المفاتيح السبعة لفهم عالم الطفل

منذ 2006-06-20

يظن كثير من الآباء أن مجرد محاولتهم تلقين الطفل قيماً تربوية إيجابية، كفيل بتحقيق نجاحهم، وعند اصطدامهم باستعصاء الطفل على تلك القيم، يركزون على الطفل في حد ذاته، باعتباره مسؤولاً عن ذلك الفشل..


الأستاذ ماهر الملاخ باحث في المجال التربوي

دبلوم الدراسات المعمقة تخصص لسانيات

أولاً:كيف نفهم عالم الطفل؟

يظن كثير من الآباء أن مجرد اجتهادهم في تلقين الطفل قيماً تربوية إيجابية،كفيل بتحقيق نجاحهم في مهمتهم التربوية، وعند اصطدام معظمهم باستعصاءالطفل على الانقياد لتلك القيم، يركزون تفسيراتهم على الطفل في حد ذاته،باعتباره مسؤولاً عن ذلك الفشل ولم يكلف أغلبهم نفسه مراجعة السلوكالتربوي الذي انتهجه، فأدى ذلك المآل إلى مزيد من توتير العلاقة بينهموبين أبنائهم.

فأين يكمن الخلل إذن ؟

هل في أبنائنا ؟

أم فينا نحن الكبار؟

أم هو كامن في الوسط الاجتماعي العام ؟

وما هي تلك الحلقة المفرغة في العملية التربوية التي تجعل جهدنا في نهاية المطاف بغير ذي جدوى ؟

وباختصار: كيف نستطيع تنشئة الطفل بشكل يستجيب فيه للقيم التربوية التي نراها، 'بأقل تكلفة' ممكنة ؟

وهل نستطيع نحن الآباء أن نحول تربيتنا لأطفالنا من كونها عبأ متعباً ؟ إلى كونها متعة رائعة ؟

هل بالإمكان أن تصبح علاقتنا بأطفالنا أقل توتراً وأكثر حميمية مما هي عليه الآن ؟

هل نكون متفائلين بلا حدود إذا أجبنا عن هذه الأسئلة بالإيجاب ؟

ماذا لو جازفنا منذ البداية، وقلنا بكل ثقة: نعم بالتأكيد نستطيع؟


فتعالوا إذن لنرى كيف نستطيع فعلياً أن:

-
نجعل من تربيتنا لأطفالنا متعة حقيقية.

-
نجعل أطفالنا أكثر اطمئناناً وسعادة دون أن نخل بالمبادئ التي نرجو أن ينشؤوا عليها.

-
نجعل علاقتنا بأطفالنا أكثر حميمية.

-
نحقق أكبر قدر من الفعالية في تأثيرنا على أبنائنا ؟


السؤال المطروح بهذا الصدد هو: إذا أردت أن تكون أباً ناجحاً، أو أن تكوني أمّاًناجحة، فهل عليك أن تضطلع بعلوم التربية وتلم بالمدارس النفسية وتتعمق فيالأمراض الذهنية والعصبية ؟؟؟ بالطبع لا.

ما عليك إذا أردت أن تكونكذلك إلا أن تفهم عالم الطفل كما هو حقيقة، وتتقبل فكرة مفادها: أنك لست'أباً كاملاً' وأنكِ لستِ 'أمّاً كاملةً'... فتهيء نفسك باستمرار كي تطورسلوكك تجاه طفلك، إذ ليس هناك أب كامل بإطلاق ولا أم كاملة بإطلاق..

كما عليك أن لا تستسلم لفكرة أنك 'أب سيء' وأنك 'أم سيئة'، فتصاب بالإحباطوالقلق فكما أنه ليس هناك أب كامل ولا أم كاملة بإطلاق، فكذلك ليس هناك أبسيء ولا أم سيئة بإطلاق. فالآباء تجاه التعامل مع عام الطفل صنفان غالبان:

الصنف الأول: يعتبر عالم الطفل نسخة مصغرة من عالم الكبار، فيسقط عليه خلفياته وتصوراته.
الصنف الثاني: يعتبر عالم الطفل مجموعة من الألغاز المحيرة والطلاسم المعجزة، فيعجز عن التعامل معه.

إن عالم الطفل في الواقع ليس نسخة مصغرة من عالم الكبار، ولا عالماً مركباًمن ألغاز معجزة. بل هو عالم له خصوصياته المبنية على مفاتيح بسيطة، منامتلكها فهم وتفهم، ومن لم يمتلكها عاش في حيرته وتعب وأتعب فما هي إذنمفاتيح عالم الطفل التي بها سنتمكن بها من فهم سلوكه وخلفياته على حقيقتهافنتمكن من التعامل الإيجابي معه ؟


ثانياً: هكذا نفهم عالم الطفل:

لعالم الطفل مفاتيح، لا يدخله إلا من امتلكها، ولا يمتلكها إلا من تعرف عليها، وهي:

1-
الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة.

2-
الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساساً وليس عبر الألم.

3-
الزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمناً اجتماعياً.

4-
العناد عند الطفل نزوع نحو اختبار مدى الاستقلالية وليس رغبة في المخالفة.

5-
الفضاء عند الطفل مجال للتفكيك أي المعرفة وليس موضوعاً للتركيب أي التوظيف.

6-
كل رغبات الطفل مشروعة وتعبيره عن تلك الرغبات يأتي أحياناً بصورة خاطئة.

7-
كل اضطراب في سلوك الطفل مرده إلى اضطراب في إشباع حاجاته التربوية.


و في ما يلي تفصيل ذلك:

1 - الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة:

أولى مفاتيح عالم الطفل، تكمن فيما ورد عن المربي الأول صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة» ليس هناك من يجهل هذه المقولة، ولكنالقليل منّا من يستطيع توظيف هذا الموقف النظري في تعامله مع الطفل: لأنالمتأمل في نوع التدخل الذي نقوم به تجاه سلوك أطفالنا يدرك مباشرة أننانتعامل معهم على اعتبار أنهم حالة تربوية منحرفة يلزمنا تقويمها، لاباعتبارهم كيانا إنسانياً سليماً، كما يقتضيه فهمنا لمعنى 'الفطرة' الواردفي الحديث الشريف.


فنعمل بمقتضى ذلك المفهوم المنحرف على الوقوف موقفاًسلبياً ومتسرّعاً تجاه أي سلوك لا يروقنا ولا نفهمه، فنحرم بذلك أنفسنا منالانسياب إلى عالم الطفل الممتع والجميل.


إن الإيمان بأن كل مولود يولدعلى الفطرة ليس مسألة حفظ بالجنان وتلويك باللسان، بل هو تصور عقدي ينبنيعليه التزام عملي تربوي ثابت.


فالانحراف عن هذا التصور يجعل سلوكناتجاه أبنائنا منذ البداية محكوما عليه بالفشل الذريع. إذ إنه من مقتضياتالإيمان بولادة الإنسان على الفطرة: الاعتقاد بأن الله تعالى قد منح الطفلمن الملكات الفطرية والقدرات الأولية ما يؤهله ليسير في رحلته في هذهالدنيا على هدى وصواب، وبذلك التصور سيتحدد نوع تدخلنا في كيانه، والذييتجلى في وظيفة محددة هي: الإنضاج والتنمية، لا التقويم والتسوية، أيستقتصر وظيفتنا تجاه الطفل على تقديم يد المساعدة للطفل حتى ينضج تلكالملكات وينمي تلكم القدرات.


بل إن من مقتضيات توظيف هذا الحديث النبويالشريف أنه حينما نلحظ انحرافاً حقيقياً في سلوك الطفل، فعلينا أن نراجعذواتنا ونتهم أنفسنا ونلومها ونحاسبها، لأننا سنكون نحن المسؤولين عنتحريف تلك الفطرة التي وضعها الله تعالى بين أيدينا أمانة سوية سليمة، فلمنحسن الحفاظ عليها، ولم نؤد حقها على الوجه المطلوب..


وبذلك سوف نشفىمن أعراض النرجسية التي تصيب معظم الآباء، حيث سنتمكن من تطوير ذواتناباستمرار عن طريق عرضها على ميزان النقد والتقويم.فالطفل كيان إنساني سليموليس حالة تربوية منحرفة.

2 -الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساساً وليس عبر الألم:

نعم إن خوف الطفل من الألم قد يجعلك تضبط سلوكه ولو لفترة معينة، ولكنك لنتستطيع التعويل باستمرار على تهديده بالألم إذا كنت تريد أن تبني في كيانهقيمة احترام الواجب والالتزام به.


كما لن يمكنك تفادي الآثار السلبيةلما يحدثه الألم في نفسه وشخصيته، وهو ما سنتطرق إليه بعد هذا الجزء منالحديث لا تنتظر من الطفل أن يقوم بما عليه القيام به من تلقاء نفسه وبشكلآلي، بل وحتى بمجرد ما تأمره به، والسبب هو أن مفهوم الواجب عنده لم ينضجبعد، وهو من المفاهيم المجردة التي ينبغي تنشئة الطفل عليها بشكل تدريجي.


فحينما تأمره أن يقوم بإنجاز تمارينه المدرسية مثلاً، فإن استجابته لك لن تتحققما لم تربطها بمحفز يحقق له متعة منتظرة، مثل الوعد بفسحة آخر الأسبوع أوزيارة من يحبه... حتى يرتبط فعل الواجب لديه باستشعاره للمتعة التي سوفيجنيها.

 
فيكون الهدف هو أن يصبح الطفل متعلقاً بفعل الواجب قدر تعلقهبتحقيق تلك المتعة وما يدعم ذلك هو أن الطفل أثناء تنفيذه للواجب، فإنهيفعل ذلك بمتعة مصاحبة، كأن يغني وهو يكتب، أو يقفز على رجل واحدة و هوذاهب لجلب شيء ما.. وعلى أساس هذا الاعتبار تأسست مدارس تعليمية، تعتمداللعب وسيلة أساسية لتعليم الصغار.
ويعتقد بعض الآباء أن ربط الواجب بالمحفزات، وخاصة المادية منها، سوف يوقعهم في تدليل أبنائهم.


وهو ما نعتبره خلطاً في المفاهيم قد يقع فيه الكثير، وبكلمات سريعة موجزةنقول: إن الدلال هو منح المتعة بدون ربطها بالقيام بالواجب، وغالبا مايكون تقديم تلك المتعة استجابة لابتزاز يمارسه الطفل على والديه، بل هيأحياناً منح المتعة مقابل اقتراف الخطأ، وذلك انحراف كبير في السلوكالتربوي تجاه الأبناء.


وما نتحدث عنه نحن بهذا الصدد مخالف كما ترى لهذه الصورة.


إن تفهم هذا الأمر عند الطفل سيجعل تعاملنا معه أثناء إلزامه بفعل الواجبتعاملاً إيجابياً وخالياً من التوتر فالواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذةأساساً وليس عبر الألم.

3 -الزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمناً اجتماعياً:

نعتمد نحن الكبار في تحديد الزمن على ما تعارفنا عليه من وسائل، تطورت عبرالعصور إلى أن وصلت إلى الزمن الكرونولوجي، الذي يعتمد اليوم على الأجزاءالمجزأة من الثواني، وهو في كل مراحله يُعتَبر زمناً اجتماعياً.


في حين أن مفهوم الزمن عند الطفل هو أيضاً من المفاهيم المجردة التي يلزمه وقت كاف لاستيعابها والانضباط إليها والعمل ضمنها.


والزمن الوحيد الذي يعمل الطفل وفقه هو الزمن الذي يحسه هو حسب متعته أو ألمه: فإذا كان مستغرقاً في اللعب، مثلاً، فإنه يعتقد في قرارة نفسه أن الكونكله سيتوقف احتراماً لتمتعه بعمله ذاك، فلا حق لأي كان حسب إحساسه أن يشوشعليه متعته تلك.


وليس المجال الآن مجال مناقشة كيفية تأهيل الطفللإدراك الزمن الاجتماعي، ولذلك سنتكفي بالتأكيد على ضرورة استحضار هذاالأمر أثناء إلزام الطفل القيام بواجب ما في وقت ما، وذلك بمساعدته للخروجتدريجيا من زمنه النفسي إلى زمنك الاجتماعي.


فإذا كان مستغرقاً فياللعب مثلاً، وكان عليه أن ينتهي منه على الساعة الخامسة لينجز واجباً ما،فما عليك إلا أن تنبهه إلى ذلك قبل الموعد بعشر دقائق على الأقل، وإذا كانلديك الوقت الكافي أن تشاركه فيما يقوم به، حتى تدخل معه زمنه النفسي ثمتخرجه منه شيئاً فشيئاً. فالزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمناً اجتماعياً.

4 -العناد عند الطفل نزوع نحو اختبار استقلاله وليس رغبة في المخالفة:

عندما نأمر الطفل أو ننهاه فيخالفنا، نتهمه مباشرة: ' يا لك من ولد عنيد'.


ولا نتوقف للبحث عن الأسباب 'الموضوعية' التي دعته إلى عدم الاستجابة لنا.


يظهر العناد عادة بعد مرور سنتين ونصف، وتسمى سن العناد، ويفيدنا علماء النفسأنه كلما أظهر الطفل عنادا قبل هذا السن كلما دل ذلك على سلامته النفسية.

نعم، فالعناد الطبيعي دليل السلامة النفسية.

ولفهم ذلك نسترجع ما يشبه قصة إدراك الطفل لما حوله: إذ أن الطفل منذ أن تقدر لهالحياة في بطن أمه يكون مرتبطا بذلك الحبل السري الذي يغذيه بالهواءوالغذاء، ويستمر شعوره بالارتباط بالحبل السري مع أمه حتى حينما يخرج إلىهذا العالم.


وحينما يشرع في إدراك الأشياء التي تحيط به ينتابه إحساسأنه عضو من أعضاء أمه، تماماً مثل يديها أو رجليها، تحركه كيفما أرادت،غير أن هذا الشعور يتعرض لأحداث بسيطة تشوش هذا الاعتقاد عند الطفل، ممايحدو به إلى اختباره، وتكون الوسيلة الوحيدة للاختبار هي عدم الاستجابة،أو ما نسميه نحن الكبار: ' عناداً'.
ومن المفارقات التي يؤكدها العلماءأن الطفل حينما يصل إلى حقيقة أنه مستقل عضوياً وإرادياً عن أمه فإنه لايفرح بذلك، بل على العكس يصاب بالألم.


وما يقع عادة أنه مع شعورهبألمه الذاتي فإنه يتعرض إلى ألم خارجي من قبلنا حينما نعاقبه على عنادهوالمهم هنا هو أن نستحضر أن الأمر له مبرر حيوي بالنسبة للطفل، وأنكرامتنا نحن الكبار غير مستهدفة من قبله، وذلك مفتاح أولي للحل.

-5
الفضاء عند الطفل مجال للتفكيك وليس موضوعا للتركيب:
نرتب الفضاء نحن الكبار ليقوم بوظيفة ما: كأن نرتب القاعة لتكون صالحة لعرضمسرحية أو لإلقاء محاضرة، ونرتب الغرفة لاستقبال الضيوف.. فالفضاء عندنامجال للتوظيف، ووسيلة توظيفه هي تركيبه.


أما الطفل فإننا إذا وضعناهفي الفضاء الذي قمنا بترتيبه فإنه سيحيله إلى فوضى كاملة، لماذا ؟ لأنهيحدوه هاجس غير الهاجس الذي يحدونا: يحدوه شغف شديد أن يتعرف على هذاالعالم حتى يكون مؤهلا في المستقبل لتوظيفه، ووسيلته الوحيدة للتعرف عليههي تفكيكه.


وغالباً ما ينشأ التوتر بيننا وبين أبنائنا نتيجة عدماستحضارنا لهذه الجزئية الكبيرة: فلا نعترف للطفل بحقه في التعرف على هذاالعالم، ونرتب الغرفة مثلاً وقد جعلنا المزهرية الرائعة في متناول يديه،مفترضين فيه أن يراها و لا يمد يده عليها، وإذا حصل ما هو منتظر، وهو أنيمد يده عليها، عاقبناه طبعاً.


إن حق الطفل في التعرف على هذا العالميظهر في كل حركاته وسكناته، وعليه فنحن مطالبون بأن نشبع حاجته هذه عنطريق إتاحة الفرص الكافية له كي يتعرف عليه، دون أن يلحق الأذى بنفسه ولاالإضرار بنا.


عرفت أمًا استطاعت بخبرتها أن تجد حلا لمشاغبات ابنتها،التي ظهر عليها اهتمام خاص بالتوابل التي يحتوي عليها المطبخ، فخصصت لهاوقتا وضعت فيه بين يديها كل تلك المواد، وأخذت تعرفها إياها مادة مادة،فعرفتها أسمائها وسمحت لها أن تشمها وتتذوقها وتلمسها وهكذا فقد أشبعت لهاأمها رغبتها في المعرفة وحمتها من تعريض نفسها للخطر.


وهناك وسيلة هامةجدا لإشباع رغبة المعرفة لدى الطفل، وهي تمكينه من الألعاب التي يحتاجها،ذلك باستيحائها من مشاغباته، فمشاغباته تعكس اهتماماته.


ولا ننس ونحن نقتني له ألعابه، أن نختارها من النوع القابل للتفكيك، فإذا لم تكن كذلك فسوف يفككها بطريقته الخاصة: سوف يكسرها طبعاً.

6 -كل رغبات الطفل مشروعة وتعبيره عن تلك الرغبات يأتي أحيانا بصورة خاطئة:

من أهم المبادئ التي يدلنا عليها علم البرمجة العصبية اللغوية أن 'وراء كلسلوك، مهما كان سلبياً، دافع إيجابي'. وإني لأجد هذا المبدأ هو أصدق مايكون على الطفل، باعتباره 'كياناً إنسانياً سليماً وليس حالة تربويةمنحرفة '.

فدوافعه لا تخرج عن الرغبة في تحقيق الحاجات الحيويةبالنسبة إليه: ومنها تحقيق الذات والرغبة في الشعور بالاهتمام والمحبةوالأمن والرغبة في الانتماء وغيرها.. لكنه ولأجل تحقيق تلك الرغباتالمشروعة، فقد يقوم بأفعال 'مزعجة' لنا نحن الكبار:

فقد يبالغ في البكاء كي يعبر عن رغبته في الأكل.


وقد يمزق الصحيفة التي بين يديك كي يثير اهتمامك.


وقد يستحوذ على ألعاب غيره كي يعبر لك عن رغبته في أن تخصص له ألعابا خاصة به.


وقد يرفض الذهاب للمدرسة كي يعبر لك عن رغبته في تحقيق الاحترام الذي يستحقه من قبل المعلمة.
وقد يأخذ السكين ويضع رأسه في فمه ليكتشف هذا الشيء الذي بين يديه.


وقد يقوم بأفظع الأعمال، ولكن يبقى السؤال: كيف يكون رد فعلك غالباً ؟


وعلى ماذا تركز اهتمامك حينها ؟

أغلبنا سوف لن يبالي إلا بالسلوك الخاطئ، ولن يكلف نفسه عناء الكشف عن الرغبةوالدافع الذي هو أصل السلوك، ولذلك فرد الفعل المنسجم مع سطحية التركيزعلى السلوك لن يكون إلا العقاب.


وحينما سيفهم الطفل أنه معاقب على كل ما قام به وما أحس به، فسوف نكون مسهمين في إرباك التوازن النفسي لديه دون أن ندري.


إننا إذا ما استطعنا التمييز بين السلوك الخاطئ والرغبة المشروعة، فسوف نحقق مجموعة من الأمور دفعة واحدة، ومنها:

-
أولاً: إننا سنصبح أكثر تحكماً في ردود أفعالنا تجاه السلوكيات الخاطئةلأطفالنا، فنعاقب الطفل إذا ما عاقبناه على السلوك الخاطئ لا على الرغبة.


-
ثانياً: إننا سنصبح أكثر تفهّماً لسلوك الطفل، وبالتالي فسنجد أنفسنامفتوحين على خيارات أخرى غير العقاب المباشر، ولذلك فقد نكتفي بتنبيهالطفل، أو على الأقل تخفيض مستوى العقاب إلى أدنى ما ممكن.


-
ثالثا: سنكون بذلك التحكم في ردود أفعالنا وذلك التفهم لسلوك طفلنا مسهمين في الحفاظ على توازنه النفسي.
فكل رغبات الطفل مشروعة و تعبيره عن تلك الرغبات أحيانا خاطئة.

7 - كل اضطراب في سلوك الطفل مرده إلى اضطراب في إشباع حاجاته التربوية:

لا يضطرب سلوك الطفل أبدا لأنه قد انحرف، ولكن لأنه يعاني من جوع فيما يخص حاجة من حاجاته التربوية والنفسية.


هذه القاعدة ينبغي أن تؤخذ باهتمام خاص، لأنك عن طريق استيعابها والاقتناع بهافستوفر عليك جهداً جهيداً لا طائل منه في تعاملك مع طفلك: ذلك أنه سيكونبإمكانك بدل أن تفكر في أنواع العقاب والزجر إذا ما لاحظت اضطراباً فيسلوكه، أن تطرح على نفسك سؤالاً مباشراً: ما هي الحاجة التربوية التي فرطتفي تغذيتها حتى اضطرب سلوك طفلي إلى هذا الحد ؟


حينها ستجد الجواب بينيديك واضحا، بل دعني أقول إنك إن قمت بمعالجة سلوكه بتغذية حاجته فسيكونلفعلك ذاك أثر سريع وفعال ترى نتائجه ولو بعد حين.


فقد يقوم ابنك بتكسير ألعابه وأشيائه مثلا ويضرب أقرانه، وقد تعاقبه دون جدوى، بل قد يزداد عدوانية.
ولكنك لو أدركت أنه يعاني بكل بساطة من ضيق مجال تحركه ولعبه أو من شعور بإهمالهحينما اهتممت بالضيوف ولم تحدثه أو تأخذه بين يديك كما تفعل دائماً، لوأدركت ذلك لعملت على تغذية حاجة تحقيق ذاته:بأن توسع له مجال حركته أوترفع من معنوياته بمزيد من الاهتمام، حينها ستختفي بسهولة ويسر كل مظاهرالعدوانية لديه.


وقد يعاني من شدة الخوف مثلاً، فيصبح مزعجاً جداً، لايخطو خطوة إلا إن كنت مرافقه وتمسك بيده.. ومن أغرب ما عرفت أن آباءيشبعون أبناءهم ضرباً لمجرد أنهم يخافون من الظلام، ولا تكون النتيجة فيالأخير إلا أن تتعمق لدى الطفل المسكين مشاعر فقدان الأمن.. في حين أنك لوعلمت أنه يعاني من شعور عميق بفقدان الأمن إما نتيجة مسلسلات العنف التييدمن على مشاهدتها ضمن حصة الرسوم المتحركة، أو لشحك في ضمه والاهتمام بهورعايته، أو لمبالغتك في مراقبته.


لو أدركت ذلك لعملت على تغذية حاجةالأمن لديه: بأن تنتقي معه ما يشاهده وتهتم بضمه والحنوّ عليه ولا تبالغفي مراقبته ومساعدته فكل اضطراب في تغذية حاجة الطفل يؤدي إلى اضطرا فيسلوكه .


استخلاص:

إن استمرار التوتر بيننا وبين أطفالنا،سيشعرهم أننا قاصرين على الفهم السليم لكيانهم ولعالمهم ولدوافعم، الأمرالذي سيحدو بهم تدريجياً إلى نزع ثقتهم منّا، والانزواء في عالمهم الخاص،ليقدموا لنا مع بداية مرحلة 'مراهقتهم' الفاتورة الإجمالية لعلاقتنا بهم،مكتوب عليها:'أنا لا أثق بكم'.

فلنحذر ذلك الموقف وباستحضارك المفاتيح السبعة التي بين يديك الآن، ستكون قادراً- بإذن الله- أن تتفهم طفلك على وجه أصح، وبالتالي ستكون قادراً على اختيار رد الفعلالصحيح تجاه أفعاله، لتتجاوز قدراً كبيراً من أسباب التوتر الذي لا مبررله بينك و بين طفلك، ولتدعم الثقة المتبادلة بينك و بينه.

المصدر: الإسلام اليوم