إن نظرت لهذه المألوفات نظر بصيرة أورثك ذلك تعظيم المُقدِّر، ثم أورثك شكره بالقلب واللسان والجوارح. ...

إن نظرت لهذه المألوفات نظر بصيرة أورثك ذلك تعظيم المُقدِّر، ثم أورثك شكره بالقلب واللسان والجوارح. وإن نظرت إليها نظر غافل، لم ترع لله حقا، وكنت كالجاحد الذي جحد نعمة من ينعِم عليه، أرأيت لو أن ولدا عق أباه بعد أن سعى في تربيته وتنعيمه بقدر ما يستطيع، ألا يعدُّه الناس خسيس الطبع؟ فكذا من لا يشكر الله على نعمه، ولله المثل الأعلى.

• تسخير الله للكون إصلاحاً لحياة بني آدم

خلق الله الكون وسخره لبني آدم وقدره لتصلُح به حياتهم: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].
وإذا تلونا مطلع سورة الزخرف تبين لنا عظم تقصير بني آدم في حق الله عز وجل، قال -تعالى- إخبارا عن سنَّته مع بني آدم في تذكيرهم بحقه عليهم في عبادته: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: 6]، ويكون حال بني آدم مع هؤلاء الرسل: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزخرف: 7]، ثم يذكر -تعالى- أن الرسول لو سأل هؤلاء المشركين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]، فإذا كانوا معترفين بأفعال الربوبية لله -سبحانه- كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة فمن العجب من هؤلاء أن يشركوا به من لا يخلق ولا يدبر الأمر من رزق وغيره ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا!

ثم ذكر الله نعمه على عباده: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف: 10]، أي صالحة للعيش وذلَّلها لندرك منها كل ما تعلقت به حاجاتنا من غرس وبناء وحرث، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10]، أي جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة نعبر إلى ما وراءها من الأقطار النائية والبلدان الشاسعة.

ثم واصل ذكر بعض النعم: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزخرف: 11]؛ أنزل الماء بقدر الحاجة لا يزيد فيفسِد ولا ينقص فتُجدب، فتغاث به الأرض ويخرج به النبات وتحيا البلاد وتنشر من الموت، ثم ذكَّرنا أن حالنا في الآخرة كحال هذه الأرض بعد نزول الغيث: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11].

وقال بعد ذلك: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 12 - 14].

والمراد بيانه من كل هذه الآيات أن الرب -سبحانه وتعالى- الموصوف بإفاضة النعم على خلقه هو المستحق للعبادة وأن الشرك من أعظم الظلم في حقه، فقال الله مستنكرا على بني آدم بعد ذكر هذه النعم: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 15]، وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فلا تكن يا عبد الله ممن وصف الله حالهم مع كثرة نعمه عليهم، فتدبر آيات الله حتى تكون من الشاكرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

إن في خلق السماوات والأرض لآيات • نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض ...

إن في خلق السماوات والأرض لآيات


• نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض وسخر الشجر والدواب من أجله، ألا وهو الإيمان بالخالق وتوحيده، وتعظيمه حق تعظيمه.

وقد أنزل الله القرآن هدى للناس يبيِّن لهم طريق السلامة، الذي يُسلِّمهم من النار ويُسلِمهم لجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذّ الأعين.

وإن من يقرأ القرآن يطوف بفكره آفاق السماء وجنبات الأرض، ويقف على النبات والزروع والدواب، ويسمو بنظره فيرى النجوم، يتأمل لينظر إلى عِظم الخالق وحسن صنعه، ويعرف بعد كل ذلك أنه -سبحانه- يستحق أن نَذل له ونعظِّمه ونتبع شرعه، يستحق أن نعبده بكل جوارحنا، وفي كل أوقاتنا، وفي كل حركاتنا وسكناتنا، ولا نلتفت لمن يصرف العبادة لغيره من الأصنام والقبور والقوانين، وغيرها من الطواغيت، ونأنف أن نلتجئ لغني أو نخاف من جبار أو ننكسر لعبد.

ومنهج القرآن في التفكُّر لا شك أنه منهج عظيم، إذ غايته الوصول إلى تعظيم الله، ونظير ذلك أنك لو وقفت على آلة معقدة أُحسن صنعُها وترتيبها، وجُوِّدت مداخلها ومخارجها، أو بناء عظيم فيه من الإتقان والتفاصيل المثيرة شيء كثير، لعجبت من ذلك وعرفت به مقام صانعه، والله أجلّ وأعظم وله المثل الأعلى.

أمرنا الله بالنظر في خلقه وشكره على أنعُمه
والحديث عن الكون وآياته مثير طويل مشوق، يستفز المشاعر ويصوِّب الفكر، والنظر فيه من الذكرى التي تنفع المؤمنين، وهم مأمورون به، كما قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]، وقال {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]، وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، فنريد أن نستعرض بشكل مختصر بعض هذه الآيات، تِبيانا للجاهل وتذكيرا للغافل وإيقاظا للمتجاهل، عسى الله أن يشرح صدورنا لذلك.

قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، كيف أوجدناه، وأنزلنا المطر لإنباته، وشققنا الأرض لاحتوائه، ثم يسرنا قطفه واستخلاصه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 25 - 31]، ولم نجعله نوعا واحدا بل أنواعا مختلفة لكلٍّ فيها ما يشتهيه، فكانت: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 32] وذكر الله قبل هذه الآيات أن الإنسان كفور لا يعظِّم من أنعم عليه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَہُ} [عبس: 17 - 19] فهو خُلق من نطفة فقدَّره وسوَّاه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة، كما ذكر مبدأ ابن آدم وأنه {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1].

عن بُسر بن جِحاش القرشي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزق يوما في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: (قال الله: ابن آدم! أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعتَ ومنعتَ، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتَصَدَّقُ! وأنى أوان الصدقة؟!) [رواه أحمد].

ثم أتم الله -تعالى- القول: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 20 - 23]، فالله -سبحانه- هو المدبّر الذي يدبر الأمور بحكمته، فهو الرب القادر على التدبير لا رب سواه، ولا يقدر أحد أن يقوم بأفعال الربوبية من الخلق والرزق والتدبير ومع هذه القدرة والتدبير التي تدل على عظمة الخالق فإن الإنسان لا يمتثل أوامر الله ونواهيه ولا يقوم بما فرضه الله عليه.

فهذه الفواكه المتنوعة من تمر وعنب وزيتون وتفاح وغيرها كثير، نعمةٌ من نعمٍ ومظهرٌ من مظاهرَ كثيرة لتنظيم الله هذا الخلق الهائل وترتيبه وجعل بعضه يخدم بعضا، وليست هذه النعم مجرد شهوات نشتهيها ومُتع نتمتع بها، بل الأمر أعظم يا عبد الله، فكن ممن ينظر ويعتبر، ولا تكن غافلا عن آيات الله فتكون من الخاسرين الخائبين الكافرين لأنعمه سبحانه، وامش بين الناس بعينٍ بصيرةٍ لا بعينٍ غافلةٍ، فالبصيرة بأن تنظر من حولك، كيف قدَّر الله لنا هذه النباتات نقتات منها، وأنها لم تأتِ عبثا، بل سخر الله الغيث وسخر لنا الأرض ومياهها، ويسَّر لنا حفرَها وتوثيق بنيانها، وإخراج الماء من بطن الأرض لنسقي به هذا الذي نأكله؟!

ليس هذا فحسب، بل يسر لنا تقطيعه بالأسنان ثم بالمعدة ثم عصره في الأمعاء، لنستخرج منه ما يقوينا، وما يداوينا، ثم لم يحبس ما فضل منها داخل أجسامنا، بل يسَّر إخراجه، كل ذلك بتقدير العليم الخبير.
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

6/6

• بعد المال.. بذل النفس في سبيل الله

أثناء هجوم جنود الدولة الإسلامية لفك الحصار عن غوطة دمشق، والذي استهدف مطاري السين والضمير، ومدينة الضمير، ومنطقة المحطة الحرارية، وغيرها من المواقع، والذي توقف بسبب اتفاق الصحوات المرتدة في القلمون الشرقي مع الجيش النصيري على عرقلته، واستهدافهم طرق إمداد المجاهدين في المنطقة، كان أبو مجاهد يقتحم مع إخوانه منطقة المحطة الحرارية جنوب شرقي دمشق، وأثناء الاشتباكات استهدفت دبابة للجيش النصيري موقعهم، فأُصيب إصابات بالغة في رأسه ويده، وغاب عن الوعي، فلما أفاق وجد أنه قد فقد يده اليمنى التي بترتها القذيفة المنفجرة أمام وجهه، فنُقل إلى الخطوط الخلفية للعلاج، ونجّاه الله تعالى- من القتل في هذه الحادثة.

لم تكن خسارته ليده، لتقعده عن الجهاد في سبيل الله، ولا لتصده عن البذل طلبا لمرضاته نحسبه كذلك، بل قضى فترة نقاهته وهو يترقب العودة إلى ساحات القتال، واعتذر من إخوانه عن تولي أيّة أعمال إدارية تناسب حالته الصحية الجديدة، مصرّا على الخروج إلى المعارك من جديد فور قدرته على ذلك، واستبدل لهذا الأمر ببندقيته الروسية، أخرى أمريكية خفيفة الوزن، صغيرة الحجم، كي يستطيع القتال بها بيد واحدة.

بلغه أن إخوانه يعدّون العدة للهجوم على مواقع الصحوات المرتدة في القلمون الشرقي، فأعد للخروج العدة على عجل، وسافر ملتحقا بكتيبته، دون أن يخبر أحدا من أصدقائه مخافة أن يتمسكوا به ويأخِّروه عن الغزوة، متعللين بسوء صحته، أو بحاجتهم إليه في عمل ما.

كان جنود الدولة الإسلامية ينكلون بالمرتدين، ويسيطرون على مواقعهم في جبال البتراء في تلك الفترة، ويتقدمون باتجاه معاقلهم في قلب القلمون الشرقي، عندما وصلهم أبو مجاهد، وانطلق إلى خط القتال، رافضا البقاء في المواقع الخلفية للمجاهدين، وصاحبه في ذلك أخ مهاجر آخر، هو أبو إحسان، من جنوب فرنسا، تعرّف عليه في ساحات القتال، وتآلفت أرواحهما، كما تشابهت طباعهما، فمن عرف أبا إحسان، كان يصفه بالأوصاف ذاتها التي اتصف بها أبو مجاهد، من شجاعة، ومروءة، وحرص على إعانة المسلمين، وبذل كل ما يملك نصرة للدين، وسعيا لإرضاء رب العالمين.

وكعادته في التأهب، وأخذ الحيطة، رفض أبو مجاهد أن يسلك طريقا سلكه بقية المجاهدين، مكشوفا للعدو، يستهدفونه بالأسلحة الثقيلة والقناصات، مفضلا سلوك طريق آخر، أكثر وعورة، ولكنه مستور عن أعين المرتدين، فوصل إلى خط المجاهدين الأول، حيث كانت مجموعة من المجاهدين تستهدف المرتدين بطلقات رشاش ثقيل منصوب على سيارتهم التي وقفت في أعلى تلة، استتر خلفها أبو مجاهد ورفيقه أبو إحسان فور وصولهما إلى الموقع.

حاول المرتدون استهداف سيارة المجاهدين التي تطلق النار عليهم بصاروخ موجه أطلقوه عليها، وأخطأ الرامي توجيهه إلى الهدف، فسقط الصاروخ خلف التلة التي انتصبت السيارة في قمتها.

وقع الصاروخ الذي أخطأ هدفه بين أقدام أبي مجاهد وأبي إحسان، وانفجر لتمزق شظاياه أجسادهما، ويقتلا على الفور، تقبلهما الله.

وصل الخبر إلى أهل أبي مجاهد وإخوانه، فبشروا إخوانهم في فرنسا، سائلين الله له الشهادة، وبلغ الخبر المخابرات الفرنسية، فأعلنت لوسائل الإعلام الفرنسية أن أبا مجاهد -تقبله الله- قُتل بقصف جوي نفذته طائرات فرنسية، أثناء تحضيره لهجمات جديدة ضد الصليبيين في فرنسا.

قُتل أبو مجاهد تقبله الله، ونحسبه ولا نزكي على الله أحدا أنه نال ما تمنى وصدق فيما عاهد الله عليه، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله تعالى، وتاجر مع الله التجارة الرابحة، ونسأله -تعالى- أن يكون ممن فاز فيها الفوز العظيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

5/6

• وأخيرا.. في دار الإسلام

وصل أبو مجاهد الفرنسي أخيرا إلى دار الإسلام، ووجد في انتظاره على الحدود إخوانه من جنود الدولة الإسلامية، بلباسهم المميَّز، وأقنعتهم السوداء، وهيئاتهم ذاتها التي طالما رآها في الإصدارات المرئية، فعانقهم وعانقوه، عناق المحب للمحب، فقد سبقته سيرته الحسنة إلى أراضي الدولة الإسلامية، مع إخوانه الذين سبقوه بالوصول، والذين رووا قصة هجرتهم، وحدثوا عن أميرهم الذي بذل كل ما يملك في سبيل تمكينهم من الهجرة إلى دار الإسلام، وكشفوا لهم عن جوانب من شخصيته، ونصحوهم بالاستفادة منه في أي عمل جهادي ضد فرنسا.

وهكذا صار أبو مجاهد جنديا من جنود الخلافة، بعد أن أنهى دوراته الشرعية والعسكرية، وصار يعمل في أحد دواوين الدولة الإسلامية ناصحا لإخوانه في المجالات المختلفة، ينفعهم بما لديه من خبرات في إدارة الأعمال، وتنظيم المشاريع، مساعدا للإخوة المسؤولين عن العمليات الخارجية، عارضا كل ما لديه من جهد ومال ومعلومات في أي عمل جهادي يستهدف الصليبيين في فرنسا.

كان أبو مجاهد توَّاقا للقتال في سبيل الله تعالى، وكان نعم الجندي في كتائب ولاية الخير، حيث شارك في عدة معارك لجيش الخلافة فيها ضد الجيش النصيري، ثم انتقل إلى ولاية دمشق، حيث أمضى أيامه مرابطا في بادية الشام، تلفح وجهَه شمس الصحراء وغبارها، ويقرص عظامه بردها، مشاركا في الغزوات، مغيرا مع الأبطال في الصولات.

أبو مجاهد الشهم الكريم في فرنسا، ازداد شهامة وكرما في دار الإسلام، فكان لا يترك فرصة لمساعدة أحد من إخوانه إلا واستغلها، مقدّما أقصى ما في وسعه لذلك، مركزا في إحسانه على أرامل الشهداء وأيتامهم، يتفقد أحوالهم، ويعينهم بماله ونفسه.

وأبو مجاهد الداعية البسيط الذي كان يجذب حديثه السهل الشباب الصغار إليه في ضواحي باريس، استمر على عادته، يستغل أي موقف مع المجاهدين أو عوام المسلمين، ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويدعوهم إلى اتباع السنن، فلا يسأم من أن يقف مع بائع في دكانه لساعات يدعوه إلى الله، ويحرضه على الجهاد في سبيله، حتى إذا اشتكى منه رفاقه لتأخرهم في طريق سفر، أو حاجتهم إلى الإسراع في مسير، عاتبهم على ذلك، وذكرهم بأنه كان غافلا عن الدين مثل هؤلاء الناس، فهيّأ الله له من يذكره بالله، ويدعوه إليه، وإنه من الواجب عليه أن يشكر نعمة الله عليه بدعوة الناس، والسعي في هدايتهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

4/6

• قدر الله غالب..

كانت الدنيا تدور بهم، ولما علموا بأمر المذكرة الفرنسية تكوَّن لديهم هاجس الإفلات من الاعتقال، والتفكير بالخروج من اليونان قبل أن تطلب فرنسا إلقاء القبض عليهم وإعادتهم إليها مكبَّلين بالحديد.

جرّب الأخ الذي يصحب العوائل العبور، فتمكن -بفضل الله- من ذلك، إذ لم يكن هو أو أحد من النساء اللواتي بصحبته على قوائم المنع من المغادرة، فدخل إلى تركيا بعد أن زوّدهم أبو مجاهد بكمٍّ كبيرٍ من الأموال، على أمل أن ينتظروه هناك لفترة وإلا عبروا جميعا إلى دار الإسلام دونه ومن معه.

صار الهمّ الأول لأبي مجاهد، وقد حمل أمانة هذه المجموعة الكبيرة من المسلمين، أن يوصل العوائل إلى أراضي الدولة الإسلامية، وبعد أن يطمئن عليهم، تصبح الخيارات أمامه هو ومن معه مفتوحة، فإما أن يزيل العوائق التي تحول بينهم وبين دار الإسلام فيلحقوا بمن سبقهم، أو أن يعودوا أدراجهم إلى فرنسا، ليبدؤوا عملهم الجهادي هناك، في أرض الصليبيين التي تحارب الدولة الإسلامية، وتمنعهم من الهجرة إليها.

فكان من رحمة الله بهذه الثلة من المهاجرين أن يسَّر الله لهم التواصل مع أحد منسقي الهجرة في الدولة الإسلامية، فاتصلوا به وبيَّنوا له حالهم، وطلبوا مساعدته في إخراجهم من اليونان بأسرع وقت ممكن خشية أن يعثر عليهم الصليبيون فيعتقلوهم، فوعدهم المنسِّق خيرا، ومكثوا أياما ينتظرون جوابه.

وما هي إلا أيام حتى عبروا الحدود إلى تركيا، تاركين خلفهم في اليونان سيارتهم الفارهة، وأمتعتهم، مقدّمين الإفلات من الاعتقال على كل شيء، فوصلوا إلى إسطنبول، والتقى الإخوة بعوائلهم، وبدأت مرحلة التخطيط لعبور الحدود من جديد إلى أراضي الدولة الإسلامية، فقرر أبو مجاهد أن يرسل الإخوة جميعا لعبور الحدود، وتخلف عنهم لترتيب عبور أحد الإخوة الذي علق في اليونان، مصرّا أن لا يدخل دار الإسلام من دونه، فقد كان عزم على نفسه أن يكون آخر المجموعة دخولا إلى أرض الدولة الإسلامية، وأن لا يحقق حلمه بدخولها حتى يكون قد اطمأن على وصول كل المجموعة من المهاجرين التي تحمَّل أمانة إيصالهم إلى مبتغاهم، منذ وافقوا على الهجرة معه.

فلما تراكمت المشكلات على هذا الأخ في اليونان، وتعثرت محاولاته المتعددة لعبور الحدود مرارا، ألحّ على أبي مجاهد بالطلب، أن يكف عن انتظاره، ويبادر بإكمال رحلته فورا، فوافق أبو مجاهد على مضض، بعد أن أرسل له مبلغا كبيرا من المال ليتدبر أمر نفسِه وعائلتِه، ويستعين به في فترة ترقُّبه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

3/6

• هجرة في سبيل الله..

تجهزت العوائل للهجرة في سبيل الله، والسفر إلى دار الإسلام، وكان أكثر الرجال من المتابعين أمنيا، ولهذا كان لزاما على المهاجرين أن يرتبوا أمر الرحلة جيدا حتى لا يشعر بهم أعداء الله، فيصدوهم عن سبيل الله، ويحولوا بينهم وبين الوصول إلى أرض الدولة الإسلامية.

فاستمر الإخوة في أعمالهم حتى يوم الرحيل، فيما كانت العوائل قد تجهزت للانطلاق فور رجوع الرجال من أعمالهم، لتنطلق السيارات التي تحملهم والأخرى التي تحمل العوائل وتسير في مسارات مختلفة، وعبر دول عديدة، حتى الوصول إلى اليونان، لتعبر عندها حدود "الاتحاد الأوروبي" إلى تركيا، ومنها إلى أرض الشام.

على عادته كان أبو مجاهد قد رتَّب كل شيء للرحلة، وهيأ لها كل أسباب النجاح مهما بلغت التكاليف، وصاغ لها القصة المقنعة لكي لا يثير انتباه المراقبين، أو شبهات المتطفِّلين، ووضع لها المخطط المحكم، من لحظة خروجهم من فرنسا، إلى لحظة وصولهم إلى داخل دار الإسلام، باستثناء حلقة هي الأهم في هذه الرحلة، وهي التواصل مع الإخوة في الدولة الإسلامية، ليساعدوه في تجاوز العقبات الخطيرة في طريقه، إذ توكَّل على الله أن يهديه ويعينه لتأمين تواصل معهم فور وصوله إلى تركيا، مستعجلا الرحيل، خوفا من انقطاع السبيل.

كان ترتيب الرحلة الذي وضعه أميرها أبو مجاهد يقضي بعزل العوائل عن الإخوة المعروفين، وإرسالهم مع عائلة أخ غير معروف ليعبر بهم الحدود، في حافلة صغيرة اشتراها أبو مجاهد لهذا الغرض، فيما اشترى لنفسه وبعض الإخوة الذين تعرفهم أجهزة المخابرات سيارة فارهة، كجزء من الغطاء الأمني الذي رسمته المجموعة، وهو اتخاذ صفة رجال أعمال راغبين في الذهاب إلى تركيا لعقد صفقات تجارية هناك، وهيَّأ لهذا الغرض اللباس المناسب والأوراق المزورة التي تثبت مزاعمهم، بالإضافة إلى جوازات السفر المزورة الضرورية لعبور الحدود.

تمكنت القافلة من عبور إيطاليا، ودول البلقان، وصولا إلى اليونان حيث المرحلة الأكثر خطورة في الرحلة، وعندما وصلوا إلى النقطة الأخيرة قبل الحدود، أوقف أبو مجاهد العوائل وبقية الإخوة في إحدى الاستراحات، وصمم أن يكون أول من يحاول العبور، خشية أن يكون في الأمر خطر، فيقع عليه، وينجو الآخرون من الاعتقال.

عندما فحص مسؤولو الحدود اليونانيون جواز سفره، وطابقوه مع الصور الموجودة عندهم، عاد أحدهم ليخبره بالعودة من حيث جاء، وألا يحلم بعبور الحدود مرة أخرى، ليكتشف أبو مجاهد ومن معه أن حكومة فرنسا قد عممت صورهم على كل الحدود الأوروبية قبل 10 أيام من انطلاق رحلتهم.

أُسقط في أيديهم، فهل بعد هذه العزيمة على الهجرة يرجعون أدراجهم؟ وهل ذهب كل تدبيرهم مهبّ الريح؟



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

2/6

• على خطى عثمان (رضي الله عنه)..

كتب الله للدولة الإسلامية النصر والتمكين، فأقامت الدين، وجدَّدت الخلافة، وخرج أمير المؤمنين يخطب في الناس، ويحث المسلمين على الهجرة والجهاد، ويبشِّرهم بقيام دولة لهم يأرزون إليها، وإمام يقاتلون من ورائه.

كانت هذه الخطبة لحظة حاسمة في حياة أبي مجاهد وإخوانه، فلم يعودوا يطيقون صبرا على العيش في ديار الكفر، وقد أيقنوا أن الله منَّ على عباده بدار إسلام، يُقام فيها شرعُه، وتعلُوها أحكامه، فصار الهاجس الأول للمجموعة أن يهاجروا من فرنسا، خُفية عن أعين المخابرات التي كانت تراقبهم، وقد منعت بعضهم سلفا من السفر إلى خارج البلاد، وكذلك تحريض أكبر عدد ممكن من الشباب على الهجرة، خشية أن تنقطع بهم السبل بعد أن يصلوا إلى أراضي الدولة الإسلامية، ويصبح التواصل معهم صعبا عسيرا.

فبدأ الإخوة يُعدون العدّة للهجرة، ويهيِّئون أهلهم للرحيل، وقاموا بجولة على كل من يعرفونه من الشباب ويثقون به، ليحرضوه على النفير، فكان مكرم -الذي اتخذ لنفسه منذ هدايته كنية جديدة هي أبو مجاهد- يجالس الإخوة ويذكرهم بفضل الهجرة، وبنعمة العيش تحت ظل الشريعة، وتربية أطفالهم في ديار الإسلام، فإذا وجد من أخ اعتذارا بمانع من موانع الدنيا، سعى لإزالة هذا المانع بأي وسيلة كانت.

فمن كان ممنوعا من السفر، يشتري له جوازا مزورا مهما بلغ ثمنه، ومن كان لا يملك تكاليف الرحلة تعهَّد له بدفع تكاليفها مهما كبرت عائلته، بل ويشتري له سيارة ليستقلها في رحلته إن لزم، ومن كان عليه دَين أدى عنه الدين مهما كبر، هذا عدا عن شراء كل ما يحتاجه من لباس وتجهيزات للسفر والهجرة.

وبالإضافة إلى ذلك كله، دفع تكاليف كبيرة لشراء أجهزة ومعدات إلكترونية، وأجهزة كمبيوتر، طلبها بعض الإخوة ليستعملوها في خدمة دين الله، فور وصولهم إلى أرض الدولة الإسلامية.

وبالمحصلة، كان جميع الإخوة الذين حوله يشعرون أن هذا الرجل همّه أن ينفق ماله في سبيل الله، حتى باتوا يشبِّهون فعاله بفعال عثمان -رضي الله عنه- الذي موّل جيشا كاملا من ماله الخاص، طلبا لمرضاة رب العالمين.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11ARر
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

1/6

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 - 13].

هذه التجارة الرابحة يطلبها كثير من الموحدين، ويحرصون عليها، ويبذلون في سبيل الفوز بها المال والنفس، طلبا لثمن تلك التجارة الذي وعد الله به، ومن هؤلاء التجار الفائزين، أبو مجاهد الفرنسي، تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

مكرم أبروقي، شاب تونسي الأصل أمضى طفولته وشبابه في الضواحي الفرنسية البائسة، همّه الدنيا التي حصّل منها نصيبا كبيرا، لاهيا عن الآخرة التي لم يتعلم من أمرها شيئا.

رجل عصابات جريء، كسب أموالا ضخمة من عمليات السطو الكثيرة على أموال الكفار، حتى امتلك سيارات فارهة، وصار يزاحم أغنياء باريس ومشاهيرها في نواديهم وحفلاتهم، وهي أكثر ما يطمح إليه أفراد هذا العالم الموبوء.

مرهوب الجانب، كان معروفا بين أقرانه بالشجاعة والإقدام، وعدم الخوف من مواجهة أو التهرب من صدام، خاصة في جولات الصراع التي لا تنتهي بين أحياء البؤساء في ظل جاهلية الضواحي الفرنسية، ولم يكن يكترث لعناصر الشرطة الفرنسية، فطالما اشتبك معهم بالسلاح، ونجح في الإفلات منهم أثناء عمليات السطو والسرقة أو بيع المخدرات.

كريم النفس، شهم الأخلاق، رغم انغماسه بشهوات الدنيا، فلا يتأخر عن مساعدة صديق، ولا الدفاع عن جار، ولا بذل المال مهما كثر لسد حاجة محتاج، أو كف يد قريب.

ذو عقلية إدارية منظَّمة، فلا يخطو خطوة إلا وقد هيَّأ لها أسبابها، ودرس عواقبها ومآلاتها، فاستخدم هذه الخصلة في عمله بشكل فعال، فلا يسطو على منزل إلا وقد استطلعه بشكل جيد، وإن اقتحمه يكون قد تجهز لأسوأ الاحتمالات، وهيأ لنفسه أسباب النجاة من القتل أو الاعتقال.

كل هذه الصفات كانت مؤهلات كافية ليكون زعيم عصابة خطير، أو تاجر مخدرات كبير، ولكن هيأ الله له السبيل إلى طريق آخر، عَكَس مجرى حياته بالكلية.

ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
على عادة الكثيرين من المنتسبين إلى الإسلام، الذين لا يتذكرون دينهم إلا في رمضان، فيهرعون إلى المساجد طلبا للمغفرة، وتعويضا عما فات، وتكفيرا للخطايا والسيئات، قرر مكرم أن يقضي أياما من الشهر معتكفا في أحد مساجد باريس، حيث قدَّر الله له الاجتماع بأحد الدعاة إلى الله، رآه وهو يعلم بعض المسلمين أصول الإسلام، فانجذب إليه، والتزم حلقته، وسمع منه كلاما عن أحكام الإيمان والكفر ومعاملة الكفار، فازداد به تعلقا، ومن يومها قرر مكرم أن يتوب إلى الله، ويسلك طريقا جديدا فيما تبقى من حياته، هو طريق الهداية والعمل لدين الإسلام، وعن طريق هذا الأخ الداعية، تعرف مكرم على مجموعة من الشباب المسلمين، الدعاة إلى التوحيد، المناصرين للمجاهدين، فصار منهم، داعيا إلى الله، ساعيا إلى نصرة دينه بالمال والنفس.

كان الخياران أمام هذه المجموعة أن ينفروا إلى ساحات الجهاد، فيقاتلوا هناك حتى يُقتلوا، أو ينفذوا عمليات داخل فرنسا ضد النصارى، ولكن موانع كثيرة صدتهم عن الجهاد في سبيل الله، فاختاروا الانشغال بالدعوة في ذلك الوقت ريثما يهيِّئ الله لهم من أمرهم رشدا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 الافتتاحية: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
الافتتاحية:

حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ

في الوقت الذي لا يزال جنود الخلافة يسطّرون صفحات مجد وعز جديدة في سِفر ملحمة الموصل، يخرج علينا طواغيت الرافضة من مشارق الأرض ومغاربها ليعلنوا تحقيقهم النصر في هذه المعركة، التي تلقوا فيها درسا لن ينسوه في تاريخهم.

إذ ظهر طواغيت أحزابهم وفصائلهم في إيران والعراق والشام واليمن، يبارك بعضهم لبعض انتصارا لم يحققوه بعد، وانتهاء حرب لم تحسم معاركها.

بل والأكثر إثارة للسخرية من فصول هذه المهزلة، أن يعلن هؤلاء السفهاء أنهم في معركة الموصل انتصروا على الولايات المتحدة الأمريكية، وخربوا مشاريعها في المنطقة، وانتصروا على الطواغيت الحاكمين لبعض بلاد المسلمين، وأضعفوا من نفوذهم وتأثيرهم.

والحقيقة أن هؤلاء الطواغيت ما كانوا ليجرؤوا على إطلاق هذه الأكاذيب، وترويج هذه الأوهام، لو كانوا ينتمون إلى أمة واعية عاقلة، ولكن الروافض أمة لا عقل لها ولا نقل، يقوم دينهم كله على الأساطير، والكذب عندهم عبادة، ولذلك استخفهم طواغيتهم، وتجرؤوا أن يبشروهم بانتصارات لم يحققوها، وإنجازات لم يصنعوها، بل ويقلبوا لهم ظهر الحقيقة، ويصوروا لهم الأمر على أنه معركة الرافضة ضد الصليبيين، رغم أن صغار القوم وكبارهم يدركون أن حقيقة الأمر بخلاف ذلك، ولكن كيف لهم أن يخالفوا طواغيتهم، أو يعترفوا بحقيقة ما جرى ويجري على أرض العراق.

وإلا كيف يجرؤ طواغيت الرافضة أن ينكروا فضل أمريكا عليهم في حربهم ضد الدولة الإسلامية، وهم يعلمون يقينا أن أمريكا هي التي قادت الحرب كلها ضد الدولة الإسلامية منذ إعلانها في العراق قبل عشر سنين وإلى يومنا هذا، وأنه لم تمض على انسحاب أمريكا من العراق شهور قليلة إلا وبدأت المناطق تسقط تباعا في يد جنود الدولة الإسلامية حتى كان الفتح الكبير، وهروب عشرات الآلاف من جنود الجيش الرافضي من الموصل أمام بضع مئات من المجاهدين، الذين ظلوا يلاحقون فلولهم حتى أبواب بغداد، التي طرقوها وكادوا أن يحطموها لولا قدر الله الذي حال بيننا وبينهم بمقتضى حكمته، وهرب على إثر ذلك طواغيت المنطقة الخضراء وازدحم بهم مطار بغداد، وتدخل الصليبيون لإنقاذ عبيدهم الروافض من أن تطأهم أقدام أهل التوحيد في بغداد وكربلاء والنجف، وغيرها من المدن التي يحتلونها.
وكيف يجرؤون أن يزعموا أنهم في حربهم مع الدولة الإسلامية يحاربون أمريكا وطواغيت الحكم التابعين لها، وهم لا يستطيعون أن يتقدموا على الأرض شبرا دون غطاء من طيران التحالف الصليبي الذي تقوده أمريكا، ولا يستطيعون أن يثبتوا في موقع من مواقع القتال دون غطاء من الطيران، فهل تقدم لهم أمريكا كل هذا الدعم لتحارب نفسها؟ وهل يستجدون هم كل هذا الدعم من أمريكا ليحاربوها به؟!

وكيف يجرؤون أن يفتخروا بجيشهم المهزوم، وحشدهم المهلهَل، بعد هزائمهم المذلة طوال السنوات الثلاث الماضية، وكل هذه الخسائر التي مُنوا بها في معاركهم الكثيرة مع جنود الخلافة، والتي بلغت حدا جعلت جيشهم الذي صُنع بيد الأمريكان وتحت إشرافهم أثرا بعد عين، وذكرى من الماضي، والتي لا تقل عنها خسائر تلك الميليشيات رديئة المستوى في التدريب والقتال، والتي تعتمد على كثرة العدد فقط، فيحاولون أن يسبغوا عليها صفات بطولة زائفة، وهم يعلمون أن دور مقاتلي هذا الحشد لم يتجاوز في هذه المعركة التي أدارتها أمريكا إمساك الأرض بعد أن تسويها طائرات التحالف الصليبي، ثم التخلي عنها، والفرار أمام أي هجوم للمجاهدين إن تأخرت طائرات الصليبيين عن نجدتهم ساعات قليلة، تاركين أسلحتهم وآلياتهم غنائم للمجاهدين، وجثث إخوانهم المرتدين لتأكلها السباع، وتحرقها النيران.
إن الروافض يعرفون جيدا من يقاتلون اليوم، ويعرفون أنفسهم جيدا أنهم لا طاقة لهم بجنود التوحيد إلا بدعم من اليهود والصليبيين وطواغيت الشرق والغرب، ويعرفون أن حربهم مع الموحدين طويلة جدا، ولذلك فهم يطلبون بطرق غير مباشرة من الصليبيين والطواغيت أن يستمروا في دعمهم، ويعرضون أنفسهم عليهم لاعتمادهم بشكل دائم في قتال الدولة الإسلامية في كل مكان.

وهم بذلك يضعون أنفسهم في الوظيفة التي يريد منهم الصليبيون أن يقوموا بها، وهي وظيفة العدو الطبيعي للخلافة كما كانوا على مدى تاريخ الحملات الصليبية، حيث لا يمكن لدينهم أن يقوم، ولرايتهم أن تعلو في الأرض بوجود خلافة وفي ظل قيامها بمحاربة الشرك وأهله، وهو ما سيكون -بإذن الله- على يد الدولة الإسلامية.

ولن تنفع الرافضة استعانتهم بالصليبيين على قتال الموحدين، مثلما لم ينفعهم شركهم بالله العظيم، واستغاثاتهم بالأموات والمقبورين، ونعدهم –بإذن الله- بمشاهد عظيمة، تنسيهم أهوال الموصل وسبايكر وبيجي، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

• الإمامة العظمى تسعى لظهور دين الإسلام وبالإضافة إلى أن إقامة دين الله، وسياسة الدنيا بالدين، ...

• الإمامة العظمى تسعى لظهور دين الإسلام

وبالإضافة إلى أن إقامة دين الله، وسياسة الدنيا بالدين، وحماية الدين، والذود عن دار الإسلام، والدفاع عن المسلمين وحرماتهم وأموالهم، من أهم ما يقوم به خليفة المسلمين، فإن من مهامه أيضا أن يسعى لبسط سلطان الدين على كل أرض الله.

فالله -تعالى- يريد إرادة شرعية أن يعمل المسلمون ليكون دين الإسلام هو المهيمن على الأديان كلها، والمنتصر عليها، حتى تكون كلمة الله هي العليا، وتكون كلمة الذين كفروا هي السفلى، وكذلك فللَّه -تعالى- إرادة كونية أن يعلو دينه على كل الأديان علواً ظاهراً، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].

وإظهار الله لدين الإسلام يشمل إظهاره على الأديان كلها بالحجج والبراهين، فأظهر الله أنه دين الحق، وما عداه فباطل زائف زاهق، كما يشمل إظهاره بمعنى نصره على أهل الأديان الأخرى، حتى زال سلطانهم وانهدم بنيانهم، فأزال الله بدين الإسلام وأهله المجاهدين الأولين أكبر دولتين كانتا قائمتين وقت سطوع نور النبوة، هما دولتا فارس والروم فضلاً عن ممالك الكفار المتفرقة.

والمراد أن دين الله ظهر وانتصر على الكفار حينما قامت للمسلمين دولة، أسسها وأرسى دعائمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم خلفاؤه الراشدون من بعده، وكذلك يقوم بهذا الأمر اليوم خليفة المسلمين وجنوده بعون الله تعالى، فلا يتصور حصول نصر أو عزة للمسلمين دون قيام دولة الإسلام التي أحيت الخلافة الراشدة.

• الأرض لله يورثها عباده الصالحين:

ومن مهام من وُلِّيَ أمر المسلمين (وهو الخليفة أعزه الله) أن يبسط سلطان دولة الإسلام على أرض الله كلها، فالأرض أرض الله، وليس لكافر فيها حق، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، وقد فسر المفسرون ومنهم ابن عباس -رضي الله عنهما- (الأرض) بالجنة، وقال ابن عباس أيضاً: "أخبر -سبحانه- في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض، أنه يورث أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الأرض، ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون"، فهما قولان صحيحان لا يتعارضان، وهذه الوراثة للأرض لا تكون إلا بالجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام، فالكفار لا يتركون كفرهم وفتنتهم للناس عن دين الإسلام إلا بالقتال الذي يقوم به أولياء الرحمن ضد أولياء الشيطان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًاً} [النساء: 75 - 76]، فإن لم تقم الدولة الإسلامية وجنودها بواجب القتال في سبيل الله ولإنقاذ المستضعفين من المؤمنين من براثن الكفر وأهله، فمن سيقوم بذلك؟!

إنها أمور جسام تضطلع بها دولة الخلافة قيادة وجنوداً، وإننا لموقنون بنصر الله لها قريباً، فقد أقسم الله -عز وجل- على نصر من ينصر دينه، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، أكد الله وعده بالنصر بالقسم الذي تدل عليه لام القسم، وأكده بـ (إن) المشددة وبلام التوكيد الداخلة على اسمين من أسماء الله الحسنى -وكلها حسنى- {لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، فلا تكافئ قوته قوة، فهو خالق الخلق وهو الذي أعطاهم ما شاء من أسباب القوة، وهو القوي وخلقه الضعفاء، وهو الغني وخلقه الفقراء إليه، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الذي جعل العزة للمؤمنين من عباده، والذي وعد بنصرهم وكفايتهم، قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبَادَهُ} [الزمر: 36] بالجمع على قراءة حمزة والكسائي وخلف العاشر وأبي جعفر.

نسأل الله أن يحفظ إمامنا خليفة المسلمين، وأن يسدد رأيه، وأن يجعل له ولجند الخلافة من لدنه سلطاناً نصيراً، وأن يثبت أقدامهم وينصرهم على القوم الكافرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
منزلة الإمامة من الدين
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 88 مقال: منزلة الإمامة من الدين الحمد لله الذي يحب من ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 88
مقال:

منزلة الإمامة من الدين

الحمد لله الذي يحب من عباده أن يدعوه قائلين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، والصلاة والسلام على رسوله إمام المتقين، الذي جمع الله له بين إمامة الناس بأن يحكمهم بما أنزل الله وبين أن يكون إمامهم الذي يُقتدى به في الدين، ثم جعل خلفاءه الراشدين على منهاجه وسيرته، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فقد روى الإمام أحمد والحاكم وابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة).

فالإمامة العظمى الشرعية من عرى الإسلام، وانتقاض أمر الحكم بما أنزل الله هو نقصان يلحق أهل الإسلام في دينهم ودنياهم، فكم من شُعَب للإسلام والإيمان لا تتحقق إلا بهذه العروة من الإسلام، ومهمة الحكم بما أنزل الله إنما يضطلع بها الحاكم وأهل العلم الشرعي الذين يعينونه وينصحون له، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة: 44]، فبيَّن -تعالى- أن من كلفهم بالحكم بما أنزل هم النبيون (وهم الذين كانوا يسوسون بني إسرائيل)، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ، وإنه لا نبيَّ بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا، قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) [رواه مسلم]، فالخلفاء يقومون مقام الأنبياء في حكم الناس بما أنزل الله، والعلماء الربانيون عون لهم في ذلك.

• الخلافة الراشدة ترث منهاج النبوة

إن من أهم مهام الخلافة في هذا الزمان، تجديد الدين، وإقامته على منهاج النبوة، كما وعد نبينا -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج نبوة) [رواه أحمد]، فالخلافة المطلوبة هي التي تكون على منهاج النبوة، وهي التي تتحقق فيها صفة الرشد، التي وُصِفت بها خلافة الرعيل الأول من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

وإن اتصاف الخلافة بالرشد إنما حصل ويحصل -بإذن الله- باتباع الخلفاء لكتاب الله واقتفائهم هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأمور والأحوال.

وللرشد معانٍ في كتاب الله تعالى، من أعظمها ما أخبر -تعالى- عنه من فضله وهدايته لعباده الذين يحبهم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]، فالتزام أركان الإيمان وخصاله وشعبه ومحبة ذلك والتمسك به، والابتعاد عن كل ما يخالفه من كفر أو فسوق أو عصيان، كل ذلك من الرشد، وأعظم داعٍ إلى الرشد هو كتاب ربنا عز وجل، كما أخبر -تعالى- عن قول الجن: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 1 - 2]، وأخبر -تعالى- أنه آتى نبيه وخليله إبراهيم الرشد، فدعا الناس إلى توحيد الله وجادلهم مبيناً لهم ضلالهم، وصبر على أذاهم وتهديداتهم بل ومحاولتهم قتله حرقاً، فالتجأ إلى الله، فنجاه من النار وجعلها عليه برداً وسلاماً، وأعلن براءته من أبيه وقومه لمَّا أصروا على الكفر، ومفارقته لهم بالهجرة عنهم، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].

فالخلافة الراشدة تقيم كل شرائع الدين وتحيي السنن وتميت البدع، وتجاهد الكفار والمعاندين، لا تتبع أهواء البشر بل هي مستجيبة لأوامر الله متبعة لما يحبه مجتنبة لما يسخطه، قال تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
...المزيد

خواطر مجاهد من ملحمة الموصل 5/5 • ما أخطأك لم يكن ليصيبك: انتهت نوبتي في الرباط، وجاء الأخ ...

خواطر مجاهد من ملحمة الموصل
5/5

• ما أخطأك لم يكن ليصيبك:

انتهت نوبتي في الرباط، وجاء الأخ البديل ليحل محلي، حملت أغراضي، وهممت بالخروج فتذكرت أن حي الشفاء والمجمع الطبي قد تغيرت معالمهما بسبب القصف اليومي العنيف من الطيران والمدفعية والهاون، فلا تكاد تجد بناية سالمة من القصف، فخشيت أن أتيه وأضيع الطريق، فترصدني طائرات الدرونز التي لا تفارق الأجواء دقيقة.

استفسرت من الإخوة القادمين حديثاً لثغرنا فأرشدوني إلى طريق سلكته، كان الجزء الأكبر منه يلزمك أن تسير بفضاء مفتوح، لا سقف يظلك، ولا جدار يحميك، فالمكان مدمر، غير أن عناية الله تكلأ المجاهدين وعينه تحرسهم، فيعمي أبصار الصليبيين وكلابهم عنهم.

مررت بأطلال صالة الطوارئ في المستشفى، حيث كانت هناك جثث متفسخة لمصابين وصل المسعفون إليهم بعد أن فارقوا الحياة... دماء قاتمة عند حمالة عليها جثمان لا يُعرف كنهه، ترسم بوضوح إجرام وصلف الصليبيين والمرتدين المحاربين لديار المسلمين... بدلة طبيب ملقاة عند باب الخروج كانت قد تلبدت بدماء جرحاه ثم بدمائه...

اندفعت خارجاً بسرعة، داعيا الله أن يتقبل الشهداء، وصلت مكانا بمثابة محطة أولى للانتقال إلى نقطتي القادمة، وجدت بقايا ماء، اغتسلت به وأبدلت ملابسي التي تغير لونها ولوني، فكان أدق وصف لها، هو وصف الشيخ الطبيب عبد الله لمنظري حينما قال لمرافقه يحيى، تقبله الله: "أبو فلان، من التراب بدا للناظر كأنه كتلة كونكريت"، قررت النوم ليرتاح جسدي المنهك قبل أن أكمل المسير إلى محطتي القادمة.

كان المكان يعتبر خطرا بعض الشيء، لقربه من مواقع العدو وخطوط الاشتباك، فتوكلت على الله، والتحفت حزامي وسلاحي، ونمت سويعات قطعها صوت الاشتباكات والانفجارات، خشيت أن أكون قد حوصرت، فخرجت مسرعا إلى مكان ثانٍ بغية الاستراحة قليلاً، ونمت من جديد، وما هي إلا هنيهة حتى دوَّى انفجار خمسة صواريخ متعاقبة على المكان، هدت أركانه وما حوله، ونجوت ومعي بعض الإخوة، فالحمد لله على حفظه، فقد رسّخ هذا الدرس في نفسي حقيقة أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.

جلست أنتظر قدوم دليل الطريق نحو المحطة القادمة، وفجأة دخل أخ قائلاً: الأخ الدليل أوصل قبلك عدة إخوة، ولما عاد للمجموعة الثانية قُصف، تقبله الله، سألته عن التفاصيل، قال: في طريق الرجوع قصفته طائرة مسيرة فنزف نزفاً شديداً ولم نتمكن من إسعافه وكان آخر ما يلهج به "اللهم الجنة... اللهم تقبلني في الشهداء"، فما أصابك لم يكن ليخطأك، نِعمَ المصاب في سبيل الله والفوز برضوانه وجنته.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً