تأديب الصبيان على خلق الأدب مع الله
من الظواهر السيئة المنتشرة في زماننا ضعف خلق الأدب مع الله لدى الصبيان والبنات، وهذا ظاهر جدًا في تقصيرهم في العبادات الشرعية والأخلاق الدينية والتعامل مع الصالحين وغير ذلك..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن من الظواهر السيئة المنتشرة في زماننا ضعف خلق الأدب مع الله لدى الصبيان والبنات، وهذا ظاهر جدًا في تقصيرهم في العبادات الشرعية والأخلاق الدينية والتعامل مع الصالحين وغير ذلك.
ولهذا الخلق السيء مشاهد في واقعنا:
المشهد الأول: كثير من الصبيان يتساهلون في شرط الطهارة، فتراهم يصلون في المدارس والمساجد بلا وضوء، ويتظاهرون بالطهارة أمام أوليائهم.
المشهد الثاني: كثير من الصبيان يأتون للصلاة متأخرين، وإذا دخلوا المسجد اشتغلوا باللعب ولا يدخلون مع الإمام إلا إذا ركع، ومنهم من يلعب وراء المصلين فإذا أوشكت الصلاة على الانتهاء دخل معهم وتظاهر أنه صلاها كاملة مع الجماعة، ومنهم من يتحدث ويضحك مع صاحبه إذا كان في الصلاة.
المشهد الثالث: بعض الصبيان ينشغلون ويضحكون أثناء قراءة القرآن واستماعه، ولا يلزمون الأدب الشرعي في الاستماع والإنصات لكلام الله، وإذا أخطأ أحد الطلاب ضحكوا عليه وتندروا به، وإذا مرت كلمة غريبة ضحكوا، وهذا من سوء الأدب والجفاء مع أشرف كلام في الوجود.
المشهد الرابع: استخفافهم واستهزائهم بمظاهر الصلاح وزي الصالحين، فإذا شاهدوا رجلًا ملتزمًا بإعفاء اللحية وتقصير الثوب سخروا منه ووصفوه بالألقاب السيئة وحكوا فيه النكت والله المستعان.
المشهد الخامس: بعض الصبيان والبنات لا يعظمون الأذان، فتراهم يرفعون صوت الأغاني والمنكرات أثناء قيام المؤذن بالأذان ولا يقيمون وزنًا لنداء الرحمن.
المشهد السادس: كثير من الأولاد يسُب المسلمين ويلعنهم ويطردهم من رحمة الله لأتفه الأسباب، واللعن والفحش يجري على لسانه كشرب الماء.
المشهد السابع: امتهان المصاحف وكلام الله في الكتب المحترمة، بإلقائها والعبث بها في الممرات داخل المدارس وخارجها بعد الفراغ من الاختبارات.
وهذه التصرفات تظهر من الصبي والفتاة لضعف أدبه الشرعي وتقصير ولي أمره في تربيته، ولو كان تلقى عنه الأدب الشرعي ونشأ على احترام الله وتوقيره وتعظيمه لما صدر تلكم التصرفات منه.
إن هذا الخطأ الجسيم يشترك في مسؤوليته كل من له ولاية على الأولاد من الأسرة والمدرسة، وإن كان المسؤول الأول هو الوالد، ولو أن الصبي شاهد أباه وأمه منذ الصغر وهما يعظمان الله ويوقرانه ولا يصدر منهما قول أو فعل يسيئ لله، لأصبح الولد متأدبًا مع الله ومعظمًا لشعائره ومراعيًا لحقوقه وحريصًا على طاعته. وكثير من الآباء الصالحين يهمل هذا الجانب عند أولاده اعتمادًا على دور المدرسة والمسجد، فيضيع الولد وتصبح هويته مهزوزة وقاعدته هشة.
إن تساهلنا الشديد في تربية الطفل على تعظيم الله وإجلاله له آثار سيئة على الصغير في المستقبل، وينشأ لنا جيلًا مستهترًا في ذات الله، جريئًا على حرمات الله، مضيعًا لحقوق الله، متقبلًا لمظاهر الإلحاد، وهذا شاهد للعيان في بعض المجتمعات التي يسمع فيها والعياذ بالله سب الله علانية وسب الدين في البيوت والأسواق والأعمال، وتقام فيها الحفلات العلنية وأصوات المساجد تصدح بالقرآن من غير نكير، مع أنها تنتسب للإسلام وهذه نتيجة حتمية لكل مجتمع تساهل في تربية أولاده وبناته على الأدب مع الله، ولهذا قال العالم المربي ابن القيم: "من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم".
إنه من المؤسف أن تجد بعض أولياء الأمور يربي ولده وابنته على عادات قومه وتقاليدهم، ويشدد عليهم في الوقت الذي يتساهل معهم في تعظيم الله وتوقيره والأدب مع الله، وهذا من قلة البصيرة والجفاء والجهل. وهناك طائفة أخرى من المسلمين يعتنون أشد العناية في تربية أبنائهم على الأخلاق الدنيوية واكتساب العلوم العصرية، ويقصرون جدًا في غرس تعظيم الله وإجلاله واحترامه كما جاء في الشرع في شخصية أبنائهم، وذلك لتعلقهم بالدنيا وافتتانهم بثقافة الغرب.
إن الشارع الحكيم اعتنى بهذا الخلق العظيم قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر من الآية:67]، وقال تعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح:13]، وأمرنا وأوصانا بأن نربي أولادنا على الأدب مع الله وتعظيمه، ولذلك أوصى لقمان الحكيم ابنه بتعظيم الله ومراقبته فقال: "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض، يأت بها الله إن الله لطيف خبير". وأوصى إبراهيم عليه السلام بنيه بالتوحيد قال تعالى: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة:132].
وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الصبيان إلى هذا الخلق العظيم كما قال لابن عباس: « » (رواه الترمذي). ولهذا أرشد أمته إلى تأديب الصبيان على أمر الصلاة ومعاقبتهم على تركها لتعظيم حق الله فقال: « » (رواه أبو داود والترمذي). وكان صلى الله عليه وسلم يؤدب الصبيان على تعظيم الله عند الأكل كما في حديث عمرو بن سلمة، ويربيهم على الورع عن المحرمات كما في حديث الحسن لما أكل تمرة من الصدقة.
وقد كان السلف الصالح يربون صبيانهم على توحيد الله وتعظيمه، قال سهل بن عبد الله التستري: "كنت وأنا ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يومًا: ألا تذكر الله الذي خلقك. فقلت: كيف أذكره؟ فقال: بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك، الله معي الله ناظري الله شاهدي. فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل كل ليلة سبع مرات. فقلت ثم أعلمته، فقال: قل كل ليلة إحدى عشر مرة. فقلته، فوقع حلاوته في قلبي فلما كان بعد سنة، قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودُم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك. ثم قال لي خالي يومًا: يا سهيل من كان الله معه وناظرًا إليه وشاهده أيعصيه؟! إياك والمعصية. فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المدينة فمضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة".
إن تربية الصبي والفتاة على الأدب مع الله يكون:
- أولًا بغرس محبة الله في قلبه وبيان صفاته العظيمة وأفعاله الجميلة وجلاله ومهابته وذكر عظم مخلوقاته سبحانه بالقصص والأمثال، حتى يعرف الله ويستقر في قلبه تعظيم الله.
- ثم يبين له عظم حق الله علينا وأننا مهما فعلنا فلن نستطيع أن نوفيه حقه.
- ثم يبين للطفل بأسلوب عفوي بسيط كيف نحترم الله ونتأدب معه ونعظم حقه ولا نسيئ إليه بأي تصرف، سواء قصدنا ذلك أم لم نقصد. ومن الأساليب النافعة المجربة نقول له (لو أن الملك والأمير الفلاني طلب رؤيتك فكيف ستحضر بين يديه وكيف ستتكلم معه وكيف ستكون هيئتك؟) فسيقول لك (سأكون في حضرته بكل أدب واحترام وحشمة وسكون)، فتقول له (لماذا)، فسيقول لك (لأن له منزلة عظيمة) فتقول له متعجبًا (يا الله.. كيف تتأدب مع الملك وهو مخلوق عبد عاجز يصرفه الله كيف يشاء ولا تتأدب مع خالق الخلق الملك الجبار المهيمن الذي قهر السموات والأرض وقهر كل المخلوقات).
- وينبغي على ولي أمر الصبي أن يستعمل أسلوب التعليم والزجر والثواب والعقاب والتشويق والترغيب والحوافز، في سبيل غرس توقير الله وتعظيمه في قلب الصبي والفتاة.
- وينبغي على الوالدين أيضًا أن ينبها أبنائهم على احترام الله في الألفاظ والكلام، فإذا سمعا منهم كلمة أو عبارة فيها نوع إساءة لله بينا لهم أن هذا الكلام لا يصلح مع الله، لما فيه إساءة وانتقاص لحق الله وسوء أدب مع الله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الأدب مع الله في الخطاب وينكر عليهم أي كلمة تسيئ إلى الله ويسبح منزها لله، حتى لو كان قصدهم التقرب لله. ومع الوقت سينشأ لدى الأولاد ذوق ديني وعقيدة راسخة وأدب رباني وصيانة في الكلام وحسن أدب مع الله.
- ومن الأساليب النافعة أن يغرس الأب في ابنه تعظيم العلماء وأهل الفضل، ويدربه على تقبيل رأس العالم وكبير السن والاحتفاء به والسلام عليه، ويبين له أن تعظيمه من إجلال الله كما ورد في الحديث: «إ » (رواه أبو داود).
- ومن الوسائل النافعة في هذا الباب أن يحرص الوالد على أن يري صبيه آيات الله العجيبة ومخلوقاته الخارقة، ويلفت نظره ويربيه ويعوده على مهارة التفكر فيها، فإن الصبي إذا أكثر من التفكر في آلاء الله شاهد عظمة الله ووقر اليقين في قلبه وملأ نور الإيمان فؤاده، وأورثه ذلك تعظيم الله وإجلاله ومراقبته والحياء منه.
وينبغي على المؤسسات الخيرية والدعوية أن تسعى في نشر البرامج والمشاريع التي تعزز خلق الأدب مع الله في قلوب أبنائنا وبناتنا عن طريق المسابقات والدورات، ولتركز على هذا الجانب وتستهدف الفئة العمرية للأطفال لأن صلاح الأطفال ونشئتهم على إجلال الله وتوقيره له أثر عظيم في صلاح الأمة في المستقبل، وضياعهم عن هذا المبدأ ضياع للأمة وأعظم قيمة لنا نحن المسلمين توحيد الله وتوقيره وحفظ حقوقه.
الفقير إلى الله
خالد بن سعود البليهد
6/2/1436