أيُّها المُجاهد جدّد النيَّة وأخلِص الطويَّة [1/2] إن الجهاد في سبيل الله هو أحب الأعمال إليه ...

أيُّها المُجاهد
جدّد النيَّة وأخلِص الطويَّة
[1/2]

إن الجهاد في سبيل الله هو أحب الأعمال إليه سبحانه، وهو ذروة سنام الدين، وقد بشّر ذو الجلال والإكرام عباده المجاهدين في سبيله بأن لهم أعلى الدرجات.

وكذلك فإن الجهاد هو من أخطر ما يعمله المؤمن في حياته من الأعمال، نظرا لأنه يخاطر بحياته لإرضاء ربّه ذي الجلال والإكرام، ومن فقد حياته لم يعد لديه الفرصة ليصلح ما فسد، أو يجدّد ما بلي.

ولهذا وذاك كان من الواجب على المجاهد أن يحرص على ثمرة جهاده، فلا تضيع هباء، أو يجد ما ظنه مجلبة للثواب وقد تحول إلى أوزار يحملها يوم القيامة. ومن أهم الأسس التي تنبني عليها الأعمال كلها، وتتحقق بها الأجور، ويزيد الله فيها الحسنات، باب النية.

فإخلاص النية، بأن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى، هو أحد شرطي قبول العمل عند الله، إذ لا يقبل الله عملا قُصد به غيره، فضلا أن يكون العمل مغضبا له سبحانه.

ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) وفي رواية أن الرجل سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ما القتال في سبيل الله، فإن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حمية؟ فقال له، صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل).

واعلم أخي في الله، أن آثار إخلاص النية في الجهاد في سبيل الله أكثر من أن تحصى، وثمراته أعظم من أن تحصر، وأبرزها:

خامسا: سبب للنصر والتمكين

عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها؛ بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) [رواه النسائي بسند صحيح].

قال المنذري: «ومعناه أن عبادة الضعفاء ودعاءهم أشد إخلاصا لخلاء قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا، وجعلوا همهم واحدا، فأجيب دعاؤهم وزكت أعمالهم» [عون المعبود].

فيا من تتربصون النصر على الحلف الصليبي القائم اليوم لقتال الدولة الإسلامية، عليكم بالإخلاص، عليكم بالإخلاص، ففيه الخلاص بإذن الله تعالى.
سادسا: نزول الفرج والنجاة من الكرب والعون في الشدة وقد تعجب لو علمتَ أن الله تعالى يفرج عن المشرك بالإخلاص لو أخلص لله قليلا، مع أنه مشرك! فما ظنك بالمؤمن! قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [سورة لقمان: 32].

فعلى المقاتلين في سبيل الله في جبهات القتال، والمرابطين في الثغور، وجنود الخلافة جميعا، إخلاص النية وتخليصها، ففيه الفرج القريب إن شاء الله.

سابعا: الشعور بالاطمئنان وسكينة الإيمان

قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [سورة الفتح: 18]، قال الطبري في تفسيره: «وقوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} يقول تعالى ذكره: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك. يقول: فأنزل الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له».

وقال ابن النحّاس في تفسيره: «{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإخلاص»، وهذه الآية دليل على أن الله تعالى يثيب المخلص في الجهاد بالنصر والعون على الطاعة وتقوية الإيمان وغير ذلك من الثواب في الدنيا، فضلا عن ثواب الآخرة.

ومن هذا كله يتبين أهمية أن يجدد المجاهد نيته في كل وقت، ويحرص على إخلاص عمله لله سبحانه، فإذا ما وجد في نفسه غير ذلك بادر إلى التوبة والتصحيح، والله غفور رحيم.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 39
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

أعداء عملاء وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام ...

أعداء عملاء

وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، فـ "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زينها وغلفها لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

مقتبس من إفتتاحية صحيفة النبأ العدد 479
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].
...المزيد

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف ...

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ


كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف فيها الحسنات، ويبارك الله تعالى فيها للمتعبدين والمتعبدات، وعلى قدر أهل التنفّل والتبتّل تأتي الأجور وتُرفع المنازل، ولعله من أكثر المواسم بركة للمسلم، وأعظمها خيرا العشر الأواخر من رمضان، ولقد اختلف أهل العلم في أفضل أيام السنة، فمن قائل أنها العشر الأواخر من رمضان، ومن قائل بأنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له تفصيل نفيس في المسألة حيث سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟،
فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة» [مجموع الفتاوى].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر» [رواه البخاري ومسلم].

وفي حديث آخر: قالت عائشة، رضي الله عنها: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم].

والعشر الأواخر من رمضان فيها ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، قال النووي: «قال العلماء: وإنّما سُمِّيت بذلك لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان: 4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 4-5] ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقيل: سُمِّيت بها لعظم قدرها وشرف أمرها، وأجمع من يُعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة».
عن أبي سلمة، قال: «تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- وكان لي صديقا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة فقلت له: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الوسطى من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إني أُريت ليلة القدر، وإني نسيتها أو أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر، وإني أُريت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليرجع)» [متفق عليه].

و (من كل وتر) أي: الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين. وقد قال بعض أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: (وإني نسيتها أو أنسيتها) محمول على كونه لو تذكرها وأخبر الناس عنها، فلربما قل اجتهادهم في العشر واقتصروا على إحياء تلك الليلة المعلومة بعينها، ولذلك أخفاها الله تعالى عن عباده كما أخفى ساعة الإجابة من يوم الجمعة وغيرها، والمأمور بقيامها هي جميع تلك الليالي العشر الفاضلة مع الاجتهاد في طلب ليلة القدر والعمل على إدراكها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]. والتحري أي الاجتهاد في الطلب، والحث على التقرب إلى الله في تلك العشر بالقيام والقرآن والدعاء.

وإن مما يستغرب منه المرء أن نجد كثيرا من النساء اليوم يفرطن في هذا الأجر العظيم، ويضيعن الأوقات الثمينة في هذا الموسم المبارك.
وأبرز مظاهر تضييع الأوقات في هذه الليالي المباركة الانشغال بالتحضيرات لاستقبال عيد الفطر، حيث تنصرف همم بعضهن إلى شراء الملابس وإعداد الأطعمة والحلويات والتحضير للزيارات والمعايدات.

وهذه الأمور وإن كانت مباحة، ولكن الانشغال بالمباحات عن المندوب إليها من العبادات تضييع لخير عظيم.

فنرى من تدمن على التجول في الأسواق في الليالي العشر الأواخر، لتشتري لنفسها أو لأطفالها الثياب، وما يحتاجه بيتها في العيد، فتقضي كل ليلة في السوق الساعات الطوال، ثم تعود في الليلة التالية لتبحث عن غرض آخر، أو قطعة أخرى من اللباس.

وهكذا تنقضي الليالي ليلة بعد ليلة فلا تشعر المسلمة إلا وقد انقضى رمضان، فتقعد متحسّرة على ما فاتها من ثواب القيام وتلاوة القرآن، هذا بالإضافة إلى ما نالته من إثم بكثرة نزولها للسوق لغير حاجة، وعدم طاعتها الأمر الشرعي بالقرار في البيت، وتعريض نفسها وغيرها للفتن والمعاصي.
فكيف يخفى على المسلمة دعاء جبريل -عليه السلام- وتأمين النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه: (أرغم الله أنف عبد -أو بَعُدَ- دخل رمضان فلم يغفر له) [رواه ابن خزيمة وابن حبّان]؟ بل كيف لا نجزع لمثل هذا فنشمّر ونشدّ الهمة علنا نرقع ما خرق صومنا الذي مضى في هذا الشهر الفضيل، ونلحق بركب العتقاء من النار.(فـ) هل قائم لله في ليله * يسأله العتق من النار
والمسلمة الحكيمة لا تضيِّع مثل هذه الأوقات المباركة فيما يضرها ولا ينفعها، بين تفريط وتقصير، إنه شهر القرآن يا أمة الله، والله تعالى يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، فوجب الاستكثار من كلام الله تعالى تلاوة وتدبرا، وها هم سلفنا الصالح -رحمهم الله- كانوا إذا دخل شهر رمضان تركوا الدروس وتفرّغوا للقرآن.

وإن كان قد فات المسلمة ما فاتها من هذا الشهر، فلا تقنط ولا تيأس ولتشمر الآن عن ساعد الجد في هذه الليالي المباركة، ولتتحرَّ ليلة القدر علَّ الله تعالى يبلغها إياها.

وعن عائشة قالت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

ونذكّر المسلمات بإخوان لهن على ثغور العز يرابطون، فالله الله في الدعاء لهم بالنصر والتمكين والثبات، والله الله في تحري مواطن إجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند الإفطار، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - العشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/2]


- مع الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا:

وعندما يسّر الله لأبي سهل الهجرة، ودخل أول بيت أقلَّه في الشام، خرّ لله ساجدا شاكرا، ثم شرع في نصرة دين الله، وبدأ بأحب عمل إلى قلبه، ألا وهو الدعوة إلى التوحيد والجهاد، فبعد أيام قلائل من هجرته، خطب خطبة الجمعة على أحد منابر ريف حلب الشمالي، فما أنهى خطبته حتى أبكى الحاضرين، وحرضهم على اللحاق بالمجاهدين، فنفع الله به من أول مسيره في الجهاد، وأقبل عليه كثير من الناس، ثم نشط بعدها في ريف حلب وأقام عدة دروس ودورات وندوات.

ثم يسر الله له أن يعمل في مجال تخصصه (التمريض)، أميراً على مجموعة طبية في أشد جبهات ولاية حلب في ذلك الحين حربا وقتالا، المعروفة باسم (دويرينة والسكك)، فكان مطبباً للقلوب والأبدان، يدعو المجاهدين ويعلمهم ويحرضهم ويفتيهم، ويطبب أبدانهم ويسعف مصابهم، ويرابط معهم في الثغور... كل ذلك في همة ونشاط وعزيمة وحركة دائمة، وبشاشة لائحة على وجهه لا تفارقه حتى في أشد الاوقات، مع مزاح قليل، لتطبيب قلب العليل.

برزت شخصية الشيخ أبي سهل الأردني بين إخوانه المجاهدين، بما حباه الله من ذكاء وفطنة وحسن تدبير وتواضع، فتدرج في التكاليف الملقاة على عاتقه، فعمل شوطاً في ولاية حلب كداعية وواعظ وخطيب، ثم مسؤول نقطة طبية في الثغر، ثم مسؤولاً عن مضافة كبيرة للجرحى، ثم عمل أميراً لمنطقة الراعي في ولاية حلب، بعد تطهيرها من الصحوات، جاء هذا بعد قطع شوط كبير من الجهاد والقتال في ولاية دمشق، ثم كُلِّف أميراً على منطقة أكبر في ولاية حلب، فطلب الإعفاء، خوفاً من ثقل المسؤولية، لكنّ أمراءه رفضوا ذلك، لحسن سيرته ومحبة المجاهدين له، وكُلِّف بعد ذلك، نائباً لوالي البركة، فكان نعم الأمير، ونعم الناصح المشير.

- ومن يتّق الله يجعل له مخرجا:

لم تكن الإمارة كبيرة على أبي سهل رغم صغر سنه، ولم يكن كبيرا عليها لتواضعه، وحسن خلقه، وكان أكثر ما تولّاه من جوانب الإمارة في الولاية متابعة المظالم، والحرص على إزالة الظلم عن كل مسلم، ورغم انشغاله بأعباء العمل الثقيلة لم يترك وظيفته الأساسية في الدعوة إلى الله، فلا يترك اجتماعا مع الأمراء أو الجنود إلا ويذكرهم بالله، ويلقي فيهم كلمة يحضهم فيها على التقوى والثبات على التوحيد، واستمر في الخطبة في المساجد والصلاة بالناس لينفعهم بما لديه من علم، ويؤنسهم بصوته الجميل العذب.

وكان آخر ما تحمّله من مسؤوليات تكليفه إدارة القاطع الشرقي لولاية البركة الممتد بين بلدتي الهول وتل حميس، الذي كان فيه في ذلك الوقت أهم جبهات القتال ضد التحالف الصليبي وملاحدة الأكراد، فعمل على إعادة تنظيم الصفوف بعد انحياز المجاهدين من منطقة تل حميس، والإشراف على التجهيز للعمليات العسكرية ضد المرتدين.

وفي الوقت الذي نشطت فيها سرايا الانغماسيين في تبييت ثكنات المرتدين بالإغارات الليلية وإثارة الرعب في صفوفهم، لم يكن لأبي سهل أن يتخلف عن إخوانه في ذلك، فأصرّ على المشاركة في الانغماس خلف خطوط العدو، والانغماس في ثكناتهم فكان له ما أراد.

وبعد أن تقدمت السرية التي كان ضمنها خلف خطوط دفاع المرتدين لمسافة طويلة سيرا على الأقدام، بدأت عملية التسلل إلى إحدى ثكناتهم، حيث اشتبك المجاهدون مع أحد كمائن الملاحدة التي نشروها خلف خطوطهم لتصيد الانغماسيين، فقتل المجاهدون الكثير من عناصر الكمين، وانسحبوا من المكان قبل أن تصل المؤازرات، فلمّا تفقد العائدون بعضهم بعضا افتقدوا أميرهم أبا سهل، ليتبين لهم بشهادة أحد الجرحى أنه قتل أثناء الالتحام مع الملاحدة باشتباك قريب، فتقبله الله مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

وبعد مقتله -تقبله الله- وصلت رسالة قديمة بخط يده إلى أحد إخوانه ممن رافقه في طريق الدعوة في الأردن، وفي طريق الهجرة إلى الدولة الإسلامية، يشكو إليه فيها ما حُمِّل من تكاليف الإمارة، وكان مما جاء فيها: «وإنّي ابتليت بأمر جلل، وأسأل الله أن يعينني، وأن يجعل لي مخرجا، وبإذن الله سأزورك في أقرب فرصة، وإن لم يقدّر الله اللقاء في الدنيا، فأسأل الله أن نلتقي في مقعد صدق عند مليك مقتدر».

- غزوة أبي سهل الأردني:

وتقديرا من إخوانه له، وإكراما لسيرته، فقد أطلقوا اسمه على واحدة من أكبر غزوات جيش الخلافة، وهي عملية اقتحام مدينة البركة العام الفائت، التي سُمِّيَت (غزوة الشيخ أبي سهل الأردني تقبله الله)، وقدّر الله أن يلحق فيها الكثير من إخوان أبي سهل به في تلك الغزوة المباركة.

نسأل الله أن يتقبل أخانا، وأن يلحقنا به، وأن يهيأ لنا من شباب الأردن الموحّدين من يتابعون السير على خطاه في الدعوة إلى التوحيد وجهاد الطواغيت وأذنابهم، إنه على ذلك قدير.

المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/1]

المدينة التي خرج منها الطيار الأردني المرتد معاذ الكساسبة، لقصف وحرب الدولة الإسلامية، خرج منها أبو سهل الأردني قبله بسنوات، نصرةً للدولة الإسلامية وحرباً على أعدائها، وإعداداً وتهيئةً لفتح الأردن والمضي إلى بيت المقدس، بإذن الله.
ولد الفارس الداعية السهل مع إخوانه، العسر على أعدائه، المحب لله (وهو اسم أبي سهل الحقيقي) في مدينة الكَرَك الأردنية عام 1411 هـ، في بيت أدب وخلق والتزام وحشمة، ونشأ -رحمه الله- في ظل هذا البيت نشأة حسنة صالحة.

كان ذكياً متفوقاً في دراسته، فتيسّر له أن درس التمريض في (جامعة مؤتة) في الكرك، وتخرّج في الكلية بتقدير جيد، وكان في ظل دراسته الثانوية والإعدادية يتعلم في البيت الصالح على يد أبيه وأصدقائه العلم الشرعي، ويكثر من سماع الأشرطة الدعوية.

وكانت عنده رغبة جامحة للدعوة إلى الله، حتى صار إماما وخطيبا، وداعيا شفوقا في قومه، وكان جلّ دعوته آنذاك في الترغيب بالجنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، والترهيب من النار والمعاصي وسوء الخلق.

كان محبوبا عند الخاصة والعامة، والقريب والغريب، حسن الخلق، رقيق القلب، سليم الصدر، سهل الشكيمة، صاحب حياء وأدب، محبا لإخوانه وخلوقا مع خلّانه، مشفقا على الفقير والمسكين والضعيف، معينا لأقاربه وأصحابه على نوائب الدهر، وذاع صيته بين الناس على ذلك.

- من ظلمات الجهميّة إلى ضياء التوحيد:

شاء الله أن تكون حياة أبي سهل الجامعية هي محطة تحوّل شخصيته، حيث وقع في فخاخ بعض مرجئة العصر وجهمية الزمان، بعد أن أحسن الظن بهم في أول الأمر لشدة تعلّقه بالسنة والأثر وحرصه على طلب العلم الشرعي، فصاحب بعضا من طلاب الجهمي الخبيث (مشهور حسن)، وشيخ الطاغوت ورأس الجهمية في الشام (علي بن حسن الحلبي)، أخزاه الله وأهلكه.

حتى قدّر الله هداية أبي سهل الأردني، وخروجه من أحضان الجهمية الجدد في الأردن، المتخفّين تحت ستار وشعار السلفية، وذلك بعد أن هيّأ له بعضا من أهل التوحيد وأنصار المجاهدين، فدلّوه على الطريق المستقيم، وبينوا له كذب أدعياء السلفية وضلالهم، وقد أثّر فيه كلامهم، وخاصة بعد أن حضر مناظرات بينهم وبين شيوخ التجهم والإرجاء، فطفق بعدها يبحث عن الحق ويلتمس الأدلة إلى أن هداه الله إلى ترك أولئك الضالين والتوبة عن سلوك طريقتهم المنحرفة.

-الصدع بالتوحيد والبراءة من الطاغوت وأهله:

بدأ أبو سهل الأردني يطلب التوحيد ويتعلم الولاء والبراء، ويدرس مسائل الأسماء والأحكام، وأصول الاعتقاد وفقه الجهاد، وشرع يأخذ الدين القويم بقوة، وبعد أن ثبت له بالأدلة الشرعية كفر طاغوت الأردن وجنوده وعساكره وشرطه وسائر أجهزته الأمنية، وسائر طواغيت العرب العملاء لليهود والصليبيين، المبدّلين لشرع الله المتين، صار يكفرهم ويبرأ منهم، ويعاديهم ويدعو إلى تكفيرهم وعداوتهم، بعد أن كان يسميهم ولاة أمر المسلمين ويعتقد طاعتهم بفعل تلبيس المضلّين.

وصار يدعو إلى التوحيد والكفر بالطاغوت، وكانت منطقته معروفة بكثرة انتساب أبنائها إلى الجيش والشرطة والمخابرات الأردنية، بل منهم من كانوا وزراء وضباطا «كبارا»، يستعين بهم طاغوت الأردن في محاربة الإسلام وحراسة اليهود، فكان -رحمه الله- يحذّر الناس من الدخول في هذه الردّة، ويناصح الجنود المرتدين ممن يعرفهم بذلك، حتى هدى الله على يديه وعلى أيدي إخوانه، أحد حراس اليهود من الجيش الأردني العميل المرتد، فترك هذا الجندي الجيش، وأعلن توبته، ونفر للجهاد مع الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية في العراق.

وقد كان أبو سهل الأردني، حريصا على هداية أهله وقومه ودعوتهم إلى التوحيد والجهاد، فيسر الله على يديه هداية أخيه الأكبر مهندس الكهرباء، فنفر بعده إلى الجهاد ولحقه إلى الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية على الرافضة في العراق أيضا، تقبله الله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ [2/2] وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم ...

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ

[2/2]

وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم فقهاً، وللزكاة فقهاً، وللحج فقهاً... إلخ، فكما لا يمكن للمرء أن يزكي قبل أن يلم بشروط الزكاة وأركانها، لا يمكن لمن أراد أن يعدد أن يلج هذا الباب خالي الوفاض صفر اليدين من فقه التعدد، جاهلا بأبسط أحكامه!

وإن كثيرا من هؤلاء الرجال هم من أعانوا الشيطان على النساء، فأصبحن يجدن منافذ وأسبابا ليقفن في وجوه أزواجهن إن أرادوا التعدد، وساهم في التنفير بأفعاله من سنة هُجرت وكادت تموت، فغرتهم الدنيا وحسبوا أنهم لا يُسألون، وكما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس إن منكم لمنفرين) [رواه أحمد].

ولمثل هؤلاء نقول: على رسلكم فالأمر ليس كما تحسبون أو تظنون، فهلّا تريثتم وفكرتم وقدّرتم وزنتم ما أنتم عليه مقدمون بميزان الشرع؟ هلّا تفقّهتم وتعلّمتم كيف تعددون كما عدد النبي، صلى الله عليه وسلم؟

فمن هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يسبّع للبكر ويثلّث للثيب؛ عن أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما تزوج أم سلمة، أقام عندها ثلاثا، وقال: (إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك، سبعت لنسائي) [رواه مسلم]، بل إن من رحمته بنسائه ورفقه بهن، أنه ليلة بنى بأم المؤمنين زينب بنت جحش، رضي الله عنها، كما أخرج البخاري عن أنس، قال: «فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدتَ أهلك بارك الله لك. فتقرّى حُجَر نسائه كلهن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة». والبعض اليوم يتزوج الثانية أو الثالثة أو الرابعة، فيغيب عمَّن قبلها ما شاء الله دون إشارة أو أمارة، بل إن من الرجال من إذا عدد وجاء بالجديدة نسي القديمة والولد، إنها غيبوبة التجديد التي يدخلها أحيانا بعض الأزواج، ومن كان هذا حاله فلا يستفيق من غيبوبته غالبا إلا على أبواب المحكمة والدعوى خلع أو طلاق والله المستعان.

وما أكثر المستهينين بمسألة القسم بين الزوجات، فتجد أحدهم يطيل مع زوجة على حساب أخرى، أو قد يأخذ ليلة هذه ليهبها لتلك دون قضاء، متعللا بأمور كثيرة إن هي وزنت بميزان الشرع بان عوارها وزيفها، وقد أجمع أهل العلم على وجوب التسوية في القسم بين الزوجات؛ «قال أبو القاسم: وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم؛ لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا، وقد قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة النساء: 19]، وليس مع الميل معروف» [المغني].

كذلك بعض المعددين يأبى إلا أن يكون أذنا لإحدى زوجاته، ولكن أذن شر لا خير، فيظلم هذه على حساب تلك، وعندما تغيب تقوى الله ويحضر كيد النساء، وتصبح الزوجة لا همّ لها سوى افتعال المشاكل والتحريض على ضرتها وإيغار قلب الزوج عليها، بل أحيانا تطلب هذه الزوجة رقيقة الدين من زوجها أن يطلق ضرتها! نعم هكذا وبمنتهى الصراحة والبساطة، خاصة إذا كانت صاحبة أطفال منه فتجدها تزبد وترعد: «إما أنا وأطفالك أو هي»! وكم من زوج مسكين رضخ لمثل هذه وضحى بزوجته الثانية حتى لا يخسر عائلته الأولى، هكذا يزعم وهكذا يظن، ولو أنه اتقى ربه ورد ما تُنُوزِع فيه إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا إلى هوى زوجة متجبرة لجعل الله له مخرجا لا إثم فيه ولا عدوان.

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مثيلات هذه الزوجة فقال: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها) [أخرجه الشيخان].

قال ابن عبد البر: «وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج»، أي أن هذه الزوجة تسعى لطلاق ضرتها ليصبح الزوج وما يملك ملكا لها وحدها، ويكأن العقد الذي ربط بينهما كان عقد تمليك لا عقد زواج.

وأيضا من فقه التعدد أن لا يُسكن الرجل زوجاته في حجرة واحدة، قال الحجاوي: «ويحرم جمع زوجتيه في مسكن واحد بغير رضاهما»، وقال البهوتي: «لأن عليهما ضررا في ذلك، لما بينهما من الغيرة، واجتماعهما يثير الخصومة» [الروض المربع].

وقال ابن قدامة في المغني: (فصل: ليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما): «وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما، صغيرا كان أو كبيرا؛ لأن عليهما ضررا؛ لما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يثير المخاصمة والمقاتلة، وتسمع كل واحدة منهما حسه إذا أتى إلى الأخرى، أو ترى ذلك، فإن رضيتا بذلك جاز؛ لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه... وإن أسكنهما في دار واحدة، كل واحدة في بيت، جاز، إذا كان ذلك مسكن مثلها».
وعليه فلا يجمع الزوج نساءه في حجرة واحدة لتندلع الحروب بينهن ثم نقول التعدد أمر صعب والعدل مستحيل، لأن ما سلف ليس من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء، وليس من فقه التعدد في شيء
هذا غيض من فيض من بحر من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأزواج المعددين، بعضهم عن جهل، وبعضهم عن لا مبالاة واستهانة بحقوق الزوجة، وبعضهم عن جبروت وغطرسة، فليتق الله كل زوج عدد أو يريد أن يعدد، وليذكر وقوفه بين يدي الله عز وجل، وليحاسِب نفسه قبل أن يحاسَب، فإما مثنى وثلاث ورباع تسعد القلب وترضي الرب، وإما {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.



◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ.
...المزيد

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ [1/2] الحمد لله الذي حرّم على نفسه الظلم وتوعّد الظالمين، والصلاة ...

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ

[1/2]

الحمد لله الذي حرّم على نفسه الظلم وتوعّد الظالمين، والصلاة والسلام على سيد العادلين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فعن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا...) [رواه مسلم]، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا فاستوصوا بالنساء خيرا، فإنهنّ عَوَانٌ عندكم) [رواه الترمذي والنسائي]، «فإنما هنّ عوان عندكم جمع عانية أي أُسَرَاء كالأُسَرَاء، شُبِّهن بهِنَّ عند الرجال لتحكمهم فيهن. قال في النهاية: العاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع» [تحفة الأحوذي].

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (باب الوصاة بالنساء)، من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا.

هذا وقد فضّل الله تعالى الرجال على النساء، ولم يجعل الذكر كالأنثى، وجعل القوامة بيد الرجل، وفرض على المرأة طاعة الزوج بل وجعلها عبادة تتقرب بها إلى خالقها عز وجل. كما وأحلّ الله تعالى للرجال أربعا من الزوجات، وما شاء من السراري، فقال تبارك اسمه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء: 3].

ولكن هل ترك الشارع الحكيم هذا الأمر (أي تعدد الزوجات) على إطلاقه؟ لا، بل قيده سبحانه بشرط عظيم، حري بكل رجل تدبره بقلبٍ وَجِلٍ، وهذا الشرط هو: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: 3]، إنه العدل، عمود تعدد الزوجات وذروة سنامه!

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}؛ نعم واحدة لأن الله عَدْلٌ يحب العَدْلَ، واحدة إذا خيف الظلم والجور والتعدي على حقوق إحدى الزوجات، واحدة لأن الظلم يوم الحساب ظلمات، فما بال كثير من الرجال اليوم يستهينون بأمر التعدد ولا يخشون مغبة الظلم والتعدي؟ أما بلغهم حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) وفي رواية: (أحد شقيه مائل) [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي].

قال المباركفوري: «قال الطيبي في شرح قوله (وشقه ساقط): أي: نصفه مائل، قيل: بحيث يراه أهل العَرَصات ليكون هذا زيادة في التعذيب» [تحفة الأحوذي].

فمن ذا الذي يقدر على الوقوف بين يدي الملك وشقه مائل، ومن ذا الذي يقدر على عذاب الآخرة والسبب زوجة!

إنا أحيانا ونحن ننصر شرعة التعدد ونذب عنها، نُصدم بواقع مرير وبتجارب مفجعة لبعض الأزواج المعددين، ولكنهم أزواج معتدون، لا يعرفون من تعدد الزوجات سوى أنه سنة ثابتة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، نعم هو سنة ونعمت السنة هي والله، ولكنها كذلك إذا أتينا بها وفق ما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أما أن نشذ ونتعدى، وتحكمنا الشهوة والهوى، فهذا لم يأمرنا به ربنا ولم يرضه لنا.

وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم فقهاً، وللزكاة فقهاً، وللحج فقهاً... إلخ، فكما لا يمكن للمرء أن يزكي قبل أن يلم بشروط الزكاة وأركانها، لا يمكن لمن أراد أن يعدد أن يلج هذا الباب خالي الوفاض صفر اليدين من فقه التعدد، جاهلا بأبسط أحكامه!


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ
...المزيد

الاستهزاء بالدين.. حكمه وبعض صوره [2/2] وقد يكون القول أو الفعل صريحا في الاستهزاء، وقد يكون ...

الاستهزاء بالدين.. حكمه وبعض صوره

[2/2]

وقد يكون القول أو الفعل صريحا في الاستهزاء، وقد يكون غير ذلك، فالاستهزاء الصريح الواضح البيِّن كُفْر، يحكم فيه بكفر من قاله أو فعله، أما القول أو الفعل غير الصريح الذي يحتمل أكثر من معنى، فيستوقف صاحبه على قصده ومراده، فإن كان قصده من قوله أو فعله -المحتمل- المعنى الكفري فهو كافر، وإن كان قصده غير ذلك، فلا.

وعندما عدّ الإمام محمد بن عبد الوهاب الاستهزاء ناقضا صريحا من نواقض الإسلام العشرة، فقال: «الناقض السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثوابه أو عقابه كفر»، قال في آخر رسالة النواقض: «ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره».

كما لا فرق في الحكم بكفر الساب والمستهزئ بين قاصد الكفر وعدم قاصده، فقد يتذرع بعض من يسب أو يستهزئ بأنه لم يقصد السب والاستهزاء.

والدليل أن الله تعالى كفّر من استهزأ بالصحابة -رضوان الله عليهم- في غزوة تبوك ولم يقبل منهم ادعاءهم أنهم لم يقصدوا الكفر بما قالوا.

قال شيخ الإسلام: «وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْر، كَفَر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله» [الصارم المسلول].

وقال الشيخ سليمان آل الشيخ: «الذين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعنون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء، لم يقولوها من حيث لم يقصدوا الكفر، ولم يختاروه، وإنما قالوه على وجه المزح واللعب، فرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، فقال: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» [الدرر السنية].

وقال في شرحه لكتاب التوحيد -مبينا مراد المؤلف بباب (من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول): «أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء، إجماعا» [تيسير العزيز الحميد].

إذاً ما دام أمر السب والاستهزاء خطيرٌ خطير! فماالذي يجب على المسلم حيال السابين المستهزئين في دار الكفر؟

يجب عليه أولا أن يغضب لمحارم الله وينكر فعلهم ويمنعهم منه ويكفّرهم ويتبرّأ منهم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم].
ومن الإنكار الواجب قتل المستهزئ أو الساب إن لم يتب من ردته، بالأخص إن كان كفره مما لا تقبل توبته في أحكام الدنيا، كساب الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري]، وقتل هؤلاء من الجهاد في سبيل الله.

فإن لم يستطع ذلك، وجب عليه المفارقة فورا، امتثالا لقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام: 68].

فإن لم ينكر، ولم يغير، ولم يفارق، فحكمه حكم المستهزئين السابين سواء بسواء، بنص قول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [سورة النساء: 140].

قال ابن كثير في تفسيره: «أي إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه»، إلى أن قال: «وقوله {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} أي: كما اشتركوا في الكفر، كذلك شارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم».

هذا، وإن كان ثمة كلمة أخيرة، فنوجهها لمن وقعوا في شيء من هذا السب والاستهزاء، فنقول لهم:
توبوا إلى الله من ردتكم، وجددوا إسلامكم، وعظموا شعائر الله، ولا تستهينوا بحرماته، ذلكم خير لكم في الدنيا والآخرة.

واعلموا أن الضحك والمزاح والهزل والمرح -الذي هو أكبر سبب يدفعكم للاستهزاء- لن ينفعكم في شيء سوى إرضاء الشيطان والهوى وجلساء السوء، فإذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب ليضحكهم، ويل له، ويل له) [حديث حسن، رواه أحمد وغيره]، وهذا في الكذب الذي هو معصية، فكيف بالاستهزاء الذي هو كفر؟!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
...المزيد

الاستهزاء بالدين.. حكمه وبعض صوره [1/2] نعود لظاهرة الاستهزاء والسبّ المتفشية في دور الكفر ...

الاستهزاء بالدين.. حكمه وبعض صوره
[1/2]

نعود لظاهرة الاستهزاء والسبّ المتفشية في دور الكفر المعاصرة، ونعرّج على بعض صور وأساليب وأشكال السبّ والاستهزاء المنتشرة فيها، لكثرتها وتعددها وتنوع أساليبها، أخرس الله ألسنة السابين والمستهزئين وشل أركانهم.

فمن هذه الصور وأشهرها: سب الله وسب الدين باللسان بألفاظ معروفة نتعفف عن نقلها، ولا نخال أحدا لم يسمعها والله المستعان!

ومنها: سب الملائكة، كما زعمت الباطنية أن جبريل -عليه السلام- خان الأمانة وكان يُفترض به أن ينزل بالوحي لعلي، رضي الله عنه، لذا فإن من طقوس الباطنية أنهم يسبون جبريل عقب كل صلاة ثلاث مرات.

ومنها: الاستهزاء برسل الله وأنبيائه، كما هي عادة اليهود معهم، بل وصل بهم الحال بأن حرفوا التوراة وتنقصوا فيها من قدرهم، عليهم الصلاة والسلام.

ومنها: النظريات الإلحادية المنتشرة في الكتب والتي تُدرَّس في الكليات، كنظرية أن أصل الإنسان قرد! أو نظرية تناسخ الأرواح وأن الله يحل في أجساد حيوانية! أو نظرية أن الدين أفيون الشعوب... وغيرها كثير من زبالة الأفكار وما تقيأه الفلاسفة الملاحدة على مر العصور.

ومنها: ما يلقيه الكثير من الشعراء ويكتبونه وينشرونه من الاستهزاء بالله ورسله بدعوى «الأدب»، أخزاهم الله.

ومن السب والاستهزاء المعاصر: الرسوم الساخرة (الكاريكاتيرية) الطاعنة في الشريعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- والمنتشرة في الصحف والمجلات، العربية والأجنبية، والأمثلة عليها كثيرة.

ومنها: ما يفعله الممثلون والفنانون من حركات فيها استهزاء بالدين وأهله في مسرحياتهم ومسلسلاتهم وأفلامهم «الكوميدية»، وهي معروفة ولا تحتاج إلى مثال.

ومنها: ما في الكثير من الأغاني من سب واستهزاء، كاستهزاء أحد المغنين الهالكين بالقدر بقوله: «قَدَرٌ أحمق الخطا».

ومنها ما هو موجود في الرسوم المتحركة (أفلام الكارتون) من استهزاء، كتصوير الشاب الملتحي بالشرير، ونحو ذلك...

ومنها ما يقوله الزنادقة في محاضراتهم وخطبهم ومؤتمراتهم ومجالسهم وكتبهم وبحوثهم، كوصفهم لتحكيم شرع الله بالرجعية، وتطبيق الحدود بالوحشية، والحجاب بالظلم، واللحية بالوساخة، وتعدد الزوجات بالزنى، والجهاد بالتطرف، ووصفهم للموحدين المجاهدين بالمتشددين التكفريين أصحاب القرون الظلامية...

وهذا غيض من فيض من أمثلة السب والاستهزاء الـمقنَّن، الـمحمي من قبل الطواغيت، ولو كان المقام يسمح لذكرنا لك -أخي القارئ- ما تقشعر له الأبدان وتمتلئ منه غيضا القلوب.

وما يهمنا هو أن تعلم -رحمك الله- أن كل من كتب أو تكلم بكلمة من هذه الكلمات أو ما في معناها أو أتى فعلا فيه استهزاء، فهو كافر كفرا أكبر.

وهذا الحكم من الأحكام الراسخة في الشريعة الإسلامية، بل من الـمجمع عليه بين أهل العلم.

قال شيخ الإسلام: «الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه»، وقال أيضا: «الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك» [مجموع الفتاوى]، وقال إسحاق بن راهويه: «أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله، أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله»، وقال الخطابي: «لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله» [الصارم المسلول].

وقال القاضي عياض: «قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر» [الشفا].

وقال ابن حجر الهيتمي: «ومنها -أي الـمكفرات- لو حضر جماعة وجلس أحدهم على مكان رفيع، تشبيها بالمذكرين، فسألوا المسائل، وهم يضحكون، ثم يضربونه بالمجراف، أو تشبه بالمعلمين، فأخذ خشبة، وجلس القوم حوله كالصبيان، فضحكوا واستهزؤوا، أو قال: قطعة من ثريد خير من العلم، كفر» [الإعلام بقواطع الإسلام].

وعقد الإمام محمد بن عبد الوهاب باباً في «كتاب التوحيد» عَنْوَنَهُ بقوله: «باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول»، ثم قال عقب سرد الأدلة: «فيه مسائل: الأولى: وهي العظيمة، أن من هزل بهذا إنه كافر».

وعلق الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ذلك بقوله: «ومن هذا الباب: الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم لأجله» [قرة عيون الموحدين].

وقال الشيخ حمد بن عتيق: «اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله، أو رسوله، أو كتابه، أو دينه، فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء» [الدرر السنية].


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 60 [حوار] والي سيناء الشيخ أبو هاجر الهاشمي خطط المرتدين تطيل أمد الحرب ...

صحيفة النبأ العدد 60
[حوار]

والي سيناء الشيخ أبو هاجر الهاشمي
خطط المرتدين تطيل أمد الحرب عليهم، بإذن الله.


• هلَّا حدثتنا عن أهم معالم إقامة الدين في أرض سيناء على أيدي جنود الخلافة، فتح الله لهم؟

إننا -بفضل الله تعالى- في ولايتنا المباركة قد حاربنا الكفر وأزلنا الشرك وأقمنا الحدود وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، فبعد الكفر بالطاغوت ومحاربته وبعد أن مكننا الله تعالى في بقعة من أرضه، علمنا أن نصر الله لن يتنزل علينا ولن يدوم إلا إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، فعمدنا إلى الشرك ومحوناه، وإلى المنكر وأزلناه، وما من حد أستوفى شروطه إلا وأقمناه، وإنا -إن شاء الله- على هذا الدرب ماضون ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فقد تاب الصوفية وتركوا الشرك والبدعة، وقتلنا الساحر، وحرقنا المحرمات، وأزلنا المنكرات، سائلين الله الثبات.

• هل باب الهجرة إلى سيناء مفتوح؟

نعم مفتوح بضوابط معروفة لكل من يسعى إلى النفير، ومن صدق الله صدقه، وأعتقد أن الهجرة رزق من الله وفضل يؤتيه من يشاء من عباده، فأدعو إخواني إلى كثرة الدعاء واللجوء إلى الله وصدق النية، وإنني أتوق شوقاً للمهاجرين من غزة الحبيبة، اللهم اجمعني بإخواني من غزة زرافات ووحداناً، يا رب العالمين، آمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 60
الخميس 22 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 60 [حوار] والي سيناء الشيخ أبو هاجر الهاشمي خطط المرتدين تطيل أمد الحرب ...

صحيفة النبأ العدد 60
[حوار]

والي سيناء الشيخ أبو هاجر الهاشمي
خطط المرتدين تطيل أمد الحرب عليهم، بإذن الله.


• لم تخلُ ساحة من فصائل الضرار التي لا غاية منها سوى شق صف المسلمين، وصد الناس عن البيعة لأمير المؤمنين، هل ظهرت مثل هذه الفصائل في ولاية سيناء؟ وكيف تعاملتم معها أو ستتعاملون معها إن ظهرت في أرض الولاية؟

قد كان هنا ظهور تعاملنا معه بالحجة والبيان والسنان، ولله الحمد، وإننا -إن شاء الله تعالى- لن نرضى إلا أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وإننا ندين الله تعالى بوجوب بيعة أمير المؤمنين، روى مسلم في صحيحه عن عَرْفَجَةَ -رضي الله عنه- قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه)».

• هل ما زالت آثار عملية إسقاط الطائرة الروسية مستمرة على مصادر تمويل المرتدين من السياحة؟ وهل لديكم مشاريع أخرى لضرب هذا القطاع الذي يقوم على إباحة الفاحشة ويشكل مصدر دخل مهم للمرتدين؟

إن هذه العملية المباركة التي لا أرى سببا في نجاحها إلا توفيق الله، وإرادته أن يشفي صدور المؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم ثم بركة الجماعة، وإخلاص الإخوة المنفذين -نحسبهم كذلك- في الثأر لإخواننا بالشام.

وقد كان لها أثر كبير على مصدر تمويل محوري للمرتدين، وهو تجارة الفاحشة والبغاء باسم السياحة، وما زال هذا الأثر مستمرا بعد هذه الشهور الطويلة من العملية، بعزوف أكثر السياح الصليبيين عن القدوم إلى سيناء ومصر، بل زاد تأثيره بعد التدهور الاقتصادي لحكومة الطاغوت في القاهرة، وإننا لن ندخر جهدا في إزالة الفواحش ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ومنع المرتدين واليهود والصليبيين من إشاعة الفاحشة في أرض المسلمين، والوسائل لتحقيق ذلك كثيرة، وكذلك الأهداف، والحمد لله.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 60
الخميس 22 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

معلومات

⭕ إن مـن يـريـد الحـق لابـد أن يـسمـع مـن الطـرفيـن لا مـن طـرف واحـد.. ندعـوك أخـي المسلـم لتسمـع منـا قبـل أن تحكـم علينـا بما سمعت عنـا•• تواصل تلجرام @wmc111a11

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً