نموذج من الرياء الاجتماعي
ويبقى النمط الثالث الذي هو محكوم بالعادة (السلو) فقط.. يخشى الملامة من الجمهور.. ويعمل حسابًا للقطاع العريض الموصوف بالمتشدد، ولكن عن غير ديانة ولا قناعة..
يعجبني كثيرًا ذلك الشخص المتسق مع أفكاره وآرائه وإن كانت مرجوحة عندي؛ فإن وجود شخص تحكمه قواعد لا يحيد عنها علامة صحة واتزان، ويمكن التنبؤ بآرائه على الحوادث والمواقف مسبقًا.
لكن هناك ما يعرف بالرياء الاجتماعي في أبواب اﻵراء؛ فمعلوم أن هناك قناعات راسخة صارت كما اﻹجماع عند بعض الفئات والجماعات والطبقات لا يمكنهم الخروج عنها في الظاهر؛ خوف الملامة أو اﻹزراء والحط من مخالفيها، وإن كان بعضهم من المخالفين لها في الباطن، المنتهكين لها سرًا.
ومن ذلك حال بعضهم في التعامل مع اﻷخوات على هذا العالم اﻷزرق؛ فهم محكومون بطبيعة القواعد التي تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة بعضهم ديانة وهو المحمود. وبعضهم عرفًا، وهي عند البعض في غاية الصرامة، حتى ليكاد لا يقبل صداقة النساء من اﻷساس، وربما بالغ فقصر التعليق على الأصدقاء.
وهذا حقه لنفسه، ما لم يلزم به غيره، وينكر على من يقبل بالصداقة، أو يعلق على منشور جيد يستحق التعليق، وإن كان لإحدى الأخوات؛ حيث وجب علينا إحقاقًا لقيمة الكلمة أن نفصل بين المنشور في حد ذاته، وجنس صاحبه ذكرًا كان أم أنثى. عمومًا هذا حقه ولا نكير عليه، طالما أنه يرى ذلك أسلم لدينه، وأبرأ لذمته، ومثل هذا النمط أقدره وأجله، ورحم الله من ذب الغيبة عن نفسه.
وهذه القواعد عند البعض اﻵخر أكثر مرونة، لكنه يظل محكومًا بقواعد الدين والخلق. فهو وإن قبل مثل هذه الصداقات، لكنه يقتصر على صفحته لا يتعداها ليلج على اﻷخوات صفحاتهن، وإن علق فبحسب ما يقتضيه الحال؛ بلا إسفاف ولا تكلف. وهذا أيضًا حسن ولا نكير فيه!
ويبقى النمط الثالث الذي هو محكوم بالعادة (السلو) فقط؛ يخشى الملامة من الجمهور، ويعمل حسابًا للقطاع العريض الموصوف بالمتشدد، ولكن عن غير ديانة ولا قناعة. ولهذا فبينما هو يرفض التعليق على صفحات الأخوات؛ خوف الرزاية، إذا هو يقتحم عليهن خاصهن! وحين تسأله الأخت: ولمَ لم تكتب هذا في التعليقات على المنشور؟! يجيب -والبلادة حاديه-: عذرًا أنا لا أعلق على صفحات الأخوات؟!
(طب نسمي دخولك على الخاص عندهن إيه؟!!)
تعال وانظر إلى الوقور على العام، ثم انظر كيف حال وقاره على الخاص؟!
هذا الذي عنيته هو أحد تجليات الرياء الاجتماعي للعرف السائد. لا يراعيه ديانةً ولا اقتناعًا، وإنما يراعيه قهرًا وانصياعًا للرأي الجمعي الغالب.
إنه نوع من الانفصام الشديد يعبر عن وزن الخلق المتضخم عند هذا المتحرج. حقيقته: خفة وطيش ونزق، وإن خرج على الناس خرج وقورًا في دثار الحكماء!
المتلاعبون هم قردة هذا العالم. (لسه بدري قوي).
اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
- التصنيف: