عرض كتاب: (الحُكم والتحاكم في خطاب الوحي) - 3

منذ 2017-03-14

للحكم بما أنزل الله خصائص تميزه عن غيره؛ لأن الشريعة التي نتحاكم إليهاهي صبغة الله، ومن خصائص الحكم بها: (الربانية) حيث تنعكس على الحكم بها معاني أسمائه تعالى وصفاته من العلم والحكمة واللطف والخبرة والإحاطة.

26- للحكم بما أنزل الله خصائص تميزه عن غيره؛ لأن الشريعة التي نتحاكم إليهاهي صبغة الله، ومن خصائص الحكم بها: (الربانية) حيث تنعكس على الحكم بها معاني أسمائه تعالى وصفاته من العلم والحكمة واللطف والخبرة والإحاطة.

وقد تمثلت فيها بهذه الربانية صفات لا يمكن أن تتوافر في تشريع بشري، مثل: (الثبات) و(العصمة) و(الخلود) و(البركة المتجددة) و(الاستقلال) و(البراءة من الهوى) و(التوسط) و(التوازن).

27- ومن خصائص الحكم بالشريعة: (الكمال والشمول) فشريعة الإسلام عامةً وناسخةً وخاتمة. ولكمال هذه الشريعة وشمولها مظاهر متعددة منها: الثراء، والاستغناء، وتجاوز حدود الزمان والمكان، والمرونة، والوفاء بمصالح البشر.

28- ومن خصائص الشريعة الإسلامية: (العدالة والمساواة) فالشريعة تجعل العدل فريضةً في الأمور القولية والفعلية والعائلية والمالية والقضائية والتعبدية والنفسية وفي المعاملات القلبية والأمور السياسية، وفيما يتعلق بالتعامل مع الأعداء الكفار ، أو مع أهل القبلة من أبرار أو فجار.

29- العدالة في حكم الإسلام مودعة في أحكامه نفسها، فمن حكم بالشريعة حكم بالعدل، بخلاف الشرائع الوضعية التي تعتبر العدل هو تنفيذ القانون ولو كان ظالماً، وتجعل العدالة مبدأ يُلجأ إليه لتلطيف أحكام القانون الصماء، بينما العدل والعدالة في الإسلام وصفان لشيء واحد.

30- للحكم بالشريعة مقاصد ينفرد الإسلام بتوخي تحقيقها: أولها: تحقيق العبودية لله، فالحاكمية تقصد إلى تحقيق التوحيد، ومن الحكم الإسلامي: إقامة الدين في الأرض عن طريق: نشر العلم وإطلاق الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد في سبيل الله.

ومن المقاصد أيضا: توخي الإصلاح في كل شؤون الدنيا والآخرة، حيث يدور منهاج الشريعة حول أمور ثلاثة فيها مصالح العباد، وهي (درء المفاسد) و(جلب المصالح) و(الجري على مكارم الأخلاق)


31- الدولة الحاكمة بما أنزل الله تقوم على ثلاث دعائم يصلح أمر الأمة بصلاحها، وهي:

(أ) الحاكم الصالح: وهو الإمام المستوفي للشروط الشرعية، التي إذا توافرت فيه ضمنت الصلاح المرجو في الحاكم المُصلح.

(ب) الرعية الصالحة: وصلاحها يتحقق بقيام الحكام بواجباتهم نحوها، وقيامها بواجباتها تجاه ولاة أمورها المتحاكمين للشريعة.

(ج) نظام حكم شرعي: وأصدق ما يمثله نظام الخلافة الذي سادت الأمة به العالم عند تطبيقها الصحيح له، حيث نظام الحكم الإسلامي قواعد دستوره من الكتاب والسنة، ومن إجماع الأمة على ما يفهم منهما، وحيث يقوم هذا الدستور على قواعد ثلاثة أساسية هي: إفراد الله بالحاكمية –والطاعة للولاة في طاعة الله – والشورى بين خواص الأمة.

32- لم يكتف القرآن بعرض الأصول النظرية للحاكم الصالح، بل عرض من خلال قصصه أنماطاً من سلوك الحكام الصالحين، كان أبرزها: يوسف عليه السلام، وسليمان عليه السلام، وذو القرنين الحاكم الصالح، ومن خلال قصصهم في القرآن تستنبط فوائد غزيرة مما ينبغي أن يتحلى به الحاكم من صفات.

33- رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل القمة التي وصل إليها البشر في مجال الحُكم الصالح المصلح، فقد تجمعت في شخصيته عليه الصلاة والسلام الصفات التي تفرقت في جميع الأنبياء والمرسلين. وقد قام عليه الصلاة والسلام بأعظم دور إصلاحي في التاريخ البشري، بحيث لم يُسبق في ذلك ولن يُلحق، ونظَّم للأمة العلاقات والصلات الهامة الثلاث، وهي: صلة الأمة بربها، وصلتها بعضها ببعض، وصلتها بغيرها، وقد توافرت في شخصيته عليه الصلاة والسلام كل عناصر القيادة الناجحة للأمم في أوقات السلم والحرب، فكان أسوة للحكام، وصحابته أسوة للرعية.

34- الأحكام الشرعية لدينية التي أُمرنا بالامتثال لها؛ توازيها أحكام قدرية كونية، أمرنا بالإيمان والإيقان بها ومراعاتها، وهي أحكام الله فيمن امتثل أو أعرض عن الأحكام الشرعية، وتلك الأحكام القدرية هي المعبر عنها في القرآن بـ (السُّنن). فالسنن الإلهية في الأنفس والآفاق توضح لمن استقصاها الآثار الطيبة التي تقتطف عندما يمتثل الناس ما أنزل الله، وتبين كذلك الآثار السيئة التي يجنيها الناس من جراء الإعراض عن حكمه، وهي تمثل مادة غزيرة في القرآن؛ تستخرج بالتدبر والتأمل.

وهذه الآثار المعبرة عن أحكام الله القدرية، تخص الدنيا وترتبط بها الأحكام الجزائية في الآخرة، فلهذا كان في إقامة الشريعة عز الدنيا والآخرة للمسلمين، وفي تنحيتها شقاء الدنيا والآخرة.. أما من كفروا بالمنزل من عند الله وعاندوه ابتداءً ممن ليسوا على الملة؛ فإنهم يُمهلون ويُستدرجون ويُملى لهم بحسب السنن ؛ حتى يروا يعاينوا العذاب ويعانوا بلا مخرج من العقاب.. { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178]