- وجوب صلاة الجمعة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ ...

- وجوب صلاة الجمعة:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 9-11].

قال القرطبي في تفسيره: «قوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} منع الله عز وجل منه عند صلاة الجمعة، وحرمه في وقتها على من كان مخاطبا بفرضها، والبيع لا يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما، كقوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}، وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق».

ثم قال: «وفي وقت التحريم قولان: إنه من بعد الزوال إلى الفراغ منها، قاله الضحاك والحسن وعطاء، الثاني: من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة».

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)، وعند ابن ماجه بلفظ: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات...) الحديث.

وعن أبي الجعد الضمري -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه) [رواه أحمد والأربعة، وحسنه الترمذي].

- عواقب عدم شهود صلاة الجماعة:

إن المعصية بريد المعصية، وما من سيئة إلا وتدل على أختها، ولذا فإن لترك صلاة الجماعة عواقب كثيرة؛ منها:

أولا: غضب الله وعدم رضاه: قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4-5]، قال الطبري في تفسيره: «قال بعضهم: عني بذلك أنهم يؤخرونها عن وقتها، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها».

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ناسا في بعض الصلوات، فقال: (لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم) [متفق عليه].

ثانيا: تفويت الأجر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) [متفق عليه].

ثالثا: الاتصاف بصفة من صفات المنافقين: عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلِم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة»، كما قال -رضي الله عنه- أيضا: «إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه» [رواهما مسلم].

رابعا: التشبه بالنساء: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) [رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين.


• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
وجوب صلاة الجماعة
ومشروعية إغلاق المحلات التجارية أثناء أدائها
...المزيد

- وجوب صلاة الجماعة: قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ ...

- وجوب صلاة الجماعة:

قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: 102].

فلم يأذن الله سبحانه بترك الجماعة للمجاهدين حال قتالهم للكافرين، فكيف يؤذن للقاعد بتركها انشغالا بالمحلات والدكاكين؟!

وأوجب سبحانه أداء الصلاة في الجماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم؟! ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافّون للعدو المهدَّدون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك؛ عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا يجوز لأحد التخلف عنها.

وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، فكما أمرنا الله سبحانه بإقام الصلاة في قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، فكذا قد أمرنا الله تعالى بأدائها جماعة كما في قوله: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}.

وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحيما رقيقا، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عن من تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: (ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبيَ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسولَ الله أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى، دعاه، فقال: (هل تسمع النداء بالصلاة؟) قال: نعم، قال: (فأجب) [رواه مسلم]، قال ابن قدامة المقدسي: «وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائدا له، فغيره أولى» [المغني].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له، إلا من عذر) [رواه ابن ماجه، وصححه الحاكم].

قال ابن قدامة المقدسي: «الجماعة واجبة للصلوات الخمس، روي نحو ذلك عن ابن مسعود وأبي موسى، وبه قال عطاء والأوزاعي وأبو ثور» [المغني].

وبوب البخاري في صحيحه فقال: «باب وجوب صلاة الجماعة»


• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
وجوب صلاة الجماعة
ومشروعية إغلاق المحلات التجارية أثناء أدائها
...المزيد

وجوب صلاة الجماعة ومشروعية إغلاق المحلات التجارية أثناء أدائها • الحمد لله ذي الإنعام، والصلاة ...

وجوب صلاة الجماعة ومشروعية إغلاق المحلات التجارية أثناء أدائها

• الحمد لله ذي الإنعام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام، أما بعد:

فلقد أكثر سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة، فالواجب على كل مسلم أن يحافظ على الصلاة في وقتها، وأن يقيمها كما أمر الله بها، وأن يؤديها مع إخوانه المسلمين جماعة، ولا يقدم عليها أمور الدنيا ومشاغل الحياة.

- إغلاق المحلات التجارية وقت صلاة الفريضة:

ومن هنا كان أول واجبات الإمام إقام الصلاة وأمر الناس بها، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته) [متفق عليه].

لذا عمد المجاهدون في الدولة الإسلامية إلى إلزام الرعية بالصلاة في جماعة، والأمر بإغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة، ذلك لأن صلاة الجماعة واجبة على الرجال، وشهودها لا يتحقق لأصحاب المحلات التجارية إلا بإغلاقها، و(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36-37].

قال ابن كثير: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ}: هي المساجد، أمر الله ببنائها ورفعها، وأمر بعمارتها وتطهيرها. {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}: يتلى فيها كتابه. {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}: التسبيح هو الصلاة، ويعني بالغدو: صلاة الغداة، وهي صلاة الفجر، ويعني بالآصال: صلاة العصر، وهما أول ما افترض الله من الصلاة، فأحب -سبحانه- أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده. {رِجَالٌ} فيه إشعار بهممهم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية، التي بها صاروا عُمّارا للمساجد. {لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم. {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}: قال هشيم: عن سيار قال: «حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوما من أهل السوق، حيث نودي بالصلاة، تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة، فقال عبد الله: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}»، وهكذا روى عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن عبد الله بن عمر: «أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}»، وقال عمرو بن دينار الأعور: «كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، فتلا سالم هذه الآية: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ثم قال: هم هؤلاء»، وكذا قال سعيد والضحاك: «لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها»، وقال الوراق: «كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه، وأقبل إلى الصلاة»، وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: «{لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: عن الصلاة المكتوبة»، وقال السدي: «عن الصلاة في جماعة»، وعن مقاتل بن حيان: «لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة، وأن يقيموها كما أمرهم الله، وأن يحافظوا على مواقيتها».


• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
وجوب صلاة الجماعة
ومشروعية إغلاق المحلات التجارية أثناء أدائها
...المزيد

سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت» - ابن تومرت، يبيح الكذب لنفسه، ويستبيح دماء المسلمين ...

سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»

- ابن تومرت، يبيح الكذب لنفسه، ويستبيح دماء المسلمين لنشر عقيدته وبدعه.

• عاد ابن تومرت إلى المغرب سنة 514 هـ حيث أقام في قرية تينمل بجبال الأطلس، فبدأ يدعو الناس إلى العقيدة الأشعرية الضالة، وادّعى أيضا العصمة لنفسه وأنه المهدي المنتظر، ولقب نفسه «المهدي بن تومرت»، وسمى جماعته «الموحدين»، تعريضا باسم المرابطين الذي اتهمهم بـ «التجسيم»، وعطّل ابن تومرت أسماء الله الحسنى وصفاته، كما ادعى أنه من سلالة الحسين بن علي رضي الله عنهما، مع كونه أعجميا من قبيلة صنهاجة البربرية.

وأظهر ابن تومرت بعد أن قويت شوكته، موقفه من دولة المرابطين وعقيدتها السلفية، حين وصفهم بالـ «مجسّمة» والمنافقين، وأفتى بكفرهم، واستحل دماءهم، وأقنع أتباعه أن قتال المرابطين خير من قتال النصارى والمجوس، كونهم «مجسّمة»، على عادة المبتدعة من معطلي الصفات في تشويه عقيدة أهل السنة، إنما كانت عقيدتهم عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي إثبات أسماء الله وصفاته.

قال ابن تومرت في كتابه «أعز ما يطلب»: «لا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان إلى أن تقوم الساعة، ولا يكون الإمام إلا معصوما ليهدم الباطل، وإن الإيمان بالمهدي واجب، وإن من شك فيه كافر، وإنه معصوم فيما دعا إليه من الحق، وإنه لا يكابَر ولا يضاد ولا يدافَع ولا يعانَد ولا يخالَف ولا ينازَع، وأنه فرد في زمانه، صادق في قوله، وإن أمره قائم إلى قيام الساعة».

ابتدع ابن تومرت ما أسماه «التمييز» بين أهل الجنة والنار، فاستعان ابن تومرت برجل على شاكلته يُسمَّى أبا عبد الله الونشريسي وكان يُلقبه بالبشير لخداع الناس وإضلالهم، وقد طلب ابن تومرت من الونشريسي أن يخفي علمه وحفظه القرآن ويظهر أمام القبائل كأنه مجنون يسيل لعابه.

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» وابن الأثير في «الكامل»: فلما كان عام تسعة عشر وخمسمائة، خرج يوما، فقال: تعلمون أن البشير -يريد الونشريسي- رجل أميّ، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مبشرا لكم، مُطَّلعا على أسراركم، وهو آية لكم، قد حفظ القرآن والموطأ في ليلة، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ من القرآن ما سألوه، وركب حصانا وساقه، فقال ابن تومرت: نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن في هذه الأمة محدثين، وإن عمر منهم»، وقد صَحِبَنَا أقوام أطلعه الله على سرِّهم، ولا بد من النظر في أمرهم، وتيمم العدل فيهم، ثم نودي في جبال المصامدة: من كان مطيعا للمهدي فليأت، فأقبلوا يهرعون، فكانوا يُعرضون على البشير، فيُخْرِج قوما على يمينه، ويعدهم من أهل الجنة، وقوما على يساره، فيقول: هؤلاء شاكّون في الأمر، وهم يعلمون أن مآلهم القتل، فلا يفرّ منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدد قَتَلهم ورماهم من الجبال».

وقد عمد ابن تومرت إلى هذه الحيلة للخلاص من خصومه، وممّن يشك أنهم يشكلون خطرا على دعوته ودويلته، فإن كان هذا حاله مع أتباعه، فكيف الأمر بخصومه؟ وقد سجل التاريخ تورط ابن تومرت بقتل عشرات الآلاف من المسلمين.

في سنة 541 هـ دخلت قوات «الموحدين» بقيادة عبد المؤمن بن علي مدينة مراكش، فاستباحوها وقتلوا أهلها، كما كانت عادة هذه الدولة الأشعرية الضالة، وقتلوا كل من ينتمي إلى قبيلة لمتونة، قبيلة المرابطين.

لما بدَّل أواخر سلاطين المرابطين وغيروا، استبدلهم الله، سنة الله التي لا تتحول.

كانت دعوة ابن تومرت دعوة تدميرية، قامت على أطماع دنيوية بحتة، بنت أسسها على جماجم المسلمين، واستندت إلى الكذب والتحايل وادعاء المهدوية والعصمة، ارتكزت على قبائل بربرية جاهلة بأمور دينها، «صائمة عن علوم الشريعة» كما وصفها بعض المؤرخين، فكان من نتائج تمرد ابن تومرت توقف جهاد المرابطين في الأندلس، وسحبهم خيرة جنودهم وقادتهم لرد عادية المتمردين، مما أدى لسقوط مدن وقرى أندلسية كثيرة بيد النصارى، كما أن ابن تومرت وخلفاءه من بعده فرضوا العقيدة الأشعرية على أهل المغرب بالحديد والنار، وكفّروا وقتلوا من يقول بغيرها، ولا زالت الأشعرية منتشرة بين طبقة أدعياء العلم في المغرب، والله المستعان.

فهذا التاريخ، وذي دروسه، فهل من معتبر؟ هذا وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ

من التاريخ:
سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»
...المزيد

سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت» • تعرضنا في الأعداد الأربع الماضية، إلى صور مشرقة من ...

سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»

• تعرضنا في الأعداد الأربع الماضية، إلى صور مشرقة من تاريخ المرابطين، وأميرهم الصالح يوسف بن تاشفين رحمه الله، وصور قاتمة لملوك الطوائف الخونة، الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، فلا دين الله أقاموا، ولا على نعيمهم داموا، فنالوا عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة، ورأينا كيف أن ابن تاشفين وهو في عز انتصاره وأوج قوته، سارع إلى بيعة الخليفة القرشي، رغبة منه في توحيد كلمة المسلمين ولمّ شملهم.

سار علي بن يوسف بن تاشفين -رحمه الله- على نهج والده في الحكم، عُرف عنه حبه للعلم والعلماء، وانغماسه فكي الطاعات والعبادات، إلى درجة إهماله أمور الحكم آخر عهده، فتولى شؤون المسلمين يومئذٍ أمراء وولاة على غير نهج المرابطين الأول، الذي ارتكز على العقيدة السلفية والمداومة على جهاد الصليبيين والخونة ومنازلتهم.

فتفشت مظاهر الانحلال والمجون بين الأمراء والولاة أواخر عهد علي بن يوسف -رحمهما الله- فكفّوا عن قتال النصارى في الأندلس، واستطابوا القعود والطرب والأُنْس، واستمتعوا بالملذات والشهوات المحرمة، فجرت في دولة المرابطين سنن الله، فاستبدلهم -عز وجل- حين حادوا عن المنهج المستقيم، بعد أن نصرهم بالأمس ومكنهم حين لزموا دينه وشرعه، وعظَّموا شعائره، ووقفوا عند حدوده.

هي سنة الله عز وجل، ولن تجد لسنة الله تبديلا: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].

وقد دمّر الله عز وجل ملوك الطوائف في الأندلس، فجعلهم بين سجين وقتيل وشريد، ولم تغن عنهم حصونهم ولا قلاعهم.

لم تقتصر مظاهر السفور والمجون على قصور الأمراء والولاة فحسب، بل تفشت في سائر فئات المجتمع، فزاد الاختلاط بين الرجال والنساء، وخرجت النساء إلى الشوارع سافرات الوجه، وراج الخمر، ولُعب القمار، وعادت البدع، بعد أن قمعها يوسف بن تاشفين وابنه علي من قبل.

وشيوع المنكرات والمعاصي، كان من أهم أسباب سقوط الدولة المرابطية، إضافة إلى نشوب اضطرابات وحركات تمرد في عدة مدن، كفاس وقرطبة، ساهمت هي الأخرى في إضعاف الدولة، وزوال هيبتها.

كما أن فقدان الدولة المرابطية كثيرا من شيوخها وعلمائها، كان له دور في سقوطها، فمن الأخطاء القاتلة لدولة المرابطين، أن الشيوخ الربانيين الذين كانوا يتقدمون الصفوف في غزوات ابن تاشفين، لم تنشر أفكارهم ومبادئهم في الجيل الذي تلاهم، وأهملت الدعوة، فكان جيل المرابطين الثاني -أواخر عهد علي بن يوسف- على النقيض من الجيل الأول، وهذا دَرْس مهم للمسلمين اليوم، فتوريث العقيدة الصحيحة والمنهج الصافي للجيل الناشئ من أهم الواجبات وأعظمها، لضمان الاستمرارية على النهج النبوي القويم.

الأزمات الاقتصادية التي مرت منها دولة المرابطين كانت أيضا سببا في انهيارها، كانحباس المطر والجفاف وهجمات أسراب الجراد على المحاصيل الزراعية وانتشار الأوبئة، إلا أن هذه المظاهر كلها لا يمكن عزلها عن السياق العام الذي كانت تعيشه الدولة، فما الأزمات والقلاقل والمشاكل إلا عقوبات ربانية لأولئك الذين انشغلوا بالملذات، وتركوا طريق الحق الذي ليس بعده إلا الضلال.

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس بخمس، ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأُخِذوا بالسنين ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر)، فهذه خمس سنن إلهية ثابتة لا تتغير.

أما السبب المباشر لانهيار الدولة المرابطية، فكان ظهور دعوة محمد بن تومرت الذي تمرد على المرابطين، متسترا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متقمصا دور المصلح، إلا أن حقيقة دعوته هي طمع في السلطة، ورغبة منه في نشر عقيدته الأشعرية الضالة.


• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ

من التاريخ:
سقوط دولة المرابطين وقيام دولة «ابن تومرت»
...المزيد

جرائم تركيا • أيها الموحدون.. لقد دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم فاستعينوا بالله ...

جرائم تركيا

• أيها الموحدون.. لقد دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم فاستعينوا بالله واغزوها واجعلوا أمنها فزعا ورخاءها هلعا ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة.

من كلمة صوتية بعنوان: {هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} لأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي تقبله الله

* حكومة علمانية كافرة

• فتح معبر لدعم الــ𝑃𝐾𝐾 المرتدين في كوباني

• اعتقال المجاهدين وتسليمهم لحكومات الطواغيت

• عضو في حلف الناتو

• فتح قاعدة إنجرليك للتحالف الصليبي

• دعم البيشمركة المرتدين

• دعم الحكومة الرافضية في العراق

• قصف المسلمين في حلب

• دعم الحملة الصليبية على العراق والشام

• دعم الحملة الصليبية على خراسان

إنفوغرافيك النبأ ربيع الأول 1438 هـ
...المزيد

بستان النبوة 15 عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يقول: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، ...

بستان النبوة 15

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يقول: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) [رواه مسلم]

• لك أسلمت وبك آمنت:
أي استسلمتُ لك بالكلية وانقدت إليك طواعية، وصدقتُ بك وملائكتك وكتبك ورسلك واليوم الآخر والقدر، وفيه الفرق بين الإسلام والإيمان

• وعليك توكلت وإليك أنبت:
أي فوّضتُ أمري إليك واعتمدتُ عليك واستعنتُ بك وحدك فأنت المعين المغيث، وأقبلتُ بهمتي وطاعتي إليك وأعرضتُ عما سواك

• وبك خاصمت:
أي بمعونتك أحتج وأدافع وأقاتل، وفيه التبرؤ من الحول والقوة في مناجزة الخصوم والأعداء، والاستعانة عليهم بقوة الله تعالى وعونه ومدده

• أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني:
أي ألتجئ وألوذ بعزتك وغلبتك فلا معبود ولا مقصود سواك ولا استعاذة إلا بك، فلا تضلني بعد إذ هديتني للإيمان، وفيه الدعاء بأسماء الله وصفاته

• أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون:
ثناء على الله باسمه الحي وإقرار بصفة الحياة الدائمة، وتسليم بأن الكل ميت وخص الجن والإنس كونهم أشهر المخلوقات، واختار الحي لمناسبة الاستعاذة من الضلال فموت القلب ضلالته


◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 472
إنفوغرافيك النبأ جمادى الآخرة 1446 هـ
...المزيد

إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا • عذاب الله للقاعدين نافذ فيهم وكلٌّ يصيبه ذلك ...

إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

• عذاب الله للقاعدين نافذ فيهم وكلٌّ يصيبه ذلك العذاب، إما ضنك في الحياة وضيق عيش وهذا لا يكاد يسلم منه قاعد من القاعدين، حيث أن أعظم نعم الجهاد ذهاب الهم والغم كما قال عليه الصلاة والسلام: (الجهاد باب من أبواب الجنة ينجي من الهم والغم) [الطبراني]، فمن ترك الجهاد لم يخطئه هم ولا غم، وهذا مشاهد في أحوال القاعدين زفراتهم وآلامهم وأكدارهم لا تنتهي.

وعذاب آخر يعذب به القاعد في تلك الأشياء التي تسببت بصده عن الجهاد من مال أو ولد أو غيره، كما قال الله عن المنافقين: { فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } ومن جنس هذا العذاب أن تحصل الجفوة والفرقة بين المرء وأهله وأقاربه وتفسد ذات بينهم بسبب ترك الجهاد، وهم الذين غالبا من منعه وثناه عن الجهاد، يشهد لهذا قول الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }، قال ابن كثير: "أي: عن الجهاد ونكلتم عنه، { أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } أي: تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام" [التفسير]، وهذا يصيب كثيرا من الناس فتجدهم لما أطاعوا ذويهم بترك فريضة الجهاد المتعين؛ عذبهم الله بأن جعل بأسهم بينهم، فقتل هنا وحرب هناك، ومشكلة هنا وجريمة هناك، وكل ذلك عذاب عجّل عليهم في الدنيا والله المستعان.

وهكذا فما كان سببا في ترك الجهاد يتحول إلى عذاب في ذاته وهذا من عدل ربنا جل وعلا، وإن ترك ذلك الشيء لله، تولاه الله له ورعاه وربّاه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

ونظير هذا أيضا حلول الدمار والخراب في ديار القاعدين عن الجهاد بعد أن نكلوا وتقاعسوا عن الجهاد ظنا منهم أنه سبب دمار البلاد وخرابها، فإذا الذي يخشونه يلاحقهم، وذلك بتسلط الطواغيت على ديارهم وممتلكاتهم واستمرائهم في التعدي على بيوتهم ومساكنهم فتجرف بيوت وتهدّم ويهجّر آخرون ويضطهدون، أو ما ينشب بين الطواغيت أنفسهم من حروب تطال من بين ظهرانيهم من الناس، وذلك دون أي اعتبار لدماء المسلمين ولا أموالهم، ولو جاهد الناس في سبيل ربهم لكان خيرا لهم.

ومنه العذاب المعنوي بتقريع القاعد أن الله في غنى عنه وذاك في قوله تعالى: { وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا } وأن الله سيستبدل به من هو خير منه؛ لأنه الأذل والأدنى، كما قال سبحانه: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }.

ومن ذلك أيضا أن يُفتن عن دينه بانتكاسة وتراجع حتى عن الاستقامة على طاعة الله أحيانا، تحت حجة ضغط الواقع، كما زعم قوم أن الجهاد فتنة فإذا هم ساقطون في الفتنة، قال الله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا } وأكبر منها أن يعذب بسقوطه في موالاة الطواغيت والتذلّل إليهم لخوف أو شهوة أو شبهة، فيذهب دينه والعياذ بالله ومردّ ذلك حب الدنيا وكراهية الموت وهذا عذاب شديد حين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف فـ { كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ }، وقد رأينا بعض الذين تركوا الجهاد وفارقوا ساحاته، انتهى بهم المطاف جنوداً وعبيداً للطاغوت بعد أن كانوا جنوداً وعبيداً لله، وبالجملة فإن القعود معصية لله رب العالمين ووقوع فيما فيه سخطه سبحانه، وخصلة من خصال المنافقين وكبيرة من كبائر الذنوب، ولو تفكر القاعد في الوعيد الذي كررته آيات القرآن في حق القاعدين، لما أمن من مكر الله، ولأصبح حريصاً للنفير طالباً للجهاد، خاشياً أن ينزل عليه العذاب، أو يأتيه الموت وهو على ذلك.

وفي مقابل حال القاعد: حال المجاهد الذي تظافرت النصوص الشرعية في بيان فضله وعلو منزلته ومنه على سبيل المثال قوله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } فيكفي نعمة الهداية واطمئنان القلب بالإيمان ثمرة من ثمار الجهاد تمتد من الدنيا إلى الآخرة، ومنها حديث النبي ﷺ: (إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) [رواه البخاري] وغيرها من العطايا والمنح.

فالبدار البدار والنجاء النجاء، فانفر أيها المسلم لتلتحم وتنتقم وتسلم، ولا تقل سبق الناس وعملوا وجاهدوا، فإن كل نفس بما كسبت رهينة، وأنت مرهون بنفسك فأعتقها ولا توبقها، وأكرمها ولا تُهنها، و { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۝٩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }، والحمد لله رب العالمين.

◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 472
الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ

مقال:
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
...المزيد

إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا • كيف يقع المرء في النار رغم يقينه بحرها ...

إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

• كيف يقع المرء في النار رغم يقينه بحرها وحرقها؟ ذلك حين تختل الموازين، ويُرى الماء سرابا والسراب ماء، ومن ذلك توهم الناس أن الأمان في القعود، والراحة في البُعد عن ساحات الجهاد، ولكن هيهات هيهات فمن طلب السعادة بمعصية الله كانت التعاسة إليه أقرب.

في القرآن توعد الله القاعدين بالعذاب الأليم، فقال سبحانه وتعالى: { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا }، آية لو تدبرها القارئ لكتاب الله لفزع قلبه، عذاب ووعيد لمن قعد عن الجهاد المتعيّن، وتهديد من رب العالمين لا يتساهل فيه إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض القلب أو غافل ضعيف الإيمان، وطالما كان الوعيد من ربنا سبحانه وتعالى فهو محقق لا محالة.

عذاب الله للقاعدين نافذ فيهم وكلٌّ يصيبه ذلك العذاب، إما ضنك في الحياة وضيق عيش وهذا لا يكاد يسلم منه قاعد من القاعدين، حيث أن أعظم نعم الجهاد ذهاب الهم والغم كما قال عليه الصلاة والسلام: (الجهاد باب من أبواب الجنة ينجي من الهم والغم) [الطبراني]، فمن ترك الجهاد لم يخطئه هم ولا غم، وهذا مشاهد في أحوال القاعدين زفراتهم وآلامهم وأكدارهم لا تنتهي.

وعذاب آخر يعذب به القاعد في تلك الأشياء التي تسببت بصده عن الجهاد من مال أو ولد أو غيره، كما قال الله عن المنافقين: { فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } ومن جنس هذا العذاب أن تحصل الجفوة والفرقة بين المرء وأهله وأقاربه وتفسد ذات بينهم بسبب ترك الجهاد، وهم الذين غالبا من منعه وثناه عن الجهاد، يشهد لهذا قول الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }، قال ابن كثير: "أي: عن الجهاد ونكلتم عنه، { أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } أي: تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام" [التفسير]، وهذا يصيب كثيرا من الناس فتجدهم لما أطاعوا ذويهم بترك فريضة الجهاد المتعين؛ عذبهم الله بأن جعل بأسهم بينهم، فقتل هنا وحرب هناك، ومشكلة هنا وجريمة هناك، وكل ذلك عذاب عجّل عليهم في الدنيا والله المستعان.

وهكذا فما كان سببا في ترك الجهاد يتحول إلى عذاب في ذاته وهذا من عدل ربنا جل وعلا، وإن ترك ذلك الشيء لله، تولاه الله له ورعاه وربّاه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

ونظير هذا أيضا حلول الدمار والخراب في ديار القاعدين عن الجهاد بعد أن نكلوا وتقاعسوا عن الجهاد ظنا منهم أنه سبب دمار البلاد وخرابها، فإذا الذي يخشونه يلاحقهم، وذلك بتسلط الطواغيت على ديارهم وممتلكاتهم واستمرائهم في التعدي على بيوتهم ومساكنهم فتجرف بيوت وتهدّم ويهجّر آخرون ويضطهدون، أو ما ينشب بين الطواغيت أنفسهم من حروب تطال من بين ظهرانيهم من الناس، وذلك دون أي اعتبار لدماء المسلمين ولا أموالهم، ولو جاهد الناس في سبيل ربهم لكان خيرا لهم.

ومنه العذاب المعنوي بتقريع القاعد أن الله في غنى عنه وذاك في قوله تعالى: { وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا } وأن الله سيستبدل به من هو خير منه؛ لأنه الأذل والأدنى، كما قال سبحانه: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }.

ومن ذلك أيضا أن يُفتن عن دينه بانتكاسة وتراجع حتى عن الاستقامة على طاعة الله أحيانا، تحت حجة ضغط الواقع، كما زعم قوم أن الجهاد فتنة فإذا هم ساقطون في الفتنة، قال الله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا } وأكبر منها أن يعذب بسقوطه في موالاة الطواغيت والتذلّل إليهم لخوف أو شهوة أو شبهة، فيذهب دينه والعياذ بالله ومردّ ذلك حب الدنيا وكراهية الموت وهذا عذاب شديد حين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف فـ { كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ }، وقد رأينا بعض الذين تركوا الجهاد وفارقوا ساحاته، انتهى بهم المطاف جنوداً وعبيداً للطاغوت بعد أن كانوا جنوداً وعبيداً لله، وبالجملة فإن القعود معصية لله رب العالمين ووقوع فيما فيه سخطه سبحانه، وخصلة من خصال المنافقين وكبيرة من كبائر الذنوب، ولو تفكر القاعد في الوعيد الذي كررته آيات القرآن في حق القاعدين، لما أمن من مكر الله، ولأصبح حريصاً للنفير طالباً للجهاد، خاشياً أن ينزل عليه العذاب، أو يأتيه الموت وهو على ذلك.

◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 472
الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ

مقال:
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
...المزيد

سوريا الحرة وسوريا الأسد! • إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها ...

سوريا الحرة وسوريا الأسد!

• إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى.

بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم

ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها.

ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين).

ولكن فليسمع جنودها وأنصارها قبل خصومها وأعدائها، إنه والله لا يضير دولتكم مدحها أو ذمها فقد استويا عندها، ولم تطلب يوما لقاء جهادها جزاء أو شكورا من أحد، ولئن كانت سجلات الأرض قد ظلمتها وجحدتها فإن سجلات الملك العدل سبحانه لا تفعل، وغدا كله تلقاه في كتاب لا يضل ولا ينسى.

ولا ينقصها شهادة من أحد، وهذه ميادين الملاحم ما زالت قائمة وسيوفها ما زالت مشرعة، ولئن قاتل هؤلاء اليوم تثبيتا وتحسينا لاتفاقيات الطواغيت، فإن الدولة لن توقف قتالها أصلا، ولم ترهن قرارها لأحد، ولئن قاتلوا استجابة لأوامر الداعمين ومصالح الراعين لأنهم خالفوا مشاريعهم ومصالحهم جميعا، فإن الدولة قاتلت استجابة لأوامر الحق سبحانه وتحقيقا لمصالح المسلمين، ولئن طبقوا مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها الكافرة في حربهم وسلمهم فإنها طبقت أوامر الخالق سبحانه في حربها وسلمها، ولم تخرج عن ميثاق النبوة ولا ميراثها.

ولئن قاتل هؤلاء من خلال "الإستانة" و"سوتشي" وحدودها، فلم تقاتل إلا في ظلال الشريعة وحدودها، ولئن قاتلوا تماشيا مع المصالح الدولية والإقليمية، فلم تقاتل إلا مخالفة لها، فكانت دولتنا خلاف ما يحبون، تراغمهم وتغيظهم وما زالت ستبقى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وقد عابوا عليها قديما أنها لم تحيّد عدوا، ولو استطاعت لفعلت، ولكنها حرب مفاصلة رموها فيها عن قوس واحدة، لأنها خالفت مشاريعهم ومصالحهم جميعا، وهذا كان اعترافا من حيث لا يشعرون أن دولة الإسلام لم توافق رغبة أحد ولم تقاتل لمصلحة أحد ولم تكن في جيب أحد.

وهذه همسة إيمانية تربوية منهجية، إن الشام ستبقى بين الفتن والملحمة، وهذان السياقان لا يمكن الفصل بينهما، وهو ما يحتم على المسلم أن يصحح عقيدته لتقوى ويعزّز إيمانه ليثبته، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.


◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472
الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
...المزيد

سوريا الحرة وسوريا الأسد! • هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه ...

سوريا الحرة وسوريا الأسد!

• هبَّ أن النظام النصيري سقط الآن، ما هو نظام الحكم الذي ستطبقه الفصائل في "سوريا الحرة؟" إن قلتَ الشريعة، فأنتَ لا تعرف الثورة! أو لا تعرف الشريعة! وإن قلت "مجلس انتقالي" و "دستور وطني"، فمع من كانت مشكلة "الثوار" إذن؟ مع عائلة الأسد؟! في السياسة البغيضة لا يمكن فهم الأحداث خارج نطاقها الزماني والمكاني، والتصعيد الأخير من قبل الصحوات، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقه الزماني بعد "اتفاق لبنان" وتولد رغبة دولية بإخراج إيران من المشهد السوري، وكذلك بعد تعثر الحوار السياسي بين الأسد وأتاتورغان، ما دفع الأخير إلى مخاطبة الأسد وحلفائه من خلف لثام الفصائل وبياناتهم السياسية، وعبر فوّهات بنادقهم المأجورة.

كما لا يمكن فهم هذا التصعيد بمعزل عن سياقه المكاني ممثلا بالشمال السوري الذي تريد تركيا اقتطاع جزء منه منطقة عازلة تحمي حدودها وتمكنها من إعادة النازحين إليها.

معلوم أن "التحالف الدولي" الذي تديره أمريكا، تشارك فيه تركيا كبيدق رئيس، وتدير بدورها بيادق أصغر، تتنافس فيما بينها في كسب رضا الراعي الدولي أو المشغل الإقليمي، ويحاول كل بيدق أن يقدّم نفسه فاتحا "محررا" للسوريين، وسياسيا "متحررا" للداعمين.

إنها حرب بالوكالة بين "البيادق التركية" التي تحرك تركيا بعضها، وتغض الطرف عن بعضها، وبين "الأذرع الإيرانية" لتحصيل مكتسبات أفضل على طاولة "أستانا" أو "الدوحة" أو أي طاولة ترسم خارطة "سوريا المستقبل".

"سوريا المستقبل" أو "الحرة" التي تسعى الصحوات إليها، سبق أن جلاها قادة الدولة الإسلامية في خطاباتهم قبل سنوات طويلة، واليوم تظهر معالمها الجاهلية واضحة في بيانات الهيئات المرتدة التي طغت عليها لغة الطمأنة
للنظام الدولي، و "التعايش" مع "الأقليات" الوثنية والباطنية كالعلوية والإسماعيلية والإيزيدية!، ناهيك عن النصرانية، بل ذهبت هيئات الردة أبعد من ذلك عندما خاطبت روسيا الصليبية بصفتها "شريكا محتملا في بناء مستقبل مشرق لسوريا الحرة!" وخاطبت الحكومة العراقية الرافضية بلغة "التفاهم والتعاون الأخوي!".

إنها ثورة جاهلية تسعى إلى" ترسيخ مفهوم الدولة"، وقطعا يقصدون بها "الدولة المدنية"، التي حاربوا لأجلها الدولة الإسلامية، إنها ثورة وليست جهادا في سبيل الله، ثورة تحرُّرية من "نظام قمعي" يستأثر بالسلطة، بغية الوصول إلى نظام آخر "ديمقراطي" يتقاسم السلطة، هذه هي مفاهيم وأبجديات الثورات، وهذه هي شكل "سوريا الحرة" بعد حقبة "سوريا الأسد!" تتلخص في إسقاط تمثال قبيح وبناء آخر على أنقاضه بوجه حسن! التفسير الشرعي لما يجري، لا يخرج عن سنة التدافع العادلة ، فكما رأينا التدافع في الصراع "اليهودي - الرافضي"، ها نحن نرى التدافع في الصراع "الوطني النصيري"، ولا شك أن هناك فرحة عارمة بين عامة المسلمين للتخلص من قبضة النظام النصيري وهذا طبيعي ومبرر حاليا، لكن خروج المناطق من قبضة النصيرية وسقوطها في قبضة تركيا العلمانية وفصائلها الوطنية لا يعني الانعتاق من شرنقة الجاهلية، وإنما الانتقال إلى حقبة جاهلية أخرى.

بالمحصلة، فالحدث برمته لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت مصالح "الجهاديين والثوريين" لا تتقاطع إلا معه! لكن لما كان زحف الدولة الإسلامية قبل سنوات خلافا لرغبة النظام الدولي، سارعوا إلى تشكيل أكبر تحالف صليبي جاهلي في التاريخ لوقف زحف الخلافة الهادر الذي جاء على غير ما يتوقعون ويشتهون، ومع ذلك وصفوها بأنها "مؤامرة" عالمية كونية صنعتها أمريكا واليهود وإيران وروسيا وكل مخابرات العالم

ولسنا في موضع نقارن به مشروع دولة الإسلام بمشاريع الجبهات والهيئات الوطنية القُطرية، فإن الذي بيننا وبينهم لمختلف جدا، ولكن نذكر بأن جيوش الخلافة في البوادي والأرياف لم توقف قتالها للنظام النصيري يوما، ولم تُذل خيولها.

ولئن كان تحرك الصحوات متوافقا متقاطعا مع مصالح الحلف اليهودي الأمريكي، فإن الدولة الإسلامية يوم زحفت كان زحفها وما يزال مخالفا معارضا لكل الرغبات والمصالح الأمريكية اليهودية، حتى وصل زحفها نحو "أربيل" و "كوباني" حدائق اليهود الخلفية، فتداعى التحالف الجاهلي بكل أطرافه يتصارخون: اليهود اليهود أدركوا اليهود وانكبت طائرات الأرض تصب حممها لوقف هذا الزحف الهادر، وتكرر الأمر عندما زحف المجاهدون نحو أسوار بغداد، فانصهر الروم مع الفرس جيشا واحدا يقاتل ويذب عن بغداد خشية أن تعود دارا للخلافة، فكان زحف الدولة الإسلامية خلافا لكل الرغبات الدولية ومفارقة لا التقاء لكل المصالح الدولية ومع ذلك اتهمت بالعمالة لكل أقطاب الأرض! (سنوات خداعات.. يؤتمن فيها الخائن ويخوّن فيها الأمين).


◽ المصدر: مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 472
الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ
...المزيد

بيت المقدس.. قضية شرعية أولاً • ولو نظرنا إلى واقع الأرض اليوم لوجدناها تحكم كلها بالشرك ...

بيت المقدس.. قضية شرعية أولاً

• ولو نظرنا إلى واقع الأرض اليوم لوجدناها تحكم كلها بالشرك وقوانينه، خلا بقاعا منها مكن الله الدولة الإسلامية من إقامة الدين فيها، والجهاد لدفع الكفار عن أراضي المسلمين المغصوبة واجب على المسلمين، ومنها بيت المقدس وأكنافها، وأرض الحرمين، وباقي ديار المسلمين، وبالتالي يتساوى الحكم على الجهاد في فلسطين مع غيره دون تمييز، ولو كان فضل الأرض يقدم خيار الجهاد فيها، فالجهاد لاستنقاذ مكة والمدينة من أيدي الطواغيت من آل سعود مقدم ولا شك على سائر بقاع الأرض.

ومن باب آخر فإن الله عز وجل أمر عباده أن يقاتلوا المشركين كلهم، دون استثناء لبعضهم دون بعض، أو تخصيصه ببعضهم دون بعض، فقال تعالى: {وقاتلوا المشركين كافةً كما يقاتلونكم كافةً واعلموا أن الله مع المتقين}، فما الذي أعطى لليهود الميزة من بين كل أصناف المشركين كي يحصر المنحرفون الجهاد بهم دون غيرهم، فالطواغيت المرتدون الحاكمون لديار الإسلام أشد كفرا منهم، وقتالهم مقدم على قتال المشركين الأصليين، فالجهاد المشروع يكون بقتال اليهود في فلسطين وبقتال الطواغيت وأتباعهم من المرتدين في كل مكان في الوقت نفسه، وكذلك الصليبيين، وكل المشركين في العالم، أما حصر الجهاد باليهود فقط فهو تبديل لشرع الله، واتباع لأهواء الطواغيت الذين يريدون منع المسلمين من جهاد المشركين والمرتدين في البلدان التي يحكمونها.

وكذلك فإن الله تعالى أمر المؤمنين أن يتوجهوا في جهادهم إلى الأقرب إليهم من الكفار، في إطار قتالهم للمشركين كافة، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}، وبالتالي فإن على المسلمين في كل مكان أن يقاتل كل منهم الأقرب إليه من الكفار، فيبدأ المسلمون تحت حكم اليهود بقتالهم، ويبدأ أهل الشام بقتال الطاغوت النصيري وغيره من أصناف المرتدين كالصحوات والـ PKK، ويبدأ المسلمون في العراق بقتال مرتدي الرافضة والبيشمركة والصحوات، والمسلمون في مصر وسيناء بقتال الطاغوت الحاكم لمصر، وهكذا في كل ديار الإسلام، حتى إذا انتهى المسلمون في أي قطر من الأقطار من قتال الكفار الذين يلونهم وأخضعوا أرضهم لحكم الله، انتقلوا إلى الكفار الذين يلونهم، وهكذا حتى تطهر الأرض من الشرك والكفر.

وتتأكد هذه الحقيقة إذا أخذنا بالحسبان أن الطواغيت في جوار بيت المقدس، يشكلون هم وجيوشهم خط الدفاع الأول عن دولة يهود، وبالتالي لا يمكن بحال التوصل إلى قتال اليهود إلا بالتخلص من هؤلاء الطواغيت وإزالة حكمهم، وتدمير جيوشهم، وبالتالي الوصول إلى تخوم دولة اليهود والاشتباك مع جيشهم بشكل مباشر.

إن الجهاد لاستنقاذ بيت المقدس وأكنافه من أيدي اليهود والذي نسأل الله أن يكون قريبا، هو مسألة شرعية، تخضع لضوابط الشريعة في كل أجزائها، ولا يصح بحال أن يغلو أحد فيها فيرفعها فوق توحيد الله، مثلما لا يصح أن يتهاون فيها أحد ممن يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا، فهو واجب شرعي، يجب على كل المسلمين العمل عليه، لكونه من ديار المسلمين التي استولى عليه الكفار اليهود، وحولوه إلى دار حرب، وحكموه بشريعة الطاغوت، ومنعوا فيه شعائر الإسلام، وقتلوا المسلمين، ونهبوا أموالهم، وأخرجوهم من أرضهم، فقتال هؤلاء اليهود واجب على كل مسلم، ولكن هذا الواجب أوكد على أهل بيت المقدس لكونهم أقرب إليهم، على أن تكون غاية هذا القتال هي إقامة دين الله لا مجرد استعادة الأرض والمال، أو لمجرد الثأر من اليهود على جرائمهم طيلة العقود الماضية، وواجب على كل المسلمين في العالم إعانتهم في ذلك بما يستطيعون إيصاله إليهم من المال والرجال، وكذلك التخفيف عنهم، والنكاية في عدوهم عن طريق استهداف اليهود وحلفائهم أينما ثقفوهم، وقتلهم، وإتلاف أموالهم، وتعطيل مصالحهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

والجهاد لاستنقاذ بيت المقدس من أيدي اليهود لا يبرر الانتساب إلى الفصائل والأحزاب المرتدة، مثل حزب اللات الرافضي، وحركة «الجهاد الإسلامي» المرتبطة بها، أو الحركات العلمانية والشيوعية، كحركة فتح والجبهتين الشعبية والديموقراطية، ولا الحركات المنتسبة للإسلام اسما، الممتنعة عن تنفيذ شرع الله حكما، المطبقة لشرك الديموقراطية واقعا كحركة حماس المرتدة.

فقتال الكفار تحت راية كفرية لا يجوز بحال، وإنما يجاهد المسلم تحت راية جماعة المسلمين فإن لم يستطع الالتحاق بالخلافة، فبيعتها وجهاده وحده أبرّ له عند الله من أن يهلك نفسه في سبيل إزالة حكم اليهود وإحلال حكم الأحزاب والفصائل الطاغوتية المرتدة.


• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 22
السنة السابعة - الثلاثاء 5 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
بيت المقدس.. قضية شرعية أولاً
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً