مقومات طالب العلم - من حق العلم.. أن تطلبه مُخلِصًا مُتجرِّدًا، لا مُفتِنًا مُتصيِّدا .. !

منذ 2016-03-23

رُوي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: "يقرأ القرآن رجلان .. فرجلٌ له فيه هوى ونيَّة، يُفْليه فَلْي الرأس - أي يبحث ويُفتّش -، يلتمس أن يجد فيه أمرًا، يَخرج به على الناس .. أولئك شرار أمَّتهم، أولئك يُعمي الله عليهم سُبل الهُدى !
ورجلٌ يقرؤه ليس فيه هوى ولا نيَّة، يُفْليه فَلْي الرأس، فما تبيَّن له منه؛ عمل به، وما اشتبه عليه؛ وَكلَه إلى الله .. ليَتفقهنَّ فيه فقهًا، ما فَقِهَهُ قومٌ قط !
حتى لو أن أحدهم مكث عشرين سنةً، فلَيبعثن الله له من يُبين له الآية التي أشكلت عليه، أو يُفهمه إيَّاها من قِبل نفسه". انظر: مجموع الفتاوى

قلتُ:
ومثَل القرآن هاهنا كالسُّنة، وعموم الآثار والأدلة والأخبار .. !
فلا يَليق بطالب الحقّ والعِلم، أن يتفحَّص النصوص والأدلة، ويُفتّش ويُقمّش داخل الكُتب والمصادر، وداخِله هوًى مذموم لقضيّة، أو تربُّصٌ مشؤوم، وفساد طَويَّة !
فمِثلُه لا يُوفَّق للخير بحال، ولا يَفتح الله له، ولا يُحصِّل من العلم ما يَنفع ويَهدي !
حالُه كحال الغراب الأسوَد، الذي حلَّق فوق حديقةٍ غنَّاء، لكن بصرَه لم يقع منها إلا على مواطن الزُبالة والجِيَف..!
يُسامِي أسلافَه هؤلاء: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران:7].

فذمَّهم؛ لأنهم ما طلبوا العلم والتأويل، لأجل العلم والحقّ والاهتداء، وإنما طلبوا منه ما يوافق أهواءهم، ويُرضي شهواتهم الخفيَّة، في فتنة الناس والتلبيس عليهم !

أما من طلب العلم والحقّ، وبحث وفتّش واجتهد ونظَر، مع إخلاص قَصده، وسلامة نيَّته، وتحصيلًا لما فيه الخير والهُدى؛ فمِثلُه حَريٌّ أن يُوفِّقه الله، ويُفقِّهه في أمر دينه، ويُبَصِّره بمفاتح العلم وبركاته .. !
ومِن ثَمَّ يُوفَّق للعَمل والهُدى، والثبات والرشاد، والحكمة والسَّداد .. !

فيا طالب العلم :
لا تَتصيَّد من العلم؛ ما تُحيِي به فتنةً خَمدَت، أو مِحنةً خَملَت، أو شُبهةً نَفقَت .. !
ولا تَقفُ ما ليس لك به علم !
فإن للعلم مَوردًا، ولاستعمالِه أصولًا، ولِسَوْقه قواعد ومقاصد !

وفي الجُملة:
فمَن لم يجعل اللهُ له نورًا، فما لَه من نور .. {وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}[المائدة:41].

أبو فهر المسلم

باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله

المقال السابق
فارق لطيف بين النيَّة والإخلاص .. !
المقال التالي
دُرَّة علميّة.. لكلّ من أفتَى، وعلَّم، وبلَّغ، عن اللهِ ورسولِه!