د. محمود عبد العزيز أبو المعاطي حجاب 

قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله : "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبَعٌ ومُكمِّلة، فمعرفة ...

قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله : "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبَعٌ ومُكمِّلة، فمعرفة أحكام القلوب أهمُّ من معرفة أحكام الجوارح".

مَن تأمَّل الشريعة في مصادرها ومواردها، عَلِم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع ...

مَن تأمَّل الشريعة في مصادرها ومواردها، عَلِم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأنَّ أعمال القلوب أفرضُ على العبد من أعمال الجوارح، وهل يُميَّز المؤمن عن المنافق إلاَّ بما في قلب كلِّ واحد من الأعمال التي ميَّزت بينهما؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كلِّ وقتٍ. ...المزيد

لما كان في صلاح القلب صلاح البدن كله، وفي فساده فساد البدن كله، لازم الشيطان قلب ابن آدم، فشغله ...

لما كان في صلاح القلب صلاح البدن كله، وفي فساده فساد البدن كله، لازم الشيطان قلب ابن آدم، فشغله بالدنيا ومفاتنها عن ذكر الله وعبادته وخشيته ومراقبته، فألهاه بالتكاثر، وغره بالأماني الكواذب، وأغفله بالفتن إلا من عصمه الله برحمته، وتداركه بفضله، فأنجاه من كيده ومكره، وبصّره بفخوخه ومصاليه. ...المزيد

إن التلاعب بالنص الشرعي تحريفاً وتأويلاً معركة قديمة جديدة بدأت بذورها في صدر الإسلام الأول واستمرت ...

إن التلاعب بالنص الشرعي تحريفاً وتأويلاً معركة قديمة جديدة بدأت بذورها في صدر الإسلام الأول واستمرت عبر العصور حتى وصلت إلينا بلباس جديد متحضر يتقمصه فئام من الكتاب والمفكرين تحت شعارات مختلفة ودعوات متباينة يجمعهم هدف واحد هو التطاول على شرع الله عز وجل، وتأويل النصوص الشرعية إلى غير ما شرعت له بحجة تجديد الفكر الإسلامي والخطاب الديني .. فجاء هذا الكتاب ( بدعة إعادة فهم النص) ليبين أن النصوص التي فهمها الصحابة ومن سار على نهجهم لابد أن يفهمها كل مسلم في كل زمان ومكان؛ فيسلّم للنصوص الشرعية تسليما تامًّا، ولا يُعمل عقله أو فكره في صرفها عن ما جاءت به وله. ...المزيد

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "وأما ليلة النصف فقد روى في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن ...

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "وأما ليلة النصف فقد روى في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنهم كانوا يصلون فيها فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجة فلا ينكر مثل هذا وأما الصلاة فيها جماعة فهذا مبنى على قاعدة عامة في الاجتماع على الطاعات والعبادات".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: مسالة في صلاة نصف شعبان
الجواب: "إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده، أو في جماعة خاصة كما كان يفعل طوائف من السلف، فهو أحسن".
وأما الاجتماع في المساجد على صلاة مقدرة. كالاجتماع على مائة ركعة، بقراءة ألف: قل هو الله أحد دائما. فهذا بدعة، لم يستحبها أحد من الأئمة. والله أعلم".
...المزيد

رفع أعمال العباد إلى الله دلَّت نصوصُ السنة الصحيحة أن هنالك رفع يومي للأعمال، ورفع أسبوعي، ورفع ...

رفع أعمال العباد إلى الله
دلَّت نصوصُ السنة الصحيحة أن هنالك رفع يومي للأعمال، ورفع أسبوعي، ورفع سنوي، ثم الرفع الختامي، تُرفَع عن كل عبدٍ من عباد الله إلى ربه تبارك وتعالى.
و في الحديث القدسي: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه [رواه مسلم: 6737].
وقد وكل الله بنا ملائكة يكتبون أعمالنا، فقال لنا: “وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ “الانفطار: 10 – 12.
وقال تعالى: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيد مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 17-18] رقيب عتيد هو وصف لكل ملك وليس اسم لهما، ومعنى رَقِيبٌ لا يفوته شيء من كتابة أعمال العباد! وعَتِيدٌ يعني حاضر لا يغيب ولا لحظة،
كيفية إحصاء الملائكة للأعمال
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل الله وكرمه: أن العبد إذا هم بحسنة فعملها تكتب له عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بها ولم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وبالعكس السيئة: فإن العبد إذا هم بها فعملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإن هم بها ولم يعملها كتب له حسنة كاملة.
ومصداق هذا ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: (قال الله: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم.
أولاً: الرفع اليومي:
أما دليله فما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: (إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِض القسط ويَرْفَعه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعملُ النهار قبل الليل…) [رواه مسلم].
قال النووي رحمه الله: الْمَلائِكَة الْحَفَظَة يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْل بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل النَّهَار، وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَار بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل اللَّيْل.
ومعنى (يَخفِض القسط ويَرْفَعه) القسط الميزان، وسمى قسطا لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل. قال: والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة. وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله، فشبه بوزن الميزان. وقيل: المراد بالقسط الرزق الذى هو قسط كل مخلوق، يخفضه فيقتره، ويرفعه فيوسعه.
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ). فالملائكة تصعد إلى الله بأعمال العباد مرة في الليل، ومرة في النهار، فيا حظه من كان عمله الصاعد صالحًا! ويا بؤسه من كان عمله الصاعد سيئًا!
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:” فيه: أَنَّ الأَعْمَال تُرْفَع آخِرَ النَّهَار، فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَة بُورِكَ فِي رِزْقه وَفِي عَمَله، وَاَللَّه أَعْلَم، وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حِكْمَة الأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالاهْتِمَام بِهِمَا يعني صلاتي الصبح والعصر).
ففي هذين الوقتين تُرفَع التقارير اليومية آخرَ كل يوم وليلة، فعملُ النهار يُرفَع في آخره، وعملُ الليل يُرفَع في آخره… وهكذا، وهذا الرفع يُطلَق عليه الرفع الخاص؛ أي: خاص بعمل الأيام والليالي.
ثانياً: الرفع الأسبوعي:
كل اثنين وخميس؛ كما جاء في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تعرض أعمال الناس في كل جمعة يعني في كل أسبوع قال: مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مؤمن، إلا عبدًا بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يفيئا “رواه مسلم ، ويفيئا يعني يتراجعا ويتصالحا وفي سنن الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) صححه الألباني .
ثالثاً: الرفع السنوي في شعبان:
كما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وفيه: (ذلك شهرٌ يَغفُل الناس عنه بين رجبٍ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم) رواه النسائي، وحسَّنه الألباني.
وهذا الرفع يشمل رفع جميع أعمال السنة.
قال ابن القيم رحمه الله:” عمل العام يرفع في شعبان؛ كما أخبر به الصادق المصدوق ويعرض عمل الأسبوع يوم الاثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار، فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع في العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله وطويت صحيفة العمل”
حاشية سنن أبي داود.
وفائدة التقسيم السابق لرفع الأعمال أن نجتهد أكثر في هذه الأوقات ونملأها بالطاعات كي يرفع عملنا ونحن في صيام أو ذكر أو استغفار.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب صومه يومي الإثنين والخميس فقال: ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأَعمالُ على ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُعرَضَ عمَلي وأَنا صائمٌ. [صحيح النسائي].
فاجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر على صوم شعبان وحسب؛ بل كان يصوم الإثنين والخميس.
وكذلك كان يرغّب بأذكار الصباح والمساء ويحث على صلاتي العصر والفجر حيث تجتمع الملائكة قبل الصعود بأعمال العباد.
والآن بعد معرفة أوقات رفع الأعمال فأوصيك أخي وأوصي نفسي بهذه الكلمات:
• احرص أن تقدم العمل الطيب فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا
• اقرن عملك بالإخلاص فأعمالك بدونه تكون هباء منثورًا و لن تجني منها سوى التعب.
• ليكن لك خبيئة لا تراها الأعين ولا تسمعها الآذان ولا تلتقطها العدسات.
• احذر الشحناء فإنها تمنع قبول الأعمال ففي الحديث:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلا رَجُلا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا). [صحيح مسلم]
• داوم على الأعمال الصالحة ولو كانت قليلة ليُكتب لك أجرها ولعل الله يختم لك عليها.
• أكثر من الدعاء أن يتقبل الله منك وأكثر من الاستغفار.
قال بكر المزني رحمه الله: «إنَّ أعمال بني آدم ترفع، فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رُفعت بيضاء، وإذا رفعت صحيفة ليس فيها استغفار رفعت سوداء. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتقبل طاعاتنا.
رابعاً: الرفع الختامي:
ويكون عند انقضاء الأَجَل، وانتقال الروح إلى باريها، فحينئذٍ تطوى صحيفة عمله، ويُختَم عليها، ثم ترفع إلى ملك الملوك تبارك وتعالى نسأل الله أن يحسن خاتمتنا.
وهذه التقارير ليستْ كتقاريرِ البشر، بل هي تقارير تختلف عنها في أمور عدة، منها:
1- أن كتَّاب هذه التقارير مهرة في الكتابة والإحصاء، فيكتبون القول والفعل والزمان والمكان؛ قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].
وقال: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49].
وقال: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47].
2- أن كَتبَة هذه التقارير أُمناء، فلا يحابون ولا يجاملون؛ ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 11- 12]، ﴿مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
3- أن هذه التقارير تكتب في سجلات كبيرة، ثم تنشر يوم البعث والنشور: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ [التكوير: 10]، ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: 13- 14].
وقد جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ، كل سجل مثل مد البصر، …..) رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني
4- أن الذي يطلع على هذه التقارير ليس رئيس مؤسسة، ولا وزيرًا، ولا رئيسًا، ولا ملِكًا؛ إنما هو مَلِك الملوك جل في علاه: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: 48].
وقد جاء في حديث ابن عمر قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يُدنَى المؤمن من ربه وقال هشام: يَدنُو المؤمن حتى يضع عليه كَنَفه، فيقرره بذنوبه، تَعرِف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: ربِّ أعرف مرتين، فيقول: سترتُها في الدنيا، وأغفرها لكَ اليوم، ثم تُطوَى صحيفةُ حسناتِه، وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18]) رواه البخاري ومسلم
حسين عامر موقع الراشدون
ويتوب الله على من تاب
ومع أن هذه التقارير تُكتَب وتُرفع إلى رب العباد، إلا أنه تبارك وتعالى توَّاب يحب التوَّابين؛ ولذلك فقد جعل للتوبة بابًا مفتوحًا إلى أن تطلع الشمس من مغربِها؛ كما جاء في حديثٍ عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل يَبسُط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)؛ رواه مسلم، وهذا من كرمه عز وجل أنه يقبل التوبة حتى وإن تأخَّرت، فإذا أذنب الإنسان ذنبًا في النهار، فإن الله تعالى يقبل توبته ولو تاب في الليل، وإذا أذنب وتاب في النهار، فإن الله تعالى يقبل توبته، بل إنه تعالى يبسط يده حتى يتلقى هذه التوبة التي تصدر من عبده المؤمن.
فإذا تاب العباد توبة صادقة، تاب الله عليهم، وبدَّل السيئات حسنات، كما أخبر بذلك في قوله: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].
فاللهم اجعلنا من التائبين الذين بُدِّلت سيئاتهم حسنات، يا رب العالمين!
الحكمة من توالي عرض الأعمال على الله: يوميا فأسبوعيا فسنويا.
عرض الأعمال على ثلاثة أنواع:
1- عرض يومي. 2-عرض أسبوعي. 3-عرض سنوي (الذي هو بشعبان).
رفع الأعمال وعرضها على الله تعالى يوميا وأسبوعيا وسنويا دلت عليه السنة الصحيحة وكلام أهل العلم.
والحكمة من عرض الأعمال على الله تعالى، كل يوم، ثم كل أسبوع، ثم كل سنة ، على ما ثبت في السنة : هذا يقال فيه : الله أعلم بحكمته في ذلك ، فهو لم يبينها لنا ، ولم يبينها لنا رسوله صلى الله عليه وسلم.
جاء في "العقيدة الطحاوية، وشرحها" (1/231): " قَوْلُهُ: ( وَلَا تَثْبُتُ قَدَمُ الْإِسْلَامِ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ وَالْاسْتِسْلَامِ ) ش: هَذَا مِنْ بَابِ الْاسْتِعَارَةِ ، إِذِ الْقَدَمُ الْحِسِّيُّ لَا تَثْبُتُ إِلَّا عَلَى ظَهْرِ شَيْءٍ ، أَيْ لَا يَثْبُتُ إِسْلَامُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لِنُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ ، وَيَنْقَادُ إِلَيْهَا ، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا وَلَا يُعَارِضُهَا بِرَأْيِهِ وَمَعْقُولِهِ وَقِيَاسِهِ ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَمِنَ الرَّسُولِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ نَافِعٌ".
ويقول الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " واعلم أن الخطة الفاصلة بيننا وبين كل مخالف : أننا نجعل أصل مذهبنا الكتاب والسنة ، ونستخرج ما نستخرج منهما ، ونبنى ما سواهما عليهما ، ولا نرى لأنفسنا التسلط على أصول الشرع حتى نقيمها على ما يوافق رأينا وخواطرنا وهواجسنا ؛ بل نطلب المعاني : فإن وجدناها على موافقة الأصول من الكتاب والسنة ، أخذنا بذلك ، وحمدنا الله تعالى على ذلك ، وإن زاغ بنا زائغُ ضعْفِنا عن سواء صراط السنة ، ورأينا أنفسنا قد ركبت البُنَيّات وتركت الجُدُد ، اتهمنا آراءنا ، فرجعنا باللائمة على نفوسنا ، واعترفنا بالعجز ، وأمسكنا عنان العقل ، لئلا يتورط بنا في المهالك والمهاوي ، ولا يعرضنا للمعاطب والمتالف ، وسلمنا للكتاب والسنة ، وأعطينا المقادة ، وطلبنا السلامة ، وعرفنا أن قول سلفنا حق : أن الإسلام قنطرة لا تعبر إلا بالتسليم" .
" قواطع الأدلة في أصول الفقه " (2/411).
...المزيد

بيّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الإصلاح بين الناس وإزالة البغضاء والكراهية والحقد بينهم أفضل ...

بيّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنّ الإصلاح بين الناس وإزالة البغضاء والكراهية والحقد بينهم أفضل من صلاة التطوع وصيام التطوع وصدقة التطوع.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى. قال: صلاحُ ذاتِ البَيْنِ، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ" ...المزيد

إن حال أهل الغفلة عن لقاء الله يصدق فيه قول القائل: نهارك يا مغرور سهو وغفلةٌ وليلك نومٌ ...

إن حال أهل الغفلة عن لقاء الله يصدق فيه قول القائل:
نهارك يا مغرور سهو وغفلةٌ وليلك نومٌ والردى لك لازمٌ
وشغلك فيما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم

عقوبات أهل الغفلة إن للغفلة آثاراً مدمرة على سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وإليك طرفاً منها حتى ...

عقوبات أهل الغفلة
إن للغفلة آثاراً مدمرة على سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وإليك طرفاً منها حتى تحذرها وتحذر منها كل مسلم ومسلمة.
1- أنها سبب الهلاك: ما هلك القرون الخوالي إلا بغفلتهم عن الله تعالى وعن مصيرهم الأخروي اسمع إلى كلام الرب العلي جل جلاله قال الله تعالى مبينا هلاك الغافلين ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 135، 136].
لماذا أهلكتهم يا رب العالمين؟ الجواب: لأنهم من الغافلين.
2- عدم الانتفاع بالآيات وعدم الاتعاظ بالهالكين:
من أصيب بالغفلة الكاملة خُتِمَ على قلبه، وسمعه، وبصره، وكان أضل من الحيوان، والأنعام، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179].
فهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، فقلوبهم لا يصل إليها فقه ولا علم، وأعينهم لا ينتفعون بها فلا يبصرون آيات الله، وآذانهم لا يسمعون بها ما ينفعهم، كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأحقاف، 26]. وقال تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة، 18].
وقال تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة، 171]. ولم يكونوا صمّاً، ولا بكماً، ولا عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال، 23].
وقال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 44]
وقال تعالى: ﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46].
فالغافل عبد الله لا ينفع فيه وعد و لا وعيد و لا تخويف ولا ترهيب لان الله تعالى ختم على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة.
3 - الغفلة بواب الدخول إلى التكذيب بالآيات وبالوعد والوعيد.
الدافع إلى تكذيب الرسل وعدم الإيمان بالمعجزات إنما هو الغفلة قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف، 146]، فالسبب التكذيب والغفلة، فالغفلة قرينة التكذيب بآيات الله تعالى.
قال السعدي رحمه الله: (فردهم لآيات الله وغفلتهم عما يُراد بها، واحتقارهم لها، هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشاد ما أوجب).
(تيسير الكريم الرحمن (ص 303).
4 - الغفلة صفة من صفات أهل النار.
الرضا الدنيا و الركون إلى زخرفها صفة من صفات الأشرار الذين أعد الله تعالى لهم النار قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: 7، 8].
فهذه حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة، ولا يرجون في لقائه شيئاً، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم، وهم غافلون عن آيات الله الكونية، فلا يتفكرون فيها، وعن آياته الشرعية فلا يأتمرون بها.
الحذر من الغفلة لأن أكثر الناس وقعوا في الغفلة، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: 92].
5 - الغفلة تغلق على العبد أبواب الخير، وتفتح له أبواب الشر.
فكل شيء مفتاح و مفتاح الشر و المعاصي الغفلة عن الله و عن قدرته وسلطانه جل جلاله قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (النحل، الآيات: 106 - 109).
6 - أهل الغفلة لهم الحسرة يوم الحسرة.
وآخر المطاف حسرات وزفرات يوم لا ينفع الندم قال الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ (مريم 40:39)
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزناً إلى حزنهم)
وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ (سورة مريم، 40) وأشار بيده إلى الدنيا).
...المزيد

الغفلة أودت بحياة كثير من الناس، وسببها الانشغال بالدنيا، ونسيان الموت، غفلنا عن الموت وسكراته، ...

الغفلة أودت بحياة كثير من الناس، وسببها الانشغال بالدنيا، ونسيان الموت، غفلنا عن الموت وسكراته، غفلنا عن القبر وظلماته، غفلنا عن اللحد وضمته، غفلنا عن السؤال وشدته، غفلنا عن يوم القيامة وكرباته، غفلنا أن المصير إما إلى جنة وإما إلى نار.
والموت فاذكره وما وراءه، فما لأحد عنه براءة، وإنه للفيصل الذي به يعرف ما للعبد عند ربه، والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران، إن يك خيراً فالذي من بعده خير عند ربنا لعبده، وإن يك شراً فما بعد أشد، ويل لعبد عن سبيل الله صد).
مر علي على أهل القبور فقال: يا أهل القبور! إما تخبرونا خبركم أو نخبركم بأخبارنا.
أما أخبارنا: فإن البيوت قد سكنت، والنساء قد تزوجت، والأموال قد قسمت.
ثم قال: أما والله لو تكلم أهل القبور لقالوا: تزودوا فإن خير الزاد التقوى).
أمرنا بعمارة الأعمار، واستغلالها في الطاعات؛ لأن العمر الذي نحياه عمر واحد، إذا مضى لا يرجع أبدا، فاغتنم هذا العمر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم الحياة قبل الممات، اغتنم الشباب قبل الهرم، اغتنم الصحة قبل المرض، اغتنم الفراغ قبل الانشغال، اغتنم الغنى قبل الفقر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والجاهل من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)
تأمل في حال الناس اليوم حتى ترى مقدار الغفلة التي يعيشها كثير من الناس إلا من رحم الله.
...المزيد

لقي أحد الصالحين مجموعة من الشباب على إحدى الطرقات فركبوا معه في السيارة ثم دار بينهم هذا الحديث: ...

لقي أحد الصالحين مجموعة من الشباب على إحدى الطرقات فركبوا معه في السيارة
ثم دار بينهم هذا الحديث: قال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المكان الفلاني.
قال: ما هو هدفكم هناك؟ قالوا: نبحث عن وظائف وأعمال.
سألهم عن المؤهلات فلا تكاد تذكر، لا يحملون من الشهادات الدراسية أو المهنية شيئاً يذكر.
سألهم: كيف أنتم مع الصلاة؟
لعلمه يقينا من كتاب الله وسنة نبيه أن الصلاة مفتاح البركات.
قال تعالى: ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى﴾ [طه:132].
فقال الأول: أتريد الصدق أم تريد أن أكذب عليك؟ قلت: إن كذبت فأنت تكذب على نفسك، أما أنا فلا يضرني.
قال: يا شيخ! أنا لا أصلي.
قال الشيخ: كافر؟ قال: لا.
قال الشيخ: هذا حكم الله وحكم رسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
أما الثاني فقال: أنا أحسن منه حالا، قلت: كيف؟! قال: أنا أصلي في اليوم مرتين.
قال الشيخ: إن هذا الأمر عجب، الله أمرنا بخمس صلوات، وأنت تصلي صلاتين، أي غفلة هذه؟ أما بني الإسلام على خمس؟ هل ممكن أن مسلما يغفل عن هذه الأركان أو يجهل هذه الحقيقة؟ إنه عبد مأمور بأداء خمس صلوات.
أما الثالث فكان أعجب من الاثنين، قال: أنا أحسن حالا، أنا أصلي من الجمعة إلى الجمعة،
قال الشيخ: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي
والله لن يستقيم حال المرء حتى يستقيم في صلاته، والله لا يتغير حال الإنسان من حال إلى حال حتى يضبط أمر صلاته.
قال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)
لن تتقرب إلى الله بقربة أعظم من المحافظة على الصلاة.
فترى الغافلين لا يصلون، وانظر في غفلة المجتمع كله اليوم، إذا أذن المؤذن: الصلاة خير من النوم، فإذا خرجت إلى الشارع لا تكاد ترى سيارة تتحرك، ولا تكاد ترى إنسانا يسير، وتدخل المسجد فترى أبا أو شيخا أو قلة من الشباب الذين هداهم الله، والبقية في غفلة لا يعلمها إلا الله، قال تعالى: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس﴾ [الأعراف:179].
وبعد أذان الفجر بساعة تلاحظ مقدار غفلتنا، إذا نادى منادي الدنيا: حي على الأعمال، حي على الوظائف! امتلأت الشوارع بالغاديين والرائحين صغارا وكبارا، ذكرانا وإناثا، والبيوت بعد غفلتها هبت من نومتها واستعدت لطلب دنياها.
كيف يتغير واقع الأمة وهي لا تزال تعظم دنياها أكثر من تعظيمها لأوامر الله، قال تعالى: ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير﴾ [آل عمران:165].
فتراهم لا يصلون، ويتساهلون في الصلوات، وتراهم يطلقون النظرات يمنة يسرة في حلال وفي محرمات، وتراهم قد هجروا القرآن، وأكبوا على الأغنيات بالليل وبالنهار، والليل والنهار عندهم سواء.
...المزيد

هل رأى النبي ربه ليلة الإسراء والمعراج؟ الجواب: الصواب أن نبينا ﷺ لم ير ربه ليلة الإسراء ...

هل رأى النبي ربه ليلة الإسراء والمعراج؟
الجواب:
الصواب أن نبينا ﷺ لم ير ربه ليلة الإسراء والمعراج، وإنما رأى جبرائيل، هذا هو الصواب، كما قال الله سبحانه: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ۝ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ۝ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:1-5]، هذا جبرائيل عليه الصلاة والسلام، ذُو مِرَّةٍ [النجم: 6]، يعني: ذو قوة (فَاسْتَوَى ۝ وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ۝ ثُمَّ دَنَا) [النجم:1-8]، يعني: جبرائيل (فَتَدَلَّى ۝ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم:8-9]، يعني: من محمد عليه الصلاة والسلام.
(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ) [النجم: 10]، يعني: أوحى جبرائيل إلى عبده، يعني: إلى عبد الله، الضمير يعود على الله لأنه معروف من السياق، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ۝ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ۝ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ۝ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۝ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) [النجم:10-14]، كل هذا في جبرائيل، هذا هو الصواب.
المقام كله في جبرائيل لا في الله تعالى، هذا هو الحق، وقد وقع في رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بعض الأغلاط، وذكر ما يدل على أنه هو الله، ولكن أهل الحق من أئمة الحديث غلَّطوا شريكًا في ذلك.
والصواب أن الآية في جبرائيل، وأنه هو الذي رآه محمد عليه الصلاة والسلام (رآه نزلة أخرى ۝ عند سدرة المنتهى) هذا هو جبرائيل عليه الصلاة والسلام، وكان رآه مرتين في صورته التي خلقه الله عليها، رآه في الأفق، ورآه عند السدرة، وله ستمائة جناح، كل جناح منها مد البصر، وهذه من آيات الله العظيمة.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: (سألت النبي ﷺ: هل رأيت ربك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رأيت نورًا).
وفي اللفظ الآخر قال: (نور أنى أراه!)، فبين ﷺ أنه لم ير ربه، وإنما رأى نورًا.
وسئلت عائشة عن ذلك، فأفادت أنه لم ير ربه، وتلت قوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) [الأنعام: 103]، يعني: في الدنيا.
وأما في الآخرة فيراه النبي ﷺ والمؤمنون، يرونه يوم القيامة ويرونه في الجنة كما يشاء هذا بإجماع أهل السنة والجماعة، أن المؤمنين يرونه يوم القيامة في عرصات القيامة، ويراه المؤمنون في الجنة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال للصحابة: هل تضارون في رؤية الشمس صحوًا ليس دونها سحاب ؟ قالوا: لا ، قال: هل تضارون رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم سترون ربكم كذلك، يعني: ترونه كما ترون هذه الشمس وهذا القمر، يعني: رؤية حقيقة، فهذا واضح في إثبات الرؤية وأن المؤمنين يرون ربهم جل وعلا يوم القيامة وفي دار الكرامة كما ترى الشمس وكما يرى القمر.
وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية لا بالمرئي، ليست تشبيه المرئي بالمرئي، لأن الله تعالى لا شبيه له، ليس كمثله شيء، ولكن الرسول ﷺ شبه الرؤية في وضوحها وأنها يقين كرؤية الشمس والقمر، يعني: أنها رؤية واضحة ثابتة يقينية لا شبهة فيها، أما المرئي سبحانه فليس له شبيه ولا نظير جل وعلا، وهذا هو قول أهل الحق، هذا قول أهل السنة والجماعة.

وقد ثبت هذا في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث جرير بن عبد الله البجلي ومن أحاديث أخرى كثيرة متواترة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في إثبات رؤية الله جل وعلا يوم القيامة يراه المؤمنون، ويراه المؤمنون أيضًا في الجنة.
أما الكفار فإنهم محجوبون عن الله، كما أخبر بهذا سبحانه في قوله: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ۝ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين:14-15]، فهم محجوبون عن رؤية الله، لا يرونه، أما أهل الإيمان فيرونه، وهذا معنى قوله سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ۝ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23]، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) [القيامة: 22]، يعني: من البهاء والحسن، ناضرة من النضارة، وهي البهاء والحسن والجمال، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 23]، إليه سبحانه، تنظر إليه، كما يشاء فضلاً منه وإحساناً، وكما قال: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26]، المعنى: للذين أحسنوا في الدنيا الحسنى في الآخرة وهي الجنة، وزيادة: وهي النظر إلى وجه الله.
فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن يعتقد ذلك، وأن يؤمن بذلك وأن يبرأ إلى الله من طريقة أهل البدع، الذين أنكروا الرؤية ونفوها كـالجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهم، هذا القول من أبطل الباطل وأضل الضلال، وجحد لما بينه الله في كتابه وما بينه رسوله عليه الصلاة والسلام.
نسأل الله أن لا يحجبنا من رؤيته، وأن يوفقنا وجميع المؤمنين لرؤيته والتنعم بذلك في القيامة وفي دار الكرامة.
...المزيد

معلومات

أ.د. محمود عبد العزيز يوسف أبو المعاطي حجاب أستاذ الفقه المقارن. مصري مقيم في الخليج العربي أستاذ التشريع الجنائي بمعهد الدراسات الجنائية. خبير شرعي بالقضاء مستشار أسري. أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية بولاية مينيسوتا الأمريكية. أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد العالي للائمة والخطباء بأمريكا سابقا أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى فرع محافظة القنفذة بالسعودية سابقاً. أستاذ الفقه وأصوله المشارك بمعهد الدعوة والعلوم الاسلامية بقطر سابقاً. عضو مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر سابقاً.

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً