خاطرة للدكتور عثمان جيلان معجمي حول قوله تعالى : لقد خلقنا الانسان في كبد الله تعالى خلق الانسان ...

خاطرة للدكتور عثمان جيلان معجمي حول قوله تعالى : لقد خلقنا الانسان في كبد
الله تعالى خلق الانسان , في دنيا تتطلب منه الكد والجري والتعب وراء لقمة العيش , (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) سورة الملك) , و هيأ جسمه لذلك , ليتمكن من المشي والجري والاخذ والعطاء والتفكير , وعمل جميع الاسباب التي يتحصل بها على رزقه , بل واداء العبادات , من صلاة وحج وغير ذلك , و خلق الله للإنسان المأكولات والاغذية , وركب فيه الشهية للأكل , و كانت البداية بآدم عليه السلام , الذي بدأت مسيرة حياته في الجنة , يأكل منها رغدا حيث شاء , دون كد او تعب , وحذره الله من الاكل من شجرة معينة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) سورة البقرة) , والفرق بين هذه الشجرة وبقية اشجار الجنة , ان الاكل من هذه الشجرة , ينتج عنه تكوين مخلفات ومواد سامة في الجسم , فتخرج المخلفات من الجسم على شكل براز وبول , وتبقي المواد السامة في الجسم مسببة الاحساس بالضنك والضيق والضجر والاكتئاب والطفش , تماما مثل الاشجار والمأكولات على سطح الارض , اما بقية اشجار الجنة , فإن اكلها لا يؤدي الى تكوين مخلفات في الجسم , ولا تكوين مواد سامة, بل تتكون مواد اخرى , تؤدي الى الشعور بالنشاط والقوة و الفرحة والسعادة والسرور , ولذلك سميت الجنة ببلاد الافراح , (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) سورة ال عمران) , فلا يصيبهم الملل والخوف والحزن , و لا يشعرون بالضنك والضيق والضجر , وهذا هو الانسب للحياة الابدية والخلود في الجنة .
وعندما اكل ادم من تلك الشجرة , تكونت المخلفات في جسمه , من البراز والبول , وهذه المخلفات لا بد ان يتخلص منها الجسم , ولكن لا مكان في الجنة للبراز والبول والنجاسات والقاذورات , ولذلك خرج ادم من الجنة وهبط الى الارض , ليضع تلك المخلفات على سطح الارض , فهي المكان المناسب لوضع المخلفات والقاذورات , وعلى سطح هذه الارض , سيعيش ادم وبنوه الى يوم القيامة , (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) سورة الاعراف) , (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) سورة الاعراف)

اذن اخي القارئ , هناك فرق بين المأكولات والاشجار في الارض , والمأكولات والاشجار في الجنة , المأكولات التي توجد في الجنة , لا ينتج عنها مخلفات او سموم في الجسم , فلا يتكون البول ولا البراز ولا السموم في جسم الانسان , بل تتحول الى مواد تجعل الانسان فرحا مسرورا, والى مواد اخرى تخرج من الجلد على شكل عرق ذو رائحة زكية طيبة , تجعل الجو من حوله منعشا (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) سورة الواقعة)
واما المأكولات والاشجار الموجودة في الارض , فإنها تتحول في جسم الانسان الى مخلفات و مركبات سامة , واهم المخلفات هي البراز والبول , واهم المركبات السامة هي مواد تؤدي الى الشعور بالضيق والاكتئاب والضجر , وتمنع عن الانسان الشعور بالسعادة والبهجة والفرجة والسرور , فأما البول والبراز , فيتخلص الجسم منهما بسهولة , واما المواد السامة , فإن الجسم يجد صعوبة في تكسيرها والتخلص منها , وتتراكم تلك المواد السامة في الجسم , ولا يمكن التخلص منها , الا ببذل مجهود عضلي كبير , كالمشي مسافات طويلة , و اداء التمارين , والصيام .
اذن , تبقى الوسيلة الوحيدة للتخلص من المواد السامة , هو اداء مجهود عضلي شاق , او الصيام , ولذلك تجد العامل المسكين , الذي يشتغل حجر وطين , ويتعب طول يومه , ويبذل مجهودا عضليا في حمل الاسمنت والاحجار , تجده في نهاية عمله سعيدا فرحا مسرورا , لان هذا المجهود الشاق , ادى الى تخلص جسمه من السموم , ويعود هذا العامل الى اهله بشوشا فرحا , يلعب مع اطفاله وينشر في منزله البهجة والسرور , وهو لا يملك الا قوت يومه , ويعود ذلك الغني المرتاح على كرسي مكتبه , والذي لم يبذل مجهودا عضليا في عمله , يعود الى منزله ضيقا ضنكا غاضبا , بسبب تراكم السموم في جسمه .
ولذلك , فرض الله تعالى خمس صلوات في اليوم والليلة , ليذهب كل مسلم الى المسجد خمس مرات , هذا الذهاب والمشي الى المساجد كل يوم خمس مرات , يستهلك مجهودا عضليا , والذي يؤدي الى التخلص من السموم , فيشعر المصلي بالفرحة والسعادة والسرور , ولذلك فرض الله تعالى قيام الليل على حبيبه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم , (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) سورة المزمل) , (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) سورة الشرح ) , أي: إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها ، وقمت بأمر الدعوة , فانصب في العبادة واتعب فيها، وقم إليها نشيطا, لأن الله يحبه , يريده ان يكون سعيدا مسرورا .
اذن , المرتاح في الدنيا تعبان ,و التعبان فيها مرتاح , وكلما تعب الانسان وبذل مجهودا عضليا وبدنيا في يومه , تخلص من السموم , وشعر بالسعادة والسرور في نهاية يومه , وكلما زاد تعبه وكده , زاد احساسه بالفرح والسرور , وكلما ارتاح جسمه من التعب , ولم يبذل مجهودا عضليا في يومه , تراكمت السموم , وزاد احساسه بالضيق والهم والضجر والطفش والضنك , ولذلك اخبرنا الله تعالى عن هذه الحقيقة , بعد ان اقسم ثلاث مرات , (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) سورة البلد) , أي ان الله خلق الانسان , وجعله يكابد التعب والمشقة والعناء , لأن جسمه لا يناسبه الا التعب والعناء في الدنيا , ليشعر بالسعادة والسرور , ولن يقيه من الضجر والضيق والضنك الا بالمكابدة والتعب , اما في الاخرة , فلا يحتاج الى التعب والعناء والمكابدة , فلا مخلفات ولا مواد سامة , بل فرحة وسعادة و سرور .
, اخي القارئ , ونحن في عصر السيارات والمواصلات , يذهب الانسان الى عمله راكبا , ويؤدي عمله على كرسيه جالسا , ويعود الى منزله راكبا , لا يتحرك ولا يمشي كثيرا , لذا , وجب القيام ببعض التمارين اليومية , واقل تلك التمارين هي المشي لمسافات طويلة , والذي لا يستطيع القيام بالتمارين , فعليه بقيام الليل , والذي لا يستطيع قيام الليل , فعليه بالصيام ,كصيام الاثنين والخميس , ولذلك ترى الصائمين في ليالي شهر رمضان , تراهم فرحين مسرورين بعد الافطار , بسبب تخلص اجسامهم من السموم , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال , للصائم فرحتان, فرحة عند فطره , وفرحة عند لقاء ربه , وهذا هو السر , في ادمان بعض الناس صيام الاثنين والخميس , لانهم طعموا البهجة والسرور بعد الافطار
وفي الاخير , تبين ان الانسان لا يشعر بالسعادة والسرور في الحياة الدنيا , الا اذا تعب وكابد في العمل او العبادة , والذي لا يتعب ولا يتعبد , يعيش حياة ضنك وضجر وضيق وتعاسة , حتى لو كان يملك الدنيا باسرها , لن يذوق البهجة والسرور الا اذا تحرك وتعب وتعبد , اما الجنة , فهي العكس , كلما جلس وارتاح , زاد احساسه بالبهجة والفرح والسرور , (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) سورة البقرة)
...المزيد

هل قرأت عن قانون حفظ المخلوقات ؟ خاطرة جديدة للدكتورعثمان جيلان حول التسبيح في ايام الدراسة في ...

هل قرأت عن قانون حفظ المخلوقات ؟
خاطرة جديدة للدكتورعثمان جيلان حول التسبيح
في ايام الدراسة في جامعة صنعاء , وفي شهر رمضان من عام 1995 م , كانت عطلة نصف السنة في رمضان , فقررنا السفر بعد صلاة العشاء , السائق كان زميلي الدكتور عبد الجبار محمد منصور , ومعنا ثلاثة طلاب اخرون هم حمدي محمد منصور ومحمد عبد الله محجب و فؤاد مشهور , وبعد تناول العشاء , كان كل واحد منا حاملا حقيبته بيده , وفي ابطه حزمة القات , في جو رمضاني وفرحة شديدة , فرحة بالعطلة , وفرحة اخرى كنا نشعر بها , كما يشعر بها الصائم في ليالي رمضان , وقبل ان يصعد عبدالجبار ليقود السيارة , فرحا مبتهجا , كان يكركر بالضحك ويقول مازحا : كل واحد منكم يوصي , انا سوف اعمل حادث بالسيارة هذ الليلة , المهم انطلقت السيارة نوعها كوليرا بيضاء اللون صغيرة , انطلقنا من صنعاء متجهين الى الحديدة , وتذكرت كلمة السائق عبد الجبار وقوله كل واحد يوصي سأعمل حادث هذه الليلة , ودب الخوف الى نفسي وخشيت ان تتحقق كلمته , كنت متعودا اثناء اسفاري الى صنعاء ان اسافر مع اناس لا اعرفهم , فلا اشاركهم الحديث , واضل اسبح الله واذكره طول الطريق , فتعودت على ذلك , بل ادمنت, وفي تلك الليلة الرمضانية كان سفر ي مع زملائي , اناس اعرفهم , ومع ذلك غلبتني العادة , فلم اشاركهم الحديث , وكنت اسبح الله واذكره , والسيارة تتلوى بين تلك الجبال المرتفعة في ظلمة الليل , وادعو يا رب نجنا من شر ما قاله السائق , واحفظنا من أي حادث بين هذه الجبال وهذا الظلام , ولمدة ثلاث ساعات ونصف , وانا اسبح الله واذكره في نفسي , حتى نزلنا الى مشارف تهامة على ضفاف وادي سردود , وبعد ان تجاوزنا خميس بني سعد , اخذني النعاس , وما ان غمضت عيناي , وانقطعت عن الذكر والتسبيح , وفي بضع ثوان , انحرفت السيارة وخرجت عن الطريق واخذت تتقلب حتى نزلنا الى اسفل الوادي , وصحوت على صوت خرير الماء , والناس ينزلون بأيديهم الفوانيس لإنقاذنا واسعافنا , والحمد لله ,سلم جميع الركاب , ما عدا جروح سطحية
والسؤال هو : هل كان التسبيح طول الطريق سببا لحفظنا من الحادث؟
لقد مضى على الحادثة اكثر من عشرين عاما , فما الذي جعلني اتذكر هذه الحادثة واسرد قصتها للقراء ؟
ان الذي جعلني اتذكر تلك الحادثة , هي اننا وجدنا اشياء جديدة حول التسبيح , اشياء في نظري انها من اهم المواضيع التي يجب على كل مسلم ان يعلمها
اخي القارئ , هل قرأت يوما ما عن قانون حفظ المادة ؟ ان ما وجدناه حول التسبيح , يعتبر بمثابة قانون حفظ المخلوقات, وانت اخي القارئ احد هذه المخلوقات , فهل تريد ان تعرف هذه القانون , قانون حفظك وبقاءك في هذه الحياة ؟ وهل ستقوم بتطبيق هذا القانون , لتبقى محفوظا من اقدار الشر ؟
اقرأ الآيات التالية بتدبر : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44 ) سورة الاسراء
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(41) سورة النور)
الآيات السابقة , تحتوي على قانون الله في خلقه , هذا القانون هو ان جميع المخلوقات تسبح الله باستمرار , سوآءا كانت احياء او جمادات , ولكن لا نفقه تسبيحهم , هذا القانون باختصار : ما ان يخلق الله مخلوقا من خلقه , حتى يبدأ هذا المخلوق بتسبيحه وحمده باستمرار , لان هو الذي خلقه , يسبحه لا يكل ولا يمل , يسبحه كل مخلوق ويحمده ان خلقه من العدم , يسبحه ويحمده على نعمة الخلق والايجاد من العدم , طيلة ما بقي هذا المخلوق موجودا , حتى يأذن الله بفنائه , يسبحونه في الليل والنهار لا يفترون , ما عدا الانسان , فقد شذ عن هذه القاعدة , وعن هذا القانون , لان الانسان مخير وليس مسخر وليس مسير , اما بقية المخلوقات فهي مسخرة ومسيرة , و تسبح الله وتحمده باستمرار , وكأن تسبيح المخلوقات لخالقها يمثل قانون بقائها وحفظها , (مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) سورة سبأ اية 12)
والسؤال هنا , هل اذا قام هذا الانسان بالتسبيح وهو مخير, هل سيشمله قانون حفظ المخلوقات المسخرة المسيرة , ويحفظه الله من اقدار الشر ويبقى سليما ؟
الاجابة نعم , وسيكون حفظه وبقاؤه اقوى , لأنه سبح خالقه وهو مخير وليس مرغما على التسبيح
هل هناك امثلة ؟
نعم , امثلة من القران , المثال الاول , قصة يونس عليه السلام , فلولا انه كان من المسبحين , للبث في بطن الحوت الى يوم يبعثون , فتسبيح يونس عليه السلام , كان ضمانا لبقائه حيا في بطن الحوت , واخراجه الى خارج البحر
والمثال الثاني , قصة الاخوة اصحاب الجنة , الذين اقسموا ليصرمنها مصبحين (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) سورة القلم)
لقد فهم اليمنيون منذ القدم , ان التسبيح هو قانون الله الذي يحفظ المخلوقات المسبحة من اقدار الشر , ويضمن لها البقاء , ويدفع عنها العذاب , لذلك نصحهم اوسطهم بالتسبيح , حتى تسلم الجنة من العقاب و العذاب , لانهم عازمون ومصرون على المعصية , وهي حرمان المساكين حقهم , عندها تذكر الاخوة ذلك القانون , وتذكروا نصيحة اوسطهم , فقالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين , ولكن بعد فوات الاوان
ولذلك اعترضت الملائكة على خلق الانسان المخير , لقد كانت حجة الملائة في اعتراضها على خلق الانسان المخير , انه لن يسبح , لن يطبق قانون الله في خلقه ولن يسبح الله خالقه , وسيعاقب هذا الانسان بأقدار الشر , من سفك للدماء و افساد في الارض , (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)سورة البقرة )
ولذلك , عرف الانبياء والرسل هذه القانون , فكانوا يسبحون الله ويذكرونه في اكثر اوقاتهم , حتى اندمج بعضهم مع المخلوقات المسيرة المسبحة , يسبحون معهم وتسبح المخلوقات معهم , مثل داود عليه السلام (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) وموسى عليه السلام (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) سورة طه) , ونبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم , امره الله ان يسبحه في اكثر اوقاته , لأنه يحبه , يريده ان يطبق قانونه في خلقه , , ففرص الله عليه قيام الليل , كي يسبحه ويذكره كثيرا , يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا , نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه ورتل القران ترتيلا , (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) سورة طه) , (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) سورة الطور )
ونعود لقصة الحادث , الذي حدث لنا في ظريف الحديدة , هل كان التسبيح سببا لحفظنا من الحادث الذي نطق به لسان السائق ؟ بمجرد ان غفوت وانقطعت عن التسبيح , حادت السيارة عن الطريف وتقلبت , لقد جاء في الحديث النبوي ان الخير والشر مقرون بالنطق , وكان لا بد ان يقع ما نطق به السائق , ولكن التسبيح اخر ذلك الحادث
ولنعد الى المثالين السابقين , قصة يونس عليه السلام , وقصة اصحاب الجنة , يونس عليه السلام ترك الدعوة الى الله في قومه , ولم يصبر عليهم حينما كذبوه , فخرج غاضبا وتركهم قبل ان يأذن الله له في تركهم , و ظن ان الله لن يعاقبه على تركهم دون اذنه , وان اقدار الشر لن تصيبه , فحبس في بطن الحوت , ولم ينج الا بالتسبيح (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الانبياء ) , (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)) رغم ان غضبه وتركه لقومه مخالفة لامر الله لان الله لم يأذن له , رغم كونه مخالفا ونجاه الله بسبب التسبيح
وكذلك اصحاب الجنة , وبالرغم من انهم كانوا في موقف معصية , وحرمان للمساكين من حقهم , لو سبحوا لما اصابهم العذاب
وهنا يبرز السؤال المهم , هل المستمر على المعصية والمدمن عليها , ولا يستطلع الاقلاع عن المعصية , فهل في هذه الحالة قد ينفعه التسبيح ويمنع عنه عقاب المعصية ؟
مثلا , انسان مدمن على مشاهدة الافلام الاباحية , ولا يستطيع الكف عنها اثناء خلوته , او شخص يجمعه العمل مع زميلة له لا يستطيع الكف عن النظر اليها أو .... او اي شخص مدمن على معصية من المعاصي , ولا يستطيع الكف عنها , هل يمكن ان يلجأ الى التسبيح لكي ينجو من العقاب , حتى يرزقه التوبة النصوح؟
الاجابة على ذلك , وبالنظر الى قصة يونس عليه السلام , واصحاب الجنة , قد يكون ذلك ممكنا والله اعلم , وفي هذا فتح باب امل جديد للمدمنين على معاصي لا يستطيعون تركها , وضمائرهم تؤنبهم على ارتكابها , وخائفون من عقاب الله عليها , وتضعف نفوسهم امامها في كل مرة , في هذه الحالة قد ينجيهم التسبيح من العقاب على معاصيهم في الدنيا , حتى يرزقهم الله بالتوبة النصوح , و قد يقول قائل , قد ينجيهم الاستغفار , ولكن لا يصلح الاستغفار مع الاصرار والاستمرار على المعصية , فتخيل معي رجل يشاهد فلما اباحيا وهو يستغفر ؟ الاستغفار يكون بعد الانتهاء من الذنب وليس اثناء عمله , ولكن التسبيح قد ينجي المذنب من العقاب , فبالرغم ان اصحاب الجنة متجهون الى الجنة وهم مصرون على المعصية , فلوا سبحوا اثناء ذلك لما احترقت جنتهم والله اعلم
فيا من ابتلى بمعصية مستمرة , جعلته نفسه الضعيفة , او الظروف المحيطة به اسيرا لتلك المعصية , اذا لم تستطع التوبة , سبح الله كثيرا , كي تنجو من اقدار الشر والعقاب , كما نجا يونس عليه السلام بالتسبيح
واخيرا , وبعد كل هذا , هل تعلم اخي القارئ , ما معنى التسبيح ؟ معناه تنزيه الله وتبرئته من كل نقص وعيب وشر , وانه سبحانه هو المتصف بكمال الصفات , فأنت حين تقول سبحانك يا رب , فانت تقول يا رب انت منزه ومبرأ من كل عيب ونقص وشر , وانت يا رب المتصف بكمال الصفات , و نحن نعلم جميعا , ان الجزاء من جنس العمل , فيكون جزاء المسبح , من نفس معنى التسبيح , فيقيه الله تعالى من كل نقص وعيب وشر , ويكمل نعمته عليه ويهديه الى احسن الاخلاق والصفات
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً