قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله) [3/4] ولم تنطلِ ...

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله)
[3/4]

ولم تنطلِ خدعتهم تلك -بفضل الله- على أمير المؤمنين ومجلس شوراه، واستقر الأمر لديهم على ضرورة عزل الجولاني وزمرته وتعيين قيادة جديدة لـ (جبهة النصرة) التي كانت الاسم المعتمد لمجاهدي الدولة الإسلامية في الشام، ولكن الوقت لم يكن في مصلحة تبنّي هذا الخيار لعلمهم بأن الغادرين يخطون خطوات سريعة في مشروعهم لنقض العهد، وإعلان الخروج على إمامهم، حيث استدعى الجولاني المقربين منه وأعلمهم بنيّته الانشقاق عن (دولة العراق الإسلامية) في تآمر مع قيادة تنظيم القاعدة في خراسان، وقد تسرّب خبر هذا الاجتماع الذي انعقد بعد أسبوع من تجديدهم البيعة لأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي، حفظه الله، فكان الخيار الأصلح لدى قيادة الدولة الإسلامية في تلك المرحلة إلغاء مسمى (جبهة النصرة) والإعلان الصريح عن تبعيتها للدولة الإسلامية، وكان الشيخ أبو علي الأنباري -تقبّله الله- على رأس المؤيدين لهذا الرأي الذي استقر عليه أمير المؤمنين في خطابه المشهور، الذي تضمن إلغاء اسمَي (دولة العراق الإسلامية) و(جبهة النصرة)، وتوحيدهما تحت مسمى جديد هو (الدولة الإسلامية في العراق والشام).

وهنا أُسقط في أيدي الغادرين ولم يعد لديهم من بدّ من إنهاء فصول مؤامرتهم على الدولة الإسلامية بمشاركة من أمير (القاعدة) أيمن الظواهري، فبادروا بإعلان بيعتهم للظواهري كي يخلطوا الأمور على الجنود فيعجزوا عن اتخاذ القرار وحسم الخيار، ويكسب الغادرون فرصة جديدة للمضي في مشروعهم خطوة أخرى.

وكان من قدر الله تعالى أن الشيخ الأنباري قد اكتسب محبة وتقديرا كبيرين لدى الجنود والأمراء وطلبة العلم في مختلف نواحي الشام أثناء قيامه بجولاته التفقدية التي سبق الحديث عنها، فكان ذلك أحد الأسباب التي ساعدت في تثبيت جنود الدولة الإسلامية في الشام في ظل الفتنة الكبيرة التي عصفت بهم، فلم يستغرق الأمر سوى زيارات قليلة قام بها على المناطق والقواطع المختلفة ليشرح للجنود حقيقة الأمر، ويبين لهم سبب اتخاذ القرار بحل (جبهة النصرة)، حتى ثبت جنود أكثر القواطع علي بيعتهم لأمير المؤمنين، ليُسحب بذلك الجزء الأكبر من البساط من تحت أقدام الغادرين الذين لم يبقَ في صفّهم حينها سوى قلّة من المخدوعين أو المنتفعين، وجزء قليل من جنود المنطقة الشرقية كانوا مرتبطين بالدجال الهراري، فأُسقط في أيديهم، وما بقي لديهم من حيلة سوى اختراع قضية تحكيم الظواهري المشهورة التي طبخوها معه ومع الهالك أبي خالد السوري.

وبلغ غضبهم على الشيخ الأنباري -تقبله الله- الذي أفشل الله به الجزء الأكبر من مشروعهم حدّ التخطيط لقتله مع بعض الشيوخ والأمراء الآخرين، كجزء من مخطط أكبر يتضمن السيطرة على الحدود ومنع أي اتصال بين جنود الدولة الإسلامية في كل من العراق والشام، لكنهم أحجموا عن الأمر خشية التعرض لانتقام جنود الدولة الإسلامية الذين كانوا يعرفون بأسهم، ويعلمون انتشار مفارزهم الأمنية في الشام، ويتيقنون بقدرة تلك المفارز على الوصول إليهم واستئصال شأفتهم إن صدر القرار بذلك.

ثم تابع الشيخ أبو علي الأنباري -تقبله الله- نشاطه الذي لا يكلّ في الشام، مسؤولا عن (الهيئة الشرعية)، وعضوا في (اللجنة العامة المشرفة) على عموم العمل في الشام، فكانت تلك الفترة من أشق الفترات عليه -رحمه الله- لحجم ما ألقي على عاتقه من مسؤوليات، ولكثرة ما كان يبذله من جهد في التعليم والدعوة والبحث في المسائل الشرعية، بالإضافة إلى قضايا إدارة المناطق واستلام ملف حل المشكلات مع الفصائل والتنظيمات، عدا عن إشرافه على القضاة والمحاكم الإسلامية التي بدأت الدولة الإسلامية في إنشائها في المناطق التي حصل فيها شيء من التمكين، فعمل على تسيير عملها، ووضْعِ ضوابط لتسيير عمل المحاكم.

وكان من صفاته -تقبّله الله- في تلك المرحلة أنّه لم يكن ييأس من دعوة الفصائل والتنظيمات إلى التزام التوحيد والسنة، فكان يلتقي قادتها ويحذّرهم من خطر الارتباط بدول الطواغيت وأجهزة مخابراتهم، وإعلامهم أنهم يستدرجونهم من خلال الدعم المقدم لهم إلى أبواب الردّة والعمالة، ليمسكوا من خلالهم بخيوط الجهاد في الشام، ويستخدموهم فيما بعد لقتال الدولة الإسلامية عبر تجنيدهم في مشاريع صحوات شبيهة بالتي أنشؤوها في العراق، وهو ما كان بقدر الله بعد أشهر قليلة فقط، عندما خرجت تلك الفصائل على الدولة الإسلامية، وقصة غدرهم بالمجاهدين في مناطق حلب وإدلب والساحل والمنطقة الشرقية معروفة.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
الثلاثاء 12 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله) [2/4] وفي تلك ...

قصة شهيد / العالم العابد والداعية المجاهد الشيخ أبو علي الأنباري (تقبّله الله)
[2/4]

وفي تلك الأثناء كان جنود الدولة الإسلامية في الشام قد صارت لهم شوكة وانتشار واسع، ومع أخبار الفتوحات والانتصارات كانت التقارير الواردة من الشام إلى العراق لا تبشّر بخير، وخاصّة فيما يتعلق بانحراف القائمين على العمل هناك عن منهج الدولة الإسلامية، وسعيهم المبكر لاسترضاء طوائف الشرك والردّة، وسوء إدارتهم، وقوة العصبيات العشائرية والمناطقية داخل الصف، ما يهدّد فعليا بانهيارها أو اختطافها من قبل زمرة من الخونة المتآمرين.

فقرّر أمير المؤمنين إيفاد من ينوب عنه للاطلاع على حقيقة الوضع، والتأكد من صحة التقارير، فوقع اختياره على الشيخ أبي علي لأداء هذه المهمّة لعدّة أسباب، على رأسها معرفة الشيخ بالجولاني في مرحلة سجنه، حيث كان معه في بعض الفترات، وكان ذلك الماكر يظهر له التقدير والاحترام داخل السجن وبعده، إلى درجة أنه كان يخاطبه في رسائله إليه بصيغة (والدي العزيز)، والشيخ يحسن به الظن، ويرى أن الشهادات ضده من جنس الخصومات التي تنشأ كثيرا بين الجنود وأمرائهم، أو بين الأقران من الأمراء.

فدخل الشيخ أبو علي الأنباري -تقبله الله- إلى الشام عابرا الحدود المصطنعة، وكانت رحلته تلك من النعم التي أنعم الله بها على الدولة الإسلامية، إذ قام فور وصوله بجولة استغرقت أسابيع عديدة على مختلف المناطق والقواطع في الشام، ورأى بأم عينيه حجم الأخطاء المرتكبة في إدارة العمل، وتعرّف على طبيعة الانحرافات المنتشرة لدى أفرادها وأمرائها، التي سببها الأساسي إهمال جانبي التربية والعلم الشرعي من قبل القائمين على العمل، ولكنه -رحمه الله- كان يرى أن هذه الأخطاء مما يمكن إصلاحه بمزيد من الجهد، ثم كانت الفرصة الكبرى لكشف بواطن الأمور عندما قرر الشيخ أن يقيم في نفس مقر الجولاني، ليكون لصيقا له فترة من الزمن فيدرس عن قرب شخصيته ويعرف كيفية إدارته للأمور، فكشف الله له خلال شهر أو أقل الكثير من الحقائق، وكان ذلك سببا في صيحة النذير التي أرسلها إلى أمير المؤمنين أن يتدارك الوضع في الشام قبل أن تفلت الأمور من زمامها، فأرسل الرسالة التي فضح الله بها حقيقة الغادر الجولاني، ووصف فيها مشاهداته عنه، وتقييمه الدقيق لشخصيته، وكان مما جاء فيها وصفا للجولاني:

«شخص ماكر، ذو وجهين، يحبّ نفسه ولا يبالي بدين جنوده، وهو على استعداد لأن يضحي بدمائهم ليحقق له ذكرا في الإعلام، يطير فرحا كالأطفال إذا ذُكر اسمه على الفضائيات...».

وقد كانت هذه الرسالة السبب الرئيس في قدوم أمير المؤمنين بنفسه إلى الشام، فليس الشيخ أبو علي عنده بالمكذَّب، وهو مبرّأ من تنافس الأقران، وخلافات الجنود مع أمرائهم، فعبر الحدود رغم المخاطر الكبيرة عليه ليجده في انتظاره على الجهة الأخرى يطلب الإذن بالعودة إلى العراق بعد انتهاء مهمّته، ورغبة عمّا عايشه من وضع سيء للجهاد في الشام، ولكن أمير المؤمنين أبى ذلك واستصحبه معه في رحلته، ليكون عونا له في إصلاح الأخطاء التي ارتكبها الجولاني وزمرته، ويكون يداً له في التغيير.

لم تنجح محاولات الجولاني وزمرته في تقييد حركة أمير المؤمنين بعد وصوله إلى الشام بزعمهم الحرص على سلامته، فكانت جولات قليلة على الجنود، ولقاءات معدودة بالأمراء كافية ليحسم أمير المؤمنين القضية، ويتأكد أن القائمين على العمل قد أفسدوا الأمر، وأنهم يعملون لخدمة أنفسهم وحظوظها، الأمر الذي انعكس سلبا على الاهتمام بالجنود والعلاقة بهم، فاستدعى الجولاني وزمرته ليجتمع بهم ويسمع تبريراتهم لما تأكد بحقّهم من أخطاء، فكان ذلك المجلس المشهور، الذي كانت فيه مسرحية بكاء الماكر الجولاني، وإصرار الدجّال الهراري على تجديد البيعة، واستجابة شركائه للدعوة، وقيامهم فردا فردا بتجديد البيعة لأمير المؤمنين، أملا في اكتساب مزيد من الوقت ليكملوا فيه مشروعهم بشق الصف، والاستحواذ على ما استؤمنوا عليه من الرجال والأموال.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
الثلاثاء 12 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً