرُوغون عنه" [تفسير الطبري].

وفي مشهد آخر أخبرنا به الله -تبارك وتعالى- أن هؤلاء القادة والأتباع سيتحاورون ويتحاجون بعد دخولهم النار، وذلك حين يضج الجمع الضال الغفير إلى قادتهم الطواغيت، ويحاجونهم أنهم كانوا لهم أوتادا وجندا يأتمرون بأمرهم ويقيمون سلطان باطلهم، قال الإمام ابن كثير في تفسير هذا الحوار: "يخبر -تعالى- عن تحاجِّ أهل النار في النار، وتخاصمهم، وفرعون وقومه من جملتهم {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ} وهم: الأتباع {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم: القادة والسادة والكبراء: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} أي: قسطا تتحملونه عنا، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي: لا نتحمل عنكم شيئا، كفى بنا ما عندنا، وما حملنا من العذاب والنكال، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47 - 48] أي: يقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كلٌّ مِنَّا" [تفسير القرآن العظيم].

إن الله -تعالى- حكم بين هؤلاء بما يستحقونه، فكيف كان هذا الحكم ولماذا؟ كان هذا الحكم بعد أن طلب الأتباع بمضاعفة العذاب لقادتهم لأنهم أدخلوهم النار بسبب إضلالهم لهم وذاك في قوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67 - 68].

وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر مضاعفة العذاب لمن سبقهم في الكفر من تلك الملل، لأنهم زينوا لهم طريق الكفر والضلالة، كما تتواصى الأمم اليوم في إشاعة دين الكفر الديموقراطية، وتخلف أمة إثر أمة بهذا الدين الباطل في الكفر وإشاعة الشرك والرذائل والظلم والفساد الكبير، قال الله -تعالى- عن تلك الأمم من الجن والإنس: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38].

قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا المشهد: "وهذا خبر من الله -جل ثناؤه- عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادَّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار، الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفاً وإماماً في الضلالة والكفر، لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا".

هذا هو طلب الأتباع من الأفراد والأمم الذين ائتمروا بأوامر القادة المُتَّبَعين، طلبهم أن يضاعف العذاب لمن كان سبب إضلالهم، فجاء الحكم من الله -تعالى- بأن العذاب مضاعف لكل الكفار بقدر إضلالهم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "قوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38] أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].


نسأل الله -تعالى- بمنِّه وكرمه أن يثبتنا على دينه ويجيرنا من العذاب والضلال، ومشاهد الخزي والنكال، والحمد لله على نعمة الإسلام.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً