رؤى.. وأحلام (١/٢) - الرؤى للاستئناس لا للاستدلال: ومن جانب آخر ينبغي على المسلم أن لا يغلو ...

رؤى.. وأحلام
(١/٢)

- الرؤى للاستئناس لا للاستدلال:

ومن جانب آخر ينبغي على المسلم أن لا يغلو ولا ينفتن بما يحسبه من الرؤى الصالحة، فلا يبني عليها أحكاما إذ ليس هو بالنبي فتكون رؤياه وحيا من الله تعالى، ولا تأويلها له علما يقينا، ولا يرى فيها تزكية له أو لغيره، ولا يمتنع بسببها عن معروف أو يقع في منكر، ولا يتّكل عليها فيغفل عما كلَّفه الله من الطلب لما فيه خيره في الدنيا والآخرة، بل يستأنس بها، ويفرح بها، ويبشّر بها، ويحمد الله عليها.

وإن للاستدلال على الأحكام الشرعية طرقا معروفة ليس من بينها الأحلام والمنامات، فالرؤى لا تحرّم حلالا ولا تحلّل حراما، ومن يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه فسيراه على صورته وهيئته الحقة، أما ما يشيعه البعض من صور وأنوار، وهيئات وأفكار لا يقبلها عاقل فهذا من الحلم، والحلم من الشيطان، والشيطان لا يتمثل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخبر بذلك، صلى الله عليه وسلم، ولكن قد يتمثل بصورة غير صورته كما نص العلماء.

قال الإمام النووي، رحمه الله: «قوله صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني)... معنى الحديث أن رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي به لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي وقد اتفقوا على أن مِن شرط مَن تُقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظا لا مغفلا ولا سيء الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه، هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة، أما إذا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك الشيء» [شرح النووي على مسلم].

ومما عمت به البلوى في أيامنا هذه، اعتماد البعض على الرؤى اعتمادا يتجاوز مجرد الاستئناس والاستبشار ويخالف بذلك هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعه من الأخيار، حتى باتت رؤى الفتوح والانحياز حديث الساعة في كل مجلس ومحفل، وكأن كل راءٍ هو يوسف، عليه السلام، وكل معبِّر هو يعقوب، عليه السلام!

فلا شك أن من الرؤى ما يكون سببا في تثبيت الله لعباده الصالحين، كما حدث مع المسلمين في غزوة بدر، قال تعالى {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: 43]، فكثرة الرؤى المبشرات هي من النعم التي أنعم الله بها على عباده الموحدين، خاصة في ظل هذه الحرب الشرسة على الدولة الإسلامية، التي تشارك فيها ملل الكفر والشرك كافة، ولكن التأويل غير المنضبط للرؤى والأحلام، وإسقاطها على الوقائع والأحداث بدعوى رفع الهمم وتثبيت القلوب قد تكون له نتائج عكسية، بما يتسبب به من إحباط إذا لم يصدق التأويل بعد أن تتعلق به بعض النفوس المتعبة المريضة.

فليس كل ما يراه المؤمن في منامه رؤيا صالحة، وليست كل رؤيا صالحة تجد من يأولها تأويلا صحيحا، وليس كل تأويل صحيح ينطبق على الواقع مباشرة بل قد يقع تأويلها بعد سنين عديدة، وهذا من علم الغيب الذي لم يُطلع الله عليه أحدا من عباده، فرؤيا يوسف في طفولته بسجود إخوانه وأبويه له وقعت بعد سنين طويلة وهو رجل، وليس كل تأويل صحيح لرؤيا صالحة مما يصح قصه على الناس، كما في رؤيا يوسف التي أمره نبي الله يعقوب بكتمانها عن إخوته.

وليسأل العبد ربّه دوما أن يبعد عنه الهمّ والحزن بما شاء، سبحانه، وأن يثبته على الصراط المستقيم، وأن يربط على قلبه، ويؤتيه العلم النافع، ويعينه على أداء العمل المتقبل، إن الله سميع مجيب الدعاء، والحمد لله رب العالمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@wmc11ar
...المزيد

رؤى.. وأحلام قيل في شأنها الكثير، وخاض فيها من يجهل ومن يحسن التعبير، منها ما يُفرح ويبشِّر، ...

رؤى.. وأحلام

قيل في شأنها الكثير، وخاض فيها من يجهل ومن يحسن التعبير، منها ما يُفرح ويبشِّر، ومنها ما يحزن ويُنفّر، إذا كانت من الله تعالى صلحت وصدقت، وإذا كانت من الشيطان فسدت وكذبت، والبشر في تلقيها ثلاثة؛ إما غالٍ فيها يبني عليها كل تفاصيل حياته ومن حوله، بل يعدها أحيانا وحيا يوحى إليه كالصوفية ومن شابههم، وإما وسط يتلقاها وفق ما دلت عليه النصوص الشرعية فيستأنس بخيرها ويستعيذ بالله من شرها، وإما منكر لها لا يرى فيها إلا هلوسات وأخلاطا كالفلاسفة وبعض المعتزلة وبعض الأطباء... وبين هذا وذاك، تبقى هي بين المبشرات الصادقة وأحاديث النفس وأضغاث الأحلام.

- الرؤيا حق:

وقد ورد ذكر الرؤى في الكتاب العزيز في أكثر من موضع؛ قال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [الأنفال: 43]، وقال أيضا: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4]، وقال أيضا: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: 27]، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كانت رؤيا الأنبياء وحيا»، وأول ما بُدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة.

والأحاديث والآثار الدالة على ثبوت الرؤيا وأنها حق، كثيرة وفيرة، وكما أن رؤيا الأنبياء وحي، فإن رؤيا الصالحين من مبشرات النبوة وجزء منها؛ فعن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الرؤيا الحسنة، من الرجل الصالح، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) [رواه البخاري]، وعن أبي الدرداء، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قوله: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [يونس: 63 - 64] فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له) [رواه مسلم]. ولفظ الرجل الصالح هنا ليس للحصر فقد تكون الرؤيا الحسنة من المرأة الصالحة. ولا يعني هذا أن الصالح لا يرى إلا الرؤيا الحسنة الصادقة بل قد يرى الأضغاث أيضا وإن ندر ذلك. والناس في صدق رؤاهم مختلفون وكلٌّ ومنزلة إيمانه وصلاحه.

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: (هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) [رواه أبو داود].

- التعامل مع الرؤى والأحلام:

وقد علّمَنا سيد الأولين والآخرين -عليه الصلاة والسلام- كيف نتعامل مع الرؤيا، فجعل لها ولرائيها ومعبرها آدابا، والرؤى على ثلاثة أقسام؛ رؤيا صادقة، وحديث نفس وأضغاث أحلام، وتلاعب شيطان؛ عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره) [رواه البخاري].

وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- كل مسلم ومسلمة أن لا يحدِّثا أحدا بتلاعب الشيطان بهما في المنام، فتارة يحزنها وتارة يخيفهما؛ أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأعرابي جاءه فقال: إني حلمت أن رأسي قُطع فأنا أتبعه، فزجره النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (لا تخبر بتلعّب الشيطان بك في المنام).

بل يكتفي المسلم والمسلمة بما قد أرشدَنا نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى التزامه عند رؤية ما يكره؛ فعن جابر -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليبصق عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) [رواه مسلم].

وتأويل الرؤى هو من العلم الشريف الذي يمنّ الله به على من يشاء من عباده، ممَّن علم التنزيل وفقه التأويل، كما في قوله تعالى {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 6]، فهذا العلم كان يقوم عليه الأنبياء، وأتباعهم من حوارييهم وصحابتهم ومن تبع هداهم وعمل بسنتهم، ولكننا بتنا نرى اليوم من يتصدر لهذا العلم من الجهّال والأدعياء، بل ومن الفسّاق والماجنين، والسحرة والمرتدين.

فالحذر الحذر من التصدي لهذا العلم بغير هدى ولا كتاب منير، والحذر الحذر من عرض الرؤى والأحلام على كل من هب ودب من الأدعياء، الذين يسوقون بضاعتهم بتأويل الرؤى على الوجه الذي يُرضي أصحابها ليمنّوهم ويأمّلوهم، ويكسبوا بذلك وجوههم وأموالهم.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@wmc11ar
...المزيد

قصة شهيد: أبو عمر الأردني تقبله الله عبدٌ يبتغي الموت مظانّه، نحسبه (١/٢) - وعجلت إليك ربّي ...

قصة شهيد:
أبو عمر الأردني تقبله الله
عبدٌ يبتغي الموت مظانّه، نحسبه
(١/٢)

- وعجلت إليك ربّي لترضى:

الشوق إلى القتل في سبيل الله لم يخفت في ظل زحمة العمل وكثرة المهام، والرغبة في تنفيذ العملية الاستشهادية كانت تزداد كلما ازداد إيمانه، مع العمل الصالح الذي كان يؤديه، نحسبه، فيزداد إلحاحا على أمرائه أن يأذنوا له بالالتحاق بصفوف الاستشهاديين، وهم يتهربون من إجابته، ويؤجلون في طلبه، حتى أعياهم ردّہ، فاشترطوا عليه أن يختار لهم بديلا له في عمله، يستأمنه عليه، ويرتضيه في دينه وخلقه، وخبرته، فسعى لهم فيما أرادوا حتى ترك ديوان الركاز وقد اطمأن أنه لم يترك ثغرة مكانه، بل سدّہ بمن يقوم به حق القيام، ومضى في تحقيق أمنيته، يبتغي الموت مظانّه، والقتل مكامنه.

فكلما سمع عن غزوة في ولاية من ولايات الشام يمضي إليها، عارضا نفسه على الأمراء العسكريين، طلبا لتجاوز إخوانه الذين قد سبقوه التسجيل في قافلة الاستشهاديين.

عرفه أحد إخوانه من الولاة، فعزم عليه أن يرجع إلى عمله السابق ليخدم دين الله في ذلك الثغر، وهو أهل له، فعاد من الغزوة حزينا، ويمم وجهه شطر ولايات العراق، وقد أمّل نفسه أن لا يعرفه أحد هناك، ليفاجأ بالعدد الكبير من الاستشهاديين في المضافات، كلٌّ يترقب أن ينادى لدوره، ويأبى أن يؤثر أخاه بذلك الدور، فعاد إلى هناك أيضا، وهو يسأل الله لنفسه فرجا قريبا.

سأله أحد إخوانه مرّة عن سبب استعجاله القتل في سبيل الله، فأشار إلى قلبه، وأنبأه بخوفه على نفسه من الفتن.

وفي فترة انتظاره كان يراسل أهله ينصحهم في دين الله، ويسعى في هداية أبيه، ويدعوه للبراءة من الإخوان المرتدين، حتى وصل به الحال أن يبلغه ببراءته منه إن لم يتبرأ منهم ومن شركهم بالله العظيم.

بعد طول انتظار، بلغه أمر غزوة في عقر دار النصيرية، فتقدم إلى إخوانه ولسان حاله يقول: أنا لها، رغم ما في تلك الغزوة من خطر أمني، لكونه في طريقه إلى الهدف سيمر بالكثير من مواقع النصيرية، ويتسلل من بين جنودهم، وتحت سمعهم وبصرهم وفي مرمى نيرانهم، واحتمال انكشافه لهم ليس ببعيد، وبالتالي أسره أو قتله، وفشل خطته قبل تنفيذها، فلم يبالِ بكل ذاك وعزم على التنفيذ مستعينا بالله تعالى.

فكتب وصيته لأولاده أن لا يغادروا دار الإسلام أبدا، وأن يكثروا مما ينفعه من الأعمال الصالحة، ولأهله أن لا يقولوا على المجاهدين في الدولة الإسلامية ما ليس فيهم، وللمسلمين عامة أن يهاجروا ويجاهدوا في سبيل الله تعالى، ولكل من عرفه من المسلمين أن يسامحه ويعفو عنه إن أخطأ بحقه أو قصر.

وفي العشر الأوائل من ذي الحجة من العام 1437 هـ فَجَّر أبو عمر -تقبله الله- سيارته المفخخة في عقر دار النصيرية، فنسف حاجزا للمرتدين في حي عكرمة بمدينة حمص، فقُتل وجُرح على يديه العشرات منهم، بفضل الله، فأصابهم على حين غرة، ورماهم في مقتل، تقبله الله وأعلى نزله.

قُتل رحمه الله، وهو ابن سبعة وثلاثين ربيعا، وهو يتمثل قوله، صلى الله عليه وسلم:
(من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانه) [رواه مسلم].

نحسبه كذلك، ونسأل الله له ولإخوانه الفردوس الأعلى، وأن يلحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل تيليجرام:
@wmc11ar
...المزيد

قصة شهيد: أبو عمر الأردني تقبله الله عبدٌ يبتغي الموت مظانّه، نحسبه عشاق الشهادة.. ذاك الصنف ...

قصة شهيد:
أبو عمر الأردني تقبله الله
عبدٌ يبتغي الموت مظانّه، نحسبه

عشاق الشهادة.. ذاك الصنف النادر من البشر، تجد أحدهم لا يكل ولا يمل في طلب المنزلة، والسعي للقتل في سبيل الله كي ينالها، فيكون من الذين يغفر الله لهم ذنوبهم، ويلقى الله وهو عنه راض، فيدخل الفردوس الأعلى من الجنة من غير حساب، في زمرة الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

تجدهم يلقون بأبدانهم في أفواه المنايا، ويخوضون المعارك، ويتقحمون المهالك، منغمسين في أتون الحروب، يتتبعون الموت مظانّه، وكل أمنيتهم قتلة في سبيل الله.

وآخرون ينثرون أجسادهم، ويمزقون أشلاءهم ليحرقوا أعداء الله بلهيب نارهم، قربة إلى الله، سبحانه، ولاءً للمسلمين، وبراءةً من المشركين، ولسان حال أحدهم في كل حال، وعجلت إليك ربّ لترضى.

ومن هؤلاء العشّاق للمنازل العلى من الجنة، أبو عمر الأردني، تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

مهندس خبير في برمجة الحاسب، وإداري محترف، جمع الله له من علوم الدنيا، وحفظ آيات الكتاب العزيز، ورزقه من خير الدنيا المهنة المريحة، والمكانة المرموقة في الوظيفة، في أكبر الشركات التي عمل بها في الأردن ودول أخرى، كما رزقه -سبحانه- الزوجة التي يرضاها والولد الذي يحب، فلم يلهه ذلك كله عن السعي في أمر ربه له بالهجرة والنفير، كيف لا وهو يقرأ قوله سبحانه: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 39]، فبقي سنوات يتحرق لميعاد الهجرة، وهو يتابع أخبار إخوانه المجاهدين، ويرى بطولات أحبابه الاستشهاديين، متشوقا إلى اليوم الذي يكون بينهم، وإلى الساعة التي يلحق بقوافلهم المباركة.

ولمّا سمع خطاب أمير المؤمنين الشيخ أبا بكر البغدادي -حفظه الله- الذي خص فيه الكوادر العلمية والشرعية والعسكرية بوجوب الهجرة والنفير، عزم أمره، وكتم خبره إلا عن زوجته التي آزرته وحفظت سرّہ، ومضى يتجهز للرحيل، وينهي معاملاته وينجز ما علق من شؤونه، وينطلق مهاجرا إلى الله ورسوله.

وفي الطريق إلى دار الإسلام يسمع أهله بنبأ هجرته، فيجهدون أنفسهم في صدّہ عن سبيل الله، وحثه على الرجوع إليهم، والسعي في التلبيس عليه في شأن هجرته وجهاده بالطعن في الدولة الإسلامية، خاصة من قبل أبيه الذي كان مؤيدا للإخوان المرتدين، فلم يسمع أبو عمر لكلامهم، ولم تأخذه في دين الله اللائمة، وأكمل رحلته، حتى منّ الله عليه بالوصول إلى أرض الخلافة، فكان ذلك اليوم أسعد يوم في حياته.

- سمع وطاعة.. في المنشط والمكره:

بمجرد وصوله إلى مضافات المهاجرين في الدولة الإسلامية، وضع نفسه تحت تصرف إخوانه المجاهدين، كاشفا لهم عن غايته الكبرى من الهجرة بأن ينفذ عملية استشهادية في أعداء الله، مستعجلا القتل في سبيل الله.

فلما عرف إخوانه بعلمه وخبراته، طلبوا منه أن يتريث في أمر العملية الاستشهادية، وأن ينفع المسلمين بما منّ الله عليه من العلم، خاصة وأن دار الإسلام اليوم أحوج ما تكون للخبراء والعلماء من الموحّدين الذين يؤتمنون على دين الناس ودنياهم، وأموالهم ودمائهم وأعراضهم، فما كان منه -رحمه الله- إلا السمع والطاعة، راضيا بالعمل في أي ثغر يُندب إليه، وتنفيذ أي مهمة يُكلَّف بها، ما دامت في رضى الله سبحانه، وفي خدمة الإسلام والمسلمين.

فكان عمله -تقبله الله- في ديوان الركاز، حيث تحفظ أموال المسلمين مما أنعم الله عليهم من بركات الأرض وكنوزها، وتوجه لخدمة دين الإسلام وإقامته، وحيث العمل على أشده في تأمين احتياجات المسلمين من الوقود في ظل الحرب على الدولة الإسلامية.

بدأ أبو عمر الأردني عمله في القسم الإداري من الديوان، فبذل كل ما يستطيع من جهد في عمله، مرهقا نفسه في سبيل ضبط العمل، وتحسين الأداء فيه، ومع زيادة جهده واجتهاده، وزيادة ثقة إخوانه بدينه وخبراته، ترقى في المسؤولية حتى كُلِّف بالإدارة العامة لديوان الركاز، فلم تخدعه الألقاب، ولم تغرِہ المغانم، ولم تعنِ هذه المسؤوليات الجديدة بالنسبة إليه إلا مزيدا من التعب والجهد، والمراقبة لنفسه وعمله، فلا يعود إلى بيته إلا في أوقات متأخرة من الليل، جالبا معه جداوله وسجلاته، ليكمل عمله حتى يتعب فلا يبقى مناص من قليل راحة للبدن والذهن.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل تيليجرام:
@wmc11ar
...المزيد

سفينة النجاة في عصر الفتن من نعم الله على الموحّدين أنه يؤلف بين قلوبهم فيصبحون بنعمته إخوانا، ...

سفينة النجاة في عصر الفتن

من نعم الله على الموحّدين أنه يؤلف بين قلوبهم فيصبحون بنعمته إخوانا، مهما كانت العداوة بينهم مستحكمة قبل الإسلام، إذ منّ الله -سبحانه- على الأنصار في المدينة بذلك فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، وكذلك فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما عتب عليه الأنصار أن تألف قلوب الناس بعد فتح مكة بشيء من حطام الدنيا، فذكّرهم -عليه الصلاة والسلام- أن ما نالهم في الإسلام من الهداية بعد الضلال، والتآلف من بعد العداوة والقتال، هو خير وأثمن من الأموال التي يفرح بها الناس.

أما الكفار والمرتدون بكل أصنافهم وأطيافهم، فلا يزالون متعادين فيما بينهم، وإن جمعهم كلهم العداء للإسلام والمسلمين، وسبب ذلك أن كلاً منهم يعبد إلها يختلف عن آلهة الآخرين، ويتبع منهجا يعارض مناهج الآخرين، أو يتنافس معهم على المتاع ذاته، ولا يمنعهم مانع من أن يطغوا في الأرض، أو يبغي بعضهم على بعض، ولو لأتفه الأسباب.

وقد كان مما منّ الله به على أمة الإسلام في مهدها الأول، أن بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- والعرب أشتاتٌ متفرقون، قد طحنتهم حروب القبائل وثاراتها، وأهلكت فرسانهم ودهاتهم، وكذلك فعلت الحرب بفارس والروم، حتى أذن الله بسحق كل تلك العصبيات الجاهلية على أيدي الموحدين.

وإن هذا السبب من أسباب النصر -الذي يفتح الله به للمجاهدين في كل زمان، باختلاف أعدائهم فيما بينهم، وتنازعهم، وإنهاك بعضهم البعض، قبل أن تكون نهايتهم على أيدي المسلمين- لن ينقطع إلى أن تضع الحرب أوزارها بين أهل الإسلام وأهل الكفر، وذلك لأن أسباب هذا التنازع بينهم لن تنقطع أبدا، بتنافسهم على الدنيا، وتصارعهم في سبيل الهيمنة والملك والأمجاد القومية الجاهلية، وكذلك بتغلغل الرأسماليين وخاصة اليهود منهم في صفوفهم وإذكائهم لتلك النزاعات والصراعات خدمة لمصالحهم، ورغبة في الاستفادة من تلك الصراعات في الاغتناء عن طريق الربا والتجارة.

وخلال القرن الماضي فقط، أهلك الله عشرات الملايين منهم، في حروب مدمّرة قامت فيما بينهم، سواء منها ما كان بين قوميات متصارعة كما في الحربين الكبريين، أو حتى في الصراعات على الملك داخل القوميات، وهي التي تعرف بالحروب الأهلية، وقد أضعف الله أغلب أمم الشرك والكفر بعد تلك الحروب، ولكن لم يكن في أمة الإسلام من يستطيع جمع المسلمين خلفه ليقودهم إلى تحقيق التمكين للمسلمين، وقهر أمم الشرك، وإخضاعها لحكم الإسلام، بل وقع كثير من الناس ضحية تلك الصراعات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ وذلك لكونهم خلال الفترات الماضية كانوا إما خاضعين لطواغيت الحكم التابعين لأمم الشرك المتجبرة، أو خاضعين لطواغيت الأحزاب والقبائل والطرق الصوفية، الذين لم يكن أحد منهم يتصور يوما أن يصاول أمم الشرك وهو يعبدها من دون الله خوفا ورجاء.

إن أيامنا هذه تشي -بإذن الله- بمرحلة جديدة من التنازع الكبير، والصراعات المدمِّرة في صفوف أمم الشرك المختلفة، وبين القوميات الجاهلية المتنازعة، سببها الرئيس تنافسهم على الأموال والنفوذ، وإنهم في الوقت الذي يصوغون فيه فسطاط كفرهم المحارب لفسطاط الإيمان الذي تمثله الدولة الإسلامية، فإنهم يبنون التحالفات المتعددة المتعارضة داخل ذلك الفسطاط، وكلٌّ منهم يتربص بأخيه الدوائر، ليدفعه عن قطعة من الأرض، أو يزيحه عن مجال من مجالات النفوذ والهيمنة، أو يضعفه في جانب من جوانب الاقتصاد أو السياسة.

ومن نعم الله تعالى أن تحل هذه المرحلة، وللمسلمين جماعة يعتصمون بها عند الفتن، وإمام يتخذونه جُنّة من أمامهم، ويقاتلون به مِن ورائه، وولايات منتشرة في أصقاع الأرض المختلفة يمكنهم أن يأووا إلى جنودها، ويهاجروا إلى أرضها فيستقووا بها ويقووها، وجيش ذو راية نقية يمكنهم أن يقاتلوا في صفوفه لتكون كلمة الله هي العليا، فيقيهم الله بذلك من الضياع وسط دوامة الصراعات الواسعة، والانحراف باتجاه إهلاك النفوس والأموال في خدمة مشاريع ومصالح دول الشرك المختلفة.

وأما من أبى الاعتصام بحبل الله، وبقي على عبادة هواه، واتباعه طواغيته من علماء السوء المبدلين لشريعة الله، وقادة الأحزاب والتنظيمات الضالّين المضلّين، ورؤوس القبائل الجاهليين العابدين للمال والجاه، وغيرهم، فلن ينجو من عذاب الله بإضاعة دينه، فضلا عن إهلاك نفسه وأهله وماله، والله لا يهدي القوم الفاسقين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

للمزيد من الحقائق وكشف الشبهات.. تواصل تيليجرام:
@wmc11ar
...المزيد

سيذّكّر من يخشى ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * ...

سيذّكّر من يخشى

ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} [الأعلى: 9 - 12] فأخبرَ أن من يخشاه يتذكر، والتذكر هنا مستلزم لعبادته، قال اللّه تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر: 13]، وقال: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق: 8]؛ ولهذا قال المفسرون في قوله: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}: سيتعظ بالقرآن من يخشى اللّه، وفي قوله: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ}: إنما يتعظ من يرجع إلى الطاعة. وهذا لأن التذكُّر التام يستلزم التأثر بما تذكَّره، فإن تذكر محبوباً طلبه، وإن تذكر مرهوباً هرب منه، ومنه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، وقال سبحانه: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 11]، فنفى الإنذار عن هؤلاء مع قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، فأَثْبَت لهم الإنذار من وجه، ونفاه عنهم من وجه؛ فإن الإنذار هو الإعلام بالمخوف، فالإنذار مثل التعليم والتخويف، فمن عَلَّمْتَه فتعلَّم فقد تم تعليمه، وآخر يقول: علَّمته فلم يتعلم. وكذلك من خوَّفته فخاف، فهذا هو الذي تم تخويفه. وأما من خُوِّف فما خاف، فلم يتم تخويفه. وكذلك من هديته فاهتدى، تم هداه، ومنه قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، ومن هَدَيتَه فلم يهتدِ كما قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] فَلم يتم هداه، كما تقول: قطعته فانقطع، وقطعته فما انقطع.

فالمؤثر التام يستلزم أثره، فمتى لم يحصل أثره لم يكن تاماً، والفعل إذا صادف محلاً قابلاً تم، وإلا لم يتم. والعلم بالمحبوب يورث طلبه، والعلم بالمكروه يورث تركه؛ ولهذا يسمى هذا العلم: الداعي، ويقال: الداعي مع القدرة يستلزم وجود المقدور، وهو العلم بالمطلوب المستلزِم لإرادة المعلوم المراد، وهذا كله إنما يحصل مع صحة الفطرة وسلامتها، وأما مع فسادها، فقد يحس الإنسان باللذيذ فلا يجد له لذة بل يؤلمه، وكذلك يلتذ بالمؤلم لفساد الفطرة، والفساد يتناول القوة العلمية والقوة العملية جميعاً، كالممرور الذي يجد العسل مراً، فإنه فسد نفسُ إحساسه حتى كان يحس به على خلاف ما هو عليه للمُرة التي مازجته، وكذلك من فسد باطنه، قال تعالى {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 109 - 110]». انتهى كلامه -رحمه الله- من كتاب الإيمان بتصرف يسير.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

مقتطف من مقال: إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@WMC111ART
...المزيد

من لم يعمل بعلمه جاهل وفي الكلام المعروف عن الحسن البصري ويروى مرسلاً عن النبي، صلى الله عليه ...

من لم يعمل بعلمه جاهل

وفي الكلام المعروف عن الحسن البصري ويروى مرسلاً عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «العلم علمان: فعلم في القلب، وعلم على اللسان. فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة اللّه على عباده».

وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَثَل المؤمن الذي يقرأ القرآن مَثَل الأُتْرُجَّة، طعمها طَيِّب وريحها طيب. ومَثَل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مَثَل التمرة، طعمها طيب، ولا ريح لها. ومَثَل المنافق الذي يقرأ القرآن مَثَل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر. ومَثَل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مَثَل الحَنْظَلَة، طعمها مر، ولا ريح لها). وهذا المنافق الذي يقرأ القرآن يحفظه ويتصور معانيه، وقد يصدّق أنه كلام اللّه، وأن الرسول حق، ولا يكون مؤمنا، كما أن اليهود يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وليسوا بمؤمنين، وكذلك إبليس وفرعون وغيرهما. لكن من كان كذلك، لم يكن حصل له العلم التام والمعرفة التامة. فإن ذلك يستلزم العمل بموجبه لا محالة، ولهذا صار يُقال لمن لم يعمل بعلمه: إنه جاهل، كما تقدّم.

وكذلك لفظ [العقل] وإن كان هو في الأصل: مصدر عَقَل يَعْقِل عَقْلاً، وكثير من النظار جعله من جنس العلوم فلا بد أن يُعد علما يُعمل بموجبه، فلا يسمى عاقلاً إلا من عرف الخير فطلبه، والشرَّ فتركه؛ ولهذا قال أصحاب النار: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، وقال الله -تعالى- عن المنافقين: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14]، ومن فعل ما يعلم أنه يضره؛ فمثل هذا ليس له عقل، فكما أن الخوف من اللّه يستلزم العلم به، فالعلم به يستلزم خشيته، وخشيته تستلزم طاعته، فالخائف من اللّه ممتثل لأوامره مجتنب لنواهيه، وهذا هو الذي قصدنا بيانه أولا.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

مقتطف من مقال: إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@WMC111ART
...المزيد

إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية -رحمه الله- في ...

إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ

قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية -رحمه الله- في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]: «والمعنى: أنه لا يخشاه إلا عالم، فقد أخبر اللّه أن كل من خشي اللّه فهو عالم، كما قال في الآية الأخرى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، والخشية أبداً متضمنة للرجاء، ولولا ذلك لكانت قنوطاً، كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً، فأهل الخوف للّه والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم اللّه.


وقد روي عن أبي حيان التيمي أنه قال: العلماء ثلاثة: فعالم باللّه ليس عالماً بأمر اللّه، وعالم بأمر اللّه ليس عالماً باللّه، وعالم باللّه عالم بأمر اللّه. فالعالم باللّه هو الذي يخافه، والعالم بأمر اللّه هو الذي يعلم أمره ونهيه. وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (واللّه إني لأرجو أن أكون أخشاكم للّه، وأعلمكم بحدوده).

وإذا كان أهل الخشية هم العلماء الممدوحون في الكتاب والسنة، لم يكونوا مستحقين للذم، وذلك لا يكون إلا مع فعلهم الواجبات، ويدل عليه قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 13 - 14]، وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، فوَعَدَ بنصر الدنيا وثواب الآخرة لأهل الخوف، وذلك إنما يكون لأنهم أدوا الواجب، فدل على أن الخوف يستلزم فعل الواجب، ولهذا يقال للفاجر: لا يخاف اللّه. ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17].

- من علم بالله أطاعه:

قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد عن هذه الآية، فقالوا لي: كل من عصى اللّه فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب. وكذلك قال سائر المفسرين. قال مجاهد: كل عاصٍ فهو جاهل حين معصيته. وقال الحسن وقتادة وعطاء والسُّدِّي وغيرهم: إنما سُمُّوا جهالاً لمعاصيهم، لا أنهم غير مميِّزين. وقال الزجّاج: ليس معنى الآية: أنهم يجهلون أنه سوء، لأن المسلم لو أتى ما يجهله كان كمن لم يواقع سوءاً، وإنما يحتمل أمرين:

أحدهما: أنهم عملوه وهم يجهلون المكروه فيه.
والثاني: أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة، وآثروا العاجل على الآجل، فسُمُّوا جهالاً لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة، والعافية الدائمة. فقد جعل الزجّاج الجهل إما عدم العلم بعاقبة الفعل، وإما فساد الإرادة، وقد يقال: هما متلازمان، وهذا مبسوط في الكلام مع الجهمية.

والمقصود هنا أن كل عاص للّه فهو جاهل، وكل خائف منه فهو عالم مطيع للّه، وإنما يكون جاهلاً لنقص خوفه من اللّه، إذ لو تم خوفه من اللّه لم يعص. ومنه قول ابن مسعود، رضي اللّه عنه: كفى بخشية اللّه علماً، وكفى بالاغترار باللّه جهلاً، وذلك لأن تصور المخوف يوجب الهرب منه، وتصور المحبوب يوجب طلبه، فإذا لم يهرب من هذا، ولم يطلب هذا، دلَّ على أنه لم يتصوره تصوراً تاماً، ولكن قد يتصور الخبر عنه، وتصوُّر الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غيرُ تصور المُخبَر عنه، وكذلك إذا لم يكن المتصوَّر محبوباً له ولا مكروهاً، فإن الإنسان يصدِّق بما هو مخوف على غيره ومحبوب لغيره، ولا يورثه ذلك هرباً ولا طلباً. وكذلك إذا أُخبر بما هو محبوب له ومكروه، ولم يكذب المُخبِر بل عرف صدقه، لكن قلبه مشغول بأمور أخرى عن تصور ما أُخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

مقتطف من مقال: إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@WMC111ART
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (1) لن نبالغ بالقول إن تحدثنا أنَّ ...

إقامة الدولة الإسلامية
بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (1)

لن نبالغ بالقول إن تحدثنا أنَّ مئاتٍ من الحركات والأحزاب والفصائل قامت خلال القرن الماضي زاعمة العمل على إعادة الخلافة، وتطبيق الشريعة، وإقامة الدين في الأرض، ولكنها جميعا فشلت في تحقيق ذلك، رغم أن قليلا منها وصل إلى مرحلة التمكين الحقيقي أو الشكلي، بل منها من تمكن من إقامة بعض أحكام الشريعة، ولكن تلك الآمال كلّها لم تتحقق إلا في الدولة الإسلامية، والفضل لله من قبل ومن بعد.

ولو نظرنا إلى حال تلك الحركات لوجدنا أنها بغالبها صنعت لنفسها العقبات والعراقيل التي سدّت الطريق أمامها، أو دفعتها دفعاً إلى الانحراف عن الطريق الحقيقي والوحيد المُوصل للهدف السامي الذي كانوا يطمحون إليه، وذلك أنهم كلفوا أنفسهم بما لم يكلفهم به الله، وألزموا أنفسهم بما لم يُلزمهم به الله، سواء منهم من سلك طريق التشديد والغلو وافتراض ما لم يفرضه الله عليهم، أو من سلك طريق التفلّت من الأحكام الشرعية، وفي كلا الحالتين كان الابتعاد عن الصراط المستقيم، والمنهج القويم في إقامة الدين.

- حتميّات فاسدة:

ومن أبرز ما كلَّفوا به أنفسهم هو ما ابتدعوه من مناهج في العمل، وضعها لهم قادتهم ومنظروهم وعلماؤهم، أطلق بعضهم عليها أسماءً كالنظريات السياسية والمناهج الحركية أو ما شابه، ويقصدون بذلك ما افترضوه من مقدمات ضرورية للوصول إلى النتائج التي يرومون الوصول إليها من عملهم وحركتهم، حيث أن أفهامهم، وأهواءهم أوحت إليهم طرقاً في العمل ينبغي سلوكها للوصول إلى الهدف المنشود وهو إقامة دين الله في الأرض، ولم يكتفوا بوضع هذه النظريات، أو الفرضيات، بل جعلوها بمثابة الصراط المستقيم بالنسبة للعمل لإقامة دين الله، إذ لا يصح -في نظرهم- سلوك غيرها للوصول إلى الغاية، وبالتالي فقد سلكوا طريق الحتميّة، وكلّفوا أنفسهم ومن تبعهم ما لا يطيقون، مما لم يُفرض عليهم، فزادوا ضلالاً على ضلال، والله لا يهدي القوم الفاسقين.

وهذه الافتراضات قامت على أساس أن الطريق لإقامة الدين ينبغي أن يكون بالوصول إلى هدفٍ مرحلي ما، أو تجاوز عقبة رئيسة ما، وبدون تحقيق هذا أو ذاك لا يمكن -بحسب زعمهم- إقامة الدين، ولا الحديث عن دولة إسلامية، فضلاً عن إقامة خلافة على منهاج النبوة وإمامة عظمى لأمة واحدة.

والمشكلة الأكبر من وراء افتراضاتهم، هي أن الفرضيات -على العموم- لا يمكن إثبات صِحتها، أو بيان بطلانها، إلا بعد إخضاعها للتجربة، فإذا تطابقت النتيجة مع الفرضية، فقد بُرهنت، وعُدَّت نظرية صحيحة، ومع تكرار نجاح هذه النظرية في ظروف مختلفة فإنها تكتسب صفة المعادلة الثابتة، التي يمكن من خلالها توقع نتائج أي فعل، أو مستقبل أي حالة، إذا تطابقت عناصر الفعل وحالته، مع ما تتطلبه المعادلة، وهنا كانت مصيبة أولئك القوم، إذ إنهم عاملوا فرضياتهم على أنها نظرياتٌ مُبرهنٌ على صحتها، أو عاملوا نظريات الآخرين التي ظنوا صحتها في ظروفهم الخاصة على أنها معادلات ثابتة ينبغي العمل بها في كل حال، وزمان، ومكان.

- تجاربٌ أثمانُها الدماءُ:

وبما أن المجال الوحيد لتجربة الفرضيات، أو النظريات التي تخص البشر، أو قسماً منهم، وكل ما يتعلق بحياتهم، هو جعلهم أنفسَهم حقلاً للتجارب، بدفعها إلى تطبيق الفرضيات، وانتظار ظهور النتائج على الواقع، وتسجيلها، ثم الحكم من خلالها على صحة الفرضية، من خلال برهان الواقع، مما يعني تحمل تكلفة عالية للوصول إلى المبتغى، إضافة إلى الخسائر الكبيرة المتوقعة في حال كانت الفرضية خاطئة من الأساس، أو جرى تطبيقها بطريقة خاطئة، أو لمجرد دخول متغير أو عامل مؤثر -غير معتبر سلفا- في التجربة عليها، مع صعوبة أو استحالة إخراجه منها، بسبب تشابك واختلاط العوامل المؤثرة في الطبيعة، بخلاف تجارب المختبرات (كالتي تتعلق بعلمي الفيزياء والكيمياء التقليديين)، التي يمكن فيها عزل التجربة بدرجة كبيرة عن الوسط المحيط، وبالتالي الحصول على نتائج أكثر قرباً من الحقيقة.

فقد حمل المنظرون وقادة الحركات فرضياتهم، وأسقطوها على الأرض فوراً، محملين أتباعهم (وأنفسهم أحيانا) تكاليف تطبيق التجربة، وكلٌ منهم يجرّب فرضياته في من تبعه من الناس، حتى امتلأت الأرض بالتجارب الحركية التي قامت على أساس تلك الفرضيات، وبالتالي شهد القرن الماضي عددا من التجارب الرئيسة، التي تفرَّع عن كل منها عدّة تجارب، وبالمحصِّلة صرنا نجد العشرات من التجارب التي تطبق في آن واحد على المساحة الكبيرة التي ينتشر فيها المسلمون في العالم، بل تجد في البلد الواحد عدة تجارب، يتصارع أصحابها فيما بينهم أكثر مما يتصارعون مع الأنظمة الطاغوتية التي خرجوا في الأساس لمواجهتها.
- عُبّاد النظريات:

لقد كانت نتيجة تلك التجارب كارثية بحق، فقد قُتل، وسُجن، وشُرِّد، الملايين من الناس على أيدي الأنظمة الطاغوتية، دون تحقيق نتيجة تذكر، وكان وراء ذلك في الغالب -بالإضافة إلى الضلال في العقيدة والمنهج- فرضيات خاطئة، حاول أصحابها تجربتها على الواقع، وقد أقنعوا أتباعهم سلفاً بأنها صحيحة، وأن نتائجها الإيجابية مضمونة، بل تعدت نتائج تلك الفرضيات الخسائر الكبيرة المادية والبشرية، لتصيب الدين ذاته، بما جرى إدخاله عليه من البدع والمنكرات باسم الوسائل الضرورية لإحداث التغيير المنشود، ووصل الأمر ببعضهم إلى سلوك طريق الشرك بالله، وهو يزعم أن هذا الطريق يؤدي بالأمة إلى التوحيد الخالص، فلا هم ديناً أقاموا، ولا هم دنياً أبقوا.

ولو تتبعنا الساحة اليوم لوجدنا أنها ما زالت تعج بتلك الفرضيات الفاسدة التي جعلها كثير من الناس إلهاً يُعبد من دون الله، فتتحزب حولها الحركات، ويتعصب لها الأفراد، ويُعقد عليها الولاء والبراء، رغم ما أثبتته من فشل، وما أحلّته بالأمة من كوارث، وفوق ذلك كله وضوح مخالفتها لأصل دين الإسلام، وأحكامه.

- أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ:

قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك: 22]:
«يقول تعالى ذكره: {أَفَمَنْ يَمْشِي} أيها الناس {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله {أَهْدَى}: أشدّ استقامة على الطريق، وأهدى له، {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} مشي بني آدم على قدميه {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يقول: على طريق لا اعوجاج فيه» [تفسير الطبري].

إذ لا يُتصور بحالٍ أن من يمشي وهو لا يرى الطريق أمامه أهدى من الذي يسير مستقيما على طريق لا عوج فيه ولا عقبات، فالأول مخوف عليه دائما أن يضل الطريق، أما الآخر فقد منّ الله عليه بقدرته على إبصار ما حوله وكذلك هو يسير على صراط مستقيم لا يؤدي به إلا إلى الهدى.

وهكذا الفرق بين مجاهدي الدولة الإسلامية وغيرهم من مرتدي الفصائل والتنظيمات وضُلَّالهم، فأهل الحق لا يسيرون خطوة إلى الأمام إلا بعد أن يعلموا الحكم الشرعي لهذه الخطوة، فلا يسيرونها إلا إن تأكدوا أنها مشروعة لن تخرجهم عن الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى الجنة، فضلا عن كونه سيوصلهم إلى غايتهم في إقامة الدين.

أما أهل الضلال فإنهم قد انكبوا بوجوههم على السبل التي خطها لهم قادتهم لا يرون غيرها، ولا يرون ما فيها من عِوج، ولا ما يعترضها من عقبات، لذلك لا يلبثون أن يصطدموا بعقبة كؤود أو ينحرفوا انحرافا يبعدهم عن الصراط المستقيم.
وسنقدّم -بإذن الله- في حلقات قادمة نماذج لسبل أهل الضلالة في سعيهم المزعوم لإقامة الدين، وتحكيم الشريعة، وإعادة الخلافة، ليظهر الفارق بينها وبين منهاج النبوة الذي سارت عليه -بفضل الله- الدولة الإسلامية حتى مكنها الله في الأرض، والحمد لله رب العالمين.


 المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ
...المزيد

أحبب من شئت فإنك مفارقه ثم إن هذه الدنيا دار سفر وفراق، وما القرار إلا في دار القرار، فوطِّني ...

أحبب من شئت فإنك مفارقه

ثم إن هذه الدنيا دار سفر وفراق، وما القرار إلا في دار القرار، فوطِّني قلبك على أنه ما من حبيب إلا وسيفارقنا أو نفارقه، تلك سنة قد خلت في الأولين والآخرين، وقد جاء جبريل -عليه السلام- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به» [رواه الحاكم في المستدرك].

والفراق قد يكون بالموت، وقد يكون بسواه، من انتقال ونحوه، والهجرة في سبيل الله نوع من أنواع المفارقة للأحبة في سبيل الله، إذ يفارق المهاجر في سبيل الله أهله وعشيرته وأحبابه، طلبا لرضا العزيز الحكيم الذي أمر عباده بالتحول عن الدار إن علاها الكفر، إلى دار الإسلام التي تعلوها شريعة الرحمن، وهذه المفارقة في الله جعلها -جل جلاله- من أعلى مراتب الإيمان، وعلامة من علاماته، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].

وإن توطين النفس على مفارقة الأحبة والأقارب يزداد أهمية عند المجاهد في سبيل الله وعند أهله، إذ إن ضرورات الجهاد ومصلحة المسلمين تدفع ولاة الأمور إلى نقل الجنود من مكان لآخر لسد الثغور والقيام على شؤون البلاد ومصالح العباد، وما على المجاهد إلا أن يسمع ويطيع، ويصبر ويحتسب، هو وأهله، فلا يصدنَّ أحداً منهم عن الانتقال اعتيادٌ على مكان، أو ارتباطٌ بأحباب وخلان، بل ليتقرب العبد إلى الله بتقديم أمره بطاعة ولاة الأمر على ما سوى ذلك من المنافع والمحبوبات. والحمد لله رب العالمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

مقتطف من مقال: أحبب من شئت.. فإنك مفارقه

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@WMC111ART
...المزيد

أحبب من شئت.. فإنك مفارقه من الجميل أن يكون لأحدنا أحبة، يطيب العيش بأنسهم، وتحلو المجالس ...

أحبب من شئت.. فإنك مفارقه

من الجميل أن يكون لأحدنا أحبة، يطيب العيش بأنسهم، وتحلو المجالس برفقتهم، يهوّنون علينا مصائب الدنيا، ويذكروننا بالآخرة، ولا بد لهذه المَحَبة بيننا وبينهم أن تكون لله وفي الله تعالى، عسى أن نكون بذلك من السبعة الذين يظلهم رب العرش بظله، يوم لا ظل إلا ظله، وقد ذكرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المتفق عليه وعدّ منهم: (ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه)، ورجلان في الحديث لا تعني أن الأمر مقتصر على جنس الرجال، فالخطاب في لغة العرب يأتي أصالة للرجال وتدخل فيه النساء تبعا، ما لم يدل دليل أو قرينة على التخصيص.


- الحب في الله عبادة:

وكما أن المحبة في الله عمل صالح، بل إنها من أوثق عرى الإيمان، فكذلك من المحبة ما هو مضاد للإيمان، ونقصد بها المحبة التي تُفضي إلى معصية أمر الله تعالى، كمحبة من أمر الله ببغضهم والتبرؤ منهم، كالكفار والمشركين، وأهل الفسق والنفاق، كلٌّ بقدر معصيته لله تعالى، أو المحبة التي تمنع العبد من طاعة الله، أو تدفعه إلى معصيته، لتقديمه محبة البشر على محبة الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، فاستحق بذلك الوعيد من الله -سبحانه- كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

فالمسلمة تتعبد الله -سبحانه- بمحبة المسلمين عموما، وموالاتهم ونصرتهم، وكذلك بمحبة الصالحين من أهلها، والصالحات من قريباتها وصويحباتها، ولأن هذه المحبة لا تخرج عن كونها عبادة لله سبحانه، فإنه لا يصح بأي حال أن تتحول إلى معصية لله، باستمرار حصولها لمن ارتد عن دينه من الأهل والقرابة والزوج والولد، أو أن تقف تلك المحبة حائلا دون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والهجر، في حق من عصى من الأحبة خوف إغضابهم.

- أحبب حبيبك هوناً ما:

ولا يُقبل أن تكون المحبة سببا في إلحاق الضرر بالآخرين عن طريق الإثقال عليهم، وإشغال أوقاتهم، والتطفل على حيواتهم وخصوصياتهم بدعوى المحبة والسؤال عن الأخبار.

ففي كثير من الأحايين، نرى مبالغة من بعض النساء في تعلقهن ببعضهن البعض، بل قد تتعلق إحداهن بأخت لها في الله تعلقا مذموما غير محمود، وقد غاب عن هؤلاء أن المسلم يجب أن يكون وسطا في جميع شأنه، فقد جاء في جملة من الأحاديث والآثار ما يضبط ميزان المحبة بين المسلمين وينأى بالمسلم والمسلمة عن الإفراط أو التفريط؛ عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -أراه رفعه- قال: (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما) [رواه الترمذي].
أي أحبب حبيبك من أهل الإسلام حبا مقتصدا لا إفراط فيه، وأبغض بغيضك من أهل الإسلام أيضا بغضا مقتصدا لا إفراط فيه، ومردّ هذه النصيحة أنه ما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه، والقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيفما شاء. وكما قيل:

ما سُمِّي القلب إلا من تقلبه
فاحذر على القلب من قلب وتحويل

وقد يفرط المرء في حب خليله ويحصل بينهما يوما ما يكون مدعاة للبغض والقطيعة، فيندم حينها على تلك المحبة المفرطة التي أكنها له، وكذلك قد يفرط في بغض شخص ما، ويحصل بينهما يوما ما يكون مدعاة للود والمحبة، فيندم على ما حمله له سابقا من مشاعر كره وبغض.

قال الحسن البصري، رحمه الله: «أحبوا هونا، وأبغضوا هونا، فقد أفرط أقوام في حب أقوام، فهلكوا، وأفرط أقوام في بغض أقوام فهلكوا» [شرح السنة للبغوي].

- لا يكن حبُّكِ كَلَفا:

وعن زيد بن أسلم، عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: «لا يكن حبك كَلَفا، ولا بغضك تلفا، فقلت: كيف ذاك؟ قال: إذا أحببت كَلِفت كَلَف الصبي، وإذا أبغضت أحببت لصاحبك التلف» [رواه البخاري في الأدب المفرد].

والكَلَف بفتح الكاف يعني مجاوزة حد المحبة، كأن تجد إحدى المسلمات وقد بالغت في ذلك، فتراها وقد ضيّقت على صديقتها بكثرة التلاقي والاتصال، والحديث والسؤال، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن صويحبتها تلك لها حياتها الخاصة والتزاماتها، فإن هي مثلا اعتذرت يوما عن الحديث معها لشاغل شغلها، أو عن زيارتها لها لظرف أو مانع، استاءت وتبرمت، وربما عدَّت ذلك خدشا في أنفتها، وقدحا في عزة نفسها وهي التي أحبتها في الله واختارتها صديقة دون الكثير من النساء، والله المستعان.

ورحم الله الفضيل بن عياض رحمة واسعة إذ يقول: «المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب الزلات».


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل تيليجرام:
@WMC111ART
...المزيد

دونكم أهل الإلحاد يا جند التوحيد ابتلى الله -تعالى- جنود الخلافة بأنواع شتى من المشركين ...

دونكم أهل الإلحاد يا جند التوحيد

ابتلى الله -تعالى- جنود الخلافة بأنواع شتى من المشركين والمرتدين الذين اتحدوا لقتالهم على اختلاف في قلوبهم وتضارب في مصالحهم وأهدافهم، وقد جمعهم بغض التوحيد وأهله، وسنة الله في الذين كفروا أنهم يوالي بعضهم بعضا، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

وإنا لنراهم اليوم يتقاسمون جبهات القتال ضد الدولة الإسلامية، وكلهم يحاول أن يثبت لشركائه أنه الأقدر على قتال الموحدين، والأصدق في رغبته بإزالة حكم الله من الأرض، بل ويسعى كل قسم من المرتدين جاهدا أن يثبت لأسياده الصليبيين أنه الأشد كفرا ونفاقا من بين أنداده، هادفا من ذلك إلى نيل رضاهم، والفوز بدعمهم واعترافهم.

ولو دققنا جيدا في أعداء الدولة الإسلامية اليوم فإننا لن نجد من بينهم من هو أشد كفرا، ولا أكثر إظهارا للردّة، ولا إعلانا لعدائهم للدين من حزب العمال الكردستاني المرتد(PKK) ، الذي يجاهر بالإلحاد، وينادي بالزندقة، ويباهي بالإباحية، عليهم وعلى أنصارهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

إن هذا الحزب المرتد قد قام منذ تأسيسه على عقيدة شيوعية ماركسية، أساسها الكفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، وإنكار الرسالات والبعث والنشور، ورفع راية العلمانية المحاربة للدين، والسعي إلى استباحة أموال الناس وأعراضهم بل ودمائهم باسم الاشتراكية والمشاعية، وزادوا على هذا الكفر برفعهم لشعارات التعصب المقيت للقومية الكرديّة، فجعلوا عمدة الولاء والبراء في دينهم لمن شاركهم في العرق واللغة، وقاسمهم المعتقد والأفكار، رغم تناقض هذا التعصب القومي مع ما يزعمون من أمميّة فكرتهم، وعالمية غايتهم، أسوة بباقي الحركات الماركسية التي راج سوقها أيام الاتحاد السوفيتي البائد.

ثم ازدادوا كفرا بمناداتهم بالديموقراطية، مع الاحتفاظ بدينهم الأصلي وهو الشيوعية، في تناقض واضح بين الظاهر والباطن، أساسه المنهج الباطني في العمل الذي رسّخه العديد من قادتهم النصيريين الذين مردوا على النفاق والباطنية كما هو أصل دينهم.

وما زال طاغوتهم الأكبر، وإلههم المعبود من دون الله (عدو الله أوجلان) يسطِّر في كتبه -التي يفضلونها على القرآن، ويضربون بها صحاح السنن والآثار- الكفر والإلحاد، نافيا وجود الله تعالى، ومنكرا رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وطاعنا في الكتب المنزلة كلها بزعمه أنها من تأليفات البشر، مفضلا عليها زبالة أفكار البشر، من فلسفات وضعية، وأساطير جاهلية، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا.

لقد بدأت الدولة الإسلامية قتالها لهذا الحزب المرتد منذ إعلان وجوده في الشام، عقابا لهم على كفرهم وإلحادهم، ونكّل جنودها في عناصرهم المرتدين أينما وجدوهم، من اليعربية شرقا وحتى عين العرب غربا، وكادوا أن يقضوا عليهم، بفضل الله وحده، وينهوا وجودهم في كل مناطق الشام تقريبا لولا تدخل التحالف الصليبي الذي هب لنصرتهم، سعيا منه في إطالة عمر دعوتهم لبعض الوقت، وما زالت الحرب بيننا وبينهم سجالا إلى أن يفتح الله بيننا وبينهم وهو خير الفاتحين.

وإننا -بإذن الله- لن نوقف غاراتنا على حزب العمال الكردستاني المرتد وجنوده ما بقي منا أو منهم رجل واحد، وسنستمر في استهدافهم وقتلهم -بعون الله- أينما ثقفناهم في الشام والعراق وتركيا، وفي كل مكان، إلا أن يتوبوا إلى الله من ردتهم، ويعودوا إلى الإسلام قبل القدرة عليهم، وسيتابع جنود الخلافة في كل مكان ضربهم في عقر دورهم، لينغصوا عليهم عيشهم، ويبعثروا أحلامهم وأوهامهم، ويخربوا خططهم ومشاريعهم، ويقلبوا أفراحهم أتراحا، بحول الله وقوته.

فيا جنود الدولة الإسلامية، ها قد جاءكم ملاحدة الـ PKK، أعظم الناس كفرا برب العالمين، قادهم الله -سبحانه- إلى حتوفهم، فاعزموا النية أن لا يخرج منهم أحد من أرض المعركة سالما، واتبعوهم إلى عقر دورهم، في مدنهم وقراهم، بالكواتم والعبوات، والأحزمة والمفخخات، وليروا بأسكم، ولعذاب الآخرة لهم أشد وأبقى.

فالله الله في أعداء الله، لا تُرفعن لهم راية، ولا تكونن لهم الدولة، ولا يغلبن شركهم وإلحادهم توحيدكم وإيمانكم، وتقربوا إلى الله بدمائهم، وبثباتكم في قتالهم، وأسألوه النصر عليهم، إنه عزيز ذو انتقام، والحمد لله رب العالمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً