سورة الإخلاص.. هي سورة مكية، وهي من أعظم سور القرآن؛ إذ هي صفة الرحمن.. سميت سورة الإخلاص لأنَّها ...

سورة الإخلاص..
هي سورة مكية، وهي من أعظم سور القرآن؛ إذ هي صفة الرحمن.. سميت سورة الإخلاص لأنَّها خالِصة في وصف الله سبحانه ليس فيها غيره، أو أنها خالصة في التوحيد الخالص لله عز وجل، أو لأنها تخلص صاحبها من الشرك والنار.

سورة الإخلاص..
عز لسان قرأها وتلاها، وعز قلب تأملها وتعلمها وعرف معناها، وعز إنسان أحبها وأيقن بما فيها وعمل بمقتضاها.

سورة الإخلاص
أربع آيات، لكنها غاية في الإيجاز والإعجاز، قليلة المباني عظيمة المعاني، دقيقة الأسرار، لخصت وأجملت أصل الاعتقاد والتوحيد الذي هو روح الإسلام ولباب القرآن.

سورة الإخلاص
من قرأها تطهر قلبه، وتحرر عقله من كل وهم في معرفة ذات الله وصفاته؛ وتخلص من التعلق بأي شيء سوى الواحد الأحد.

سبب نزولها:
روى الترمذي عن أبي رضي الله عنه، أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك. فأنزل الله {قل هو الله أحد}.
وعند البيهقي والهروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}.
فكان فيها الإعلام والإفهام والرد والإفحام، وإثبات الكمال لله بجميع أشكاله، ونفي الشرك والنقص عنه بجميع أنواعه وألوانه وأحواله.
ففيها الرد على المشركين الذين اتخذوا مع الله الشركاء، وضربوا له الأمثال، وظنوا به ظن السوء، ونسبوا له الولد فقالوا الملائكة بنات الله، وانتقصوا مقام الربوبية، وجناب الألوهية، وناقضوا مقصود الله في التوحيد.
ولم يكن اليهود أحسن حالا منهم في اعتقادهم في الله حيث وصفوه بالنقائص والمعايب ووسموه بصفات الضعف والعجز ثم نسبوا له الولد فقالوا "عزير ابن الله" وكذلك النصارى الذين قالوا" المسيح ابن الله"فـ {قل هو الله أحد}: إثبات للوحدانية والفردانية ونفي للتعددية.



فالأحد: اسم لمن تفرد في ذاته، وتفرد في صفاته، وتفرد في أقواله وأفعاله، فلا يشركه في ذلك أحد.

{الله الصمد}: وأما الصمد فهو الكامل في صفاته المحتاج إليه جميع مخلوقاته، قال ابن عباس ما ملخصه: "السيد الذي كمل في سؤدده ، العظيم الذي كمل في عظمته، الشريف الذي كمل له أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، هذه صفته التي لا تنبغي إلا له".

وقالوا: الصمد هو القائم بنفسه المقيم لغيره، وهو المستغني عن كل أحد ولا يستغني عنه أحد.

وقالوا: ومن معانيه: الذي لا جوف له.. فلا يحتاج لأكل أو شرب، لأن من كان له جوف قابل أن يدخل إليه أشياء، ويخرج منه أشياء.. وحاشاه سبحانه.

وقالوا: الصمد هو السيد المقصود في الرغائب، والمستغاث به في المصائب، فهو ملجأ العباد الذي لا ملجأ لهم سواه.. فهو الذي تصمد إليه القلوب وتتجه إليه في رغبها ورهبها.

فاسم الصمد نفي عنه النقائص والمعايب، وأثبت له كل صفات الكمال والجمال والجلال.. واسم الأحد أثبت انفراده بذلك ونفى أن يشبهه فيه أحد سواه، وهذان الاسمان ( الأحد والصمد) لم يذكرا إلا في هذه السورة المباركة.
ما في الوجود سواك رب يعبد .. .. كلا ولا مولى سواك فيقصد
يا من له عنت الوجوه بأسرها .. .. ذلا وكــل الـكائنــات توحــد
أنت الإله الواحــد الفـرد الذي .. .. كل القــلوب له تقــر وتشـهد

ثم قال {لم يلد ولم يولد}: ليس له ولد ولا والد، فليس هو بأب لأحد، ولا ابن لأحد، سبحانه، وليس هو ممن يولد فيفنى، ولا هو بمحدث لم يكن فكان، تعالى وتقدس.

وإنما قال لم يلد أولا قبل لم يولد؛ لأن من الناس من نسب له الولد، وليس يعرف أحد نسب له الوالد.. فكذب إفكهم، ورد بهتانهم، وقطع عليهم طرق افترائهم فقال: {لم يلد ولم يولد}

وهذا مثل قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}(مريم:88ـ95)

ومثل قوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}(الأنعام:100ـ102).
ولهذا قال بعضهم في قوله {ولم يكن له كفوا أحد}: يعني لم يكن له زوجة.

والأمر أعم من ذلك، فلم يكن له كفوا أحد، أي ليس له مكافئ، ولا شبيه، ولا مثيل، ولا نظير في كل ما سبق من أحديته وصمديته وتفرده في أسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله. كما قال جل في علاه: {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} سورة مريم ، كلا وعزة جلال الله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} سورة الشورى.

فضائل كثيرة
من أراد أن يحبه الرحمن، وأن يدخل جنة الرضوان، وأن يعصمه الله من الشيطان، وأن يزداد من الهدى والإيمان، فليكثر من قراءة سورة الإخلاص قل هو الله أحد.

فقد أشاد النبي صلوات الله وسلامه عليه بفضلها، ورفعة شأنها، وعظمة أجرها وقدرها.

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من قراءتها، خصوصا في صلواته، كان يفتتح بها نهاره في سنة الفجر، ويفتتح بها ليله في سنة المغرب، وينهي بها يومه وليلته في صلاة الوتر.

كان يقرؤها في أول النهار في أذكار الصباح، وفي آخره في أذكار المساء، ويقرؤها في أدبار الصلوات، وركعتي سنة الطواف وعند النوم مع المعوذات.

ومن بعض فضائل هذه السورة العظيمة

أنها ثلث القرآن:
. قال النبي صلى الله عليه يوما لأصحابه احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن.. فلما حشدوا خرج فقرأ عليهم قل هو الله أحد.. فلما سألوه قال: أما إنها تعدل ثلث القرآن.(رواه مسلم)

. وقال (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ )(راه مسلم والبخاري).

. وفي حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ بها فقال: وجبت. قال أبو هريرة: فقلت ما وجبت؟ قال: الجنة.

ووجه العلماء كونها ثلث القرآن أن محاور القرآن الذي تحدث عنها ثلاثة هي أخبار وأحكام وتوحيد فأجملت هذه السورة الكريمة الحديث عن التوحيد.
...المزيد

السؤال ما صحة قول النبي: إني رزقت حبها. عن السيدة عائشة؟ وما حكم تحويل الجملة لـ "إني رزقت حبه"، ...

السؤال
ما صحة قول النبي: إني رزقت حبها. عن السيدة عائشة؟
وما حكم تحويل الجملة لـ "إني رزقت حبه"، لتكتب وتطرز على القماش، وتباع و تشترى كهدية من الزوجة لزوجها، مثلًا. أو العكس؟
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا.

الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فجملة «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن خديجة وليس عن عائشة -رضي الله عنهما-، وإن كانت عائشة -رضي الله عنها- قد رُزِقَ أيضا حبها. فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» .
وهذا لا ينفي أنه عليه الصلاة والسلام قد رُزِقَ حُبَّ عائشة أيضا، ففي سنن الترمذي ومستدرك الحاكم من حديث عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنَّهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. قَالَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا. اهــ
ولا نرى مانعا من أن تكتب هذه الجملة على قماش ونحوه، ويهديه الزوج لزوجته، أو العكس. والمهم أن لا تتعرض تلك الكتابة للامتهان؛ كالوطء بالأقدام، أو النوم عليها.

والله تعالى أعلم.
...المزيد

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ ...

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].



أولًا: سبب نزولها:

جاء في سبب نزول الآية - كما عند ابن كثير رحمه الله - أن قريشًا تشاورت ليلة بمكة في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن رأوا أمره قد اشتَهر، وأن غيرهم قد آمن به، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، وقال بعضهم بل اقتُلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، ثم اتفقوا أخيرًا على قتله، فأطْلع الله تعالى نبيه على ذلك، وأمره ألا يَبيت في مضجعه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه أن يبيت مكانه، ففعل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليًّا قالوا له: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره... وقد ذكر ابن كثير وغيره روايات أخرى تتعلق بهذه الآية، إلا أننا نكتفي بهذه الرواية، لإفادتها بالمطلوب في موضوعنا.



ثانيًا: تضمنت الآية الكريمة بيان محاولة المشركين قتل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أسْره أو نفيه، وهذا فيه من الإساءة والاعتداء على شخصه الكريم ما فيه.



ثالثًا: بيان كيف جاء دفاع الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم:

أما دفاع الله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم بالفعل، فقد نجاه تعالى هو وصاحبه الصديق رضي الله تعالى عنه يوم الهجرة بعدما كاد المشركون أن يصلوا إليهم، أخرج الشيخان عن أبي بكر قال، نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا"، وفي ذلك أنزل الله تعالى قوله: ﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [التوبة: 40]، وفيها بيان لِما أحاط الله به نبيه صلى الله عليه وسلم من مظاهر الحفظ والرعاية، وسيأتي الكلام على هذه الآية إن شاء الله تعالى.



وقد زاد الله تعالى في إذلال المشركين المتآمرين لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، بما وقع لهم ليلة هجرته الشريفة، فكما في الخبر: خرج عليهم صلى الله عليه وسلم، فذرَّ على رؤوسهم التراب وخرج، وأعمى الله أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه جاءهم آتٍ، فقال‏:‏ خيَّبكم الله، قد خرج محمد وذَرَّ على رؤوسكم التراب،‏ فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع الله رسوله منهم، وأذِن له في الهجرة إلى المدينة، فهاجر إليها.



وأما دفاع الله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم بالقول، فهو ما في هذه الآية الكريمة، وإليك بيانها:

1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: وقوله: يَمْكُرُ من المكر، وهو - كما يقول الراغب - صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مكر محمود، وذلك أن يتحرى بمكره فعلًا جميلًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ﴾، ومكر مذموم، وهو أن يتحرى بمكره فعلًا قبيحًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، وقال سبحانه وتعالى في الأمرين: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [النمل: 50].



وقوله: «ليثبتوك»؛ أي ليحبسوك؛ يقال: أثبته: إذا حبستَه، والمعنى: واذكر يا محمد وقت أن نجيتُك من مكر أعدائك، حين تآمروا عليك وأنت بين أظهرهم في مكة؛ "لِيُثْبِتُوكَ" أي: يحبسوك في دارك، فلا تتمكَّن من لقاء الناس ومن دعوتهم إلى الدين الحق، أَوْ يَقْتُلُوكَ بواسطة مجموعة من الرجال الذين اختلفت قبائلهم في النسب، حتى يتفرَّق دمك فيهم، فلا تقدر عشيرتك على الأخذ بثأرك من هذه القبائل المتعددة. "أَوْ يُخْرِجُوكَ" أي: من مكة منفيًّا مطاردًا، حتى يحولوا بينك وبين لقاء قومك؛ ليصدوك عن الدعوة إلى توحيد الله تعالى والإيمان به.



2- وقوله: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾: بيان لموضع النعمة والمنة؛ أي: والحال أن هؤلاء المشركين يمكرون بك وبأتباعك المكر السيئ، والله تعالى يرد مكرهم في نحورهم، ويحبط كيدهم، ويخيِّب سعيهم، ويعاقب عليه عقابًا شديدًا، ويدبِّر أمرك وأمر أتباعك، ويحفظكم من شرورهم.



قال ابن عاشور: والذين تولوا المكر هم سادة المشركين وكبراؤهم وأعوان أولئك الذين كان دأبهم الطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي نزول القرآن عليه، وإنما أسند إلى جميع الكافرين؛ لأن البقية كانوا أتباعًا للزعماء يأتمرون بأمرهم، ومن هؤلاء أبو جهل، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأمية بن خلف، وأضرابهم.



3- قال الألوسي رحمه الله: قوله: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾؛ أي: يردُّ مكرَهم، ويجعل وخامته عليهم، أو يُجازيهم عليه.



4- قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ ﴾؛ إذ لا يعتد بمكرهم عند مكره سبحانه، وهذا التعبير أنفذ وأبلغ تأثيرًا، والصورة التي نراها في قوله تعالى: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾، صورة عميقة التأثير، ذلك حين تتراءى للخيال ندوة قريش، وهم يتآمرون ويدبرون ويمكرون، متناسين أن الله من روائهم محيط، وأنه يمكر بهم ويبطل كيدهم وهم لا يشعرون.
...المزيد

الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة ...

الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين أفضل الصلاة وأزكى التسليم، أما بعد:
أيها المسلمون اتقوا الله حقيقة التقوى واعلموا أن أقدامنا على النار لا تقوى، واعلموا أن حقيقة التقوى في السلوك والتطبيق وليس مجرد التأثر والتصديق. وقد كان حديثنا السابق عن قيم وأخلاقيات العمل في عصر كثر فيه الفساد الإداري والمالي، وانتشرت الرشاوى، وضارت الناس ذرعاً بمثل هذا الفساد فما أجمل أن نهيأ النفوس ونذكرها بما جاء في سبيل دينها بمثل هذا الباب من قيم وأخلاقيات ونصوص تؤكد على كثير من مثل هذه المعاني حتى لا يبتعد المسلم عن حقيقة الإسلام فبدأنا بالوفاء بالعقود والعهود ولأنه لا يمكن التحدث عن الوفاء بالعقود والعهود دون الحديث عن الأمانة كان الحديث اليوم عن هذه الفضيلة العجيبة الأمانة وما أدراكم ما الأمانة فالعرب كما أنها تطلق لفظ الأمانة على الوديعة فهي تطلقها أيضاً على الوفاء وهكذا.
فالرجل الأمين رجل وفي يؤدي ما ائتمن عليه وحين يودع أحدنا شيئاً عند رجل وفي فإنه يشعر بالأمن والطمأنينة لأنه يعتقد أن وديعته مصونة محفوظة وأن استردادها أمر ميسور ألست أخي تحب أن يقال عنك رجل وفي ورجل أمين؟ إنها صفات تبجيل وألفاظ تعديل وشهادات في سجل المؤمنين الصادقين { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }[الأحزاب:72].

حملتها أنت أيها الإنسان ذهب الكثير من المفسرين إلى أن المراد بالأمانة في هذه الآية هي تكاليف والأوامر والنواهي فالإنسان حين قبل الأمانة أذعن لمجمل التكاليف الشرعية وبناء عليه فإن كل ما يوجبه التعاقد والاتفاق والالتزام من التكاليف يصبح أمانة يجب أدائها إلى أصحابها على النحو المتفق عليه والتقصير في أدائه يعني الوقوع في نوع من الخيانة وقد حث الله المؤمنين على حفظ الأمانة والقيام بحقها فقال من قائل: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }[النساء:58].
بل ذكر سبحانه من صفات أهل الفلاح من المؤمنين أنهم أهل وفاء وأمانة فقال تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }[المؤمنون:8] وقد جمعت ابنة شعيب أهم صفتين ينبغي توافرهما في كل مؤمن على نحو عام، وفي كل موظف وعامل على نحو خاص وهما القوة والأمانة فقالت: { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ }[القصص:26].
إن القوة هنا للإيمان تعني الكفاءة والمهارة والنشاط وجودة الأداء وبذل أقصى الجهد أما الأمانة فإنها تعني القيام والاهتمام بالعمل بإتقان والحرص على الإنجاز والإنتاج وتعني الأمانة عدم القيام بأي أعمال تضر بمصلحة العمل من تقصير وغياب وتأخر وكسل وإهمال وتعني الأمانة عدم استغلال العمل لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة وتعني الأمانة الجانب الخلقي في الموظف والعامل من رفق ولين وفن تعامل.
قال أحد الحكماء: الأمانة أن تؤدي حقوق الرؤوف الأعلى ولا تفشي سر من أودع إليك شيئاً من شئونه وألا تنقض عهد من عاهدته وألا تختلس ما لفيس لك فيه حق، ولا تغش امرئ في معاملتك وأن تحافظ على من جُعل تحت رعايتك فالأمانة عليها مدار عموم المعاملات ونجاحها وهي أصل من أصول الديانات.
ولذلك أكدت جميع الشرائع على وجوب رعايتها فليسأل كل منا نفسه عباد الله ليكاشف كل منا نفسه في حقيقة هذه الصفة العجيبة العظيمة هل حققها، هل طبقها، هل باعد بينه وبينها لما عليه أن يراجع نفسه لأنها من أعظم العبادات والقرويات ومن أعظم الصفات الإنسانية، ونرى وللأسف البعض يتخلى عنها ويتلون عليها ويتحايل عليها بكلمات وعبارات كثيرة اصطنعها الحاضر في قوالب عجيبة لا تنتهي إنها الأمانة إخوة الإيمان خلق نبيل وخير عظيم.
فقد ورد عن النبي ( أنه قال: «أربع إذا كنا فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة» فأي شيء يريد الإنسان أمانة وصدق وخلق وقناعة إنها السعادة في الدنيا والفوز بالآخرة أيستحق الإنسان أن يتخلى عن مثل هذه الصفات من أجل حفنة من المال؟ أو من أجل كسل وفتور ها هو الحبيب ( يوجهنا إلى أن نكون أمناء حتى مع الذين يخونونا نعم يوجهنا حبيبنا ( لأعظم الأخلاق لأنه صاحب الخلق العظيم لأن خلقه القرآن يوجهنا إلى أن نكون أمناء حتى مع الذين يخونونا لأنه لا ينبغي للمسلم أن يقابل الخطأ بخطأ مثله فيقول (: «أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك».
إنه المسلم الذي تربى على تعاليم هذا الدين العظيم ينشر الخير ويقاوم الشر ولا يقابل السيئة بالسيئة بل يدفع السيئة بالحسنة ولا تستوي الحسنة ولا السيئة { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[فصلت:34].
فإلى الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا نعم إنهم الكبار الذين يتصفون بمثل هذه الصفات كبار الأخلاق، كبار الأمناء، كبار أهل الصفات العجيبة وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم حظ ممن جاهد نفسه وترقى في كمال الخلق الإسلامي حق لا يستطيع على مثل هذا إلا الأمناء الأوفياء الذين جاهدوا أنفسهم من أجل الله وصبروا للفوز برضا الله.
فالمسلم يعرف أن التفريط في ما ائتمن عليه يعني الوقوع فيما يغضب الله وأنه يجر عليه الوبال، ولذا ورد الكثير من النصوص التي تدل على عظم جرم الخائن وقبح ما أقدم عليه فاسمعوا بتدبر اسمعوا بتدبر إلى بعض تلك النصوص يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[الأنفال:27].
قال الشوكاني: (الأمانة الأعمال التي ائتمن عليها العباد) ويقول سبحانه: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }[الأنفال:58] تأمل هذه الآية ففيها عجب الله أكبر! ما أعظم هذا الدين! أتعلمون ما معنى هذه الآية؟ أي إذا خفت من قوم عاهدتهم على أمر أن يغشوك أو ينقضوا عهدهم فأخبرهم على نحو واضح وصريح أن العهد الذي بينك وبينهم قد انتهى، نعم قد انتهى نعم قد انتهى العهد الذي بيني وبينكم وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.
لا تبدأهم بالحرب قبل أن تنبذ إليهم عهدهم ما أعظم وأجمل وأروع هذا دين! دين الإسلام، دين الأمانة والوفاء { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }، أعلنها الله من فوق سبع سماوات آية تتلى إلى أن يرث الأرض ومن عليها { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } الخائنون المتلونون الخائنون المتقلبون الخائنون أصحاب الأهواء الخائنون الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مصالح الناس العامة لا يحبهم الله بل يبغضهم ويقمتهم لجشعهم وخيانتهم ولأنانيتهم فلهم الويل ولهم الثبور وأما الحبيب ( فيغرس مرة أخرى فينا كل خلق نبيل اسمعوه ( يقول: «من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه».
لا تقل إنها مجرد رأي أو مجرد استشارة فإن لم تمحظ النصح له فهي خيانة فالمستشار مؤتمن ومن الأمانة أن يقدم لمن استشاره أفضل ما لديه من رأي وخبره وبكل تجرد وصدق وإخلاص لأن ذلك من مقتضيات الأخوة الإسلامية ولوازم القيام بحقوقها كما في قوله (: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه » التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم إنه المجتمع المسلم عباد الله إنه المجتمع المسلم النظيف إخوة ومحبة إخوة ومحبة وتراحم وتعاطف تقتضي أداء الأمانة للمسلم ونصرته والمحافظة على حقوقه وكرامته بل إنه ( يؤكد أن معنى الأمانة يصل للمجالس والكلمات فالمجالس أمانة يا عباد الله، المجالس أمانة أيها المتحدثون بالأعراض، المجالس أمانة أيها المغتابون، المجالس أمانة أيها الثرثارون، المجالس أمانة يا من لا يتقي الله في كلمته، يا من ينقل الكلمات وينثرها هنا وهناك.
يقول الحبيب (: «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة» إن التفاتة الجليس وهو يحدث جليسه تدل على أنه لا يريد لأحد غيره أن يسمع ذلك الحديث ومن ثم فإنه يقول: ما قلته لك سر فلا تخبر أحد به فأين هذا من الثرثارين والنمامين المفسدين بين الناس بنقل الكلام والأخبار وكثرة القيل والقال خاصة في مكاتب الوظيفة ومجالس المؤسسات واجتماعاتها وغيرها يا الله ما أشد الفجوة بيننا وبين حقيقة الإسلام!
إنها الصورة يا عباد الله إنها الصورة لما تبتعد عن الحقيقة فلا نأخذ من حقيقة إسلامنا ولا استقامتنا وحسن أخلاقنا إلا الصورة فقط فنبتعد عن الكثير من المعاني العظيمة التي هي أصل الأصول في حقيقة الاستقامة وأصل الأصول في حقيقة الإسلام للمسلم ما أحوجنا للحقيقة، ما أحوجنا أن نعيش بحقيقة الإسلام وحقيقة الاستقامة!
إخوة الإيمان ونحن نتحدث عن عظمة الأمانة وأهميتها وحرمة الخيانة وشناعتها لابد أن نؤكد أن الناس والمجتمع والوطن يتضررون حين يقعوا ولو القليل من الخيانة فالإخلال بالعقود، جحد الأمانات، عدم القيام بالواجبات الوظيفية يؤدي إلى إلحاق الضرر بالبلاد والعباد ويضر الوطن والمواطنين فإن التثقيف بأهمية الوفاء بالعقود وأداء الأمانات واجب الجميع بل يجب أن يكون على أوسع نطاق ممكن وإذا كان الوفاء بالعقود والعهود يستوجب فضيلة الأمانة فإن فضيلة الصدق أساس قيم وأخلاقيات العمل وهذا هو موضوع خطبتنا القادمة بمشيئة الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الصدق والأمانة، اللهم ارزقنا الصدق والأمانة، اللهم ارزقنا الوفاء بالعهود والعقود، وارزقنا الصدق والأمانة، وطهر قلوبنا وأعيننا وألسنتنا من الكذب والخيانة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
...المزيد

نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل السؤال: كيف نرد على من قال: إنكم ...

نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل
السؤال:
كيف نرد على من قال: إنكم تقولون: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا بالثلث الأخير من الليل وإن ذلك يقتضي تركه العرش؛ لأن ثلث الليل الأخير ليس في وقت واحد على أهل الأرض؟
الجواب:
هذا كلام رسول الله ﷺ فهو القائل عليه الصلاة والسلام: ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر[1] متفق على صحته.
وقد بين العلماء أنه نزول يليق بالله وليس مثل نزولنا، لا يعلم كيفيته إلا هو ، فهو ينزل كما يشاء، ولا يلزم من ذلك خلو العرش فهو نزول يليق به جل جلاله، والثلث يختلف في أنحاء الدنيا وهذا شيء يختص به تعالى لا يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال جل وعلا: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110]، وقال  في آية الكرسي: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَآءَ [البقرة:255]، والآيات في هذا المعنى كثيرة وهو سبحانه أعلم بكيفية نزوله.
فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به  ليس كنزولنا، إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة، فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته.
كما أننا نقول: استوى على العرش على الوجه الذي يليق به سبحانه ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله وإنما نقول: استوى استواء يليق بجلاله وعظمته.
ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك حيرة عظيمة، حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية، حتى قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم ولا كذا ولا كذا، حتى وصفوه بصفات معناها العدم وإنكار وجوده سبحانه بالكلية، ولهذا ذهب أصحاب رسول الله ﷺ وأهل السنة والجماعة تبعا لهم فأقروا بما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، وقالوا: لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" يعني: عن الكيفية، ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة رضي الله عنها وعن ربيعة بن أبي عبدالرحمن شيخ مالك رحمهما الله: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان بذلك واجب" ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات كثيرة، ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة وحسبنا أن نثبت ما جاء في النصوص وألا نزيد على ذلك.
وهكذا نقول: يسمع ويتكلم ويبصر ويغضب ويرضى على وجه يليق به سبحانه، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو، وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة وطريق العلم، وهو مذهب السلف الصالح، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، وبذلك يسلم المؤمن من شبهات المشبهين، وضلالات المضللين، ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد علم الكيفية إلى ربه ، والله سبحانه ولي التوفيق[2].

أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة، برقم 758.
نشر في مجلة الدعوة، العدد 1655، بتاريخ 28 ربيع الآخر 1419 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 28/401).
التوحيد الإسلام والإيمان
...المزيد

دلائل في التقاضي وفض المنازعات

قال أهل العلم: ولو قضى مع الغضب والجوع نفذ قضاؤه إذا صادف الحق، وقد ورد في هذا الحديث ما يدل على ذلك. ... المزيد

معنى الإلحاد في أسماء الله وأنواعه

ما معنى الإلحاد في أسماء الله تعالى؟

"الإلحاد في اللغة: هو المَيْل، ومنه قول الله تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل/103] ، ومنه: اللَّحْد في القبر، فإنه سُمِّيَ لحدًا لميله إلى جانب منه، ولا يُعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة ؛ لأنه كما قيل: بضدها تتبين الأشياء. ... أكمل القراءة

مكتب النور للبحث العلمي متخصصون بتفريغ الصوتيات وتنسيقها - تخريج الأحاديث -تحويل الكتب بي دي اف ...

مكتب النور للبحث العلمي
متخصصون بتفريغ الصوتيات وتنسيقها - تخريج الأحاديث -تحويل الكتب بي دي اف إلى وورد -الأبحاث العلمية - الترجمة - تدقيق لغوي - تشكيل نصوص - فهرسة ، نسخ وتحقيق مخطوطات.
للتواصل عبر الواتساب 966541080894+
للتواصل عبر الجيميل: [email protected]
...المزيد

مكتب النور للبحث العلمي متخصصون بتفريغ الصوتيات وتنسيقها - تخريج الأحاديث -تحويل الكتب بي دي اف ...

مكتب النور للبحث العلمي
متخصصون بتفريغ الصوتيات وتنسيقها - تخريج الأحاديث -تحويل الكتب بي دي اف إلى وورد -الأبحاث العلمية - الترجمة - تدقيق لغوي - تشكيل نصوص - فهرسة ، نسخ وتحقيق مخطوطات.
للتواصل عبر الواتساب 966541080894+
للتواصل عبر الجيميل: [email protected]
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً