لكم يغني الربيع
منذ 2005-04-19
في موسم الورد.. تلاقينا بلا وعد..
كان كلّ شيء يرِفُّ ويزهو في لونٍ وعطرٍ وجمال..
فالأقحوان قد أزهر.. وشقائق النعمان ارتدت ثوبَها الأحمر..
والأرض اختطفت من سماء الشتاء " قوس الألوان".. ثم نثرته على شفاه الأزهار.. وعلى أجنحة الأطيار ..
والعصافير تتداولها الأغصان، والفراش جزْلٌ حائر، لا يقرّ له قرار.. فكأنه زهرٌ طائر، أو أحبّة في لحظات الانتظار..
وكان الجمال يختال في موكب نصره، وكانت الطبيعة كلها محراباً أخضر..
{ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ }..
وجاء طفلُ الشهور المدلل، آذار.. فباحت الأرض بالأسرار.. يفضحها فم الأزهار..
وجاء الأطفال إلى صديقهم آذار، يدعونه ليرتعَ معهم ويلعب!
جاؤوا يواثبون الطيور.. ويعابثون الزهور.. ويسابقون الجدول والغدير..
وشغلتْني حدائقُ وجوههم عن مفاتن الربيع.. فأخذوا عليَّ أقطار نفسي، فكان لي ولهم حديثٌ طويل، وسرى بي منهم شعور جميل..
كانوا مندفعين أبداً إلى ما وراء السعادة..
فالفرح الحيّ يغمر قلوبهم حتى يفيضَ ضحكاً على ثغورهم، ورضاً في عيونهم..
ولا عجب، فقد أُحِلت لهم الأحلام.. وحُرِّمت عليهم مخاوف الأيام..
كانوا يصوّرون الحقائق بألوان أزهى من ألوان سجّادة الربيع..
فيجرّدون الحزن من معناه، والفرحَ من معناه، ثم يسكبون فيهما من معانيهم..
ففي أرواحهم يتصاغر الحزن الكبير، وفي قلوبهم يتعاظم الفرح الصغير!
كانوا يصنعون سعادتهم العظمى من أشياء صغيرةٍ، صغيرة..
من ثوبٍ أو دمية أو قطعة حلوى!
كانوا غافلين عما يدور في عالمنا المسكين من ظلم وقهر وخراب.. باسم " الحرية ومكافحة الإرهاب"! وكم من الجرائم تُرتكب باسمك أيتها "الحرية ؟!" ..
كانوا خاضعين لقانون واحد هو قانون الفطرة التي فطرهم الله عليها، واثقين من أن العالم لن يتجرّأعلى أن يعبسَ -علانية- في وجه الأطفال..
وواثقين من أن المقعد الأول هو دائماً للأطفال..
هؤلاء الأطفال -وأستعير البيان الرافعي-: (هم السهولة قبل أن تتعقّد.. فلا يعرفون قياساً للزمن إلا بالسرور.. فهم يفتشون الأقدار من ظاهرها، ولا يستبطنون كي لا يتألموا بلا طائل..
قانعون يكتفون بالثمرة، ولا يحاولون اقتلاع الشجرة..
ويعرفون كنه الحقيقة، وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها..
فيجدون من الفرح في تغيير ثوب للجسم، أكثر مما يجده القائد الفاتح في تغيير ثوب المملكة !. وتحتدم بينهم المعارك، ولكن لا تتحطم فيها إلا اللعبْ !) ..
وفي لوحة الربيع، رأيت الطفولة عالماً رحباً عبقرياً، لا يعرف مداه غير من تذوّق طهر الجمال فعانق الأطفال..
وفي دنيا الربيع، رأيت الطفولة دعوة لرحمة الله كي تغشانا رغم ما اجترحْنا من ذنوب..
ورأيتها دعوة لملائكة الله حتى تحضر في حدائق الفطرة الأولى نشيد " براءة الإنسان "..
فيا أطفالنا الصغار.. بل يا آمالنا الكبار !
أنتم نصف الحاضر، وكل المستقبل.. معكم نتنزه في حدائق الفطرة والتوحيد.. لنسمع من جديد لحن البراءة الأول..
ويا أطفالنا !
أنتم في بستاننا الذاوي براعم حياةٍ تشقُّ الصخور في طريقها إلى النور.. وها أنذا أقدّم لكم فكري وروحيَ المُذابْ.. لحناً سعيداً ينضمُّ إلى ضحكاتكم العِذابْ..
فإليكم تهاجر مواسم اللون واللحن والعطر.. وإليكم تسافر مراكب الشعر، فغنّوه، ولا تقرؤوه.. فالكون غنّى قبل أن يتكلم..
غنّوه.. فشعري لن ينضج إلا في حناجركم ..
غنوه في مروج آذار .. حيث تغني الأطيار ..
ويا أطفالنا!
كم يعجبني سِربكم البديع ..
فضمّوني إليه ..
فلكم يغنّي القلب .. ولكم يغني الربيع ..
المصدر: موقع صيد الفوائد
- التصنيف: