مشاهد من حرص الصحابة على نيل الشهادة (١/٢) علم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أن الجنة ...

مشاهد من حرص الصحابة على نيل الشهادة

(١/٢)
علم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أن الجنة سلعة الله الغالية، وعلموا أن ثمنها لا يَقدر عليه إلا من شمَّر عن ساق الاجتهاد، فبحثوا عن كل طريق فيه مرضاة الله لينالوها، وهم يسألون الله التيسير والقبول.

فتراهم يعقدون العزم على البيع والتجارة مع الله، فيبيعون النفس والمال من أجل أن يشتروها، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 10-12].
ولمَّا علموا أن أسرع طريق لها هو الشهادة في سبيل الله، نزلوا إلى ساحات الوغى مقبلين غير مدبرين، مسارعين، يُقبلون على الموت، يتّخذونه طريقا للحياة.

• أنس بن النضر -رضي الله عنه- ينغمس في المشركين يوم أحد

فها هو أنس بن النضر -رضي الله عنه- الذي غاب عن غزوة بدر، فحزن حزنا شديدا، ولكنه أقسم قسما ووعد وعدا، فلنستمع إلى ابن أخيه أنس بن مالك يحكي لنا عن فعل عمِّه إذ يقول: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين، ليَرين الله ما أصنع! فلما كان يوم أُحُد، وانكشف المسلمون، قال: اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة، وربِّ النضر، إني أجد ريحها دون أُحُد! قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع؛ قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل، ومثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، فقال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 33].
• عمير بن الحمام -رضي الله عنه- يسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض

وهذا أنس -رضي الله عنه- يحكي لنا عن سعيهم، قال: انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا يقدمنَّ أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)، فدنا المشركون، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)، قال عمير بن الحمام: يا رسول الله، جنةٌ عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نعم)، قال: بَخٍ بَخٍ! فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك: بَخٍ بَخٍ؟) قال: لا والله، إلا رجاء أن أكون من أهلها؛ قال: (فإنك من أهلها)، فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة! فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل.

• قادة سرية مؤتة يطلبون الشهادة

وفي مؤتة، أخذ جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- اللواء بيمينه فقُطعت، فأخذه بشماله، فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قُتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، وقيل أن رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه نصفين.

• الأعرابي المهاجر صدق الله فصدقه

وانظروا إلى صدقهم مع الله، روى شداد بن الهاد رضي الله عنه: جاء رجل من الأعراب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك؛ فأوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه، فلما كانت غزاة، غَنم النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا، فقَسم، وقَسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي، صلى الله عليه وسلم؛ فأخذه، فجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذا؟ قال: (قسمته لك)، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى إلى ها هنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت، فأدخل الجنة! فقال: (إن الله يصدُقك)، فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتيَ به النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أهو هو؟) قالوا: نعم، قال: (صدق الله فصدقه)، ثم كفَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في جبته، ثم قدَّمه فصلَّى عليه، فكان ممَّا ظهر من صلاته: (اللهم هذا عبدك، خرج مهاجرا في سبيلك، فقُتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك).


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111art
...المزيد

ففي هذه الآيات شرع أحكم الحاكمين القصاص، وفي هذا الحديث حكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ...

ففي هذه الآيات شرع أحكم الحاكمين القصاص، وفي هذا الحديث حكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بسمر أعين العكليين لمّا سمر بعضهم أعين رعاته، وهذه الأدلة شاهدة على عدالة النيران التي أشعلها الموحدون المجاهدون في أسرى الطاغوتين الأردني والتركي، كما يشهد لعدالتها مذهب جمهور الفقهاء.

قال أبو العباس القرطبي في شرحه للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها [أي: لأجل حُلي لها من الفضة]، فقتلها بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق [أي: بقية الحياة والروح]، فقال لها: (أقتلك فلان؟) فأشارت برأسها أن لا، ثم قال لها الثانية، فأشارت برأسها أن لا، ثم سألها الثالثة، فقالت: «نعم»، وأشارت برأسها، فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حجرين.

قال القرطبي: «فيه أن من قَتَل بشيء قُتل به، وقد اختُلف فيه، فذهب الجمهور إلى أنه يُقتل بمثل ما قَتل من حجر، أو عصا، أو تغريق، أو خنق، أو غير ذلك ما لم يَقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر، فيُقتل بالسيف، وحجّتهم هذا الحديث، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، والقصاص أصله المساواة في الفعل، ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار، وفي قتله بالعصا، فجمهورهم: على أنه يُقتل بذلك»، ثم قال: «والصحيح مذهب الجمهور لما تقدّم... لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، ولحديث العرنيين [أي: حديث العكليين] على ما تقدّم» [المفهم].

وقال ابن القيم: «قد ثبت عن النبي أنه رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية [الرضخ: كسر الشيء ودقُّه]... ولهذا كان أصح الأقوال أنه يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرَّما لحق الله كالقتل باللواطة وتجريع الخمر ونحوه، فيُحرق كما حرق، ويُلقى من شاهق كما فعل، ويُخنق كما خنق، لأن هذا أقرب إلى العدل، وحصول مسمى القصاص، وإدراك الثأر والتشفي، والزجر المطلوب من القصاص» [تهذيب السنن].

فإن تباكى دجّالو العلم والتنظير على أسرى الطواغيت، وقالوا: «لم يباشر جميع عساكر الطواغيت وطيّاروهم تحريق المسلمين!» فالجواب في حديث العُكليين نفسِه، قال ابن القيم في شرحه: «في القصة دليل على قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد، وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشِرهم، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك» [زاد المعاد].

فهؤلاء العساكر والطيّارون جزء لا ينفصم من الطائفة الممتنعة المرتدة المحاربة للإسلام، بمجموعهم تتحقق الشوكة والمنعة للطواغيت، واللتان بهما تقع النيران الغاشمة على رؤوس المسلمين، فإن أراد دجّالو العلم والتنظير أن يُذبح أسرى الطواغيت بسكاكين الإرهاب -لا بنيران العدل- فليمنعوا أولياءهم من المضي في قصف دار الإسلام بالحارقات العاتيات.

وفي الختام: قال أبو العباس بن قدامة: «ينبغي للداخل إلى الحمّام أن يتذكر بحرارته حر النار، فإن فكرة المؤمن لا تزال تجول في كل شيء من أمور الدنيا فيذكر به أمور الآخرة، لأن الغالب على المؤمن أمر الآخرة، وكل إناء ينضح بما فيه، ألا ترى أنه لو دخل إلى دار معمورة بزّاز، ونجّار، وبنّاء، وحائك، رأيت البزّاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها، والحائك ينظر إلى نسج الثياب، والنجّار ينظر إلى سقف الدار، والبنّاء ينظر إلى الحائط، فكذلك المؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى نعيما تذكر نعيم الجنة، وإن رأى عذابا ذكر النار» [مختصر منهاج القاصدين].

فعلى المؤمن أن يتفكَّر إذا ما رأى حرق عساكر الطواغيت وجنود الصلبان، ويتذكّر أن نار جهنّم أشد حرّا، وأن يوم القيامة يغضب الجبّار -عز وجل- غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فيحرق عصاة الموحدين بها، وتأكل من نفوسهم إلا أثر السجود، فيتعذبون ويسودُّون ويصيرون فحما، ثم يُرحمون بنهر الحياة والجنة -كما جاء في الصحيحين- أما الكفرة والمرتدون، فيُحرقون فيها خالدين فيها أبدا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56].

فمن كان مُصرّا على كبائر الذنوب، فليتب قبل أن تسوقَه ذنوبه إلى ما لا يغفره الجبّار يوم القيامة، «قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، كما أن القُبلة بريد الجماع، والغناء بريد الزنا، والنظر بريد العشق، والمرض بريد الموت» [ابن القيم: الجواب الكافي].

اللهم، يا مقلّب القلب، ثبّت قلوبنا على دينك، آمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
...المزيد

ففي هذه الآيات شرع أحكم الحاكمين القصاص، وفي هذا الحديث حكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ...

ففي هذه الآيات شرع أحكم الحاكمين القصاص، وفي هذا الحديث حكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بسمر أعين العكليين لمّا سمر بعضهم أعين رعاته، وهذه الأدلة شاهدة على عدالة النيران التي أشعلها الموحدون المجاهدون في أسرى الطاغوتين الأردني والتركي، كما يشهد لعدالتها مذهب جمهور الفقهاء.

قال أبو العباس القرطبي في شرحه للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها [أي: لأجل حُلي لها من الفضة]، فقتلها بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق [أي: بقية الحياة والروح]، فقال لها: (أقتلك فلان؟) فأشارت برأسها أن لا، ثم قال لها الثانية، فأشارت برأسها أن لا، ثم سألها الثالثة، فقالت: «نعم»، وأشارت برأسها، فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حجرين.

قال القرطبي: «فيه أن من قَتَل بشيء قُتل به، وقد اختُلف فيه، فذهب الجمهور إلى أنه يُقتل بمثل ما قَتل من حجر، أو عصا، أو تغريق، أو خنق، أو غير ذلك ما لم يَقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر، فيُقتل بالسيف، وحجّتهم هذا الحديث، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، والقصاص أصله المساواة في الفعل، ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار، وفي قتله بالعصا، فجمهورهم: على أنه يُقتل بذلك»، ثم قال: «والصحيح مذهب الجمهور لما تقدّم... لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، ولحديث العرنيين [أي: حديث العكليين] على ما تقدّم» [المفهم].

وقال ابن القيم: «قد ثبت عن النبي أنه رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية [الرضخ: كسر الشيء ودقُّه]... ولهذا كان أصح الأقوال أنه يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرَّما لحق الله كالقتل باللواطة وتجريع الخمر ونحوه، فيُحرق كما حرق، ويُلقى من شاهق كما فعل، ويُخنق كما خنق، لأن هذا أقرب إلى العدل، وحصول مسمى القصاص، وإدراك الثأر والتشفي، والزجر المطلوب من القصاص» [تهذيب السنن].

فإن تباكى دجّالو العلم والتنظير على أسرى الطواغيت، وقالوا: «لم يباشر جميع عساكر الطواغيت وطيّاروهم تحريق المسلمين!» فالجواب في حديث العُكليين نفسِه، قال ابن القيم في شرحه: «في القصة دليل على قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد، وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشِرهم، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك» [زاد المعاد].

فهؤلاء العساكر والطيّارون جزء لا ينفصم من الطائفة الممتنعة المرتدة المحاربة للإسلام، بمجموعهم تتحقق الشوكة والمنعة للطواغيت، واللتان بهما تقع النيران الغاشمة على رؤوس المسلمين، فإن أراد دجّالو العلم والتنظير أن يُذبح أسرى الطواغيت بسكاكين الإرهاب -لا بنيران العدل- فليمنعوا أولياءهم من المضي في قصف دار الإسلام بالحارقات العاتيات.

وفي الختام: قال أبو العباس بن قدامة: «ينبغي للداخل إلى الحمّام أن يتذكر بحرارته حر النار، فإن فكرة المؤمن لا تزال تجول في كل شيء من أمور الدنيا فيذكر به أمور الآخرة، لأن الغالب على المؤمن أمر الآخرة، وكل إناء ينضح بما فيه، ألا ترى أنه لو دخل إلى دار معمورة بزّاز، ونجّار، وبنّاء، وحائك، رأيت البزّاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها، والحائك ينظر إلى نسج الثياب، والنجّار ينظر إلى سقف الدار، والبنّاء ينظر إلى الحائط، فكذلك المؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى نعيما تذكر نعيم الجنة، وإن رأى عذابا ذكر النار» [مختصر منهاج القاصدين].

فعلى المؤمن أن يتفكَّر إذا ما رأى حرق عساكر الطواغيت وجنود الصلبان، ويتذكّر أن نار جهنّم أشد حرّا، وأن يوم القيامة يغضب الجبّار -عز وجل- غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فيحرق عصاة الموحدين بها، وتأكل من نفوسهم إلا أثر السجود، فيتعذبون ويسودُّون ويصيرون فحما، ثم يُرحمون بنهر الحياة والجنة -كما جاء في الصحيحين- أما الكفرة والمرتدون، فيُحرقون فيها خالدين فيها أبدا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56].

فمن كان مُصرّا على كبائر الذنوب، فليتب قبل أن تسوقَه ذنوبه إلى ما لا يغفره الجبّار يوم القيامة، «قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، كما أن القُبلة بريد الجماع، والغناء بريد الزنا، والنظر بريد العشق، والمرض بريد الموت» [ابن القيم: الجواب الكافي].

اللهم، يا مقلّب القلب، ثبّت قلوبنا على دينك، آمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـيُضاف إلى نهاية مقال:

عُوقِبْتُمْ بِهِ
...المزيد

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ بعد أن أكلت جلودَ المسلمين ...

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ


بعد أن أكلت جلودَ المسلمين ولحومَهم ونفوسَهم -رجالا ونساء وولدانا- نيرانُ المرتدين الغاشمة المقذوفة من الطائرات والراجمات والدبابات، شفى الله صدور أهل الولاء والبراء بما كتبه على أيديهم من حرق أسرى الطواغيت، بينما استنكر «علماء» الطواغيت و«منظّرو» الصحوات نيران العدل تقرّبا لعروش الكفرة الطغاة وفي سبيل العصبيات الجاهلية، فتجاهلوا الخلاف، وتناسوا الأدلة، وتباكوا على إخوانهم المرتدين، حشرهم الله مع حرقى الطواغيت وهلكى الصحوات في نار جهنّم خالدين فيها أبدا، آمين.

ولقد اتّبع هؤلاء «العلماء» و«المنظرون» كفرة أهل الكتاب {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 174]، وضُلّال أهل البدعة الذين «لا يَروُون إلا ما لهم»، كما نعتهم وكيع بن الجراح، رحمه الله [أبو نعيم: تاريخ أصبهان]، وسلكوا هذا النهج في مسائل يَسع الخلاف فيها ليُفضّلوا المرتدين من الطواغيت والصحوات على الموحّدين المجاهدين من المهاجرين والأنصار، ألا ساء ما يحكمون.

فأما تجاهلهم الخلاف، فهو إخفاؤهم ما ذكره غير واحد من شرّاح الحديث بقولهم: «اختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما... وأجازه عليّ وخالد بن الوليد وغيرهما» [ابن حجر: فتح الباري].

وقد حرق أبو بكر الصدّيق وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- بعض مانعي الزكاة وأتباع المتنبئين بالنار، وحرق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعض الروافض بالنار، فقتلوا المرتدين -ردّة مغلّظة- شرّ قتلة إرهابا لمن دونهم وتشريدا لمن خلفهم، وحرق أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم- بعض اللوطية بالنار غضبا لله وتعزيرا لهم.

والواجب على المرء فيما اختلف فيه الناس ردُّه إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].

فبيّنت السنّة أن الأصل في حرق ذوات الأرواح الحُرمة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال: (إن وجدتم فلانا وفلانا، فأحرقوهما بالنار)؛ ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج: (إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يُعذِّب بها إلا الله، فإن وجدتموهما، فاقتلوهما)» [رواه البخاري].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تعذّبوا بعذاب الله) [رواه البخاري].

وأما تناسي «علماء» الطواغيت و«منظّري» الصحوات للأدلة، فهو كتمانهم بعض ما أنزله أحكم الحاكمين ليقوم الناس بالقسط، قال سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].

وجاء في التعذيب بالنار قصاصا حديثُ العُكليين الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه «أن نفرا من عُكْل ثمانية قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض [أي: لم توافقهم وكرهوها]، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؟) فقالوا: بلى؛ فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل [أي: أخرجوها عن مستقرها]، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث في آثارهم، فأُدركوا، فجيء بهم، فأمر بهم، فقُطّعت أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم [أي: كحلها بمسامير محمية بالنار، وفي رواية: ثم أمر بمسامير فأُحميت فكحلهم بها]، ثم نُبذوا في الشمس حتى ماتوا».

وقال أنس، رضي الله عنه: «إنما سمل [أي: بمعنى سَمَرَ] النبي -صلى الله عليه وسلم- أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء» [رواه مسلم].

وبوّب البخاري على حديث العُكليين في صحيحه «باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يُحرق؟» قال ابن حجر: «أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله (باب: لا يُعذّب بعذاب الله) بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص» [فتح الباري]، لأن حقيقة السمر تحريق الأعين بالنار بواسطة المسامير المحماة، كما أشار إلى ذلك ابن المهلّب وابن بطّال وابن الملقّن وغيرهم من شرّاح الحديث.
...المزيد

واعلم أن ما يسمى «Crack” الذي يستخدمه كثير من الناس لفك حماية البرمجيات مدفوعة الثمن، هو من أهم ...

واعلم أن ما يسمى «Crack” الذي يستخدمه كثير من الناس لفك حماية البرمجيات مدفوعة الثمن، هو من أهم أدوات الاختراق التي يصل بها مبرمجها إلى فتح باب خلفي في حاسبتك ليستخدمها بعد ذلك في معاركه الخاصة، سواء كانت حروب مخابرات على بعضها، أو غزوات على مواقع معينة يدفع أجرها معادون لتلك المواقع، ولهذا يتفاخر قراصنة الحاسبات في محادثات «الإنترنت المظلم» بأعداد الحاسبات التي يسيطرون عليها وتعمل تحت خدمتهم، وهي ما يسمونه “Botnet”.

واعلم أن العدو قد انتهج الاحتيال منذ زمن في هذا المضمار، وأن هذه الأبواب الخلفية في البرمجيات هي صَنعة رابحة لبعض الشركات التي تتقن صناعتها وإدماجها في البرمجيات التي تبيعها شركات أخرى، وأما عن اكتشافها فهو صنعة أخرى يتكسب بها المتقنون لهذا الفن، فإذا اكتشف أحدهم ثغرة في الفيسبوك فهو يبيعها لمن يستغلها فترة من الزمن، ثم يبيعها لشركة فيسبوك نفسِها لتغلقَها، وعمليات الاحتيال في هذا الباب أكثر من عمليات الاحتيال في غيره، وأجهزة المخابرات العالمية هي بين صانعٍ وبائعٍ ومُشترٍ، وأما المستخدم -الجاهل بهذا الجانب من البرمجيات-، فيجعل هاتفه أو حاسبته رهنا لمن يصنع له البرمجيات.

• مثال على عملية مخابراتية مُتقنة:

ولتعلم حجم سوء الفهم في عالم الإنترنت نعطيك مثالاً عملياً، وهو برنامج تيليغرام المشهور، وكما هو معروف يعمل عن طريق وصل هاتفك أو حاسبتك بالخادم (السيرفر) الخاص بالشركة المزودة بالخدمة في روسيا، وتدّعي الشركة أن التشفير قوي جدا، ويجزم القائمون عليه أشد الجزم أنه لا يمكن فك التشفير أبدا أبدا، ولكن... هل لكيِّس أن يصدق عدوه؟ أو يحسن الظن به لهذه الدرجة؟

إن برنامج تيليغرام قد بنى سمعة قوية بسبب أنه يقدم نسخةً مفتوحة المصدر للمستخدم -رغم أنه يبقي الخادم (السيرفر) الذي عند الشركة مغلقاً- وكتبت الشركة شرحاً مدعوماً بالرسومات التوضيحية لخوارزمية تشفيرها «العظيمة»، فالمبرمج الخبير يستطيع أن يفحص البرنامج ويعرف إذا كان هناك حيلة ما لفك هذا التشفير «القوي جداً» أو بوابة خلفية.

يعلمُ العاملون في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر أن البرنامج المفتوح لا يجرِّبه أحدٌ إلا ما شاء الله، أما الغالبية الساحقة فهم لا يعرفون كيفية بناء نسخة تشغيل (Compile) لحاسباتهم أو هواتفهم من البرنامج المفتوح المنشور على الإنترنت، وحتى المبرمِجون فهم يتكاسلون عن عملية البناء المزعجة، والواقع المشهور أن الجميع يقوم بتنزيل نسخة جاهزة للاستخدام من الشركة المروِّجة للخدمة، وليس سهلاً أن نعرف ما بداخل هذه النسخة من أبواب ونوافذ وثغرات...

ونزيدك من الشعر بيتاً، أن المستخدمين في الغالب يتساهلون مع التحديث التلقائي للبرامج، فتقوم الشركة المزودة باستبدال البرنامج بآخر بلا سؤال، وبالنسبة للذين «لا يتساهلون»، ويحبون أن يعرفوا ماذا يحدث في أجهزتهم، فعندما يخبرهم البرنامج أن هناك تحديثاً أمنياً ضرورياً للبرنامج، فسيحدّثونه بنقرة دون تردّد، وهكذا تزرع المخابرات برمجياتها في الحاسبات والهواتف، وتصبح البرمجيات مفتوحة المصدر وسيلة تخدير أشد من البرمجيات المغلقة التي أجمع الناس على الخوف منها وبدؤوا يحتاطون منها.

وأمَّا عن الحِيل التي يمكن استخدامها لمعرفة محتوى الاتصالات فهي بحرٌ لا ساحل له، فيمكن مثلاً أن يرسل الخادم (السيرفر) إلى برنامجك (الذي استسلم للمبرمِج) أن يطفئ التشفير، أو أن يأخذ لك صورة من الكاميرا الأمامية أو أن يستمر بالعمل بشكل طبيعي لرفع كل ما تقول عبر الميكروفون إلى الإنترنت، والتسجيل حينما لا تكون متصلاً، أو أن يرسل آخر نقطة (GPS) خزنها الهاتف، وهكذا... ولا تَقُل أن هذا مبالغة، فإن هذا قد أصبح من أسهل الأمور في عالم التجسس على الهواتف، ورغم أنه أصعب قليلا بالنسبة للحاسبات إلا أنه ليس مستحيلاً، خصوصاً مع كمية الفيروسات التي لا نعرف عنها كثيرا وتنتشر في حاسباتنا التي نستخدمها في أعمالنا واتصالاتنا.

إن على المجاهدين أن لا يثقوا في اتصالاتهم ببرمجيات التواصل مثل سكايب وواتس أب وتيليغرام، بل الواجب أن لا يحسنوا الظن بالعدو طرفة عين، وأن لا يركنوا له ولو شيئا قليلاً، وألا يستخدموا من التشفير إلا ما عرفوا مصدره أو صنعوه بأنفسهم، وهذا هو ما يخيف العدو... أن تتكلم عبر شبكات باريس ولندن وواشنطن بلغة لا يفهمها مراقبوها... بالتشفير الجيد.

وإذا عرفت هذا فلا تكن ممن يسمع القول ثم يعرض عنه، ولا تكن ممن يؤتى المجاهدون من قِبله، وأهم من كل هذا، لا تكن سببا في وصول معلومات المسلمين إلى العدو، فتعينَهم دون أن تشعر.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـ
أهمية التشفير
...المزيد

أهمية التشفير والتحذير من التشفير الزائف سبق أن ذكرنا أن اعتراض الاتصالات عبر الإنترنت يعد من ...

أهمية التشفير
والتحذير من التشفير الزائف

سبق أن ذكرنا أن اعتراض الاتصالات عبر الإنترنت يعد من أهم تقنيات العدو المستخدمة في الحرب الإلكترونية، وقد أصبح الإنترنت نقطة تفوّق للمجاهدين على أعداء الإسلام منذ زمن طويل، لذا كان لزاما على كل مجاهد صادق أن يحسن استخدام هذا السلاح كي لا ينقلب عليه، إن شاء الله.

لقد بُنيت شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) بهدف تبادل المعلومات أساساً، وبعد أن انتشرت في أرجاء اﻷرض استخدمها المجاهدون لإيصال دعوتهم لعامة الناس، وما زالوا يفيدون في هذا الباب، والحمد لله؛ وكذلك استخدم المجاهدون الشبكة لأغراض التواصل زمناً طويلاً، وما زالوا، ولكن سهولة الحصول على خدمة الإنترنت والغفلة عن مكوناتها الرئيسة فتحا للعدو ثغرة بدأ ينفذ منها إلى أسرار المسلمين، والله المستعان.


• استخدام الإنترنت للاتصالات:

كما أوجزنا سابقاً فإن التراسل عبر الإنترنت يتضمن إرسال المعلومة للعدو أولاً ثم للطرف المستلِم ثانياً، أي أن كل معلومة نتراسلها بالإنترنت تمر عبر العدو، وقلنا أن هذا يفسِّر أهمية التشفير الجيد، ويبرز خطر التشفير السيئ، ونزيد هنا أن تراسل معلومات سرية عبر الإنترنت من دون تشفير هو إفشاء ﻷسرار المسلمين، وتمكين للكافرين من المسلمين.

• لماذا التشفير؟

إن التشفير يشبه ترجمة الكلام من لغةٍ إلى أخرى، فمن عنده مفاتيح اللغة المشفَّرة يتمكَّن من فهمها، ومن لا يعرف هذه اللغة لا يفهمها. وللتشفير أنواع، أكثرها يمكن فكُّه بالحاسبات السريعة خلال أزمان تتفاوت حسب إتقان التشفير، فيكون هناك ما لا يمكن فكه خلال ملايين السنين (نظرياً) مثل التشفير المبني على المفاتيح العامة والخاصة، وهناك التشفير البسيط المستخدم في القبضات الرقمية غير العسكرية، وهو ما يمكن فكه خلال ثوانٍ عند توفر المعدات المناسبة.

كيف يستعمل المجاهدون التشفير؟ وكيف يستغل العدو التشفير المُفخَّخ؟

ليس علمُ التشفير النظري أهمَّ ما يجب نقاشه عند الكلام عن أمن المعلومات، فلن يختلف علماء الرياضيات في نوعٍ من التشفير أنه جيد أو سيئ، وذلك أن علوم الرياضيات والخوارزميات لا تُبنى على الشكوك ولا على رغبة الأغلبية، بل على إثباتات منطقية واضحة لمن يتقن هذه العلوم، وسواء علم من علم، وجهل من جهل، فالتشفير الجيد سيبقى جيدا -بإذن الله- وأما التشفير السيئ فلن يغري إلا من يتَّبع -جاهلاً- الدعايات المُضلِّلة التي تستدرجه لتُطلع عدوَّه على أسراره.

بل إن أهم ما يجب نقاشه في أمن المعلومات هو كيفية بناء التشفير، وهل وُضع في البناء خرقٌ أمني؟ والمقصود عملياً هو مراجعة مدى الثقة بمصدر البرمجية التي تدعي أنها تستخدم التشفير من نوع كذا أو كذا، فإن من السهل على المبرمج المحتال أن يُخفي أدوات فتح التشفير في داخل الملف أو المعلومة المشفرة، فلا يتمكَّن أحد من فتحها إلا المبرمِج، وهذا هو ما يسمى عادة بـ «البوابات الخلفية» في عالم أمن المعلومات، أي أن هناك بوابة أمامية رائعة تعجب الناظرين، تعمل كما ينبغي بمفاتيح التشفير وحسب النظرية المتداولة في علم الرياضيات ولكن لدى المبرمِج مفتاح خفي يفتح به البوابة الخلفية وهذا هو الخرق الأمني.

وللتوضيح أكثر نفترض وجود برنامج يقوم بتشفير الملفات بخوارزمية «Twofish” وخوارزمية «Serpent» معاً في نفس الوقت لزيادة تعقيد التشفير، ولا يضير كثيرا من المستخدمين أن لا يعرفوا تفاصيل البرنامج، إن قال لهم علماء الرياضيات إنه جيد، أو حلف لهم بعض الجامعيين أن البرنامج لا يمكن فك تشفيره حتى بالحاسبات الخارقة قبل ثلاثين مليون سنة مثلا، ولكن من يعرف العدو وألاعيبه سيسأل سؤالاً محدداً: من الذي صنع البرنامج؟ والجواب هو الذي يحدد الثقة بالتشفير وليس الدعاية والخوارزميات؛ هذه هي نظرة الخبير بأمن المعلومات، وأما الاقتصار على ما يروجه صانع البرنامج بدون النظر في معايير الثقة فهذا يُعد نظرة علمية قاصرة، وهذه النظرة تُغفل جانباً هامّاً من الواقع هو أننا مجاهدون غرباء ترمينا العرب والعجم عن قوس واحدة. أي أن صناعة البرنامج (The implementation) هي التي تحدد مستوى الثقة به، وليس وصفه ودعاياته ونظرية عمله (The theory)، وإن درعاً مثقوبة لن تحميك من الرصاص، خصوصاً إذا كان العدو هو الذي صنع الثقب بالمقاسات التي تناسب رصاصاته.

وتُوضع البوابات الخلفية بأنواعها في برمجيات التَّشفير وفي برمجيات التواصل وفي غيرها أيضاً، وأكثرها فائدة للمخابرات العالمية هي التي توضع في نُظم التشغيل، ولهذا فقد هجرت بعض الدول نظام ويندوز، ومنعت استخدامه في الدوائر الرسمية التابعة لها؛ ومن الجدير بالذكر أن الصينيين والروس وغيرهم عندما يكتشفون ثغرة في نظام ويندوز مثلاً فإنهم يستخدمونها لصالحهم وهو ما لم يتوقعه الأمريكيون عندما بدؤوا بهذا النوع من الحيل.
...المزيد

• كم من مقاتل مأواه في النار؟ وكم من مجاهد في سبيل الله كما يبدو للناس، ويُقتل على ذلك، ولكن ...

• كم من مقاتل مأواه في النار؟

وكم من مجاهد في سبيل الله كما يبدو للناس، ويُقتل على ذلك، ولكن مأواه النار عياذا بالله؟ وليس أدل على ذلك من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث قال: لما كان يوم خيبر، أقبل نفر من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد؛ حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها) -أو- (عباءة)، ثم قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا ابن الخطاب، اذهب فنادِ في الناس، أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون)، قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون [رواه مسلم].

ولا تنس المسلمة أن ممن تسعّر بهم نار جهنم مجاهد، حسبناه في الدنيا يقاتل في سبيل الله غير أن الخبير سبحانه قد اطلع على قلبه وعلم وهو العليم أنه ما جاهد إلا رياء وسمعة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استُشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استُشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار) [رواه مسلم].

• نحسبه والله حسيبه:

وإن قالت قائلة: كيف لا نحكم عليه بالشهادة وهو إذا قُتل يأخذ أحكام الشهيد كعدم الغسل والتكفين والصلاة عليه وما إلى ذلك؟
نقول حينها أن هذا ليس مدعاة للقطع لمن يُقتل مجاهدا بالجنة، بل إننا نحتسبه شهيدا عند الله -عز وجل- بما شهدنا له من ظاهره على أنه خرج لله، وقاتل فيه إعلاء لكلمته في الأرض، فندعو له بالجنة وأن يتقبله الله تعالى في الشهداء، أما الجزم له بالجنة فلا، لأن ما في قلبه لا يعلمه إلا الله، عز وجل.

وقد روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن رجلا أثنى على رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك)، مرارا، ثم قال: (من كان منكم مادحا أخاه لا محالة، فليقل أحسب فلانا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه).

وعن عبد الله بن مسعود قال: (إياكم أن تقولوا مات فلان شهيدا، أو قتل فلان شهيدا، فإن الرجل يقاتل ليغنم، ويقاتل ليُذكر، ويقاتل ليُرى مكانه) [رواه أحمد].

• أرملة شهيد بإذن الله:

وبناءا على ما تقدم ذكره، فلا يجوز لمسلم أو مسلمة الجزم والقطع بأن فلانا شهيد، فيا مسلمة، حتى وإن كان زوجك من أصلح الناس وأتقاهم، وأعبدهم وأزهدهم، صوّاما بالنهار قوّاما بالليل، ذاكرا لربه في جميع حاله وأحواله، هاجر في سبيل الله تعالى أو ناصر وقاتل تحت راية الحق راية الدولة الإسلامية، نصرها الله، وإن كان استشهاديا قد تقطعت أشلاؤه ذبّا عن هذا الدين، فلا ينبغي لك بحال إن هو قُتل القطع له بالشهادة، وإلا تكونين من المتأليات على الله -عز وجل- ولا تقولي أنا أرملة شهيد، بل قولي أنا أرملة شهيد بإذن الله تعالى، أو أحسبه كذلك والله حسيبه.

اللهم ارحم قتلانا واغفر لهم وتقبلهم عندك في الشهداء وجازهم عن أمة نبيّك خير الجزاء، واختم لنا بالشهادة في سبيلك يا ذا الجلال والإكرام.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

أرملة شهيد بإذن الله
...المزيد

أرملة شهيد بإذن الله • إن الشهادة في سبيل الله لهي أقصى الطلب ومنتهى الأرب، يجدّ لنيلها ...

أرملة شهيد بإذن الله


• إن الشهادة في سبيل الله لهي أقصى الطلب ومنتهى الأرب، يجدّ لنيلها الجادون، ويبذل لها أرواحهم الباذلون، ومن منا لا يشتاق لشهادة تغسل الذنب وترضي الرب؟ غير أنه ومع عظم أمر الشهادة إلا أننا بتنا نرى جزما من كثير من الناس بشهادة زيد من الناس أو عمرو، هكذا على الإطلاق ودون تقيد بنص من أحد الوحيين -الكتاب والسنة- كما تجزم بعض زوجات المجاهدين بأن أزواجهن القتلى هم من الشهداء قطعا.

وهذا الجزم مناف لعقيدة أهل السنة والجماعة الذين لا يقطعون لمعين من أهل القبلة بجنة أو نار إلا من ورد فيه نص واضح صريح، كالعشرة المبشرين بالجنة، الذين سماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم الخلفاء الراشدون الأربعة ومعهم الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، رضي الله عنهم جميعا.

كذلك ممن شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة سبطاه الحسن والحسين، وعمار بن ياسر، وبلال بن رباح، وعكاشة بن محصن، وثابت بن قيس وغيرهم من المبشرين بالجنة.

• الأعمال بالخواتيم:

وعلى المسلمة أن تعلم أن ظاهر المرء المسلم ليس دليلا قطعيا على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، وقد بوّب البخاري -رحمه الله- في صحيحه: «باب: العمل بالخواتيم»، وروى عن سهل بن سعد، أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين، في غزوة غزاها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فنظر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار، فلينظر إلى هذا)، فاتبعه رجل من القوم، وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين، حتى جُرح، فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسرعا، فقال: أشهد أنك رسول الله! فقال: (وما ذاك؟) قال: قلت لفلان: (من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه)، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جُرح استعجل الموت فقَتل نفسه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: (إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم).

وكم ممن ظاهره الصلاح والتقوى ويُختم له بسوء، وكم ممن ظاهره الفساد والفجور ويُختم له بخير، وكم من أمرئ عَبَد الله فصلى وصام ورابط وجاهد رياء وسمعة، وكم من امرئ أخلص النية لله تعالى ولكنه عَبَد الله على غير طريق النبي، صلى الله عليه وسلم.

• أهل السنة لا يحكمون لمسلم بجنة ولا نار:

ولذا فإن أهل السنة والجماعة يرجون الجنة للمحسن، ويخشون النار على المسيء من أهل الإسلام دون قطع أو جزم.

قال أحمد بن حنبل، رحمه الله: «ولا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار، نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله» [أصول السنة].

وقال ابن تيمية، رحمه الله: «وهم لا يقطعون لأحد من أهل القبلة لا بجنة ولا نار، إلا من قطع له النص» [مجموع الفتاوى].

وقال محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار، إلا من شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أرجو للمحسن، وأخاف على المسيء» [الدرر السنية].
وقد تقول قائلة: ولكن هذه الأقوال ليست فيمن يُقتل مجاهدا في سبيل الله، بل إن المجاهد في سبيل الله، إن قُتل فهو شهيد.

فنقول مستعينين بالله: قد بوّب البخاري -رحمه الله- في صحيحه «باب لا يقول: فلان شهيد»، قال ابن حجر تعليقا على هذا التبويب: «أي على سبيل القطع والجزم بذلك» [فتح الباري]، وجاء في الباب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الله أعلم بمن يجاهد في سبيله، والله أعلم بمن يُكلم في سبيله).


• إني لأرجو له الخير:

وعن خارجة بن زيد الأنصاري، أن أم العلاء أخبرته أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكنى، حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين، قالت أم العلاء: فسكن عندنا عثمان بن مظعون، فاشتكى، فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه، دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله؛ فقال لي النبي، صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أن الله أكرمه؟) فقلت: لا أدري، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أما عثمان، فقد جاءه واللهِ اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل به)، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا، وأحزنني ذلك، قالت: فنمت، فأريت لعثمان عينا تجري، فجئت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال: (ذاك عمله) [رواه البخاري].

فتأملي أختي المسلمة -أرشدك الله- كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سأل أم العلاء: (وما يدريك أن الله أكرمه؟) وفي سؤاله هذا إنكار منه لشهادتها له بأنه من المكرمين قطعا.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 61 تقرير: درع الصليب قنبلة إعلامية تهز حكومة الطاغوت في أنقرة بعد أيام ...

صحيفة النبأ العدد 61
تقرير: درع الصليب

قنبلة إعلامية تهز حكومة الطاغوت في أنقرة
بعد أيام قليلة من الهزيمة القاسية التي تلقاها الجيش التركي المرتد على أطراف مدينة الباب، بمقتل وجرح أكثر من 50 من جنوده على يد جنود الخلافة، جاء نشر المكتب الإعلامي لولاية حلب إصداره المرئي الذي حمل عنوان «درع الصليب» ليوجِّه ضربة سياسية وإعلامية قوية لحكومة الطاغوت أردوغان.

فالإصدار الذي لم تتجاوز مدته العشرين دقيقة فحسب تسبب -بفضل الله- بهزة كبيرة داخل تركيا وخارجها، حاولت الحكومة التركية المرتدة جهدها أن تخفف من آثارها، عن طريق السعي لحظر الإصدار، ومنع الأتراك خصوصا من مشاهدته، والتهديد بمعاقبة كل من ينشره، هذا مع حملة تشكيك واسعة شنتها وسائل الإعلام المقرَّبة من الحكومة.

وقد حمل الإصدار عنوان «درع الصليب» للدلالة على الغاية الحقيقية من شن حملة «درع الفرات» من قبل الجيش التركي المرتد ومقاتلي الصحوات المرتبطين به، في الريفين الشمالي والشرقي لولاية حلب، وقتالهم الدولة الإسلامية في هذه المناطق خدمة لأهداف الدول الصليبية التي تسعى لخلق مناطق عازلة تحول دون وصول جنود الخلافة إلى أراضيها، ومن ثم تهديدهم بتنفيذ عمليات في مدنهم شبيهة بغزوات باريس وبروكسل المباركة.

وتضمن الإصدار مشاهد ميدانية للعمليات العسكرية الجارية في محيط مدينة الباب بين جنود الدولة الإسلامية والمرتدين المهاجِمين لمدينة الباب في إطار عملية «درع الفرات»، إذ عرض المكتب الإعلامي لولاية حلب تصويرا جويا للعديد من العمليات الاستشهادية الناجحة، التي وفق الله فيها الاستشهاديين -تقبلهم الله- في الوصول إلى قلب تجمعات مقاتلي الصحوات المرتدين، وإيقاع خسائر كبيرة في صفوفهم، بالإضافة للخسائر التي يتكبدونها في الاشتباكات مع المجاهدين في محاور القتال المختلفة.

وفي رسالة قوية من الدولة الإسلامية إلى حكومة الطاغوت أردوغان وجنودها المرتدين، أظهر الإصدار نهاية اثنين من الجنود الأتراك المرتدين كانوا قد وقعوا أسرى بيد جنود الدولة الإسلامية خلال المعارك في ريف ولاية حلب، إذ قام اثنان من جنود الخلافة المهاجرين من أرض تركيا بقتل الجنود المرتدين حرقا بالنار، عقابا لهم على ردتهم، وردا على قيام المدفعية والطيران التركيَّين بحرق المسلمين في ريفي حلب الشمالي والشرقي بنيران قذائفهما التي ما تزال تُصب على تلك المناطق كما يحدث الآن في مدينة الباب، حيث يُقتل العشرات من الأهالي يوميا بسبب هذا القصف الذي لا يختلف عن القصف النصيري أو الروسي أو قصف التحالف الصليبي لمناطق الدولة الإسلامية المختلفة.

وقبل مقتلهما وجه الجنديان المرتدان الهالكان رسائل إلى إخوانهم في الردة، يحذرونهم من مصير مماثل على يد جنود الدولة الإسلامية إن هم أمعنوا في طاعتهم للطاغوت أردوغان في حربه على الدولة الإسلامية.

وخوفا من تأثير مشاهد إحراق الجنود بلباسهم العسكري على الجيش التركي، وعلى الواقع السياسي المتردي، بادرت الحكومة التركية المرتدة إلى سلسلة من الإجراءات الإعلامية المضادة لتضييق نطاق انتشار الإصدار الذي عُرض مع ترجمة باللغة التركية، وذلك بأن أصدرت الحكومة التركية فورا أمرا لوسائل الإعلام بمنع بث الإصدار أو الحديث عن قضية إحراق الجنود الأتراك، كما قامت بحجب العديد من شبكات التواصل الاجتماعي، والضغط على شبكة الإنترنت في مناطق عديدة من البلاد لتكون عملية مشاهدة مقاطع الفيديو أو تحميلها بطيئة للغاية إلى الحد الذي يصد المتابعين عن مشاهدة الإصدار في حال وصول الرابط إلى أيديهم، وفي الوقت نفسه أُطلقت حملة من التشكيك بصحة عملية إحراق الجنود الأتراك، عن طريق الحديث عن عملية فحص للإصدار للتأكد من حقيقته، أو جعل بعض الصحفيين المؤيدين للحكومة يطلقون إشاعات أن المقتولين في الإصدار ليسوا من جنود الجيش التركي، أو أن عملية الإحراق لا تتعدى كونها من الخدع السينمائية ولا تمت للواقع بصلة.

ومن باب آخر اتجه الإعلام الموالي للحكومة التركية إلى إشاعة المزيد من الأخبار عن قتل الجيش التركي للعشرات من مجاهدي الدولة الإسلامية في مدينة الباب نتيجة القصفين الجوي والمدفعي، وذلك لإقناع أنصارهم بقدرة الجيش التركي المرتد على الثأر لجنوده المقتولين، من جهة، ومن جهة أخرى للتعمية على حقيقة أن غالب من يُقتل بالقصف التركي هم من السكان، ومنهم نساء وأطفال، كما أظهرت ذلك التقارير التي نشرتها وكالة أعماق، والمكتب الإعلامي لولاية حلب.

هذه الإجراءات لم تحد من الانتشار الكبير للإصدار، ولله الحمد، إذ بلغت المشاهدات على المواقع المختلفة أكثر من مليوني مشاهدة خلال الأيام الأولى من نشره بحسب بعض المتابعين، بالإضافة إلى حملة إعلامية واسعة حملت نفس عنوان الإصدار «درع الصليب» اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت، لتكسر كثيرا من القيود التي حاول الطواغيت وضعها على الإصدار.

لمشاهدة إصدار (درع الصليب)، تواصل تيليغرام:
@wmc111art
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 61 الافتتاحية: وما بدّلوا تبديلا حفظ لنا القرآن والأثر مآثر عظيمة لأهل ...

صحيفة النبأ العدد 61
الافتتاحية:
وما بدّلوا تبديلا


حفظ لنا القرآن والأثر مآثر عظيمة لأهل التوحيد على مرّ العصور ثبت فيها المسلمون على دينهم وعضوا عليه بالنواجذ حتى لقوا الله على ذلك، فمدح الله تعالى فعالهم ورفع مقامهم، رغم أن خاتمتهم في الدنيا كانت الإهلاك أو الإجلاء، فلم يحكموا أرضا، ولم ينكؤوا في عدو.

ومن تلك المآثر قصص أصحاب الأخدود وإمامهم الغلام، وماشطة بنت فرعون وطفلها الرضيع الذي ثبّتها على الحق، والرجال الذين قُطّعوا بالمناشير ومُشّطوا بأمشاط الحديد، وقصص أم عمارة وخباب بن عدي وحبيب بن زيد، وغيرهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين لن يكون آخرهم الرجل الذي يثبّته الله أمام الدجال فيكفر به وينال في موقفه ذلك أعظم شهادة في سبيل الله.

والجامع المُشترك بين هؤلاء أنهم ثبتوا على الحق حتى هلكوا، وقد كان يكفيهم للنجاة من القتل أن يقولوا كلمة الكفر التي ترضي الطواغيت عنهم، ولكنهم أخذوا بالعزيمة وفضَّلوا الموت في سبيل الله على الحياة تحت حكم الطاغوت، وقدَّموا دينهم على أنفسهم، فاستسلموا لقضاء ربهم، إذ لم يكن بيدهم طاقة على جهاد المشركين، أو لم يكونوا مأمورين بذلك من رب العالمين.

وقد بيَّن ربّنا -جلَّ في علاه- أن المشركين مستمرون في حربهم على المسلمين، وأن الدافع لهذه الحرب هو ردّهم عن دينهم إلى الشرك والكفر، فقال سبحانه: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]، فالشرك بالله أكبر من القتل، وقتال المشركين للمسلمين لا يسوّغ ردّة أحد عن الدين طاعة للمشركين ودفعا لحربهم، إذ الواجب أن يسعى الموحد إلى قتالهم ويتقصّدهم بالقتل، ولا يدع قتالهم حتى ينتهوا عن شركهم بالله العظيم، أو يخضعوا لحكمه سبحانه، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193].

وقد شهد عصرنا الحديث كثيرا من النماذج التي ثبت فيها الموحدون في قتالهم للمشركين ثبات الجبال، وأنكوا في عدوهم أيما نكاية، كما حدث ويحدث اليوم من فعال جنود الخلافة في ولايات الشام وسيناء والعراق وغيرها، ولكن قصة ثبات الموحدين في سرت تشكل نموذجا نادرا في التاريخ قلما يتكرر، وحالة من حالات الرسوخ في الدين يعُز وجودها رغم كثرة المنتسبين إلى التوحيد والجهاد في هذه الأزمان.

فعلى مدى سبعة شهور ثبت جنود الخلافة في سرت في وجه الآلاف من جنود الطاغوت المعززين بطيران التحالف الصليبي الدولي، الذين لم ينقموا منهم إلا تحكيمَهم شريعة رب العالمين، وكفرهم بالديموقراطية والقوانين الوضعية، وإعلانهم الولاء والبيعة لإمام المسلمين، والبراءة من الصليبيين والمرتدين، فشنوا عليهم الحرب التي غايتها أن يردّوهم عن الإسلام، فيزيلوا شريعة الله، ويُعلنوا الخضوع لشريعة الطاغوت، والرضا بالدخول تحت حكم المرتدين.

ولم يكن جواب الموحدين في سرت على هذا إلا القبض على جمرة التوحيد بثبات ويقين، وطلبهم الشهادة في ذلك حتى قُتلوا جميعهم على ما عاهدوا الله عليه، وما بدلوا تبديلا، نحسبهم كذلك ولا نزكّي على الله أحدا.

وقد قاتلوا قتال الأبطال، فأعظموا في المشركين النكاية، ومزقوهم أيما تمزيق، وكفاك بخمسة آلاف قتيل وجريح من المرتدين شاهدا ودليلا، ودافعوا عن كل حي، وعن كل شارع، حتى إذا استولى المشركون على كل المدينة لم يستسلموا لباطلهم بل ناجزوهم وصاولوهم حتى آخر بيت، وكلهم يستحيي من الله ثم من المؤمنين أن يترك شبرا من الأرض للمرتدين ما وسعه ذلك، ويفعل ما بوسعه ليُظهر الدين، ولو أدى ذلك إلى إزهاق النفوس، وخسارة الأهل، وضياع الأموال، وشعاره قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقريش: (فوالذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره) [رواه البخاري]، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

فنسأل الله أن يتقبلهم، وأن يرفع منزلتهم في عليين، وأن يرزق إخوانهم في الولايات الليبية الأخذ بثأرهم، وينالوا من عدوهم، ويعيدوا إقامة الدين في سرت وغيرها من البلدان، وأن يرزق إخوانهم في بقية ولايات الدولة الإسلامية الصبر والثبات، حتى يُشهدهم الله النصر أو يموتوا على مات عليه إخوانهم في سرت، وذلك الفوز العظيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـ
...المزيد

كن مقاتلا متسلسلا دوافع القتل المتسلسل في حالة مجاهدنا المنفرد ليست "نفسية" أو "مالية" أو ...

كن مقاتلا متسلسلا

دوافع القتل المتسلسل في حالة مجاهدنا المنفرد ليست "نفسية" أو "مالية" أو "استعراضية" ولا أي من تلك الدوافع الأرضية الدنيوية، إنما هي دوافع عقائدية شرعية نصت عليها نصوص ديننا الحنيف في القرآن والسنة، كما في قوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}، والمعنى كما بين الإمام الطبري: "اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم"، وقال تعالى في حق اليهود والنصارى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ... حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وغيرها من آيات الجهاد والقتال، أضف إليها النصوص النبوية التي ترغّب في الجهاد وتصف فضله وشرفه وعلو ذروته وأنه سبيل رفع الذل والاستضعاف عن المسلمين وطريق عزهم ونصرهم الوحيد.


◾افتتاحية صحيفة النبأ "كن مقاتلا متسلسلا" العدد (481)
◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تحريم موالاة الكفار والآيات القرآنية في تحريم موالاة الكفار، والدخول في طاعتهم، أكثر من أن تحصر؛ ...

تحريم موالاة الكفار

والآيات القرآنية في تحريم موالاة الكفار، والدخول في طاعتهم، أكثر من أن تحصر؛ ومن تدبر القرآن، واعتقد أنه كلام الله منزل غير مخلوق، واقتبس الهدى والنور منه، وتمسك به في أمر دينه، عرف ذلك إجمالاً وتفصيلاً، قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: "عليكم بالقرآن! فإنه نور بالليل وهدى بالنهار؛ فاعملوا به على ما كان من فقر وفاقة، فإن عرض بلاء، فقدم مالك دون نفسك، فإن تجاوز البلاء، فقدم نفسك دون دينك؛ فإن المحروب من حرب دينه والمسلوب من سلب دينه، وإنه لا فاقة بعد الجنة ولا غناء بعد النار؛ إن النار لا يستغني فقيرها، ولا يفك أسيرها".

الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( ج: 8/ ص: 15)
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً