اصبروا أيها المجاهدون... فإنكم على الحق إن الأخدود الذي حفره أحد الطواغيت في زمن ما لم يُردم ...

اصبروا أيها المجاهدون... فإنكم على الحق


إن الأخدود الذي حفره أحد الطواغيت في زمن ما لم يُردم بعد، وإن النار التي ألقي فيها الموحدون منذ قرون لا تزال تستعر، ما دام هناك إيمان وكفر، وإن الموحّدين في كل زمان ومكان لا يزالون يفضّلون نار الطواغيت على طاعتهم والخضوع لهم.

واليوم يجمع المشركون من كل جنس ولون قوتهم في حربهم على الموحدين في الدولة الإسلامية، ويتوعّدون المسلمين في دار الإسلام بالويل والعذاب إن لم ينقضوا إيمانهم ويدخلوا في العبودية القهرية للمشركين باسم الاستبداد أو الديموقراطية أو أي دين آخر، بينما المؤمنون ثابتون على إيمانهم، واثقون من وعد ربّهم لهم بإحدى الحسنيين، يعلمون أن حفظ الدين مقدّم على حفظ النفس والعرض والمال، وأن الصبر على عذاب المشركين لهم في الدنيا بالقصف والتدمير، أهون من الصبر على عذاب الله في الآخرة.

ويعلمون أن قضية المعركة التي نخوضها اليوم ليست مدنا نحكمها، ولا أرضا نكرّ في أرجائها، ولكنّه الدين الذي نسعى لإقامته، ويسعى المشركون لهدمه، ويعلمون أنهم لو تركوا قتالنا لما قبلنا بما في أيدينا، ولم نوقف قتالنا لهم حتى نخضعهم لدين رب العالمين، وأننا لو عصينا الله فتركنا قتالهم لما قبلوا منا بأقل من الكفر بالله قولا وفعلا.

كان حال أصحاب الأخدود الأوائل صعبا للغاية، فأمامهم نار سُعّرت، وخلفهم شرك وضلال، فإما أن يتقدّموا بأنفسهم إلى النار وهم يعلمون أنهم على الحق، وإما أن ترهبهم النار فيرجعوا عن توحيدهم إلى عبادة الطاغوت، ورغم ذلك صبروا وألقوا بأنفسهم في نار المشركين محتسبينها عند الله، فقُتلوا شهداء دون أن يتمكّنوا من النكاية في عدوهم أو تحقيق التمكين لدينهم في الأرض فيعيشوا في ظلّه آمنين مطمئنين، بينما الأخدود الذي حفره لنا المشركون اليوم جعله الله وبالا عليهم، إذ إننا -بفضل الله- نصاولهم على جنباته، ونلقيهم في النار التي أوقدوها لنا مرّات، ويعذبهم الله بأيدينا في الدنيا قبل الآخرة، وما من مؤمن يعزم في طلب الشهادة إلا وينكي في أعداء الله قبل موته، وقد أراه الله قبل موته عزا وتمكينا في الدنيا، وأراه راية الدين عالية، وبنيان الإسلام شامخا يعلو ولا يعلى عليه.

ولقد ولّى -بإذن الله- الزمان الذي يلقي فيه المشركون الموحدين في الأخدود وهم آمنون مطمئنون، فاليوم يقتلهم الموحدون في عقر دورهم، وينشرون الرعب في بلدانهم مهما بعدت ونأت عن ساحات المعارك، ولا يزال هذا الأمر في اتساع حتى تدخل جحافل الموحدين أرضهم وتُعمل السيف في رقابهم.

إن المرتدين يفرحون وهم يرون أن تولّيهم عن الدين وموالاتهم للمشركين قد أبعدهم عن الأخدود ونيرانه، ويحسبون ما فعلوه من حسن السياسة والتدبير، ولا يدركون أنما صاروا عبيدا للطواغيت، فأحبطوا بذلك أعمالهم واستحقوا الخلود في نار جهنم، بعد أن أرهبتهم نار المشركين في الدنيا، التي لا يمكن لعاقل أن يقارن بينها وبين نار الله -عز وجل- في بقائها وشدة عذابها، وقد قال تعالى: {ولَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [البقرة: 217]، بينما يرى المجاهد في سبيل الله هذه الحرب بعين أصحاب الأخدود، فالجنة في أن يثبت على الإيمان ولو صبّ عليه من العذاب ما صب، والنار في طاعته لهم خوفا من وعيدهم، وأمام ناظريه صورة االرضيع وهو يعظ أمّه المسلمة لما تقاعست عن النار : (يا أمه اصبرى فإنك على الحق) [رواه مسلم].

فهذا الدين لا يمكن أن يحمله أناس يقدّمون أنفسهم وأهليهم وأموالهم ومساكنهم وصنائعهم عليه، بل يحمله من يشترون بذلك كله مرضاة الله سبحانه، ويقدمونه على كل شيء سواه، ويرخصون كل ما في أيديهم في سبيل بقائه، فلا يبقى بأيدي المشركين ما يهدّدونهم باستلابه إذا ثبتوا عليه، فشعار كل منهم، فلتزهق أنفسنا، ولنُبتلَ في أموالنا وأهلينا، ولتدمّر مدننا وقرانا، ولتتعطل معاشاتنا، إن كان ذلك في سبيل إقامة الدين وإرضاء رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 50
الخميس 12 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

مركز النور الإعلامي يقدم: نشيد: أمتي أُمَّتي، لقد حانَ وقتُ النهوضِ لنُصبحَ أُمَّةً ...

مركز النور الإعلامي يقدم:
نشيد: أمتي

أُمَّتي، لقد حانَ وقتُ النهوضِ
لنُصبحَ أُمَّةً مُهتديَةً

تَمحو أخطاءَ الماضي
دَولتي يجبُ علينا أن ننهضَ

وقد قامَ أسلافُنا، على مرِّ الزمنِ
بإعلاءِ الإسلامِ كافةً

ووضَعوا العالمَ تحتَ أقدامهم
ونالوا الخُلودَ

كلَّ يومٍ ترى الإسلامَ مُهاناً
وكفراً باللَّهِ

مَن سَيحملُ هذه الرَّايةَ؟
ويرفعها بقدرِ ما تستطيعُ العَينُ أن تراها؟


• للإستماع للنشيد الصوتي، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

قال رسول الله ﷺ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ ...

قال رسول الله ﷺ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: كيفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فيُكْتَبُ له أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عنْه أَلْفُ خَطِيئَةٍ.
[رواه مسلم ٢٦٩٨]
...المزيد

يا يهود... اقترب الموعود! سنجعل دماء أطفال غزة براكين من الصواريخ تمحو جيشكم! سنجعل دموع نساء ...

يا يهود... اقترب الموعود!

سنجعل دماء أطفال غزة براكين من الصواريخ تمحو جيشكم!

سنجعل دموع نساء غزة قنابل تسقط عليكم وتزلكم من أرض الإسلام فلسطين!

سنجعل من أسماء شهدائنا في غزة أسماء مجازر نرتكبها فيكم!

غزة من فلسطين، وفلسطين جزء من الدولة الإسلامية!
...المزيد

تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال في الآونة الأخيرة تزاحمت تقارير مراكز الاستخبارات ...

تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال

في الآونة الأخيرة تزاحمت تقارير مراكز الاستخبارات الصليبية المموهة، في التحذير من خطر تنامي نشاط الدولة الإسلامية في الصومال، وأنها توسعت وتمددت وعززت من قدراتها، وكالعادة فإنهم يعزون ذلك دوما - وفق نظرتهم الجاهلية - إلى الأسباب المادية البحتة والتي لا تخلو من: "زيادة الاضطرابات الإقليمية" و "وعورة التضاريس الجغرافية" و "تدفق الإيرادات المالية" إلى غيرها من التفسيرات الأرضية المادية، وينسون تماما الشطر الأهم من الرواية وهو أن الجهاد قدر الله تعالى وفريضة من فرائضه وشريعة من شرائعه التي لم تُنسخ ولم تُستبدل، بل هي ماضية باقية ما بقي الصراع بين الإسلام والكفر.

ينسون - الصليبيون والمرتدون - أن الجهاد في شريعة المسلمين ماض ولو تحداه كل طواغيت العرب والعجم، ولو سعت قوى الكفر لمنعه، وهي بالفعل تحاول ذلك منذ بزوغ فجر الإسلام وانطلاق جهاد الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، بقيادة النبي محمد ﷺ وصحابته العدول.

• افتتاحية النبأ العدد 476
• لقراءة الافتتاحية كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

لمن يريد الخلافة وأقول لزعماء وقادة الفصائل والجماعات والأحزاب والفرق والتنظيمات، الذين يحاربون ...

لمن يريد الخلافة

وأقول لزعماء وقادة الفصائل والجماعات والأحزاب والفرق والتنظيمات، الذين يحاربون الخلافة، ويزعمون أنهم يعملون لإعادة الخلافة! لهؤلاء ومن وافقهم أقول: سنمضي بإذن الله في دربنا وإنها الخلافة، فإن أعجبكم؛ فتوبوا وأوبوا والتحقوا بركبها وانصروها فإنها الخلافة، أقمناها بحد السيف رغماً عن أمريكا وحلفائها مغالبة لطواغيت الأرض وحكامها، وإنا ماضون بأمر ربنا نعلي صرحها، ونعيد مجدها.

من كلمة صوتية للشيخ المجاهد أبي محمد العدناني الشامي - تقبله الله - { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ}


• للإستماع للكلمة الصوتية، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين 2 (٢/٢) وفي المغرب أواخر القرن العاشر الهجري، ثمة قصة أخرى ...

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين 2

(٢/٢)
وفي المغرب أواخر القرن العاشر الهجري، ثمة قصة أخرى لمن ذهب إلى النصارى ووالاهم دون المسلمين، بل وجادل وادعى الحجج الواهية ليُحسّن فعله، كما يفعل اليوم كثير ممن والى الصليبيين.

إنه السلطان المخلوع أبو عبد الله محمد بن عبد الله السعدي «المسلوخ»، الذي لجأ للبرتغاليين كي يسترجع ملكه، قال السلاوي: «فشرط عليه [ملك البرتغال] أن يكون للنصارى سائر السواحل، وله هو ما وراء ذلك، فقبل أبو عبد الله ذلك والتزمه، وللحين جمع الطاغية جموعه، واستوعب كبراء جيشه، ووجوه دولته، وعزم على الخروج إلى بلاد الإسلام».

ومن جرأته أنه بعث برسالة إلى أعيان المغرب يبرر فيها موالاته للنصارى، ويحثهم على مساندته، قال السلاوي: «وقال لهم ما استصرخت بالنصارى حتى عدمت النصرة من المسلمين، وقد قال العلماء أنه يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه وتهددهم فيها وأبرق وأرعد؛ وقال: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله؛ وسمى النصارى أهل العدوة واستنكف من تسميتهم نصارى»، فرد عليه أعيان المغرب برسالة بيّنوا فيها ردّته عن الإسلام، وحذّروه عاقبة أمره، ومما جاء فيها، كما نقل السلاوي: «ثم لم تتمالك أن ألقيت بنفسك إليهم ورضيت بجوارهم وموالاتهم، كأنك ما طرق سمعك قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] قال أبو حيان، رحمه الله: أي لا تنصروهم ولا تستنصروا بهم؛ وفي كتاب القضاء من نوازل الإمام البرزلي -رحمه الله- أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني -رحمه الله- استفتى علماء زمانه -رضي الله عنهم- وهم ما هم، في استنصار ابن عباد الأندلسي بالكتابة إلى الإفرنج على أن يعينوه على المسلمين فأجابه جلهم -رضي الله عنهم- بردته وكفره».

كما ردوا على عدم تسميته النصارى بما سماهم الله تعالى به فقالوا: «واستعظمت أن تسميهم بالنصارى، ففيه المقت الذي لا يخفى، وقولك رجعت إليهم حين عُدمت النصرة من المسلمين ففيه محظوران يحضر عندهما غضب الرب -جل جلاله- أحدهما كونك اعتقدت أن المسلمين كلهم على ضلال وأن الحق لم يبق من يقوم به إلا النصارى والعياذ بالله، والثاني أنك استعنت بالكفار على المسلمين... وفي قولك يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه وجعلت قولك هذا قضية أنتجت لك دليلا على جواز الاستعانة بالكفار على المسلمين، وفي ذلك مصادمة للقرآن والحديث، وهو عين الكفر أيضا والعياذ بالله»، وهكذا كان الرد على «المسلوخ» واضحا جليا قاصما ظهر كل من أراد أن يلوي أعناق النصوص أو يلبس الحق بالباطل، ولكن «المسلوخ» لم يتعظ، بل سار مع النصارى متباهيا بجموعهم، إلى أن هلك على ردّته مع أتباعه.

قال السلاوي: «وحكمت السيوف في رقاب الكفار ففروا ولات حين فرار، وقتل الطاغية سبستيان عظيم البرتغال غريقا في الوادي، وقصد النصارى القنطرة فلم يجدوا إلا آثارها، فخشعت نفوسهم، وتهافتوا في النهر تهافت الفراش على النار، فكان ذلك من أكبر الأسباب في استئصالهم»، وأما «المسلوخ» فلم يكن وضعه أحسن حالا من حال أوليائه، قال السلاوي: «وبحث في القتلى عن محمد بن عبد الله المستصرخ بهم، والقائد لهم إلى مصارعهم، فوُجِد غريقا في وادي المخازن، وذلك أنه لما رأى الهزيمة فر ناجيا بنفسه، واضطر إلى عبور النهر فتورط في غدير منه، وغرق فمات، فاستخرجه الغواصون، وسُلِخ، وحُشِي جلده تبناً، وطيف به في مراكش وغيرها من البلاد»، وشاركه في هذه الميتة مدّعي فقه لم يفقه حكم من والى أعداء الله، قال السلاوي: «وممن وُجِد صريعا في القتلى يومئذ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عسكر السريفي الشفشاوني، صاحب الدوحة، فإنه كان هرب مع المسلوخ وكان من بطانته فدخل معه بلاد العدو، فوُجِد بين جيف النصارى قتيلا وتكلّم الناس في أمره، حتى قيل إنه وجد على شماله مستدبر القبلة»، وهكذا كانت خاتمة «المسلوخ» كما عرف في التاريخ، نسأل الله العلي القدير أن يكتب هذه الخاتمة لكل من والى الصليبيين، وأن يجعلهم عبرة لكل معتبر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين 2 (١/٢) إن التاريخ لا يعيد نفسه فالأيام تمضي بقدر الله ولا ...

مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين 2

(١/٢)
إن التاريخ لا يعيد نفسه فالأيام تمضي بقدر الله ولا تعود، ولكنها سنن الله -عز وجل- الثابتة في كل زمان ومكان، فمن سار على هدي الله وأمره رشد وأفلح، ومن خالف هديه وعصاه خاب وخسر، ولكل من الفريقين سلف في التاريخ، فلينظر الإنسان في مآل سلفه فيتعظ ويعتبر، قبل أن يصير عظة وعبرة لمن بعده، ولأولئك الذين ادّعوا الإسلام ثم ذهبوا إلى أعداء هذا الدين ونصروهم على المسلمين عظة بمن سبق إلى هذا المنزلق وما دونه من المهالك.

ومن أولئك حكام الأندلس الذين عُرفوا بملوك الطوائف في أواخر القرن الخامس الهجري، وهم من استنصر بالمرابطين المجاهدين على الفرنجة الصليبيين، ثم ما لبثوا بعد انتصار الزلاقة العظيم (479 هـ) أن نقضوا توبتهم وعادوا إلى سيرتهم الأولى، فعمدوا مرة أخرى إلى مراسلة الصليبيين للاستعانة بهم على المسلمين، وفي هذه المرة على المرابطين الذين أنقذوا الأندلس من مؤامرات الصليبيين، بل وصل الأمر بابن عباد نفسه (الذي تولى الاستعانة بالمرابطين على الصليبيين) إلى أن يقلب ظهر المجن لهم، لما رأى انتزاعهم لملك من قعد عن الجهاد ووالى الصليبيين من ملوك الطوائف، فاستعان بالصليبيين عليهم فلم ينفعوه، قال ابن خلدون: «واقتحم المرابطون إشبيلية عليه عنوة، سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وتقبّض على المعتمد وقاده أسيرا إلى مراكش، فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة».
وكان علماء ذلك الزمان قد أفتوا بخلع ملوك الطوائف، قال ابن خلدون: «وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم، وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام...»

وأما في نهاية القرن التاسع الهجري ومع انحسار وجود المسلمين في الأندلس، ليقتصر على غرناطة ومالقة وأعمالهما، ورغم أن ذلك مدعاة لأن يتحد المسلمون فيكونوا يدا واحدة على أعدائهم، إلا أن المصالح والأهواء دعت بعض الحكام إلى موالاة الصليبيين دون المسلمين، كما فعل أبو عبد الله محمد بن أبي الحسن «الصغير»، الذي ثار أولا على والده أبي الحسن، ثم أسره الفرنجة بعد ذلك، فآل الأمر إلى أبيه، ثم إلى عمه أبي عبد الله «الزغل»، ثم أراد النصارى الكيد للمسلمين، فعمدوا إلى أسيرهم ليحدثوا الفتنة بينه وبين عمه السلطان، قال المقري: «ثم إن العدو دبّر الحيلة مع ما هو عليه من القوة، فبعث إلى السلطان أبي عبد الله الذي تحت أسره وكساه، ووعده بكل ما يتمناه، وصرفه لشرقي بسطة، وأعطاه المال والرجال، ووعده أن من دخل تحت حكمه من المسلمين وبايعه من أهل البلاد فإنه في الهدنة والصلح».
وهذه هي عادة أعداء الله في استخدام الوكلاء ممن يرضى ببيع دينه ونفسه لهم، فأطلق النصارى أسيرهم واختار أن يكون أداة طيعة بيدهم، فدخل مدينة «لوشة» ثم سلمها للنصارى، ثم أتى «البيازين» من غرناطة ودخلها على حين غفلة في شوال سنة إحدى وتسعين وثمانمائة ]انظر: نفح الطيب[، وبذلك عظمت الفتنة واشتد البلاء على المسلمين، وسارع النصارى لإمداد حليفهم في البيازين بما يحتاج، قال المقري: «ثم إن صاحب قشتالة أمد صاحب البيازين بالرجال والعدة والمال والقمح والبارود وغيرها، واشتد أمره بذلك... فعزم أهل غرناطة مع سلطانهم على الدخول على البيازين عنوة، وتكلم أهل العلم فيمن انتصر بالنصارى ووجوب مدافعته، ومن أطاعه عصى الله ورسوله».

وجرت بعد ذلك حروب كثيرة استطاع بها «الصغير» الاستيلاء على غرناطة ثم بعد صراع مرير مع الفرنجة (أُجبر عليه من قبل أهل غرناطة)، سلّم المدينة للنصارى وفق شروط لم يلبث أعداء الله أن نقضوها، ثم أُجبر «الصغير» على الخروج من الأندلس كلها، قال السلاوي: «وحين جوازه لبر العدوة، لقي شدة وغلاء وبلاء، ثم إن النصارى نكثوا العهد ونقضوا الشروط عروة عروة، إلى أن آل الحال لحملهم المسلمين على التنصر سنة أربع وتسعمائة».

وقال المقري: «انتهى السلطان المذكور بعد نزوله بمليلة إلى مدينة فاس بأهله وأولاده معتذرا عما أسلفه... وعهدي بذريته بفاس سنة 1027 هـ، يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين، ويُعدّون من جملة الشحاذين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، وهكذا كان الخزي له جزاء ما اقترفه من موالاة أعداء الله.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

ولئن كان هذا نهج الأئمة فيمن أخطأ أو وهم -في الرواية- من أهل الصلاح والاستقامة أن يذكر خطؤه ليحذر ...

ولئن كان هذا نهج الأئمة فيمن أخطأ أو وهم -في الرواية- من أهل الصلاح والاستقامة أن يذكر خطؤه ليحذر الناس من خطئه، فإن هديهم مع أهل البدع والأهواء أشد وأعظم، من التحذير والهجر كما سبق بيانه.

وأما أصحاب البدع المكفرة فقد انبرى لهم الأئمة بالردود والزجر والتحذير، والهجر والتشهير والتكفير، فذاك الضال «بشر المريسي» لمّا قال بخلق القرآن، وألحد في أسماء الله، وأنكر بعض القطعيات، زجره أئمة السنة، وحذروا منه، وصنفوا في الرد عليه باسمه، كما فعل الإمام أبو سعيد الدارمي في كتابه الموسوم: «نقض عثمان بن سعيد، على بشر المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله في التوحيد»، بل كفّره أئمة السنة وألحقوه بسلفه الجهم بن صفوان، قال حماد بن زيد حين سئل عن بشر المريسي: «ذلك كافر» [الدارمي: النقض على المريسي]، وقال عبد اللطيف آل الشيخ، رحمه الله: «أهل العلم متفقون على تكفيره» [مجموعة الرسائل].

وهذا المريسي كان ممن طلب العلم عند ثلة من علماء زمانه وفقهاء عصره، وحظي بالسماع منهم ومشافهتهم، ولم يكن من عامة الدهماء، بل قال الذهبي في ترجمته: «المتكلم، المناظر، البارع [بشر المريسي]... كان بشر من كبار الفقهاء؛ أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة؛ ونظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم» [السير].

بل نجد أن أئمة السنة لم يتوقفوا عند تكفير الجهمية ورأسهم المريسي والتحذير منهم، ولكن حرضوا أيضا على قتل كبارهم، فهذا الإمام يزيد بن هارون -رحمه الله- يقول: «الجهمية كفار، حرضت غير مرة أهل بغداد على قتل المريسي» [الدارمي: الرد على الجهمية].

وهذا أمير المؤمنين هارون الرشيد يقول: «بلغني أن بشرا المريسي يزعم أن القرآن مخلوق، لله علي إن أظفرني به إلا قتلته قتلة ما قتلتها أحدا قط» [عبد الله بن أحمد: السنة].

وعبر التاريخ جرت حوادث تكفير وقتل وصلب لكثير من الزنادقة، ورؤوس المبتدعة الغلاة، أمثال قتل الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، والحسين بن منصور الحلاج.

وعلى هذا سار الأئمة الأعلام في معاملتهم لأئمة الضلال والزندقة، فنجد أبا العباس بن تيمية -رحمه الله- يتكلم في الزنديق الحلولي ابن عربي بعينه، وألف كتابه «منهاج السنة» ردا على رأس الرافضة أبي منصور الحلي، وكذلك كتب رسائل في الرد على القبوري البكري المصري وغيره من دعاة الضلال.

وكذلك نجد هذا المنهج واضحا عند الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وتلامذته من العلماء الصادقين، إذ لم يتركوا مناسبة إلا وفضحوا فيها الزنادقة من الداعين إلى الشرك، والمجادلين عن المشركين، والمفترين على أهل التوحيد، من أمثال ابن عفالق، وابن فيروز، وأولاد مويس، وابن جرجيس وغيرهم، بل ألّفوا في بعضهم مؤلفات كاملة، فضلا عن الرسائل المخصوصة، والفتاوى الكثيرة.

فالكلام في المبتدعة والزنادقة وفضحهم بأسمائهم والحكم عليهم بما هم أهل له منهج أصيل عند أهل السنة والجماعة، ومن باب أولى اتباع منهجهم مع علماء الطواغيت وجهمية العصر الذين يسوقون الناس إلى الشرك والكفر -ومن ثم نار جهنم- بترويجهم للضلال، وكتمانهم للحق، وتلبيسهم على الناس، ونسأل الله أن يعيننا على فضحهم وبيان أمرهم للناس.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

وجوب الكلام في علماء السوء وفضحهم

...المزيد

وجوب الكلام في علماء السوء وفضحهم لقد نزلت هذه الشريعة الإسلامية لتحقق المقاصد الخمس، التي لا ...

وجوب الكلام في علماء السوء وفضحهم

لقد نزلت هذه الشريعة الإسلامية لتحقق المقاصد الخمس، التي لا تستقيم حياة الناس في دينهم ودنياهم إلا بها، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال.

ولا شك أن حفظ الدين هو أعظم المصالح والغايات، ولذلك حرم الله الشرك وحرم أسبابه، وحرم القول عليه بغير علم، وحرم البدع والمحدثات، ولذلك أيضا كان من الواجبات: تحذير الأمة من الشرك والبدع، وبيان حال أهلهما وكشف زيفهم وباطلهم، وهذا من النصيحة الواجبة حفظا لدين المسلمين، كما ثبت عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدين النصيحة)، قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه مسلم].
ولذلك كان الرد على أهل البدع والتحذير منهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤].

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين... إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء» [مجموع الفتاوى].

وقد ثبت في السنة ما يدل على الكلام في رجل السوء وعيبه باسمه لا على سبيل العموم فحسب، ويقاس عليه صاحب البدعة، فيجوز اغتيابه لتحذير الناس منه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ائذنوا له، بئس أخو العشيرة) أو (ابن العشيرة)، فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟ قال: (أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس، اتقاء فحشه) [متفق عليه].

وقد كان السلف يحذّرون من أخذ العلم عن المبتدعة كما روى مسلم في صحيحه عن الإمام محمد بن سيرين قال: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».

وقال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم! فينُظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثُهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم».

وهذا شبابة بن سوار الفزاري (المتوفى: 206 هـ) لما تلبّس ببدعة الإرجاء ترك الأخذ عنه الإمام أحمد بن حنبل وقال: (لم أكتب عنه للإرجاء) [تهذيب الكمال].

ومقتضى ذلك أن من أهل البدع من حملوا من العلم وحفظوا منه وبرعوا في كثير من الفنون ومع ذلك ما اغتر أئمة السنة بهم، بل جانبوهم، لأن علمهم لم يكن تزكية لهم بل حجة عليهم، فالعلم هو الخشية، والعلم هو العمل، كما قال إبراهيم النخعي: «كنا إذا أردنا أن نأخذ عن شيخ سألناه عن مطعمه ومشربه ومدخله ومخرجه، فإن كان على استواء أخذنا عنه وإلا لم نأته» [الكامل في ضعفاء الرجال].

بل لم يكن السلف يتورعون عن ذكر المخطئ في الرواية -لسوء حفظه أو ضبطه- بعينه وإن كان من أهل الصلاح والاستقامة، ليحذر الناس من خطئه، وليس هذا من الغيبة المحرمة بل هو نصح واجب حتى لا يلصق ذلك الخطأ بالشريعة في أذهان الناس فيظنونه من الدين فيتبعوهم، ولذلك ظهر في التاريخ الإسلامي عِلْمٌ جليل عظيم سمي بعِلْمِ «الجرح والتعديل»، كان من أعظم مفاخر الأمة، فبه حُفظت السنة، وبه مُيِّز الصحيح من الضعيف.
وعلم «الجرح والتعديل» هو أحد علوم الحديث، وموضوعه يبحث في أحوال الرواة -نقلة العلم- في عدالتهم وضبطهم وصدقهم وأمانتهم، فيذكرون الراوي بما فيه من جرح كضعف أو تدليس أو وهم أو كذب.

بل أفرد العلماء التصانيف في أولئك المجروحين كما صنف البخاري كتابا أسماه «الضعفاء»، وكذا صنف بنفس الاسم أبو جعفر العقيلي (المتوفى: 322 هـ)، وكذا صنف النسائي صاحب السنن (المتوفى: 303 هـ) كتابا أسماه «الضعفاء والمتروكون»، وكذا صنف بنفس الاسم الدارقطني (المتوفى: 385 هـ)، وابن الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، وكذا صنف ابن عدي الجرجاني (المتوفى: 365 هـ) كتابا أسماه «الكامل في ضعفاء الرجال»، ولغيرهم من العلماء مصنّفات مشهورة ومهمّة في هذا الفن.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، رحمهما الله: «جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي، فجَعَل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة. قال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء! فالتفت أبي إليه فقال له: ويحك هذه نصيحة، ليس هذا غيبة» [تاريخ بغداد].

وذكر ابن الجوزي عن محمد بن بندار الجرجاني قال: «قلت لأحمد بن حنبل إنه ليشتد عليّ أن أقول فلان ضعيف وفلان كذاب؛ فقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ، أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟» [الضعفاء والمتروكون].
...المزيد

وَإنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً (٢/٢) وهناك من الأزواج من يتحجج في تقصيره مع زوجه بانشغاله ...

وَإنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً

(٢/٢)
وهناك من الأزواج من يتحجج في تقصيره مع زوجه بانشغاله بالصلاة والعبادة، وهذا أيضا لم يفقه هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أتقى البشر وأعبدهم، ومع ذلك لم يضيع حقا واحدا من حقوق أزواجه؛ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: «دخلت امرأة عثمان بن مظعون على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأينها سيئة الهيئة، فقلن: ما لك؟ ما في قريش رجل أغنى من بعلك! قالت: ما لنا منه شيء؟ أما نهاره فصائم، وأما ليله فقائم! فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرن ذلك له، فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا عثمان، أما لك فيَّ أسوة؟) قال: وما ذاك يا رسول الله؟ فداك أبي وأمي؛ قال: (أما أنت فتقوم الليل وتصوم النهار، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لجسدك عليك حقا، صل ونم، وصم وأفطر) [رواه ابن حبان]، فهذا لمن شغلته عن أهله نوافل العبادات الكثيرة، فكيف بمن انشغل عنهم بتضييع الأوقات في اللهو والسمر؟!

بل لقد بوّب البخاري في صحيحه: «باب: كيف يكون الرجل في أهله»، جاء فيه: عن الأسود، قال: «سألت عائشة، ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة»، قال ابن رجب، رحمه الله: «وقد فسرت عائشة هذه الخدمة في رواية عنها، فروى المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة، أنه سألها كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع إذا كان في بيته؛ قالت: مثل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويضع الشيء» [فتح الباري].

وإن كانت بعض النساء اليوم ممن يشح عليهن أزواجهن بالوقت ويغدقون عليهن باللامبالاة، لا يبغين من بعولتهن خدمة ولا مساعدة في أمور البيت وشؤونه، وإنما فقط شيئا من الوقت والعناية!

وعن بعض الأزواج -أصلحهم الله- فحدث ولا حرج، عمل في النهار وسهر في الليل وسمر مع الأصحاب والأحباب، وينسى الزوج أن زوجه تنتظر اليوم أو اليومين والثلاثة حتى تنال حقها من زوجها -خاصة إن كان له من الزوجات غيرها- ومع ذلك فإنه يتأخر عنها حتى لا يبقى لها منه إلا أن يلقي بجسده المتعب على فراشه في آخر الليل، ليغادر بيتها في الصباح، وتبدأ رحلة الانتظار من جديد.

هذا وإن كنا ننصح الأزواج بتقوى الله في نسائهم، وتمتيعهن بما لهن من حقوق، وأن يكونوا لهن كأبي زرع لأم زرع تأسيا بنبينا -صلى الله عليه وسلم- إلا أنه لا يفوتنا أيضا أن نذكِّر بعض النساء بشكر النعم، إذ وجدنا كثيرا من الزوجات يكثرن التذمر والشكوى من انشغال الزوج وغيابه عن البيت حتى وإن حضر متى تهيأ له ذلك وأرضاها واسترضاها، وعلى مثل هذه أن تعلم أن الرجل لم يخلق ليبقى حبيسا في البيت مع الزوجة والأبناء، فالله -عز وجل- قد خصه بالقوامة، وفرض عليه الجهاد، وهذه الدولة الإسلامية دولة فتية بحاجة إلى جهود الرجال وصبر النساء واحتسابهن الأجر عند الله تعالى، وإنما النساء شقائق الرجال، ولتحذر الزوجة المسلمة من مغبة تثبيط الزوج عن الجهاد والرباط في سبيل الله، فتفتنه تارة بالبنين وتارة بنفسها، لتبعده عن دينه وترده عن أمر ربه عز وجل.

باتت تذكرني بالله قاعدة
والدمع ينهل من شأنيهما سبلا
يا بنت عمي كتاب الله أخرجني
كرها وهل أمنعن الله ما فعلا
فإن رجعت فرب الناس يرجعني
وإن لحقت بربي فابتغي بدلا
ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني
أو ضارعا من ضنا لم يستطع حولا

ورحم الله نساء السلف، فقد كانت الواحدة منهن يخرج بعلها غازيا ولعله يغيب عنها شهورا طوالا، وربما سنينا، ولا يفت ذلك في عضد صبرها وهمتها في تربية الأبناء، بل تلقاه بنفس راضية وقلب شاكر.

فيا عبد الله اعلم أن لأهلك عليك حقا، ويا أمة الله اعلمي إن لله على زوجك حقا، ولنفسه عليه حق، ولأهله وضيوفه وأصحابه عليه حق، والمؤمن يعطي كل ذي حق حقه، ويعين أخاه على أداء ما عليه من حقوق، والحمد لله رب العالمين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وَإنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً (١/٢) لقد خلق الله تعالى الذكور والإناث، وحرّم عليهم السفاح، ...

وَإنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقّاً

(١/٢)
لقد خلق الله تعالى الذكور والإناث، وحرّم عليهم السفاح، وأباح لهم النكاح، وجعله ميثاقا غليظا، فقيّده بشروط وضوابط، وأعطى لكلا الزوجين حقوقا، وألزمهم بواجبات، هي للبيت بمثابة الأوتاد، فإذا ما ضيعها أحدهما أو حاد، خر عليهما السقف أو كاد.

وقد أُعطيت الزوجة في الإسلام حقوقا مهمة قُدّمت حتى على الانشغال المفرط في نوافل العبادات الكثيرة، غير أن بعض الرجال اليوم هم من المقصرين والمفرطين في جنب زوجاتهم، والحجة هي العمل وكثرة المسؤوليات الموكلة إليهم، وإننا وإن كنا نقر بانشغال بعضهم، إلا أن ذلك ليس عذرا لهم أمام الله تعالى إن هو سألهم عن حقوق الزوجات وما جاء في عشرة النساء.

وهذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- ومع عظم الأمانة التي حملها، وكبر الرسالة التي كُلّف بتبليغها لأهل الأرض قاطبة، إلا أن ذلك لم يجعله يفرّط في حقوق زوجاته، أو يقصّر في تأدية ما عليه من واجبات تجاههن.

فعن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه قال: «آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا؛ فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل؛ قال: فإني صائم؛ قال: ما أنا بآكل حتى تأكل؛ فأكل، فلما كان الليل، ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم؛ فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم؛ فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن فصليا؛ فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه؛ فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان)» [رواه البخاري].

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوفّر من وقته ما يجلس فيه مع زوجاته، بل لا يضيع فرصة تسنح له يدخل فيها السرور على قلب زوجته، فها هم الأحباش يلعبون بحرابهم في المسجد، وعائشة أم المؤمنين تنظر إلى لعبهم، والنبي لا يتذمر من فعلها، ولا يزجرها، ولا يستعجلها لتنتهي، حتى تسأم هي فتقعد! والحديث في صحيح البخاري.
بل وأكثر من ذلك، فها هو -صلى الله عليه وسلم- يجد الوقت لإدخال السرور على قلب زوجه حتى في السفر، السفر الذي هو قطعة من العذاب، لما يحصل للمسافر فيه من مشقة وتعب، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر قالت: «فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: (هذه بتلك السبقة) [رواه أبو داود]، هكذا كان نبينا المعلم -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كان هديه في عشرة النساء.

وبعض الرجال اليوم لا يكاد يدخل بيته ويجلس مع زوجته، حتى يصيبه الملل وكأن جبالا قد رست على صدره، ويشتد به النعاس فلا يكاد يقدر على فتح جفنيه، ولو كان مع صحبه لما كان هذا حاله، بل لربما وجدناه من أشدهم نشاطا، وأكثرهم سردا للقصص والحكايات، فهل قرأ مثل هذا الزوج حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أو سمعه؟ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [رواه الترمذي]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم)» [رواه أحمد والترمذي]، قال الشوكاني في شرح الحديثين: «وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله، فإن الأهل هم الأحقاء بالبِشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر، فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس، وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر، وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة، فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقا وأشجعهم نفسا وأقلهم خيرا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره، ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق، نسأل الله السلامة» [نيل الأوطار].

* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً